رواية جديدة تعويذة العشق الأبدي لسمر إبراهيم - الفصل 17 - 1
قراءة رواية تعويذة العشق الأبدي كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية تعويذة العشق الأبدي
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة سمر إبراهيم
الفصل السابع عشر
"أيتها الصغيرة الجميلة،
أيتها الطيبة البريئة،
والزهرة الناضرة،
التي ذبلت في ربيع العمر،
يا ملاكي الطاهر الذى رحل دون وداع"
خرجت من الغرفة بخطوات مترددة تفرك يديها بتوتر لتقابلها والدتها وتحتضنها وهي تبكي لا تصدق أن تلك الأميرة الواقفة أمامها الآن هي فلذة كبدها واليوم هو يوم زفافها.
فرقت عناقهما وتحدثت بصوت باكي:
- مبروك يا نور عيني ربنا يتمملك بخير ويسعد قلبك يارب.
مدت يديها لتمسح دموع والدتها وحدثتها بابتسامة مختلطة بالبكاء:
- طب بتعيطي ليه دلوقتي؟
كورت وجهها ببن يديها وأجابتها وهي لازالت تبكي:
- دي دموع الفرح يا حبيبتي مش مصدقة إني عيشت لما شوفتك عروسة زي القمر كدا.
- لا بقولكم إيه كفاية عياط بقى المكياج هيبوظ والعريس كدا ممكن يرجع في كلامه.
كان ذلك صوت عهد التي حاولت التخفيف من توتر شقيقتها ولكن كلماتها جعلتها تنظر أمامها لتجده يقف ناظرًا لها بطريقة جعلت القشعريرة تسري في جسدها فلأول مرة ترى تلك النظرة في أعين رجل نظرة غريبة لم تستطع تفسيرها هل هي إعجاب؟ أم دهشة؟ أم خليط بين الاثنين.
أما عنه فلقد تفاجأ عندما رآها لم يتخيل أن تكون بهذا الحُسْن ليقف مشدوهًا بجمالها وكأنه قد انفصل عن العالم من حوله ولم يخرجه من هذه الحالة سوى كلمات شقيقتها ليدرك بأنه قد أطال النظر إليها أكثر مما يجب ليلتفت لصديقه الذي لم يكن حاله أفضل منه فهو يقف مسلطًا نظره على عهد وكأنه يراها لأول مرة وهي تختلس النظرات إليه بتوتر فاقترب منه هامسًا في أذنه:
- متركزش أوي كدا الناس هتاخد بالها.
حمحم والتفت إليه معقبًا بصوت منخفض:
- باين عليا أوي؟
- أوي أوي.
قال كلمته وهو يغمز له بإحدى عينيه ليضع يونس يده أسفل رأسه بحرج فهو بالفعل لم يستطع أن ينزل عينيه عنها منذ خروجها من الغرفة فلأول مرة يراها هكذا وكأنها نجمة سقطت من السماء لتنير الأرض فأين كانت تخبئ ذلك الحسن ولمَ لم يلاحظ أنها بهذا الجمال من قبل هل لذلك الثوب الفضل في ذلك أم مستحضرات التجميل للتي تكاد لا ترى؟ ولكن ما هو على يقين منه بأنه الآن يقف أمام فينوس وأفروديت متحدتان معًا واللائي لو أرادتا التشكل على شكل امرأة لن تجدا أجمل منها ليتشكلا عليه.
أما هي ف فور خروجها من الغرفة وجدت عينيها تبحث عنه لا تدري ما هو السبب ولكنها كانت تريد أن ترى ردة فعله عندما يراها بهذا الثوب الذي أهداها إياه والتي ترتدي مثله للمرة الأولى لتجده لا يحيد بنظره عنها وكأنه يراها للمرة الأولى فشعرت بحرج شديد وأنزلت رأسها بخجل وهي ترجع خصلات شعرها خلف أذنها وذهبت لتتحدث إلى والدتها وشقيقتها لكي تحد قليلًا من ذلك الشعور الغريب الذي يملأ كيانها.
أخذا يقتربا منهما بخطوات متريثة وعينان مملوءتان بالإعجاب لتتفاديا النظر إليهما لتمسك عهد بيد شقيقتها الباردة تحاول أن تبث بها الطمأنينة التي تفتقدها ولكنها تذكرت ما جعلها تنفصل عما تشعر به مؤقتًا فوالدها لم يظهر إلى الآن لتميل على أذن والدتها وحدثتها بهمس بعد أن سلمت شقيقتها ليد زوجها:
- هو عادل لسة مجاش؟
شعرت بتوتر والدتها لتراها تتنهد بخيبة أمل وتهز رأسها يمينًا ويسارًا بنفي لتزفر بغضب فحتى ذلك اليوم والذي من المفترض أن يكون متواجد به لكي يقوم بتسليم ابنته ليد زوجها ولكنه خذلهن كعادته.
نفضت تلك الأفكار من رأسها فليذهب إلى الجحيم إذن لا يهم فما يهمها الآن أن ينتهي اليوم على خير وعندما نظرت أمامها وجدت يونس لازال يقف أمامها محدقًا بها فارتبكت وحدثته بصوت متلعثم:
- إيه بتبصلي كدا لي؟
حمحم وأجابها دون أن يحيد بنظره عنها:
- أبدًا بشوف الفستان مظبوط ولا لأ.
طأطأت رأسها بخجل واحمر وجهها لتشعر بارتفاع درجة حرارتها ولم تستطع الرد فابتسم ضاحكًا عندما رآها على هذه الحالة فمال برأسه إليها وتحدث بصوت هامس:
- لو أعرف إن الكلام الحلو هيخلي القطة تاكل لسانك كدا كنت قولتهولك من زمان.
رفعت رأسها تنظر إليه بغيظ وتلفتت حولها لتجد أن لا أحد ينظر عليهما فحدثته من بين أسنانها:
- طب اسكت بقى لحسن الناس تاخد بالها وتبص علينا حظك اننا وسط الناس وإلا كنت وريتك القطة كلت لساني إزاي.
اتسعت ابتسامته وعقب على حديثها بخبث:
- لا وحياتك انتي دا من حظك انتي ومن سوء حظي اننا وسط الناس.
أنهى حديثه وابتعد عنها ليقف بجوار مروان ليستعدوا للذهاب فوقفت تنظر إليه عاقدة حاجبيها تحاول أن تفهم معنى حديثه إلى أن جحظت عيناها فور استيعابها ما كان يقصده ونظرت إليه بتوعد ولكنه قابلها بغمزة من إحدى عينيه أربكتها وأخذت تتلفت يمينًا ويسارًا لترى هل رآه أحد وهو يفعل ذلك فهي لا تريد أن تكون سيرتها علكة في فم نساء المنطقة يلوكون بها في جلسات نميمتهم وعندما اطمأنت إنه لم يلحظ ذلك أحد ذهبت في صمت لتقف بجوار شقيقتها ووالدتها.
خرجوا من المنزل وقام مروان بفتح باب سيارته لكي تركب بها وعد ليتفاجأوا بصوت آت من أمامهم:
- هو إيه اللي بيحصل ده عدم اللامؤخذا؟
التفت الحاضرين لمصدر الصوت ليجدوه آت من رجل يقف باندهاش مرتديًا حلة غير متناسقة الألوان وبجواره رجل يحمل حقيبة جلد سوداء وخلفه فرقة موسيقية شعبية توقفوا عن العزف فور سماعهم لحديثه لتجحظ عينين عهد والتي أدركت الآن سبب اختفاء والدها فمن الواضح بأنه لم يخبر عزب بزواج شقيقتها ليهرب ويتركهم هم لمواجهته.
❈-❈-❈
شعور بالسعادة يغمره منذ بكرة الصباح فاليوم أخيرًا سيقترب من تحقيق هدفه وزادت سعادته أكثر عندما علم بأن الزغاريد وصوت الموسيقى الصاخبة تملأ منزل عروسه الجديدة ليغطي ذلك على صوت الشك الذي كان قد بدأ يتسرب إليه منذ بضعة أيام عندما بدأ عادل بتجاهل اتصالاته الدائمة ولم يأتي إليه أيضًا لكي يأخذ ما هو متفق عليه بينهما وما زاد من قلقه هو إغلاق هاتفه منذ يومين وفشله في العثور عليه في أي مكان اعتاد على الظهور به وعندما ذهب إلى بيته بالأمس لكي يسأل عنه أغلقت عهد الباب في وجهه فور رؤيتها له ليزداد توعده لها ولكن شكوكه ذهبت أدراج الرياح فور علمه بظهور علامات الفرح على المنزل ليذهب إلى هناك ليرى بعينيه رجال يعلقون أنوار الزينة على المنزل وسمع أصوات الموسيقى فعاد إلى منزله والسعادة تغمره وبدأ بالاستعداد ل ليلة العمر وفي تمام السادسة مساءً خرج من منزله مرتديًا حلته الخاصة بالمناسبات والتي لا يمتلك غيرها ليجد في انتظاره أمام المنزل تلك الفرقة الموسيقية التي ستزفه إلى منزل العروس ليذهب أولًا لإحضار المأذون الشرعي الخاص بالمنطقة ثم ذهب جميعهم إلى منزل العروس.
تعجب كثيرًا عندما اقترب من المنزل ووجد عربتان فارهتان تقفان أمامه وما زاد من تعجبه هو رؤيته لعروسه وهي تخرج من باب المنزل مرتدية فستان زفاف باهظ الثمن ومتأبطة زراع شاب مجهول ليتحدث وعقله يحاول إنكار ما توصل إليه.
- هو ايه اللي بيحصل ده عدم اللامؤخذا؟
نظر إليه مروان بجهل لعدم معرفته بهويته وقبل أن يتحدث سبقه يونس متسائلًا بتعجب:
- مين حضرتك؟
- حضرتي ابقى عريس السنيورة انتوا اللي مين والأخ بيركبها عربيته بمناسبة ايه.
قال ذلك وهو يشير إلى مروان و وعد ليستمع إلى صوت عهد الساخر:
- العتب عالنظر يا اسطى عزب إيه مش واضح قدامك أن النهاردة فرح أختي ودا العريس ولا إيه.
- فرح مين وعريس إيه اللي بتقولي عليه يا بت انتي؟ دنا أروح فيكم في داهية.
قال ذلك وهو يهرول في اتجاهها وقد تملك منه الغضب ليجد ذلك العريس المزعوم وصديقه ومعهم بعض الرجال الغرباء يقفون أمامه كحائط سد حتى لا يستطيع الوصول إلى العروس وشقيتها لتشهق سميحة وتضرب على صدرها بخوف وهنا أدركت سبب اختفاء زوجها فهو لم ينهي أمر الزيجة مع عزب وتركهم في مواجهته بمفردهم ولكنها اطمأنت عندما وجدت الرجال الذين جاءوا مع عريس ابنتها يقفون أمامه واستمعت لمروان وهو يتحدث بغضب من بين أسنانه:
- انا هعمل نفسي مسمعتش الكلام اللي انت قولته ده بس لو ممشيتش من قدامي دلوقتي حالًا مش ضامن الرجالة دي ممكن تعمل فيك إيه وزي ما سمعت كدا دي مراتي والنهارده فرحنا روح شوف مين اللي اتفق معاك واتصرف معاه وعن إذنك علشان ورانا شهر عسل لسة هنبدأه.
أنهى حديثه تاركًا إياه واقفًا بعروق نافرة وعيون حمراء من شدة الغضب ليبحث بعينيه عن عادل ففشل في إيجاده ليجدهم يغادرون في ثلاث سيارات وعد والعريس بواحدة وشقيقتها سليطة اللسان ووالدتها في واحدة والحراس في الثالثة ليجد نفسه يقف ونظرات السخرية والهمسات تحيط به من كل اتجاه ليصرخ بغضب في جميع الواقفين:
- ايه واقفين بتتفرجوا على إيه غوروا من وشي.
قال ذلك وهم مسرعًا ليبتعد عنهم وهو يتوعد عادل وأسرته بانتقامه الشديد لما فعلوه به وجعله يقف ذلك الموقف أمام الناس.
❈-❈-❈
صفت السيارات أمام الفندق وهبطوا منها جميعًا وولجوا إلى الداخل لتصعد وعد هي ومروان إلى جناح العروسين بعد أن ودعتها شقيقتها ووالدتها ليتحدث إليهما يونس محاولًا اقناعهما البقاء في الفندق:
- إيه رأيكم تباتوا هنا النهاردة وأهو تبقوا جمب وعد وتطمنوا عليها بدل ما تروحوا وترجعوا تاني الصبح
زفرت بقلة حيلة لا عنة والدها بداخلها فهو السبب في كل ما يحدث لهم من مصائب ووجدت أنه محق فليمكثوا هنا اليوم وغدًا ليفعل الله ما يريد.
نظرت لوالدتها لتجد أنها لا تمانع في ذلك فأماءت له برأسها دون أن تنطق فهي تشعر بالخجل مما حدث أمامه فذهب على الفور ليقوم بحجز غرفة لهما وعاد سريعًا ليعطيهما الكارت الممغنط الخاص بغرفتهما وقام بإيصالهما إليها لتحدثه عهد بامتنان لكل ما فعله لأجلهم:
- متشكرة يا يونس على كل حاجة عملتها عشاني.
ابتسم لها ابتسامة جعلت دقات قلبها تقرع كالطبول وحدثها بصدق:
- مفيش بين الصحاب شُكر وأنا معملتش حاجة كلها حاجات بسيطة، ادخلوا ناموا دلوقتي ومتفكروش في حاجة تصبحي على خير.
لا تنكر بأنها شعرت بالضيق فور ذكره كلمة أصدقاء ولكنها تجاهلت ذلك الشعور وعقبت باقتضاب:
- وانت من أهل الخير.
قالت ذلك ودخلت هي ووالدتها إلى الغرفة ليذهب هو الآخر إلى غرفته وبداخله شعور غريب يزداد قوة كلما رآها ليتيقن بأن ما شعر به تجاهها ليس تعاطفًا أو صداقة بل هو شيء أكبر من ذلك ف فيما يبدو أن قلبه أعلن تمرده عليه وذهب إليها دون إرادة منه.
❈-❈-❈
دخلا الجناح الخاص بهما لتتلفت وعد حولها بانبهار لما تراه والذي كانت تظن أنها لن تراه سوى من خلال التلفاز أو الشبكة العنكبوتية فتكاد تجزم بأنه أكبر من شقتها هذا غير الأثاث الراقي الموجود به وعندما دخلت حجرة النوم وجدت المفاجأة فلقد زُين الفراش بزهور على شكل قلب كبير في منتصفه كما توجد الكثير من البالونات المعلقة في السقف والموجودة على الفراش والأرض وجميعها على شكل قلب أيضًا.
أخذت تدور بعينيها في أنحاء الغرفة بانبهار شديد حتى أنها نسيت وجودة لم تنتبه سوى عند سماعها لصوت حمحته فالتفتت إليه بتلقائية لتشعر بالخجل فور تلاقي أعينهما وطأطأت رأسها تنظر أرضًا لتستمع إليه يحدثها:
- ممكن نتكلم مع بعض شوية؟
أماءت برأسها بموافقة دون أن ترفعها ليشير إلى حجرة الجلوس وسبقها وجلس على الأريكة فتبعته بخطوات بطيئة وجلست على الكرسي المجاور له لتسمعه يحمحم مرة أخرى ثم تحدث قائلًا:
- أنا عارف إننا اتجوزنا بسرعة وطريقة جوازنا مش ألطف حاجة وإننا لسة منعرفش بعض.
اكتفت بإماءة من رأسها دون أن تنظر إليه ليزفر بخفوت يحاول أن يجد طريقة مناسبة ليوصل لها ما يريد قوله دون أن يجرح مشاعرها فأخذ نفس عميق وأطنب قائلًا:
- انا بس عايز أطمنك إن مفيش حاجة هتحصل بينا انتي مش عايزاها وبرضه مقدرش أقولك أن جوازنا ده لفترة مؤقتة لحد ظروفك ما تتحسن لأني ببساطة معرفش بكرا مخبي إيه بس ممكن ندي نفسا فرصة نعرف بعض ونشوف الدنيا هتمشي إزاي لقينا فيه انجذاب وقدرنا نقرب من بعض نكمل، محصلش ده خلاص ننفصل في هدوء.
لقد أزاح بالفعل حجر كبير كان يجسم على قلبها فلقد كانت تشعر بالضيق كلما تخيلت إنها من الممكن أن يحدث بينهما شيء وهي الآن غير مؤهلة لذلك.
رفعت رأسها ونظرت إليه نظرة امتنان دون أن تنطق بشيء وقد التمعت الدموع بعينيها لتجده يبتسم لها وقد فهم ما يدور بعقلها واستأنف حديثه سائلًا إياها بحنو وهو محافظ على ابتسامته:
- أفهم من كدا إنك موافقة على كلامي؟
أماءت له وهي تبتسم فمد إليها يده اكي يصافحها وهو يعقب:
- deal.
مدت يدها لتصافه هي الأخرى وهي تعقب بنفس كلمته:
- deal.
أنهى مصافحته إياها وأسند يديه على ركبتيه ثم نهض واقفًا وتحدث بمرح وهو يشير نحو حجرة النوم:
- خلاص اتفضلي بقى ادخلي أوضتك غيري هدومك وأنا هنام هنا مؤقتًا على ما شقتنا تخلص احنا بس هنقضي هنا في الاوتيل فترة على ما مهندس الديكور يخلصها وهنتنقل فيها علطول.
ابتسمت وذهبت في اتجاه الغرفة ولكنها توقفت واستدارت إليه وهي تنظر أرضًا ليعقد حاجبيه وحدثها باستفهام:
- وقفتي ليه؟
ترددت أن تجيبه فحثها على الحديث قائلًا:
- فيه إيه متتكسفيش احنا مش اتفقنا نبقى أصحاب؟
تحدثت بتردد وقد احمر وجهها من شدة الخجل:
- أصل، أصل أنا نسيت أجيب هدومي من البيت.
ضحك بملئ فيه عندما رآى خجلها لتنظر اليه بغضب طفيف عاقدة حاجبيها لاعتقادها بأنه يسخر منها بضحكاته هذه ولكنها دون أن تدري وجدت نفسها شاردة في ضحكته التي تراها لأول مرة لتنتبه إليه وهو يتحدث من بين ضحكاته:
- ال dressing room جوة فيها هدوم ليكي ومتخافيش كلهم مقاسك غيري هدومك والبسي اللي يعجبك.
مالت برأسها ناحية اليمين وهي تنظر إليه بتعجب ليدور في ذهنها الكثير مو الأسئلة لماذا فعل لأجلها كل هذا؟ وكيف استطاع عمل ذلك في ذلك الوقت الضئيل لتتنهد براحة واستدارت مرو أخرى لتدخل إلى الحجرة ولكنها تذكرت شيء فوقفت واستدارت له للمرة الثانية لتجده يحدثها بحاجب مرفوع:
- فيه إيه تاني؟
- طب انت هتنام فين؟
كتم ضحكاته بصعوبة حتى لا تغضب وحدثها مبتسمًا وهو يشير نحو الأريكة:
- هنام هنا متقلقيش.
حركت رأسها يمينًا ويسارًا وتحدثت برفض:
- لا مينفعش تنام عالكنبة انت بتقول هنفضل هنا لحد الشقة ما تخلص يعني الموضوع مطول ممكن حضرتك تنام عالسرير وأنا هنام عالكنبة.
أشار لنفسه بتعجب وهو يقتبس من حديثها:
- حضرتك؟! حضرتك إيه يا بنتي؟ احنا متجوزين فيه واحدة تقول لجوزها حضرتك؟
شعرت بالخجل عندما سمعت منه كلمة متزوجون فنظرت أرضًا كعادتها لتجده يستأنف حديثه وهو يبتسم قائلًا:
- يا بنتي هو أنا كل ما هكلمك وشك هيقلب طمطماية وتبصي للأرض؟ على العموم يا ستي متقلقيش انا خليتهم يغيروا الكنبة اللي في السويت ويخلوها بتتفتح سرير علشان عارف إن الموضوع هيطول زي ما قولتي ويلا اتفضلي على أوضتك بقى بدل ما أرجع في كلامي ولا يبقى فيه أصحاب ولا أخوات ونخليها جواز رسمي.
ركضت إلى الغرفة مغلقة بابها خلفها فور استماعها لحديثه ليقهقه بصوت مرتفع فور رؤيته لفعلتها الطفولية وتحدث بصوت مرتفع:
- طب متقفليش الباب بالمفتاح علشان الحمام موجود في الأوضة.
وقفت خلف الباب وهي تبتسم واضعة يدها على قلبها الذي يدق بشدة تحاول أن تهدئ من دقاته ثم مسحت دمعة هاربة من إحدى عينيها وتلاشت ضحكتها عندما تذكرت ما فعلت لتشعر بالذعر من أن ينتهي هذا الحلم الجميل الذي تعيشه إلى كابوس ما إن علم بفعلتها لتتنهد بحزن ف فيما يبدو أنها لن يكتب لها أن تعيش بصورة طبيعية وسيظل ذنبها يطاردها مدى الحياة فهي لا تعلم أنه يعلم بالفعل ما حدث وقبل بها رغم ذلك فلا يوجد ما يدعوها لكل ذلك الخوف.
تحدث بالهاتف وشرارات الغضب تنضح من وجهه:
- تسيب كل اللي في إيدك انت وباقي الصبيان وتقلبولي الدنيا على عادل السيد عارفه.
انتظر للحظات حتى أتاه الرد ليعقب:
- ايوة هو الأسطى زفت سيبوا كل حاجة في إديكم وهاتوهولي من تحت طقاطيق الأرض.
ازداد غضبه عندما استمع لرد الآخر:
- ولا بضاعة ولا زفت سيب توزيع البضاعة دلوقتي واعمل اللي قولتلك عليه عايزكم تنتشروا في كل مكان لحد ما تلاقوه.
أنهى حديثه وأغلق الهاتف وهو يتمتم بتوعد:
- هتروح مني فين دي كلها أوضة وصالة ومسيرك تقع تحت ضرسي وساعتها هفرمك.
❈-❈-❈
بعد مرور عدة أيام
- بتهرجي، كل ده حصل وانا معرفش؟
أتاها الرد عبر الهاتف:
- الله وانا مالي يا لمبي مش انتي اللي سافرتي وقولتي عدولي.
- يعني أسافر إسبوع الجونة أغطي المهرجان أرجع ألاقي دا كله حصل؟ وانتي مكلمتنيش تقوليلي ليه علشان ابقى معاكي؟
- محبتش أشغلك انا عارفة إن السفرية دي انتي كنتي مستنياها بقالك فترة ولو كنت قولتلك كنتي هتسيبي كل حاجة وتيجي وساعتها كان رئيس التحرير سود عيشتك.
ضحكت بصوت مرتفع فور تخيلها لملامح رئيس التحرير فور علمه بأنها قد تركت التغطية الصحفية للمهرجان وذهبت لحضور زفاف شقيقة صديقتها:
- ولا كان هيقدر يعمل حاجة علشان الجلطة كانت هتجيله الأول قبل ما يعملي حاجة أصلي قعدت التحايل عليه شهر بحاله علشان أنا اللي أسافر بدل يحيى تخيلي بقى بعد دا كله أسيب الدنيا وامشي يانهار heart attack.
استمعت لضحكتها المدوية ثم أتاها صوتها من بين ضحكاتها:
- قادرة وتعمليها هتقوليلي دا الراجل ليه الجنة يا شيخة مرة تسيبي الشغل شهرين بحالهم وتقضيهم معايا ودلوقتي عايزة تسيبي الشغل وتمشي دا كان جواب رفدك سبقك على القاهرة.
حركت كتفيها بلامبالاة فهي تعلم بأنه لا يستطيع عمل ذلك:
- ولا يقدر يا بنتي انتي عايزة بابي يقفلهم الجورنال ولا إيه.
- اهي دي آخرة الواسطة.
أنهت ضحكاتها ثم حاولت أن تتحدث بجدية بعض الشيء لتحول مسار الحديث:
- طب وباباكي لسة مظهرش لحد دلوقتي.
أخرجت صوت طأطأة دليل على النفي وهي تجيبها:
- ولا نعرف عنه حاجة من يوم كتب الكتاب واضح إنه قلب مروان في قرشين وخلع مش هيظهر تاني إلا لما يخلصهم.
- طب واللي اسمه عزب ده معملش حاجة تانية.
- ولا يقدر يعمل حاجة يروح يدور عاللي نصب عليه احنا مالنا.
أماءت برأسها بتفهم وكأنها تراها وهي تعقب:
- بس بجد مروان دا طلع جدع جدًا مع انه مكانش يبان عليه لما شوفته أول مرة.
عقبت مؤيدة لحديثها:
- أيوة بصراحة طلع راجل بجد هو ويونس حقيقي مش عارفة لولاهم كان هيحصل إيه؟
- يونس آه قولتيلي.
عقدت حاجبيها وأحست بالخجل من تلميح صديقتها لتعقب باستفهام:
- تقصدي إيه؟
- مقصدش حاحة يختي بس واضح إنه واقع لشوشته والأوضح كمان إنه مش لواحده اللي واقع.
حمحمت وكعادتها عندما تشعر بالخجل تقوم بتغير مجرى الحديث:
- سيبك بقى من الكلام ده وخلينا في المهم.
فهمت ما تريده جيدًا واستجابت لها حتى لا تخجلها:
- حصل إيه تاني يا آخرة صبري مهو الأحداث المهمة مبتحصلش إلا وانا مش موجودة:
ضحكت بقهقة وأجابتها من بين قهقهاتها:
- مش انا روحت الشغل امبارح.
- يا شيخة وبعدين؟ طبعا لقتيهم رفدوكي.
تلاشت ضحكتها وزفرت بعمق لتعقب وقد سيطر الحزن عليها بعدما تذكرت ما حدث:
- أيوة يا ستي منقطعة عن العمل بقالي يجي ٥ شهور طبعًا اترفدت وخصوصًا إني لما رجعت مقدمتش أي تقارير طبية باللي حصل.
همهمت بتفهم وعقبت لتعلم ماذا تنوي فعله:
- طب وانتي ناوية على إيه؟
كسى الحزن وجهها عندما تذكرت ما حدث فعملها هذا هو شغفها الوحيد في هذه الحياة البائسة التي تحياها والذي لولاه لما استطاعت المضي قدمًا فلقد كانت تستمد منه القوة التي تساعدها على الاستمرار فزفرت بيأس وعقبت بقلة حيلة بعد أن تحجرت الدموع بعينيها عندما تخيلت أنها من الممكن أن تتركه للأبد:
- مش عارفة، بيقولوا ارفعي قضية وقدمي التقارير الطبية بتاعة الحادثة بس طبعًا هتاخد وقت، قد إيه بقى الله أعلم وطبعًا انتي عارفة الروتين يعني موت يا حمار وممكن بعد دا كلها مكسبش القضية أصلًا .
شعرت بالحزن الشديد على حال صديقتها فحدثتها بدعم علها تستطيع أن تخفف عنها بعض الشيء:
- متخافيش يا حبيبتي هترجعي قريب جدًا بإذن الله هما أصلًا يلاقوا زيك فين.
وكأنها كانت تنتظر كلمات صديقتها حتى تتشبث بالأمل فحدثتها بلهفة:
- تفتكري؟
أجابتها دون تردد٠:
- أفتكر ونص وإن شاء الله قريب جدًا هترجع تتنططي بين المقابر الفرعونية زي زمان وهتشوفي.
- يارب يا رهف يارب.
- سبيها على الله.
- ونعم بالله، يلا هقفل معاكي دلوقتي علشان أروح لمحامي زمايلي قالولي عليه بيقولوا كويس في القضايا اللي زي دي أما أشوف رأيه إيه.
- ماشي يا حبيبتي سلام وانا راجعة بكرا ان شاء الله وهكون عندك.
أنهت المحادثة وقامت بطلب رقم آخر ليأتيها الرد سريعًا:
- حبيبة بابي، عاملة إيه يا حبيبتي؟
- بخير يا بابي الحمد لله انت اللي عامل إيه وحشتني.
- انتي وحشتيني أكتر يا روحي، أنا كويس الحمد لله، ها هتيجي امتى ولا القاعدة عجبتك في الجونة وناوية تستني شوية كمان.
نفت برأسها وهي تجيبه:
- لا يا حبيبي أنا جاية بكرا ان شاء الله بس أنا بكلمك علشان أطلب منك طلب.
عقد حاجباه وعقب باهتمام:
- طلب واحد بس؟ انتي تؤمري يا حبيبة بابي ألف طلب لو تحبي.
دخلت في صلب الموضوع مباشرةً:
- كنت عايزاك تتوسط علشان عهد ترجع شغلها.
ازدادت عقدة حاجبية وحدثها باستفهام مقتبسًا من كلماتها:
- ترجع شغلها؟ هي سابته ولا إيه؟
- لا اتفصلت من الشغل علشان انقطعت عن العمل بسبب الحادثة اللي حصلتلها.
أماء بتفهم وعقب بموافقته على مساعدتها:
- بسيطة يا حبيبتي ترجع شغلها هعمل اتصالاتي حالًا أنا عندي كام رهف.
تهللت أساريرها وحدثته وهي تغمرها فرحة عارمة.
- حبيبي يا بابي، كنت متأكدة إنك الوحيد اللي هتخلص الموضوع.
- هو أنا اقدر أرفض طلب لبنوتي وبعدين انتي عارفة أنا بحب عهد قد إيه وبعتبرها زيك بالظبط متقلقيش هترجع شغلها في خلال أيام.
- ميرسيه يا بابي ربنا يخليك ليا يارب أنا هقفل دلوقتي علشان أحضر شنطتي وأجهز للسفر الصبح.
- أوك يا روحي وخلي بالك من نفسك.
- حاضر يا حبيبي، باي.
- باي يا قلب بابي.
أغلقت الهاتف وهي تغمرها السعادة لاستطاعتها مساعدة صديقتها الوحيدة والتي بالرغم من معرفتها لنفوذ والدها الا أنها لم تطلب منها المساعدة ولم تفعلها قط فصداقتهما خالية من أي مصلحة وذلك سبب استمرارها طوال هذه السنوات.
❈-❈-❈
يجلس على الأريكة مرتديًا ملابسه الداخلية ليظهر بروز بطنه بسخاء يضع الأرجيلة أمامه واضعًا مبسمها في فمه ليخرج من أنفه دخان كثيف يحيط به كسحابة سوداء ومن ثم يبدأ في السعال ولكنه توقف عندما تسلل إلى أذنه صوت الموسيقى الصاخبة فرفع بصره ليراها تظهر أمامه مرتدية جلباب ضيق خاص بالرقص مفتوح من جانبي ساقيها من الأسفل وحتى ركبتيها وبه فتحة صدر كبيرة ليظهر مفاتنها بسخاء وبدأت تتمايل على أنغام تلك الأغنية الشعبية لترقص بطريقة فجة مثيرة للغرائز.
ترك خُرطوم الأرجيلة من يده وذهب إليها وهو مسلوب الإرادة كالمسحور فأمسك بخصرها وبدأ يرقص معها هو الآخر حتى خارت قواه لتنتابه نوبة سعال شديدة ووقع أرضًا لا يستطيع أخذ أنفاسه فذهبت مسرعة وأغلقت الموسيقى وأحضرت له كوب من الماء وأخذت تدلك صدره وهي تحرك فمها يمينًا ويسارًا تحسرًا على ما آل إليه حالها فإن كان لا يقوى على الرقص في ليلة عرسهم فماذا سيفعل في باقي مهامه الزوجية.
أخذ يستعيد وعيه شيئًا فشيئًا بعد أن شرب الماء لتتحدث بقليل من السخرية:
- سلامتك يا دولا، إيه ياراجل تعبت من شوية رقص أومال هتعمل إيه في الباقي، حسرة عليا وعلى بختي.
أنهت حديثها وهي تلوي شفتيها وتضرب بباطن إحدى كفيها ظهر الكف الأخرى ليعتدل في جلسته أرضًا وينظر إليها محركًا حاجبية بتلاعب وحدثها وهو يحرك يده على صدره حركات دائرية ولازال أثر السعال ظاهرًا على صوته:
- لا يا جميل انت يا مقلوظ ميغركيش شوية الكحة دول، دول بس من الدخان أصل الصنف شديد المرادي إنما محسوبك شديد أوي هتشوفي دلوقتي هيحصلك إيه.
أطلقت ضحكة رقيعة وتحدثت وهي ترفع إحدى حاجبيها وتحرك رأسها حركات تدل على استهزائها بحديثه:
- هنشوف يا خويا ، وقال يا خبر النهاردة بفلوس بعد شوية يبقى ببلاش.
عقب على حديثها وهو ينهض جاذبًا إيها من يدها متجهًا بها نحو إحدى الغرف:
- لا شوية إيه دا دلوقتي حالًا تعالي وانا اوريكي بس انتي سدي بس.