-->

رواية جديدة تعويذة العشق الأبدي لسمر إبراهيم - الفصل 16


قراءة رواية تعويذة العشق الأبدي كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية تعويذة العشق الأبدي

رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة سمر إبراهيم 


الفصل السادس عشر



" ﺃﻗﺴﻤﺖ ﺑﻚ ﻳﺎ إﻟﻬﻲ ﺃﻥ ﺗﺠﻌﻠﻬﺎ ﻧﻮﺭًﺍ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻲ ﻻ ﻳﻨﻄﻔﺊ، 

ﻭﺗﺠﻌﻠﻨﻲ ﻋﻮﺩًﺍ ﻓﻲ ﻇﻬﺮﻫﺎ ﻻ ﻳﻨﻜﺴﺮ،

 ﻓﻬﻲ ﻣﻨﻲ ﻭﺃﻧﺎ ﻣﻨﻬﺎ، ﻭﻛﻼﻧﺎ ﺳﺮ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻵﺧﺮ "..

مقولة لأمنحوتب الرابع


تقفان وعلامات الصدمة بادية بسخاء على وجهيهما لا تستطيعان استيعاب ما يحدث أو كيف حدث ذلك ليأتي والدهما دون أن ينطق بكلمة واحدة وأخذ بيد وعد يجرها عنوة لكي تجلس بجوار مروان لتوقع على عقد الزواج وتضع بصمتها عليه فذهبت معه دون أن تنطق بشيء تنظر لمروان ببلاهة وكأنها لا تعي ما يحدث.

أما عن عهد فكانت تقف تتنقل بنظراتها بينهم تريد أن تفهم ما يحدث ليستقر نظرها عل ذلك الجالس متجهم الوجة فنظرت إليه نظره مفادها ما الذي الذي يحدث هنا؟ ف فهمها جيدًا ولكنه حرك كتفيه وقلب شفتاه بعدم فهم وكأنه لا يعلم ما الذي يحدث هو الآخر لتستفيق في النهاية على كلمة المأزون المعتادة:

- بارك الله لكما وبارك وبارك عليكما وجمع بينكما في خير بالرفاق والبنين إن شاء الله.

انتهى المأزون من عقد القران وانصرف ليتبعه الشاهد الآخر وهو يصافح مروان بتهذيب قائلًا:

- ألف مبروك يا مروان بيه ربنا يتمم بخير استأذن أنا تؤمرني بحاجة تانية  قبل ما امشي.

ابتسم إليه وحدثه بود:

- الله يبارك فيك يا كريم متشكر اتفضل انت.

ترك يده وذهب ليصافح يونس ثم غادر لتذهب عهد إلى يونس فور انصرافه وأخذته من يده لتتوجه به نحو الشرفة دون أن تعير انتباه لوالدها الذي تملكه الغيظ من فعلتها هذه ولكنه لم يستطع الاعتراض حتى لا تتفوه بكلمات تقلل منه خاصة أمام زوج ابنته المقتدر هذا فهو إلى الآن لا يصدق أن تتزوج ابنته عديمة الأخلاق بمثل ذلك الرجل ليتذكر الآن أين رأى هذا الشاب من قبل فمنذ دخوله إلى منزله مع عريس ابنته وهو يسأل نفسه أين رآه قبل ذلك؟ الآن علم أين؟ فهذا الرجل هو من جاء إلى بيته من قبل ليعرض الأموال على سليطة اللسان وهي رفضتها بجبروتها المعتاد وهنا أخذ يسأل نفسه ما هي العلاقة التي تربط بينهما وما هي علاقته بعريس ابنته أسئلة كثيرة تدور في عقله وسيعرف اجابتها فور انصرافهم لا محالة وهنا نظر إلى زوجته بترقب مضيقا عيناه وواضعا سبابته وإبهامه حول ذقنه فمن الواضح أنها تعرف أشياء غائبة عنه وآن الأوان أن يعرفها.

❈-❈-❈


دخلت به إلى الشرفة وأغلقت الباب خلفهما وسط ذهوله من فعلتها خاصة أمام والدها فهي لم تمسك بيده هكذا من قبل ليشعر بدقات قلبه تقرع كالطبول منذ أن لمست أصابعها خاصته وكأنه لم يمس يد امرأة من قبل فازداد تعجبه من تلك الحالة التي تملكته ولكنه حاول إخفاء ذلك قدر استطاعته ليراها تنظر إليه وبعينيها الكثير من الأسئلة لتقطع الصمت وتسأله بنفاذ صبر:

- تقدر تفهمني ايه اللي حصل ده؟ وليه مقولتليش إنكم هتعملوا كدا.

حرك كتفيه لأعلى ولأسفل علامة على عدم معرفته بما حدث وتحدث بصدق:

- أنا نفسي مكونتش أعرف حاجة لحد ما جينا هنا.

ضيقت ما بين عينيها ونظرت إليه بعدم فهم:

- إزاي يعني متعرفش حاجة؟

- زي ما بقولك كدا، أنا حكيت لمروان عن مشكلة أختك لما قولتيلي عليها من كام يوم وهو سكت معلقش لقيته من ساعة بيقولي يلا تعالى معايا هنروح مشوار فجأة لقيتنا هنا وكريم المساعد بتاعه مستنينا بالمأذون قدام باب البيت، حصل إيه؟ وامتى؟ وإزاي؟ معرفش أنا اتفاجئت زيي زيك بالظبط.

زفرت بضيق وصمتت لتفكر قليلا ثم نظرت إليه لتتحدث بقلة حيلة:

- طب تعالى ندخل ونشوف آخرة الحوار دا إيه

أماء لها موافقًا إياها ودخلا من الشرفة متوجهان إلى حيث يجلس الجميع لتجد والدها يوجه حديثه ل وعد قائلًا:

- يلا قومي لمي هدومك عشان تمشي مع عريسك.

أنهى حديثه وادار نظره نحو مروان دون أن يعير انتباه لتلك الجالسة التي تحبس دمعاتها بصعوبة شديدة وتفرك يديها من شدة توترها ليبتسم له وحدثه بتملق وهو يضع يده على صدره:

- منور يا عريس دحنا حصلنا الشرف.

رد عليه باقتضاب:

- متشكر.

- خمس دقايق والبت تكون جاهزة وتاخدها معا...

وقبل أن يكمل حديثه قاطعته عهد بحده دون مراعاة لوجود أشخاص غرباء لا يعرفون طبيعة علاقتها بوالدها:

- حيلك، حيلك خمس دقايق ايه وتروح معاه فين هو سلق بيض.

لم تنتظر أن يعقب على حديثها ولم تلتفت لنظراته الغاضبة فوجهت حديثها لمروان الذي ظهرت على وجهه علامات التوتر والإحراج من طريقتها اللاذعة:

- انت ناوي تاخدها معاك وتمشي دلوقتي؟

حمحم بحرج ليجيبها باقتضاب وهو يحك مؤخرة رأسه:

- المفروض.

عقبت بغضب وبطريقتها الهجومية التي اعتاد عليها:

- إزاي يعني الكلام ده لا طبعا مينفعش اختي مش هتطلع من البيت ده الا وهي عروسة ولابسة فستان فرح وأهل المنطقة كلهم يعرفوا إنها اتجوزت.

أماء لها بموافقة واردف وهو يقلب شفتاه محركا كتفيه بلامبالاة:

- مفيش مشكلة زي ما تحبوا شوفي يناسبكم امتى ولو عايزة فرح كمان معنديش مانع.

لانت ملامحها قليلا فور سماعها لذلك لتنخفض نبرة صوتها الحادة قليلا وهي تتحدث ناظرة لشقيقتها بشبه ابتسامة:

- القرار ده يخص وعد هي اللي تقرر عايزة فرح ولا لأ واللي هي عايزاه نعمله.

لم تعقب وعد على حديث شقيقتها ولم تظهر أي ردة فعل وكأنها لم تستمع لما قالته فشعرت عهد بالأسف أكثر على ما آل إليه حال شقيقتها فاقتربت منها وربتت على كتفها بلطف حتى لا تفزعها ثم حدثتها بحنو مغاير لطريقتها الفظة التي كانت تتحدث بها من لحظات:

- وعد انتي مش سمعاني؟

ارتجفت فور شعورها بيد شقيقتها فوق كتفها وتحدثت بتيه ليتمزق قلب عهد أكثر فأكثر:

- ها كنتي بتقولي حاجة يا عهد:

ابتسمت لها بصعوبة لتبث بداخلها ولو قليل من الطمأنينة وحدثتها بحب:

- أيوة ياحبيبتي كنت بسألك عايزة فرح ولا لأ...

صمتت قليلًا وهي تدور بعينيها تنظر إليهم ثم عادت بنظرها إلى شقيقتها لتجيبها باقتضاب:

- لا مش عايزة.

هزت رأسها بأسف ثم وجهت حديثها إلى مروان:

- خلاص طالما هي مش عايزة فرح نخليها فستان فرح بس تخرج بيه قدام الناس.

أماء لها موافقًا ليعقب يونس منهيًا الحديث:

- تحبي يكون امتى؟

أجابت دون تردد:

- الخميس الجاي ان شاء الله.

- تمام بكرا ان شاء الله هيكون عندكم حد ياخد مقاسات العروسة ومعاه ألبوم علشان تنقي الموديل اللي يعجبها والخميس الصبح هيكون عندكم الفستان وال Hairdresser وكل اللي تحتاجوه علشان اليوم ده.

نظرت اليه بامتنان وأردفت بابتسامة:

- متشكرة.

بادلها الإبتسامة ثم نظر إلى مروان لكي ينصرفا فأومأ له ونهض لينظر إلى تلك الحاضرة الغائبة نظرة خاطفة فشعر بالأسى على حالها وازداد يقينه بأنه قد اتخذ القرار الصائب بما فعل لعله يستطيع أن يمد لها يد العون لتخرج من تلك الحالة التي هي عليها.

كل ذلك كان على مرأى ومسمع من عادل الذي آثر الصمت ولكنه كان يشعر بأن دماءه تغلي بداخل عروقه من كثرة غضبه مما فعلته ابنته فهي لم تعره أي اهتمام وكأنه لا وجود له ولكنه حاول تمالك نفسه قدر المستطاع حتى لا يتفوه بشيء خاطئ أمام هذان الثريان والذي أصبح أحدهما زوج ابنته بالفعل وفيما يبدو أن الآخر يحمل بعض الإعجاب بالأخرى وهو لا يريد أن يخسر ما وصل إليه فهذا المروان سيكون بمثابة مصباح علاء الدين الذي سيستخدمه للخروج من مستنقع الفقر الذي يغرق به.

انصرف كلاهما بعد أن أعطى مروان لعادل ورقة ما وهو يصافحه دون ان ينتبه إليه أحد لتأخذ عهد شقيقتها وتدخل بها إلى غرفتهما مغلقة الباب خلفهما بإحكام وكان ذلك وسط نظرات عادل الساخطة ونظرات سميحة البلهاء التي تجهل ما يحدث فانتظرت حتى انصرفا لتسأل زوجها عما حدث ولكنها وجدته ينظر إليها بطرف عينيه وهو يتجه لغرفة نومهما فذهبت خلفه وحدثته باستفهام:

- هو ايه الموضوع يا سي عادل انا مش فاهمة أيتها حاجة من اللي حصلت دي هو انت يا خويا مش كنت بتقول إن عزب هو اللي هيتجوز وعد؟ ايه اللي خلاك تغير رأيك؟ والأستاذ مروان خطبها امتى؟

قام بإغلاق الباب فور دخولها حتى لا يسمعهما أحد ثم عقب على حديثها بمكر محاولًا أن ينحي غضبه جانبًا ليقوم باستدراجها ليعلم ما يحدث دون علمه:

- رزق وجالنا يا ولية نقوله لأ يعني الحق عليا اني جوزت بنتك جوازة أُبّهة متحلمش بيها وخلصتها من عزب بشحمه وزيته وهدومه المبقعة ومراتاته الاتنين وعياله مع ان خسارة فيها بس يلا رزق الهبل عالمجانين.

تعجبت كثيرًا من حديثه فعن أي رزق يتحدث هل أخذ نقود مقابل تزويج ابنتهما ولكنها خشيت أن تعلق على ذلك حتى لا يطولها غضبه الذي اعتادت عليه فتحدثت وهي تبتسم ابتسامة مصطنعة وتربت على كتفه بتردد:

- عداك العيب يا خويا ربنا يخليك لينا وميحرمناس منك أبدا أهو دي الجوازة ولا بلاش.

بادلها النظرات بأخرى مستفسرة وكأنه قد تذكر شيء للتو فقام بجذب يدها الموضوعة على كتفه وحدثها من بين أسنانه وهو يضغط عليها دون عنف:

- ألا قوليلي صحيح انتي تعرفي مروان بيه ده منين؟ ومين البيه التاني اللي كان معاه وبنتك خدته وقفلت عليهم البلكونة من غير ما تعملي اعتبار ولا كأن لها ظابط ولا رابط؟

لم تعلم بما تجيبه لتتوقف الكلمات في حلقها وتنطق ببضع حروف مبعثرة وهي تتصبب عرقًا من كثرة خوفها:

- دا دا دا ددددا.

انتقلت يده الممسكة برسغها إلى عضدها وأخذ يهزها بعنف وهو يتحدث من بين أسنانه:

- انتي هتأتأيلي يا ولية انتي انجزي وقوليلي مين دول بدل ما اكسر عفش البيت دا كله على دماغك ودماغ الصيع اللي مخلفاهم.

أجابته بصعوبة شديدة محاولة امتصاص غضبه حتى لا يلحق الأذى ببناتها فهي يمكنها أن تتحمل أما هما فلا تريد ان يلحقهما أي أذى:

- اهدى بس يا خويا وانا هفهمك على كل حاجة دا دا دا الاستاذ مروان ده يبقى صاحب الأستاذ يونس اللي كان خبط عهد بالعربية في اللقصر انت مش فاكره ولا إيه ما انت شوفته لما جه هنا قبل كدا.

لم تتغير تعابير وجهه ولم يبدي أي اندهاش لما تفوهت به لتزداد نظراته حدة وتقسى يده عليها أكثر وهو يحثها على قول المزيد قائلا:

- وبعدين كملي إيه اللي لم الشامي عالمغربي؟ مش بنتك كرشته يوم ما جه ومرضيتش تاخد منه الفلوس وخلصنا ولا هي كانت بتستكردنا ولا ايه؟

هزت رأسها يمينًا وبسارًا لتنفي حديثه وتحدثت بعجالة:

- فشر دا لا عاش ولا كان اللي يستكردك يا خويا كل الحكاية إن لما انت ضربت وعد وكانت هتروح فيها عهد كلمت الأستاذ يونس علشان ينجدنا ويلحق البت قبل ما تموت وهو الصراحة متأخرش جه هو والأستاذ مروان وخدوها على أكبر مستشفى واتكفلوا بكافة شيء لحد ما ربنا خد بيدها وقامت بالسلامة.

طرحها ارضًا بقوة فأمسكت عضدها بألم لتسمعه يتحدث بتوعد:

- ماشي أما اشوف آخرتها معاكم إيه أنا وانتم والزمن طويل وأهو خلصت من واحدة عقبال ما اخلص منك انتي وبنتك كمان داهية تاخدكم وتريحني منكم.

أنهى حديثه وتخطاها متجهًا نحو باب الشقة ليخرج صافعا إياه بقوة لترتجف سميحة وتحاول الوقوف وهي تمسك بزراعها ودموعها تنساب على خديها فإلى متى ستظل تتحمل تلك المعاملة الغير آدمية التي يعاملها بها ولكن ماذا عساها أن تفعل فلقد تحملت كل ذلك من أجل طفلتيها فإن اعترضت على ما يفعله معها كان سيقوم بطردهن ليصبحن بلا ماوى فهي لا تمتلك مكان آخر يمكنهن الذهاب إليه فلتتحمل قليلا حتى تتزوج عهد هي الأخرى ووقتها ليقضي الله أمرا كان مفعولًا.

❈-❈-❈


جالسة بشرود على فراشها تنظر لنقطة فارغة أمامها لا تدرك ما الذي حدث منذ قليل هل هي تزوجت بالفعل؟ أم أن ما حدث هو مجرد بعض الهلاوس البصرية صورها لها عقلها ليجعلها تهرب من مصيرها المحتوم ولو للحظات في مخيلتها وعند هذه النقطة فزعت بشدة والتفتت فجأة لتبحث عن عهد التي وجدتها تجلس جوارها بصمت هي الأخرى فوضعت يدها على زراعها وتحدثت بعدم تصديق وهي جاحظة العينين متمنية أن تؤكد لها شقيقتها ما حدث:

- هو اللي حصل دلوقتي ده حقيقي يا عهد؟

نظرت إليها بابتسامة وربتت على كتفها وحدثتها بحنو وعينان ممتلئتين بالدموع وهي تحرك رأسها لأعلى ولأسفل:

- أيوة حقيقي ياحبيبتي انتي خلاص انكتب كتابك على مروان ومش هتتجوزي عزب الزفت ده.

تنهيدة حارة خرجت من صدرها وبدأت تتنفس بسرعة لتشعر وكأنها بكلماتها تلك قد أزاحت حجر ضخم كان يجسم فوق صدرها يمنعها من أخذ أنفاسها وأدارت نظرها نحو الفراغ مرة أخرى متسائلة بحيرة:

- طب تفتكري هو عمل كدا ليه؟

حركت كتفيها لأعلى ولأسفل وقلبت شفتها السفلى علامة على عدم معرفتها وتحدثت وهي تتنهد:

- مش عارفة بس هيبان أكيد وأيًا كان السبب هو عمل فينا جميل عمرنا ما هننساه كفاية انك هتخلصي من عادل وقرفه وبعدين بصراحة الواد قمور وشهم ويتحب وشكله كدا معجب بيكي، انتي مخدتيش بالك كان بيبصلك إزاي النهاردة؟

ضيقت عينيها وهي تنظر إليها بتعجب مشيرة إلى نفسها بسبابتها وهي تبتسم ابتسامة ساخرة وتحدثت بتهكم:

- معجب بيا أنا؟ قصدك تقولي صعبت عليه.

ربتت على يدها وحدثتها بشيء من الجدية تشوبها الحنان:

- وعد يا حبيبتي علشان نكون متفقين مفيش واحد بيتجوز واحدة لمجرد إنها صعبت عليه خصوصًا لو كان مفيش بينهم سابق معرفة وحتى لو كان دا السبب انتي اهدي وخدي وقتك في التفكير والله عايزة الحكاية تبقى جوازة مؤقتة مفيش مشكلة نرتب أوراقنا بس واديني فرصة أأجر شقة بعيد عن هنا وساعتها خدي القرار اللي يريحك وأنا في ضهرك وبرضه لو عايزة الجواز يستمر دا في إيدك انتي، مروان شكله طيب وابن حلال ولو كنت هختارلك عريس مش هختار احسن منه اهدي وخدي وقتك في التفكير واتكلمي معاه شوفي دماغه فيها إيه برضه وانا معاكي في اي حاجة.

لم تحصل منها سوى على تنهيدة حارقة ونظرة تائهة وبعض الكلمات المقتضبة:

- اللي فيه الخير يقدمه ربنا.

أماءت برأسها لأعلى ولأسفل وعقبت وهي تحثها على تبديل ملابسها:

- ونعم بالله يا حبيبتي، أيوة كدا سبيها على الله ويلا قومي كدا غيري هدومك ونامي انتي بقالك كام يوم مبتناميش وانا كمان هموت وأنام حاسة اني بقالي سنة مانمتش.

استجابت لحديث شقيقتها وقامت بتبديل ملابسها وذهبت كل منها إلى فراشها في محاولة للنوم ولكن هيهات أن يأتي فهناك آلاف الأسئلة التي تعصف برأسيهما ف فيما يبدو أن الأيام القادمة تحمل بين طياتها الكثير من الأحداث.

❈-❈-❈


يقود يونس السيارة في صمت مكتفيًا بنظرات التعجب التي يحدج مروان بها بين الفينة والأخرى والتي يقابلها الآخر بالتجاهل عله يؤجل المواجهة معه بعض الشيء ولكن أماله باءت بالفشل عندما نظر إليه يونس بنفاذ صبر وحدثه بعصبيه وهو عاقدًا حاجبيه ليجده يمطره بوابل من الأسئلة التي يود لو يعلم إجابتها:

- تقدر تقولي ايه اللي حصل من شوية ده؟ وإزاي تعمل كدا من غير ما تقولي؟ بتحطني قام الأمر الواقع يا مروان؟

حمحم ونظر إلى نافذة السيارة ليجيبه وهو متجنبًا النظر إليه:

- هيكون إيه يعني اللي حصل يا يونس؟ عادي اتجوزت زي كل الناس ما بتتجوز، بنت شوفتها عجبتني قولت اتجوزها قبل ما حد تاني ياخدها مني سهلة يعني.

استشاط غضبًا عند سماعه لما قال هل يظنه أبله حتى يصدق هذا الهراء فعن أي إعجاب يتحدث فهو لم يرها سوى بضع مرات تعد على أصابع اليد الواحدة والتي كانت وقتها في حالة يرثى لها ولم يحدث بينهما أي حديث يذكر فمتى حدث ذلك الإعجاب الذي يجعله يبادر لكي يتزوجها في يوم وليلة.

كاد أن يصرخ بوجهه أو يلكمه لكمة تسيل دماءه جرائها ولكنه حاول تمالك نفسه فتحدث من بين أسنانه:

- عايز تفهمني إنها عجبتك في المرتين تلاتة اللي شوفتها فيهم وهي مربطة؟

لم يعقب على حديثه مما جعل غضبه يزداد أكثر فزفر بقوة وتابع بحدة:

- على العموم انت مش صغير وحر في حياتك بس تقدر تقولي هتقول لوالدك ووالدتك إيه؟ ولا مش ناوي تقولهم؟

ضحكة متهكمة خرجت منه وحرك كتفيه بلامبالاة فهذا آخر ما يمكن أن  يهتم به:

- عادي هكلمهم وأقولهم معتقدش الموضوع يفرق معاهم أوي يعني إذا كان مفرقش معاهم إن بنتهم تصاحب واحد وتسافر معاه هيفرق معاهم إني اتجوز؟

نعم هو محق في ذلك ولكن مالا يعلمه أن عائلته أهم شيء عندهم هو المظهر الاجتماعي فلم يحركوا ساكنًا عندما فعلت ابنتهم ذلك لأن ذلك الشاب كان من نفس طبقتهم أما وعد فهي من عائلة فقيرة ومن المؤكد أنهم سيرون بأنها لا تليق لكي تصبح زوجة ابنهم ولكنه لن يستبق للأحداث ويخبره بذلك فحاول تنظيم أنفاسه وحدثه بهدوء:

- طب مش هتحكيلي اللي حصل مع أبوها وإزاي أقنعته يرفض العريس التاني ويجوزهالك انت وليه مقولتليش علشان أساعدك؟

حاول أن يتحدث بتلقائية فغمز له بإحدى عينيه وحدثه بمرح مصطنع:

- طب بذمتك انت مقتنع بكلامك ده هو أخوك قليل ولا إيه علشان لما يطلب إيد واحدة أبوها يرفضه عيب يبني الكلام ده.

أنهى حديثه وهو يعدل من ياقة قميصه ليعود بذاكرته لما حدث منذ بضعة أيام عندما قص عليه يونس لما أخبرته به عهد.

لا يدري سبب لتلك الغصة التي شعر بها عندما علم بما سيحدث لها لا يعلم سر تعاطفه معها بالرغم من علمه بما فعلته ولكن دون ارادة منه يشعر وكأنه مسؤول عنها يجهل سبب ذلك ولكن هذا ما يشعر به، ودون إرادة منه قرر أن يساعدها فلا يستطيع أن يقف مكتوف الأيدي وإنسانة بريئة تساق لحتفها دون سبب حتى وإن كانت قد أخطأت فلا يمكن أن نحكم عليها بالإعدام جراء ذلك الخطأ.

انتظر انصراف يونس وقام باستدعاء مساعده الشخصي ليحضر إلى مكتبه وفور دخوله وقبل أن ينطق بشيء مد إليه يده بورقة صغيرة وعقب بعملية شديدة:

- الورقة دي فيها اسم واحد وعنوانه عايزك في ظرف ساعتين تكون جايبلي تاربخ حياته وكل تحركاته.

أماء له الرجل وتحدث بإذعان:

- تحت أمرك يا مروان بيه ساعة بالكتير وتكون عندك كل المعلومات اللي حضرتك طلبتها عن إذن حضرتك.

أشار له بيده سامحًا له بالإنصراف ليمر الوقت ببطئ شديد وبالفعل بعد ما يقرب من الساعة والنصف كان الرجل يقف أمامه مرة أخرى معطيًا إياه ملف به كل المعلومات التي يريد معرفتها فأخذه منه ونظر جيدًا إلى الصورة التي به ثم بدأ يقرأ ما كتب باهتمام بالغ.

" عادل السيد عبد الله، يبلغ من العمر سبع وخمسون عامًا متزوج ولديه ابنتان يقطن في شقة صغيرة في إحدي أحياء مصر القديمة لا يعمل سيء السمعة ودائم افتعال المشاكل مع الآخرين ومن بينهم زوجته وابنتيه دائم التردد على مقهى شعبي قريبة من منزله يقضي بها معظم وقته...."

أنهى قراءة الملف ثم أغلفه وهي يبتسم ف فيما يبدو أن الآخر سيكون أسهل مما أعتقد.

❈-❈-❈


يجلس على ذلك المقهى يحتسي الشاي ويلعب الورق كعادته ولكن لفت انتباهه وقوف سيارة فارهة أمام المقهى وهبط منها شاب يرتدي ملابس باهظة الثمن لينتبه على صوت صديقه وهو يميل عليه ويحدثه بصوت منخفض:

- شايف العربية الألاجا اللي وقفت قدام القهوة ظي يا عادل يا خويا أهي دي العربيات ولا بلاش تلاقيه جاي يسأل على ورشة عزب.

نظر له عادل باستفهام فبالرغم من عمل عزب في تصليح السيارات الا أنه لم يأتيه زبائن يملكون هذا النوع من السيارات وإن كان يلاحظ ازدحام ورشته في الفترة الأخيرة دون أن يعرف السبب وقبل أن يسأل صديقه وجده يستأنف حديثه بهمس:

- مهو من يوم ما اشتغل في الصنف وهو كل يوم والتاني نلاقي واحد ألاجا جاي يسأل عليه عيال تلفانة يا عادل يا خويا مش تعبانة في الفلوس بتجيلها عالجاهز.

انصدم من حديث صديقه هل يتاجر عزب والذي من المفترض أن يصبح زوج ابنته في المواد المخدرة نعم كان يعطيه ما يحتاج في الأسابيع المنصرمة ولكنه كان يعتقد أن هذه الأشياء معه لاستعماله الشخصي فقط وليس للمتاجرة بها.

قطع حبل أفكاره وقوف ذلك الشاب المهندم أمامه ليتحدث إليه بابتسامة رسمية:

- حضرتك أستاذ عادل السيد؟

نظر إليه عادل بتعجب وكذلك كل ذبائن المقهى لينظر عادل حوله بفخر وأجابة وهو يضحك بملئ فيه:

- أستاذ! الله يكرم أصلك يا سعادة البيه، محسوبك الأسطى عادل خير أيتها خدمة؟

أنهى حديثه وهو يربت بيده على صدره ليشعر مروان بالاشمئزاز من طريقته السوقية ولكنه حاول تجاهل ذلك فلا وقت لذلك الآن فهو يريد الانتهاء مما جاء لأجله سريعًا فحدثه بود مصطنع وهو مازال محافظًا على ابتسامته الرسمية:

- طب ممكن حضرتك تيجي معايا نقعد في أي مكان هادي علشان عايزك في موضوع مهم؟

ظهرت علامات التعجب جلية على وجهه فمن هذا الشاب وما هو الأمر الهام الذي يريده به فضيق عيناه وتحدث بريبة:

- عدم اللامؤخذا موضوع إيه اللي عايزني فيه؟ وليه منتكلمش هنا؟

حاول طمأنته فتحدث بود وقت اتسعت ابتسامته:

- خير يا أُسطى متقلقش موضوع فيه خير كتير علشان كدا مينفعش نتكلم هنا.

اتسعت عيناه وكاد أن يسيل لعابه فور سماعه لما قاله هذا الغريب فذهب معه مسرعًا متجاهلًا نظرات التعجب من جميع الجالسين في ذلك المقهى.

❈-❈-❈


يجلس أمامه محاولًا أن يخفي علامات التقزز من أن تظهر على وجهه وهو ينظر إليه ليقوم بتذوق قهوته بصمت ليأتيه صوته المرتفع متحدثًا بنفاذ صبر:

- هو عدم اللامؤخذا كدا إيه الحوار؟ انت جايبني هنا علشان تتملى في هيئتي ولا إيه؟

تلفت حوله ليرى أن الجميع يحدقون بهما فشعر بالخجل وحمحم لكي يتحدث وينتهي من هذا الموقف سريعًا كي لا يتراجع عن قراره فإنه على يقين بأنه لن يقول ما جاء لأجله لو استمر في الجلوس أمام هذا الرجل أكثر من ذلك:

- بصراحة أنا جاي النهاردة علشان اطلب إيد بنت حضرتك.

صُدِمَ بشدة عند سماعه لهذا فمن أين لإحدى ابنتيه أن تعرف شاب كالذي يجلس أمامه الآن لترتسم ابتسامة صفراء على شفتيه متحدثًا إلى نفسه قائلًا:

- دا باينها هتروق وتحلى، والله بقى ليكوا عوزة يا ولاد ال....

تنبه من شروره على صوت مروان المتسائل:

- مسمعتش رد حضرتك؟

أجابه بخبث:

- وانت عدم اللامؤخذا عايز تتجوز أنهي واحدة فيهم؟

أجابه باقتضاب:

- وعد.

تغيرت ملامحه فلقد كان يتوقع أنه سيطلب يد عهد لا تلك المنحلة الأخرى فنظر إليه بتجهم دون أن ينطق وأخذ يفكر فيما سيفعله فلقد اتفق مع عزب وأخذ منه مهرها بالفعل والزواج مقرر له أن يتم في غضون بضعة أيام كيف له أن يخلف وعده معه الآن ومن الناحية الأخرى هذا الشاب فرصة لا تعوض فمن المؤكد أنه سيدفع مبلغُا ضخمًا لكي يتمم الزيجة وعند هنا لمعت عيناه فليستمع اليه أولًا وبعدها يقرر من منهما سيفوز بابنته؟

حدثه بعد أن تحولت نظراته من التجهم إلى الخبث:

- جيت متأخر يا سيدنا لفندي وعد مخطوبة ودُخلتها الخميس الجاي.

أرجع ظهره إلى الخلف وأمال رأسه ناحية اليمين ونظر إليه مضيقًا عيناه وكأنه يخترق عقله بنظراته ليحاول فهم ما يدور به وحدثه وهو يشابك أصابعه:

- أهو انت قولت مخطوبة مش متجوزة وطالما لسة منكتبش الكتاب يبقى متأخرتش ولا حاجة واللي هتطلبه هتاخده.

شعور بالقلق سيطر عليه عند سماعه نبرة صوته الواثقة ونظراته الحادة ولكنه سرعان ما تجاهل ذلك فور استماعه لكلماته الأخيرة فلقد جاءت إليه فرصة ذهبية ولا بد له أن يستغلها على أكمل وجه:

- مش مسألة فلوس عدم اللامؤخذا أصلي أديت كلمة ومحسوبك لما بيدي كلمة لا ممكن أرجع فيها ابدًا هو الراجل مننا لامؤاخذه يسوى إيه من غير كلمته.

- يسوى كتير يا اسطى عادل وصدقني مش هنختلف اللي هتقول عليه هدفعه ١٠٠ ألف كويس؟

كاد أن يقفز من مقعده فور سماعه للرقم الذي قاله ولكنه حاول التريث قليلًا عله يستطيع الحصول على مبلغ أكبر ليتحكم بملامح وجهه قدر المستطاع حتى لا تتضح علامات السعادة على وجهه فعقد حاجبيه وتحدث بخبث وهو يمسح بيده على صدره بحركات دائرية أثارت اشمئزاز مروان:

- والله يا سعادة البيه كلك مفهومية بس لو تبحبح إيدك شوية.

أراح ظهره على مقعده وأخرج علبة سجائرة من جيب سترته ليخرج إحدى لفافات التبغ محركًا إياها بين أصابعه وهو ينظر إليه بطرف عينيه وتحدث ببرود:

- مش هنختلف يا أُسطى عادل عايز كام؟

لمعت عيناه بطمع وتحدث وكأنه قد ربح الجائزة الكبرى:

- اتا لمؤاخذه مش هاخد في الليلة دي أقل من ربع أرنب.

لوى شفتيه بابتسامة ساخرة متهكمًا بداخله على سذاجة الكائن الجالس أمامه وحدثه بنبرة حاول أن تكون مشابهة لخاصته:

- وماله يا أُسطى وانا مش هكسر كلمتك.

أنهى حديثه وهو يخرج دفتر الشيكات الخاص به ليدون بإحدى ورقاته نصف المبلغ الذي طلبه وحدثه وهو يكتب:

- دا شيك ب ١٢٥ ألف جنيه نص المبلغ اللي انت طلبته والنص التاني هتاخده بعد كتب الكتاب اتفقنا.

أنهى حديثه وهو يمزق الورقة من الدفتر ويعطيها إياه ليأخذها عادل بلهفة شديدة وينظر إلى الرقم المدون بها بأعين لامعة تكاد إن تخرج من محجريها من كثرة الفرحة فهو لا يصدق إنه أصبح يمتلك هذا المبلغ الضخم ليشرد بخياله فيما سينفق هذه النقود ولم ينتبه على صوت مروان الذي كان يتحدث إليه حتى أفاق على يده التي تهز ساعده فنظر إليه ووصله صوته أخيرًا ليسمعه وهو يقول:

- إيه روحت فين انت مش سامعني ولا إيه؟

أجابه بذهن شارد:

- ها، لا سامعك عدم اللامؤخذا كنت بتقول إيه.

تهكم مروان وعقب بسخرية:

- لا واضح فعلا إنك سامعني، كنت بقول هجيلك بعد بكرا ان شاء الله بالمأذون علشان نكتب الكتاب.

أجابه دون أن يرفع وجهه:

- استبينا يا بيه هات المأذون ومعاه ورقة حلوة زي دي.

قال ذالك وهو يشير إليه بذلك الشيك الذي بيده.

لم يعقب واكتفى بإماءة من رأسه علامة على موافقته ثم أشار للنادل لكي يأتي له بالحساب حتى ينتهي من ذلك اللقاء الثقيل على قلبه.

تابع قراءة الفصل