-->

رواية جديدة حياة بعد التحديث الجزء الثاني من بدون ضمان لخديجة السيد - الفصل 2 - 2

 

 قراءة رواية حياة بعد التحديث

الجزء الثاني من بدون ضمان كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى






رواية حياة بعد التحديث

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة خديجة السيد



الفصل الثاني

الجزء الثاني


العودة للصفحة السابقة

الليل جاء ليسود الظلام بالغرفة التي تستحوذ الصمت الدائم، جلست فريدة فوق الفراش مع عبوس واضح نظرات مشتتة، وتعابير شاردة

وهي تراقب غرفتها الهادئه والتي تقيم بها بمفردها فالجميع ذهب الى منازله مشتاق الى عائلته الا هي تجلس وحيده! بلا منزل و بلا عائله .


نظرت إلي بقايا طعامها التي بدت واصبحت تتناول إياه بمفردها! التهبت عيناها بعبراتها الحارقة، وشردت بالحظات بالماضي بشجنٍ ...


كانت فريدة تركض خلف ريهام وهي تحاول أخذ منها شئ ما؟ لكنها لم تستطيع الوصول اليها و ريهام اخرجت لها لسانها بغيظ وهي تركض مما جعل الأخرى تستشيط منها، نظرت خيرية لهم بضيق وقالت بصوت مصدوم 


= يعوض عليا عوض الصابرين يا رب لما حد يدخل دلوقتي ويشوفكم انتم الاتنين يا كبار بتجروا ورا بعض عشان حلاوه المولد يقول عليكم ايه؟ سبتوا إيه لي الصغيرين 


تذمرت فريدة قائلة وهي تحرك يدها أمام وجهها 


= يعني يا ماما ما شفتيش بنفسك غلستها وانا قاعده خطفت مني السودانيه بتاعه حلاوه المولد وهي عارفه ان انا بحبها.. و مش هسيبها غير لما تديهالي 


توقفت ريهام بعيد عنها وأجابتها بتبرم 


= مش هديها لك يا رخمه ما انتٍ اخذتي اتنين من العلبه قبل كده، بطلي طفاصه وسيبها لي


لتعود لتركض اليها فريده فجاه وهي تجز علي أسنانها غاضبة منها و الأخري اخذت تضحك عليها بشدة وهي تركض، وهنا رفعت خيرية يديها عالياً في الهواء وهتفت بنبرة عالية


= لا انا مش قادرة على لعب العيال ده انا هناديلكم ابوكم احسن، يا عابد تعالي شوف بناتك .


الذكريات موجعة بالتاكيد ولا مفر منها، نهضت بخطوات بسيطة تجاه حوض الاستحمام و فتحت صنبور المياه تاركة للماء البارد الفرصة لصفع وجهها بقساوةٍ، لم تستطع كبت عبراتها أكثر من هذا تركتها تنساب في حرقة، وعقلها يستعيد كل لحظات عاشتها وكل معاناة تلقتها وكل قسوة رأتها! سوا كانت من الأهل و الأصدقاء و الأقارب والمجتمع والناس و خطيبها و زوجها السابقين وكل شخص دهس جزءًا من حياتها بعنف ورحل تارك أثر لا يذوب داخلها أبدا .


أحست بضعف جسدها الواهن، لم تتحرج من البكاء في حضور نفسها وزاد نحيبها وهي تشرد مجدداً بحديث صديقتها سماح عن قولها الصريح ذات مرة 


= يا بنتي اسمعي كلامي وطاوعيني جوزي جمال اكدلي ان الراجل كويس، هو انا لو 

ما كنتش متاكده من حاجه زي كده ما كنتش عرضت عليكي الموضوع بصي هو مطلقه وعنده ثلاث أولاد وعايشين كمان مع امهم يعني مش هيجيبكٍ تخدميهم ولا حاجه زي ما انتٍ فاكره وعاوز واحده مناسبه وبنت حلال يتجوزها . 


مطت فريدة شفتيها للجانب، وردت عليها بنبرة عادية رغماً ما بداخلها 


= وبعدها لك يا سماح بقيلك ساعه عماله تعيدي نفس الموضوع قلت لك انا مش عاوزه اتجوز ولا عاوزه اتعرف على حد، خلاص موضوع الجواز ده شيلته من دماغي! وبقيت ولا عاوزه زوج ولا عاوزه أهل.


استغربت سماح من ردها الفاتر ، فسألتها بعدم تصديق 


= هو ده إسمه كلام هتقعدي لوحدك يعني طول حياتك كده, يا فريدة العمر هيجري بيكٍ وهتلاقي نفسك لوحدك عاجبك وحدتك دي؟ بذمتك آخر الليل لما كل واحد بيروح لبيته وانتٍ تلاقي نفسك لوحدك؟؟ في الاوضه مش بيبقى نفسك تلاقي حد جنبك يونسك وتحكي له وتشكيله همك


عقدت فريدة ساعديها أمام صدرها وأشاحت بوجهها للجانب ولم تتحدث بينما أخذت الأخري تكرر قائله بنبرة حازمة 


= يا فريده الرجاله كلها مش زي بعضها زي ما في الوحش في الحلو! اسمعی کلامی انا مهوداكي في حكاية انك هتعيشي عزبه كده طول حياتك، مش هتستحملي الوضع ده كتير خصوص لما العمر يجري بيكي وتلاقي نفسك لوحدك وما فيش حد جنبك.. الراجل برده في حياتك هيكون أمان ليكي .


حاولت أن تجد من الكلمات ما ترد بها عليها وبشدة، لكن ألجمت كلماتها لسانها وعقدته، 

فـ بالفعل هي محقه كل ليله بنهايه اليوم تخنقها ذكرياتها بالماضي وتظل تفكر وتعيد كل ما حدث معها وتسال نفسها مرار وتكرار هل تلك الحياه التي كانت تريدها؟ هل تلك الحياه التي ستظل فيها بمفردها ؟ هل تلك النهاية هنا؟ لكن لم تجد اجابه ومع الاسف، تنهدت

فريدة بألم وهي تردف بتهكم مريرة


= لا مش أمان يا سماح، الراجل في حياتي زمان ما اخذتش منه غير التعايسه و وجع القلب، الأمان الحقيقه انك تعيشى وانتٍ مطمنة إن في حد يشيل همك يتحمل وجعك يدافع عنك وانا عمرى ما لاقيت الأمان ده ولا في راجل.. ولا في أهل .


تجلت صورة والدها أيضا بعقل فريدة إنه لم يمثل لها كل هذا وفي لحظة تملكت الشفقة ،

من قلبها إنها بالفعل حرمت من كل هذا .


ألقت نظرة علي الغرفة حولها بتوهان وضعف عكس شخصيتها تماماً، ولكن ما حدث معها بالسابق فوق المحتمل، فوق قدرتها علي الاحتمال شعرت بنصل حاد غُرز في قلبها بقوه غُرز دون رحمه او شفقه وكل ذلك لما....؟! الوحدة قاتله بالفعل والخسائر تصيبها بالاحباط لتشعر بالشفقه تجاه نفسها ولم تستطع الصمود فهبطت دموعها بغزاره وهي تجد نفسها وحيدة بالحياة دون أيادي تربت علي كتفها بمواساه .. وحدها تشتكي من آهات الخذلان و قلبها مُمزق من الالم ..


حركت رأسها مرة ثانية و نظرت لنفسها بالمرأة بعينان متألمه متنهداً بقوه وحزن تجاهد تتغلب عليه بقوه حتي لا يزيد بين جنايه في التو واللحظه، أصبح عقلها يقلب في الذكريات حتي توقف عند ذكرى مُعينه تلك الذكرى التي أخذتها قبل سنتين او اكثر في ذلك اليوم الذي أبلغها أسر أن كل شئ جاهز وبقي ثوب زفافها فقط، كانت تشع سعاده جامه وفرحه عارمه لكن تلك السعادة لم تدوم بعدها أبداً؟ انقلبت حياتها كلها بين ليلة وضحاها، و اتضحت الصور أمامها بأنها كانت تعيش مع عائلة و حبيب يعطونها حب مزيف ! شعرت بغصه مؤلمه في قلبها آلمتها بالفعل كـ تلك الغصه المؤلمه في حلقها، جلست فريدة علي الفراش و وضعت كفيها علي وجهها تبكي بألم وخيبه وهي تشعر بقله الحيله لا تدرك ما تخبا إليها الايام، لكن سريعاً ما نهضت لتمسح وجهها بعنف وقالت بعزيمة لنفسها


= بس كفاية انتٍ مش ضعيفه ما تعيطيش، و اوعي في مره تفكري ترجعي لحد منهم محدش يستاهل انك تزعلي عليه أصلا .


❈-❈-❈


أمضى سالم الليلة بأكملها مع ابنته ليلى في منزله بغرفتها، محاولا تعويضها عن الأسبوع الذي سيغيب عنها لقضاء شهر العسل مع زوجته، وعندما بدأت في النوم انتقل ببطء من جانبها حتى يخرج إلى زوجته لكن تفاجئ بها تمسك بذراعه لتهتف بحذر وهي تشير بسبابتها 


= بابا انت رايح فين وسايبني لوحدي


ابتسم سالم قليلاً وهو يخبرها


= رايح لتسنيم يا حبيبتي يلا نامي انتٍ وارتاحي و شويه وتيته هتيجي تقعد معاكي وانا اسبوع واحد وراجع علي طول، ومش هتاخر عليكي . 


احتدت نظراتها نحوه بغيظ، ثم ضمت شفتاها بعبوس قليلا وهي تتحدث بصوت منخفض


= بابا انا في حاجه عاوزه اقول لك عليها بس ما تتعصبش، انا مش عارفه ازاي اتلخبط في مواعيد جدول امتحاناتي انا عندي امتحان بكره وباقي امتحانات هتبداي الاسبوع ده وما ذاكرتش حاجه خالص .


اتسعت عيناه بذهول عندما وجدها بدأت تبكي وتخبره ان لديها امتحان غداً ولم تذاكر تلك المواد جيداً، صمت للحظة ثم ضاق نظراته نحوها بانزعاجٍ قبل أن يعاتبها


= ازاي عليكي امتحان ومذكرتيش... يعني ايه اتلخبطتي في جدول امتحاناتك والمدرسين اللي عندك في المدرسه دول مش بيرجعوا ليكم، انتٍ متاكده ان عندك امتحان بكره؟ 

طب ازاي انا ما اعرفش حاجه عنه مش على طول بتقولي لي امتحاناتك امتى عشان اكون عامل حسابي وافضه لك


انتحبت بقوه بقصد حتى تداري على خدعتها، وهي تقول بنبرة باكية ونظرات مليئة بالحزن


= عشان ما بقتش تفتكرني ولا فاكر حاجه عني حتي تيته.. كلكم نستوني حتى انت يا بابا... انت كنت بتذاكرلي قبل كل امتحان بس دلوقتي بعد جوازك نستنی خلاص


لم يرد عليها بل أخرج هاتفه يبحث في جروب الوتس التابع للمدرسه ودخل يتسأل عن مواعيد الامتحانات ليجد بالفعل اول امتحان إليها غداً !. 


انبته الصغيره بمهاره فجعلته يلوم حاله على

نسيانه لموعد امتحاناتها، و تنهد وهو ينظر لها شاعرآ بتأنيب الضمير وقد نسى موعد زوجته نهاء، أخذ نفس عميق وزفرة وهو يقول بجدية


=يلا بسرعه قومي عشان اللحق اذكرلك اي حاجه، هتخشي الامتحان بكره وهتذاكري ما تخافيش من حاجه طول ما انا جنبك .


هزت راسها بالموافقه وهي تمسح دموعها الزائفة بينما خرج والدها للخارج، لتصفق لنفسها بسعاده انه سيترك عروسته و سيظل جانبها كالمعتاد و لاصطحابها لمدرستها غدا ولن يسافر ويتركها، أبتسمت إبتسامة عريضة بثقه عندما شعرت أنها مازالت ابنته حبيبته وأنها الأفضل والأهم له وليست تسنيم.


بينما بنفس الوقت كانت تسنيم انتهت من تجهيز الحقائب إستعداد للسفر لقضاء رحله زواجهما، تدلت على شفتيها بسمة عذبة تذيب الفؤاد عندما شعرت بزوحها يدخل الغرفة ثم التفتت نحوه بنظرات دافئة وناعمة وهي تقول

بحماس


= سالم حبيبي انا خلاص جهزت الشنطه عشان نسافر واكدت على حجز التذاكر، انت ما لبستش ليه يلا ما قدامناش وقت كتير 


ظل صامت فسألته بحاجبين معقودين بشكلٍ لافت


= هي مدام ناهد جده ليلى هتيجي امتى لسه قدامها كتير؟ بص روح انت جهز نفسك بسرعه وهات انا اتصل بيها واشوف قدامها قد ايه عشان توصل .. 


طالعها سالم وهو لا يعرف بماذا يجيبها فقد

أصبح منقسماً بين واجبه مع أبنته و واجبه علي زوجته، نظرت له بتعجب متسائلة باستفهام


= سالم انت ما بتردش عليا ليه؟ في حاجه حصلت.


وقف قابلتها بتردد ثم قال بهدوئه المعتاد


= تسنيم انا مش عارف اقول لك ايه بس ما فيش سفر، مش هقدر أسافر واسيب بنتي


تلاشت ابتسامتها بدهشة وقد انطفى حماسها بينما وضع يده أسفل ذقنها، داعب بشرتها بإبهامه وقال لها بقله حيلة مع نظرة شبه محذرة من حدقتيه


= أنا لسه عارف من كام دقيقه ان عندها امتحانات هتبدا بكره فمش هقدر اسافر واسيبها في وضع زي ده اكيد 


ابتعدت عنه فسألته وهي ترمش بعينيها بعدم استيعاب


= مش فاهمه يعني ايه عندها امتحانات بكره ولسه عارف دلوقتي؟ وهي كمان لسه عارفه دلوقتي ذيك ان عندها امتحانات 


لفظ الهواء ببطءٍ من صدره ليقول لها بنفس أسلوبه الهادئة


= قالتلي انها اتلخبطت في التواريخ ولما دخلت على جروب الوتس تبع المدرسه لقيت فعلا ان عندها امتحانات بكره انا مش عارف ازاي ما ركزتش في حاجه زي كده انا كمان، طول عمري بتابع الجروب ده اول باول وبعرف كل مواعيد امتحاناتها ودروسها بس الأيام دي انشغلت خالص في ترتيبات الفرح ونسيت .


نظرت نحوه لتسأله بغرابةٍ معكوسة على ملامحها المشتتة بشدة


= آآ طب الشنط اللي جهزتها عشان نسافر؟ والتذاكر .


قاطعها سالم متطلعًا إليها بنظراته الهائمة بأسف وذراعه يلتف حول خصرها النحيل


= تسنيم انا اسف ما تزعليش، اديكٍ شايفه الوضع غصب عني، انا عارف ان كل حاجه عماله تيجي فوق دماغنا و مش عارفين نقعد مع بعض شويه من ساعه ما اتجوزنا بس اديكٍ شايفه الوضع .


ظلت نظراتها و ملامحها وعقلها مشتتة، حرك ذراعه ليمسك بيدها وخلل أصابعه بين أناملها، منحها نظرة عميقة ثم استطرد قائلاً بصوت مرتبك


= تسنيم انتٍ ما زعلتيش صح؟ صدقني هعوضك تخلص بس الامتحانات وهنطلع البلد اللي انتٍ عايزه تسافريها، نستنى بس اسبوع تكون الامتحانات دي خلصت على خير 


رمقته بنظرة خيبة من عينيها العسلية، و حركت رأسها بتفهمٍ وهي تهمهم قائلة بتوتر


= طب ما برده الاجازه اللي احنا واخدينها أسبوع بس، وانت في المستشفى اكدتلي ان احنا هنطلع السفريه دي


تنهد سالم بضيق وقال موضحًا لها بصوت جاد للغاية


=ما انا قلت لك يا حبيبتي لسه عارف موضوع الامتحانات دلوقتي بس! والله لو كنت اعرف من قبل كده ما كنتش رتبت ميعاد الفرح في نفس وقت الامتحانات اكيد، انا حتى هدخل دلوقتي اذاكرلها بسرعه اي حاجه من إللي فات عشان تعرف تدخل الامتحان.. الايام اللي فاتت برده كانت مشغوله زيي في الترتيبات وما كانتش بتعرف بتذاكر كويس ربنا يستر بقى من النتيجه في الآخر


اتسعت عيناها بذهول مرة أخرى وجاهدت لتحافظ على ملامحها جادة حين ردت متسائلة بفتور


= هو انت كمان هتبات معاها النهارده تذاكر لها 


هز رأسه بالموافقة متردد و أردف بصوت متوجس


= معلش يا حبيبتي ما انا على طول متعود اذاكرلها بنفسي خصوصا وقت الامتحانات، وهنام معاها النهارده كمان لانها بتفضل متوتره من الامتحانات جامد وبحاول اهديها 


بدأ على وجهه قلقٍ أكبر من تجاهلها لما قاله وصمتها وقبل أن يتحدث بالاعتذار بالمزيد صاح صوت ليلي من غرفتها وألحت بتذمرٍ قائله


= بابا يلا انا جهزت كل حاجه مش هتيجي تذاكرلي .


ضمها إليه محاوطًا إياها بذراعه وقبل رأسها بحب قائلا بتنهيدة حارة


= تصبحي على خير يا حبيبتي، ما تزعليش مني عشان خاطري والله هعوضك عن كل ده ما تقلقيش يلا ابتسمي مش عايز اشوفك زعلانة .


هزت رأسها بإيجاز دون رد ثم لاحقته بنظراتها إلى أن اختفى أثره، حينها استدارت متجهًا إلى الخلف والتفتت تنظر إلى الحقائب و تحولت تعابيرها للصرامة والضيق، بأعينها المزعوجة تجاه زوجها وتحركت معنفًا الحقائب بضيق وهي تلقي بهم بعصبية على الأرضية مفرغة فيهم شحنة مكبوتة.


❈-❈-❈


وفي العنبر داخل مطبخ السجن، كان بعض السجناء يطبخون الطعام الذي سيتناولونه، بينما كان حسام واقفاً بجانب أثناء محاولته تقطيع البصل، وبدأت عيناه تذرف بالدموع متأثراً باحمرارها، كما كان يقطع عدد كبير من البصل! تنهد بفارغ الصبر وهو يخفي غضبه الشديد بداخله وأنه انتهى به الأمر أخيرًا هنا في السجن، يقطع الخضار ويطبخ للسجناء، ولا يحق له الاعتراض، بالإضافة إلى مهام ليس بسيطة أخرى، مثل غسل الحمامات وتنظيف السجن والملابس المتسخة، وغيرها من الأمور من هذا القبيل، وفي ذلك الاثناء لاحظ أحد السجناء دموعه تتساقط نتيجة تقطيع البصل فاقترب منه وأردف بسخرية لاذعة


= مالك يا مدلع كل العياط ده عشان شويه بصل بتقطعهم، ما تناول له منديل يا صالح عشان يمسح بي دموعه ده طلع رهيف الحس أوي وحساس .


نظر الآخر له بتهكم وعلق متحدث باستفزاز قاصداً إهانته 


= ايه الدموع دي كلها صحيح يا حسحس معلش المره الجايه هنخليك تقطع جزر و بلاها بصل، بس اوعى تعيط من الجزر كمان يا رهيف الحس 


فاستشاط حسام غضبًا وهو يرى يتعمدون الاثنين التحقير من شأنه قائلاً بنبرة حادة


= ما تحترم نفسك يا زباله انت وهو و بطلوا تريقه عليا مش بعمل لكم الطفح إللي هتسموه 


جذبه المسجون بعنف نحوه وأشار له بسبابته صائحًا بلهجة صارمة


= لا بلاش احنا واتكلم عدل معانا وانت بتعمل لنا الاكل ده عشان دي شغلتك هنا، يعني كلمه زياده وهتشوف مننا وش مش هيعجبك خليك في البصل احسن اللي بتقطعه بدل ما نخليك تعيط بجد من اللي هنعمله فيك .


أرتجف حسام أوصاله من تهديده العلني، ولم يستطع التكلم ولا حتي يصرخ مستغيث بأحد من حوله فالجميع تقريباً كان يشاهد ما يحدث 

وظلوا مكانهم، رمقه الآخر صالح بنظرات مشمئزة وهو يقول بجمود متهكم


= مالك يالا صحيح انت كمان هترد على اسيادك و هتسترجل علينا، كنت روح اتشطر على المدام اللي خلعتك يا رجوله أحسن.. انا عرفت تاريخ الاسود من العسكري يعني ما تعملهمش علينا .


رفع حسام رأسه لينظر في وجه ذلك الرجل المخيف فرأي ما أخافه أكثر نظراته، مرر أعينه الخائفة على الإثنين بذعر، ثم تركه المسجون بحدة مرددًا بازدراء 


= خلاص براحه علية يا صالح احسن مش هيستحمل وهيتفتح في العياط اكتر وما يتقفلش، وانتٍ كملي تقطيع يا سوسن.. والله قصدي كملي عياط بقى


تعالت ضحكه الإثنين ليشعر حسام بالإهانة بينما دفع أمامه طبق البصل المقطع، و هدر الآخر آمرًا بصرامة ترعب الأبدان


= أمسك قطع دول اصغر من كده تاني، مش عجباني التقطيع .


صمت مجبر متوقع هلاكا حتميًا سيحدث إذا حاول الاعتراض، نظراتهن كانت مخيفة للغاية ناهيك عن أوجههن الواجمة، جف حلقه من الخوف، و لم يدع له ذلك صالح أي فرصة للهرب منه، فأحكم قبضته عليه ووجه حديثه إلى حسام بجمود مخيف


= ايه بتبصلي كده ليه عندك اعتراض؟ سمعني حسك كده مش عاجبك كلامي ولا ايه .


إبتلع ريقه من الخوف وأومأ برأسه خاضعاً لقراره الصارم وهو يقطع البصل عدة مرات كما طلب، بوجه صامت وكتم دموعه داخلاً هذه المرة بصعوبة بالغة، لكنه لم يستطع وسقطت تلك الدموع من طرفي جفنيه وقلبه ينقبض من الخوف الشديد، وهذه المرة كانت الدمعة تتساقط من الشعور بالذل والمهانة، وليس من تقطيع البصل.


يتبع


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة خديجة السيد من رواية حياة بعد التحديث, لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة