رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه - الفصل 54 - 1
رواية كما يحلو لها
الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه
رواية جديدة كما يحلو لها
تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى
من قصص وروايات
الكاتبة بتول طه
النسخة العامية
الفصل الرابع والخمسون
لو كان يظن أنه سيعيش بهذه اللحظة منذ أول
مرة رآها بحياته عن طريق الصدفة لما كان صدق أن ما يشاركاه قد يحدث الآن، لا يريد
أن يبالغ ولكنه في نفس الوقت لا يملك المقدرة على الابتعاد، ولأول مرة منذ أن
عرفها يجدها متقبلة كل ما يحدث دون أي وجه اعتراض.
استند بجبينه على جبهتها مغمض العينين، لا
يريد لهذا الشعور أن يغادره أو يتهرب منه، تمنى لو دام للأبد ولو كان السبيل أن
يفقد المقدرة على الرؤية طوال حياته.
بدأ في تنظيم أنفاسه وتفقدها ليجدها مُنكسة
رأسها لأسفل ووجهها يصرخ بالحمرة لا يدري أخجلًا هذا أم نشوة خالصة بتبادلهما لهذه
القبلة التي لن ينساها أي منهما على الإطلاق.
ود أن يقول الكثير في مثل هذه اللحظة ولكنه
لا يريد أن يُزعجها أو يُشعرها بعدم الراحة، يقسم أنه لم ينوي فعل هذا عن قصد ولكن
بمجرد رؤيتها بهيئتها هذه بعد يوم طويل لم يشعران خلاله سوى بالسعادة الخالصة، لا
يفهم ما الذي حدث حتى يصلان لهذه المرحلة.
-
نفسي نخلينا هنا ونأجل السفر ونفضل مع بعض،
بس ثواني كمان ومش هاعرف اسيطر على نفسي.
همساته إليها جعلت نبضات قلبها تتسارع أكثر
وازدادت خجلًا بعد أن أدركت أنهما للتو تشاركان بقبلتهما الأولى ولم تقو على
الكلام بينما وجدته يرفع خصلاتها التي حاولت الاختباء خلفها بصحبة أنفاسها
المُرتبكة وأرغمت نفسها على أن تتملك بعض الجرأة لتأتي كلماتها غير مباشرة بهمس:
-
اليوم كان حلو أوي بجد. شكرًا يا يونس.
اتسعت ابتسامته وهو يفهم ما تُرمي إليه
فمازحها قليلًا:
-
اليوم ولا البوسة؟
وجدها ترتبك أكثر لتنجح في اثا رة شفقته
فتدارك قوله المازح سابقًا:
-
خلاص خلاص، اليوم حلو فعلًا، أنا هنزل
استناكي في الـ lobby لغاية ما تغيري هدومك.. أنا
عارف لو فضلت معاكي أكتر من كده أخوكي هيروح يقدم بلاغ في السفارة!
رفعت عيناها على مُكث وهي تطالعه وأومأت له
بالموافقة فاطمئن لرؤيتها تبتسم ومقلتيها مليئتين بالسعادة فلم يستطع منع نفسه من
مشاكستها مرة ثانية:
-
يعني الـ view بالخدود والشعر عملوا فيا كده، السؤال بقا، يا
ترى فيه ايه مستنيني بعد الجواز؟ عايز اعرف وأشوف بالتفصيل الممل يا ريت!
لم تتوقف ابتسامتها وتهلُل ملامحها ولكنها
زجرته لكي يتوقف عن تلك الكلمات المُخجلة التي تتركها في حالة من التوتر الشديد:
-
يونس، امشي بقا لو سمحت.
اقترب نحوها وضـ ـمها إليه رغمًا عنها ثم قبل
جبهتها ليُخبرها قائلًا:
-
حاضر، هامشي، بس متتأخريش عليا عشان مش ضامن لو
فضلت معاكي هنا أكتر من كده ايه اللي ممكن يحصل.
اتجه نحو باب الغرفة ومنها للخارج وتابعته
بعينيها حتى تأكدت من مغادرته وزفرت بعمق وراحة وكم تمنت لو أن هناك أحد بجانبها
حتى يؤكد لها أن كل ما مرت به اليوم كان حقيقة وليس مجرد خيال!
كلما تيقنت من أن ما تمر به هو سعادة خالصة،
كلما يُعلى عليها رعبها وخوفها لو أن تلك الفرحة تهربت من بين يـ ـديها في لحظة
واحدة، لا تستطيع الاطمئنان بعد، تشعر أن هذه الحياة لا تستحقها فتاة اعتادت على
حياة أخرى تمامًا.
❈-❈-❈
منذ نصف ساعة..
- لأ ليه لازمة عشان أفهم كل يوم أنا ضيعت ايه!
في لمح البصر كان
يُقبلها، لا تدري هل لانعدام الضوء وخبثه، أم هذا مجرد تتابع لهذا الهدوء الذي
كانا يمران به بالأيام الأخيرة، أم من أجل اليوم، عليه أن يبتعد، لن يُمكنها
الموافقة أبدًا على ما يفعله، لن تقبل أبدًا مجاراته بهذا، تتمنى فقط أن تجد
المقدرة على صده!
لحظة من تآلُف لبعض الثواني جعله يُدرك
تمامًا ما أضاعه بفعل يـ ـداه، حياة كانت لتُصبح أفضل حياة على الإطلاق مع امرأة
يعشقها وكل ما طالبت به كان قليل، عدة جلسات وبعض العقاقير والامتناع عن السا دية
وسعادة ضئيلة، لماذا لم يفعل كل هذا؟ لو كان يقصد أن يخسر لما كان فعل أفعاله
الشنيعة! ألم يستطع أن يسألها يومها لماذا ذهبت لهذا العقار؟ ألم يتمكن من
المحاولة بأن يفهم الأمر؟ لماذا حكم عليها بالخيانة؟ لم فعل بهما ذلك؟
-
عمر أرجوك، مش هينفع!
هل يوقظه لهاثها بصحبة توسلها الذي لطالما
بحث عنه بها؟ أم يجعله يشتهي المزيد؟ لا يفهم ما الذي يحدث، ولكن هناك هذه الأشياء
التي عليها أن تفهمها ويتأكد من أنها تعيها بالكامل، لن يُمكنه الاستمرار ليُعذب
أمامها ومعها كلما وقعت عينيه عليها!
حاول التقاط أنفاسه ونطق بتثاقل بين أنفاسه
المحمومة:
-
أنا عايز افهمك إن..
لم يستطع كبح نفسه التي تحرضه على المزيد لِما
اشتاق له منها وأعاد الكرة ليجدها تتمنع، وبكل جزء من الثانية يمر تتلاشى إرادتها
في الهروب وتتصاعد إرادة أخرى في اشتهاء المزيد مثله، في الظلام أو حتى أسفل
التراب، سيشعر دائمًا بما بداخلها وسيتفهم للأبد ما تريده كلما لامـ ــسه جـ ـسدها
وتآلفت شـ ـفاههما بتلك الأنفاس المحرضة على دوامة لن يصمد أي منهما بداخلها!
ابتعد من جديد وهو يحاول أن يخمد هذا الحريق
المتأجج بداخله وأجبر نفسه على التحدث قبل أن تظن هي أمر آخر فقال بخفوت:
-
افهمي إني مش بستغل الفرصة، أنا مبعرفش اسيطر
على نفسي معاكي، والفترة الأخيرة دي وجودك معايا بقا بيعذبني. أنا فاهم إن اللي
بعمله ده غلط بس..
قبلة أخيرة، واحدة فقط وسيتوقف بعدها، لابد
من أنها تعاني بسبب الظلام أو يُذكرها بأسره لها في هذا الصندوق، تبًا لماذا يُفكر
في هذا الآن؟
انتقلت يـ ـداه ليتمكنا من تثبيت وجهها وهو
يقنع نفسه أن هذه القبلة ستكون الأخيرة، حتى لو أصبحت أكثر من مجرد لحظة ماجنة
بشغف حمله لطيلة عام ونصف العام عندما أصاب عنـ ـقها بتوالي من مدا عبات شـ ـفتاه
التي اشتاق هو لفعلها وجعلتها هي كالمشلولة لا تقوى على المتابعة ولا صده!
شعرت بهذا الاحتراق ينعكـ ـس على عنـ ـقها وجـ
ـسده المستجيب عندما ارتطم بها كان بمثابة كارثة حتمية جعلت ضربات قلبها تتسارع
أكثر من أي مرة اقترب لها بها وهمسه الذي لا يوافق ما يفعله وهو يهمين على
تحركاتها بقوة شديدة جعلت دماء رأسها تغلي مما يحدث:
-
مفيش حل، العلاج مش هيجيب نتيجة للي بيني
وبينك، مش عارف امنع نفسي ولا أبطل تفكير فيكي، صوت جوايا بيقولي إنك مراتي وعادي
لو لمـ ـستك، ومليون صوت بيقولي مينفعش أقرب منك تاني.. مفيش حل غير إني ابعد
عنك.. لما كنتي بعيد عني كنت مرتاح من الموضوع ده. أنا آسف، مش عارف افسر اللي
بيحصل ازاي، بس أنا متأكد إنه غلط، مش من حقي أصلًا، ولا ينفع!
وجد أن كلماته غاية في عدم التناسق وليس هناك
معنى واضح ومباشر لكي تتفهمه لينزعج من نفسه ولكنه تابع ما يفعله لتوقفه قائلة
بحزم حاولت أن تتملكه بكل ما لديها من قوة:
-
تقصد تقول إنك متأكد إنك غلطان، وعارف إنك مش
هتكمل معايا، وبتعمل كل اللي تقدر عليه عشان تبعد بس بمجرد ما يبقا بيني وبينك
هدوء ونقرب من بعض كل حاجة بتتغير..
تبًا، لقد استطاعت صوغها بطريقة أفضل منه،
وسؤالها التالي جعله لا يدري هل يمـ ـزق ثيابها أم يذهب ليقتل نفسه!
-
مش كده؟
حاول الابتعاد والخزي يملأه بينما لم ينجح،
وحارب حتى يوقف نفسه ففشل ببشاعة، وكافح بكل ما يملكه من قدرة سيطرة على نفسه
لينتهي أمامها كمراهق لأول مرة يقترب من امرأة في حياته، ولكنها هي كالعادة من
تستطيع أن تغير كل شيء، ولمّ لا وهي من غيرت حياته بأكملها رأسًا على عقب:
-
أنا كنت زيك، من أول ما شوفت صورة يمنى لغاية
اليوم اللي واجهتك فيه بالورق وقولتلك عايزة اتطلق.. وعندك حق البُعد هو الحل
فعلًا.. أنا كنت مصممة ابعد عنك لغاية ما تكون إنسان كويس بس حتى دي مدتنيش الفرصة
وكأن مش من حقي اتطلق زيي زي أي ست، أفضل معاك طول اليوم بتمنى إن تحصل معجزة
تخلينا كويسين زي ما احنا بس العقل بيقول إن مينفعش! مش ده اللي أنت حاسس بيه
ومعذبك أوي؟
هدأت أنفاسها قليلًا عندما ابتعد وتوقف عما
يفعله ولأول مرة تشعر بالامتنان الشديد لشيء فعله وهو لا يستطيع رؤية ملامحها في
هذا الظلام لتتابع:
-
أنت دلوقتي قادر تتكلم ومش خايف زي ما أنا ما
كنت خايفة زمان لو عرفت إني مصممة على الطلاق، كنت مجبرة أعيش بوشين عشان أقدر
انجح في اللي أنا عايزاه وشايفاه صح، لما ابقا في حضـ ـنك كنت ببقا طايرة في السما
وبمجرد ما بنبعد بفتكر أنا عايزة ايه وأننا كان يستحيل نكمل مع بعض وأنت مصمم
متتغيرش وتفضل زي ما أنت.
انطلقت منها أنفاس مُثقلة بهمٍ ثقيل لن يفهمه
سواه هو وحده وامتنت أنه لا يراها تبكي لتتوالى الكلمات التي نقلتها أنفاسها بألم
جعلها تتيقن أن تلك الجروح بداخلها قد تظل مستمرة للأبد دون أن تتغير:
-
انا مبقتش البنت الصغيرة اللي مش فاهمة
وبتسأل، أنا عارفة كويس اننا فيه ما بينا مشاعر وبنفهم بعض من نظرة العين وsexual attraction كبير اوي وياما ناس كتيرة بتتجوز مرة واتنين ومش بيلاقوا ده أبدًا طول
حياتهم ولا بيفهموه ولا بيجربوه لغاية ما بيموتو، متأكدة إنك بتحبني، ومتأكدة
دلوقتي إنك فعلًا بتتعالج، بس أنا منستش حاجة من اللي حصلت.. يمكن علاقتنا اتحسنت
في الفترة الأخيرة بس ده مش معناه إن يالا بينا نرجع وكأن حاجة محصلتش.
حاولت السيطرة على دموعها لكيلا تنتقل
لنبرتها وأضافت بخفوت:
-
كسبت جزء من ثقتي مش هانكر بعد كل اللي أنا
شايفاك بتعمله، يا ريت تكمل عشان الهدوء ده أنا مش عايزة اخسره، والمهم إنك تشوف
حل يخلنا نبعد عن بعض في أسرع وقت!
مهما حاولت التظاهر بأنها تغيرت في كل شيء
سيبقى بداخلها تلك الفتاة التي لا يمكنها أن تتبدل ولو واجهت أضعاف مضاعفة مما
واجهته معه، هي تبكي وتحاول أن تُخفي هذا ولم تفعل سوى اصابته بالحزن ورغبة مُلحة
في البكاء ولكنه تماسك قدر استطاعته وهو يُعقب بإحراج:
-
أنا آسف.. النهاردة بالذات والفترة اللي فاتت
كلها، خلوني مبسوط وكل اللي بفكر فيه هو إني أقرب منك.. مش هتحصل تاني.
دام الصمت لبرهة التقط خلالها أنفاس استطاعت
مساعدته على عدم بُكائه بينما هدأ هي بُكائها لتبدأ اللحظات تطول دون أن يتحرك
أيًا منهما فأخبرته بسخرية:
-
يا ريت لو عايز نلحق الطيارة في معادنا ونرجع
احنا واختك وخطيبها، تطلع برا وتولع النور.
تنهد وهو يشعر بغبائه الشديد على فعلته ليضع
البطاقة في المكان المخصص لها وسرعان ما انتشر الضوء في الغرفة لتتحاشى النظر إليه
بينما تفقدها مليًا ليظن أن هذه آخر كلماته:
-
أنا هرجع النهاردة البيت عندي وهقول لعنود كل
حاجة.
التفت لكي يغادر فأوقفته بتصميم:
-
بلاش النهاردة، هي مبسوطة اوي، بلاش، هي في
لحظة حاسة فيها بسعادة نستها كل حاجة وحشة شافتها في حياتها، استنى يومين أو بعد
ما تبقى توصلها البيت عندكم.
نظر إليها متفحصًا لتنظر له بعسليتين مليئتين
بالحزن والانكسار:
-
أنا عارفة كويس احـ ـساسها في الفترة اللي هي
فيها، كل بنت بتبني احلام بإنها خلاص لقت إنسان بتحبه وهتكمل معاه حياتها، وعنود
شايفة إنه هيعوضها عن أي حاجة وحشة عاشتها وحبته وشايفاه بيحاول يفرحها.. بلاش
تبوظ عليها فرحتها.
اعتدل بكامل جـ ـسده وهو يتفقدها بغضب وجدية
لتتفلت الكلمات من بين أسنانه الملتحمة من شدة المقت الذي يحمله لنفسه ورد
مُعقبًا:
-
مش هنام معاكي في اوضة واحدة تاني إلا لو
معندكيش مانع أقرب منك، أنا هاعمل أي حاجة وهتصرف لغاية ما عنود تمشي، وابقي روحي
شُغلك بكرة الصبح، أنا كمان هرجع شغلي.
تركها وغادر لتزفر بعمق عندما تيقنت أنه ذهب
للخارج وتركها فحاولت أن تسيطر على نفسها من كل ما ذكره بها بعدة لمـ ـسات قليلة
ولقاء عابر لم يبلغ عشر دقائق.