-->

رواية روضتني 2 (الجزء الرابع من رواية ترويض الفهد) طمس الهوية -لأسماء المصري - الفصل 21 - 1 - الخميس 27/10/2023

 

   قراءة رواية روضتني 2 (طمس الهوية) كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى

 

 


رواية روضتني 2

(الجزء الرابع من رواية ترويض الفهد)

طمس الهوية

للكاتبة أسماء المصري


الفصل الواحد والعشرون 

الجزء الأول

تم النشر يوم الخميس 

27/10/2023

❈-❈-❈


لم تصدق قرار والدها عندما أخبرها بخطبتها والتي لم ولن توافق عليها أبدا فذهبت مسرعة له حتى تستمد منه العون وربما الوقوف بجوارها حتى يجدا حلا لتلك المشكلة ريثما يعود حبيبها من تأديته للخدمة العسكرية.


دلفت ورشته حيث كان جالسا يقوم بتعديل تلك القطعة التي أمامه بتركيز عال، وفور أن استمع لصوت خطواتها ترك ما بيده ونظر لها متعجبا من شكلها المبعثر وأنفها الحمراء فسألها بقلق:


-في ايه؟ مالك معيطه ليه كده؟


بكت منهارة واقتربت منه تخبره:


-شوفت بابا وباباك اتفقوا على ايه؟


أطرق بصره وهو يهز رأسه مؤكدا:


-ايوه.


رفع نظره فورا وهو يؤكد لها:


-متقلقيش أنا اتكلمت مع بابا وإن شاء الله نلاقي حل.


تحرك من مكانه ووقف قبالتها وربت على كتفها وهو يواسيها ولكنها لم تكف عن البكاء قائلة:


-نفسي أفهم جابو منين فكره اننا نتجوز؟ هم مش عارفين إن أنا ومدحت بنحب بعض!


رد ماهر وهو يبتلع ريقه:


-محدش يعرف غيري أنا وبابا يا فريدة، لا أبوكي ولا مامتك يعرفوا، وأنتي عارفه إن طول عمرهم من وإحنا صغيرين بيقولوا فريدة لماهر وشايفين اني الكبير والأحق بالجواز دلوقتي خصوصا إن مدحت آخر العنقود ومحدش مننا لسه اتجوز أصلا.


بكت بانهيار وجلست على المقعد أمامه وهي تتذمر:


-وأنا وهو ذنبنا ايه انكم متجوزتوش؟ هو اول ما يخلص الجيش هنتجوز على طول.


سحب مقعدا وجلس بجوارها وهو يؤكد:


-إن شاء الله يا فريدة، بطلي عياط وكل حاجه ليها حل إن شاء الله.


أوصلها لمنزلها الذي لا يبعد كثيرا عن منزل عائلته فرآهما والده من الشرفة فابتسم واستقبله أمام مدخل البيت:


-أيوه كده يا ماهر، اسمع كلامي وأنت تفضل ابني البكري وحافظ أسراري.


حرك رأسه ممتعضا من حديث والده وهو يرد:


-هتستفاد ايه لما أتجوز البنت اللي اخويا بيحبها؟ لا انا ولا هي ولا اخويا هنبقى سعدا، ايه الفرق بيني وبين إن مدحت اللي يتجوزها؟ هو عمو شرف عايز يجوز بنته لأبن صاحب عمره وده انا فاهمه، وزي ما انا ابنك فمدحت ابنك برده و...


قاطعه والده وهو يسحبه بقوة من ذراعه:


-أنت ابني البكري واللي هتكمل بعدي واللي هتشيل العيلة دي كلها على كتافك ولازم اطمن عليك انك مبسوط وسعيد في حياتك، انا عارف اني ظلمتك اكتر من مره.


رمقه بنظرة جامدة وهو يكمل:


-دخلتك مدرسة الصنايع عشان تطلع تساعدني في الورشه واخواتك كلهم دخلوا ثانويه عامه ومنها اللي دخل طب وتجاره وعلوم، بس انت مخيبتش املي فيك وقدرت من الصنايع تدخل هندسه وأديك هو بقيت اشطر مني كمان، ولولا كده مكانش عمك فارس جه ومول الاختراع بتاعك ده اللي روحت سجلته.


تنهد ماهر وهو يعقب على والده:


-وفي الآخر حضرتك كتبت كل حاجه باسمك يا بابا، مجهودي وتعبي بقى باسم حضرتك وبعد عمر طويل هيبقى لاخواتي.


أومأ له مؤكدا:


-لأن في الاساس الفلوس دي ورثي من ابويا، اخويا جه يديني جزء بسيط من ورثي وأنا عملت كده عشان احفظلكم حقوقكم كلكم وميحصلش مع حد فيكم اللي حصل معايا.


تجهم وجه ماهر ووالده يضيف:


-الظلم اللي حصل معايا أكبر بكتير من مجرد ورث وانت عارف ده وبلاش تفتح كلام في الموضوع ده تاني.


صمت الأخير وتابع والده:


-لما أجبرتك تدخل الصنايع عشان انت الكبير اللي هتقف في ظهري وتكمل من بعدي، ودلوقتي انا مش بجبرك على الجواز من فريدة بالعكس ده أنا بكافئك مره واحده في حياتك لأني عارف انك بتحبها حتى لو بتخبي من صغرك بس انا أبوك وحاسس بيك.


خانته دمعة نزلت على وجنته ووالده يكمل:


-ولو على مدحت فهو لسه صغير ووراه سنتين جيش ولما يخلص لسه هيشتغل ويكون نفسه وعلى ده ما يحصل هيكون نسى ومش بعيد يحب غيرها ويتجوز كمان.


ربت على كتفه وهو يستطرد بحديثه:


-شرف اختارك انت بالذات من بين ولادي عشان بنته عشان عارف انت مين كويس، وهو راجل عاقل وعارف هو بيختار ايه ومين بالظبط فبلاش تصغرني قدامه يا بني، ما هو مش معقول هو قدر على بنته وانا مش هقدر على ابني.


لم يعقب عليه وظل بحالة شروده حتى مرت أيام واقترب وقت الخطبة فحضرت إليه مجددا تتوسله باكية:


-يا ماهر أعمل حاجه، أنا بعت جواب لمدحت ومش عارفه وصل له ولا لأ! 


ابتلع ريقه ورد وهو يشعر بغصة تألم معدته:


-أنا بجد مش لاقي صرفه يا فريدة، الحل عندك مش عندي لأن أنا قولت لبابا فعلا اني مش عايز أتجوزك وعرفته بمشاعركم بس هو رفض وقالي إن والدك هو اللي اختارني من بين اخواتي كلهم.


بكت وانهارت فسحها بحضنه مربتا عليها وهو يؤكد لها:


-صدقيني أنا مقدرش أرفضك بإصرار أكتر من كده عشان سمعتك، حاولي أنتي تتفاهمي مع باباكي يمكن يسمعلك.


ضحكت ساخرة من حديثه وهي تمتعض بوجهها:


-قولتله يا ماهر، ما أنت عارف شرف العامري، لا بيهمه حب ولا مشاعر ولا أي حاجه وكل اللي عمله انه هددني لو صغرته قدام الناس هيقتلني وأخواتي الرجاله مساعدينه على جبروته ده وعايزين يخلصوا مني بأي شكل عشان الأرض والورث، ما أنت عارف الصعايدة اللي زي بابا لا بيورثوا البنات ولا حتى لينا حق نختار الراجل اللي هنكمل حياتنا معاه وأسهل حاجه يهددوني بالقتل عشان العار.


حرك رأسه منهزما من حديثها ولم يجد ما يرد به عليها وظلا هكذا حتى يوم خطبتهما والذي كان مفاجأة بحضور مدحت عائدا من خدمته العسكرية فأمسكه مروان قبل أن يندفع للداخل وهدئ من عزيمته على الشجار:


-أنت لو عملت اللي في دماغك هتفضح فريدة وأنت عارف أبوها ودماغه ممكن توديه فين وأخواتها ححدث ولا حرج، اعقل وخلينا نشوف حل.


نظر لها من بعيد وهي جالسة بجوار أخيه فرأته وما كان لها إلا أن بكت وأطرقت رأسها لأسفل فرفع ماهر رأسه وتقابلت نظراتهما فترك مقعده وذهب خلفه، وفور أن اختليا ببعضهما دفعه مدحت بقسوة في صدره بقبضته القوية وهو يسبه:


-أنت ندل وجبان، إزاي تقبل تخطب حبيبة اخوك وأنت عارف أنا بحبها أد ايه؟


ربت على كتفه وهو يجاهد نفسه وما يشعر به من ألم داخلي:


-أهدى بس، ده حل مؤقت لحد ما نعرف نقنع ابوها وأبوك يا مدحت، أنت عارفني وعارف اني مستحيل ازعلك.


سأله وهو يبكي:


-توعدني يا ماهر؟


أومأ له وعبراته تلتصق برموشه:


-أوعدك يا مدحت.


❈-❈-❈


مرت أشهر ظل ماهر بعيدا عن ملاقاتها ولو بالزيارات العائلية حتى لاحظ والدها وهو ما رفضه جملة وموضوعا فقرر قراره بعد أن علم بمشاعرها تجاه مدحت أصغر أبناء رفيقه والذي يمقته كثيرا لشخصيته المستهترة وجموحه وأيضا عدم نجاحه بأي عمل التحق به قبل ذهابه للخدمة العسكرية.


وحتى خدمته العسكرية لم تكن أمرا يسيرا عليه بل عوقب بالحبس العسكري أكثر من مرة بسبب رفضه تنفيذ الأوامر وتمرده الدائم حتى تضاعفت مدة تأديته بسبب العقوبات التي نزلت به.


استيقظت على أصوات الزغاريد بالبيت ففتحت عينها لتجد أقاربها بغرفتها يضحكن وإحداهن تمزح معها:


-أومي يا عروسه هو في واحدة تنام يوم كتب كتابها برده؟


لمعت عينيها ووقفت تسألهن:


-انتو بتخرفوا تقولوا ايه؟


ردت عليها إحداهن وهي متفاجئة:


-معقول يا فريده متعرفيش إن كتب كتابك على خطيبك انهارده؟


نهجت بأنفاسها ولم تجد ما ترد به عليهن وأحنت رأسها وكأنها ارتضت بالأمر الواقع، على العكس منه هو الذي وقف أمام والده يرجوه:


-يا بابا أبوس ايدك بلاش تجبرونا على الجواز بالشكل ده، انتو بتعملوا كده ليه بس؟


رد والده وهو يهز رأسه ممتعضا من حديثه:


-يا ابني افهم، شرف طلع عنده المرض إياه وأيامه معدوده وعايز يطمن على بنته الوحيدة أنها في ايد راجل يقدر يحافظ عليها من أخواتها الرجاله ما أنت عارفهم وعارف طبعهم صعب أد ايه، الله يهديك يا بني بطل مناهده فيا، وبعد كتب كتابك عايزك تشهل شويه في تجهيز الشقه عشان نفرح أبوها بجوازكم بسرعه، الله أعلم الأجل ييجي أمتى؟

❈-❈-❈


وكأنه لم يتفاجئ عندما عاد بأجازة لبضعة أيام ليعلم بعقد قران حبيبته من أخيه فلم يتحدث أو حتى يتخذ رد فعل يذكر معه، ولكنه على الجانب الآخر أرسل لها ملاحظة مع اخته لتخبرها بضرورة لقائه بمكانهما المعتاد:


-مش هعرف أنزل يا ماجدة، بابا شادد حيله عليا اليومين دول أوي خصوصا بعد كتب الكتاب.


ردت الأخرى بحيرة:


-مش عارفه ايه الحل! طيب ايه رأيك تنزلي معايا وكأنك رايحه تشوفي الشقه بتاعتك ده ماهر شغال فيها ليل نهار عشان يخلصها بسرعة زي ما بابا قاله.


أومأت موافقة وذهبت لمكان شقتها وتقابلت مع ماهر الذي رحب بها فردت عليه متجهمة:


-شيفاك ما صدقت كتبوا كتابنا وبتجهز الشقه، اعمل حسابك إني هدخل الشقه دي جثه مش عروسه.


أغلق عينيه بأسى وحاول التحدث معها وهو يخفي حزنه:


-احنا مش اتفقنا إن ده وضع مؤقت لحد ما...


قاطعته وهي تصرخ به أمام أخته:


-مدحت ممكن يموت نفسه وساعتها أنا كمان هنتحر ودمنا هيبقى في رقبتك يا ماهر.


لم يتمالك نفسه من حديثها ورفض بقوة:


-كفايه بقى، انا بحاول انهي الموضوع ده ومش عارف وانتي ضاغطه عليا جامد وبجد مش لاقي حل.


اعتذرت له عندما وجدته بهذه الحالة:


-أنا مش قصدي، مدحت مستنيني ومش عارفه اروح أقابله وخايفه يعمل حاجه في نفسه.


مسك راحتها والتفت لأخته يسألها:


-هتعرفي تروحي لوحدك؟


أومأت له فأخذ فريدة وقاد سيارته للمكان المحدد وهناك تقابل مع شقيقه وجلس أمامهما وبدأ بالتحدث وهو يحاول جاهدا أن لا يظهر ضعفه وألمه ومعها قلة حيلته:


-بصوا، احنا التلاته مجبورين على الوضع ده والحل الوحيد اللي شايفه قدامي اني اطلقك من غير ما حد يعرف وأنت بعد كده تجهز نفسك وتاخدها وتهربوا بره في اي بلد.


سأله مدحت:


-والجيش وابوك وأبوها؟


حرك كتفيه غير مكترثا لحديثه:


-التلت حاجات دول لو اهتمينا ليهم يبقى تأكد انك هتخسر فريدة وانا هخسرك.


فكر ونظر لها يسألها رأيها:


-أنا أخاف أعمل كده يا مدحت؟ وأنت أصلا معكش لا فلوس ولا خبره في اي شغل عشان تهربنا بره.


ربت ماهر على كتفها:


-متقلقوش من ناحية الفلوس، أنا هتكفل لكم بكل حاجه لحد ما تخرجوا من البلد وانتوا مضطرين تسافروا عشان البيه ده هيكون هربان من الجيش ويمكن مينفعش ترجعوا تاني.


ظلا جالسين يفكرا وماهر أمامها منتظرا رأيهما فسأله مدحت أولا:


-وتفتكر رد فعل بابا هيكون ايه يا ماهر؟ 


أجابه بعفوية:


-أنت عارف حمد الفهد كويس، هيحرمك من الميراث وده أكيد، بس متقلقش طول ما أنا عايش حقك محفوظ واخواتك محدش منهم ممكن يوافق انك تتظلم ومتاخدش حقك بس انت لازم تعتمد على نفسك بعد ما تسافر لأني مش هقدر اشيل كل مصاريفكم بره.


سأله وهو ينظر لفريدة الصامته منذ بدأ الحوار:


-مفيش حل تاني؟


أومأ له وسحبه بعيدا عنها وأخبره بحالة والدها واقترح:


-الحل التاني مش هيعجبك يا مدحت، لأنه هيكون جوازي منها لحد ما أبوها يموت، أنا من ناحيتي هحاول أئخر الجواز على قد ما أقدر ولو حصل فهي هتفضل اختي، لحد ما نشوف تعب ابوها هيوصل لفين.


سأله وهو يرمقه بنظرات متشككة:


-ولو تعبه طول سنه ولا اتنين؟ ولو خف؟


رد وهو يحرك رأسه بحيرة:


-أنا معرفش علم الغيب، أنا اديتكم كل الحلول اللي قدامي ولو أنت عندك حل سمعهوني وأنا هساعدك عشان تنفذه.


ارتبك وهو يرد:


-فريدة مستحيل تهرب معايا يا ماهر، دي بتخاف من ابوها وأخواتها ولا كأنها لسه عيله بضفاير، وأنت من ناحية تانيه بتقولي ان بابا هيحرمني من الميراث وأنا عارفك كويس مش بتحب تزعل بابا لو على حساب مين...


قاطعه ماهر وهو يؤكد:


-مش بزعله حتى لو على حساب نفسي يا مدحت، أنا ياما جيت على نفسي وأنت عارف ده عشان مزعلش ابوك بس هزعله لما اطلق فريدة وأهربكم وعارف اللي ممكن يحصل كعقاب من أبوك لينا كلنا، مش بعيد يمنعني من دخول الشركة وساعتها مش هيبقى معايا فلوس ابعتهالك بره.


ضرب مدحت الأرض بقدمه محتارا:


-والحل؟


استرقت السمع من بعيد فجاءت تقف بجوارهما وهي تخبرهما:


-أنا مستحيل أهرب فلو مش لاقي حل يا مدحت ومش قادر تقف لبابا وباباك يبقى انساني بقى لأن أنا كده بموت بالبطئ.


تابع قراءة الفصل