-->

رواية جديدة حياة بعد التحديث الجزء الثاني من بدون ضمان لخديجة السيد - الفصل 8 - 1

 

 قراءة رواية حياة بعد التحديث

الجزء الثاني من بدون ضمان كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



رواية حياة بعد التحديث

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة خديجة السيد


الفصل الثامن

الجزء الأول

وفي إيطاليا كانت تسنيم تعيش اسعد ايام حياتها واخيرا بدأت تشعر انها زوجه بحق وحقيقي، وليس زواج مع ايقاف التنفيذ كما كانت تشعر! فحقا سالم عوضها عن تلك الأيام ولم يبخل عليها باي شيء هنا، وحاول بكل جديه ان يشعرها بالسعاده وينسيها تلك الأيام ويثبت لها ندمه وان تلك الفترة لم تعود مجدداً و يتجاهل أمرها ويجعلها تشعر بانها كانت هامش في حياته... وهي كانت لا تريد اكثر من ذلك الحب والاهتمام منه! وعندما عوضها عن ذلك بدات بالفعل تنسى تلك الفتره ويكفي بانه اعترف وندم عن ذلك، وبما أنها اول غلطه يفعلها في بدايه زواجهم؟ لذا تناست الأمر وسامحته .


بداخل الفندق بإيطاليا، وضعت يدها على وجنتها تتحسس بشرتها التي زادت سخونة بعد قضاها أسعد أيام مع حبها الوحيد و زوجها.. بدأت تشعر بالحيوية وبالطاقة و بالقوة والنشاط، اتجهت تسنيم نحو خزانة الملابس لتنتقي منها ما سترتديه بعد الاستحمام،لفت انتباهها ذلك القميص الحريري القصير حدقت فيه مطولاً متأملة لونه الزهري، تحسسته بأناملها شاعرة بملمسه الناعم، ابتسمت تشجع نفسها بانها سترتدي لتجذب أنظار زوجها بلونه المغري على جسدها، انسحبت بهدوء من الغرفه وتركت له المساحه الكافية يتحدث مع ابنته عبر الهاتف باريحيه . 


وبعد الاستحمام ابتسمت لنفسها برضا وسارت نحو الخارج متشوقة إلي نظراته و أحضانه عندما يراها، لكنها عندما تحركت للخارج تفاجأت من حالة سالم الصامته التي سيطرت عليه دون سابق إنذار! فهي تركته يتحدث مع ابنته عبر الهاتف ويطمئن عليها ودخلت الى المرحاض وكانت حالته غير ذلك من قبل! عقدت حاجبيها بتعجب متسائلة باستفهام


= مالك يا سالم في حاجه مضايقك هي ليلى كويسه.


دلك مؤخرة رأسه في حيرة، تمتم معها بإحباط


= اه الحمد لله كويسه بس زعلانه مني عشان سبتها فجاه كده من غير ما اقول لها على موضوع السفر هي ما قالتهاش في وشي بس انا ملاحظ من طريقه كلامها معايا، غير انها مش بترد على تليفوناتي من اول مره؟ وكل ما اسألها علي حاجه تجاوب باختصار وبتنهي المكالمه بسرعه وتعمل نفسها مشغوله انا عارف شغل القمص ده كويس.. 


ثم أخرج تنهيدة حارة وتقوس فمه للجانب مضيف 


= بس اعمل ايه لو كنت قلتلها على موضوع السفر عارف انها مش هتسكت وهتضايق جدا و وقتها انا هضعف قدامها ومش هعرف اعمل ايه، عشان كده حاولت اتكلم مع جدتها بهدوء وافهمها الوضع وهي بصراحه قالت لي ما فيش مشكله سافر وانا هتصرف معاها .


دارت حوله لتطوق كتفيه بذراعيها، ثم أسندت رأسها على كتفه هامسة له بتنهيدة تذيب القلوب


= معلش لما نرجع ان شاء الله صالحها، هي بس عشان طول عمرها شايفاك انت الاب والام و ما شافتش امها الله يرحمها كمان، عشان كده ملاحظه انها متعلقه بيك أوي.


ابتسم سالم قليلاً وهو يقول بصوت شارد


= ليلى كانت ملاكي اللي انقذني من فتره الاكتئاب اللي جاتلي زمان بعد موت والدتها وشعور الذنب اللي كان ملازمني وقتها، وانقذتني كمان من أي افكار سوداويه كانت مسيطره عليا اللحظه دي... عشانها بس ابتديت اتغير وارجع سالم بتاع زمان وقربنا من بعض في الفتره دي كتير جدآ وكان دايما عندي هدف واحد ان انا محرمهاش من حاجه ولا اخليها تحس ان انا قصرت معاها وانها محتاجه لوالدتها .. كان الموضوع صعب في البدايه عليا بس واحده واحده بقت هي حياتي كلها وما اعرفش ازاي بقينا احنا الاتنين كده قريبين للدرجه دي وبقت ليلي حياتي كلها واكثر من بنتي .


طبعت على صدغه قبلة مطولة متوقعة أن يتجاوب معها لكنه بدا أكثر شرود مما ظنت وهي تحاول لفت انتباه لها والي مظهرها، تنهدت تسنيم مطولاً بإحباط وابتعدت وهي تقول بنبرة مبتسمة بخفه


= خلي بالك عشان كده هابتدي اغير من ليلي انا كمان، عشان لما هي حياتك كلها انا دلوقتي بقيت ايه؟ ايه هتنساني تاني ولسه ما حرمتش من اللي حصل المره اللي فاتت .


حذرها بلطف وهو يمرر يده على ذراعها


= لا ابوس ايدك كفايه غيره انا اتهريت غيره 

كتير أوي من ام ليلى وليلى نفسها، والموضوع يا حبيبتي مش محتاج غيره ولا حاجه فإذا كانت هي حياتي كلها فانتٍ النور اللي منور حياتي دي ومن غيره ما اعرفش أعيش حياتي في الظلام .


اتسعت ابتسامتها حتى برزت نواجذه، وردت عليه بشقاوة 


= حاسه انك بتاكل بعقلي حلاوه وبتاخدني على قد عقلي بس ماشي هعديها عشان مش طالبه معايا نكد تاني حتي في شهر العسل بتاعي كمان .. يلا مش هنقوم نلبس وننزل بقى .


اقترحت خروجهم بعد أن فقدت الأمل بأنه ينظر إليها، ويشاهد ماذا ارتدت لاجله! لكن بدأت أن تعتاد على الأمر فعندما يتعلق اي شيء بليلي ابنته ينسى من حوله ولا يهتم بغيرها، لذلك حولت ان تتصرف بعقليه اكثر ولا تشعر بالغضب او الغيره فهي بالنهايه أبنته الوحيده، والامر سيحتاج وقت حتى يتعود على وجودها بحياته مثل ما اخبرها سابقاً .


رفع كفه يتلمس وجنتها برفق، وتلألأت عيناها بوميض الحب وهي تتأمل عينيه وهنا اكتفت بذلك منه فهي لا تريد غير حبه واهتمامة، ثم قال بصوت خفيض وهو يرمقها بنظرات والهة


= حاضر يا قلبي انتٍ تامري، شوفي عايزه تروحي فين المره دي واختاري انتٍ، انا عرفتك على كل الاماكن اللي عندي علم بيها.. المره دي انتٍ بقى شوفي مطاعم حلوه من على النت .


وبعد فترة اختارت تسنيم أن يذهبون إلي باخرة في شاطئ البحر وتقدم سالم لحافة الباخرة وترك لرئتيه حرية التنفس بأستنشاق الهواء وتمتم براحه


= الجو جميل بشكل كان عندك حق لما اقترحتي المكان ده .


وضع إصبعيه على طرف ذقنه يفركه قليلاً، ثم أخرج تنهيدة حارة من صدره هامسًا بتسائل باهتمام


= مبسوطه يا حبيبتي.


تهللت اساريرها واقتربت منه تحتضنه وأجابت قائله 


= أنا فعلا مبسوطه اوي يا سالم... بس مش

مبسوطه عشان الرحله... مبسوطه اني بكون

معاك


ابتسم وهو يضمها نحوه وبعدها عنه قليلا

يتأمل ملامحها


= لا كده بعد الكلام ده نخلي الاقامه بدل اسبوعين.. شهر عسل بحاله


ردت بنبرة ناعمة وهي تتحسس صدره برقة


= هتقدر؟ انا عن نفسي ما عنديش مانع وانت عارف كده كويس.


ارتسم على محياه ابتسامة عريضة، وهو يتحدث بمزاح


= اه عشان ليلي تقتلنا سوا إحنا الإثنين، مش كده؟ دي زمانها بتعد الساعات دلوقتي عشان نرجع وهي مستحمله اسبوعين بالعافيه ما بالك لما تعرف هنقعد شهر .


عبست بوجهها بطريقة مثيرة للضحك مرددًة بضيق زائف


= و انت لما هتصدق وهتسيبها تنتقم مني صح.


حاوطها أكثر بذراعيه معمقًا نظراته نحوها، وهمس لها بتنهيدة متقدة بأشواق العشق


= بأحبك! وعمري ما هاسيبك!


❈-❈-❈


في تلك المنطقة بأحد الشوارع، أحضرت أحد العملات بداخل صالون التجميل المبخرة وبدأت تلف بها بالمحل ثم وقفت على مقربة من ربه عملها حسناء، وهتفت بحماس 


= رقيتك واسترقيتك يا ست حسناء من عين الحاسدين، ومن كل عين شفتك وما صلتش على النبي .


سعلت حسناء من كمية الدخان المنبعثة من المبخرة، هاتفه بصوت محتقن


= آآ ايه ده... خلاص يابت هاتخنق، كح ... ابعدي القرف ده عني بقى .


أبتسمت رحمه وهي تقول بنبرة تباهي 


= الله مش بأرقيكي يا ست حسناء بدل ما العين تصيبك من حد في أم الحاره اللي تندب في عينهم رصــاصة دول؟ بالذات اللي عينهم هتطلع على جمالك اللي ما لوش زي. 


أشارت حسناء إليها بيدها لترحل، وهي تردف بامتعاض


= خلاص يا اختي كفايه كده بقى و روحي بعيد عني، واطفي البتاع ده عشان ما يخنقش الزباين في المحل ويطفشوا .


بينما في تلك اللحظه كانت تسير تلك الفتاه، بداخل صالون التجميل تنظر حولها باهتمام واعجاب حتي توقفت فجاه في مكانها وهي تنظر الى حسناء بعدم تصديق


= حسناء يخرب بيت عقلك ما عرفتكيش في الاول.


رفعت حسناء راسها لها بذهول بينما نظرت الأخري لها بتمعن متفحصة ملامحها ومفاتنها من رأسها حتى أخمص قدميها بتعجب وهي تقول 


= بس إيش إيش، ايه يا بت الحلاوة دي كلها 


رمقتها بنظرات مصدومة لرؤيه تلك الفتاة أمامها، وردت بنزق 


= زبيده ! خير 


سألتها بفضول وهي مسلطه أنظارها على مظهرها المثير الذي تغير كله


= كنت داخله اشوف الكوافير اللي فاتح جديد وبيقولوا عليه ده لقيتك قاعده هنا؟ و واحده من اللي شغالين عندك قالتلي صاحبه الكوافير قاعدة هناك لو عاوزه تعملي خصومات... عشان عقبال عندك هتخطب آخر الشهر ده


استقبلتها بفتور لم تبذل جهدًا في إخفائه، قائلة بتهكم


= اه وماله مبروك ربنا يتمملك على خير هو المحل لسه جديد وما كنتش ناويه اعمل خصومات بسبب المصاريف اللي صرفتها والدعايه، بس هعمل لك عشان بس انتٍ كنتي جارتي زمان واعرفك .


عقدت حاجبيها بتعجب متسائلة باهتمام كبير


= بنت يا حسناء انتٍ جبتي الفلوس دي كلها منين؟ وايه النعمة اللي ظهرت عليكي فجاه ماشاء الله دي؟ مع إنك يعني طول عمرك عايشه في الفقر واللي رايح على قد اللي جاي


نظرت لها بقسوة و هتفت فيها بحدة


= إنتٍ هتأري عليا ولا إيه؟ مالك يا زبيده صلي على النبي يا اختي وامسكي الخشب هيكون جبت الفلوس دي منين يعني دي كلها عرقي وشقايه من الشغل؟ بعد ما اطلقت بقيت اشتغل هنا وهناك عشان أجيب فلوس 


لوت ثغرها للجانب بسخرية قائله بعدم تصديق


= شغل ايه يا اختي اللي يجيب المحل ده كله؟ وانتٍ اصلا ما تعرفيش تشتغلي ولا عمرك جربتي، واهلك على قد حالهم مش هنقول وريثتي حتى و اللقمه كنتوا بتجيبوها بالعافيه انتٍ وجوزك قبل ما يتسجن، ولا حماكي اللي كان بيموت على القرش و بيع بنته لواحد اكبر منه في السن عشان الفلوس وفي الآخر اتسرقت منه و آآآ...


صمتت للحظة ثم أضافت بشك أجفل جسد الأخري


= يا نهارك أسود يا بنت، لا تكوني انتٍ اللي سرقتي فلوس حماكي؟ اتاريكي رمي عيالك عند امك ولا بتسالي فيهم يا جبروتك .


إبتلعت ريقها متوجسة وحاولت رسم الثبات أمامها حتي لا تثير الشك بها أكثر، ثم أجابتها ببرود وهي تحك طرف ذقنها


= وبعدها لك يا زبيده ما تخلي بالك من كلامك انا مش حراميه يا اختي، وبعدين انتٍ مالك أجيب فلوس مطرح ما اجيبها، مالك نازله قري وحسد عليا كده ليه


هزت راسها برفض وهي تردف بجدية


= لا يا حلوة مش بقر، بس مستغربه عشان انا عارفه اللي فيها .


نظرت لها بجمود غير عابيء بشكوكها، وردت ببرود


= عادي، مافيش حاجة غريبة في الزمن ده ! ويلا بقى من هنا عشان مش ناقصه وجع دماغ ورايا شغل كتير.. عاوزه اي حاجه عندك الناس اللي بتشتغل هنا اساليهم ولو مش عاوزه يبقي طرقينا وامشي من هنا انا مش فاضيه للقرف ده .


اشتعلت زبيدة حدقتاها من أسلوبها المسيء فصاحت بعصبية


= ما بالراحه على نفسك اللي عطاكٍ يعطينا و ربنا انتٍ شكلك سرقتي حماكي هو انا مش عارفاكي طول عمرك بتموتي على القرش زيه، وتعملي اي حاجه في الدنيا عشان الفلوس.. ده حتى جوزك اتطلقتي منه لما اتسجن واترمى في السجن عشان بيسرق يبقى انتٍ مش هتسرقي.


ضغطت على شفتيها بنفاذ صبر قائله بحنق


= هو انتٍ مش ناويه تتلمي وتسكتي ما فيش حاجه من الكلام ده .. عندك دليل يا حبيبتي اطلعي على الحكومه مش همسك فيكي، و محدش يهمني ولا لي عندي حاجه .


قست زبيدة نظراتها موضحة


= هو انتٍ برده هتسيبي وراكي دليل؟ لا و يومها انا فاكره كويس عملتي نفسك كانك عند امك وجايبه العيال من بره وما تعرفيش حاجه، وطالما متعصبه أوي كده يبقى كلامي صح؟ ما هو بالعقل كده هتلحقي تجيبي كل الفلوس دي منين وتقولي لي شغل؟ على كده بقى الفلوس اللي سرقتيها كانوا كام ؟. 


لم تجد حسناء بأن حديثها معها له فائدة، لذا نظرت إليها بغضب و قالت بصراخ


= بنت يا رحــمــه، شوفي اتنين ستات عفايه من اللي بيشتغلوا هنا وخليهم يسحبوا الوليه دي على بره أنا مش ناقصة وجع دماغ وعلى الله تدخل هنا تاني، و لو حد لمحها اطردوها على طول بره .


صاحت زبيدة فيها بصوت غاضب مهددة بيدها


= يا بنت الكلب يا حسناء، بتطرديني انا .. اوعي منك ليها يا وليه انتٍ الثانيه، انا طالعه من غير حاجه بس خليكي فاكراها كويس يا حسناء .


❈-❈-❈


في دار الرعايه، وصل بدر وهو يحمل الفتيات

ليتركهم مع السيدة عواطف كالعاده، لكن تفاجأ تلك المره بان الغرفه فارغه وعامله النظافه بها فقط، وعندما حاول الاستفسار منها عن أين ذهبت السيدة لم تعطيه اهتمام كبير و واصلت تنظيف الغرفه، ظل بدر مكانه يبحث بعيناه عنها حتى لمح فريده كانت تجلس فوق مكتب بجانب وهي تكتب بعض الملاحظات في دفتر أمامها، أقترب منها بدون تفكير وحمحم قائلا لجذب انتباهها 


= صباح الخير 


رفعت راسها له ولم تجيب عليه، استغرب ذلك فهو تذكرها، لكن واصل حديثه وهو يقول متسائلا بتوتر 


= معلش انا كنت عاوز أسأل على خالتي عواطف اصل ما لقيتهاش في الاوضه بتاعتها وكانت في واحده بتنظف الاوضه وما رضيتش تستنى اسألها حتي وقفلت الباب على طول، وما عرفتش اسال مين وانا قلقان عليها هي راحت فين .


هزت رأسها وهي تجيبه باختصار بعد أن أبعدت عينيها عنه


= عندها جلسه علاج فوق مع الدكتور وفي الوقت ده العاملين بيستغلوا الوقت عشان ينظفوا الاوضه عشان كده هي مش فاضيه ترد على حضرتك، بس فاضل لها حوالي ربع ساعه وتخلص الجلسه ممكن تستناه هنا .


تنهد بدر براحه وتفهم ثم قال بهدوء


= طب الحمد لله إني اطمنت عليها وشكرا لحضرتك .


تحرك ليجلس فوق مقعد جانبها أما الفتيات كأن يحمل كل واحده بذراع بالاضافه الى الحقيبه الخاصة بهم والتي أنزلها أرضا، وكانت أحد الفتيات تبكي ويحاول بدر تهديئتها لكنه يفشل بسبب حمل الأخرى وهي لم تصمت بعد، و كانت تلاحظ ذلك فريده لكن حاولت ان تتجاهل الأمر ولم تعطيه اهتمام أو تعرض عليه مساعده.. واصطنعت الانشغال فيما تفعله لكن تعالى صوت الصغيره الأخري أيضا بالبكاء أشد فجاه جعل قلبها يرق لتترك القلم من بين يديها بيأس وهي تقول بتردد واضـح 


= هات عنك واحده اشيلها شويه وسكت انت التانيه .


نظر بدر إليها عدة ثواني قبل أن يهز رأسه بامتنان بقله حيلة، واقتربت فريدة منه لتسحب الطفله من بين ذراعيه، وحملتها بين أحضانها ليعود شعور دافئ عجيب يتخلل روحها البارده بالاصح التي كانت بارده، لا تعرف لما تشعر دائما بذلك الشعور عندما تنظر الى الطفلتين او تحمل واحده منهم! ربما لانها فقدت ذلك الإحساس عندما أبتعد عنها الجميع، حاولت تجاهل ذلك الشعور، مهدئة الصغيرة وهي تقول بخفوت 


= هشش خلاص أهدي، ليه كل العياط ده انا مش عارفه انتٍ اللي شلتك المره اللي فاتت ولا اختك اصلكوا شبه بعض أوي 


رد بدر مبتسمًا وهو يشير بحاجبيه


= اللي معاكي دي اللي كانت معاكي المره اللي فاتت نفسها و إسمها ملك .. ودي ملاك . 


وضعت الطفله ملك سبابتها بين شفتيها فضحكت فريدة عليها بخفه، ثم لاحظت ملابسها الكثيرة التي كانت تريدها وعلقت متحدثة 


= بس مالك متقل لها كده الهدوم، قول للي بتلبسهم تخفف شويه الهدوم الجو حر والاطفال مش بيستحملوا زينا .


تنحنح بخشونة قائلاً بحرج طفيف


= ما اصل الجو شويه كده وشويه كده، و انا ما عرفتش بصراحه المفروض اتقل ولا اخفف كنت بخاف يتعبوا بسبب كده وبعدين حد قال لي قبل كده اني طالما من اول السنه لبستهم الهدوم دي ما حاولش اقلل ولا اخفف عشان ما يتعبوش وانا حسب كلامهم بمشي بصراحه .


فهمت الأخري بأن مسؤوليتهم هو من يتحملها بمفرده ويعاني من تلك الأمر و يتابع اقتراح و تعليمات اي شخص له دون ان يتاكد بأنها صحيح ام خطأ، ضحكت الطفله بعدما حملتها فريدة و هديت تماماً، وابتسمت هي بحب علي طفولتها التي تأسرها،ومسحت علي ظهرها بنعومه شديده وهي تجيب عليه باهتمام


= ابقى خفف لهم واحده واحده عشان ما يتعبوش منك، بس لما تتاكد الاول ان الجو ظبط.. وبلاش كمان حكايه البزازه اللي في البق دي علي طول ده دي بتتعب اكتر حاجه لانها اكيد بتقع منهم كذا مره .


أخرج تنهيدة حارة من صدره هامسًا بضيق شديد وهو يشعر بأنه مقصر نحو الفتيات؟ فمهما يفعل يجد الأمر ما زال يحتاج الى اهتمام أكبر وأحيانا يخطأ 


= ما انا كل ما باخد بالي من كده بحاول اغسلها كويس والله بس هم مش بيسكتوا غير بيها .


انحنت فريدة على كف الصغيرة تقبلها وهي

تقول بنبرة خافض


= اكيد عودتها عليهم حاول تبطلها باسرع وقت احسن ما يتعبوا منها، انا ما اعرفش بيسننوا ولا لاء بس لما تحس بكده هات حاجه اسمها عضاضه من الصيدلية لوقت محدد وبعد كده ارميها .


قرب بدر وجهه من طفلته التي يحملها مقبلا كل إنشً بها برفق وهو يبتسم بعذوبه شديده، ثم نظر إلي الطفله الأخري المُنشغلة بوضع سبابتها في فمها وقال بتعب 


= تمام شكراً هعمل بكلامك ان شاء الله، اكيد انتٍ اكبر خبره عني وعندك أولاد ومريتي بالكلام ده، بس حقيقي الموضوع صعب والله يكون في عونكم .


أصدت الصغيرة صوت هادئ كإنها تشارك الحديث معهن فإبتسمت فريدة وأجلستها علي قدميها تنظر إليها بحنو وهمست بحزن شديد فشلت في إخفاءه 


= طنط عواطف جت هناك اهي، انا لازم امشي عشان عندي شغل اتفضل خد البنت .


لاحظ بدر الوجوم الذي حل على قسماتها، و رأى ذلك الحزن البائن في نظراتها! لكن لم يجد له تفسير؟ ونهضت فريدة بسرعه و أعطته الطفله والقت عليها نظرة عميقة، فوجدت يداها تلعب في الهواء فإبتسمت بألم شديد قبل أن ترحل بخطوات سريعة، عقد بدر حاجبيه باستغراب وهو يراقبها بعدم فهم بينما اقتربت عواطف بخطوات ثقيله وهي تقول مبتسمة باهتمام


= شايفاكي يعني بقيت تاخد وتدي معاها في الكلام، بس شكلها عجبتك صح.


نظر لها لعدة لحظات بعدم فهم وأجابها قائلاً

بغرابة


= لا مش فاهم قصدك، بتتكلمي على مين ومين دي اللي عجباني 


شعرت بالانزعاج منه فأكدت حديثها موضحة


= هو انا كل ما أسألك عليها ما تفهمش قصدي يا ابني العروسه اللي قلت لك عليها قبل كده، ما انت كنت قاعد معاها من شويه واديتك البنت ومشيت .


ارتفع حاجبي بدر للأعلى في ذهول تام، بدت علامات الاندهاش جلية على قسماته فلم يطرأ بباله أن تكون تلك الفتاة التي تقابل معها بالصدفه مرتين هي نفسها العروس المقترحه، ليقول بارتباك ملحوظ


= انتٍ تقصدي ان البنت الممرضه اللي كانت معايا من شويه، هي دي الممرضه نفسها اللي كنتي عاوزه تجوزهالي؟؟ انا كنتش اعرف انا جيت سالتها عنك عادي وبعد كده قعدت جنبها وآآ 


صمت لحظة واحدة يتذكر كلماته إليها، ليقول معاتب نفسه بشدة 


= كمان اتسحبت من لساني وقلتلها اكيد عندك اولاد وبتراعيهم عشان كده فاهمه في تربيه الاطفال، بس ما كنتش اعرف هي نفسها اللي تقصديها الممرضه المطلقه واللي مش بتخلف .


قالت عواطف بودٍ


= طب اديك عرفتها الحمد لله واتقابلته ايه رأيك، حلوه وجميله مش كده وشكلها ما شاء الله عليها بتفهم في مواضيع تربية الأطفال دي وعارفه بس هي مشكلتها انها رافضه فكره الجواز خالص .


انتبه إلي كلماتها بدهشة وعلق بشك


= هو انتٍ كمان فتحتي معاها الموضوع؟ معني كده هي عارفه ان انا العريس.


قالت عواطف بصوتٍ هادئ لكنه واثق


= طالما عرفت انك ابو البنات دول، يبقى اكيد عرفت ان انت العريس بس لما فتحتها هبت فيا وفهمتني غلط ومن ساعتها بتتعامل معايا يا دوبك السلام وخلاص . 


شرد بدر في نظراتها الدافئة إلي أطفالة وطريقتها في التعامل مع ابنته و التي كانت واضحة للعيان فابتسم رغم عنه، ثم تمتم متسائلاً بحذر


= فهمتك غلط ازاي فهميني قالت لك ايه بالظبط؟. 


❈-❈-❈


في تلك المنطقة الشعبية بداخل أحد المطاعم البسيطه لبيع وجبات الكشري، تناول ذلك الراجل الذي يدعي فرج السيجارة، من خلف أذنه وهو يرد بإقتضاب 


= ما خلاص بقى يا زبيده من ساعه ما جيتي وانتٍ عماله تشتكي وتحكي اللي حصل مع الوليه اللي طردتك من المحل بتاعها دي، كبري دماغك بقى منها .


صرت زبيدة علي أسنانها بعصبية واضحة وهي تقول بسخرية


= اكبر دماغي منها؟ يعني ايه مش هتجيبلي حقي بقول لك طردتني قدام الناس كلها اللي في المحل وشتمتني.. كل ده عشان واجهتها بحقيقتها الحراميه صحيح هاخد منها إيه؟ طلقها وحرامي ومرمي في السجن وهي راميه عيالها عند أمها وما تعرفش عنهم حاجه وحماها سرقته بعد ما باع بنته 


سألها الآخر باستخفاف وهو يشعل سيجارته 


= ايه العيله اللي كلها مش طايقه بعضيها دي، انتٍ كنتي تعرفيهم منين أصلا و كلهم حراميه في بعض كده؟ ما فيش حد في العيله كويس! وبعدين انتٍ متاكده أوي من حكايه انها سرقت حماها دي.


عقدت زبيدة ساعديها أمام صدرها، وأشاحت بوجهها للجانب وأجابت بثقة 


= كنا جيران زمان وكنت مش بشوفها غير لمصلحتها لما تعوز مني فلوس تيجي تستلفها مني عشان مش لاقيه لقمه حاف تاكلها، و دلوقتي بقي معاها اللي مش معايا دي طول عمرها ولا تفهم حاجه ولا بتعرف تشتغل وحتى لو اشتغلت في اقل من سنه هيبقى معاها محل كبير زي ده؟ بقول لك متاكده 100% انها سرقت حماها .. ده الراجل قعد يولول في الطريق والناس رايحه و جايه يتفرجوا عليه وكان بيقول الفلوس ياجي حاولوا 300 الف ولا اكتر .


نفث فرج دخان سيجارته في الهواء، وصمت يفكر بالحديث بتريث أكثر ثم أردف قائلا باهتمام


= طب بقول لك ايه ما تفهميني الحكايه من الاول كده واحده واحده، ممكن اعرف اجيبلك حقك ازاي منها و اقهرها واخليها تندم على الساعه اللي فكرت تزعلك فيها .


❈-❈-❈


خلال تلك الساعات، إستمرت الأجواء الهادئة سائدة في دار الرعاية دون وجود ما يعكر الصفو العام، حتي اقترب بدر بخطوات بسيطة ليقف امام فريدة التي كانت تجلس فوق مقعد المكتب، لوت ثغرها مردده بضجر


= انت! خير في ايه تاني؟ مش مدام عواطف رجعت الاوضه 


فرك هو موخرة رأسه بإحراج وهو يجيب بصوت متوتر للغاية


=انا بصراحه جاي لحضرتك! أصل مدام عواطف قالتلي من شويه ان انتٍ آآ يعني الـ.. عرضت عليكي موضوع ان انا عاوز اتجوز و انتٍ رفضتي .


احتقن وجهها بصورة بائنة وهي تقول بغيظ


= طب لما انت عارف الاجابه جاي تقولي ليه


تفرس بدر في وجهها محللاً تعبيراتها المتجهمة وهو يسألها 


= عشان أنا عايز افتح معاكي الموضوع تاني

بس المره دي نفسي تديني فرصه، ما ينفعش ترفضي على طول غير لما نتكلم الاول مع بعض وتفهمي انا ليه عاوز ارتبط بيكي .


أجابته فريدة بامتعاض


= مش عاوزه افهم ولا أعرف انت ليه عاوز تتجوز، حياتك وانت حر فيها وانا كمان حره اوافق ولا أرفض الموضوع اكيد مش بالعافيه مش كده. 


ازداد انعقاد ما بين حاجبيه خاصة أنه لم يكن مقتنعًا بردها، وقال باهتمام


= اكيد طبعا ما حدش هيغصبك على حاجه مش عاوزاها، و انتٍ لو اديتيني فرصه نتكلم ورفضتي بعدها انا هختفي ومش هضايقك ثاني.. بس خالتي قالت لي ان انتٍ رفضتي الموضوع على طول من غير ما تسمعيها ولا تفهمي هي تقصد ايه؟ وفهمتي كلامها غلط كمان هي مش قصدها تجرحك ولا تقلل منك خالص


ساد صمت متوتر بينهما حاول خلاله الوصول لحل ما مرضي لجميع الأطراف، ثم اقترح عليها بدر بعد لحظات من التفكير الصامت


= كل اللي عاوزه منك انك توافقي تسمعيني ونقعد نتكلم في مكان عام، وكل واحد يعرف اسبابه وانا كمان من حقي اعرف اسباب الرفض .


بدأت عابسًه نوعًا ما، وهي تصغي إلى حديث بدر بفتور واضح عليها، عبث بالقلم الحبري المسنود على المكتب محدقة فيه بشرود، ثم زفرت قائلة بملل


= متاكد من كلامك مش ممكن بعد ما تقعد معايا وتسمعني انتٍ اللي ترفض بنفسك ؟. 


اندهش من حديثها الغير مفهوم، وقال بتعجب متسائلاً


= وهعمل كده ليه؟ ايه اللي ممكن تقولهلي تخليني ارفض، طب لو كلامك صح اديني حتى الفرصه دي عشان اعرف ليه رافضه الموضوع وبعد كده القرار ليا 


أومــأت بالإيجاب قائلة بتحدي، وثقة بأنه سيتراجع عن فكرة الإرتباط منها عندما يعرف ما تخفيه 


= تمام وانا موافقه، بس مش هينفع النهارده عندي شغل كتير.


هز رأسه مبتسمًا بهدوء


= تمام في الوقت اللي انتٍ تختاريه هعدي عليكي واخدك ونروح اي مكان نقعد فيه ونتكلم براحتنا


هزت رأسها نافية وهي تقول بجدية


= لا احنا مش هنخرج بره الدار ممكن نقعد في كافتيريات الدار اللي هنا


أشار بدر بيده موضحًا


= زي ما تحبي بس أنا قولت نخرج بره بدل ما حد يشوفك معايا ويفهم غلط؟ لما نقعد مع بعض والناس رايحه جايه، وممكن حد من الدار هنا، يشوفك معايا ويفهم غلط واحنا لسه ما فيش حاجه بينا رسمي وكله مجرد كلام 


أجابته فريدة مبررة ببساطة


= ما هم برده لو شافونا بره في اي كافتيريا هيتكلموا ويقولوا؟ لو ما فيش حاجه بينهم كانوا قعدوا قصادنا؟ يعني في الحالتين هيتكلموا غير كده انا اخر واحده يهمني كلام الناس.


هز بدر رأسه بتفهم وهو يرد متعجبًا من حديثها الغريب نوعا ما، و الذي لا داعي له


= ماشي اللي انتٍ عاوزاه، يناسبك آخر الأسبوع ده .


خرج بدر بعد أن تم تحديد الموعد بينهما، بينما على الجانب الآخر كان آسر يقف صامتا يراقبهم من بعيد! للمرة الثانية يرى نفس الشخص واقفاً مع فريدة؟ مما زاد من شكوكه تجاهها أكثر من ذي قبل! استدار ليغادر بهدوء، غير مصدق أن فريدة من الممكن أن ترتبط  بشخص آخر مرة أخرى وتتركه..حتى بعد أن عاد نادما!!


تابع قراءة الفصل