رواية جديدة حياة بعد التحديث الجزء الثاني من بدون ضمان لخديجة السيد - الفصل 4 - 1
قراءة رواية حياة بعد التحديث
الجزء الثاني من بدون ضمان كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية حياة بعد التحديث
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة خديجة السيد
الفصل الرابع
الجزء الأول
مُبكرا كانت وفاء جالسه في شرفه الصالون الذي
يطل علي بحر نهر النيل الازرق وتضع في يدها فنجان قهوه من الطراز القديم وتنظر
أمامها بشرود وتذكرت أحداث ليله أمس المقابله التي حدثت بين سراج والمحامي الخاص
بها، فتقريبا قد اتفقوا على كل شيء وفي غضون أيام ستكون شريكه رسمياً كما أخبرها
السيدة سراج .
لا تنكر أنها مازالت تشعر بالقلق والتوتر، فهي لا
تعرفه جيد ولا تستوعب بأنها في يوم وليلة ستكون من سيدات المجتمع، فالمحامي قد
طمنها واخبرها بأن سراج رجل اعمال شهير بتركيا بالفعل ولديه شركه كبيره هناك
يديرها بنفسه ورجل ناجح وودود، لذلك لم تتردد قليلا و وافقت على تلك
الشراكه! فماذا ستريد اكثر من ذلك؟ أموالها سيستثمرها دون أن تبذل مجهود وكل
فتره سيرسل اليها سراج نصيبها بالعمل وايضا اقترح عليها بانها باي وقت اذا أرادت
ان تسافر تركيا لتطمئن بنفسها على العمل تاتي بدون تفكير باي وقت وهو سيرحب
بها بالتأكيد، وكل ذلك حدث بالطبع مقابل شراء سراج لمنزل عمة منها.
وضعت فنجان القهوه جانب قائله بعد تنهيده طويلة
= غريبه! طب رجل اعمال كبير زي كده هناك في تركيا، ايه اللي خلاه يعرض عليا
شراكه زي كده؟ ما هو قال لك يا وفاء انه مستعد يعمل المستحيل عشان يشتري البيت
لعمو و يرد له الجميل و عاوز يفرحه في اخر ايامه، معقول للدرجه دي في شخص زيه طيب
وبيفضل فاكر افضل الناس عليه.
ثم صمتت قليلاً وقالت بصوت مسموع بتفكير
= طب و انا خسرانه ايه وعلى راي المحامي كل حاجه هتكون بالورق وكل الضمانات
هتكون معايا وهو قال لي بنفسه ادخلي بمبلغ صغير ولو لقيتي الشغل تمام براحتك لو
عايزه تكملي او تنسحبي، يعني هيكون طمعان مثلا في القرشين اللي معايا وهو راجل
أعمال كبير في تركيا .
في ذلك الأثناء اقتربت مهرة منها وسألتها
باهتمام وهي تشير بعينيها نحوها مبتسمة بحماس
= انا سمعتك بتقولي تركيا هو احنا هنسافر ولا ايه، بس يا ريت يكون اللي سمعته
صح يا ماما وفاء نفسي ازور تركيا اوي بيقولوا بلد جميله .
نظرت إليها و إبتسمت وربتت علي يدها ثم قالت بهدوء
= لا يا حبيبتي ده اتفاق شغل كده في تركيا مع حد، بس مين عالم ممكن تجيبلنا
الفرصه صحيح ونسافر طالما هشغل فلوسي في تركيا
مطت فمها للأمام قائله باستفسار
= هو انتٍ خلاص هتبيعي المحلات زي ما قلتي وهتدوري على شغل تاني؟ بس شكلك لقيتي
شغل تاني بسرعه .
ارتسمت ابتسامة راضية رغم كونها باهتة على محياه
مرددًة
= ادعيلي بس الأمور تمشي على خير، هو انا هبقى شريكه بنسبه صغيرة مع حد على حسب
اللي فهمته، كلها يومين خلاص والمحامي يجهز الاوراق وهمضي عقد الشراكه زي ما أستاذ
سراج أتفق معايا .
ثم أضافت وفاء باقتراح
= بقول لك ايه تعالي بدل الزهق ده نروح نقعد شويه عند عمك طه وانا خلاص بقيت
فاضيه من ساعه ما بعت المحلات .
رمشت بعينيها بتوتر وهي تجيب عليها بنبرة مرتبكة
= هاه، طب روحي حضرتك و انا هفضل هنا اصل لسه ورايا مذاكره ما خلصتهاش بتاعه
الكرس الانجليزي اللي باخده .
تحركت خطوة للأمام لتجذبها من رسغيها عنوة وهي تقول
بجدية
= هو ده كلام! اروح مشوار زي كده بعيد و اسيبك في البيت لوحدك.. روحي البسي يا
مهره ولا انتٍ مش عاوزه تروحي هناك، في حد بيضايقك ؟
شعرت باضطراب ثم هزت راسها برفض وهي تجيبها بهدوء
زائف
= لا خالص ما فيش حد بيضايقني ولا حاجه، وهروح البس عشان اروح معاكي ذي ما
عاوزه حاضر.
❈-❈-❈
في دار الرعاية للمسنين، وقفت سماح بداخل غرفه عواطف
واقتربت منها وهي تمد يدها نحوها لتعطيها كوب الماء مع الدواء، هاتفه بخفوت
= اتفضلي يا مدام عواطف الدواء بتاع حضرتك بالهناء والشفاء
أخذته منها وسألتها عواطف بإهتمام وهي ترفع حاجبها
للأعلى
= امال فين فريده ما جتش هي ليه تديني الدواء النهارده، انا بقالي
فترة مش بشوفها اصلا هو انتم لسه متخانقين .
شردت قليلا بما حدث قبل أيام من حاله شد وجذب بينها
وبين صديقتها فريده والتي رحلت بعد ذلك تنفرد بنفسها بغرفتها ورفضت ان تتحدث معها
بشكل نهائي، بعد ان عاتبتها بشده من موقفها ضدها و أردفت بنبرة حزينة للغاية
= في اوضتها بتقول انها تعبانه شويه، ومش راضيه تكلم حد ولا تخرج من الاوضه
ادعيلها يا مدام عواطف ربنا يزيح عنها الهموم اللي هي فيها
أومأت برأسها بالإيجاب رغم أنها لا تفهم حتى الآن
الحاله التي بها، وهتفت لها باستفسار
= بقول لك ايه يا سماح ما تقعدي كده قصادي وتفهميني حكايه فريده؟ وليه متخانقه
مع اهلها ومش راضيه تشوفهم واتضايقت اوي منك لما عرفت ان انتٍ عرفتي أمها مكانها؟
وايه موضوع حقها اللي ضاع منها بسببهم وانها مش بتخلف.
استغربت سماح من اهتمامها الزائد والغير مبرر لكن
بررت ذلك أنه فضول لا أكثر بينما رفضت أن تتحدث بكلمه واحده عن صديقتها حتى لا تقع
في مأزق معها مره ثانيه، فارتجفت نبرتها وهي تجيبها
= هاه أنا عندي شغل كتير معلش يا مدام عواطف وما اعرفش حاجات كتير عن فريدة هي
صاحبتي آه من زمان بس قاطعنا فتره و ما كناش بنشوف فيها بعض ولا نعرف عن بعض حاجه.
وضعت يدها على كتفها تمسح عليه برفق متحدثه بهدوء
رغم جدية نبرتها
= انتٍ بتكذبي عليا ليه يا سماح، ما انا كنت موجوده وانتٍ بتتخانقوا مع بعض و
كان واضح ان انتٍ تعرفي كل حاجه.. هي صحيح مش بتخلف زي ما قالت؟ طب ليه بعدت عن
أهلها وايه علاقتهم بكده.
تنهدت بعمق وتحركت خطوتين للخارج قبل ان تهتف بتهرب
= متهيالي سمعت الدكتور بينده عليا برة، لازم أروح أشوف شغلي معلش عن إذنك .
❈-❈-❈
في الصباح استيقظت ريهام لتجهز الفطور قبل رحيل
والدها للعمل، وتجمع الجميع حول السفره ومن ضمنهم أولادها الثلاثه واقتربت هي
لتجلس مكان فريدة بالسفرة المعتاد دون انتباه، لكن توهجت أعين خيرية المحتقنة
بنيران مشتعلة نيرانها المستعرة بداخلها خاصة أنها لم تنسى مقابله فلذة كبدها وكيف
عتابتها بكلمات لاذعه ورفضت العوده معها، لتردف بصوت حاد وقد اشتدت تعابيرها بشدة
= قومي من هنا ده مكان فريده! و ما تفكريش تقعدي على الكرسي ده تاني .. ايه
خلاص هتنسوها؟ مفكرهانها مش هترجع تاني؟ لا مكانها هيفضل في وسطنا لحد ما
ترجع
لم تتعرض ريهام بحرف واحد و ابتلعت ريقها المرير في
حلقها الجاف وهي تنهض بخضوع
= خلاص يا ماما ما خدتش بالي اديني قمت أهو من على الكرسي .
ساد الصمت بينهما قليلا حتى نهض عابد بهدوء و رحل
للعمل، وكادت أن تنهض ريهام تلم السفره لكنها توقفت مكانها مذهوله وهي تستمع الى
كلمات والدتها المفاجئه قائله بهدوء
= انا شفت اختك فريده طلعت شغاله ممرضه في دار مسنين وبتبات كمان في نفس
الدار.. بس رفضت انها ترجع معايا
تبادل الاثنان نظرات غريبة عقب جملتها تلك، وتحولت
ملامح ريهام للتوتر والقلق، وانقبض قلبها بقوة وهي تسألها
= انتٍ بتقولي ايه ماما! انتٍ قابلتي فريده طب ما قلتلناش ليه نروح معاكي! و
بابا عرف ولا لسه .
هزت رأسها معترضة وهي تقول بإصرار
= اياكي تجيبي سيره لابوكي هيتسرع ويتهور زي كل مره ويروح يجيبها بالعافيه
ويتخانق ويعقد الامور اكثر ويرجع يندم بعد كده، هحاول اروحلها مره ثانيه وناخدها
بالسياسه الموضوع مش سهل زي ما احنا فاكرين فريده تقريبا كرهتنا من عمايلنا فيها
زمان وعمرها ما هتنسى اللي عملناه حتى لو سامحتنا في يوم .
ثم همست أمها بتنهيدة تحمل الكثير وهي تحرك عينيها
نحوها
= أختك طلع عندها السكر جالها واحنا جنبها بعد ما ابوكي طردها بفتره ومحدش مننا
خد باله لأننا كنا بعيد عنها كلنا، و معاها حق لما قالتلي محدش منكم كان حاسس بيا
ولا وقف جنبي وانا كنت مستنيه منكم بس أيد تطبطب عليا.
❈-❈-❈
مدت عواطف يدها وأخذت الصغيرة بهدوء وحرص من بين
ذراع بدر بينما هو كان يحمل الفتاه الاخرى، وضعتها هي فوق ركبتها وهي تجلس فوق
الفراش مهدئاها بهدوء بعدما طبعت قبله علي جبينها، نظر بدر إليها بإبتسامة هادئة
قائلا
= اديني جبتلك البنات تشوفيهم زي ما طلبتي، بس هي ربع ساعه وبعد كده هاخدهم منك
عشان اوديهم للحضانه .
وضعت يدها على بشرة الصغيرة تمسح عليها برفق وقالت
بعدم رضي بنبرتها
= انت برده لسه مصمم على موضوع الحضانه ده، يا ابني انا من ساعه ما عرفت انهم
هياخذوا منك ٦ ألف عشان يخلوا بالهم من العيلين، وانا صعبان عليا الفلوس اللي
هتدفعها دي.. بذمتك مش الفلوس دي ولادك اولى بيهم يا ابني شيلهم للزمن هو انت
بتلاقيهم في الشارع ده انت بتشقى وتتعب كثير عشانهم
تشكل على ثغره ابتسامة باهتة وهو يرد بقله حيلة
= هو بمزاجي يا خالتي عواطف ما انتٍ شايفه اللي فيها و انا شرحتلك الوضع وانتٍ
عارفه.. ومش ناوي اسيب بناتي تاني عند حد من الجيران حتى لو متاكد ان الشخص ده
كويس وهيخلي باله منهم، مش عاوز يبقى لي جمايل مع حد وانا زيك صعبان عليا الفلوس
اللي هدفعها وربنا عارف انا بجمعها ازاي، و الجمعيات اللي انا دخلتها عشان اعرف
اسدد المبلغ ده.. بس اعمل ايه ما قداميش حل تاني
نظرت إلى الفتيات بأعين لامعة باشفاق
ثم اقترحت عليه عواطف بنبرة دافئة
= طب انا عندي حل سيبي العيال عندي هنا اخلي بالي منهم وهم مش هيمنعوا في الدار
وتعالى خدهم مني بالليل .. ايه رايك في الحل ده؟ و وفر فلوسك دي بقى .
عقد حاجيبة بدهشة وهتف قائلا بصلابة قليلة
= يا خالتي هو انتٍ هتقدري عليهم لا بلاش مسئوليتهم كبيره وانتٍ مش ملزمه
وبعدين بلاش عشان ما حدش يسمعك هنا كلمه مش ولا بد واجيبلك مشاكل.. سيبيني أحسن
اوديهم الحضانه، هو ده الحل الافضل.
اقترب حتي يحمل الفتيات ليرحل، لكنها منعته بالقوة
وهي تهتف بجدية أكثر
= اوعى ايدك انا قلت كلمه ومش عاوزه اعتراض البنات هيفضلوا معايا وانت مش هتدفع
الـ ٦ الف دول للحضانه دول حراميه وبيستغلوا الموقف.. وفر فلوسك لبيتك احسن ولما
يكبروا شويه ابقى وديهم حضانه.. يا اخويا مستعجل على ايه بكره هتقع فلوس قد كده في
مدارسهم وتعليمهم
نظر لها بنظرات حائرة ثم هز رأسه و حذرها قائلاً
بجدية
= مش عارف اقول لك ايه يا خالتي شكراً طب انا هروح الشغل بقى لو في اي حاجه
حصلت؟ اتصلي بيا على طول حتى لو زهقتي منهم اتصلي برده وانا هاجي اخدهم .
هزت راسها مبتسمة بحب وهي تتابع الفتيات بأعينها بحب
ثم تذكرت شيء ما لتردف قائله بسرعة
= بدر استنى صحيح ده انا نسيت، مش انا لقيتلك عروسه هنا مناسبه ليك لا و كمان
طلعت مش بتخلف يعني هتخلي بالها من العيال وتحطهم في نني عينيها .. وبتشتغل هنا
ممرضه .
لوي ثغره للجانب مدهوشًا قائلاً بنبرة مازحا
= ايه يا خالتي هو حتى وانتٍ هنا بتشتغلي خطبه! المواضيع دي ما بتتاخدش كده
وبعدين هو انا هستغلها يعني عشان مش بتخلف انا ماشي.. سلام عليكم .
هزت رأسها معترضة وهي تقول بإصرار
= ياض اسمع مني البنت شكلها طيبه انا اتعاملت معاها هنا كتير وما شفتش منها
حاجه وحشه وبعدين مش انت إللي كنت بتدور على عروسه، اديني بقترح عليك واحده اهو؟
اقعد معاها وكلمها، وبعدين فين الاستغلال ده واحده بظروفها دي لما هتصدق انها تربي
عيال صغيرين وتاخد فيهم ثواب وهتبقى عوضتها
سحب نفسًا عميقًا ليضبط أعصابه من كثرة ما يكتمه في
صدره، وهو يرد بصوت شبه مختنق
= طب يا خالتي هبقى أشوف الموضوع ده بعدين انا مستعجل دلوقتي، يلا سلام.
❈-❈-❈
في منزل سالم، فرك ذقنه الحليقة بحنق بادي في قسمات
وجهه، فقد استيقظ منذ الصباح وهو يبحث عن تسنيم ولم يجدها بالمنزل
وخمن انها قد خرجت لشراء شيء ما بالتاكيد بالخارج
لكن هو لا يعلم إلي اين ذهبت؟ واخيها لم يجب علي اتصالاته حتى هاتفها أيضا لم تجيب
عليه! ولم يجد شيء يفعله غير ان ينتظرها لتعود وجلس لمشاهدة التلفاز بغضب مكتوم
حتى يشوش عقله عن التفكير بها .
ثم ضاقت أعين سالم مرددًا بغرابة بعد أن رآها تدخل
من باب المنزل بذلك الوقت ودون أن تخبرة بخروجها
= تسنيم انتٍ كنتي بتعملي ايه بره في الوقت ده؟ انا صحيت ما لقيتكيش في الشقه
وعمال اتصل بيكٍ مش بتردي؟
هزت كتفها ببساطة وقالت بنبرة تدل على عدم المبالاة
= كنت في المحكمه عندي شغل عشان كده كنت عامله موبايلي صامت
هتف سالم مدهوشًا وغير مصدق لما التقطته أذنيه
= نعم شغل إيه اللي نزلتيه وليه ما قلتليش ونزلتي ليه اصلا واحنا لسه في
الاجازه! وبعدين هو انتٍ مش عارفه انك المفروض لما تنزلي او تعملي حاجه زي كده
تستاذنيني الأول ولا الهانم لسه ما اتعودتش ان انا جوزها والمفروض تستاذن مني
استشاطت أعين تسنيم فهتفت بحنق من بين شفتيها
المزمومتين ساخراً بألم
= ما تعودتش! طب بذمتك هتعود ازاي؟ وانت طول الوقت مع بنتك وسايبني لوحدي انا
بقيت حاسه ان انا قاعده في لوكندا وبشوفك كل يوم بالصدفه او حتى مش بشوفك اصلا
والله انا اللي مفروض اسالك السؤال ده؟ لما انت مش متعود يكون معاك زوجه في حياتك
اتجوزتني ليه؟ لا بجد دخلتيني حياتك ليه لما انت ما عندكش وقت ليا وطول الوقت مع
بنتك وهي في اولياتك وانا مش موجوده اصلا في خانه مواعيدك ولا راضي حتي تيجي على
نفسك وتديني وقت، مشغول يعيني فعلا اوي
لوي ثغره للجانب بضيق مرددًا بسخط
= في ايه يا تسنيم مالك بتتكلمي معايا كده ليه ؟ كل ده عشان انشغلت مع بنتي في
امتحاناتها ما انتٍ شايفه بنفسك الظروف اللي اتحطيت فيها فجاه مش قادره تيجي على
نفسك شويه وتصبري وانا قلت لك بعد كده الـ...
حاولت أن تبتسم ساخراً لتقاوم رغبتها في البكاء حسرة
على حالها وعلى تلك الزيجة التي خضعت لها على أمل انها ستجد الحب والحنان معه، فهي
لا تصدق بأن بعد كل ما حدث وفعلة معها يطلب منها الصبر وكأنها لم تفعله بالأساس،
فبدت ابتسامتها مهتزة باهتة، وهي تقول له بصوت متهكم
= هو انا عملت حاجه في حياتي من ساعه ما اتجوزتك غير ان انا باجي على نفسي
وبصبر وبطلعلك بدل المبرر عشرة! و أقول لنفسي اصبري شويه معلش مشغول ما انتٍ لو
مكانه اكيد هتقفي جنب بنتك في امتحاناتها وتسنديها.. بس لازم زي ما هتدي واجباتك
مع بنتك تشوف برده باقي حياتك والبني ادمه اللي أنت ربطتها على اسمك واتجوزتها، يا
اخي حتى لو ساعه واحده بس اطمن عليا ولا انا مش من واجباتك برده ومسؤوليتك .
بدأ وجهها خاليًا من التعبيرات وهي تكمل بجدية وجمود
= ماشي الامتحانات وخلصت، عدي الاسبوع وخلص من بدري؟ جيت بعد الاسبوع ده تسال
عني ولا تشوفني؟ ولما كنت بتخلص مذاكره مع بنتك كنت بتيجي تطل عليا وتشوفني؟ كنت
بتبات الاسبوع إللي فات مع بنتك وتاكل وتشرب معاها ومتجاهلني خالص من حياتك ولا
عارف انا فيا ايه كويسه ولا حتى ميته يا اخي .
ارتفعت نسبة الأدرينالين المحفز لخلاياها للهجوم
عليه بالحديث بتلك اللحظة فقد اكتفت من الصمت، وتذكرت خيبه املها طوال الايام
السابقه وهي تنتظر منه ان يلتفت اليها ويهتم بها كزوجه،فهي لم تطلب شئ بالأساس حتي
حقوقها! لكن افعاله تلك أحرقتها وهي حية بالفعل ظلت تخلق له المبررات وظلت صامته
ولم تشتكي منه، وهو بالنهاية يأتي ويتحدث بكونه لم يفعل شيء حتى تحاسبه ويطلب منها
الصبر أيضا.. وهي بالاساس لم تفعل اي شيء غيرة .
قاومت عبراتها التي تلألأت بكثافة في مقلتيها وهي
تضيف بصوت شبه مختنق
= الصبح بتذكرلها وبالليل معلش اصلها بتتوتر من الامتحانات ولازم انام معاها
..طب في وسط اليوم تعالى شوفني عامله ايه؟ لا ما عندكش وقت أصلا لي! طب بجد
دخلتيني حياتك ليه لما انت ما عندكش وقت ليا، سالم انت من شويه لما دخلت قلتلي
ازاي تنزلي من غير اذني والاسبوع لسه ما خلصش ؟؟ احب اصدمك واقول لك ان الاسبوع
خلص من بدري وان انا اصلا بنزل وبروح الشغل بقيلي اربع أيام؟؟ بس انت ولا واخد
بالك مني
اكتفي سالم من تحديقه في وجهها دون أن يتحدث بكلمه
واحده، كان يستمع اليها بصدمه وعدم استيعاب إلي تفاصيلها بجوارحها، هو لم ينتبه
الى كل ذلك من البدايه؟ لم يشعر بانه تجاهلها بالفعل وجرحها بتلك الطريقه، وذلك
الأسوأ بالطبع كونه لم يشعر بالام زوجته و الذي تسبب به؟ والتي تعيش معه بمنزل
واحد! لكن بالتأكيد هو لم يقصد ذلك ربما كان معتاد على حياته طوال الوقت دون طرف
ثالث بحكايته! لم يتعود على تلك الحياه الجديده وهي معه! انشغل مع ابنته او هكذا
كانت حياته المعتاده مع ليلي، حيث كأن كل حبه وحنانه واهتمامه يذهب إلي أبنته فقط،
لذا لم يستوعب عقله بأنها أصبحت في محور حياته أيضا .
كان الموقف عصيبًا للغاية، هي تعبر عن مشاعرها التي
لم تجد من يغزيها في صورة أمنيات حلمت بها، خانتها عينيها فبكت وهي تضيف
= صدمتك مش كده؟ اه يا سالم بنزل واروح واجي وبخلص قضايا وشغلي وانت ولا شفتني
في مره ولا خدت بالك خالص! مش قلت لك انت ما عندكش وقت ليا اصلا؟ واهو الموضوع ما
طلعش امتحانات بنتك الحجه اللي انت عاملها عشان تداري على غلطتك! بدليل ان الاجازه
خلصت بقيلها كتير وانت ولا هنا، ولا حتى قعدت معايا تتاسف لي وتقرب مني وتشوفني
وتتعامل معايا ذي اي زوجين! انا حتى بعد كل ده حاولت اتجاهل و اكبر عقلي واقول
معلش تعالي على نفسك عشان ما يتقالش عليكي ست نكدية ومع اول غلطه هتافوري وتكبري
الموضوع وهو مش يقصد يتجاهلك ولا يعمل اللي عمله ده اكيد .
هزت راسها وهي تتذكر احداث ذلك اليوم جيد بعقلها
وتُصيب قلبها بالحسرة و الخيبة، و ظهرت تعابير الإحباط تكسو قسماتها وعلامات
الانكسار تعاود للظهور بكثافة لتنذر بالألم تحرقها داخلها
= اخر يوم امتحانات لبنتك صحيت وعملت لك كل الاكل اللي انت بتحبه وجهزت نفسي
واستنيتك، كنت معشمه نفسي اني خلاص اعتبر نفسي من اول اليوم ده اول جواز لينا.. و
هتعوضني زي ما وعدتني، ما كنتش محتاجه منك غير كلمه حلوه بس اتفاجئت ان انت خرجت
انت وبنتك تتغدوا بره وتتفسحوا وما كلفتش نفسك حتى تتصل تطمني عليك وتعرفني ان
انتم هتتاخروا بره .
أغمضت عينيها وعاودت فتحهما بتثاقل وهي تنظر إليه،
بينما رفع سالم عينيه نحوها حينما سمعها تتفوه بكل اوجاعها وجرحها منه، و للغرابه
عندما حاول يتذكر احداث ذلك اليوم! وجد نفسه لم يتذكر اي شيء من ذلك أبدا؟ لانه
بالفعل لم ينتبه إليها، ليحدق فيها بنظرات مطولة مستشعرًا تلك المرارة والألم في
تحديقها له، واصلت حديثها بابتسامة منكسرة
=ومع ذلك ما فقدتش الامل وقلت لنفسي معلش بنته ومن ضغط الامتحانات طلبت منه
يفسحها شويه وهو اكيد مش هيقول لها لا، مش هيكسر بخاطرها انما يكسر بخاطري انا
عادي.. واستنيتك وعشمت نفسي تاني انك هترجع تعوضني! بس انت رجعت و مابصيتش في وشي
دقيقه حتي ولا خدت بالك من اللي انا عاملاه عشانك وسبتني ودخلت نمت وصحيت تاني يوم
تطمن على بنتك وبرده فضلت متجاهلني وما عندكش وقت ليا.. واللي وجعني اكتر انك كل
ده مش واخد بالك انت عملت ايه؟ وجاي تحاسبني ازاي خرجت من غير اذنك! تمام يبقى انا
كمان ليا الحق بقى و المفروض احاسبك ولا ايه؟
ظل محدق فيها بأسف كبير وهو يستمع إلى محاولاتها في
كل مره تفعلها لعله يلتفت اليها وينتبه لها بيوم، وأخيراً تحدث و غمغم بصوت متألم
= تسنيم انا اسفـ..
تقطع صوتها واختنق على الأخير وهي تقاطعه بصعوبة
بإحباط تام
= حتى دي مش عايزه اسمعها منك يا سالم لانها مش هتفيدني بحاجه اسفك ده تخليه
لما تدوس على رجلي غصب عني، مش لما تكسر خاطري
بالطريقه دي؟ لما هي دي بدايه حياتنا امال بعد كده هنعمل ايه .
❈-❈-❈