-->

رواية جديدة حياة بعد التحديث الجزء الثاني من بدون ضمان لخديجة السيد - الفصل 6 - 1


 قراءة رواية حياة بعد التحديث

الجزء الثاني من بدون ضمان كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



رواية حياة بعد التحديث

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة خديجة السيد


الفصل السادس

الجزء الأول

 

في منزل وفاء، انتهت هي من تحضير السندوتشات إلى مهره لتدخل الى غرفتها بملامح حنونه واقتربت من مكتبها الصغير لتضع الطبق فوقه و رفعت الأخري رأسها لها بإبتسامة هادئة، و بادلتها الإبتسامة وفاء وهي تردف بتحذير

 

= حبيبتي ما تجهديش نفسك في المذاكرة كتير ولو حسيتي نفسك تعبانه كفايه كده وقومي نامي عشان صحتك، اتفقنا .

 

ظلت مهرة نظراتها نحوها هامسة وهي تهز كتفيها

 

= ما تقلقيش يا ماما روحي انتٍ نامي و ما تخافيش عليا.. تصبحي على خير .

 

نظرت إليها وفاء بقلق شديد، فقد عادت إليها الكوابيس في الفترة السابقة، وكعادتها ترفض الخضوع وتذهب إلى طبيب نفسي حتى يراها، ولعل حالتها الصحية والنفسية تتحسن أيضا. لكن مهرة ترفض هذه الفكرة دائمًا، على أمل أن تزول الكوابيس دون أن تتخذ تلك الخطوة، فهي لا تريد الذهاب. إلى الطبيب وتبدأ بالحديث عن قصة حياتها ومآسيها التي تحاول نسيانها بصعوبة بالغة، لكنها تفشل دائمًا.

 

رحلت وفاء الى غرفتها وصعدت فوق فراشها وقبل أن تغمض عينيها استعاد للنوم استمعت الى رنات هاتفها، برقم سراج لم تتفاجا فبهذه الأيام أصبح يتصل بها كثيراً لكن حديثهم لا يخرج عن اطار العمل فقط، أجابته وفاء بصوتها المتحشرج

 

= ازيك يا استاذ سراج اخبار حضرتك ايه؟ واخبار الشغل .

 

جاء صوت سراج المبتسم يرد

 

= الحمد لله كل حاجه ماشيه تمام، وانا كويس بس انا بتصل بيكٍ النهارده مخصوص عشان أشكرك على موضوع الشقه اللي رضيتي تبيعها

اخيرا ما تتصوريش عمي فرح بيها قد ايه

بجد شكراً جداً، كنت دايما شايل هم الموضوع ده ان لا قدر الله يحصل له حاجه قبل ما افرحه في آخر أيامه .

 

أبتسمت بتفهم وهي تجيب عليه بهدوء

 

= ربنا يخليهلك وانا ما عملتش حاجه، و كان لازم اعمل كده من الأول اصلا طالما اتاكد من نيتك الكويسه و كل اللي عاوز تعمله تسعد راجل كبير وترد له الجميل.. وفاهمه كمان كويس ان موضوع الشغل ده دخلتني فيه وساعدتني رغم ان انا مش هفيدك بحاجه بس عشان خاطر موضوع عمك

 

هز رأسه سراج وهو يواصل حديثه بنفس النبره الهادئة

 

= بس انتٍ بالنسبه لي عملتي خدمه كبيره أوي، وكنت عاوز اردهالك باي شكل وما لقيتش قدامي اساعدك غير بالطريقه دي وانا مش ندمان ولا حاجه اني دخلتك شريكه معايا

وبعدين مين عالم؟ ممكن الخطوه دي تكون فرصه كويسه لينا ونبدا شغل كتير مع بعض وصدقيني انتٍ ذكيه وبتحبي تجتهدي وتتعبي في الحاجه لو بتفهمي فيها وانا ممكن واحده واحده افهمك الموضوع وتيجي حتى هنا وتشتغلي معايا لو حابه  .

 

ضحكت وفاء بعدم تصديق وهي تقول بنبرة متوترة

 

= اجي فين تركيا، الموضوع صعب شويه انا اهلي وناسي ومدرسه بنتي واصحابها وكل حياتي هنا وما فكرتش خالص ان انا ممكن أسافر برة مصر في يوم.

 

اجاب سراج باهتمام وتفهم جيد الامر بالنسبه لها

 

= كل حد بيسافر وبيتغرب بيقول نفس الكلمتين دول في البدايه، حتى انا بس مع الوقت بتتعودي على الحياه هناك خصوصا لما تحققي نجاح وعيله وكيان ليكي، هتحبي الحياه بعد كده وتتعودي عليها، صحيح هيجي عليكي أيام وتشتاقي لبلدك اللي اتربيتي فيها .. بس ده شعور طبيعي وعادي تحسي بيه وبتحولي تواسي نفسك بالزيارات كل مده.

 

هزت وفاء رأسها بتفهم ومع ذلك ردت بحرج قليل

 

= متهيالي نسيبنا من موضوع اني اسافر ده شويه على جنب، ونركز انك ممكن تعلمني الشغل من هنا افضل، و انت قلتلي الكلام ده قبل كده ممكن اشتغل من هنا واتابع الشغل عن طريق النت .

 

وبعد ذلك استمر الحديث بينهما ساعة بعد ساعة ولم يشعرا بالوقت، حيث أخذهما الحديث إلى موضوع آخر، حيث بدأ سراج يتحدث عن حياته الشخصية قائلا إنه سافر إلى تركيا عندما كان في العشرين من عمره  وأكمل دراسته هناك، ثم تزوج من امرأة تركية وأنجب منها طفله الوحيد “رسلان”. وروى كيف ساعدت زوجته كثيراً في مشروعه حتى بدأ اسمه ينمو وينتشر هناك في تركيا. وبعد سنوات توفيت زوجته وحزن جداً على فراقها لأنه لم يكن لديه أصدقاء أو أي أشخاص آخرين مقربين منه في ذلك الوقت، وبدأت وفاء تتفاعل معه بالحديث وتواسيه بالكلمات الودوده، وبدأ الأخر يسألها عن حياتها الشخصية ومتى توفي زوجها وكيف مات، ورغم ضيقها من تلك الذكرى إلا أنها ردت باقتضاب وأجابت اجابات باختصار شديد. وبعد فترة هتف فجاه بصدمه

 

= ايه ده؟ تصوري أن عدي اكتر من ثلاث ساعات واحنا بنتكلم عن حياتنا وما حسيناش بيهم، الوقت خدنا من غير ما نحس

 

اتسعت عيناها بذهول وهي تنظر إلى ساعه الحائط أمامها وقالت بعدم تصديق

 

= ايه ده معقول انا الساعه فعلا عندي أربعه الفجر يا نهار ابيض، انا ازاي ما ركزتش ولا خدت بالي من الوقت ده .. الكلام فعلا خدنا و محسناش خالص، انا اسفه اكيد عطلتك على شغلك وحاجات كتير .

 

هز رأسه سراج برفض، ثم أخرج تنهيدة مشحونة من صدره قائلاً بنبرة عميقة

 

= لا خالص، انا طول ما بصحى بفضل اشتغل فمش هيجرى حاجه لو اخذت كام ساعه راحه شويه وبعدين انا ما اتضايقتش ومعنى ان احنا فضلنا اكثر من ثلاث ساعات بنتكلم من غير ما احس على نفسي؟  فدا مؤشر كويس ليا ان انا اتبسط وما ضيعتش وقتي على الفاضي، و الفضفضه معاكي كانت شيء جميل واتبسط بالحكاوي اللي حكيناها لبعض .

 

اختنق صوتها بخجل طفيفة وهي تقول بارتباك ملحوظ

 

= طب انا لازم اقفل بقى، عن إذن حضرتك مع السلامة.

 

--

 

= إيه القمر دول، بسم الله ما شاء الله دول احفادك؟ بس اول مره اشوفهم معاكي ما كانوش بيجوا قبل كده ليه

 

قالتها فريدة وهي تطل برأسها من خلف الباب راسمة على ثغرها ابتسامة لطيفة محببة ظهرت عندما شاهدت تلك الطفلتين اللذين يرقدون فوق فراش عواطف! حدقت عواطف فيها بأعينها بحنان وهي تقول

 

= هم زي احفادي كده، دول بنات بدر اللي بيجي يزورني كل فتره هنا، كنا جيران زمان قبل ما اولادي يموتوا في الحرب وابقى لوحدي واجي هنا الدار.. في الخير بدر ده و تقريبا هو الوحيد اللي بيجي هنا يزورني، دول بناته وما لوش غيرهم، مراته أصلها الله يرحمها ماتت بعد ما ولدتهم وسابتهم لي يرعاهم ويهتم بيهم لوحده .

 

التفتت بأنظارها إلى الصغار النائمين على فراشها محدقة فيهم بأسف كبير، و غمغمت بحزن عليهم

 

= ربنا يرحمها البركه، فيه بقى

 

ردت قائلة باستغلال للأمر بابتسامة لطيفة

 

= اه يا عيني ربنا معاه ويقدره على الحمل والمسؤوليه الكبيره اللي شايلها لوحده، بس هو للامانه مش سايبهم ده بيغسل ويطبخ ويشتغل ويراعيهم وكل ده لوحده ! ولما لقيته عاوز يوديهم حضانه خاصه ترعاهم خفت عليهم وقلت له هاتهم هنا عندي .

 

ثم تابعت حديثها مضيفة بقصد باهتمام كبير

 

= ابن حلال بدر ده وما فيش منه وطيب وحنين اوي، هي بس الدنيا اللي جايه عليه اصل يا عيني يتيم اتربى في ملجأ أيتام لحد سن ١٢ سنه كده جت واحده اتبنته اللي هي كانت جارتي زمان بس ماتت وبعد كده اتجوز مراته وماتت برضه بعد ما ولدت الطفلين دول وسابته لوحده، هو بيشتغل في ورشه تصليح سيارات ايده تتلف في حرير والناس بتجيله من اخر الدنيا عشان تصلح عنده أصله بيتقي ربنا في اسعاره وفي شغلة.. ولا فروض ربنا مش بيسيبها ده بيصلي و...

 

اقتربت فريدة لتعطيها الدواء، بينما لم تتوقف الأخرى عن الثرثرة عن هذا الشخص الذي يدعى بدر وكيف أنه شخص شهم، وبدأت تروي حياته الشخصية وعمله أيضًا، مما جعل فريدة تنظر إليها بنظرة متطرفة بالضيق، ثم قاطعتها بهدوء زائف

 

=طنط عواطف في حاجه حضرتك انا كل اللي سالته دول احفادك ، بس فجاه دخلتيني في حوارات كثير وعماله تحكيلي عن ابوهم وبيشتغل ايه وعماله تشكري فيه انا مالي بكل ده.. ومش فاهمه ليه بتعرفيني كل ده أصلا

 

ابتسمت لها إبتسامة عريضة وهي تقول بنبرة مترددة

 

= اجيبها لك كده من غير لفه ودوران انا قاصده اقول لك الكلمتين دول عشان في حاجه كده في دماغي بس مش عاوزه  تفهميني غلط ..

 

لوت ثغرها للجانب قائلة باقتضاب

 

= اتفضلي حضرتك خير.

 

أحاطتها من كتفيها الأخرى بود،هاتفة بكلمات ذات مغزى

 

= اصل بدر ابوهم بيدور على عروسه تشيل معاه مسؤوليه بناته، ومش لاقي حد مناسب قدامه في المنطقه وهو كتوم شويه يعني مش متدردح كده وممكن يروح يكلم بنات و يتعرف والكلام ده اصلا محترم اوي.. و والله ما بقول لك كده وخلاص انا عارفاه كويس .. المهم يعني في مره كان بيزورني هنا وقال لي على موضوع العروسه ده، في الاول ما جيتيش في بالي بس بعد كده فكرت فيكي! خصوصا لما عرفت يعني لا مؤاخذه انك مش بتخلفي وفهمت انك مطلقه وليكي ظروف خاصه كده وقلت...

 

تعذر عليها التنفس بتلك اللحظات وهي تسمع لها، فشحب لون وجهها وتشنجت تعبيراتها معلنة عن دخولها في نوبة غضب! نتيجه كلماتها تلك؟ ربما تكون كلمات بسيطه لكن جرحتها واشعرتها بالاهانه لا تعرف لما؟ او هي  أصبحت حساسه من ذلك الموضوع و زاد جنونها ورفضت تصديق الواقع المؤلم، لذا لم تشعر بنفسها وهي تقاطعها بانفعال مرعب

 

=و قلتي أكيد واحده زيها عاقر لما هتصدق تربي طفلين وتكون خدامه ليهم ولابوهم، و مش هتفتح بقها ده كتر خيره على الثواب اللي هيعمله فيها هي تطول حد يبصلها وهي بظروفها دي.

 

انصدمت عواطف من انفعالها الزائد فجاه، لتقول بتوجس

 

= والله يا بنتي ما قصدي كده انتٍ فهمتي إيه، حقك عليا قطع لساني لو اقصد اجرحك بكلمه انتٍ فهمتي غلط انا كان قصدي..

 

قاطعتها مرة ثانية بإصرار ظهر بوضوح في نبرتها العصبية

 

= خلاص يا مدام عواطف فهمت غلط ولا صح مش هيفيد بحاجه، و انا اسفه ان انا برفض طلبك العظيم والخدمه الكبيره اللي بتقدمهالي وابقي دوري على عروسه تانيه لابنك ولا قريبك ده! لكن انا ولا بفكر اتجوز تاني ولا هعيد القرف اللي انا شفته اولاني مع جوزي .. واصلا الجواز مشروع فاشل ومجتمع فاشل وانا مش عاوزه ارتبط تاني مره! وهفضل طول حياتي كده.

 

التفتت لترحل الى الخارج بسرعه، وصاحت عواطف باسمها بلهفه وهي تنهض بثقل عن فراشها ممددة ذراعيها نحوها

 

= يا فريده استني.. طب اسمعيني يا بنتي.. يا فـــريــده .

 

كانت سماح قادمه الى الداخل لترى فريده تخرج بسرعه دون ان تنظر اليها، عقدت حاجبيها بتعجب متسائلة باستفهام

 

= مالك يا مدام عواطف في ايه؟ بتندهي على فريده ليه وهي ماشيه كده متعصبه ليه! هو  حصل حاجه .

 

عبست بوجهها بإحباط وهي تقول بإحراج وحزن

 

= شكلي عكيت الدنيا والله ما كنت اقصد يا بنتي انا لما سمعتكم بتتخانقوا قدامي وعرفت انها مطلقه ومش بتخلف فكرت ان انا اجوزها لقريبي بدر ده والاثنين مناسبين لبعض بس هي فهمت غلط

 

رفعت حاجبها للاعلي بدهشة لتنظر إليها بفضول

 

= لا واحده واحده كده وفهميني بدر مين؟؟ اللي انتٍ عايزه تجوزهولها، وشافها فين ده .

 

--

 

وفي داخل عنبر السجن، فُتحت البوابات أمام رجال الشرطة ليأمروا السجناء بحسب التعليمات، بينما نهض حسام من سريره بوجه منزعج فلم يكتفي بالنوم. وعلى الرغم من الأشهر التي مرت عليه داخل السجن، إلا أنه لم يعتاد بعد على هذه الطريقة القاسية في الاستيقاظ.. خرج إلى الردهة حيث كان السجناء لكن كالعادة، قام أحد السجناء بسحبه بقوة وعنف نحو الحمامات وأمره بنبرة غير قابلة للنقاش بتنظيفها؟ فنظر إليه حسام بصمت، ولم يجرؤ على الاعتراض.. ليثني جذعه العلوي حتى يصل إلى أرضية الحمامات، ليمسح الأرضيات جيداً كما أمره، ثم بدأ يغسل المغاسل والمكان المخصص لقضاء حاجتهم جيداً. وشعر بالظلم الشديد من هذه المعاملة، ولم يتمكن من الاعتراض حتى لا يتعرض لعقوبة قاسية منهم.

 

وبعد انتهائه بما كلفه به المسجون ذهب له ليخبرة بأنه قد انتهي، حدق إليه الأخر طويلاً ثم قال بلهجة خشنه

 

= طب يلا يا حيلتها على المطبخ ، عندك شغل هناك .

 

تنهد حسام بتعب شديد ثم توجه الى المطبخ بارهاق دون اى كلمه وهو يتافف بنفس غير راضيه وبمجرد دلوفه الى ساحة المطبخ، امره الطاهي ان يجلى الاوانى والاطباق والاكواب المتسخه، انصدم حسام لرؤيته الكم الهائل من الاوانى والاطباق والاكواب، وحاول أن يتحدث بتوتر قائلاً

 

= ايوه بس دول كتير أوي، انا هعمل كل دول لوحدي.

 

نظـر إليه بعينان تقدحان شراً وأقترب منه بشده قائلا بصوت جهوري غاضب

 

= لا تصدق ياض صعبت عليا، عاوز مساعده يا نن عين امك؟ تحب اشمر واساعدك أنا؟ بس كل طبق هغسله هنزل بايدي على قفاك .. اشتغل ياض وبلاش غلبه انا عارف بيجيبوكوا منين .

 

لم يتكلم، بل بدأ في عمله على الفور بخوف شديد. كانت الأيام في سجنه تمر ببطء شديد. وظن أن الساعات أصبحت سنوات. بالاضافه إلى ذلك أنه لم يعد لديه القدرة أو القوة على تحمل ما يحدث له هنا.. لكنه اضطر إلى ذلك، فلم يكن هناك خيار آخر؟ أعتقد سابقا إن فترة عقوبته ستمر سريعاً دون عواقب.

 

لكن ما حدث هو العكس تماماً، وهذا هو الحال منذ أول يوم دخل فيه إلى هنا! و استقبلة المسئولون بالسجن المتهمين بما يليق بمركزهم هنا ومنهم من رحب بحضوره! وفي من تعرض منهم للضرب المبرح والمعاملة القاسية عندما حاول الاعتراض على أوامرهم في البداية، ولم يكن يعرف كيف يعمل النظام هنا، ومن هو الريس هنا الذي تعليماته أوامر بلا نقاش! لم يتخيل للحظة أنه سيقوم بهذه الأعمال بنفسه، وبالتالي لا يستطيع الدفاع عن حاله أمام السجناء ولا يستطيع رفض طلبهم.. حتى حالته النفسية تدهورت كثيراً عندما بدأت والدته بعدم القدوم لبعض الزيارات، تارة بحجة التعب وتارة بسبب انشغالها ببعض الأعمال! لكن حسام أصبح حساسا من هذا الأمر وشعر أن والدته ستنساه مع الوقت ولن تأتي هنا مرة أخرى؟؟ ولذلك لم يجد إلا الخضوع لهم حتى يمر حكم سجنه سريعاً ويطلقون سراحه.

 

--

 

استقبلت دلال أيمن بترحيب ودود بعد قدومة إلى المنزل! فلم تعد متفاجئه من مجيته الى هنا؟ في السابق كانت ترفض بالفعل وجوده في نفس المكان لكن الامر اختلف كليا عن الاول؟ فاذا لم ينقذها ويعود ليتزوج ابنتها ما كانت هنا بجانبها الآن؟ صحيح بالاول ساهمت لنهائي تلك الزيجه لكن الان عودت لتساهم بالعوده من جديد، ورغم انها لم تكون راضية على الأمر بنسبه كبيره لكن لم تجد حل اخر امامها لإنقاذ حياة ابنتها من اقارب زوجها، فبعد الانتهاء من كتب الكتاب رحل وترك

لـ ليان المساحة لتفكر وتراجع نفسها دون ضغوطات منه! حمحم أيمن قائلا بهدوء

 

= ازيك يا طنط دلال، ممكن ادخل

 

ابتسمت له حماته قائلة بترحيب

 

= اه طبعا اتفضل يا ابني اهلا وسهلا شرفت

 

هز رأسه بهدوء ودلف للداخل و أغلقت دلال باب منزلها، بينما هتف أيمن باهتمام

 

= هي ايه الاخبار عم ليان محاولش يجي هنا تاني صح

 

لوت ثغرها بابتسامة عابثة وهي تقول له بتوضيح 

 

= اه الحمد لله ما جاش تاني بس بيتصل كل فتره وبيطمن علينا وقال لي هيجي كل فتره يطل هنا ويشوف الوضع بدل ما يتفاجئ بعد كده بمصيبه عاملينها ومخبيينها عليه، يعني نعمل احتياطاتنا وحسابنا ان كل شويه هيجي هنا عشان يتاكد ان ليان فعلا هتروح بيتك ولا لاء

 

هز رأسه أيمن بضيق شديد بعد أن تفهم حديثها جيد، ثم أردف بصوت متردد

 

= فهمت، طب هو انا ممكن اشوف ليان

 

أشارت له بيدها بأن يجلس فوق المقعد قائله

بعدم اعتراض

 

= استريح هنا لحد ما اندهلها من اوضتها

 

هز رأسه بالإيجاب وجلس ينتظرها، وهو ينظر الي الفراغ بشرود و قلبه يقرع بقوه رغم ملامحه تبدو ظاهرة بجمود شديد وعقله غير مستوعب ما حدث للان؟ هي عادت زوجته بالفعل أم أنه يتوهم بذلك؟ هو كان يحلم و يستيقظ كـكل مره بأنها عادت إليه من جديد، كان من المفترض يعيشوا مع بعض منذ سنه أو أكثر كـ زوج وزوجه ولكن ما حدث كان غير متوقع بالمره، أخذ نفسٍ طويل مُحمل بمشاعر كثيره متضاربه ومختلفه بقوه !! وبعد فترة خرجت دلال بمفردها بوجه محتقن بشدة ونظرات مليئة بالغضب! عقد هو حاجبيه باستغراب قبل أن تتحدث الأخري بغيظ شديد من أفعال ابنتها المتمردة

 

= مش عارفه اقول لك ايه يا ابني، عماله احاول معاها كتير تطلع تشوفك وهي رافضه وقالتلي انا خدت منوم وهنام و آآ.. و مش عاوزه وجع دماغ

 

أطال أيمن النظر نحوها بعدم تصديق وهو يسألها باستخفاف غاضب

 

= وانا بقيت بسبب للهانم وجع دماغ؟؟ تمام يا طنط براحتها بس قوليلها ان انا هاجي تاني عشان اخدها، هي دلوقتي مراتي وغصب عنها هتيجي تسكن معايا من تاني! و مش عشان حكايه عمها اللي هيجي كل شويه هنا يتاكد من موضوع جوازنا بس عشان انا عاوزها... عاوزه مراتي ..!!

 

ضغط على كلماته بلهجه شديده ثم احتدت نظراته وهو يتحرك صوب الباب للخروج مضيف بصوت قاتم

 

= ولولا أنها واخده منوم زي ما بتقول كنت دخلتلها دلوقتي، ونبقى هناك بقي نتفاهم براحتنا على وجع الدماغ اللي انا بسببهلها.. سلام.

 

--

 

أملك قلبا لا يؤذي أحدا، لكنه يؤذيني.

 

هوت فريدة بجسدها فوق الفراش بعد الإنتهاء من عملها حيث رحل الجميع إلي منازله، وقعت عيناها على صوره سونار طفلها و تنهدت بحزن وهي تتذكر كيف رحل دون أن تراه  وتحمله بين ذراعيها وتخبره انه أصبح رجلها من الآن.. انحدرت دمعه من عينيها مسحتها سريعاً، وشعرت بالاختناق من تدفق الذكريات

المؤلمه التي لا تذهب عن بالها ابدا.

 

نظرت حولها وتذكرت حديث صديقتها عندما أخبرتها، أن تلك الوحدة هي السبب الرئيسي في تدفق الذكريات لها كل ليله وتقتلها، وبدأت تتساءل.. لو أن لها فرصة تتخلى بها عن كل ما آلمها، تمحي من خاطرها.. لو تعرف كيف يطوي المرء حزنه ويلقيه بعيدًا.. لو يصادفها النسيان وتمضي دون ثقل يُشقينها.. فتلك الحياة تضيع منها بالفعل وهي تقف كل ليلة تراقب تسرب الأيام والشهور من حياتها، لكن عاجزة عن العودة للأيام الرائعة من حياتها.

 

اليوم، وغدا ودائما تبكي بمفردها، تبكي لأن كل الأشياء التي آمنت بها يومًا لم تحصد منها سوى خيبه وهي مُتعبة من محاولاتها المستمره للتخطي وعدم الالتفات دون الوصول لِجهه آمنة حتى الان."

 

وبدات تشرد في حديث السيدة عواطف حينما عرضت عليها فكره الزواج من شخص ارمل لدي طفلتين ويريد ان يتزوجها لتراعي اولادة! حينها ثارت عليها بانفعال ولم تعطيها فرصه ورحلت.. وتذكرت أيضا حديث صديقتها في الصباح معها عن ذلك الموضوع

 

أردفت سماح قائله بنبرة إصرار

 

= يا بنتي ما تسمعي الكلام وبلاش تضيعي الفرصه دي من ايدك، جربي تقابلي حتى الراجل اللي مدام عواطف قالت عليه ولو ما عجبكيش خلاص ما حدش هيغصبك على حاجه مش عاوزاها .

 

قاطعتها فريدة بصلابة قليلة

 

= سماح انتٍ عارفه من ساعه ما عرفتي الموضوع ده وكام مره تفتحي معايا؟ وبرده بقول لك لا وانتٍ مصممه، هتخليني ازعل منك تاني ليه واحنا لسه متصالحين من مده .. انتٍ مش قلتي مش هتدخلي في حياتي تاني ولا هتفضلي تزني بعد ما عرفتك كل اللي حصل لي

 

رفعت أنظارها للأمام مبتسمة بهدوء قائله

 

= حصل بس الموضوع دلوقتي غير، وبعدين هو انا بكلمك في موضوع اهلك دلوقتي انا بكلمك في موضوع خاص بحياتك اللي جايه، وبصراحه بقى انا شايفه ان دي فرصه ما تتعوضش و ده الشخص المناسب ليكي ولظروفك .. بكره لما تتجوزي البنتين دول انتٍ اللي هتربيهم وهيبقوا زي ولادك بالضبط

 

نهضت واقفًة من على مقعدها مشيرًة لها بيدها وهي تتابع بنبرة عقلانية

 

= تخيلي كده مع نفسك! مش احسن من الوحده اللي انتٍ فيها.. عشان كده مش عايزاكٍ تضيعي الفرصه من ايدك مش هتيجي تاني.. وبعدين هو انتٍ عاوزه اكتر من كده ايه؟ جالك بدل العيل عيلين وهتربيهم من و هم صغيرين وبكره ينادوكي ماما عشان انتٍ اللي هتربيهم  وهم ما شافوش والدتهم حتي.

 

رغم عنها بدات بالفعل أن تسرح بخيالها و تتخيل بأنها تمتلك عائله صغيره، مكونه من زوج و اطفال صغار يخصونها هي فقط! ترعاهم وينادوها بامي، كم جميل الشرود بذلك حقا! لكن تلك الحياه بالتاكيد ستكون مجرد خيال ولم تحدث بالواقع، كتمت بصعوبة المها الموجوعة عليها، لكن زاد ألمها وكذلك حدة الوخزات التي أوجعت حلقها، و رغم ذلك قالت بهدوء

 

= يا سلام حليتي موضوع الاطفال، طب و بالنسبه للراجل اللي هتجوزه ده فكرتي فيه؟  وانا اعرف عنه حاجه عشان اثق فيه وامن على نفسي معاه.. سماح انتٍ مش فاهماني ولا هتفهميني اللي جوايا صعب، انا مبقتش اثق ولا في أي راجل، محدش يستاهل ثقة حد عموماً انا واحدة كنت بثق في اي انسان يضحك في وشي بس.. يعني انا لو لسه مقبلاكي النهاردة لأول مرة هقعد احكيلك قصة حياتي كلها.. انا كنت كده للاسف.. وبثق في الناس بسرعه وبصدق ان اللي قدامي عمره ما هياذيني! حتى الثقه دي كنت بثقها في اهلي والنتيجه كانت ايه.. أنا اتغيرت لما قرب الناس ليا ولقلبي وكل حاجة في حياتي ادوني كـف على وشي..

 

أمسكت الأخري يديها بحنان تشجعها بكلمات بسيطة قائله باهتمام

 

= بلاش تشاؤم وبكره ان شاء الله كل حاجه هتتصلح وتبقى زي الأحسن وكل المخاوف اللي جواكي دي هتروح لوحدها، بس لما انتٍ تحاولي وتخشي تجارب جديده مش هتتغيري لوحدك.. وبطلي بقى اسطوانه انا هفضل كده لوحدي ومش هتجوز خالص بذمتك دي حياه؟ العمر بعد كده هيجري وهتلاقي نفسك لوحدك وهتندمي .. خديها مني نصيحه طالما مش عاوزه ترجعي لاهلك ومش قادره! يبقي ابني عيله تخصك لوحدك و تعوضك

 

حديثها بالفعل لمس قلبها، صمتت للحظة لتلتقط أنفاسها قبل أن تتحدث ببطء

 

= انا ممكن في يوم افكر اتجوز بس لما اقابل شخص مناسب.. اللي متقدم ده مش مناسب

او ممكن انا اللي في وضع مش مناسب ان ابدا حياه وارتبط من تاني؟ عارفه لما تكون ثقتك بنفسك ضعيفة و تربطي سعادتك بشخص؟ وقتها بتتنازلي عن كل حاجه وترضي بقليلك وانا مش عاوزه ابقى كده .. ‏انا محتاجه اقابل حد يثبتلي إن مش كل الناس وحشة.

 

اقتربت إليها مواصلة الربت على يدها بحنو مطمئنة وهي تجيب بهدوء جاد محافظة على ثبات نبرتها

 

= عارفه هتلاقي الشخص ده امتى؟ لما تحبي يا فريدة، وتسيبي نفسك للدنيا مره ثانيه وتعيشي بجد، لكن انتٍ دايما حاطه في دماغك ان ده الحل وأن عمر ما حد هيعرف يوصل لك ولا يؤذيكي طول ما انتٍ حابسه نفسك في الاوضه جوه وده مش صح، في ايه لو جربتي تاني حتى لو فشلتي ما انتٍ اتعلمتي من تجربتك اللي فاتت وقلتي بنفسك كده؟ يبقى جربي واتعلمي تاني .

 

تأهبت حواسها من كلماتها لكن رغماً عنها

أجابتها فريدة بسخرية مريرة و بابتسامة باهتة

 

= الكلام سهل يا سماح وبعدين حب ايه اللي احبه، ولله انتٍ فايقه ورايقه ومين اصلا ده اللي هيحبني وعلى ايه؟ ولا أنا ممكن أحب بعد اللي شفته كله و افتح قلبي لمين؟ احنا محتاجين ناس تستحملنا قبل ما تحبنا يا سماح ! وانا الحمد لله ولا لقيت اللي يحبني ولا إللي يستحمل وضعي .

 

زاد رفضها، بينما حاولت سماح امتصاص احباط صديقتها قائله بحذر

 

= طب هو مين قال لك انك مش هتلاقي، طب ما هو موجود مش انتٍ هتربي لي عياله... قصاد كده بقى يستحملك ويقبل وضعك ومين عارف مش ممكن يطلع ابن حلال وكويس، هو يطول أصلا بس انتٍ بلاش تنشفي دماغك واقبلي وبلاش ترفضي المرة دي.

 

التفتت نحوها وتضاعف ارتباكها وهي ترد بتجهم

 

= انتٍ بتقولى ايه يا سماح ؟؟ وهو لو طلع انسان کویس استغله يعني !! و ايه الكلام الغريب اللي انتٍ بتقوليه ده ايه دي قصاد دي! ده جواز هو لعب عيال.. بقول لك ايه؟ اقفلي على السيرة دي خلاص بقى وانا اصلا اتخنقت مع مدام عواطف و هبيت فيها هبه جامده و اكيد وصلت الكلمتين دول للعريس ومش هيفكر تاني فيا، يعني الموضوع اتقفل من قبل ما يبدأ اصلا

 

نظرت لها سماح بعتاب وهي تقول بنبرة جادة

 

= أولا ما اسمهاش استغلال، خدمه قصاد خدمه، وهو الجواز ايه غير اتفاقات! وثانيا بقى واهم حاجه مدام عواطف لما اتكلمت معاها وحكيتلي ظروف الجدع اللي اسمه بدر ده .. عرفت انه لما يصدق اي واحده تقبل بظروفه قصاد انها تربي العيال وهو مش عاوز اكتر من كده.. وما اعتقدش انها استعجلت وحكيتله اللي حصل، واديكي شايفه بنفسك كل يوم والثاني بنشوف العيال عندها، يعني معنى كده أنه لسه ملقاش العروسه المناسبه

 

تابع قراءة الفصل