رواية جديدة حياة بعد التحديث الجزء الثاني من بدون ضمان لخديجة السيد - الفصل 3 - 1
قراءة رواية حياة بعد التحديث
الجزء الثاني من بدون ضمان كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية حياة بعد التحديث
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة خديجة السيد
الفصل الثالث
الجزء الأول
في منزل عابد، دلفت خيرية غرفه ابنتها فريدة تطلعت حولها بنظرات حسره وألم وهي تجدها فارغه، قبل أن تتحرك وتبدأ تبحث هنا وهناك لعلها تجد اي شيء يساعدها على العثور عن ابنتها، في البدايه لم تجد حتى بدأت أن تفقد الأمل وتخرج لكنها لاحظت ذلك الدفتر الصغير أمامها فاقتربت تفتحه لتري بداخله بعض أرقام زملائها بالعمل والدراسة، التمعت عيناها بدموع الفرح وظلت تبحث عن رقم شخص معين حتى وجدتها و سريعاً اتصلت عليها من هاتفها، وردت متسائلة بقلب منقبض
= السلام عليكم مش ده تليفون سماح رفعت الممرضه
استغربت سماح من ذلك الاتصال المجهول و من تلك السيدة التي تعرف هويتها، ثم هتفت بصوت جـــاد
= عليكم السلام ايوه أنا، مين معايا
كفكفت عبراتها قائلة بصوت مبحوح
= انا خيريه والده فريده زميلتك اللي كانت معاكي بالمستشفى، انتم كنتم صحاب أوي انتٍ وفريده زمان و كنتي بتيجي ياما تزوريها عندنا في البيت .. افتكرتيني؟
ردت عليها بتلعثم واضح وهي تبتلع ريقها بتوتر
= هاه آه افتكرتك ازيك يا طنط خيريه عامله ايه واخبار استاذ عابد وبنتك ريهام، كلكم كويسين
تنهدت بقوه ثم قالت بحزن شديد
= سالتي عليهم كلهم ما عدا فريده معنى كده انك تعرفي عنها حاجه زي ما انا اتوقعت مش كده؟ رد عليا وطمنيني يا سماح ابوس ايدك انتٍ مش متصوره حالتي عامله ازاي من بعد ما هي مشيت وسابتنا.
تنحنحت قائله بتردد، وتجنبت الكلام من فمها لكي لا تهرب منها كلمة خاطئة حتى لا ينكشف أمرها، وأنها تعرف بالفعل مكان ابنتها، فكانت فريدة قد حذرتها بشدة أن تخبر أحدا بمكانها.
= لا حضرتك فهمتي غلط، انا ما اعرفش عنها حاجه وكنت لسه هسالك عليها كمان.
تهدل كتفيها بانكسار كبير وهي تقول بنبرة مختنقة
= لا انا قلبي حاسس انك تعرفي عنها حاجه، انا سالت كل اصحابها و دورت فكل حته ممكن تكون موجوده فيها وما لقيناهاش الا انتٍ افتكرتك الصبح وانا بدور في حاجتها وشفت نمره تليفونك موجوده في النوته بتاعتها فاتصلت بيكي على طول وانا حاسه انك تعرفي مكانها، ما تكدبيش عليا يا بنتي ده انتٍ الأمل الوحيد اللي فاضل لي عشان اعرف طريقها
توترت سماح بشدة من نبرة صوتها الحزينة ولم تستطيع الرد بمواسية حتي، فلم تتوقع أن تتصل بها وتسالها عن فريدة؟ وتكون كذلك معها عاجزه عن الرد وهي تجدها بتلك الحالة.
إبتلعت الآخري ريقها مكملة بتحسر
= انتٍ ام زيي واكيد عارفه انا حاسه بايه دلوقتي صح؟ عشان كده ما تكدبيش عليا ارجوكي قولي لي هي فين وصديقيني انا مش هاذيها ولا هعملها حاجه، بالعكس انا نفسي اشوفها عشان اعتذر لها واخدها في حضني من تاني ..
❈-❈-❈
بداخل محل المصوغات الذهبية، نظرت وفاء إلى تلك الورقة وقرأت ما هو مكتوب بداخلها بارتياح، وأنها اتخذت القرار أخيرًا وستبيع كل محلات الذهب وتبحث عن عمل آخر تفهمه جيدًا، ثم سمعت صوتًا هادئًا طرق باب المكتب فجلست بهدوء على المقعد قائلة
= أدخل....!!
دلف سراج بهدوء محاولا لرسم إبتسامه خفيفه قائلاً بهدوء
= السلام عليكم انا سراج ابن اخو اسماعيل جارك اللي في الثالث، لسه فاكراني
التفتت وفاء فجأة لتجده محدقًا بها، حاولت أن تبتسم له لتزيل ما بينهما من عكوسات بسبب رغبته في شراء المنزل وهي مازالت ترفض، هزت راسها بهدوء قائله
= آه طبعا فاكره حضرتك، بامره البيت اللي كنت عاوز تشتري لعمك اتفضل اقعد تحب تشرب ايه
بدأ سراج بالتحدث باهتمام بعد أن جلس أمامها فوق المقعد
= لا شكراً ولا حاجه، انا سالت البواب عنك قال لي انك في المحل بتاعك ودلني عليه، انا قطعت اجازتي ونزلت مصر مخصوص عشان الموضوع بتاع البيت، واتمنى بقى المره دي اخد رد يريحني بدل ما انا عمال متشحطط من هنا لهنا علي قله فايده بس الاول طمنيني على بنتك بقيت كويسه
لم تتفاجأ من قوله فكانت تثق أنه يريد مفاتحتها في مسألة شراء المنزل الخاص بعمه، فهي قد رفضت مؤخرًا بسبب الظروف لكنه قبل ان يرحل اخبرها بانه سيعود مجدداً على أمل منها، لذلك ردت قائلة
= اه الحمد لله كويسه، وبالنسبه لموضوع البيت انا اسفه لسه نفس الرد مش موافقه خصوصا ان انا خلاص لو خدت بالك وانت داخل المحل هتلاقيني علقت يافطه مكتوب عليها المحل للبيع وهبيع كل المحلات لاني تقريبا حاسه بيتنصب عليا في الموضوع ده ومش فاهمه حاجه في الشغلانه خالص يعني دلوقتي اللي فاضل لي موضوع العمارات هي اللي بفهم فيها شويه على قدي فمش قادره ابيع حاجه دلوقتي خالص بصراحه.
أخذ نفسا عميقا وزفرة بإحباط وأردف بيأس
= برده، يعني انا قلت المده اللي سبتك اكيد فكرتي وممكن توافقي، انا طبعا مش عاوز اضغط عليكي انتٍ حرة في النهايه في املاكك بس كان عشمي كبير عشان زي ما فهمتك نفسي افرح عمي بالموضوع ده عن قريب
حركت رأسها يميناً ويساراً نافية ثم قالت بقله حيلة
= والله انا كمان نفسي اساعدك باي حاجه بعد ما عرفت موضوع عمك واولاده اللي مش بيسالوا عليه بس زي ما قلت لك من شويه انا هبيع المحلات ومش هبقى فاضل لي غير العمارات وفكره فلوس في البنك واصرف منها بحسها مش دايما طول العمر انا عندي مصاريف كثيره برده وليا بنت لسه بتدرس ..
حتى لما حاولت افكر مع نفسي افتح اي محل لحاجه تانيه بفهم فيها خفت أكثر من الخسارة
وضع يده أسفل ذقنه، داعب بشرته بإبهامه الخشنه صامت قليلا يفكر في شيء ما، وقال لها بلهجته الجدية، مع نظرة قوية شبه من حدقتيه
= طب انا عندي حل مش انتٍ كل مشكلتك انك عاوزه شغلانه تكوني ضمنه مصاريفها بجانب العماره خلاص ما تدخلي معايا شريكي في الشركه اللي انا فاتحها في تركي، هو انا مش بحب الشراكه صحيح، بس ممكن اوافق أغير رايي عشان حضرتك، ممكن بعد ما تضمني الموضوع ده ترضي تبيعي لي
اندهشت من طلبة و رمقته بنظرة استغرابٍ من عينيها ثم تمتمت من بين شفتيها مرددة بارتباك
= ايوه بس انا مش بفهم حاجه في شغل الشركات وبعدين انت بتقول في تركيا مش في مصر! ازاي ادخل معاك شريك في حاجه مش موجوده قدامي عشان اكون ضمنها
هز رأسه برفض وهو يرد موضحًا لها بهدوئه المعتاد
= مش لازم تسافري اكيد انا هدير كل حاجه هناك بنفسي، وعلى فكره معظم الناس هناك بيعملوا كده! ادخلي معايا بمبلغ الأول صغير و الموضوع باختصار عباره عن أسهم بنشتريها ونستثمر فيها هبقي اشرحلك الموضوع اكثر بعدين، وبالنسبه لمكسبك هبعتهلك وانا هناك برده
حكت وفاء مؤخرة رأسها متفهمًا، ونظرت هي مطولاً له دون أن تعلق عليه، وتابع قائلاً بإصرار
= وشوفي محامي تكوني واثقه فيه ياخد كل الضمانات اللي انتٍ عاوزاها عليا عشان تتاكدي ان انا يعني مش هاخد فلوسك واهرب.. بس صدقني الشغل معايا في الشركه هيكسبك اكتر ما انتٍ متصوره خدي حتى اسمي بالكامل واسالي عليه واسم شركتي، وانتٍ تعرفي انتٍ هتتعاملي مع مين بالضبط
مطت فمها بتفكير بالأمر قائلة بصوت محرج
= هو انا مش بشك في حضرتك اكيد، بس انا عشان لسه ما اعرفكش كويس.. بس يعني ياريت تسيبني وقت افكر في الموضوع ده واسال زي ما انت قلت
أبتسم سراج ابتسامة صغيرة وهو ياخذ من فوق مكتبها قلم و ورقه فارغه وبدأ يكتب فيها عده اشياء، و تحدث بجدية
= يا ستي حتى لو بتشكي حقك، و انا لو مكانك هعمل نفس اللي انتٍ هتعملي.. اتفضلي دي كل عناويني في تركيا واسمي بالكامل.. اسالي عني براحتك وتليفوني كمان موجود هنا، عشان لما تقرري تبقي تتصلي بيا وتعرفيني قرارك النهائي .
اقتضبت مرددة بإيماءة خفيفة من رأسها، وهي تحاول الابتسام له
= طيب.
❈-❈-❈
لم يتوقف جابر عن صفع ليان بعنف مجبرًا الدماء على الخروج من فتحات أنفها وفمها بغزارة، فلا وجود لكلمة الشفقة والعفو مع امثالها! بالنسبه له ولا يوجد في قانونه كلمه غفران! فكيف سيعطف على خائنه أضاعت شرفها وشرف العيله كلها؟ فهو حتى الآن لا يستوعب ما سمعة من والدتها دلال وطارق حول علاقتهم الخفيه بالسر ومن وراء زوجها، حينها لم يتمالك أعصابه فهوي على صدغيها بصفعات متتالية عنيفة بقبضتي يده، فتأوت متألمة الأخري من قوة الضربات وخرج صوتها كالأنين متحشرجًا، ولم يعد بها من القوة ما تستخدمها حتى في الصراخ، فقد تكفل عمها بإشباعها ضربًا وحشية حتى قضي على مقاومتها تمامًا فأصبحت كالعصفور الجريح الذي أصبح غير قادر على الطيران رغم اجنحته الحرة! لكن الخوف والضعف قيدها.
توسلت ليان تستنجد بوالدتها بالخارج! بينما الاخرى كان قلبها ينقبض من الذعر و الخوف وهي تطرق الباب بقوه حتى يفتح لها وتنقذ ابنتها منه لكنها فشلت مع الأسف.. وظلت صرخات ليان مجددًا تتعالي من صفعة أعنف تلقتها علي وجهها تشعر أنها كسرت فكها وجرحت شفتيها السفلى بألم قوي.
بالخارج، ظلت دلال تضرب بيديها بقوه وعنف على باب الغرفه حتى يفتح اليها، وهي تصرخ برعب وهلع
= افتح يا جابر.. البنت هتموت في ايدك.. افتح الباب عشان خاطري ما تعملش في البنت كده .. يا جابر رد عليا وافتح الباب بقيلك اكثر من نص ساعه بتضرب فيها خلاص هتموت في ايدك
رمقها منصور بنظرات بعدم مبالاة وهو يرد بصرامة شديدة
= اهدي يا مرات عمي وخليه يربيها، وما تقلقيش عليها هو فاهم بيعمل ايه بالظبط وعمره ما هياذيها .
نظرت اليه دلال بخيبة أمل كبيرة وهي تبكي بحرقة ويأس فكيف ستنقذ ابنتها من عديمين الرحمه هؤلاء، وفي تلك اللحظه خرج جابر وهو يجر خلفه ليان التي كانت تسير معه بصعوبه شديدة وشهقت أمها بعنف وهي ترى الدماء تنزف من وجه ابنتها وجسدها بلا حول ولا قوه، ركضت إلي جابر محاولا تقبيل يدة وهي تبكي باستنجاد
= ابوس ايدك يا جابر أنا واقعة في عرضك!
البنت هتموت خلاص كفايه، هي عرفت غلطها وندمانه والله ومش هتعمل كده تاني .
لم يعطيها اهتمام كبير، بل أجابها بغموض دون أن يلتفت نحوها
= قالوا للحرامي احلف، خلاص يا دلال البنت دي من هنا ورايح ما لكيش علاقه بيها واحنا أدرى بحال بنتنا!
انقبض قلبها بقوة خوفًا عليها، فسألته بتلهف
= قصدك ايه انتم ناويين تعملوا ايه في بنتي
احتدت نظراته أكثر قائلا بوعيد مهلك
= هنربيها لك من اول وجديد، بدل ما الفضيحه تكبر وتحط سمعتنا في التراب وتبقى على كل لسان! منصور يلا انزل هات الماذون عشان تكتب على البنت دي وناخدها هناك على البلد معانا !
ارتجف جسد ليان لمجرد رؤية نظراته التي كادت تحرقها في مكانها، كذلك هوى قلبها في قدميها بعد سماعها لعبارته القاتمة تلك وهو يأمر بزوجها من أبن عمها المتزوج بالفعل من امرأة أخري، هزت رأسها مستنكرة وبكت بلا توقف، بينما هزت دلال راسها برعب وكادت ان تعترض، لكن أشار لها جابر محذرًا
= ولا كلمة! ولينا حساب في البلد، ما احنا مش هانقبل سمعتنا تتوسخ!
ارتعشت ليان وهي تتحرك مع عمها كالعروسه اللعبه وتستمع الى اوامره، بدت واجمة للغاية من الذي يحدث حولها ومريب، اضطربت أفكارها وتداخلت معًا فلم تستطع التفكير بذهن صافٍ أو حتى التفكير بالهروب من ذلك المأزق بسبب الألم التي تصف بجسدها .
تنفست أمها بصعوبة قائلة بهدوء زائف ممتصًا لغضب الآخر الثائر
= بس منصور متجوز كده هتخرب بيت ابنك، ومراته اكيد مش هترضي وانت اكيد مش موافقه تعمل كده يا منصور صح
ضغط منصور على شفتيه مرددًا باقتضاب
= اللي ابويا يأمر بيه يتنفذ وبعدين من امتى وانا باخد راي ست على ذمتي اذا كنت هتجوز عليها ولا لاء .
رمقها عمها بنظرة مهينة قبل أن يخطو نحو ابنه قائلا بحزم
= على الأقل أبني مننا وعلينا وهيستر عليها بدل ما حد من كلاب السكك يوقعها تاني في الغلط وينهش لحم بنتك.
تلوت ليان بمعصميها محاولة تحريرها بضعف وبدت رافضه من إمساكه لها ولما سمعته من زواجها من منصور ابن عمها وجاهدت لتتملص من قبضتيه رغم ألمها الحاد وهي تصيح بكل قوتها المتبقيه هاتفه بنهنهة متقطعة
= انا مش هتجوز حد وما عملتش حاجه غلط وما لكوش حق تحاسبوني بالطريقه دي أصلا
و انا مش عيله صغيره عشان تجوزوني بالغصب والجواز كده هيكون باطل انا مش موافقه، سامعين .
أردف عمها بتشنج غاضب وقد برزت حدقتاه بانفعال مشتعل
=اسمعي الكلام، ايه مالكيش كبير؟ ولا أهل يلموكي!
دق قلب دلال بعنف وهي تقف أمامه تمنعه من ضرب ابنتها مره ثانيه بذعر مرددة بتوسل
= اهدى يا أستاذ جابر انا عندي طريقه احسن حبستها هنا افضل هي اتعلمت الادب من ساعتها ومش هتعمل....
لم تكن دلال بحاجة إلى الاعتراف الضمني لكون ابنتها قد أساءت، لتلهب ثورت عمها وتشعل بركان غضبه الذي يهدد بالانفجار توًا، زفر وقاطعها صائحًا بنفاذ صبر
= ما تقوليش حاجة، بعد اللي سمعته وشفته من بنتك، لما انتٍ مش قادره على تربيتها ما كلمتناش ليه؟ حسابك معانا بعدين يا دلال انتٍ كمان غلطتي.. قول لي يا منصور عملت ايه في الكلب التاني؟ عملت زي ما قلت لك وتويته في العربيه تحت عشان ناخدوا معانا البلد ونعرف نربيه.
كأن يقصد بحديثه طارق! بينما هز رأسه منصور بخضوع قائلا بخشونة
= حصل يا أبويا ما تقلقش، وكل واحد غلط هيتحاسب.
استشعرت ليان من نظرات عمها المظلمة هلاكها الحتمي، عندما أردف بحدة لاذع وهو يتعمد إهانتها
= لي حق جوزها ميرضاش يكمل معاها، معذور! ماهي ناقصة الأدب والتربية، بس ملحوئة! والكلب اللي تحت هنعرف نربيه بمعرفتنا وهي ليها حساب معانا لما تبقى على ذمه ابني عشان ما حدش يستجرا يقول لنا تلت التلاته كام.. وهناك هتتربى بجد مش لما تحبسيها بين اربع حيطان.
ضاقت نظراته حتى صارت أكثر حدة، و أضاف بامتعاض
= يلا يا منصور انت لسه هنا انزل هات المأذون بسرعه خلينا نروح قبل ما الدنيا تليل
هز رأسه بالإيجاب قبل أن يرحل، بينما ابتلعت دلال ريقها متوقعة الأسوأ، هي تعرف تلك التعبيرات جيدًا وتعرف جابر فهو شخص قاسي لا يتفاهم بالحديث و يرد على رد الصاع صاعين لمن يتجرأ عليه، التزمت بالصمت تفكر مليًا فيما ستفعله الآن؟ وكيف ستنقذ ابنتها منهم، فهل ستترك ابنتها فريسه لهما يفعلون بها كل ما يحلو تحت مسمى الحفاظ على الشرف بوثيقة الزواج التي ستكتب بعد قليل حتى لا يتجرأ احد ويمنعة من تربيه أبنه أخيه، حسنا ابنتها أخطأت تعلم ذلك وتستحق الشنق لا محالة لتجرأها على خيانه زوجها، لكن بالنهاية ستظل ابنتها الوحيده ولم تستطيع أن تتركها لهم، وتصمت علي ما يتعرضون لها بالاجبار ورغمًا عنها.
لحظات مرت عليها صعبه وهي تفكر بحل سريع لإنقاذ حياة ابنتها من أقاربها، حتي اقتربت دون تفكير من غرفتها واغلقت الباب خلفها جيداً وأخذت هاتفها وضغطت على الازرار ولم تنتظر حتى سماع صوته عندما فتح الخط واسرعت هاتفة بلهفه شديد
= أيمن اسمعني كويس ما فيش وقت لازم تيجيلي هنا بسرعه عم ليان عرف اللي حصل كله ومصمم ما يمشيش الا وهي متجوزه ابنه عشان يربيها هناك بمعرفته، بسرعه الله يخليك تعالى اعمل اي حاجه البنت لو راحت معاهم هناك هيموتوها ده مستحلفلها.. غير ضربه ليها دلوقتي ابوس ايدك تعالى، انا عارفه اني ما ليش وش اطلب منك كده بس مش لاقيه حد غيرك استنجد بيه.
❈-❈-❈
أخفضت تسنيم عينيها نحو الطعام المجهز وسقطت عيناها نحو فستانها الذي يصل إلى ركبتها... فاليوم هو آخر موعد امتحان لليلى وستشعر أخيراً بالسعادة وأنها متزوجة! كما وعدها سالم بأنه سيعوضها بعد انتهاء ابنته من فترة الامتحانات، فلم تعلق في الفترة السابقة على غيابه المتكرر حيث ينام مع ابنته
طوال الليل ويبقى بجانبها طوال اليوم حتى يراجع معها دروسها. ولا تنكر أنها بدأت تمل من ذلك الوضع وتشعر بالغضب من إهماله لها،
فبعد كل شيء هي امرأته و أيضا لها حقوق عليه! لكنه لا يشعر بذلك على الإطلاق وكل تركيزه واهتمامه يكون مع ابنته ليلى فقط.
وقتها بدأت تسنيم تشعر بأنها مجرد سد خانه بحياته، أو ربما قطعه جمادًا لم يشعر بها ولم يعيرها أي اهتمام، وذلك في إطار تواجدها معه في المنزل بوثيقه الزواج، لا أكثر! حتى أنها بدأت تشعر بالحزن الشديد من طريقة تعامله معها وتجاهله الدائم لها، وبدأت تذكر نفسها أين الوعود التي قطعها لها قبل الزواج. فلماذا نسيها هكذا وكأنها هامشية في حياته؟
لكنها حاولت أن تنفض ذلك الحزن والحسرة عن حياتها، وتنظر للأمور من الجانب الآخر؟ وبطبيعة الحال سالم لا ينوي تجاهلها، هو تعرض لموقف صعب بسبب امتحانات ابنته مما جعله يشعر بالتقصير تجاهها، لكنه يزال يحبها بالتأكيد وسيعوضها كما وعدها عن كل تلك الفترة الصعبة، فاستغلت رحيلهم الإثنين عن المنزل، ونهضت بنشاط وبدأت بالتحضير
الطعام، وخاصة وصفاته المحببة وبعدها ذهبت ترتدي ملابس أنيقة وكأنه احتفال، أو ربما هو كذلك بالفعل. واليوم، ستشعر أخيراً بأنها عروس حقيقية!
لكن ساعات مرت علي موعد عوده سالم من الخارج هو وابنته ولم يأتي؟ لتشعر بالقلق فربما حدث شيء سئ لهم لذا قررت أن تتصل به كي تطمئن عليه وتعرف موعد وصوله انفتح الخط لتقول بلهفه متسائلة بسرعة بعبارتها وهي تظن هو!
= الو يا سالم هترجع امتی.. انا حضرت الاكل من بدري ومستنياك
تفاجات بصوت ليلى تجيب بدل منة، بنبرة كرة وحقد
= انا ليلي.. بابا مش فاضي يرد عليكي دخل حمام المطعم اللي احنا فيه يغسل ايده اصل احنا اتعشينا بره ولسه هنتفسح كمان وهنروح الملاهي، يعني ما تتعبيش نفسك وتستنينا عشان مش هنرجع دلوقتي ولا عارفين ممكن نرجع أمتي .
وانقطع الخط بعدها وأغلقت الهاتف تماماً.. ظلت هي ترمش بعيناها عده مرات تستوعب كلماتها، مطت فمها قائلة بتجهم
= خرجوا يتفسحوا! و مش قادر يتعب نفسه ويقول للحيواني اللي مستنيه في البيت وعماله تجهز في الاكل من الصبح ، ماشي يا سالم
ظلت دقائق ظاهر عبوسها الصارم وغضبها من سالم، حيث استشاطت أعين تسنيم فهتفت بحنق من بين شفتيها المزمومتين
= اهدي يا تسنيم عشان ما حدش يفتكر غيرنا من حته عيله، الامتحانات خلاص خلصت بتاعتها واكيد هيبتدي يفضى ويركز معايا ممكن هي اللي اصرت عليه يخرجوا بره بعد الامتحان
مرت ساعة أخري، حتى سمعت صوت الباب يفتح اقتربت منه بخطوات سريعة مرددة بفتور
= اتاخرت أوي انا جهزت الاكل مش هتتعشوا
هز رأسه سالم بهدوء واجاب بنبرة مرهقة
= لا شكرا يا تسنيم اكلنا بره، ليلي هلكتني بمشاورها ولعبها في الملاهي غير الشوبن اللي دبستني فيه ولففتني كتير على رجلي
توترت أكثر وحاولت أن تجذبة من يده عنوة وهي تقول بنبرة مهتزة
= طب والاكل اللي انا جهزته بالمطبخ، انا ما اكلتش حاجه عشان كنت مستنياك تتغدى معايا
كانت متحمسة لما كانت تفعله، ناسية رد فعله أو لم تتوقع منه ذلك أبدًا. ولم تكن تريد أكثر من كلمة واحدة لشكرها على جهودها طول اليوم حتى! فحاولت لفت انتباهه إلى السفرة التي خلفها وإلى مظهرها الرائع، فقد فعلت كل ذلك من أجله.. من أجله هو فقط!.
مسح علي وجهه بتعب و اجهاد قبل ان يتحرك للرحيل من امامها، قائلا بإيجاز
= انا خلاص ما بقتش شايف قدامي من التعب هدخل انام تصبحوا على خير
أولاها ظهره مندفعًا نحو باب الغرفه، حاولت اللحاق به لكنه كان النعاس يستولي على وجه بدرجة كبيرة وهو لم يهتم الى أمرها من الأساس، بينما رسمت ليلي ابتسامه واسعه فوق شفتيها وهي تراقب رحيل والدها الى غرفته وملامح تسنيم التعيسة، اقتربت بخطوات بسيطه نحو مائدة الطعام التي احضرتها تسنيم لأجل والدها والذي لم يراها حتي، وتنهدت ليلي بحسرة زائف وهي تقول بنبرة ماكرة
= الاكل شكله حلو اوي يا ابله تسنيم، وكمان انتٍ عامله الاصناف اللي بابا بيحبها بس
يخساره ما خدش باله اصلا منها ولا هياكل منه.. يلا بالهناء والشفا لوحدك.
تابعت مبتسمة وهي تقول بشماته ظاهرة بواضحة
= كان نفسي اوريكي اللبس اللي بابا ناقه معايا عشان تشوفي ذوقه، بس انا كمان تعبت من كتر ما لفينا فهبقى اوريهلك بكره.. يلا تصبحي على خير
اشرقت ملامحها وغادرت بعدها فالنعاس بدأ
ينتابها... اغلقت الباب خلفها وقد اطمئنت وزال
خوفها من فكرة أن ينساها والدها بيوم ويذهب إلي تلك العروس الخبيثة .
ألقت ليلي عباراتها ثم انصرفت تبتسم بفخر عما حققته... لتتعلق عين تسنيم بها بذهول غير مصدقه أن فتاه بعمرها تتحدث بتلك الطريقه الخبيثة وكأنها امرأه ماکره تعرف صب سمومها الخفية و تمثل دور البراءة أمام والدها عكس الان... بلعت غصتها بمراره وابتسمت کی تداري كسرتها وفي دقائق ألتفتت برأسها نحوه سفرة الطعام التي بذلت كل جهودها في تحضرها وفي النهايه لم تحقق أحلامها التي بدأت ترسمها لتلك الليله وكيف ستسير وهي في أحضان زوجها ويعوضها عن غيابه بالسابق لكن هو بالأساس لم يلاحظ ما فعلته لأجله ولا لاحظ خيبة أملها ولا حزنها منه.
توقفت تسنيم في مكانها محدقة في فستانها وطعامها بحسرة، وهبطت دموعها دون اراده منها الم يكفيها غيابه بالفتره السابقه و كانت صامتة تضع المبررات له؟ ولم تحاول ابدا بأن تانبه وتعاتبه على إهماله، لأنها كانت تعرف وتضمن بأن ذلك الوضع لم يستمر، واليوم بدأت كالغبية تحضر لتلك الليله و تبذل جهودا كبيرة لحياتها التي كانت ستبدأ أول لحظاتها اليوم فقط! فذلك الأسبوع الماضي لم تشعر مطلقاً بأنها مثل أي عروسه! وكيف ستشعر بذلك وزوجها يقضي اليوم بطله في حضن أبنته ولم يهتم الى مشاعرها ابدا .
نظرت إلي الطعام الذي لم يمس بعينيها التعيستين، فحز ذلك في قلبها اللعين، نجحت تلك المراهقة الصغيرة في زلزلتها حقا بكلماتها ونظرات الشماتة التي راتها بوضوح منها، فمن الواضح ستذقها من كأس المرير، استنشقت الهواء ببطءٍ لتثبط من غضبها المتصاعد بداخلها، حاولت أن تبدو مسترخية وهي تلم سفرة الطعام و وضعت الطعام بالثلاجة دون أن تاكل هي الأخرى، فمن أين ستاتي شهيتها بعد ما حدث اليوم .