-->

رواية روضتني 2 (الجزء الرابع من رواية ترويض الفهد) طمس الهوية -لأسماء المصري - الفصل 21 - 2 - الخميس 27/10/2023

 

   قراءة رواية روضتني 2 (طمس الهوية) كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى

 

 


رواية روضتني 2

(الجزء الرابع من رواية ترويض الفهد)

طمس الهوية

للكاتبة أسماء المصري


الفصل الواحد والعشرون 

الجزء الثاني

تم النشر يوم الخميس 

27/10/2023

❈-❈-❈


العودة للصفحة السابقة

وقفت بمنتصف الصالة بردائها الأبيض وخمار وجهها المصنوع من التل الشفاف تنتظره وهو يودع عائلته على الباب ودلف تستمع لخطواته المقتربة منها رويدا رويدا وهي ترتعش وتشعر بالرهبة الشديدة مما قد يحدث ما إن انفرد بها.


وقف أمامها ورفع خمارها عن رأسها ورفع وجهها بسبابته وهو يحدثها:


-بصيلي يا فريدة.


نظرت له بتوتر وارتعاش شفتيها أخبره بالكثير عن حالتها ورهبتها فتكلم معها بصوت حاني وهادئ:


-أنا عارف الظروف اللي أجبرتنا على الوضع ده فأرجوكي متحملنيش مسؤلية اللي حصل، أنا قدمتلكم كل الحلول اللي في ايديا وبالنهاية....


قاطعته وهي تبكي:


-محدش حملك مسؤلية حاجه يا ماهر، أنا مش زعلانه منك.


ابتلع ريقه الجاف وسحبها ليجلسها أمامه وأمسك راحتيها معا يكوبهما براحتيه وأزال عبراتها بمحرمة بدلته الحريرية وعاد ممسكا يديها وهو يخبرها بإطناب:


-من واحنا صغيرين وعيلتي وعيلتك بتقول ماهر لفريدة، ولحد ما كبرتي وشيلتي الضفاير وانا مشاعري من ناحيتك متغيرتش ابدا، بحبك أكتر من عمري ومستعد ادوس على قلبي عشان سعادتك.


لمعت عينها ولم تجد كلمات لترد بها عليه فهل للتو اعترف بحبه لها؟ لم تظهر أي ردة فعل سوى نظراتها المشدوهة واستمعت له وهو يتابع حديثه:


-ولما بدأت أشوف مشاعركم انتي ومدحت كتمت وجعي جوايا وقولت لنفسي طالما هتكوني سعيده ده كفايه بالنسبه لي، كنت بساعدكم تقابلوا بعض وكنت الوسيط بينكم أوصل جواباتكم ومشاعركم وأنا بتحرق كل يوم واهلنا مطمنين اننا سوا وميعرفوش اني بساعدك تقابلي مدحت، ولو كنت عارف اننا هنوصل للحالة دي أكيد كنت هتصرف عشان متتوجعيش الوجع اللي شايفه في عنيكي ده.


ظلت تنظر له بتفاجئ وهو يكمل إطنابه:


-كنت وقفتكم عن مشاعركم أو كنت عرفتك باللي جوايا أو أضعف الايمان كنت اتجوزت انا عشان متضريش تتجوزيني وانتي مش عايزه ده، بس خلاص اللي حصل حصل وبقيتي مراتي شرعا وقانونا واتقفل علينا باب واحد يا فريدة، حتى لو ملمستكيش فأنتي مراتي ومينفعش ابدا افضل الوسيط بينك وبينه ولا أقبل بمشاعرك دي على الأقل لحد ما نلاقي حل.


رأت بارقة الأمل التي تنتظرها منه وهو يقول:


-أنا مش هلمسك وهحافظ عليكي لمدحت اخويا عشان انا الكبير اللي لازم أضحي كالعادة، بس مش هطلب منك غير احترامك ليا ولمشاعري ومتورينيش وجعك ولا مشاعرك ناحيته ولا تطلبي مني اوصله أي رسايل لحد ما نلاقي حل، موافقة؟


أومأت له وابتلعت ريقها بخوف وهي تسأله:


-أنت عارف إن بابا بالرغم من أنه عايش في القاهرة من سنين بس عقله لسه في الصعيد هو وأخواتي.


أومأ وهي تضيف بارتباك:


-ماما مأكده عليا انها هتيجي بكره تشوف الشاشه.


أطرقت رأسها لأسفل ونزلت عبراتها على وجنتها فابتسم ورد على الفور:


-بسيطه يا فريدة، نقطتين دم مش حكايه يعني، هنتصرف.


تنهد وهو يقف ويسحبها معه داخل غرفة نومهما وتركها بمنتصف الغرفة وسحب غطاءا إضافيا ومعها ملابسه المفرودة على الفراش بجوارها ثوبها الليلي وابتسم لها قائلا:


-غيري هدومك وتعالي نتعشا سوا.


❈-❈-❈


علم وهو بثكنته الحربية بخبر زواجهما فنأى بنفسه عن الجميع وهو يشعر بآلام حادة تقطع أوصاله وزاد عليه الألم حتى اضطروا لنقله للمشفى العسكري وأخبروا عائلته فهرع الجميع مسافرين لمكان خدمته العسكرية للإطمئنان عليه فهو أصغر فرد بالعائلة، أما هي وفور أن جاء الخبر سقطت أرضا مغشيا عليها مما جعل ماهر يتخلف عن الذهاب مع عائلته للإطمئنان على أخيه. 


فتحت عينيها أخيرا وهو يرمقها بنظرات اللهفة والقلق البالغ مربتا عليها:


-الحمد لله انك بخير.


ناوله الطبيب الوصفة الطبية وهو يؤكد عليه:


-تاخد الأدوية دي في مواعيدها وتاكل كويس عشان ضغطها يتظبط.


غادر الطبيب فجلست والدتها تهمس لها وهي ممتعضة:


-أبوكي بره مع جوزك، لمي الدور شويه أحسن هيبهدلنا كلنا، كنت بقول يارب تطلعي حامل عشان نلاقي سبب لحالتك دي بس ما مفيش لا حمل ولا حاجه.


بكت بحضنها ولم تتوقف حتى طرق ماهر الباب وأذنت له والدتها وهي تتركها:


-يلا اسيبكم ترتاحوا يا بني.


خرجت مغلقة الباب وراءها فجلس على حافة الفراش وهمس لها:


-هيباتوا معانا فأنا مضطر افضل معاكي في الأوضه.


أومأت وظلت تنظر له مترقبة أن يخبرها أي خبر عنه وفهم هو بالطبع نظراتها:


-مظنش لحقوا يوصلوا، أنا مأكد على مراد يتصل بيا أول ما يوصلوا متقلقيش.


سألته ولا زال آثار البكاء عالقة بصوتها:


-هو في تليفونات في الجيش؟


ابتسم وهو يمسح على شعرها:


-مدحت في المستشفى وأكيد في تليفونات، ولو مفيش فأخواتي هيتصرفوا متقلقيش انتي.


تركها ووضع فراشا أرضيا بجوار فراشها وأغلق النور ونام وهي لا تزال تفكر بذلك الذي يبعد عنها مئات الكيلومترات ولا تعلم عنه شيئا.


استيقظ ماهر على صوت طرقات والدها فتحرك سريعا يخبئ الفراش الأرضي وفتح الباب واستمع له يخبره:


-اخواتك راجعين في الطريق.


سأله باهتمام:


-ومدحت؟


رد وهو يتحرك مغادرا:


-جاي معاهم، أخد اجازة مرضي من الجيش وجاي.


غادر شرف برفقة زوجته فارتدى ماهر ملابسه وبدأ بالتحرك فلحقت به تسأله:


-هتروحله؟


أومأ وهو ينظر لها بضيق:


-أيوه، لو عايزه تيجي معايا البسي.


لم تصدق نفسها وأسرعت للداخل لتغيير ملابسها فجلس الآخر مطرقا رأسه يضعها بين راحتيه والألم يفتك بها، وصلا لمنزل العائلة فهرعت دون اعتبار لأي من الجالسين وهي تناديه بلهفة:


-مدحت.


نظر والده له بغل وأمسكه من ذراعه يوبخه:


-أنت معندكش دم! أزاي قابل باللي بيحصل ده؟ مفيش نخوه خالص؟


رد ماهر وهو يصر على أسنانه بغضب:


-والله الوضع اللي انا فيه ده بسبب حضرتك يا بابا.


هدر به وهو يحاول أن يخفض صوته:


-أنا عملت كده عشانك يا غبي، قولت مره واحده انفذلك حلمك وأجوزهالك وانت وشطارتك بقى، بس طلعت قفل وغبي.


أما هي فجلست بجوار مدحت تبكي وهو ينظر لها بحزن وسألها:


-لمسك؟


اتسعت حدقتيها من سؤاله ونفت فورا وهي تؤكد له:


-ماهر عند وعده يا مدحت، ملمسنيش ولا بيرفع عينه فيا وبينام في اوضة الضيوف.


اعتدل بجلسته وسحب نفسا عميقا وأمسك راحتها ونظر لها بعشق وهمس لها:


-بحبك يا فريدة.


دلف ماهر بنفس اللحظة فتجهم وجهه بشدة وتكلم بصوت غليظ جعلهما ينتفضا من مكانهما ذعرا:


-زي ما أنا ملتزم باتفاقنا فمتنساش الجزء الخاص بيك يا مدحت، فريدة مراتي ومينفعش اقبل بالهرجله دي.


ابتلع ريقه بحرج وأومأ له وهو يبلل شفتيه معتذرا:


-حقك عليا يا ماهر، بس غصب عني أنا...


قاطعه غاضبا وهو يصر على أسنانه:


-مش عايز لا اعتذار ولا مبررات، التزم باتفاقنا ومش هقولك راعي مشاعري عشان عارف إن ملهاش قيمه عند حد في العيلة دي كلها، بس هقولك راعي شرع ربنا لحد ما ربنا يأذن بالفراق.


من قال أن الحب يبنى بالمشاعر والأحاسيس؟ فالحب يبنى بالمعاشرة الطيبة وحسن المعاملة مع الطرف الآخر حتى وإن كنت تنفر منه فلابد من نقطة فاصلة تجعلك تتأكد أن هذا الشخص لا يمكن أن يكون سيئا وربما تقع له دون سابق انذار ولكن ماذا عنه هو؟ هل يظن بعضكم أنه مصنوع من حجر قد يتحمل كل تلك العواقب وحده ولا يثور على تلك العلاقة السامة التي تستنفذه رويدا رويدا!


مرت الأسابيع وربما الأشهر وماهر يجتهد بعمله ولا يكل منه وربما يظل يعمل لوقت متأخرا حتى يهرب من المواجهة مع من عشقها قلبه رغم إرادته، وبالرغم من كرهها لوضعها الحالي إلا أنها لم تتعامل معه أنه عدو لها فمعاملته الطيبة لها جعلتها تعتاد وجوده وحواراته القصيرة التي ودت أن تطول أكثر لتكسر الوحدة والملل الذي تعيش به.


دلف منزله بعد يوم شاق وكعادته قرع جرس الباب حتى لا يجرح خلوتها بنفسها علها تتحرر من قيودها بغيابه، فتحت وهي تبتسم له وتخبره:


-كويس انك جيت بدري انهارده.


دلف وهو يسألها محاولا الهروب من النظر إليها:


-خير! في حاجه ولا ايه؟


ردت وهي تتبعه للداخل:


-أصلي جربت وصفة أكله انهارده وكنت عيزاك تدوقها وتقولي رأيك.


جلس على مائدة الطعام ينتظرها حتى جهزته وبدأ بتناوله برفقتها وهو يتلذذ من طعمه:


-الله، تسلم ايدك حلو اوي.


ابتلع ما بفمه من طعام ووضع يده بداخل جيب سترته وأخرج علبة مخملية ووضعها أمامها فنظرت لها بدهشة واستمعت له يطيل الحديث:


-كان بقالي فتره بجهز لصفقة لو نجحت هننتقل لحته تانيه خالص، هبقى بنافس الشركات الكبيرة وممكن كمان نصدر شغلنا بره مصر.


تناولت طعامها وهو يكمل:


-وكنت عامل حسابي لو الصفقة دي تمت هجيبلك هديه حلوه تليق بيكي.


لمعت عينها وتحركت حدقتيها تنظر للعلبة الموضوعة على المائدة أمامها:


-انهارده مضيت عقد تصنيع المواد الخام بتاعتنا في شركة صينية كبيرة اوي وده هيوفر لنا مواد خام محفور عليها اسم الشركة وأرخص من المنتجات المستوردة ويمكن بنفس الجودة.


بالطبع هي لا تفهم نصف الحديث الذي يخبرها به، ولكن من ملامحه يبدو أن ما نجح بفعله هو أمرا جيدا للغاية ليس فقط له وللشركة والعائلة بأكلمها:


-يعني تقدري تقولي من انهاردة الشركة اتحولت من الشركة العالمية للتطوير والبحوث للشركة العالمية للتصنيع، فاهمة الفرق يا فريدة؟


أومأت وهي ربما لم تفهم نصف ما ألقاه عليها، مد راحته ومسك العلبة يفتحها فظهر خاتم ماسي خاطف للأنظار وألبسها إياه وقبل راحتها وهو يقول:


-الهدية دي مجرد بدايه لهدايا أكبر من كده بكتير، لو وشك الحلو عليا ده حققلي كل الخطط اللي في دماغي.


ابتسمت وعينيها لا تفارق لمعة الخاتم:


-وايه خططك اللي جايه؟


أجابها وهو يعود لتناول طعامه:


-أخلي الشركة تبقى أكبر شركة لتصنيع الأجهزة في الوطن العربي، وبعدها أغزو السوق الأوربية كمان.


ارتشف القليل من المياه وهو يضيف:


-وحلمي الجاي إن يكون لينا مصنع خاص بينا بدل ما بنصنع بره وبنضطر نعرض المخططات والتطوير بتاعنا لهم بره وبنكون معرضين لسرقة الأفكار.


ظلت تلعب ببنصرها وتحرك الخاتم به يمينا ويسارا وهي مبتسمة فسألها:


-عجبك الخاتم؟


أومأت وهي لا تنظر له بل تطالع الخاتم:


-تحفه.


ترك مقعده وذهب ناحيتها ووقف قبالتها وسحبها من ذراعها لتقف أمامه ورفع ذقنها لتنظر له وتكلم بصوت هادئ ومتأثر بمشاعره التي لم يستطع وئدها بداخله:


-أنا مستعد أمد ايدي للسما واجيبلك منها نجمه لو ده يسعدك.


ارتبكت ونظرت له بوجل فتابع حديثه:


-عارفه يا فريده، أنا عمري ما أخدت اللي انا عايزه طول عمري، على طول كنت بحط أولويات العيله قدامي عشان انا الكبير اللي لازم يضحي وعشان كده الكل اتعود على التضحية دي لدرجة إن محدش بقى بيحس بيها ولا بيتأثر منها.


أطنب بحديثه وهو يحاوط كتفيها براحتيه:


-كل واحد فكر في نفسه وأختار حياته من أول دراسته لحد جوازه، الكبير والصغير محدش سألني نفسك في ايه يا ماهر.


تلبكت ولكنها استجمعت شجاعتها تسأله بتلعثم:


-نفسك في ايه يا ماهر؟


ابتسم وانحنى مقبلا وجنتها قبلة رقيقة وهو يجيبها:


-نفسي في ده.


اجتاحتها سخونة لم تعرف سببها وما زاد من ارتباكها هو ملامسة شفتيه لخدها وتكلم وهو على هذه الحالة:


-نفسي اقرب منك أوي.


قبلات صغيرة رقيقة ومتفرقة على أنحاء وجهها جعلتها تبتلع ريقها بتوتر وارتباك حتى نزل بقبلاته لعنقها الذي يتوق لسحب رائحته بداخله وربما التهامه، ولكنه تمهل وقبلها قبلات رقيقة وعميقة جعلتها تتنهد وتتنفس بحرارة تعادل حرارة تلك القبلات.


حاولت الهروب مما يفعله بها ولكنها وجدت نفسها كلما ابتعدت خطوة اقترب هو اثنتان حتى باتت محاصرة بين جسده والحائط، وسمح له وضعهما بالاستناد على الحائط خلفها وارتفع بوجهه يرمقها بنظراته العاشقة وسألها وكأنه ينتظر موافقتها على ما يتوق له:


-عايز أبوسك. 


اندهشت وعجزت عن الرد فشجعه صمتها على مواصلة زعزعتها وانحنى مقتربا منها وبالكاد لامست شفتيه خاصتها وسألها بصوت هامس وهو على هذه الحالة:


-ممكن ولا لأ؟


فتحت فمها لتجيبه، ولكنه لم يملها الفرصة للرد فاقتنص شفتيها بداخل خاصته وقبلها قبلة عاشقة ومندفعة ولم يتوقف لإستجابتها له بكامل حواسها حتى أنها ارتفعت على أطراف أصابعها لتصل لطوله فابتعدت قليلا عن الحائط مما سمح لساعديه بمحاوطة خصرها واحتضانها بقوة؛ فعانقته وحاوطت رقبته براحتيها وحملها وتوجه لغرفة نومها التي لم ينم بها طوال أشهر زواجهما.


وضعها على الفراش واعتلاها ونظر لها يتحدث بخوف ورهبة:


-أنا فرحان أوي انهاردة عشان حققت حلم من احلامي بالصفقة، وحققت حلم تاني باللي حصل بينا دلوقتي ومش عايز اصحى من الحلم ده للحقيقة المره اللي أنا عايش فيها.


رمقها بنظراته المتخوفة والحزينة فشردت هي بزرقة وصفاء عينيه وهمست بدون وعي:


-أول مره آخد بالي من لون عنيك.


مدت راحتها تتحس وجهه وهي تكمل:


-زرقااا زي البحر.


وضع خصلاتها الشاردة خلف أذنها وهو مبتسم وعقب:


-بس أنا حافظ كل تفصيلة فيكي يا فريدة، لون عنيكي وشعرك وتفاصيل وشك والشامه اللي على كتفك.


انحنى وقبل شامتها وارتفع مجددا:


-حافظ ايه اللي بيفرحك وايه اللي بيزعلك.


تنهد واقترب من شفتيها منتظرا دعوتها له أو موافقتها لتقبيله لها؛ فعانقته بفطرتها التي غلبت عليها ولمشاعرها التي تعاصرها لأول مرة فاندمجا قلبا وجسدا وروحا وحلق هو بالسماء مما شعر به لتوه معها.


ارتمى على الفراش بجوارها وسحبها يقبل كل ما طاله فمه من جسدها وسألها باهتمام:


-في حاجه بتوجعك؟


ابتلعت ريقها بخجل ونفت بحركة رأسها، ولكنها بكت وكأنها عادت لرشدها للتو وهي توبخ نفسها بالحزن والبكاء، اعتدل بجسده ينظر لها بحيرة وسألها:


-في ايه؟ حاجه بتوجعك؟


نفت وزاد بكائها وردت وهي تنتحب بشهقات حزينة:


-احنا ازاي عملنا كده؟ أنا خونت مدحت و...


قطعت حديثها عندما انتفض ماهر واقفا أمامها عاري الجسد فسحبت غطاء الفراش تغطي جسدها وربما وجهها حرجا مما تراه عينيها ورد هو بحدة لم يسبق أن رأته بها من قبل:


-خونتي مدحت! انتي مراتي ولا مش واخده بالك؟ تفكيرك في مدحت وأنتي في حضني خيانه ليا انا يا فريدة مش ليه.


تنفس وتنفس محاولا كتم حزنه والعودة لهدوءه الذي اتبعه معها منذ زواجهما ولكنه فشل وسألها وهو على نفس حدته:


-هو أنا اجبرتك على حاجه؟ اللي حصل دلوقتي مش كان رغبه مني ومنك ولا كان ايه فهميني؟


لفت ملاءة الفراش على جسدها وحاولت النهوض ولكن ألم جسدها حال دون ذلك وشعرت بالحرج من علامة عذريتها التي انطبعت على الفراش فجلست تحجبها عنه وهي ترد:


-أنااا أنااا مش عارفه ده حصل ازاي؟ أنا أول مره ومعرفش أزاي وصلنا لكده و....


قاطعها بعد أن لاحظ حرجها وتخبئتها لتلك العلامة التي أشعرته بالفخ،  فهو لم يخف عنه ارتباكها وقلة خبرتها وربما حتى لقبلتهما التي هي قبلتها الأولى دون شك، اقترب منها وسحب ساعدها يتحسسه برقة وقد عاد لهدوءه وهمس لها:


-اللي حصل طبيعي بين اي اتنين متجوزين، من ناحيتي لأني بحبك كنت بحلم بيه لكن من ناحيتك ملوش عندي تفسير غير انه حب بتحاولي تموتيه جواكي عشان وعدك لمدحت.


بكت رغما عنها فاحتضنها وقبل رأسها وهو يوضح:


-حبك لمدحت حب تعود وقرب، أنتو الاتنين اتربيتوا سوا ولعبتوا سوا وكبرتوا سوا لأن سنكم قريب لبعض، باقي اخواتي اكبر منكم عشان كده كنتوا اقرب لبعض، بس ده مش حب يا فريدة ده أخوه وانتوا مترجمينه غلط وزي ما انتي فهمتي ده وانتي في حضني فمدحت كمان مسيره يفهم ويلاقي اللي يحبها ويتأكد إن حبه ليكي كان حب أخوي.


رفع وجهها وابتسم بسمة ساحرة وقبل وجنتها قائلا:


-أنا هخليكي أسعد واحده في الدنيا دي كلها بس عيشي معايا زوجه وحبيبه وأنتي تشوفي إن محدش هيحبك أدي.


❈-❈-❈


اقترب موعد زفاف الأخ الأوسط مراد الفهد والذي حرص ماهر أن يقيمه بأكبر الفنادق احتفالا بالزفاف وأيضا بنجاحه لوضع حجر الأساس لمصنع العالمية بأحد أكبر المدن الصناعية الحديثة بعد نجاحه باقتناص تلك المناقصة من أيدي كبار رجال الأعمال وقد ساعده بذلك العقلية التجارية الفذة لأخيه الأصغر مروان الفهد الذي استغل كل مصادره لكسب تلك المناقصة.


هنئ الجميع ماهر على نجاحه مما زرع الحنق بداخل مروان تجاه أخيه بالرغم من اعترافه:


-أنا منجحتش لوحدي، لولا مروان مكناش اخدنا المناقصة بتاعة الارض.


رد حمد بفخر:


-ولادي الاتنين اشتغلوا ايد واحده عشان يكبروا العيلة دي وبكره بايدكم برده هنبقى اكبر ويمكن أغنى عيله مش في مصر بس.


ضحك ماهر وهو يعقب على والده:


-ياااه يا بابا، احلامك بتوسع اوي، ده احنا محتاجين معجزة عشان نعرف نبني المصنع ونجيب أجهزه معدات.


تدخل مروان وهو يقترح:


-سيبو الموضوع ده عليا، صحابي معظمهم مراكز محترمه في البنوك وأنا ليا دلال عليهم كبير وهخليهم يدونا قروض بتسهيلات في الدفع والسداد.


رفض ماهر الفكرة واقترح:


-وليه منطلبش من عمي فارس انه يدعمنا او حتى يستثمر معانا بدل ما ندخل في حوارات القروض والأقساط؟


رفض حمد على الفور وهو يوضح:


-لأ طبعا، يعني أنا سميت الشركة العالمية عشان محدش من اخواتي يفكر يضايقكم ويقول الشركة باسم العيلة ولا اتعملت من فلوسنا وأنت بكل سذاجه عايزهم يشاركونا ويستثمروا كمان! ده مش بعيد ياخدوها كلها بعد التعب ده كله.


حك ماهر رأسه وهو يفكر فتكلم مروان بثقة:


-سيبوني بس هخلص لكم الحكاية دي كلها من غير مشاكل، المهم بس دفعات السداد تكون في مواعيدها عشان احنا مش هنكون حمل فوايد  تأخير تتحط علينا.


عاد ماهر لمنزله فوجدها تقف بالمطبخ تساعد الخادمة بتحضير الطعام فاقترب منها وقبلها فخجلت:


-ماااهر، الشغاله واقفه.


ضحك وخلع سترته وهو يسحبها لتخرج معه للبهو وأخرج دعوة الزفاف الخاصة بأخيه:


-ايه رأيك؟


تفحصتها واستحسنت تصميمها:


-جميله أوي، أكيد ده ذوق دينا.


أومأ لها فلاحظ شرودها فاحتضنها وقبل أعلى رأسها:


-بكره لما أخلص المصنع ويكون عدى على جوازنا سنه هعمل لك أحسن حفله ويمكن أحلى من الفرح بتاع الواد مراد كمان.


شردت في حديثه فسألها بقلق:


-سرحتي في ايه؟


ارتبكت وابتعلت ريقها وهي تجيبه:


-بس مش عيزاك تزعل من كلامي.


نفى وحثها على المواصلة:


-من فترة كبيرة مجتمعتش بالعيلة كلها وخصوصا...


صمتت ففهم من تقصد وحرك رأسه لتكمل حديثها:


-مش عارفه المفروض هنتصرف أزاي او هنقوله ايه و...


ربت على فخذها وهو يوضح:


-هو مش هيفتح كلام في الموضوع أصلا عشان مفيش مجال لسه للكلام، وقولتلك شيلي الموضوع ده من دماغك وهو لما يخلص جيش ويرجع ياما هيقابل بنات هينسوه كل حاجه.


سحبها من خصرها وألصقها بجسده وسألها غامزا:


-هو الغدا لسه فاضل عليه كتير؟


عضت على شفتها السفلى بحرج فقبلها قبلة عميقة وسحبها خلفه لغرفتهما ورسم على جسدها ملامح عشقه وشغفه لها، ارتمى بجوارها وسحب سترته الملقاة بجواره وأخرج منها علبة مخملية طويلة فلمعت عينها وتحمست كثيرا فابتسم لطفولتها وفتحها أمام ناظريها وأظهر ذلك السوار الماسي الخاطف للأنفاس والمرصع بالكثير من الأحجار الماسية الثمينة؛ فشهقت وهو يضعه على معصهما:


-مش غالي أوي الانسيال ده؟


قبلها من عنقها وهو يجيب:


-مفيش حاجه تغلى عليكي يا روح قلبي.


❈-❈-❈


وقف يستقبل الحضور وهو يشعر بالسعادة فها هو استطاع أخيرا أن يحقق بعضا من أحلامه بعد أن تخلى عن الكثير منها ﻷجل العائلة، ولكن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا وها هو يكافئ بقطف ثمار تضحايته أخيرا.


جنى ثمار تعبه بالرغم من إصرار والده أن يكتب كل شيئ بإسمه هو حتى يصبح بعد رحيله إرثا ولكن فور أن علم عمه ببراءة اختراعه واحتاجه للتمويل من جديد أبى أن يقترض وأرسل له ما يؤهله ليمتلك نصيبا كبيرا بالشركة وأكد بصرامة أن تلك الأموال المرسلة هي له وله وحده وليست للعائلة أو حتى ﻷخيه وجزءا من ميراثه المقتطع منه.


واستطاع أن يحقق حلما آخر بامتلاك من عشقها قلبه وليس فقط امتلاكا وهي تبغضه، ولكن تبادلت مشاعرها لتعيش معه راضية وقانعة أنه ربما يكون الإختيار الأفضل من أخيه الأصغر.


وأخيرا ها هو يحقق حلما آخر أن يطمئن على أخوته الواحد تلو الآخر هنئين ببيوتهم واليوم يضع قدمه على أول خطوة لتحقيق ذلك بزواج أخيه الذي يصغره بعاما واحد وهو مراد الفهد.


لمحها تصافح العروس وتقبلها وتباركها وبعدها ذهبت لتجلس رفقة والدتها الجالسة بمفردها فوالدها قد اشتد عليه المرض ولم يستطع الحضور، ذهب أخيرا بعد أن بدأت فقرات الزفاف ليستريح قليلا بجوارها وسأل والدتها:


-عمي شرف صحته عامله ايه دلوقتي؟


ردت تحمد ربها:


-الحمد لله على كل حال يا بني، ابقوا تعالوا زوره.


نظر أمامه للمنطدة المستديرة التي تجمع أخواتها الرجال بزوجاتهم وهم ينظرون له ببسمة وتهنئة لزفاف أخيه؛ فترك مقعده وذهب ليتحدث معهم بعد أن أشار له كبيرهم للحضور.


وقفوا بمكان هادئ حتى يستطعيوا سماع بعضهم البعض فتحدث الأخ الأكبر ولا تزال تلك الابتسامة مرسومة على وجهه:


-فريدة عامله معاك ايه يا ماهر؟ 


ابتسم بعفوية وهو يجيبه:


-الحمد لله، زي الفل.


أومأ له مستحسنا وهو يؤكد:


-الحمد لله، أنا بس حبيت أقولك إن مش معنى إن بابا تعبان مش هتلاقينا معاك، إحنا عرفنا بموضوع مدحت ورافضين تماما أي موضوع يتفتح فيه.


جعد ماهر جبينه وهو يسأله:


-قصدك ايه بموضوع مدحت؟


أجابه موضحا:


-من الآخر كده، أخوك رايح يتكلم يمين وشمال إن جوازكم مؤقت وأنه أول ما يخلص جيش هيطلقها منك ويتجوزها.


لمعت عين ماهر وهو يستمع له:


-هو مقالش الكلام ده لينا بس رايح يقوله هنا وهناك والكلام وصلنا، وأحنا صعايده وأنت عارف معنى الكلام ده ايه.


لم يجبه بل أطرق رأسه خزيا من الوضع الذي هو فيه واستمع ﻷخيها يهدده:


-لو ده حصل انتو هيركبكم العار بس أنا عارف أنكم ميهمكمش الحكاية دي، بس احنا لسا ماشين بعوادينا وأصولنا ومش هنسمح بالكلام الفارغ ده وساعتها قتلها هيبقى حلال يا ماهر، وأوعى تفتكر اننا هنتهز ولو للحظه ونخاف نعملها.


صر على أسنانه حتى كاد يحطمها وهو يتابع:


-الحالة الوحيدة اللي بنقبل فيها بالأخ أنه يتجوز مرات أخوه هو الموت وبس وده عشان يربي ولاد أخوه، غير كده مفيش لا طلاق ولا جواز يا ابن حمد الفهد، كلامي مفهوم؟


لم يرد عليه بل نظر له بحدة وهو يؤكد بحديثه:


-كلامك مفهوم ومفيش أصلا نيه عندي لا أطلقها ولا هي في دماغها كلام مدحت، أنت عارفه طول عمره شاب لعبي وطايش ولسه صغير ومش فاهم خطورة اللي بيقوله ويعمله؟


سأله الآخر متهكما:


-يعني أنت وفريدة عايشين طبيعي ولا الكلام اللي أخوك بينطوره هنا وهنا ده حقيقي؟


رد بثقة وقوة:


-أنا وفريدة زوج وزوجة زي ربنا ما قال، ومش عايز كلام تاني في الموضوع ده.


تركهم وغادر عائدا لمكانه بجوارها، ولكنه تفاجئ بأخيه يجلس معها على نفس المنطدة يحدثها بصوت استحال أن يسمعه أي شخص ولكنه رأى ابتسامتها المرسومة على وجهها فاحتدت ملامحه وجلس أمامها يتحدث غاضبا:


-أنت ايه حكايتك يا مدحت؟ مش ناوي تجيبها لبر ومخلي سيرتنا على كل لسان لدرجة الكلام وصل ﻷخواتها.


التفتت بفزع ترمقه بنظرة مستفسرة فأجابها دون أن تسأل:


-أخواتك بيهددوني وعرفوا الاتفاق اللي بيني وبينه.


التفت يهدر به بغل:

-يا ترى عرفوه منين؟


لم يهتم مدحت لحديثه ولا غضبه وأقر:


-أنا ميهمنيش غير إن فاضل لي كام شهر وأخلص جيش وأنت تنفذ وعدك.


قوس ماهر حاجبيه متسائلا:


-وعدي؟! هو أنت واعي لكلامك؟ أبوها تعبان وكل يوم حالته بتسوء و...


قاطعه مدحت مؤكدا:


-واتفاقنا نستنى لحد ما أخلص جيش وابوها يتكل وبعدها...


التفتت تسأله بغضب:


-أنتي مستني موت بابا يا مدحت عشان نتجوز؟ طب وأخواتي؟


أجابها وهو يكور قبضة يده بقوة:


-ميهمونيش في حاجه ﻷن أبوكي هو السبب ولو ربنا أراد انه يروح للي خلقه فساعتها مفيش قوة على الأرض هتمنعني عنك أبدا ولا حتى بابا.


يتبع..


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أسماء المصري من رواية روضتني 2، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة