-->

رواية جديدة حياة بعد التحديث لخديجة السيد الجز الثاني من بدون ضمان الفصل 1-1

رواية جديدة من روايات الكاتبة خديجة السيد

رواية حياة بعد التحديث

الجزء الثاني من رواية بدون ضمان


الجزء الثاني من رواية بدون ضمان


رواية جديدة 

تنشر حصريًا 

على مدونة رواية وحكاية 

قبل أي منصة أخرى

الفصل الأول

بــعــد مــــرور ســــنــــة .


بداخل المطبخ، وقفت خيرية تقطع الطماطم لتحضير الطعام بروح سعيدة وبحماس شديد، وشعرت بالارتياح من نظرات ابنتها التي كانت تتابعها بحب، تقوست شفتيها فريدة مبرزة ابتسامة صغيرة وطوقت خصرها من الخلف بذراعيها قائلة بصوت خفيض


= بتقطعي طماطم ليه على السلطه طول عمرك مش بتحبيها في السلطه، و انتٍ اللي هتاكليها انتٍ وبابا بس !. 


ألقت نظرة عجيبة عليها تخللت مشاعرها الجافة باشتياق لا يوصف تملكها حينما رأت ابنتها أمامها بعد فترة غياب إجبارية من منزلها، وهي الآن أمامها تراها وتحضنها كما تشاء دون عوائق! توقفت عما تفعله هاتفة بحماس رهيب


= بقيت بحبها طالما انتٍ كمان بتحبيها وهفضل دايما اعمل لك كل الاكل اللي كنتي بتحبيه.. حتى الاوضه بتاعتك لسه زي ما هي ومحافظه عليها .


أبعدت عنها ونظرت لها فريدة بغرابة وهي تقول بنبرة هادئة


= كنتي دايما بتزعقيلي لما تلاقيها متبهدله وتقولي لي روقيها عشان الاوضه النظيفه بتبين قيمه صاحبها، ما كنتش بقتنع بصراحه بكلامك بس ما كنتش بحب ازعلك! بس ليه سايباها دلوقتي متبهدله زي ما سبتها آخر مره .


اقتربت خيرية منها متلمسًا بشرة وجهها برفق، وعيناها مليئة بالدموع الحزينه و النادمه ثم 

أجابتها بصوتها المختنق


= عشان مستنياكي انتٍ اللي تيجي وترتبيها زي ما انتٍ عاوزه، حتى مكانك على السفره مش بخلي حد يقعد عليه .. هو انتٍ امتى هترجعي يا فريدة ؟.


اكتفت فريدة بالابتسام الودود لها، بينما أضافت أمها قائلة باضطراب كبير


= فريده انتٍ مش بتردي عليا ليه؟ فريدة !. 


وللحظة ظهر أن الذي أمامها هو زوجها عابد وليست فريدة ابنتها كما كانت تتخيل دائما؟ أنها عادت إليهم! لتعلم أن كل ما حدث هو سراب داخل عقلها فقط وليس حقيقيا.


دنا منها زوجها بحدة وهو يقول بجدية


= انا عابد يا خيريه وفريده مش هنا، فوقي بقى وبطلي تصحي نايمه تحلمي بيها.. فريده من ساعه ما مشيت ما رجعتش! وده الواقع ولازم تصدقيه هتتجنني من كتر الحاله اللي بقيتي فيها .


رمشت بعينيها مصدومة و تطلعت حولها مذعـورة ثم حدقت أمامها بنظرات أكثر شرودًا مع خيبة أمل كبيرة، مديره في رأسها تلك الحقيقة التي لم تكن تريد تصديقها أبدا؟ أن فريدة لم تعد هنا ورحلت وتركتها! دون أن تتمكن هي من فعل أي شيء ما عجزت عنه، التمعت عيناها بدموع ألم والتفتت بهدوء مثير للأعصاب لتكمل ما كانت تفعلة وأردفت خيرية بنبرة منتحبة


= يا ترى انتٍ فين يا فريده وعامله ايه يا بنتي


❈-❈-❈

بداخل أحد البنايات الواسعه، استيقظت علي رنين هاتفها فقامت تفرك عيناها بكسل ودون ان تنظر الي الكومود رفعت يدها نحوه واخذت هاتفها ونظرت اليه بأعين ناعسه بشده فوجدته الساعه السابعة صباحاً فأغلقته و قامت ثم تثائبت واتجهت الي المرحاض وهي تفرك شعرها الأسود الطويل واغتسلت وبعد فترة خرجت تجفف شعرها بعنايه ومشطته وجعلته حر كعادتها ونثرت عطرها بغزراه.. ثم ذهبت مهرة الى غرفه وفاء فوجدتها ما زالت نائمه وإبتسمت تلقائيا ثم ذهبت الى المطبخ لتصنع الفطور لهم .


وبعد فترة، استيقظت وفاء عندما استنشقت رائحة الطعام اللذيذة، فقامت لتشاهد مهرة تقف في المطبخ وتقطع الطماطم بتركيز جيد

لتحضير السلطة، كما علمتها هي أن الطعام يجب أن يكون له منظر جذاب للعين. قبل الأكل، شعرت مهرة بها والتفتت بابتسامة بحب لتلك الامرأه الحنونه فقالت


= صباح الخير يا ماما وفاء..!!


اقتربت منها بإبتسامة حنونه كإنها والدتها الحقيقيه قائله بحب 


= صباح الخير يا حبيبتي، بس إيه النشاط ده كله


إبتسمت مهرة بصوت وقبلتها من وجنتيها ثم قالت بصوت مرح


= قلت القمر ده مش لازم يتعب في الفطار النهارده طالما صحيت بدري والنهارده اجازتك من الشغل كمان، بس إيه رأيك 


ردت عليها وفاء بإبتسامة عريضة وهي تتأمل تلك الحيوية المنبعثة في بشرتها 


= بكاشه طول عمرك، يعني مش عامله الجو ده كله عشان عاوزه حاجه ؟.


ضمت شفتاها بحزن زائف هاتفة بخفوت


= انا، أبدا دايما كده ظلماني .


رفعت حاجبيها للاعلي لتنظر إليها بمكر ثم قالت بضحكة 


= هو انا اقدر اظلمك برضه، بس انا بقيت عارفاكي كويس يلا ما تخبيش عليا و قولي عاوزه ايه؟ 


تنهدت مهرة بإحراج ولكنها لم تمحي ابتسامتها لتقول بصوت متوتر 


= بصراحه يعني صحابي في المدرسه اتفقوا مع بعض نطلع رحله بعد الإمتحانات عشان نودع بعض بما ان يعني بعد كده هندخل الثانويه ومش متاكدين هنتجمع تاني ولا لاء، ولو مش موافقه خلاص براحتك بلاها انا ما اديتهمش رايي غير لما استاذنك الاول .


صمتت للحظة واحدة تفكر بالأمر، ثم أردفت بنبرة إهتمام بالغ


= طب أبقى اديني نمر صحابك دول عشان اتواصل مع امهاتهم واشوف هتتفقوا تروحوا تتفسحوا فين؟ وهيكون في رقيب هيروح معكم ولا لاء؟ مش هيجرى حاجه لما تتفسحوا وتفكوا عن نفسكم شويه بعد جو الامتحانات انتوا ثالثه اعدادي يعني شهاده وكان عليكوا ضغط ومذاكره كتير.. وانتٍ كمان بالذات تعبتي أوي في المذاكره .


اتسعت عيناها الخضراء بعدم تصديق وركضت إليها تحتضنها بحنو، ورفعت قدمها لتصل الى مستواها وقامت تقبلها أعلي جبهتها قائله بسعادة


= حبيبتي يا ماما وفاء ربنا يخليكي ليا يا رب .


ضحكت بحب ثم قالت بتحذير وهي تنظر الي ملامحها السعيدة


= ويخليكي يا حبيبتي، ان شاء الله بس الامتحان تخلص على خير وتجيبي مجموع عالي إحنا اتفقنا هتخشي ثانويه عامه وهنكمل للآخر لحد الجامعه .


هزت رأسها على الفور قبل أن تقبل كفها مطولاً بحنان ثم تطلعت اليها قائله بحماس


= ان شاء الله ادعيلي بس انتٍ، هو احنا هنروح النهارده لي عمو طه .


إبتسمت قائله بهدوء


= اه يا حبيبتي عمك طه عازمنا على الغدا النهارده هو ومراته تعالي يلا نفطر بسرعه عشان نلحق نسافر عشان المشوار بعيد


أومأت مهرة برأسها بابتسامة محبة لتلك المرأة، ثم تناولت طعامها بسرعة كعادتها، رغم توبيخ والدتها الروحية، التي كانت تحرص دائماً على تناول وجبات صحية ومشروبات مغذية. فكانت وفاء تعاملها دائمًا وكأنها ابنتها التي أنجبتها وليست ابنتها بالتبني، ولم تشعرها أبدًا بأنها ليست والدتها الحقيقية!


مرت سنة على أن يكونا معًا، ومهره تغلبت على الكثير من حياتها بفضل ربها ووفاء التي ساعدها كثيرًا ماديًا ومعنويًا، ولم تبخل أبدًا بشيء ضد مصلحتها، فشجعتها لتعود للدراسة وتكمل السنه التي فاتتها مرة أخرى، وكانت دائمًا بجانبها لمساعدتها في الدراسة والسهر معها طوال الوقت تذاكر دروسها .


وكانت مهرة في حاجة فعلًا إلى ذلك الاهتمام، فتشبثت بتلك الفرصة جيدًا وحاولت بكل إصرار أن تتعلم منها الكثير. وفاء لم تساعدها على الدراسة فحسب فقط، بل علمتها الكثير عن دينها وغيرتها للأفضل وصححت مفاهيمها عن الحياة، حتى غيرت طريقة لبسها وحديثها وحاولت تعويضها عن كل ما فاتها في تلك الحياة، ويمكن أن يجعلها سعيدة.. فهي تستحق التعويض والمعاملة الطيبة لتنسى كل من ظلمها في الحياة.


حصلت مهرة من وفاء على الحب والاهتمام في وقت لم يشعر بها أحد أو يراها في المقام الأول. لقد غرست فيها تصميمه على الاعتماد على نفسها ، وأن تكون طموحة ولديها حلم. 


في السابق ارتكبت خطأ عندما ذهبت للبحث عن من يحبها حب مزيف وتعلقت برجل متزوج دون أن تعرفه جيدًا، في ذلك الوقت لم تكن تعرف شيئًا عن الحب أو أي مشاعر اهتمام ، لكنها لم تجد أي شخص آخر في ذلك الوقت غيرة، لكنها تأكدت مؤخرًا من أنها إذا استمرت في تلك العلاقة فكانت تتعرض لخسارة أخرى ومعاملة سيئه و اهانه، كما حدث في زواجها من زاهر سابقه، لكن هذه المرة كانت ستقبل الإهانة وتلتزم الصمت، لأنها ستظل ترى نفسها لا تستحق أكثر من ذلك.


وإن طالما لم تحصل على حب من عائلتها 

سيكون كرم جارف ممن يظهر مشاعره لها حتى إن كان حب كاذب ومشاعر مزيفة و ستتقبله على الفور دون تفكير بالعواقب، باستثناء قله الثقة بالنفس.. وذلك ما حدث معها عندما تقبلت أيمن ذلك الشخص المتزوج بامرأة أخرى والذي اقترب منها بنيه الإستغلال . 


فتتكون الصورة الذاتية لأي شخص من الطريقة الذي تتعامل معه عائلته، وهناك أشخاص يعيشون حياتهم بأكملها يبنون ثقتهم بأنفسهم ويحاولون الإعتماد بأنهم يستحقون أن يُحَبوا ويُقدَّروا ويقبلوا كما هم.


❈-❈-❈

كأن مُمدد في منتصف الفراش يفرد ذراعيه بشكل مستقيم والاخر كان يحمل به سيجار، ادار وجهه الى صوت المنبه لكن لم يهتم الى غلقه فهو بالفعل كان مستيقظ قبل موعده المحدد للذهاب الى العمل، تطلع أيمن بالغرفه وهي هادئه هدوء مُريب من حوله! هدوء يجعل جسده يرتعش من هدوء التام والظلام يسود من حوله بسبب غلق الستائر منعت دخول الشمس الصباحيه ليسود ظلام يتخلله شُعاع نور بسيط و دُخان من أعقاب سجائره التي يتناولها واحده تلو الآخري .


وقف مره واحده واتجه نحو المرآه التي بعرض وبطول الحائط وقف ينظر الي نفسه بوجهه جامد خالي من التعبير رغم قسوه عيناه فتح أول ازرار قميصه حتي ظهر نصف صدره.. ونظر إلي قلبه مباشره فعندما ينبض قلبه بعنف يفهم بأنه اشتاق اليها ويتمنى لو ليراها بنظره عابره حتى؟ فبعض الانفصال لم يراها مطلقاً، اعتقد بانها ستكون مع الذكريات البائسة وسينساها بسرعه كتجربة فشلت بحياته وتعلم منها بأن لا يعطي الى أحد ثقته الكامله، لكنه الآن يموت شوقا لرؤيتها؟ لم يتخيل بانه سيظل يفكر بها بعد كل ما حدث بينهما.. 


و سيسهر الليالي يفكر بكل ذكرياتهم معآ ويتمنى سماع صوتها الناعم وملامحها الطفوليه البريئه وشعرها البني الذي كان مُدمناً بإستنشاقه دوماً... عطرها الناعم مثلها...اشتاق حتي لانفاسها الدافئه...اشتاق لخجلها وإحمرار وجنتيها عندما كان يغازلها بجرأه مُحببه اليها ولكن كانت تموت خجلا، كانت تعشقه وتهيم به عشقا ولوعه وكان هو مثلها .


أعترف أنه بالسابق كأن يحبها؟ لا بل كان يعشقها وأكثر من ذلك كان يموت بها عشقا بل كان يُهيم بها كان يصارع الوقت لينتهي من عمله ليركض الي بيته ويراها ويري نظراتها الدافئه الحانيه له دوماً...عشقها من اول نظره و وقع في حبها من هيئتها البريئه مثلها، عشقها بقوه..و عشقته هي الآخري! لكن أين ذهب ذلك الحب لقد تبخر مع الرياح اختفى ولم يكن له وجود، منذ اللحظة التي ذهبت لتبحث عن الاهتمام خارجاً بعيد عنه.. لكن هل بالفعل ذهب ذلك الحب؟ 


لو كان قد رحل بالفعل، فلماذا يشتاق إليها الآن؟ الفراق حزن حقاً مثل لهيب الشمس الذي يبخر الذكريات من القلب ليرفعها إلى أعاليه، فتستجيب له العيون برش مياهها لتطفئ لهيب الذكريات.


فوضع إصبعه بقسوة على مكان قلبه، يضغط عليه بعنف، وكان وجهه متصلباً، وكأنه لا يشعر بألم، ولما لا! قلبه أصبح حجراً لا يشعر و لا يتألم و لا يسامح ولا يغفر، عباره عن حجاره صماء ليس بها روحآ، ولما كل ذلك هل لاجلها؟ 


لأجل خائنه تخلت عنه وتركته وحيدا! لكن أليس هذا أيضًا ما أراده؟ لو كانت بهذا السوء لما بقي معها لينتقم منها بالتأكيد، وبعد الانتقام لما لم يتركها، بل ظل يتودد إليها ويهددها بالعودة إليه وفي النهاية هي أصرت على الانفصال؟ لأنه اصبح خائن مثلها، رحلت و تركته يصارع من ألم الفراق والاشتياق !. 


أفتقدها في كل ركن من أركان المنزل، حتى أنه يشعر في بعض الأحيان بوجودها، لكنه على يقين أنه مجرد سراب وهي ليست هنا؟ كم هو حزين لبعدها عنه، فهو لم يعلم أبدًا أنه يحبها كثيرًا بهذا المقدار أبـداً .


لم يتخيل قط أنه سيظل يفكر بها ويعشقها، وفي نهاية اليوم يراجع عقله كل ذكرياتهم الطيبة والسيئة.. رحلت لمدة سنة ولم يخف حزنه عليها، بل كان يزداد ويزداد كل يوم أكثر من الذي قبله، ولم يرتاح قلبه ولو قليل! حقا عشقها أصبح مثل اللعنه التي لا يعرف التخلص منها.


❈-❈-❈


تململت في نومتها ومرت عده دقائق وفتحت عيناها بنعاس، نظرت حولها تبحث عن هاتفها لتجد مازال مبكراً على موعد عملها، لكنها مع ذلك نهضت وسحبت الستائر بالغرفة لتدخل اشعه الشمس، نظرت فريدة الي السماء متنهداً بوجع و مراره ها هي حصلت على مسكن وعمل كما كانت تريد وتتمنى! فسماح صديقتها رتب لها عمل كممرضة ومساعدة في دار رعاية للمسنين تستقبل كبار السن وتساعدهم وتوفر لهم السكن والطعام والرعاية الكاملة، وأيضا المساعدين هنا والممرضات يوفرون لهم السكن والسماح بالبقاء! وافقت فريدة على الفور فماذا كانت تريد أكثر من ذلك؟ لقد وجدت وظيفة جيدة وبنفس المكان يسمحوا لها بالعيش فيه. ورغم مرور تلك الفترة، سنة كاملة، وهي لا تستطيع أن تنسى ما يؤذي قلبها، لا تستطيع أن تنسى ما مزّق روحها، لا تستطيع أن تنسى أن الجميع خذلها، وحقها الذي انهدر جزء منه ولم تستطيع استرجاعه بسبب الخوف من حديث المجتمع .


أغمضت عيناها بقوه وهي تتذكر ما حدث لها سابقاً فرت دموعها بغزاره من عيناها المغلقتين وكل ما حدث يمر أمام عيناها بسرعه وقسوه تؤلمها وتؤلم قلبها فتحت عيناها فهبطت دموعها أكثر وأكثر وأصبحت تصدر شهقات خافته، فمؤلمة تلك الدمعة التي تسقط وأنت صامت تسقط من شدة القهر، والألم والإحتياج 


مرت تلك المده حقا وحاولت فيها أن تتجاهل وتنسى ما حدث لكن تفشل دوماً في ذلك، حتى بدأت ان تتاقلم وتعتاد على تلك الاحزان انها ستظل تلازمها ولم تفارقها، و رفضت العوده الى منزل أسرتها مره ثانيه حتى انها لم تحاول التواصل معهم مجدداً ليطمئنوا عليها وتطمئن عليهم، هي فقط تريد ان تبقي بمفردها تريد ان تختلي بذاتها و تلك الحياه التي بنتها بمفردها ستظل وحيده فيها و

تعتمد على نفسها ولا تريد أحد بجانبها .


عودت نفسها على القوة إلا مع نفسها تظهر تلك الفتاة الهشة والضعيفة، حتى تلك الأسرة التي تخلت عنها لم تفتقدهم مطلقا في تلك الفترة وتشعر بالجفاء الشديد تجاههم كلما تذكرت ما صدر منهم سابق ؟؟ إذا سمعها أحد سيظن أنها فتاة عاصية بالتأكيد، لكنها لا تهتم لأنه لا أحد يعيش مكانها ولا أحد يمر بما هي عليه حتى يحكم عليها بتلك الحياة التي لا تريدها.


تنهدت بحزن وآسي علي حالها حزن علي فقدان عائلتها وهم ما زالوا على قيد الحياه وفقدان حنانهم والشعور بالامان داخل احضانهم هبطت دموعها وهي حتي لم تشعر بها وهي تتذكر كل شئ حدث في تلك الليله المشئومه تلك الليله التي قضت علي كل شئ و قضت علي كل ذكرياتها الجميله و أحلامها بعدها، ليله اغتصابها تلك البدايه التي بدأت هنا وبعدها واجهت الأهل والمجتمع والناس وخطيبها و وجدت نفسها امام سيل من التنازلات والتضحيات مطلوبه منها؟ ورغم انها المغتصبة تقولها مرار وتكرار بانها الضحيه وليست المذنبه.


لكن لم يستمع لها أحد، واكتشفت أنها تعيش في مجتمع يسود بالكذب والخداع والمؤامرة الدنيئة عندما وافقت على طلبهم، لتجد نفسها تخسر كل شيء حينها...!!


ظل صدرها يصعد ويهبط بقوه عده دقائق ثم اتجهت الي المرحاض لتغتسل و توضت لتؤدي فريضه الله، وبعدها اخرجت ثيابها لتخرج خارج الغرفه تباشر عملها بالدار .


أخذت نفساً عميق وزفرته علي مهل واتجهت نحو الكافتيريا وبدأت في صنع الشاي، وجدت يد تربت علي كتفها علمت من هي فالتفتت بهدوء وتنهدت الأخري قائله بابتسامة صغيرة


= صباح الخير يا فريده كنت لسه هدخل اصحيكي عندنا شغل كتير النهارده، وحالات ياما .


لم تجيب فريدة عليها واخرجت من جيب ملابسها علبه دواء، جلست سماح أمامها وهي تقول بضيق


= مش عارفه امتي ربنا هيتوب علينا من الشقي والتعب ده، هو انتٍ بتاخدي دواء ايه علي الصبح كده 


هزت كتفها ببساطة وقالت بنبرة عادية


= دواء السكر .


إبتلعت الآخري لعابها بصدمه قائله بقلق


= انتٍ عندك السكر؟؟ وده جاءلك امتى انا اول مره اعرف


ارتشفت القليل من الشاي وأجابت قائله بجمود


= مش بقيله كتير ولا حاجه يجي من حوالي اقل من سنه كده، و جاليه وقت قضيه الخلع اللي كنت رافعاها على حسام زمان .. حسيت بتعب ساعتها وكنت بطنش في البدايه لحد ما زاد الألم ورحت كشفت وهناك عرفت ان انا عندي السكر 


استنكرت الأخرى تحدثها ببساطه عن الأمر وكانه شيء عادي لكن لم تتفاجا من حاله الجمود تلك، التي بدات أن تسيطر عليها في الاواني الاخيره بسبب تلك التجارب التي مرت بها، نظرت سماح الي حاله صديقتها بأسي حتي قالت لها بتفهم


= عشان كده بقيتي تشربي الشاي من غير سكر، انا إزاي ما كنتش بلاحظ وانتٍ ليه

ما قلتليش .


إبتسمت فريدة بسخرية مريرة قائله بإقتضاب 


= وهقول لك ليه هتفرق يعني في حاجه؟؟ واحمدي ربنا انها قد علي قد السكر وبس ده انا أوقات كنت بحس إني هنام في مرة مش هصحى تاني بعدها، من كتر اللي كنت بشوفه منهم .


اومأت سماح بقله حيله حتي لا تضغط عليها، لترحل فريدة من امامها، فتنهدت بحزن علي حالها قائله


= ربنا يهديكي ويعوضك خير في اللي جاي يا فريدة .


❈-❈-❈


ارتدت تسنيم فستان الزفاف بمساعدة أحدى

المسؤولين عن الميك اب والفستان واستدرت نحو المرآة لترى نفسها؟ لم تذهل بجمال الفستان لقد كان يناسبها تماما، ويبرز منحنيات جسمها وقوامها الرشيق.. لقد كان الفستان ساحر من القماش الأبيض الرقيق والمطرز برسومات ناعمة وبقصة ضيقة عند الصدر ثم ينسدل بانسيابية على جسدها، غير قلبها الشاعر بسعادة عارمة وشعور بالدفء،لقد بدا الأمر حقيقياً نعم كان ذلك حقيقياً. و كانت تعرف أن هذه هي نهاية حبهم أخيرا .


سحب أيمن شقيقها طرحه الزفاف الطويله جانب ليقترب وهو يشاهد تسنيم في المرآة بإعجاب و ابتسمت هي الأخري عن تلك المشاعر الجديدة التي تغمرها وقبض على كفها بحنو ثم تحركوا الى الخارج باتجاه قاعه الفرح .


وصلوا الى القاعه لاحقا، ابتدأت تلك الليله تسير بسعاده غامره و الجميع يرقص طربًا مع محبيه، من معارف واقارب واصدقاء ناهيك عن كل من له صلة به العروسين، امتلأت القاعة وتسابق الجميع في تقديم التهنئات والمباركات له ولها وكل شخص على طريقته الخاصة، تنهدت تسنيم مطولاً سعادة لا توصف تملكتها حينما استلمها سالم من شقيقها بنظرات جعلتها تشعر وكانها كالملكة شامخة، و دق قلبه بقوة معلنًا عن حبه اللا محدود لها و لم تفارقها عيناه، وبين الحين والأخر كان يلتفت نحوها ليرمقها بنظراته العاشقة بالرغم من إحاط الاصدقاء وداخله كان يترقب على جمر متقدة مرور الساعات لينفرد بها ويتمكن من التعبير لها عن مشاعره العميقة لها، ألهى عقله بما يحدث حوله مؤقتًا كي لا يهلك من كثرة الانتظار والتفكير.


على الجانب الأخر جلست ناهد على الطاولة القريبة من مقعد العروسين تشاهد ما يحدث بهدوء وصمت عكس ليلي التي كانت تجلس جانبها مشتعله حرفياً من الغيرة، رفعت ليلي عيناها نحو تسنيم وهي بفستان الزفاف ترمقها بضيق تراها لا تستحق تلك الحياه ولا مكان لها في حياه والدها.. كانت تراها تلك الصغيره انها امرأه اقل من العادي فكيف تكون في النهايه المرأة التي تأتي لتأخذ مكان والدتها الراحله، وقلب والدها العاشق لها .


شعرت تسنيم بتلك اليد توضع على كتفها، أدارت رأسها للجانب لتجد أخيها محدق فيها بنظرات حانية وهو يربت عليها برفق ، مال عليها قائلا بحب أخوية 


= مبروك يا حبيبتي الف مبروك ما تتخيليش النهارده فرحتي قد ايه وانا شايفك بالفستان الابيض أخيرا، ربنا يهنيكٍ ويسعدك .


ردت بخجل وهي ترخي ساعديها


= متشكره يا أيمن الله يبارك فيك وعقبالك بقى لما عقدتك تتفك انت كمان وتشوف حياتك كفايه سنه بقى عدت وانت لسه بتحاول تخرج من الدوامه دي .


ضغط بأصابعه على راحتها هامسًا بغيظ 


= هو انتٍ حتي في فرحك مش سايباني في حالي وعامله فيها دور الام اللي بتنصح ابنها، ركزي مع عريسك احسن وسيبيني في حالي يا تسنيم وانا مرتاح ومبسوط كده .


ردت وهي تهز رأسها برفض بحزن علي حاله


= انت بتكدب على نفسك ولا عليا انت مرتاح ومبسوط برده؟ هو انا مش شايفه حالك من بعد ما طلقت ليان عامل ايه؟ قلت لنفسي كلها كام شهر وتخرج من الدوامه دي بس الوضع زي ما هو .. وطالما خلاص طلقتها وبعدت عنها وهي بالنسبه لك بقت صفحه وانتهت يبقى شوف حياتك


صمت قليلا ولم يرد وخافت هي أن تكون قد استاءت بحديثها وتسببت في إيلامه بصورة غير مباشرة فاعتذرت فورًا له، وهو أجاب 

بفتور قبل أن ينسحب 


= شكلك فتحتي في الكلام ومش هتخلصي أنا هروح اقعد بعيد وانتٍ ارجعي مكانك لعريسك.


بعد دقائق بدأ صدي نغمه رومانسيه بالمكان، احتضن سالم خصر زوجته وتمايلت برفق مع النغمات المحفزة للحواس وهي كانت تضحك بسعادة و انحني هو على جبينها يقبلها بحب .

بينما في تلك اللحظة كادت أن تدمع عين ليلي من الألم لتختفيها بداخلها قبل أن تنهمر عبراتها تأثرًا، لا تعرف ما الذي أصابها لتصبح على تلك الحالة الضائقة ويختنق صدرها على الأخير، عندما شاهدت تسنيم تقترب من والدها الى هذا الحد وهو يحتضنها ويقبلها بحنان بالغ مثل ما كان يفعل معها بالضبط .


علي الساحة كأن يحضنها سالم متأملا وجهها و تشكل على ثغره ابتسامة عذبة وهو يقول بنبرة ذات مغزى


= وفيت بوعدي معاكي، صح؟ ما سبتكيش الا لما حبتيني و وثقتي فيا 


هزت راسها مبتسمة بحب ثم ردت بنعومة


= ايوه، طول عمرك قد كلمتك يا حبيبي


أبتسم علي كلماتها وقبلها أعلي وجنتيها بعمق وهو يطالعها بنظراته الوالهة


= ربنا يخليكي ليا يا حبيبتي، بحبك


اشتعل وجهها بحمرة خجلة من قبلته الصريحة أمام الجميع، فأطرقت رأسها حياءً منه وقالت بتوتر واضح 


=سالم، مش قصاد الناس .


ضحك سالم ثم لف ذراعه حول خصرها اكثر قائلا بغزل


=بس ايه الحلاوة دي، الفستان جامد عليكي


أخفضت تسنيم أنظارها عنه وقالت بخجل


=ميرسي


تنهدت ليلي بمقت تهتف داخلها بضيق وهي تشاهدهم من بعيد بأعين مشتعله بالغيرة والحقد 


= مسيرك تخرجي من حياتنا يا تسنيم، افرحي بس دلوقتي. 


نهضت فجاه والتفتت بظهرها وأخفت قدر المستطاع ضيقها، ثم سلطت أنظارها مجدداً على العروس التي كانت تبتسم بسعاده لانها حصلت على قلب والدها واخرجتها من حياتها كما تعتقد، ثم أسرعت بالذهاب إلى المرحاض


مرت ساعة، وكان أيمن يجلس بجانب بصمت وهو يتابع حفل الزفاف ولاحظ نظرات تسنيم وكانها تبحث عن أحد ما؟ نهض واقترب منها قائلاً بجدية


= طالما قاعده بتدوري عليها بين الناس كده يبقى شكلك عزمتيها ؟. ولا انا غلطان .


أجابته تسنيم بقلق


= قصدك ليان؟ هي حتى لو انفصلتوا هي كانت بالنسبه لي اكتر من أخت يا أيمن عشان كده طبيعي اعزمها .


توتر أيمن بشدة، وتسائل بقلب مفتور 


= افهم من كلامك انك رحتلها وشفتيها؟ 


هزت كتفها بالايجابي وهي تقول بنبرة موضحة


= يا ريت، انا رحت فعلا بيتها بس والدتها هي إللي استقبلتني وما شفتش ليان هناك خالص مش عارفه اذا كانت مستخبيه جوه مني ولا كانت خرجت زي ما قالتلي والدتها وتقريباً كده شبه طردتني اسلوبها كان معايا جاف وبترد عليا باختصار وما اديتنيش عقاد نافع، عشان كده ما لقيتش قدامي غير أني اسيبلها دعوه الفرح وامشي وقلتلها يا ريت تبلغيها حضورها هيفرق معايا جدآ .. 


حركت رأسها متفهمة وهي تضيف بنبرة يأس


=بس شكلها مش هتيجي حتى التليفون من ساعه ما انفصلتوا مش بترد عليه، مش عارفه اذا كانت هي اللي بتبعد عني عشانك ولا مضطره بسبب والدتها غصب عنها تبعد .


كـان يقف مشدودة وهو يستمع إلى كلماتها غير مستوعب الأمر، وسبب اختفاء ليان وهو يضيق عينيه في حيرة .


أوشك الزفاف على الانتهاء، وبدأ المدعوين في الانصراف واحدًا تلو الأخر، ولم يتبقَ إلا أفراد العائلتين وقليل من الحضور يتبادلون الأحاديث، حتي توجه العروسان نحو السيارة مصحوبان بالزغاريد والمباركات، مدت تسنيم يدها لتمسك بكف أيمن بامتنان وحب وعيناها كانت مليئه بنظرات حزينه لانها ستفارقه رغم انها كانت تسكن بمفردها سابق، نظر هو إلى سالم قائلا بحذر شديد


= مش هوصيك خلي بالك من تسنيم، و اوعي تزعلها في يوم يا سالم .


رد سالم موضح بابتسامة سعيدة


= مش محتاج توصيه، تسنيم في قلبي وعيني ما تقلقش عليها، وان شاء الله حياتها اللي جايه معايا هتكون سعاده 


ضحك أيمن مرددا بعبث


= كله بيقول كده في الاول عشان كده مش هتطمنلك، ولو جت في يوم تشتكيلي صدقني مش ههديها من ناحيتك بالعكس جدآ هشعللها عشان تبعد عنك .


وضع يده على ظهر زوجته هاتفًا بمرح 


= اخوكي ده طلع بيحبني أوي، متشكر يا استاذ ايمن أي أوامر تانيه ولا خلاص تسمحلنا نمشي .


التهت ناهد بمتابعة المدعوين، حاولت ليلي أن تبتسم لكن كانت بسمتها باهتة، اختلست النظرات نحوه فوجدته مشغولاً بالحديث مع أيمن و تسنيم، ضجرت أكثر من تلك العائلة التي اقتحمت حياتها السعيده مع والدها وقد أتت لتخريب سعادتها معه، و حينما التقت أعين والدها معًا أدارت وجهها بعيدا بجفاء. 


اقترب منها وهو يحتضنها ويقبلها أعلي وجنتيها بحب وهو يقول محاوله مواساتها


= تعالي يا حبيبتي، انتٍ هتباتي مع تيته النهارده ومن بكره الصبح هتلاقيني عندك، حتى لو عاوزاني اوصلك لحد بيت تيته هاجي معاكي ومش هسيبك كمان الا لما تنامي اتفقنا .


لم ترد عليه بل ارتخي جسدها لتسقط بين أحضان والدها فاقده للوعي دون مقدمات، انقبض قلبه بخوف كبير وهو يراها على تلك الحالة غائبة عن الوعي، وصرخ سالم بهلع 


= لــيــلي ردي عليا مالك .


❈-❈-❈


تابع قراءة الجزء الثاني من الفصل