-->

رواية جديدة حياة بعد التحديث الجزء الثاني من بدون ضمان لخديجة السيد - الفصل 5 - 1

 

 قراءة رواية حياة بعد التحديث

الجزء الثاني من بدون ضمان كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى






رواية حياة بعد التحديث

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة خديجة السيد


الفصل الخامس

الجزء الأول


في دار الرعاية، بحثت سماح عن صديقتها ولم تجدها لتعلم بانها ما زالت حبيسه بغرفتها، و بعد أقل من نصف ساعة كانت سماح تنتصب واقفة أمام غرفتها بالدار، وفتحت الباب فقد نفذ صبرها وهذه المره ستحاول رغماً عنها تتحدث معها وتطلب منها العفو! حمحمت بإحراج وهمست مبتسمة بتوتر


= ممكن ادخل؟ على فكره انتٍ لو طردتيني برده هدخل بالغصب عشان المره دي مش همشي غير لما تسامحيني


لم ترد لكنها تفاجات بها تبكي قطبت سماح في ريبة واقتربت منها وهي تلاحظ هيئتها الشاحبة وعينيها الذابلتين، وضعت يدها فوق كتفها وقالت باهتمام


= فريدة.. ايه اللي جرى يا حبيبتي؟.. انتٍ...  معيّطه؟!!. كنت عارفه اول ما بتقفلي على نفسك الاوضه دي اكيد بتعيطي وبتقعدي تفتكري كل حاجه 


لتهتز كتفها فريدة بألم واقتربت ترمي بنفسها في أحضان صديقتها التي احتوتها بدفء وهي تكاد تفقد عقلها من قلقها على حالة فريدة الغريبة، فلم يسبق لها وأن شاهدت وهي في حالة انهيار كهذه، لكن ما اثار دهشتها بأن رات بيديها صوره سونار لطفل! انتظرت حتى هدأت نوبة البكاء الحادة التي داهمتها ثم ابتعدت عنها قليلاً وقالت وهي ترفع رأسها إليها بابتسامة بسيطة 


= هو مش اللي في ايدك ده صوره سونار لطفل؟ طب ممكن أعرف ايه سبب الدموع دي كلها؟..


إنسابت العبرات الساخنة عفوياً على وجهها الشاحب لتحفر طريقها حتى شفتيها المرتجفتين، وحدقت أمامها بنظرات خاوية من الحياة ونطقت بصوت مبحوح


= دي صوره ابني اللي مات في بطني قبل ما اشوفه؟ و دي الصوره الوحيده اللي معايا من ريحته يمكن ما فيهاش ملامح آه !.. بس مش لاقيه حاجه غيرها احتفظ بيها عشان كل ما يوحشني افضل ابصلها .


جلسوا فوق الأريكة وبعد أن شربت فريدة بعضا من الماء، انخرطت في بكاء أشد حرقة عندما فكرت في مصيرها المجهول، لتردف


= عارفه يا سماح انا أوقات كتير أوي بحسد الناس اللي عندها فقدان ذاكرة ببقى نفسي كتير اوي انسى اللي حصل لي؟ ببقى نفسي انسى ان انا اتعرضت للاغتصاب! وببقى نفسي انسى ان انا خطيبي أو الانسان اللي كنت بحبه اتخلى عني في اكتر وقت كنت محتاجه له وراح خطب غيري! سابني بطريقه وحشه أوي، كان نفسي كمان انسى ان اهلي اتخلوا عني لما فكرت اجيب حقي عشان خافوا من كلام الناس؟ ونفسي كمان انسى ان انا اتجوزت اكتر انسان في حياتي بكرهه وعشت اسوء ايام حياتي معاه، غير انه اغتصبني مره ثانيه بعد جوازي وما عرفتش اشتكي لمين لاني اهلي ما جابليش حقي اول مره فبالتالي مش هيجيبوا لي حقي ثاني مره؟ يا ريت كمان انسى ان انا مش بخلف و ابني مات من قبل ما اشوفه.. ولا حواراتي الكتير مع اهلي و لما طردوني من بيتهم عشان يلوا ذراعي وارجعلهم واقول لهم أنا متنازله عن حقي لتاني مره و هعيش بدون كرامه واسمح للكل يهني عادي ذي ما هم عاوزين، عشان خايفين من كلام الناس وعشان ما بقاش ست مطلقه وعاقر كمان .. ياااه تصدقي أن انا عاوزه انسى حاجات كتير من حياتي بس مش قادرة للأسف. 


انهارت فريدة باكية هنا اكثر، و ظلت سماح ترمقها بنظرات حزينة متعاطفة، ثم أضافت قائلة بحزن وهي تكفكف عبراتها بظهر يدها


= انا حربت كتير لوحدي في الدنيا دي، وطبعا ما طلعتش كده بدون خسائر بالعكس خسرت كتير أوي رغم ان انا كسبت حاجات برده! اللي واجعني من كل ده ان انا طول الوقت وانا بحارب و كنت بفضل اقول يا جماعه انا الضحيه مش الجاني اتعملوا على الاساس ده؟ انا ما عملتش حاجة غلط عشان أحط راسي زي النعامة في الرمل ذي ما المجتمع عاوز! كل شيء نصيب وأنا نصيبي كده! ما كانش قدامي حل غير ان انا ارضى واتعايش مع الموضوع بس في نفس الوقت ما تنزلش عن حقي وده اكيد ربنا ما كانش هيرضاه برده .. وطبعا لان في مجتمعنا فاقدين الاحترام وما يعرفوش شيء اسمه احترام ولا مقتنعين يعني ايه واحده مغتصبه تطلع في وشهم وتقول لهم انا عاوزه حقي ومش هتنازل عنه !! بس ازاي،؟؟  واحده زيي المفروض تحبس نفسها ما بقت عار خلاص وما ينفعش حد يقرب منها و سمعتها بقت وحشه كمان، فالافضل انها تروح تنتحر عشان يرتاحوا .


إنفرجت شفتيها سماح في فزع حقيقي، و زائغت عينيها بعدم تصديق وهي تستمع الى معاناتها التي لم تتوقعها مطلقاً فهي اعتقدت الأمر أنتهي بطردها من منزل والدها فقط! لكن تفاجات بقسوة تلك العائلة و جحود بعض الأشخاص بالكثير ضدها.


وضعت يدها الممسكة بالمنشفة الورقية على طرف أنفها قائلة بنشيج


= انا في البدايه لما اتعرضت لكل ده واهلي كمان الكلام طلهم، للاسف ضعفت زي اهلي بالاول حتي بابا صمم اني اقعد في البيت ومنعني اروح شغلي ولا انزل حتى في الشارع والناس تشوفني، للاسف هو كمان نظرته اتغيرت وصدمني لما بصلي بنفس نظريه الناس! إللي هي اول ما يسمعوا واحده اتعرضت لحاجه زي كده أول الاسئله اللي بتيجي في دماغهم؟؟ طب ايه اللي اخرها في ساعه زي دي وترجع متاخر ليه؟ اكيد كأن بينها وبينه حاجه عشان تخليه يتجرا يعمل كده فيها، وكالعاده بدأ اللوم كله على الست.


ابتلعت ريقها المرير في حلقها الجاف ثم تابعت فريدة بتنهيدة تحمل الكثير وهي تحرك عينيها نحوها 


= وكلام من ده كتير ومش بس هو؟ لا كمان ماما ضغطت عليا واختي اللي كانت هتطلق بسببي كله كان عليا، عشان كده لما جاتلي فرصه تانيه ولقيت نفسي ليا حق صممت ما تنزلش عنه المره دي حتى لو هدفع عمري كله! بس طبعا كالعاده هم كان ليهم راي تاني و  خلصت من موضوع إني مغتصبه ودخلت في موضوع دي واحده مطلقه ومش بتخلف و فرصها في الجواز هتقل فلازم تعدي عشان تعيش حياتها وأنا مستحيل أعمل كدا، لأني لو كنت عملت كدا يبقى بديهم فرصة انهم يتكلموا اكتر ويطلعوا كلام تاني وتالت وعاشر، غير انا نفسي تعبت اوي كل واحد بقي بيفكر في مصلحته الا انا ؟ و رغم ان انا جبت حقي المره دي بس ناري ما بردتش من حقي اللي ضاع اولاني واللي أنا اتنازلت عنه بايدي .. ولاني لسه بتعافي من اللي عملوا فيا وبتعالج منهم كلهم! مش قادره اسامح ولا انسى يا سماح لحد دلوقتي .


وقالت بيأس وهي تحاول الإشارة بيدها المرتعشة


= عرفت ليه بقى انا رفضت ان اهلي يعرفوا مكاني وارجعلهم من تاني .


هزت رأسها بالايجابي والدموع تهبط من عينيها بحزن عليها، ثم أحاطتها سماح بذراعها باكية بقلب منفطر عليها و... نظرات أسف.


❈-❈-❈


بداخل منزل بسيط في تلك المنطقه الشعبيه، جلست لوزه على المقعد و سحبت حقيبتها نحوها لتخرج منديل ورقي تمسح دموعها وضربت كفها بالأخر محركة رأسها للجانبين آسفة على حالها، وهي تردف مثل تلك العبارات المصحوبة بالنواح بحزن طفيف


= اه يا ناري، بقى انا اقف من صباحيه ربنا اجهز له الاكل عشان اروح اديهله واتزوق والبس عشان اعجبه، وفي الاخر يقول لي انتٍ زي أختي .. اختك في عينك يا شيخ هو امتي هيحس بيا بقى .


كانت تتحدث مع شقيقتها التي كانت تجلس جانبها وتقطف عيدان الملوخيه، ثم لوت ثغرها للجانب قائله باقتضاب


= عشان خايبه وهبله قلت لك بلاش تروحيله والجو اللي انتٍ بتعمليه ده مش هياكل معاه، يا بنت خدي مني النصيحه انا اكبر منك و بفهم في طبع الرجاله.. ده ما بيحبش الست المدلوقه عليه.. قلت لك اتقالي شويه و هتلاقيه جاي لحد عندك بعد كده


هزت رأسها نافية بعدم اقتناع وهي تجيبها بغضب شديد


= استنى واتقل اكتر من كده ايه انتٍ عارفه بقيلي كام سنه بحبه ومستني يبصلي؟ اتجوزت واتطلقت وهو اتجوز برده وخلف ومراته ماتت، وبرده ما فيش فايده.. واحد زيه في وضع زي ده لما يصدق اي واحده قدامه ويتجوزها عشان تخلي بالها من عياله وعماله كل شويه امايل دماغ عوض جوزك عشان يحاول معاه يبصلي ويتلحلح ويتقدملي 

وبرده ولا هو هنا .


نفخت اختها مستاءه من إصرارها المتهور و قلبها المفتور على حبها المستحيل، ثم حاولت التهوين عليها قائلة بتوبيخ حاد


= بص البنت اقول لها ايه تقول لي ايه؟ ما يا عبيطه برضه هيعرف ان عوض انتٍ اللي بتوصيه يقول الكلام ده! هو حد غريب عنك ده جوز اختك.. اديكي جربتي كل حاجه معاه وما انفعش اسمعي مني المره دي بقى وسيبيه ولا تهتمي بيه وهو اللي هيجري وراكي .. مش عارفه حب إيه اللي بتحبه له وانتٍ مش عارفه لحد دلوقتي تفهميه ولا عارفه دماغه فيها ايه، بدر ده من النوع اللي بيحب يلف ويدور ورا الست لحد ما تخليه يقطع النفس .. مش الدلقه اللي انتٍ فيها دي كل ما تشوفيه.


التفتت برأسها للجانب صامته بعد تفكير بالأمر قليلا، ثم زفرت لوزه بصوت مسموع وهي تردد بأمل


= تفتكري؟ طب ماشي هصبر هو انا في ايدي حاجه غير الصبر.. ربنا يجعلك من نصيبي يا بدر .


❈-❈-❈


قــبــل أيــام.


جذبت دلال ابنتها بسرعه من أمام جابر الى أحد الغرف، وأسرع خلفها أيمن الذي استاذن من بالخارج وتطالعها بنظراته الحزينة، كانت مختلفة كليًا عن صورتها السابقة، ذبول رهيب اعتلى قسماتها بالإضافة إلى شحوب مزعج يشبه الموتى في انتشاره على بشرتها، و كدمات حمراء تدل على تعنفها منهما هز رأسه بعدم رضا و بأسف عليها .


تحركت دلال خطوة للأمام لتجذبها من رسغيها عنوة لتقول بجدية


= تعالي هنا واسمعي الكلام انتٍ لو ما اتجوزتيش أيمن ورجعتيله عمك مش هيسكت انتٍ مش شايفه حالته عامل ازاي بره وكان هيجوزك إبن عمه لولا ايمن لحقه على اخر لحظه.. اسمعي الكلام واطلعي وافقي على الجوازه بدل ما عمك ياخدك بالغصب هناك على البلد! و انتٍ عارفه كويس أوي انك لو رحتي هناك هتكوني كتبتي نهايتك وما حدش هناك هيعطف عليكي ولا هتصعبي عليه  .


وفي ذلك الأثناء كأن أيمن ينظر لها بقوة، وهي لا تعلم إذا كانت نظراته بوعيد أم بإشتياق؟ ولكن تلك اللمعه غريبه عليها وبشده، تريد الان ان تضع كفيها علي موضع قلبها لتهدئه من عنف دقاته الهادره في تلك اللحظه! لا تعلم خفق قلبها عشقاً له أم خـوفاً منه ومن نظراته تلك !!. 


بالاضافه الى الخجل الذي يعتريها وهي أمامه بذلك الشكل وبتلك الحالة الضعيفة، فكان آخر شخص تريدة أن يراها الآن؟ حيث كان ينظر لها لاكثر من دقيقتين دون رفه رمش واحده ووجهه جامد يخفي خلفه تشنجات وقلب يقرع بقوه، ثم ارتفعت عيناه و نظر أيمن تجاه حجابها الذي يخفي خصلات شعرها ولم يعرف متي قامت بارتدائه؟ لكن اعجبة مظهرها الجديد ذلك.   


أما دلال تجمدت أرضـاً وقد دق قلبها خوفاً ووجـلا من الذي سوف يحدث، اذا لم تساعد ابنتها لـ تنجي من غضب عمها وابنه بالخارج! لذلك وجدت الحل الافضل بأنها تعود إلى طليقها السابق افضل من أن تفتقدها.


إبتلعت لعابها بذعر شديد وقلبها إنقبض بقوه بقلق من أثر كلمات والدتها لها، ولكنها أخفت شعورها هذا سريعاً واشتدت تعابير وجه ليان حدة، وتمتمت بصرامة شديدة


= انا مش عايزه اصعب على حد ولا مستنيه منكم شفقه، ما تسيبوني في حالي بقي.. عملت لكم كل اللي انتم عاوزينه وبعدت عنكم، اتطلقت من ايمن زي ما انتٍ كنت عاوزه وطلبت منه ده،! بس انا عملت كده عشان كنت عاوزه اطلقك عشان كده وافقت وقتها، فانتٍ ما غصبتنيش على حاجه مكنتش عاوزاها زي ما فاكره، و دلوقتي برضه الجوازه دي مش هتم غصب عني 


إندهش هو بشده من ردها ولكن لم يظهر علي ملامحه أي شئ، لكنه نظر اليها بغضب العالم كله وهو يستمع إلى رفضها له؟ قبض علي أنامله بعنف حتي ابيضت من انحباس الدم وعدم وصوله الي الاطراف، ثم حركت نظراتها الفاترة نحوه وهي تضيف بتشنج مريب


= انا مش فاهمه اصلا ايه اللي جابك وازاي تطلب ان انا ارجعلك من تاني بعد اللي حصل ما بينا؟ ايه خلاص فجاه بقيت تثق فيا من تاني كده عادي! انا مش هرجع لنفس العذاب تاني يا ايمن حياتي معاك كانت جحيم وانت عمرك ما هتبطل شك فيا وانا لو رجعت للحياه دي تاني بارادتي هبقى بكتب نهايتي برده ! يعني في الحالتين بخسر حياتي ومحدش منكم عاوز يتجوزني حبا فيا ولا عطف؟ كل واحد بيدور على الانتقام فيا.


دنا منها حتى تقلصت المسافة تمامًا، ثم تنحنح بخشونة


= ليان مش وقته الكلام ده، ومين قال لك اصلا ان انا لو رجعتك على ذمتي هنتقم منك ولا هنعيش نفس العذاب بتاع زمان .. وافقي يا ليان دلوقتي ولما نكون لوحدنا هفهمك كل حاجه .


انتظرت لوهلة حتى هدأت تمامًا، وظلت تقاتل داخل عقلها في معركة فكرية كبيرة عله تصل إلى وسيلة تمكنها من الخروج من ذلك المأزق دون ان تعود الى ايمن مره ثانيه ! فهي لا تريد ان تعيش تلك الحياه التعيسة مره ثانيه؟ و يشعرها بالاهانه وعدم الثقه بنفسها، بالاضافه إلي ارتباطها من منصور ابن عمها سيكون نفس النتيجه وستعيش بمهانه معه، لذا وجدت صعوبة في الأمر، لكنها حسمت أمرها هاتفًة بجدية


= ايمن اطلع بره انا ما طلبتش منك مساعده ومش عاوزه منك حاجه ولا خايفه من اللي بره، ومش فاهمه باي حق بيحاسبوني وهم ما لهمش حق عندي ولا موضوع عاوزين يجوزوني بالغصب.. كفايه اوي لحد كده دفعت ثمن غلطتي وزياده، في الوقت اللي كل واحد فيكوا بيعيش حياته و ما بتتحاسبوش انتم كمان على غلطاتكم 


وفجاه تعالي صوت جابر بالخارج هادر بعصبية جامحة


= هتفضلوا جوه كتير لو الهانم مش موافقه فابني لسه موجود و احنا مش هنتحايل عليها كثير، يلا دقيقتين وتخرج المأذون مستعجل وعاوز يمشي وانا مش همشي غير لما كتب الكتاب يتم على حد من الموجودين، لاما ابني منصور لاما ترجع لطليقها أيمن .


ساد صمت ثقيل بينهما للحظات عجزت فيها ليان عن إيجاد الكلمات المناسبة لإخراجها من حالة الضيق المتمكنة منها، فقالت بتردد


= برده مش هتجوز!. 


ضغط على شفتيه بقوة بعد أن تنهد بصوت مسموع قائلاً


= ليان انتٍ مش شايفه منظرك عامل ازاي انتٍ مش هتقدري عليهم لوحدك اسمعي الكلام وخلينا نتجوز وبعد كده نشوف اي حل تاني بعدين وهعمل لك اللي انتٍ عاوزاه بس ابوس ايدك خلينا دلوقتي نكتب الكتاب عشان نحل الوضع اللي احنا فيه ده .


ارتجف جسدها وهي تتذكر نظرات عمها الخطيره و رؤية التي كادت تحرقها في مكانها، بالاضافه الى عبارته المهينة عندما أمر بزواجها من ابن عمها المستحيل، فهو مرتبط بامراه اخرى وغير ذلك لا تريد ان تربط نفسها بة!! لكنها لا ترغب بزواجها من أيمن أيضا! هزت رأسها معترضة وهي تقول بصلابة جادة


= قلت مش هتجوزك ومش هرجعلك ولا حتي هتجوز منصور ابن عمي اللي بره، هيعملوا فيا إيه يعني اكتر من اللي عملوه؟ انت مش شايف منظري! كفايه بقى اهانه انا سكت كتير ومش هقبل تاني وضع انا مش عاوزاه وانت اكيد مش هتقبل واحده مش عاوزاكي يا ايمن ولا ايه .


جز علي أسنانه بغضب مكتوم منها، بينما

نظرت دلال إلى ابنتها مغمغمة باستنكار


= ما تحترمي نفسك بقى وخلينا نخلص من وجع القلب ده، احنا بنحاول نعمل عشان مصلحتك وانتٍ برده منشفه دماغك خلاص اطلعي لعمك وقوليله بنفسك انك مش هتتجوزي ايمن ولا منصور ابن عمك وشوفي هيعمل معاكي ايه.


ارتفع صوت جابر مرة أخرى من الخارج صائحًا بصوت آمر


= الدقيقتين خلصوا من بدري يلا اطلعوا .


تشبث ليان أكثر ضاغطة علي فستانها الطويل الذي ترتدي، كوسيلة للتنفيس عن توترها الذي يعتريها، ثم تمتمت من بين شفتيها مرددًة بارتباك


= تمام هطلعله هو انتٍ فكراني هخاف منه انا ما عملتش حاجه عشان اتكسف منها معاه ،  عشان ما لوش حق يحاسبني، كفايه أنه مد أيده عليا وهو ما لوش حق برده لكده، انتم اصلا كلكم بتعملوا اللي بتعملوه ده مش عشان بهمكم؟ انتوا بتعملوا كده عشان خايفين علي سمعتكم وسمعه العيله ومصلحتكم، يبقى انا ليه اهتم بيكوا .


أمسكها أيمن بسرعه بحدة وحاول أن يمتص غضبه منها عندما، هتف بحذر وهو يشير لها بعينيه بحزم


= ليان اقفي مكانك وبطلي هبل مامتك معاها حق انتٍ لو طلعتي وقلتله الكلام ده هيضربك تاني ومش هيسكت وهو مش هيرتاح و يمشي غير لما كتب الكتاب يتم وتتجوزي.. عمك مش هيمشي معاه الاسلوب ده؟ عاوز تاخدي بالهدوء بالراحه.. صدقيني انتٍ لو طلعتي دلوقتي وبلغتيه برفضك؟ هيجوزك لمنصور غصب عنك ومش هيفرق معاه جوازك بالرضا ولا بالغصب حتي .


بدت شاردة وكأنها لم تنتبه لأمره الصريح، فقط نظراتها التائهه مسلطة على وجهه بصمت

و رفعت أمها يدها أمام وجهها هاتفًة بصلابة 


= اسمعي كلام ايمن عارف مصلحتك وبيتكلم صح، انا عارفه عمك ده اكتر منك؟ مش هيسكت ولا هيمشي من هنا غير لما يطمن أن انتٍ بقيتي على ذمه واحد .


هزت راسها برفض بإصرار بينما والدتها شعرت بالغيظ والغضب من اصرارها بالرفض، وبدات كالعاده تتخذ الطريقه الخطا لاصلاح الأمر؟؟  حيث اقتربت منها لتصفعها حتى تؤدبها لكن قاطعها أيمن ليقف أمامها قائلا بنبرة حـــادة بعد أن عبس وجهه من طريقتها الفظة في التعامل معها 


= طنط دلال من فضلك بلاش الطريقه دي، الضرب مش هو اللي هيحل ثم أنك ما كانش ينفع اصلا تسمح لي اللي بره دول يضربوها كمان، لان محدش لي حكم عليها ولا عليكي

وهي مش عيلة صغيره عشان تعامليها بالاسلوب ده !. 


أغمضت ليان عينيها متألمة في إنتظار صفعه أمها لكنها تفاجأت بحديث أيمن الذي جعلها  ترمش بعينيها بتوتر قبل أن تفتحها مستشعرة تلك السخونة الطفيفة التي تنبعث من وجنتيها كدليل على توردهما بشدة، وهي تشاهده يقف يدافع عنها ويعيد لها جزء من كرامتها المسلوبه، لكن لم يطال ذلك كثيرا فهي تلقت   ألوانًا قاسية من العذاب من الجميع ومن ضمنهم كأن هو أيضا، تقوست شفتاها بابتسامة باهتة لكنها راضية عما يفعله، وضع أيمن يده على كتفها مضيفًا بلهجة صارمة


= وانتٍ يا ليان الوقت بيعدي ولازم تخدي قرار بسرعه، وتختاري هتكملي مع مين؟ وانتٍ ما لكيش دلوقتي غيري ولازم ترجعيلي   


أدارت رأسها بعيدًا عنه متحاشية النظر إليه بعد اضطرابها من جملته الأخيرة، لا تنكر أنها كانت مطمئنة نوعًا ما لكونه هنا ؟ لكن رغم ذلك ظلت علي حاله النفور منه، و ردت بارتباك طفيف وهي تتعمد التحديق في أي شيء إلا وجهه


= طب ماشي تمام، مش انتم عاوزيني اتجوز ماشي انا موافقه بس بشرط؟ بعد ما الليله دي تتفض هرجع طلقتك من تاني وهتطلقني يا أيمن .. تمام.


انتبه لموافقتها فتهللت أساريره لكن تلاشت  على الفور بعد أن سمع شرطها الوحيدة، ليرمقها بنظرات مهلكة ثم قال بصوت مكتوم


= نخلص الليله دي وبعد كده نشوف موضوع الطلاق ده بعدين.. ممكن بقي تطلعي بسرعه معانا عشان عمك مش هيستنى اكتر من كده 


لم تستطع مقاومته أكثر من هذا، فقد أُنهكت قواها بدرجة كبيرة، لذا استسلمت ليان للأمر 

وهزت رأسها ممتثلة لأمره بخنوع كبير، أرخى أصابعه عنها لتتحرك بارتجافة طفيفة أمامه وهي ضامة يدها إلي صدرها دليل على خوفها من القادم! وفي غضون ساعه قد انتهى كل شيء وعادت زوجته من جديد، ليبدا الجميع بالرحيل من المنزل وهي تحركت الى غرفتها بصمت غير راغبه بالحديث معه . 


❈-❈-❈


وقفت مهره امام غرفه وفاء نظرت إليها بتردد وحزن فمنذ عودتهما من الخارج، توجهت وفاء على الفور إلى غرفتها ولم تتحدث معها بكلمة واحدة، ولم تلومها حتى على أي شيء وحتى تلك الليلة تجاهلتها أيضًا، مما أحزنها أكثر.. لكن ماذا عليها أن تفعل؟ هي لم تخبرها بأفعال مروة زوجة طه منذ البداية حتى لا تتسبب بمشاكل في العائلة، مثل ما حدث وتوقعت حدوثه! ثم تنهدت بعمق و تحركت بخطوات بسيطه فقد حسمت أمرها بأنها ستدخل إليها، رفعت وفاء أنظارها لها عندما دلفت وهي تخفض راسها مرددة بتوجس


= ماما وفاء انتٍ زعلانه مني؟ من ساعه ما جينا وانتٍ مش بتكلميني وسبتيني وقاعده لوحدك في الاوضه 


تنهدت بعمق وحافظت على ثبات نبرتها وهي تقول بجدية


= قربي يا مهره واقعدي قدامي كنت لسه هناديكي، ممكن بقى اعرف لما مروه مرات طه بتضايقك من زمان والموضوع مش اول مره يحصل؟ ليه ما جيتيش تبلغيني ولا انتٍ بقي مش معتبريني والدتك فعلا وتيجي تشتكيلي

زي ما اي بنت بتيجي تشتكي لبنتها اللي مضايقها .


جلست أمامها مهرة، وتهدجت أنفاسها قائلة بحزن شديد


= لا خالص ربنا عالم وحده انا بحبك قد ايه وبعتبرك زي والدتي فعلا، بس ما حبتش اعمل مشاكل ما بينكٍ وما بين قريبتك! وقلت مع الوقت ممكن تبتدي تحبني لما تتاكد ان انا مش هعمل لها حاجه وحشه ولا لعيالها زي ما عم طه كان بيعمل في البدايه وبعد كده ابتدى يحبني واعتذرلي على معاملته لي زمان.. و بعدين اللي كنت خايفه منه حصل اديكي مش هتشوفي أخوكي تاني بسببي.


ردت بانفعال وهي تمسح على ذراعها بلطف


= امال كنتي عاوزاني اعمل ايه لما اعرف حاجه زي كده؟ انتٍ غلطت انتٍ كمان يا مهره انا مستحيل أسكت على اهانتك وانا مش اتبنتك وجبتك هنا تسكني معايا وبقيت بعاملك زي بنتي بالظبط عشان اسمح لحد يهينك ولا يقلل منك، مهرة انتٍ بنتي فعلا واي حد يمسك بطرف اكله باسناني ومهما كان مين 


ساد الصمت بينهما قليلا ثم ابتسمت ابتسامة باهتة لها، بينما رفعت مهرة عينيها الحزينه في وجهها باحثه عن الأمان فيها، ورأته بالفعل من خلال ابتسامتها ونظراتها الموحية، لتقول  بفتور


= عارفه يا مهره لما المحامي جي وقال لي ان انا ورثت كل املاك المرحوم زاهر، ما فرحتش وكنت مش هقبل الفلوس بس قبلتها عشان سبب واحد وهو انتٍ؟؟ ايوه يا مهره لما رفضت الفلوس في البدايه، اخويا قال لي اعتبريها تعويض عن اللي حصل لك زمان والمعامله الوحشه اللي شفتيها من زاهر وقد ايه ظلمك وسابك على ذمته متعلقه وضيع عمرك كله، بس ما قدرتش اتقبلها كتعويض!   الفلوس مش هتفيدني بحاجه اصلا ولا عمرها هترجع سنين عمري اللي راحت ولا الاهانه اللي كنت بشوفها منه والمعامله الوحشه اللي مش قادره انساها لحد دلوقتي منه .


ضاقت مهرة نظراتها وتأهبت حواسها من حديثها المستاء ذلك، و أكملت الأخري قائله  وهي تبتلع ريقها المرير في حلقها الجاف

بعد تنهيده طويله 


= بس سكت شويه وفكرت فيكي و قلت طب ما هي كمان كانت مراته وشافت اكتر مني خصوص انها كانت في عمر صغير زي كده، و هي كمان عمرها ضاع منها ولسه هيضيع اكتر لو فضلت كده متعلقه وما فيش حد جنبها يوعيها وبكره هتكون مطمع لكل واحد من اللي حواليها يقرب منها ويستغلها شويه وبعد كده يختفي زي غيره، وكمان أهلك مش معاكي او موجودين زي عدمهم ! عشان كده قابلت الفلوس وقلت انا هتبناها البنت دي وهعتبرها بنتي بجد هنقذها من الضياع اللي انا عشته و في نفس الوقت اعوض نفسي عن الحرمان واني مش بخلف ولا عمري سمعت كلمه ماما ولا عشت مشاعر الامومه زي اي ام، انا كنت راضيه بس دايما كانت بتروضني فكره ان انا ليه ما اتبناش و ليه ما عملتش الخطوه دي اصلا من زمان ! عشان كده لما فكرت فيكي ما ترددتش لحظه واحده عشان اعملها 


ثم نظرت لها مطولاً دون أن تبدل تعابير وجهها، و أضافت قائلة بمرارة 


= عشان كده مروه وجعتني امبارح أوي لما اهنتك ولما قالتلي بلاش تكدبي الكذبه و تصدقيها البنت دي مش بنتك مهما عملتي، وأني مش بخلف و عمري ما هكون أم!!. بس انا مسكتلهاش عشان انتٍ بنتي غصب عنها وعن اي حد! 


التمعت عيناها بدموع حزينه مؤلمة وهي تمسح برفق على ظهرها متسائلة بحذر 


= صحيح مش انا اللي خلفتك بس انتٍ بنتي، برده.. مش كده يا مهرة 


نظرت في اتجاهها بأعينها الباكية بحب صادق هامسًا لها بامتنان كبير 


= ماما وفاء انا بحبك اوي وانا فعلا بنتك زي ما انتٍ فعلا امي ! وما تخليش اي حد في الدنيا يقول غير كده ولا نسمحله، انتٍ لما عرضتٍ عليا تتبنني في الاول كنت خايفه أوي عشان كنت لسه ما اعرفكيش بس في خلال شهرين بس بدات اتعلق بيكٍ أوي من حنيتك اللي شفتها وحبك ليا واهتمامك اللي ما شفتوش من اهلي عشان كده ما تردتش لحظه واحده وبقيت اناديكٍ ماما من قبل ما تطلبيها مني عشان لقيتك تستحقيها فعلا .. ومش كل واحد او واحدة بيخلفوا يبقوا فعلا يستاهلوا يتقللهم بابا وماما عشان في ناس ما تستحقهاش زي اهلي و اللي وشفتوا منهم.. 


حركت الأخري رأسها بإيماءة واضحة دون أن تجيبها، فابتسمت لها بعذوبة ماسحًا بإبهامها عبراتها المنسابة على وجنتها وهي تضيف 


= وانا اسفه عشان ما اشتكتش ليكي في الاول، وحرامتك حتى من فكره انك تجيبي لي حقي زي اي ام .. بس انا عشان كنت خايفه اخسرك وما كنتش بحب اضايقك، بس اوعدك من هنا ورايحه هجري على حضنك انتٍ اول واحده و اشتكيلها من اي حاجه بتوجعني 


اختنق صوت وفاء أكثر، وهي تجيب بنبرة باكية


= حبيبتي، انا بحبك اوي يا مهره بحبك عشان انتٍ بنتي.. ومش هخلي اي حد في الدنيا دي ياذيكٍ طول ما انا موجوده.


قالتها وفاء وهي تقترب منها محدقًا فيها بنظرات أمومة صادقة، جذبتها إليها لتضمها في أحضانها فرفعت مهرة قبضتها لتحاوطها بذراعيها وهي تبتسم لأول مرة بسعادة بعد تلك اللحظات العويصة. 

تابع قراءة الفصل