رواية جديدة تعويذة العشق الأبدي لسمر إبراهيم - الفصل 17 - 2
قراءة رواية تعويذة العشق الأبدي كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية تعويذة العشق الأبدي
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة سمر إبراهيم
الفصل السابع عشر
الجزء الثاني
❈-❈-❈
بعد مرور شهر
ها هي قد عادت لتباشر عملها لا تصدق أنها استطاعت فعل ذلك فلقد قارب اليأس أن يتملك منها ولكنها تفاجأت بهم يتصلون بها لكي تعود دون أن ترفع القضية لتعلم بعد ذلك بأن والد رهف هو من فعل ذلك وبالرغم من غضبها من فعلة صديقتها فهي لا تحب أن تأخذ شيء بهذه الطريقة حتى وإن كان حقها ولكنها ممتنة له كثيرًا فلقد افتقدت كل شيء فهي لا تشعر بكيانها سوى وهي بين البرديات والآثار القديمة والتي توم بترميمها بيديها.
الشيء الوحيد الذي يؤرقها هو قرارهم بإغلاق مقبرة الأقصر نهائيًا خاصة بعد عودة البروفسور ويليام وباقي أفراد البعثة الأجنبية لبلادهم ولكنها لن تيأس ستحاول بكل طاقتها.
كانت مشغولة في ترميم تلك البردية القديمة والتي يعود تاريخها إلى الأسرة الثالثة عندما وجدت العامل الخاص بمكتب المدير يحدثها بعجالة:
- آنسة عهد، مصطفى بيه عايزك في مكتبه حالًا.
اندهشت من ذلك كثيرًا فآخر لقاء بينهما حدثها بطريقة لاذعة عندما طلبت منه استئناف العمل في المقبرة ولو على مسؤوليتها الشخصية وأنها هي من ستدخل بمفردها لداخل المقبرة ولكنه رفض ذلك وصرفها من أمامه بطريقة فظة.
ذهبت لترى فيمَ يريدها ووقفت أمام باب الغرفة لبضع ثواني ثم طرقت الباب وانتظرت لحظات حتى سُمِح لها بالدخول فولجت بخطوات حسيسة إلى المكتب لتجده يجلس خلف مكتبه منهمك في قرائة الأوراق التي أمامه فحمحمت لتلفت انتباهه وهذا ما حدث بالفعل رفع رأسه لينظر إليها من خلف نظارته وابتسم لها على غير عادته وحدثها بترحيب غريب عليه:
- أهلًا، أهلًا يا عهد يا بنتي اتفضلي أقعدي.
قال ذلك وهو يشير إلى أحد المقاعد التي أمامه لتزداد دهشتها فالذي أمامها الآن ليس هو نفس الشخص الذي كاد أن يطردها من هذا المكتب منذ بضعة أيام تعد على أصابع اليوم الواحدة ترا ماذا حدث له؟ لتتحدث بينها وبين نفسها بلهجة ساخرة:
- هما استنسخوك ولا حد ضربك على دماغك ولا إيه؟
جلست على المقعد بالفعل وعلامات الدهشة ظاهرة على وجهها وما زاد من تعجبها هو ما أردف به فور جلوسها:
- ها تحبي تشربي؟
- لا دا كدا استنسخوه رسمي يا إما الفضائيين خطفوه وحطوا واحد تاني مكانه دا مش مصطفى أبو كرش أبدا استر يارب وميطلعش نار من بوقه ولا ليزر من عنيه يقسمني اتنين.
كتمت ضحكتها بصعوبة وهي تستمع لأفكارها السازجة لتستمع إليه وهو يستأنف حديثه بتملق ليس بغريب عليه ولكنه غريب عليها هي:
- ايه يا عهد يا بنتي ساكتة كدا ليه؟
أجلت حلقها وتحدثت وهي عاقدة حاجبيها:
- خير يا أستاذ مصطفى حضرتك طلبتني، فيه حاجة ولا إيه؟
أجابها بلهفة:
- كل الخير إن شاء الله، خلاص يا ستي أنا كلمت الوزير بنفسي وأقنعته إننا نستأنف الشغل في المقبرة وقولتله حرام بعد ما اتفتحت تتقفل تاني وممكن حد يستغل ده ويسرق الكنوز اللي فيها، وهو أخيرًا اقتنع برأيي بعد ما كان رافض جدًا بس أنا كلمته أكتر من مرة وقدرت أقنعه يلا همتك معانا بقى كوني فريق تحت إشرافك وتكونوا في الأقصر في خلال يومين.
قفزت عن مقعدها من فرط سعادتها لا تصدق ما حدث وأسندت يدبها على المكتب وهي تتحدث بعدم تصديق:
- بجد يا أستاذ مصطفى؟
أماء لها بموافقة وحدثها مشيرًا نحو باب الغرفة:
- أيوة طبعًا بجد أومال بهزر معاكي يا عهد يلا اتفضلي علشان تلحقي تجهزي وتسافري في خلال يومين كحد أقصى زي ما قولتلك.
- حاضر، حاضر، حالًا هكون جاهزة يومين إيه دا في خلال ساعتين هكون رايحة عالمطار قال يومين قال.
قالت ذلك وهي تتجه مسرعة نحو الباب تخشى المكوث أكثر من ذلك حتى لا يعود فيما قاله فأخيرًا تجدد إليها الأمل بالعودة إلى هناك مرة أخرى.
❈-❈-❈
قبل عدة أيام في الأقصر
حفل ضخم أقيم في الفندق حضره الكثير من رجال الأعمال، والسياسة، والعديد من الشخصيات الدبلوماسية فاليوم يكون قد مر ستة أشهر على افتتاح الفندق استطاعوا خلالها تحقيق العديد من النجاحات في تنشيط السياحة فلقد أصبح الفندق الوجههة السياحية الأفضل في الأقصر والذي يقصده أبرز الشخصيات سواء المصرية أم الأجنبية.
كان يقف ليكون في استقبال الضيوف ولكن ذهنه شارد بها لا يستطيع إخراجها من تفكيره فهو لم يرها منذ ما يقارب الشهر فبعد فرح صديقه وشقيقتها لم يجد بد من العودة للأقصر فلقد انتهت كل الحجج لمكوثه بالقاهرة ولكن يتملكه شعور جارف بالشوق إلى رؤيتها فهو الآن بات على يقين بأنه يحمل مشاعر تجاهها فهو ليس بالطفل الصغير حتى ينكر أو يجهل ما يشعر به.
زفرة حارقة خرجت من صدره فور تذكره إياها وخاصة في يوم زفاف شقيقتها فصورتها في ذلك الثوب لا تكاد تبرح تفكيره ليفيق من شروده على يد تربت على كتفه ليلتفت فوجد أحد مساعديه يهمس في أذنه:
- معالي وزير السياحة وصل يا يونس بيه.
تهللت أساريره وذهب مسرعًا ليرحب به فمد يده لمصافحته وحدثه بحفاوة:
- أهلًا معالي الوزير المكان نور بتشريف معاليك.
بادله التحية وعقب بود:
- أهلًا بيك يا يونس الحفلة تشرف بجد، أنا فخور بنجاحك انت خلاص بقيت وجهة من وجهات السياحة في مصر.
وضع يده على صدره مائلًا برأسه للأسفل قليلًا باحترام:
- الشرف ليا معاليك، ودا كله بتوجيهات سعادتك.
وضع الوزير يده على كتفه معقبًا بمؤاذرة:
- انت شاب طموح وتستحق اللي وصلتله وأكتر، لو محتاج أي مساعدة قولي من غير تردد.
وهنا التمعت في رأسه فكرة لترتسم ابتسامة خبيثة على وجهه فإن لم يستطيع هو الذهاب إليها فليحضرها هي إليه:
- الحقيقة فيه طلب يا معالي الوزير، والطلب ده مش شخصي أبدًا دا طلب لمصلحة البلد والسياحة كلها.
عقد حاجبيه وحدثه باستفهام:
- طلب إيه ده؟
دخل في الموضوع مباشرةً دون مقدمات:
- المقبرة الفرعونية اللي اتقفلت في البر الغربي.
عقب باقتضاب مضيقًا عيناه بعدم فهم:
- مالها؟
- لو سمحتلي أقول رأيي طبعًا.
أماء له وأشار بيده سامحًا له بالحديث فأردف موضحًا لمقصده:
- متتصورش معاليك السياحة اتأثرت إزاي من وقت قفل المقبرة والكلام اللي اتقال عليها من لعنة فراعنة والكلام الفارغ ده فلو المقبرة اتفتحت تاني وقدرنا نثبت إن دا كله إشاعات وأي كلام دا هيكون ليه أثر إيجابي على السياحة مش في الأقصر بس دا في مصر كلها.
صمت قليلًا وكأنه يفكر في حديثه فبالفعل من وقتها وقل عدد السائحين القادمين للأقصر بالمقارنة بعددهم أثناء حديث وسائل الإعلام عن العثور عليها:
- انت عارف يا يونس إن الموضوع ده البَتْ فيه في إيد وزير الآثار مش في إيدي بس أنا أوعدك إني أفتح معاه الموضوع في أول اجتماع وزاري.
شعر بسعادة غامرة فو استماعه لما قاله وعقب بتملق اعتاد عليه بعمله:
- دا عشمي في جنابك يا معالي الوزير وطبعًا زي ما حضرتك عارف أنا كل غرضي مصلحة البلد.
عقب موافقًا إياه.
- مفهوم، مفهوم، وهو ده اللي محتاجاه مصر من ولادها.
- طبعا معاليك، أستأذن حضرتك علشان أسيبك تستمتع بالحفلة وآسف لو كنت أزعجت جنابك.
أشار له بيده سامحًا له بالإنصراف معقبًا:
- اتفضل، ومفيش إزعاج ولا حاجة طالما شيء في مصلحة البلد كلنا نسعى إننا نحققه.
انصرف من أمامه وهو يشعر بنشوة الانتصار فهو على يقين بأن الأمر بات في حيز التنفيذ وفي خلال بضعة أيام سيجدها قادمة إلى هنا لا محالة.
❈-❈-❈
بعد مرور بضعة أشهر.
ها هم يتنقلون من مكان لآخر هربًا من بطش الملك والذي أطلق رجاله للبحث عنهم في كل صوب وحدب، وقد نجحوا في ذلك بالفعل إلى الآن فلقد استطاع حابي أن يعثر على عمل كصياد بسيط حتى يستطيع أن يحصل على ما يقتاتونه وإن كان قلبه يعتصر حزنًا عليها فبعد أن كانت تعيش في القصور وترتدي الحرير فهي الآن تحيا في كوخ بسيط مرتدية ملابس بسيطة في الغالب ترفض إحدى وصيفاتها ارتدائها ولكنها لم تمانع ذلك ولم تشتكي قط، وها هو طفلهم قارب على المجيء لكم طال اشتياقه إليه.
كان عائدًا إلى الكوخ مساءً كعادته لتقابله ماكنيا مهرولة وهي تبكي لينخلع قلبه على محبوبته فأوقفها وقد أصابه الخوف من رؤيته لها هكذا ليسألها ما بها:
- ما الذي حدث ماكنيا؟ لماذا تهرولين بهذا الشكل؟ هل حدث شيء لإيزادورا؟
أجابت بلهاث وصوت متقطع:
- نع، نعم، لقد، لقد أتتها آلام المخاض.
شعر بالزعر وأحس وكأن دقات قلبه قد قاربت أن تخرج من صدره من شدة خوفه عليها وهرول في اتجاهها ليصل إليه صوت ماكنيا اللاهث وهي تقول:
- سأذهب لأحضر القابلة وكرسي الوضع فأنا لا أستطيع مساعدتها بمفردي.
لم يعير حديثها اهتمام ودخل ليرى محبوبته فوجدها نائمة على الفراش تتصبب عرقًا يكاد الألم أن يفتك بها، تكتم صرخاتها قدر استطاعتها لتخرج منها صرخة عالية بين الفينة والأخرى فشلت في كتمها.
أقبل عليها ممسكًا يدها يحاول بث الطمأنينة بها حتى وإن كاد القلق أن يفتك به فحدثها بحنان وهو يمسح العرق عن جبهتها ويمشط يدها الأخرى بحنان بالغ:
- لا تخافي حبيبتي لا تخافي ستصبحين بخير صدقيني.
عقبت على كلماته بصعوبة شديدة:
- لا، لا اس، لا أستطيع التحمل أكثر من ذلك، أشعر بأنني سأموت الآن، أتوسل إليك حابي افعل شيء أنقذني بحق الآلهة.
لم يستطع التحكم بعبراته فنزلت من عينيه مغرقة وجهه وهو يراها أمامه هكذا خاصة عندما استمع لصرخاتها المدوية فلم تستطع التحكم بها أكثر من ذلك وفي تلك اللحظة وصلت ماكنيا ومعها القابلة وبصحبتهم امرأتين تحملان كرسيًا بدون قاعدة قد صنع خصيصًا لمساعدة المرأة أثناء الوضع.
وضعتا الكرسي أرضًا وقامتا بمساعدة إيزادورا للجلوس عليه واضعة يديها على فخذيها وقامت القابلة بمساعدتها حتى تضع مولودها بسلام.
بعد قليل من الوقت والذي مر على حابي وكأنه دهر من الزمان استطاعت إزادورا الوضع بالفعل واستمع أخيرًا لصوت بكاء صغيره لتعطيه إياه ماكنيا بعد أن جهزته القابلة ووضعته في قطعة من القماش فأمسكه بيدان مرتجفتان وعينان مملوءتان بالدموع ليستمع إلى صوت ماكنيا الضاحك الباكي وهي تقول له:
- إنها فتاة.
ضمها إلى صدره وهو يبتسم من بين دموعه ثم ذهب ليساعد إيزادورا مع باقي النساء لكي تتسطح على الفراش وقالت له القابلة بعملية:
- يجب أن تستريح لبضعة أيام وتتغذى جيدًا ولا يدخل أحد عليها حتى لا تصاب بحمى النفاس.
أماء لها موافقًا وهو ينظر إلى محبوبته وقد أغرق العرق وجهها لتلتصق به بعض من خصلات شعرها وقد ظهر عليها علامات الإجهاد فقام بمسح العرق عنها وإزالة الخصلات الملتصقة بوجهها وأخذ يمسح بيده على وجهها بحنان وتحدث وهو يحتضن صغيرته باليد الأخرى:
- أترين أميرتي إنها فتاة تشبهكِ تمامًا فهي جميلة كالملاك.
مدت يديها بإرهاق لكي يعطيها إياها ففعل بحذر شديد لتضمها إلى صدرها برفق وهي تمسح على ظهرها بحنان وسط دموع ماكنيا التي لم تتوقف عن السقوط وهي تراهم هكذا ولم ينتبه أحدهم إلى المرأتين اللتان كانتا مع القابلة وهما يتهامسان فيما بينهما وحملا الكرسي وهما بالخروج وهما ينظران إلى إيزادورا بنظرات لم يلاحظها أحد.
مرت بضعة أيام كان حابي يرعى بهم إزادورا مع ماكنيا لم يتركها ولو للحظة واحدة حتى بدأت تسترد عافيتها شيئًا فشيئًا ولكن كما هو الحال دائمًا تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، شعروا بالفزع عندما استمعوا لصوت طرقات عنيفة على باب الكوخ وعندما ذهب حابي مسرعًا ليرى من الطارق تفاجأ بأنه أحد أصدقائه القدامى.
كان يقف أمامه وهو يلهث فجحظت عيناه وأحس بالزعر وتحدث وهو ينظر يمينًا ويسارًا بخوف شديد:
- نويا! ما الذي جاء بك إلى هنا؟ وكيف عرفت مكاني؟
أخذ نويا يأخذ أنفاسه بصعوبة شديدة فلقد كان يركض بكل ما أوتي من قوة وأمسك كتف حابي وتحدث من بين لهاثه:
- لا وقت لذلك الآن فجنود الملك قادمون خلفي فلقد أبلغت امرأتان عن مكانكما لتأخذا المكافأة التي رصدها الملك لمن يدلي بمعلومات عنكما لقد سبقتهم بصعوبة شديدة حتى أقوم بتحذيرك عليكما الهرب الآن.
دخل مسرعًا فور سماعه لكلمات صديقه وجعل صديقه يصطحب إزادورا وماكنيا وطفلتهما وقام بإخراجهم من النافذة الخلفية بسرعة ولكنه رفض الذهاب معهم فلقد قرر أن يقوم بتعطيل الجنود حتى يتسنى لهن الهرب فحدث صديقه بأمر:
- أُهرب بهن الآن نويا ولا تدع مكروه يلحق بهن لتفزع إيزادورا خاصة عندما وجدته لا يذهب معهم لتحدثه بخوف شديد قارب أن يوقف قلبها:
- ماذا تفعل ولماذا لا تأتي معنا.
حاول طمأنتها حتى تستجيب له وتهرب فإن علمت بنيته لن تتحرك خطوة واحدة:
- لا تخافي أميرتي سألحق بكم سريعًا علي فقط أن أشعل النيران في ذلك الكوخ حتى ينشغل الجنود به ولا يأتون خلفنا اذهبي فقط مع الأميرة الصغيرة حتى لا يلحق بها أذى وأنا سألحق بكم سريعًا فلتسرعي قليلًا حتى أستطيع الانتهاء سريعًا واللحاق بكم.
لم تصدق حديثه ولكنها أجبرت نفسها غلى تصديقه رغم انقباض قلبها لما يفعله واستجابت لجذب ماكنيا لها وسارت مبتعدة وهي تنظر خلفها وكأنها تشعر بأنها لن تراه مرة أخرى.
أخدوا يهرولون وكانت إيزادورا تنظر خلفها بين الفينة والأخرى لترى هل جاء خلفهم أم لا وعندما شعرت بأنهم قد ابتعدوا كثيرًا ولم ترى أي من آثار لأدخنة متصاعدة شعرت بشيء خاطئ يحدث فتوقفت عن الركض ووضعت قلنسوة العباءة التي ترتديها فوق رأسها لكي تحجب بها كامل وجهها وقررت العودة إليه فأمسكت بزراعي ماكنيا الممسكة بالصغيرة وحدثتها بعيون دامعة:
- عديني ماكنيا أن تهتمين بالصغيرة كما اعتنيتِ بي منذ أن كنت بعمرها، لا تتركيها مهما حدث.
فزعت ماكنيا وامسكت بزراعها تمنعها عن المضي فور إدراكها ما تنوي فعله وحدثتها وهي تحرك رأسها يمينًا ويسارًا والدموع تغرق وجهها:
- لما تقولين ذلك مولاتي؟ وإلى أبن أنتِ ذاهبة؟
أزالت يدها بالقوة وحدثتها وهي تبتعد عنهم عائدة مرة أخرى من حيث جاءوا:
- لا تخافي علي ولا تأتين خلفي عديني بذلك وعيني أن تحافظين على ابنته مهما كلفك الأمر، عديني ماكنيا.
حاولت منعها بكل ما أوتيت من قوة كما حاول نويا منعها أيضًا ولكنه لا يستطيع لمسها فهي أميرة ملكية ولمسها يعني الحكم عليه بالموت ولذلك استطاعت العودة وتركتهما خلفها هما وصغيرتها لتنقذ حبيبها ولكنها أتت متأخرة فعند عودتها وجدته غارق في دمائه لا يتحرك وممسكًا بسيفه في يده ولا يوجد أحد من الجنود حوله ف فيما يبدوا بأنهم قد ذهبوا ليبحثون عنها فقامت باحتضانه وهي تبكي لتغرقها دمائه لا تصدق أن تكون هذه هي النهاية لقصة عشقهما وأخذت تتحدث إليه وهي تهذي وكأنها قد اصيبت بالجنون أو انفصلت عن العالم من شدة الصدمة:
- حابي حبيبي، ماذا بك حبيبي لما لا تجيبني هل أنت نائم الآن؟ استيقظ حبيبي لا تتركني أتحدث إلى نفسي هكذا، اتوسل إليك أن استيقظ.
أخذت تهزه بعنف ودموعها تنهمر على خديها بلا توقف:
- هيا حبيبي استيقظ لكي تأتي معي فصغيرتنا تنتظرنا هيا أفق الآن لا تدعني هكذا كثيرًا، لماذا لا تستيقظ هيا أفق الآن أرجوك لا تتركني وحيدة دونك فأنا لا أستطيع العيش سواك هيا استيقظ اتوسل إليك.
ظلت هكذا إلى أن أتت إليها إحدى النساء وحدثتها بصوت منخفض وهي تحاول أن تجذبها نحوها:
- اهربي الآن مولاتي فالجنود بالجوار إن رأوكِ ستكون نهايتك.
لم تستجب لها في البداية لتجذبها المرأة بقوة وأخذت تهزها وهي تتحدث إليها علها تفيقها من تلك الحالة التي تملكتها:
- هيا أفيقي الآن عليكِ الهرب وفي تلك اللحظة استمعتا لحركات خلفهما لتبدأ إيزادورا بالركض دون توقف ودون أن تعلم إلى أين تذهب
تهرول خائفة تتلفت يمينًا ويسارًا بين تلك الأعمدة في البر الشرقي، خائفة من أن يلحق بها أحدهم، فإن وجدوها فهي هالكة لا محالة، تتسارع أنفاسها، وقاربت قواها أن تخور ولكنها تأبى التوقف دون الوصول لوجهتها.
يديها وملابسها ملطختان بدماء ليست دمائها، وتبكي مقهورة، ولا تستطيع الرؤية بوضوح من شدة بكائها لتتعثر وتقع أكثر من مرة، لا تصدق ما حدث وشاهدته أمام أعينها، لا يمكن أن تكون فقدته هكذا دون رجعة، عازمة على إنهاء هذا الأمر سريعا حتى يتسنى لها اللحاق به.
وصلت إلى كبير الكهنة تلهث ولا تستطيع التقاط أنفاسها بل تكاد أن تفقد وعيها من سرعة ركضها.
تفاجأ كثيرًا عندما رأى تلك المرأة الغريبة التي ترتدي ملابس الوصيفات وتضع تلك العباءة الغريبة التي تخفي بها ملامحها تقتحم عليه خلوته في قدس الأقداس بتلك الطريقة الهمجية، فاستشاط غضبًا، واقترب منها معنفًا إياها، ولكن قبل أن ينطق بكلمة رُبط لسانه عندما رفعت قلنسوة العباءة و تحقق من وجهها وعلم من هي، فانحنى باحترام وسألها متوجسًا عن تلك الحالة الغريبة التي جاءت بها في هذا الوقت المتأخر متخفية في ملابس وصيفتها عله يعلم ما لحق بها:
- سمو الأميرة "إيزادورا" ما الذي أَلَمً بكِ؟ وكيف يمكنني مساعدتك؟
حاولت تنظيم أنفاسها حتى تستطيع التحدث معه، وعندما وجدها في تلك الحالة الرثة أشفق عليها، ودعاها للجلوس أولًا حتى تستطيع أخذ أنفاسها، ثم ذهب وأحضر إليها بعض الماء علها تهدأ ويهدئ من روعها قليلًا، ولكنها لم تهدأ أبدًا بل دخلت في نوبة بكاء شديدة، ليزداد إحساس الشفقة بداخله تجاهها، وخاصة بعد فشله في تهدئتها بأي طريقة.
تحدثت إيزادورا بصوت متقطع من كثرة البكاء:
- لقد قتلوه أمامي ولم أستطع إنقاذه قتلوه بدم بارد دون أن يرتكب ذنب سوى أنه أحبني.
تعجب كثيرًا من قولها، ودار في عقله العديد من الأسئلة فمن الذي قُتل؟ ومن قتله؟ وعن أي حب تتحدث عنه؟ ليسألها علها تستطيع أن توضح له:
- من الذي قُتل؟
أحست بقبضة تعصر قلبها عندما تذكرت ما حدث، وكيف قُتل "حابي" أمام عينيها، ولم تستطع إنقاذه، وهنا تذكرت ما جاءت من أجله لتقف فجأة، وحدثته بتصميم لا يقبل التراجع:
- أنا أريد مساعدتك في استعادته مرة أخرى.
صدم الكاهن من حديثها وأخبرها بقلة حيلة:
- عذرًا مولاتي ولكني غير قادر على إحياء الموتى فذلك شيء خارج عن مقدرتي.
ولكنها دخلت في نوبة بكاء هستيري مرة أخرى لتهذي، وتتحدث من بين شهقاتها بكلمات متقطعة:
- أعلم هذا ولكنني لا أستطيع العيش بدونه.
وهنا لمعت في رأسها فكرة فإن كانا لم يستطيعا العيش معًا في تلك الحياة فمن الممكن أن يعيشها آخرون في زمان آخر فإن فشلت هي الآن من الممكن أن تنجح أخرى في ذلك وعند هذه النقطة وقفت وهي مليئة بالإصرار وقالت للكاهن:
- إذا لم تكن لديك القدرة على إحياء الموتى فأنت بالتأكيد تستطيع عمل "تعويذة العشق الأبدي" لعلها تنجح في الجمع بين حبيبين في زمن آخر غير هذا الزمن.
صدم من حديثها وتحدث برفض قاطع وهو يهز رأسه يمينًا ويسارًا:
- آسف مولاتي ولكني لا يمكنني عمل ذلك فلو عُرِف الأمر قضيَ علي في الحال.
جلست أرضًا وهي تثني ركبتيها أسفلها وأمسكت بيده تتوسل إليه لكي يقبل طلبها:
- أتوسل إليك كبير الكهنة فهذه فرصتي الأخيرة لكي أجتمعُ معه مرة أخرى هذا آخر طلب أطلبه منك، بل هو آخر طلب لي في هذه الحياة البائسة أتوسل إليك أن تفعل ما أطلبه منك هذا ليس أمر ولكنه طلب أرجو منك تنفيذه رأفة بي.
لم يستطع مقاومة دموعها وانهيارها أكثر من ذلك فاضطر للإذعان لما تريد بعدما رأى حالتها التي لا تقبل الرفض.
حجر منقوش عليه بعض الرموز الفرعونية أحضره الكاهن ونقش عليه اسمها واسم حابي وأعطاه إليها لتمسكه بيديها الملطخة بدمائه ثم جرحت إحدى يديها ليختلط دمائهما معا ووضعت قطرات الدماء على الحجر ورددت خلف الكاهن.
"عندما تأتي شبيهتي التي هي من نسلي في مكان غير المكان وزمان غير الزمان وتلمس ذلك الحجر سيتجدد كل شيء وستجد عشقها الأبدي، ستعيش نفس قصتي وستلحق بهما الصعاب وسيحاولون التآمر عليهما والتفريق بينهما بكل الطرق ولكنها ستنتصر في النهاية ويفوز عشقهما متحديًا الجميع"
بعدما قالت التعويذة تركت الحجر بيد الكاهن وقالت له بعيون باكية:
- عاهدني أن تأخذه معك إلى قبرك.
أماء لعا موافقًا وقال بعيون دامعة:
- أعاهدك على ذلك.
قامت لترحل بعد أن أخذت العهد منه ولكنه حاول منعها بكل الطرق لخطورة ذلك على حياتها:
- لا تذهبي مولاتي فذلك به هلاكك لا محالة انتظري هنا فأنا أستطيع أن أخبئك عن أعين الجميع حتى يهدأ الأمر وبعدها سأقوم بتهريبك لمكان آمن.
رفضت طلبه بصورة قاطعة وأبت أن تمكث وحدثته وهي تومئ برأسها يمينًا ويسارًا:
- لا أستطيع فعل ذلك ولا تخشى علي فأنا لم أعد أكترث لشيء.
أنهت حديثها وخرجت مهرولة مرة أخرى رغمًا عن أنفه علها تلحق بحبيبها لتلقي بنفسها بين أحضان النيل ليرحب بها ويوصلها لحبيبها وعشقها الأبدي لتكون بذلك أول شهيدة للعشق عرفتها البشرية تاركة سرها خلفها، سرًا لا يعلمه سوى وصيفتها المخلصة ماكنيا والتي استطاعت الهرب بالصغيرة وبرت بقسمها وقامت بتربيتها ورعايتها بعيدًا عن أنظار الجميع.
تم إخراج جثتها من النهر وإيصالها إلى والدها الملك الذي انهار بشدة عندما وجد فلذة كبده جثة هامدة أمامه وندم كثيرًا ولكن ندمه جاء وقت لا نفع به للندم فقام ببناء مقبرة جميلة لها في تونا الجبل (المنيا) وكتب عليها كلمات جميلة رثاها بها تعبر عن حبه لها والذي جاء بعد فوات الأوان:
"أيتها الصغيرة الجميلة، أيتها الطيبة البريئة، والزهرة الناضرة، التي ذبلت في ربيع العمر، يا ملاكي الطاهر الذي رحل دون وداع"
ولم يعلم قط أن لابنته طفلة تربت بعيدًا عنه ولكن ذلك ما جنت يداه.
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة سمر إبراهيم من رواية تعويذة العشق الأبدي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية