رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه - الفصل 54 - 2
رواية كما يحلو لها
الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه
رواية جديدة كما يحلو لها
تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى
من قصص وروايات
الكاتبة بتول طه
النسخة العامية
الفصل الرابع والخمسون
بعد مرور خمس ساعات..
لم تصدق كثرة تلك الأشياء التي تراها من
ملابس مختلفة ومستحضرات تجميل وعطور، هي حتى لم تنس تلك الإضافات البسيطة، وكل ما
أحضرته لها يناسبها تمامًا وكأنه صُنع خصيصًا من أجلها، لطالما أثنت على أناقتها
بينها وبين نفسها ولكن لم تظن قط أنها قد تعلم ما الذي يلائمها خاصة وأنها لا
ترتدي ملابس مثلها، فأغلب ما ترتديه هو أثواب قصيرة وملابس لا تناسب المحجبات.
عانقتها بملامح متهللة ومشاعر الفرحة تملؤها
ثم قالت بامتنان:
-
مش عارفة اقولك ايه، بجد شكرًا يا روان، أنا
محدش فكر يجيبلي حاجة كده زيك ولا حتى ماما، أنا بجد مش فاهمة لحقتي تجيبي كل ده
امتى؟ ده أنا لو نزلت أسبوع مش هلحق اخلص كل ده.
بادلتها العناق وفصلته بعد بُرهة لتقف أمامها
وهي تبتسم لها وردت معقبة:
-
ولا تقولي أي حاجة، مبروك، ويارب تكون
الحاجات عجبتك
نظرت لها باستفهام ولم تغب الابتسامة عن
ملامحها وقالت مستنكرة:
-
ولو معجبتنيش يبقى إيه اللي هيعجبني!! والله
أنا لو كنت روحت لوحدي مكونتش هختار الحاجات الحلوة دي حتى لو معايا بسمة ونوران،
أنا فعلًا مش مصدقة لحقتي تخلصي كل ده امتى!
-
عمر ساعدني في حاجات كتيرة، وأنا شاطرة شوية
في موضوع الـ shopping ده، وأنا اهو جانبك، في أي وقت
تحبي تشتري حاجة كلميني ونروح سوا
تنهدت وهي تشعر بمشاعر مختلطة بين المفاجأة
والسعادة وكل ما تغير اليوم في خلال القليل من الساعات وما آلت إليه حياتها بمجرد
تواجد "يونس" بالإضافة لبعض الدعم من "روان" الذي ظنت أنها لن
تستعيده معها بعد تلك الطريقة الغريبة التي عاملتها بها منذ أشهر، والأغرب هو تحول
"عمر" الشديد معها، شعر بالخوف من مجرد اطناب التفكير بالأمر حتى لا
تسوء كل الأمور وتنقلب رأسًا على عقب.
أخبرتها بأعين ممتنة دون تزييف وحاولت منع
نفسها عن التفكير:
-
بجد شكرًا، عمري ما هنسالك وقفتك جانبي أنتي
وعمر، أنا هروح كمان أشكره قبل ما أنام.
❈-❈-❈
توجهت كلتاهما للأسفل وبقيت على مقربة
بالحديقة التي باتت الآن تنتصف منزل كلتاهما وتلك الاستراحة الصغيرة التي أنشأها
لنفسه وتظاهرت باللهو بصحبة "أوفيد" بينما السبب الحقيقي هو التنصت على
كل ما سيدور بينهما من حوار، فهي ليست في أي حاجة لإعادة فتح الكثير من الأبواب
التي حاولت اغلاقها بأعجوبة، و "عنود" لن تترك الأمر ليمر مرور الكرام
وستأتي من جديد لتسألها وهي ليست في حاجة أن تجد "يارا" مثلًا تسألها
عما حدث بينها وبين زوجها بعد أن يخبرها "يونس" بحسن نية شديدة التي
ستخبره خطيبته وزوجته المستقبلية بداعي القلق أو الاستغراب، مجرد تخيل أن تقع هذه
الأحداث لم تجد بداخلها أي استساغة أن تواجه كل هذا من جديد وتجد نفسها تحاول
لملمة جروح شتى ظنت أنها التئمت بالفعل، أن يبقى كل شيء كما هو حتى ولو كان
استقرار زائف أفضل من عودة حياتها لما كانت منذ عدة شهور بينهما، تقسم أنها لا
تملك المزيد من الطاقة لحرق منزل آخر!
-
يمكن عشان زمان أنت مكونتش كده.
هذا ما استطاعت أن تستمع له منها ونبرتها
يتملكها الاستغراب الشديد، تبًا لتلك العائلة، عندما يصمم هو ووالده وهي على
ارادتهم لشيء يبدو وأن ثلاثتهم لا يستطيعوا كبح فضولهم الشديد.
-
قولتلك يا عنود، كل حاجة اتغيرت، تجربة
الطلاق، الدكتورة اللي بروحلها، ولا نفسك كل حاجة ترجع زي ما كانت لو ده هريحك؟
هذه الجملة التي استمعت لها جيدًا بعد
اقترابها متصنعة مبادلة "أوفيد" اللعب والتي تبعها بسؤال في غاية التهكم
أو التحذير ربما، كم يبرع في تغير مجرى الحديث مهما حدث! تبًا لعقله الذي لا تعرف
كيف يعمل بهذه الطرق حتى الآن!
-
لا ترجع ايه، أنا مستغرباك بس.
-
من غير استغراب، عادي، كل حاجة
ممكن تتغير.
-
أنا كنت فكراك هتكون أكتر واحد ضد جوازي، مش
تساعدني وتعملي كل ده.. يا ريت كنت كده من زمان، يمكن كانت كل حاجة اتغيرت.
راقبت ما يحدث جيدًا بطرف عينيها وتلك النظرة
منه إليها فهمت ما الذي يقصد بها، يستحيل أن يعترف بارتكابه لأي نوع من أنواع
الأخطاء بعدها.
-
وأنتِ ليه محاولتيش تعرفيني، افتكر إنك كنتي
دايمًا بتتجنبيني.
-
عشان أنت شبهه يا عمر في كل حاجة، وأصلًا كنت
بشوفك صدفة في البيت، لا عيد ولا رمضان ولا مناسبة، مجرد وجودك كان معناه إن فيه
مصيبة أو بابا عايزك، كنت بخاف أصلًا أتكلم معاك، الصح إني كنت اتجنب واحد
معرفوش.
لقاها بتلك النظرة المطولة الفارغة من
المشاعر وبالرغم من أن أخته تتحدث معه بأريحية، وفضلًا عن علاقة عساها تنقذه يومًا
ما عندما يُصبح بمفرده، وبدلًا من تقبل الاعتراف بالأخطاء ما زال كما هو، ومما
تراه وتلمحه على وجهه هو لا يملك مزاج رائق على الإطلاق ليتناغم مع هذه المحادثة
الأخوية، يبدو وأنه هناك بتلك الغرفة ذات الأضواء المغلقة يتجرع اللحظة وما فيها
ويعايش كل ما تبادلاه معًا، هناك بعض الطباع لن تتغير أبدًا.
-
اطلعي نامي عشان جامعتك الصبح، تصبحي على
خير.
هل حقًا قال هذا بمنتهى الغطرسة وكأن بيده
زمام كل ما يحدث حوله في الحياة، هذا لن يتغير على ما يبدو، ولكن ربما حان لتلك
الصغيرة أن تتشجع قليلًا.
-
شوفت بقا كنت بتجنبك ليه، ده أنا جاية اشكرك
وبحاول أقرب منك أهو وأنت مش عايز تكلمني.
-
عنود، اليوم كان طويل وتعبت وعايز أنام بس
شربت قهوة كتير وعندي شغل بكرة، أجلي كلامنا لوقت تاني.
-
ولا حتى هتفهمني الموضوع اللي حصل في البيت
ده قدامنا كلنا؟ أنا كنت فاكرة إنك هتقولي كل حاجة في يوم و
قاطعها وقد طفح الكيل مما تلح أن تعرفه منذ
الكثير من الوقت لعله يتخلص من فضولها الذي لا تريد نسيانه أبدًا:
-
عشان أنا عملت حاجات كتيرة أوي مكنش ينفع
تتعمل بالذات معاها، أنا يوم ما شكيت إنها هتسبني عشان يـ
قاطعت كلماته وقد أدركت أنه في هذه المرحلة
قد يتفوه بكل ما لا تريد هي مواجهته مع الآخرين فضلًا عن نفسها ومنعته قبل أن ينطق
بحرف آخر ويغضب بشدة لن يكون من الجيد لأي منهما مواجهته الآن وهي تتصنع البلاهة
ببراعة ولكنه كان يفهم ما تفعله جيدًا:
-
أنا هنام، قاعد شوية ولا هتطلع تنام دلوقتي؟
تفقدتهما بينما حاول هو عدم النظر لها بأعين
مترددة بين الكثير مما يود الصراخ به وكل ما فعلته "عنود" كان التصرف
بلباقة وأدركت أخيرًا أنها لن تصل لتفسير من أي منهما ولكن ربما ستحاول لاحقًا
لتقول في النهاية:
-
شكلي
رغيت معاكم كتير، شكرًا على اليوم الحلو ده وكل اللي عملتوه عشاني، تصبحو على خير.
رسمت ابتسامة هادئة مُزيفة بالطبع وأخبرتها:
-
متقوليش كده، وأنتِ من أهله.
غادرت بينما تابع "عمر" خطوات أخته
وهي تتجه نحو المنزل وبمجرد ابتعادها بمسافة لن تمكنها من الاستماع لأي مما سيقوله
انطلق بنبرة استفهامية هاكمة:
-
من كام ساعة بس اتفقنا اني مش هنام معاكي في
بيت واحد ودلوقتي بتقوليلي نطلع ننام فوق! غيرتي رأيك بسرعة اوي؟!
تابعت هي الأخرى اختفاء أخته بداخل المنزل
لتنظر له بينما تهرب مجرد لقاء أعينهما العابر:
-
متعملش غبي، أنا مكنش ينفع أسيبك تبوظ كل
حاجة بالذات دلوقتي.
جلس على مقربة ليغمغم بما استطاعت أذنيها
تفسيره:
-
ما يمكن يكون ده الحل اللي أنتِ نفسك فيه
اوي!
منعت نفسها من الضحك بسخرية وحمحمت وهي تعقد
ذراعيها لتتحدث وهي تتكلم في ترتيب لكل ما تخيلته بداخل رأسها منذ قليل:
-
فعلًا، ازاي الحل ده مجاش على بالي، إن عنود
تعرف وتلعب معانا لعبة العروسة والعريس اللي أنا وأنت بنلعبها قدام الكل، وتحكي
ليونس من غير ما تاخد بالها، ما هي كل واحدة بتحكي لجوزها وخطيبها على كل حاجة
كنوع من أنواع المشاركة والفضفضة وعشان هو بيحبها هيحس انها متضايقة، فهو يجيب
سيرة ليارا، ويارا هتكلمني، أو المفاجأة ممكن تجيب سيرة لمامي أو بسام، ده غير إنك
كده طبعًا هتبسط اختك جدًا وأنت بتقولها إنك كنت شاكك فيا أنا وخطيبها اللي خلاص
فرحهم مبقاش ناقص عليه كتير، اللي هو نفس الشخص اللي أخته بحسن نية، ومامتي بمنتهى
السذاجة كانوا عايزنا نتجوز!! يالا، روح قولها، ولا تحب اصحيهالك؟!
أطلق زفرة مطولة وهو يغمض عيناه بإرهاق ليقول
على مضض:
-
أنتِ صح، مينفعش، اليوم كان طويل وهي زنانة
اوي، مخدتش بالي أنا بقول ايه..
جلست على مسافة منه على تلك الأريكة التي
سبقها إليها وتجنبت التحدث فيما تريد ألا تتذكره ولا حتى تريد السماح لعقلها
بالتفكير فيه وعقبت قائلة:
-
كان يوم طويل فعلًا بس كل حاجة فيه كانت
جميلة وعنود اتبسطت.. بس صعبان عليا يقفل قفلة مش حلوة عشان كده جيت قاطعتكم من
شوية.
دام الصمت لبرهة وتثاءبت هي ولم تحاول النظر
له لتجده يكسر صمتهما بأمر غريب لم تتوقعه على الاطلاق:
-
أنا عمري ما عملتلك عيد ميلاد، عمرك ما
اتبسطتي معايا زي ما هي اتبسطت النهاردة!
استغربت مما قاله في هذا التوقيت تحديدًا
لتقول بابتسامة مُستنكرة:
-
ولا أنا عملتك عيد ميلاد.. أنا وأنت زي بعض،
مالوش لزوم تلوم نفسك على حاجة زي دي!
-
بس كانت غلطتي في المرتين! لما جه عيد ميلادك
كنت ناسي اسمي تقريبًا ولما جه عيد ميلادي أنا موت نفسي..
تقارب حاجبيها بمزيد من الاستغراب لتلفت له
فوجدته ينظر نحوها وسألته باهتمام شديد:
-
ناوي على اكتئاب مش كده؟
ابتسم بتهكم على حاله وزفر بإرهاق واجابها
بنبرة خافتة:
-
لا، الجلسات مفعولها مش هيروح بين يوم وليلة.
-
كويس، حافظ بقا على مفعولها، معنديش استعداد
ولا طاقة اعمل فيها حبيبتك وصاحبتك تاني وورايا شغل كتير جدًا..
اعادت نظرها أمامها وصمتت ليكرر اصابتها
بالاستغراب بما تسائل به:
-
تفتكري ممكن حد يستحملني في الوقت ده غيرك؟
أخذت تساؤله على محمل الجد وتحركا بؤبؤا
عيناها وهي تبحث عن الإجابة وأجابته بمصداقية:
-
عنود هتستحملك، مايا برضو عندها خبرة وممكن
تساعدك، ويمكن لو مامتك بقت جانبك هـ..
-
متجبيش سيرتها!
قاطعها بضيق واضح فالتفتت نحوه وأخبرته:
-
خلاص اتجوز، مراتك هتساعدك!
نظر لها بعينين مبهمتين لم تكترث هي لتفسير
ما تلك الكلمات بداخل كلتيهما وقالت باستفهام:
-
مش اقتراحك إني اتجوز بعد ما نطلق، أنت كمان
اتجوز وأكيد هي هتساعدك أيًا كانت مين هي.
-
وبتقولي ده بالسهولة دي؟
أومأت بالإيجاب وقلبت شفتاها ثم أخبرته
بتنهيدة:
-
خلاص بقا يا عمر، مش هفضل أنا وأنت في
التعاسة دي طول عمرنا، عيش حياتك وحاول تتبسط والمفروض أنا كمان هعمل ده، مش هنضيع
فترة المفروض تبقى حلوة في حياتنا على النكد والزعل، اللي حصل محدش فينا هيعرف
يغيره، لا التفكير ولا الندم ولا الكلام، احنا الاتنين خلاص يُعتبر في التلاتينات
والفترة دي مبتتعوضش بسهولة، كويس إني مريت بحاجة تفهمني حاجات كتير وأنت خلاص
بقيت متقبل حياتك بشكلها الجديد، كفاية كآبة لغاية كده بقا..
حدق بوجهها لبرهة وهز رأسه بإعجاب وتركها تظن
أنه مقتنع:
-
عندك حق.
نظر كلاهما أمامهما ليرفع قدماه على تلك
الطاولة الصغيرة أمامه بينما استندت برأسها على يـ ـدها وأغمضت عيناها في محاولة
بائسة منها لتصفية رأسها قبل الخلود للنوم الذي تتمنى أنه لن يعاندها هذه الليلة
وسيأتي طوعًا بمجرد أن تغمض عيناها لتجده يقول بعد مرور لحظات قليلة:
-
اللي حصل النهاردة واحنا في الأوضة
-
لا متجبش السيرة ولا تتكلم في الموضوع ده!
قاطعته قبل أن يتفوه بالمزيد، وحاولت التشبث
بعدم تحدثهما عما حدث عندما كانا بـ "دبي" وودت الهروب الكامل من التكلم
في أمر لن تستطيع الصمود أمامه به، لا تريد أن تؤلم رأسها بهذه التفاصيل التي تسعى
بكل مقدرتها أن تنساها للأبد:
-
بس مظنش إني هعرف الفترة الجاية إني ابعـ
-
انت قولت من شوية مجبش سيرة مامتك فاحترمتك
ومرضتش اضغط عليك، ياريت الاحترام يكون متبادل ومنضغطش على بعض اكتر من كده.
رفع حاجباه عندما وجدها تنظر له بتصميم
وملامحها منزعجة فتراجع ليقول بخفوت ساخرًا:
-
ماشي ماشي.. هو الكلام عنها اللي هيحل كل
حاجة فعلًا!
أطلقت زفرة مصحوبة بصوت متهكم تردد عبر
حنجرتها وسألته بجدية شديدة وغضب بعد أن عاود النظر أمامه:
-
أنت بجد ليه بتكرهها اوي كده؟ المفروض بعد ما
مريت بكل حاجة تفهم إنها من أكتر الناس المظلومة اللي حواليك! دي مامتك في الأول
وفي الآخر!
لم يود مبادلتها النظرات واندفع لسجائره
ليبدأ في الإجابة على سؤالها بهدوء لم يغب عنه السخرية وحاول كبح غضبه:
-
عشان دي مش أم..
قلبت عيناها وتكلمت بعفوية وحدة:
-
أنا مامي مش أحسن أم في الدنيا بس في النهاية
مش هفضل زعلانة منها طول عمري على كل حاجة عملتها..
زفر أدخنته والابتسامة ترتسم على شفـ ـتيه
وكل ملامحه ثم قال:
-
أم، احنا بنتكلم عن الأم، اللي لاعبت وطبطبت
وعرفت احوالك وقالتك امتحان بكرة هيكون كويس، وجت في مرة او اتنين اطمنت عليكي
وانتي تعبانة، أو عملتلك أكلة بتحبيها، ويمكن كان بيفرق معاها زعلك، أو احوالك،
ليه مكلمتيهاش فترة أسبوع أو اتنين، كانت بتقولك وحشتيني، ولما شافتك مُنهارة
جالها أزمة وودها المستشفى، دي أمك عشان كده بتقولي مش هتفضلي زعلانة منها..
التفت نحوها ليجد ملامحها اختلفت ليقول في
النهاية بجدية ونبرة حادة:
-
أنا معنديش واحدة عملتلي الحاجات دي.. فاللي
أنتِ شايفاها مظلومة دي أكتر واحدة ظلمتني. هي في الأول وفي الآخر زيها زي أي
واحدة من قرايبي من بعيد!
هل هو مقتنع بتلك الترهات؟ تبًا لعقله الذي
يتحول بين الغباء والذكاء وكأنه يملك عداد خرب فاسد لا يستطيع قياس الأمور
واستبيان حقيقتها:
-
اللي متجوزة واحد زي باباك واللي حظها وحش
وعندها أب زي باباك صدقيني ممكن يكونوا أكتر اتنين مظلومين في الدنيا.
لم يتقبل دفاعها على الإطلاق ليعقب بغضب:
-
مهما كان، عندك عنود اهي، على الأقل لما
لاقتني بقرب منها قربت وحاولت، إنما التانية عمرها ما حاولت!
-
على أساس إنك أنت اللي حاولت؟
قلب عينيه ولم ينتبه لتلك النيران إلا عندما
شعر بها تقترب من اصبعيه فألقاها بالمنفضة وأجابها سائلًا:
-
وانتي إيه اللي مخليكي متأكدة إني محاولتش؟
رفعت حاجبيها ثم أجابته بلسان انطلق بما
تعرفه عنه جيدًا:
-
أنت فعلًا سهل إن أي حد يقرب منك عشان كده في
اكتر من خمسة وتلاتين سنة محبتش غير اتنين بدون أي مبرر واضح، ومالكش أصحاب، وماشي
ورا باباك بتقوله نعم وحاضر، هو أصلًا السبب في اننا قاعدين بنتكلم وبتسمع مني
اللي أنت بتحاول تهرب منه بقالك سنين!
حاول السيطرة على غضبه عبر أنفاس منتظمة
والقليل من العد العكسي وتهرب من الأمر وعقب بسخرية:
-
أنا محبتش غير مرة واحدة بس..
ابتسمت وهي تمرر أصابعها بشعرها لتتوقف عن
النظر له وتمتمت بخفوت:
-
مفيش فايدة، المفروض جملتين كمان ودلوقتي
هيكون حب وشوية Attraction )انجذاب(،
ويالا نرجع لبعض وعشان أنا في مود حلو هقولك يالا بينا!
ارتمت رأسه للخلف وهو غامض العينان ولوهلة
شعر بالراحة لعدم استكمالها للحديث عن والدته واستمر في محاولته لتغير مجرى ما
كانا يتحدثا به منذ ثواني:
-
هو مش هنرجع، بس ليه دلوقتي الصراحة
بالنسبالك مبقتش مقبولة؟
التفتت نحوه لتجده مسترخي في غضون ثواني
قليلة بعدما كان غاضب بشدة من مجرد التحدث عن والدته لتجيبه:
-
الصراحة بتكون حلوة بين الاتنين اللي عندهم
رصيد لبعض انهم يقبلوا الحقيقة مهما كانت بتوجع، لكن اللي احنا وصلناله فيه أوقات
مينفعش تبقى الصراحة هي الطريقة اللي تنفع معانا!
فتح عيناه المرهقتان وتعجب بابتسامة ساخرة
ونبرة جلية وهو يتفقدها بطرف عينيه:
-
يعني بعد كده أكدب عليكي؟
-
أنا مقولتش تكدب.
-
ما انتي لسه بتقولي إن الصراحة مش هي اللي
تنفع معانا، وعكس الصراحة الكدب، صح ولا أنا نسيت الكلام كمان ومبقتش اعرف أتكلم؟
تفقدته لبرهة وهي تستحيل أن تتركه لينجو
بالتفوق في الحديث:
-
الصراحة وانك بتحبني، وأنا حبيتك، وكان بينا
كذا كذا، ومن غير ما نحس هتلاقينا بتقول الوحش والحلو وندخل في حاجات لا أنا ولا
أنت عايزين نفتكرها، متجادلنيش في كلام ملوش لازمة، فيه حاجات المفروض متقولهاش
بصراحة لأن عواقبها مش هتكون كويسة لا ليا ولا ليك، مظنش عايز تجرب الإنتحار تاني
ولا أنا عايزة احرق بيوت، وامر تاني بنفس اللي مريت بيه، ومعتقدش إن أنا وأنت
محتاجين نقول حاجات كتيرة بصوت مسموع لأني فهماك كويس وأنت فاهمني أكتر من أي حد
في الدنيا.. احنا عدينا المراحل دي من زمان.. وكل واحد فينا بقا عارف كل حاجة عن
التاني فملوش لازمة أننا نكرر الكلام!
هز رأسه بالموافقة وأغمض عيناه مرة ثانية وتكلم
بنبرة مسترخية:
-
أنا فعلًا معرفش حاجات كتيرة من اللي حصلت
بيني وبينك، معرفش ازاي بقيتي ممثلة شاطرة في وقت قليل أوي معايا، عارفة احنا
قاعدين بنتكلم بقالنا شوية، الكلام دايمًا سهل بيني وبينك، غير ما بيكون مع عنود
أو ماما أو حتى مريم أو مايا، بس اللي مبقتش عارفه معاكي، أكمل كدب ولا أكون صريح؟
أقولك على كل حاجة ولا ملوش لازمة زي ما أنتِ ما بتقولي؟!
تفقدت هيئته التي لا يوجد بها سوى عدة تلك
الأنفاس التي تحرك صـ ـدره وتدل على أنها ما زال حيًا لتضيق عيناها وسألته بتركيز:
-
ماشي، هاعتبر إن كلامك حقيقي ومفيهوش كدب ولا
وراه أي سبب تاني، قولي بقا، أنت عايز توصل لإيه؟ اسألني عن اللي عايزني أكون
صريحة فيه!
تلك النظرة منه بطرف عينيه لا تحبذ رؤيتها
بكل ما تحمله من تلاعب وخبث على حد سواء:
-
مفيش حاجة عايز أسألك عليها، أنا بس دماغي
مبتبطلش تفكير في كل حاجة حصلت بيني وبينك وبتحصل، أوقات كتيرة بدور على نهاية لكل
حاجة وأسباب لكل حاجة.. يمكن ببالغ بيني وبين نفسي والكلام طلع مني من غير هدف
أصلًا، عمومًا انسي.
همهمت بتفهم لترطب شـ ـفتاها وأعادت خصلاتها
للخلف وتوسعت عيناها بجدية ثم حدثته قائلة:
-
رقم واحد عنود متعرفش أي حاجة عن اللي حصل
بينا لا هي ولا غيرها غير لما تبقى تتجوز.. رقم اتنين أنت بتحبني وانا متأكدة ومش
هتعرف تعوضني وملوش لازم نكرر الكلام ده مش هيفيد حد فينا.. رقم تلاتة مامتك هتفضل
مامتك.. وأنت إنسان سخيف أوي إنك تسيب حد يقرب منك.. أنت مدتهاش الفرصة ولا باباك
سابها تكون أم ليك لأنه إنسان ظالم كل اللي حواليه من أول أنت ومامتك لغاية أنا
وأخويا، والغريب إنها نجحت تكون أم مع عُدي، إنما باباك فشل يكون أب ليكم أنتو
التلاتة.. رقم أربعة، لما تحب تسألني على حاجة اسألني بشكل مباشر وبلاش لف ودوران
دماغ المحامين دي وأنا هجاوبك بصراحة!
اختتمت حديثها بابتسامة واثقة وهي تنهض
لتقول:
-
مبقتش بتعرف تنسيني المواضيع بالرغي يا عُمر،
قولتلك محدش بيفهمنا قد بعض ولا فيه في الدنيا حد حافظك زيي..
تابعتها عيناه اللامعتان في هذا الضوء الخافت
بينما لم تتحرك هيئته واكتفى بالرد باقتضاب:
-
برافو يا قطتي!
قلبت عيناها بكراهية شديدة لظنه أنه يستطيع
معاملتها كما السابق لتتابع حديثها بلهجة آمرة:
-
بكرة هرجع البيت عند مامي وهرجع شغلي واتوقع
في أي وقت ابعتلك اقولك تيجي تقعد معايا يومين، بس طبعًا بعد ما عنود تمشي الصبح،
روح نام ساعتين في بيتك قبل ما تصحى وتلاحظ اننا بنلعب اللعبة السخيفة دي.. تصبح
على خير..
التفتت لتغادره ومجرد تأكده بأن حديثهما
انتهى وأنها ستغيب عنه ساعات سيتبعها أيام قد تطول بطريقة لن يُمكنه تحملها نهض
ليتبعها قاصدًا أن يراوغها بالمزيد من الكلمات حتى يقضي بصحبتها أطول فترة ممكنة وأوقفها
مناديًا:
-
استني عايزة أسألك على حاجة!
وقفت والتفتت بكامل جـ ـسدها نحوه لتجده
خلفها وانتظرت سؤاله بملامح هادئة ونظرات لا يبدو عليها الكذب هذه المرة ليجرب اختبار
مدى هذا الصدق الذي يراه بمقلتيها:
-
أنا فيه حاجات كتيرة أوي مش فاهمها، انتي
ازاي وصلتي لمحامين تانيين من غير ما أنا اعرف ساعة قضية الخلع اللي رفعتيها ولما
رجعتي من أمريكا؟
رفعت حاجباها ثم أجابته قائلة:
-
أول مرة حركاتك دخلت عليا فصدقت إن مفيش غيرك
هيساعدني والوقت كان بيضيع مني يا تعبي أنا وبابي يا إما اللي أنت قولت عليه فبمنتهى
السطحية أعجبت بيك واتجوزتك، تاني مرة كان جوايا دافع إنك متحكمش عليا بحاجة
قولتلك اني دورت وعرفت إن المحامي ده اترافع ضدك في قضية زمان ودورت كويس في
قضاياه فروحتله ولقيته عنده استعداد يساعدني، وتالت مرة لما كان معايا الورق زي
التانية بالظبط، اللي يسأل ويدور ميتوهش، مش كل الناس يعني عبيد عند عيلة الجندي،
أنا بس ناقصني الواسطة، لو كانت معايا مكنش زماني واقفة بتكلم معاك واسمي على
اسمك!
هز رأسه باقتناع مهمهمًا فسألته وهي لم تعد
تكترث بما قد يحدث وما قد تدفعه إليه كلماتها:
-
أي أسئلة تانية؟
تفقدها لوهلة وأجابها بطريقة مباشرة:
-
آه فيه..
تريثت منتظرة قوله التالي حينما اقترب منها
قليلًا وسألها وهو يُشير بسبابته إليها ثم إلى نفسه:
-
أنتِ متأكدة إن اللي بيني وبينك ده هيكمل مش
كده؟
ضيقت عيناها نحوه واجابته بثبات:
-
لو تقصد الهدوء اللي بيني وبينك ده والصراحة
والاحترام، آه متأكدة إنه هيكمل لو أنت معملتش حاجة تبوظه وترجعنا تاني لزمان.
هز رأسه بالقبول ولو أنه لم يقتنع بالكامل
بصدق قولها ليبتسم بخبث وسألها مرة أخرى:
-
يعني لو سألتك على كل حاجة هتجاوبي؟
قلبت عيناها وزفرت بضيق وهي تشعر كأنه يكرر
الكلمات ليس إلا فردت عليه بنبرة فرغت صبرًا وضجت بالسأم:
-
ما تقول اللي عايز تقوله من غير المقدمات
الطويلة اوي دي كلها!
اختار كلماته بعناية وفتش بداخل عقله عن
الكثير مما يظن أنها ستمكث فترة طويلة تتحدث به ورغبته الحقيقة هي أن تقضي معه
المزيد من الوقت ليس عابئًا بمدى مصداقيتها أو عدمها فسألها بتوالي غريب ومختصر
ومحدد لم يكن يقصده:
-
سألتي مين على المحامي في المرة التانية لما اكتشفتي
موضوع يمنى والتالتة وازاي قدرتي توصليلهم؟ وازاي قدرتي تديني أدوية وتجبيها وأنا
مش واخد بالي ومش معاكي موبايل؟ وامتى عرفتي إني مريض؟ عرفتي مكان الخزنة ازاي؟
وعملتي ايه مع بابا لما شافك معايا وازاي عرفتي تخرجي من البيت يومها؟
ربما رمى بكلماته متسائلًا لهدفه الوحيد بأن
ينجح في بقائها معه للمزيد من الوقت ولكن ما سيحدث بفعل اسئلته المتراصة في توالي
مندفع سيدفع كلاهما للتغير المدهش فيما بينهما دون قصد ولا سابق معرفة بأن مجرد
نقاش طويل سيغير الكثير.
يتبع..
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة بتول طه لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية