-->

رواية جديدة حياة بعد التحديث الجزء الثاني من بدون ضمان لخديجة السيد - الفصل 15 - 1 الجمعة 20/10/2023

 


قراءة رواية حياة بعد التحديث

الجزء الثاني من بدون ضمان كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى






رواية حياة بعد التحديث

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة خديجة السيد



 

الفصل الخامس عشر

الجزء الأول


تم النشر يوم الجمعة

20/10/2023



عادت تسنيم إلى المنزل رغم أن حفل زفاف فريدة لم ينتهي بعد، إلا أنها استأذنت بالرحيل بعد قيامها بواجبها، فهي ترغب بالعودة مكبرة إلى ليلى حتى لا تتركها وحيدة لفترة طويلة! إضافة إلى أنها أرادت أن تتحدث معها في أمر جدي بعقلانية، محاولاً إزالة أي خلافات بينهما، فدخلت غرفتها بعد أن استأذنت بالدخول.

ثم همست راسمة ابتسامة عريضة على ثغرها 


= ليلى ممكن ادخل عايزه اتكلم معاكي شويه ممكن.


أجابت دون النظر لها بتأفف وهي تركز عينيها نحو شاشه الهاتف الخاص بها بين يدها


= لا مش ممكن عندي مذاكره كتير ومش فاضيه .


تنهدت بحرجٍ مخجل من أسلوبها، لذلك عمدت إلى استخدام أسلوب الرفق معها، لترد قائله بنبرة هادئة


= بس انا شايفك ماسكه التليفون ومش بتذاكري معلش مش هاخد من وقتك كتير بس لازم نتكلم، مش من كام يوم برده جيتي وقدمتلي هديه وقلتلي تتمنى ان احنا نبقى اصحاب؟ انا بقى عاوزه اتكلم مع صاحبتي شويه ممكن.


تطلعت بطرف عينها بقرف ولم ترد، ضاقت الأخري من طريقتها المتنافرة معها دون أسباب ومع ذلك أصرت على البقاء والاقتراب منها، كطريقة لجذبها للحديث معها وتخفيف حدة التوتر الظاهرة في علاقتهما، جلست أمامها ثم مدت يدها بحقيبة قائلة بابتسامة محببة 


= طب بصي انا جبتلك ايه معايا من برة؟ خدت بالي انك بتحبي نوع القصص دي ووصيتلك عليها وجبتها لك 


عبست ليلي عندما رأت هديتها ولم يأتيها الرد إلا الصمت ثم جذبت الهديه من يدها وألقتها وكأنها ترميها واعطتها ظهرها لتكمل حديثها مع صديقاتها عبرا الشات .


تعلقت عين تسنيم بهديتها التي نالت منها جهداً كبيراً حتى تختارها لها.. شعرت بالضيق من فعلتها فلم تكن هذه المره الأولى التي تعاملها بتلك الطريقه الواقحه، و عندما لم

تجد اهتماماً من الصغيره.. نهضت لكن لم تخرج بل انتقلت الى الطرف الثاني حتى تكون مقابل وجهها لتكمل حديثها معها بإصرار 


= انا مش فاهمه انتٍ ليه مصممه تعامليني بالطريقه دي وتحطي حدود ما بينا؟ انتٍ مش صغيره برده يا ليلى على المعامله دي وعارفه أكيد اللي انتٍ بتعمليه غلط.. على فكره انا لسه فاكر كلامك اللي قلتهلي المره اللي فاتت ان انا خطافه رجاله واني كلها أيام وانتٍ هتخرجيني من هنا وهتبعديني عن باباكي! زي ما عملتي مع غيري هو انتٍ كنتي تقصدي ايه بالكلمه دي صحيح .


ثم تنهدت تسنيم مطولاً بإحباط وهي تضيف بصوت خفيض


= انا ما رضيتش اقول لباباكي وقتها على كلامك عشان احنا قبلها اتفقنا ان هنكون اصدقاء وقلت اجي اعاتبك بينا احسن .


لوت ثغرها للجانب أكثر لتظهر ابتسامة خفية من بين أسنانها وهي تتحدث بعدم خوف قائلة بسخرية


= هو انتٍ بتهدديني ولا حاجه؟ ما تقوليله مفكره لما تقولي كده هتخوفيني؟ هو مش هيصدقك ولا هيعمل لي حاجه وانتٍ متاكده من كده.. فريحي نفسك واطلعي بره لان الجو اللي انتٍ جايه تعملي عليا مش بياكل معايا .


استغربت من طريقتها الوقحة في التحدث معها بدون أي احترام، فعاتبتها قائلة 


= جو ايه اللي انا بعمله يا ليلى؟ انتٍ ليه بتكرهيني ومصممه تشوفيني عدوتك وبعدين مش انتٍ اللي جيتي أصلا بنفسك وقلتيلي نبقى أصدقاء، ولا كنتي بتقولي كده قدام والدك بس؟ عشان تعدي الموضوع وما يزعلش 


لوحت ليلي بيدها قائلة ببرود مستفز


= طب ما انتٍ شاطره أهو وطلعتي بتفهمي .


بدأت تفقد تسنيم أعصابها من كلماتها البغيضة، ومع ذلك إستمرت بالصمود أكثر لتحصل على نتيجة جيد لتصليح العلاقه بينهما، وأجابت بصوت متشنج


= لا اله الا الله، لا الحمد لله بفهم وفاهمه كمان أنك فاكره هكره والدك فيكي وهاخده لوحدي والكلام الغريب ده .. مع اني ده مش هيحصل وانا حتى لو حاولت اعمل كده هو مش هيرضى ولا هيسمح بكده، هو انتٍ مش واثقه في حبه ليكي برده .


نظرت باحتقار لها مقوسة ثغرها للجانب وهي تردف بسخط


= بس مش واثقه في اللي حواليه خصوصا لما يكونوا مش سهلين ذيك، حظه بقى يقع في واحده زيك عماله تمثل عليه الطيبه والبراءه وهي.. شيطانه! 


نظرت لها بعدم فهم، لكنها بدت مهتمة بما تفوهت به، فتساءلت بغيظ


= ويا ترى شفتي مني إيه عشان تحللي التحليل ده؟ ولا انتٍ مصممه بس تشوفي و تصدقي اللي انتٍ عاوزه تصدقي، انا من اول ما حطيت رجلي هنا وانا عمري ما كان في بالي حاجه زي كده؟ حتى لما جيتي اعتذرتي للحظه شكيت أن ده مش قرارك عن اقتناع بس لما صدقت ان تكون خطوه كويسه ما بينا نحاول نشيل السور اللي ما لوش لازمه ده! و نكون قريبين من بعض ما احنا في النهايه عيله برده واحده .


نظرت تسنيم بتمهل مقلق ناحيتها ووجهها مصطبغ بحمرة غاضبة من صمتها، استشعرت ليلي بغضبها المتأجج بها لذلك استأنفت قائلة بازدراء حاقد


= احنا مش عيله واحده ولا عمرنا هنكون كده وانا قلت لك كلها مساله وقت وهتمشي من هنا، انتٍ بقى اللي مش عاوزه تصدقي؟؟ مش انتٍ جايه بتمدي ايدك ليا عشان نكون اصدقاء دلوقتي، وانا برفض يلا اطلعي بره ولا شكلك بتحبي التهزيق كثير... دي ثاني مره اطردك وانتٍ برده مصممة تفضلي .


لم تطق تلك الافتراءات الباطلة عليها، ولا الاهانة الغير محدودة، فصرخت فيها بعصبية رافضة ما تتهمها به


= لا انتٍ بجد فظيعه، وبنت قليله الادب ومش محترمه.. كل عمايلك اللي فاتت كنت بحاول احط مبررات بس بقيت متاكده؟ كنت فاكراكي عاقله عن كده وهنعرف نتناقش ونتكلم بهدوء وبالراحه.. بس انتٍ فعلا مريضه ومحتاجه تتعالجي .


كأن اليوم هو يوم المفاجأت التي تقدمها..

ولكنها كانت تفعل كل ما يريده قلبها تفعله.. حدقت ليلي نحوها والغيرة تكاد تقتلها.. بدءا شيطانها يخبرها أن تسنيم لا تفعل ذلك إلا تعطيها اشاره انها ربحت في النهايه وأصبح لها وحدها.


فاقتربت منها وهي تحدجها بنظرات حقودة متسائلة بامتعاض


= دي خطتك الجديده اللي عاوزه تعمليها مش كده؟ عشان تطلعيني بره حياتكم صح! قلت لك انا فهماكي من أول يوم ومش هناولك اللي في بالك.. يا خطافه الرجاله .


هزت رأسها بإحباط قبل أن ترحل وهي تفكر الي متي ستظل ليلي تبغضها؟ الي متي ستراها بشعه خاطفه للرجال وستخطفه منها وتنسيه ابوته التي يمنحها لها، تمنت أن تخبرها انها سعيده بينهم.. سعيده بوجودها بين عائله متكامله.. لكنها لا تعطيها الفرصة.


❈-❈-❈


جلست وفاء إلى جوار زوجها الذي ربت بخفه على فخذها كنوع من الترحيب بها بمنزلها الجديد، بينما مهرة كانت تجلس أمامهم أستمتعت بالأجواء الطيبة حتى حان موعد تناول الطعام، فتفاجأت بكم الأطباق الشهية التي تم تجهيزها خصيصًا لهم بمناسبة قدومهم.. بدأ سراج يتحدث معهم حتي يزيح بينهما أي حواجز و تسائل مبتسمًا 


= انا خدت بالي أنك بتتكلمي انجليزي كويس يا مهره مع الخدم كويس عشان ما يبقاش في مشكله هنا في التعامل مع الناس .


هزت رأسها بالإيجاب بخجل طفيفة ولم تجيب

لترد بدلاً منها وفاء بفخر بها


= مهره واخده كورس انجليزي وهي اللي كانت مصممه تدرس اللغه دي وانا ما منعتش.. لحد ما بقيت شاطره فيها واتعلمتها بسرعه .


أبتسم سراج لها بإعجاب وقال مؤكدًا بابتسامة عريضة


= شكلها شاطرة فعلا، انا كمان على فكره بتكلم انجليزي هنا بس! ممكن بفهم تركي شويه بس مش بعرف اتكلمه! عشان كده جايب كل الخدم هنا بيتكلموا انجليزي .


تفاجات مهرة بحديثه، وضاقت نظراتها زوجته وهي تسأله باهتمام أكبر


= معقول انا فكرتك بتعرف تتكلم تركي بما انك عشت هنا فتره طويله .


هز رأسه سراج وهو يتحدث بنبرة جادة


= وقتي كله كأن للشغل و ما كانش عندي وقت أتعلم لغه جديده بس مع الممارسه بقيت افهمها انما اتكلم بيها لأ.. والانجليزي انا كنت درسه في مصر أصلا . 


ثم أضاف قائلا بجدية أكبر


= المهم عاوزكم تاكلوا كويس وتناموا بدري النهارده عشان زي ما اتفقنا الحفله هتكون بكره أن شاء الله.. قبل ما تيجي اتكلمت مع والدتك وهي أصرت نعمل الحفله بكره عشان كلنا تعبانين النهارده.. وانا لما فكرت شويه شفت أن ده انسب لينا فعلا على الاقل نبدا اليوم من اوله 


هزت مهرة رأسها بالإيجاب وفي ذلك الأثناء عاد الخادم ليضع صينية طعام أخري بالإضافة إلى طبق فارغ فوق السفره، ثم تحرك يسكب أمام كل من يجلس، لكن بقي طبق وأحد لا صاحب له على الطاولة؟ عقدت حاجبيها بتعجب متسائلة نفسها هل أخطأ الخادم في العد يا تري؟ فهو وضع اربع اطباق وهم ثلاثه على السفره فقط.. وقبل أن تنهي واصلت تفكيرها طغى على صوتها الداخلي صوت عذب آخر يأتي من خلفها، هاتف بنبرة عالية 


= بونجور على الجميع.. هل تأخرت عليكم؟ .


تجمدت مهرة مكانها ولم تتجرأ على الالتفات

والنظر خلفها رغم أنها لم تفهم ما قاله، لكن

نظرات الجميع كانت متعلقة على الرجل الذي خلفها وابتسامات واسعة مرسومة على وجوه الخدم و السيد سراج، والذي رد باللغه الانجليزيه 


= أبدأ، في الوقت المناسب تماماً


شعرت مهرة بالكرسي الذي بجانبها يعاد إلى

الخلف قليلاً، ثم انتشر رائحة الخزامى مختلطة مع العود والعنبر وشيء آخر لم تستطع تمييزه تسيطر على حواسها وتجعل دماغها ينتعش..شعرت بحرارة الجسد الذي جلس بجانبها، ولئلا تبدو غريبة التفتت نحوه ببطء، لكنها لم تتوقع أن تجد عيون زيتية عميقة جميلة تحدق بها بطريقة جعلت جسدها يقشعر،كان شاب طويل القامة عريض المنكبين ذو طلة مهيبة يبتسم بهدوء، وفي عمر ال 21 لكن هيئته تبدو اكثر من ذلك، و لوهله شعرت بان وجهه مالوف عليها لكن لا تتذكر أين رأته من قبل! ثم أضاف سراج قائلاً بترحيب


= اعرفكم الي بعض هذا رسلان ابني الوحيد .

وهذه زوجتي وفاء . 


لم تنتبه مهرة له كثيراً فلم تكن لتدقق في

ملامح أي شخص أمامها وخاصة إن كان شابا،

ابتسم رسلان وهو يمد يدهُ بالمصافحه نحو وفاء قائلًا باحترام


= مرحباً بكٍ زوجه أبي تشرفت بمعرفتك .


لم تفهم وفاء جيد لغته لكنها توقعت بالتاكيد بأنه يرحب بها لذلك صافحته بابتسامه لطيفة أعلي ثغرها، و بدأ زوجها يترجم لها ما قاله. فرغم أن رسلان يعرف اللغه التركيه جيد لانه عاش هنا سنوات طويله بالاضافه إلي والدته كانت تتحدثها بالاصل فكانت جنسيتها، لكن مع والده يتحدثون الانجليزيه فقط لان سراج لا يجد التحدث باللغه التركيه مثل ما أخبر مهره للتو .


نظر رسلان نحو مهرة بتمعن، انه تذكرها جيدا...أنها نفس الفتاة التي وجدها في الصباح في المتجر وهي ترتدي فستان زفاف!! لقد اعتقد انها عروس صغيره! هذه القامه الصغيره و هذا الوجه الطفوله البريئه والذي تحيط بوجهها الابيض لتناقض لونه وتبرزها، و هذه النظرة الخجوله التى لم يراها من قبل..فأنها هي..أنها نفس الفتاة التي قابلها فى محل الفساتين، رفع إصبعه يشير لها معتقدا انها لا تفهم حديثه باللغة الإنجليزية


= ومن تكون هذه القزمه ابنتها!. ما إسمها؟ 


عقدت حاجبيها بدهشة وهى تنظر إليه بحدة، بينما نظر سراج إلي إبنه وقال بصوت تحذيري


= رسلان! توقف عن مضايقه الفتاه ولا تتنمر عليها وتزعجها، هي مازالت لا تعرف أسلوبك السخيف هذا .


ضيق رسلان عينيه باستغراب وهو يشرح الأمر ببساطه ربما بالفعل لا يقصد التنمر لكن هذه طريقته بالحديث مع الآخرين


=أبي أنا لا أتنمر هي فعلا قصيرة القامة وتشبه عقله الإصبع؟؟ حسنًا، لا تنظر إلي بهذه الطريقة. وهذا لا يعني عيب، أنا أقول الحقيقة ولا أتسلط.. حسنًا، هي فتاة قصيرة، وهذا واقعها، فلما اراوغ.. ثم هي لا تفهم كلامي! إذن ترجم لها باللغة العربية أنني تشرفت بلقائها.


ابتسم سراج وهو يرفع كفه يتلمس التمهل ليتمكن من الإجابة بتحدي


= لماذا لا تخبرها بنفسك؟ إنها تفهم اللغة الإنجليزية، مما يعني أنها تفهم ما تقوله


انصدم رسلان وحك رأسه بإحراج طفيف ثم عاد يظهر الحماس على وجهه قائلاً بمرح نوعاً ما


= أنتٍ تفهمين اللغة الإنجليزية حقًا، إذن لما تريحي قلبي الملهوف في الصباح عندما وجدتك تجربين فستان الزفاف! اعتقدت أن هذا يعني أن أحداً ما حظي بهذا الملاك البريء ولم أراكي مرة أخرى .


قفز قلب مهرة بعنف من كلماته و التفتت ناحيته بحذر وهي ترفع نظرها إلى ذلك الشاب الذي شبه كان يغازلها.. وعندما لم يحصل منها على اجابه، لمعت عينيه وهو يميل عليها ثم أضاف هامسا


= بما انك تفهمي حديثي جيد لما لا تجيبي؟ هل لا تتذكريني! لقد تقابلنا سابقا !


لاحظت وفاء حديث رسلان مع مهرة بهمس وتضايقت من ذلك لأنها لا تفهم اللغه وتساءلت عما يحدث، ليجيب سراج قائلا بهدوء


= بيقول انه شاف مهرة قبل كده ؟ 


ثم أضاف متسائلا بتعجب


= أين تقابلتما سابقا ؟


شعرت مهره بالحرج خشية من أن تعلم والدتها بشأن فستان الزفاف، لكن رسلان قال بعدم مبالاة


= في أحد المتاجر وجدت سائقنا واقفاً أمام المتجر، وعندما اقتربت منه سألته ماذا يفعل هنا؟ فأجاب أنه كان ينتظر السيده الصغيره ودخلت حتى أراها؟ لكن في البداية لم أعتقد أنها هي واعتقدت أنها فتاة أخرى.. فغادرت.


صمت وهو يفكر كيف للصدفة أو القدر ربما أن يجمعه بتلك الفتاة التي رأها في الصباح كانت نفسها إبنه زوجه أبيه، واضاف مبتسماً نفس الإبتسامة المرحه 


= لكن كان هذا من دواعى سرورى سيدتى أن اراكي مجدداً.. تشرفت بكٍ .


❈-❈-❈


أوشك الحفل على الانتهاء، وبدأ المدعوين في الانصراف واحدًا تلو الأخر، ولم يتبقَ إلا بدر و فريدة بمفردهما معا! ناثرة ذيل ثوبها خلفها وهي تجلس فوق الفراش بداخل الغرفة، رغم يقينها بأنها بدأت تطمئن بأنه سيمنحها الأمان والاستقرار لكن ما زالت تخشى التعامل معه، حاولت بث الثقة لنفسها كي تهدأ، فلم تستطع إخفاء خجلها أو خوفها وبقت في حالة إنطواء فاركة لأصابع كفيها المتشبثة بباقة الورد، لكن ذلك لم يؤثر في شيء، الأمر المقلق بالنسبة لها هو اختلائها معه، هي متأكدة أنه لن يفوت الأمر دون أن يتودد بشتى الطرق لها، فهو بالنهاية رجل! وهذا أصبح حقه ولا يوجد رجل بالعالم سيتفهم أمرها ويعلم كيف التعامل مع حالتها، بدأت مقتنعه بكل ذلك وبدا قلقها يزيد أكثر وأكثر.. فكرت بفكرة مقنعة أو حجة ما تمكنها من تأجيل تلاحمهما معًا، لكن لتصارع الأفكار في ذهنها لم تصل لشيء! حتي لج إليها راسمًا على ثغره إبتسامة هادئه وتأملها بأعين لامعة ثم أردف قائلا مبتسماً


= مش هتغيري هدومك يا عروسه؟ 


تأهبت في جلستها وتسارعت دقات قلبها عند سماع صوته، وعمد هو التطلع إلى وجهها بأعين متلألأة وكأنه يناديها بنداءٍ خفي، لكن خيبت أمله بعدم النظر نحوه، حيث كانت منشغله بتوترها وتفكيرها بالقادم، تنهد بدر ليضيف قائلاً


= أنا عذرك و عارف أن جوازنا جه قوام من غير ما نتخطب ولا نتعرف على بعض اكتر، و قلت لك ان انا مش هقدر اعمل فتره خطوبه وعاوز نتجوز على طول... لاني مش هقدر اعمل زي المخطوبين الأيام دي واحسسك انك زي اي بنت نفسها تفرح وتحب! بس صدقيني فتره الخطوبه كانت هتبقي زي عدمها وانا مش هلاقي عندي وقت للكلام ده.. انا عارف أن كلامي ممكن يضايقك و أنك اكيد مستغربه و متاخده مني واحنا تقريبا ما شفناش بعض غير مرتين ولا ثلاثه


هزت فريدة جسدها بعصبية، لا تعرف ما الذي أصابها لكن فاق التوتر لديها حد المسموح به،

ثم ضمت شفتيها بسخرية مريرة وهي تقول بصوت شبه مكتوم


= ما شفناش بعض غير مرتين ثلاثه ايه اذا كان أسمك ذات نفسه؟ ما سمعتوش غير ثلاث مرات 


أعتقد أنها تسخر أو ربما مستاءه من سرعه ارتباطهم لكنها كانت تتحدث هكذا من سخرية ألمها الى نفسها والى ما وصلت اليه، ومع ذلك هتف قائلاً بصبر


= يا ستي ممكن نتعرف علي بعض دلوقت.. إسأليني أي سؤال و انا هجاوبك 


طالعته بنظرات قلقة، هي تعلم نواياه نحوها خاصة أنها الليلة المنشودة، شعرت بجفاف كبير في حلقها و بدقات قلبها تتصارع داخلها، تهدجت أنفاسها نوعًا ما وهي تحاول أخذ حذرها منه...وظلت ملازمة للصمت لم تنبس بكلمة رغم محاولاته اجترار الحديث معها، تفهم بدر جيد سبب صمتها المزعج، وتعهد لنفسه ألا يجعل الجفاء يستمر طويلاً، هي أصبحت زوجته ويجب ان ترضخ الى ذلك، لقد وافقت عليه بكل ارادتها ولن يقبل مُطلقًا بتلك المعاملة الصامته منها، وحتمًا سيجد وسيلة لإذابة الجمود المؤقت بينهما، فهو لم يتزوجها حتى تكون حياته ساكناً كما كانت سابقاً، إحترام سكوتها و أجاب مرددًا بهدوء


= طالما مكسوفه و سكتي يبقا انا هجاوبك من غير ما تسألي.. ممم ممكن اجاوبك على حاجات تانيه نسينا نتكلم فيها مع بعض، ذي مثلا أنا عندي ٢٨ سنه و كملت علام لحد خمسه إبتدائي و عارف ان انتٍ مكمله تعليمك 

ودي حاجه مفرحاني على فكره، يمكن ربنا بعتك لي تساعديني في علام بناتي اللي نفسي ما يبقوش زيي.. تعرفي أن انا كنت بدعي ربنا دائما أن كل الحاجات اللي اتحرمت منها وانا عيل صغير اقدر اعوضها ليهم .


إبتلعت ريقها بجمود دون رد ربما هي متحرجة منه، متخوفة من بقائها معه، فالأمر جديد عليها كما أنها لا تزال عديمة الخبرة فيما يتعلق بالزواج، بالإضافة إلى تجربتها السيئة بحكم زيجتها السابقة، دنا بدر من فراشها ليجلس إلى جوارها ثم مد يده ليلتقط كفها، احتضنه بين راحتيه ماسحًا عليه بقوة وهو يتحدث بنبرة دافئة


= بكره الوقت هيثبتلك اني مش وحش زي ما انتٍ فاكره، ولا زي الرجاله اللي انتٍ قابلتيهم في حياتك وخلوكي متعقده وخايفه تقربي من أي راجل تاني .


جذبت يدها منه بسرعه ولم تدعه يلمسها مبديًه نفورها منه أو ليست هو بالأخص! لكن تملكتها الرهبه من الجميع، و لم تستطع إخفاء خوفها وبات واضحًا عليها انزعاجت هي من ذلك كونها صريحة، حتى نظراتها كانت تشير إلى قلقها الشديد! نظرت فريدة إليه فتعقدت تعبيراتها بضيق، ثم صاحت فيه بحدة طفيفة


= انا مش خايفه منك أنا بس مش قادره آآ يوووه انت مش فاهم حاجه ولا عمرك هتفهمني .


أبتسم في استهجانٍ، وعاتبها بهدوءٍ


= علي فكره أنا عارف انتٍ اتجوزتيني ليه؟ عشان تهربي من اهلك اللي كل شويه يظهروا في حياتك من تاني، و خطيبك السابق اللي اتجرأ وخطفك المره اللي فاتت من غير ما يفكر ولا يخاف من حد لأنه شايفك لوحدك وانتٍ ليكي حق تقلقي من كل ده وتخافي، وما لقيتيش في اللحظه دي غيري وانك تقبلي بيا عشان تهربي من كل ده.. انا فاهم وعارف كل ده من غير ما تحاولي توضحي ومش زعلان ولا حاسس انك استغليتيني زي ما فكري، لاني حسبتها بطريقه تانيه؟ زي ما انتٍ ليكي اسبابك انا كمان ليا اسبابي.. لكن اللي عايز أقولهولك يا بنت الناس ومسير الأيام توريهولك إن عُمري في يوم ما أغصبك على حاجة.


قطبت جبينها وتطلعت إليه مليًا وكأنها تفكر في أمر ما، والحق يُقال أنه استحوذ على تفكيرها لوقتٍ لا بأس به! تستوعب كلماته وكشفه لامرها وكيف متقبلها كما هي! دون أن يعاتبها على شيء ليس خطأها من الأساس. 


فسر لها مقصده أكثر، وهو يهز رأسه معلقًا بتفهم واحترام غير مزيف


= ربنا هو اللي جمعنا ببعض! وهو اللي هيقدرني أسعدك و أحافظ عليكي، البيت ده بيتك من النهارده و أنا فيه ضيف، و أوعدِك عُمري ما هبقي ضيف تقيل .


تصلبت عروقها من طريقته تلك، فلم تتوقع مطلقاً أن يكون متفهم لحالتها الى ذلك الحد دون أن تتحدث بكلمه واحده، تنهدت بقوة فقط ازاح عنها توتر عصبي شديد كانت تحمل همه ولا تعرف كيف تجمع شجاعتها للتحدث في ذلك معه، وهل اذا تحدثت سيكون متفهم لامرها ام لأ؟ لكن حقا فاجئها، فاتسعت مقلتاها إلى حد ما وهي شبه مصدومه! فهل هي واضحه الى ذلك الحد أم هو الذي يعرف كيف يفهمها جيد؟ زادت رهبتها من صمتها المريب، وتوترت نظراتها نحوه، بينما أظهر ابتسامة مشرقة وهو يدنو منها مجدداً ليسألها في اهتمامٍ


= رجعتي سكتي تاني! ومالك بتبصلي كده ليه ومبلمه؟ مستغربه عشان انا فهمك، من اول ما الفرح خلص و دخلتي هنا وانا عارف قاعده متوتره كده ليه وقلقانه.. بس هو يعني الموضوع مش محتاج ذكاء ولا مفهوميه طبيعي واحده زيك عاشت اللي عاشته هتكون مش قبله ده ولا حب حد يجي جنبها ويلمسها، حتى لو الحد ده كان جوزها.


حاولت أن تتخلى عن رهبتها من الخوف منه خلال فترة تواجدها معه ومنذ الآن، لتبدو كسيدة بسيطه بجانب زوجها تراعي أطفاله و أطفالها بالمستقبل، لاحت ثواني متذكرة تلميحات الناس أو بمعني أدق أقوال المجتمع المريضة عن جهلهم وتخلفهم الفاضح بأن لا يوجد رجل يستطيع ان يقبل امرأه مثلها زوجه له بالإضافة إلي عارها ونظراتهم الاستحقارية الموجهة لشخصها. هاجمتها أسوأ اللحظات البائسة لكنها نفضت جميع أفكارها السوداوية، المتعلقة بالماضي عن رأسها، ترددت في الإستجابة له وتصديقة، لكنه أنذرها بلهجة متفهمة لم تبدُ مازحة


= انتٍ مش محتاجه تقولي حاجه، وانا اكيد مش متجوزك عشان السبب ده وبس.. الأيام لسه قدامنا كتير يا فريده .. واللي ما قدرتيش تتخطي النهارده هتتخطي قدام صدقيني .


نهضت لكن حافظت على إبقاء مسافة آمنة لها منه، ثم رفعت رأسها في وجهه هاتفة بصوت متألم وقد غالبتها دموعها


= بدر انا آسفة، حقك عليا مش عارفه انا بتاسف على ايه.. بس شكلي هظلمك معايا .


رد عليها بدر بنبرته الحانية


= مش محتاجه تتاسفي يا فريده وانتٍ ما ظلمتنيش ولا حاجه، ما انتٍ معرفاني كل حاجه قبل الجواز يبقى هعمل نفسي ليه مش فاهم واستعبط! .. قلتلي انك اتعرضتي للاغتصاب مرتين؟ مره قبل الجواز ومره من نفس الشخص برده بس بعد ما اتجوزك؟؟ و المرتين كانوا غصب عنك! يبقى اكيد هتكوني محتاجه وقت لكده.. و صدقيني حتى لو 

ماحصل لكيش كده وطلبتي مني مهله عشان نتعود على بعض؟ برده اكيد كنت هوافق ما أنا مش متجوزك عشان اعذبك ولا اغصبك على حاجه مش عاوزاها، بالطريقه دي يبقى مش ده الجواز اللي انا بسمع عنه واعرفه؟ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ.. الحاجات دي بالذات بالرضا يا فريدة، مش بالغصب!


مشاعر مختلطة عصفت بقلبها في تلك اللحظة ونسمة هواء باردة لفحت وجهها قشعريرة بسيطة غلفت جسدها، ثم لفظ الهواء ببطءٍ من صدره ليقول لها بنفس أسلوبه الهادئ


=عندك الأكل بره هتلاقيه جاهز انا شاريه مش محتاجه تعملي، و هطلع بره دلوقتي ولما تغيري هدومك براحتك اندهي عليا عشان نأكل لقمه سوا.. ومعلش مضطر انام هنا جنبك بس عشان ما فيش سرير تاني و الكنب مش مريح للنوم هنا، بس لو انتٍ مضايقك انا ممكن افرش في الأرض وانام .


مره ثانيه يصدمها باحترامه والتعامل مع مخاوفها بطريقة مريحة، هزت رأسها برفض مترددة، فأبتسم لها بأمل واضاف مبتسماً قبل أن ينسحب للخارج 


= ماشي انا بره لو عاوزتي حاجه اندهي عليا .


❈-❈-❈


وفي منزل ناهد، كان سالم يسلم ليلى لجدتها اليوم، لتقضي معها عدة أيام كما اتفقوا سابقًا، وعندما تحرك سالم للذهاب علق بهدوء قائلاً


= يلا يا حبيبتي عاوزه حاجه انا همشي بقى عشان اروح لتسنيم الوقت اتاخر، وانتٍ استمتعي بالاجازه مع جدتك .. يلا سلام 


لكن أسرعت ليلي وهي تحمل الطعام بين يدها

لتقف أمامه و ابتسمت قائلة بسعادة


= بابا انت رايح فين مش هتذوق المكرونه بالجمبري اللي انا عملتها، ده انا اتعلمتها مخصوص عشان بتحبها و أول مره اعملها النهارده.. عاوزاكٍ تقول رايك فيها. 


انتبهت حواس سالم لما قالته، ولاح في عقله أفكارًا كثيرًا، أهمها تسنيم التي تنتظر اياه في المنزل حتي تتناول معه الطعام كما أخبرته، لكن لم تعطيه الأخري فرصه للرفض! حيث أسندت ليلي سريعًا على الطاوله أمامه الطعام هاتفًه بتلهف


= شوف كمان السلطه وقول رايك .. عشان تعرف بنتك بقت شاطره وهتتعلم الاكل كله 


تنهد بتأفف وهو يتذوق سريعاً من الطعام ليرحل لكن بالطبع لم تتركه ليلي حتي تزعج الأخري، بدأ يشعر سالم بأن الوقت يمر لكن مع ذلك لم يستطع الرفض أو الإعتراض أمام ابتسامتها وأنها أحضرت كل ذلك لأجله، بينما راقبت ليلي والدها بإبتسامة عابثة خبيثة.


عند تسنيم نظرت إلي هاتفها بعد أن مضت الساعتين ولم يهاتفها، كانت تنظر إلي الطعام فوق المائدة بحماس فقد أرادت أن تحظي بوقت ممتع مع زوجها لوحدهم أليس حقها؟ فطول الفتره السابقة كانت تراه بالصدفه لانشغال الإثنين في عده أشياء، وعندما علمت بان ليلي ستقضي أيام الإجازة عند جدتها وجدتها فرصه مناسبه اليهم لقضاء وقت ممتع سوا..لكن تلاشت مع كل دقيقه تمر وهي تنتظر مكالمته أو يأتي..وضعت له الأعذار كما اعتادت وقررت تهاتفه ثانية لكن لم يرد.


وفي منتصف الليل عاد سالم أخيرا ليجد تسنيم نائمه فوق المقعد، أغلق الباب بهدوء و أقترب منها وبدأ يلامس وجنتيها برفق حتي فتحت عينيها له، ليقطب حاجبيه متعجباً ثم سألها


= تسنيم قومي يا حبيبتي مالك نايمه كده ليه 


اعتدلت من فوق الأريكة لتنظر إليه باهتمام لكن ما لبث أن تلاشى سكوتها المؤقت، اغتاظت من تأخيره فعاتبته قائلة باقتضاب


= اتاخرت ليه كده؟ مش قلت انك هتودي ليلى وهترجع على طول انا سخنت الاكل مرتين وكنت فاكراكي هتيجي 


صمت للحظات قبل أن يجيبها بحذر


= معلش يا حبيبتي، ليلى كانت جهزت الاكل بنفسها وكانت مصممه اذوقه قبل ما امشي وما سابتنيش غير لما اتغديت معاهم 


وكالعاده تكون ليلي الحجه لأي تأخير أو شيء تريده منه، ولا تمتلك الحق لتعترض! حتى لا يظنها زوجه سيئه أو زوجه اب انانيه و تريد زوجها لها بمفردها، وكأنها ليس لها حق عليه؟ لذلك لم تعد تتفاجأ .


لاحظ الطعام فوق السفرة لم يمس، فاستدار سالم ناحيتها يتأملها متردد فتمتم باستغراب


= شكلك ما اكلتيش قومي كلي اي حاجه قبل ما تنامي .


نظرت له مطولاً قبل أن تجيبه بجفاء تام


= لو اكلت دلوقتي مش هعرف انام عندي شغل بكره الصبح يلا أدخل نام انت تصبح على خير.


تحركت من أمامه دون أن تنتظر رده! فمن الواضح حتى المنزل بدون ليلي لن تنعم بهدوء فيه أو معا صاحبه .

تابع قراءة الفصل