رواية جديدة حياة بعد التحديث الجزء الثاني من بدون ضمان لخديجة السيد - الفصل 15- 2 الجمعة 20/10/2023
قراءة رواية حياة بعد التحديث
الجزء الثاني من بدون ضمان كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية حياة بعد التحديث
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة خديجة السيد
الفصل الخامس عشر
الجزء الثاني
تم النشر يوم الجمعة
20/10/2023
❈-❈-❈
في الصباح استيقظت فريده ونظرت حولها باستغراب ثم بدأت تتذكر أحداث الليلة الماضية وأنها تزوجت من بدر! تأهبت حواسها حينما ألتفتت جانبها لتجده نائم و يشاركها نفس الفراش! أخفضت رأسها بسرعه تنظر إلى الوسادة التي وضعتها بينهما فاصل! وكأنها ستحميها من أي هجوماً ما .
وبالرغم أنه تضايق من خوفها منه الي ذلك الحد، لكن لم يعلق على ذلك واحترام خوفها ثم تحرك ينام بهدوء، تقلبت على فراشها بحذر كي لا توقظه لتحدق أمامها بشرود ثم بدت ابتسامتها أكثر وضوحًا وهي تسترجع كلمات بدر لها الليلة الماضية وكيف أزاح عبء كبير من على قلبها واحترام رغبتها ولم يجبرها علي شيء لا تريده!! ظلت كلماته صداها يتردد في أذنيها.. لكن بالتاكيد ذلك الوضع لم يستمر كثيراً! وإن تركها اليوم دون أن يلمسها؟ لم يتركها طوال الوقت وهذا حقه بالنهاية بعد أن أصبح زوجها، توترت أكثر وحاولت أن تنهض بهدوء لكنها في تلك اللحظه سمعت صوت طفله تبكي من الغرفه المجاوره بجانبها علمت على الفور بأنها بالتاكيد أحد التوأم و قد استيقظت لتسرع في خطواتها إليها.
مرت ساعه حتي أستيقظ بدر ولم يجد فريده جانبه! ليخرج الى الخارج يبحث عنها، ليجد أمامه بغرفه المعيشه بناته لقد استيقظوا وهم يلعبون في الأرض و جانبهما الأدوات الخاصه بطعمهم مثل الببرونه واللبن البودره! ابتسم بهدوء بعد أن علم بأنها انتهت من اطعامهم وتحرك يبحث عنها في إتجاه المطبخ .
حيث كأن هناك صوت بالداخل، وقف خلفها دون أن يصدر أي صوت، حيث كانت تظهر مهاراتها في إعداد الفطور بصورة جذابة للأنظار، و بالتالي لم تشعر بوجود بدر معها، راقبها باستمتاع كبير فاخيرا بدأ يشعر بالراحه نوعاً ما، وأن المنزل يسير بطبيعته، وسيعود ينتشر الدافئ والاهتمام من جديد بوجودها.
ظل يشرد بها وهي تتحرك هنا وهناك،حتي لمحته فريدة خلفها و توترت قليلاً منه فما زالت لم تتعود على وجوده، أبتسم قائلاً
= صباح الخير ما صحتنيش ليه كنت ساعدتك في الفطار، طالما البهوات صاحيين من بدري كده .. تلاقيهم تعبوكي معلش .
وقفت متأملة إياه بنظرات مرتبكة، فأمسك بها بعينيه تورد وجهها خجلاً منه، وحادت ببصرها بعيدًا عنه وهي ترد
= لا ولا يهمك انا خلاص خلصت .
أقترب يساعدها كعادته يفعل كل شيء بالمنزل بنفسه تحت استغرابها، وما هي إلا لحظات وتجمع الإثنين حول مائدة الطعام، ثم قال متسائلا باهتمام
= هي اجازتك هتخلص امتى يا فريده عشان ترجعي الدار تاني لشغلك، عاوز اعرف عشان ارتب ظروفي و اعرف هنودي البنات فين في وقت شغلانا .
كانت تختلس النظرات إليه بين حين وأخر وكان يداعب طفلته التي أصرت على أن يحملها فوق قدمه والأخري ظلت بالأرض تلعب، أبتسمت له بارتباك قائله
= لا ما انا قدمت استقالتي خلاص فما تتعبش نفسك هم هيفضلوا معايا طول اليوم
اتسعت عيناه بدهشة وأجابها عفويًا
= نعم وليه عملتي كده؟ انا ما طلبتش منك حاجه زي كده ولا كنت عمري هطلب انا قلت لك انتٍ مش ملزمه لخدمتهم فما كانش في داعي تسيبي حاجه بتحبيها و متعوده عليها عشانهم .
ردت فريدة من بين شفتيها بهمس خافت
= انا ما سبتش الشغل عشانهم و بس انا سبت الشغل عشان انا عاوزه كده! من ساعه ما اهلي و أسر عرفوا مكاني وانا بفكر اصلا اغير مكاني وابعد عنهم .
بدأ بدر مهتمًا بمعرفة سبب رفضها للعمل الحقيقي، فسألها بجدية وهو يدير رأسه في اتجاهها
= طب اديك قلتيها تغيري مكانك يعني تشوفي شغل ثاني.. مش تسيبي الشغل خالص .
اعتلى ثغرها ابتسامة حزينه لم تبذل مجهودًا في إخفائها، وأجابته قائله بيأس
= زي ما عرفوا مكاني اولاني هيعرفوه تاني بسهوله؟ ممكن أفكر قدام ارجع إنما دلوقتي مش حابه انا بصراحه مش من النوعيه يعني اللي بتحب الشغل للدرجه دي انا كنت بشتغل كهروب عشان مش لاقيه حل تاني .. وتعبت من جو ان انا اروح من مكان لمكان ويعرفوا قصتي وافضل احكي مبرراتي والقديم يتفتح وهكذا.. وكل واحد يعمل عليا حكيم ويفضل ينصح فيا ويلومني ان انا ازاي فرط في شرفي بسهوله كده وكالعاده يحولوني انا الجاني مش الضحيه .
توالت دهشته بعد كشف الستار عن كل ما يخصها من مخاوف، فتسائل بضيق شديد
= يااه ده الموضوع طلع أصعب مما اتصور ، أقذر حاجة في الدنيا إن حد أساسا يعمل نفسه فاهم ويحكم ويعاير وهو خايب، وبعدين على أي أساس يعني عاملين نفسهم مصلحين وبينصحوكي ،هم اللي حياتهم سليمه أوي.
ارتدت قناع الجمود على وجهها، وردت بعدم مبالاة زائفة لتخفي ألمها الذي زاد أكثر
= ربنا يبارك فيك، ده عشان بس انت بني ادم سليمه فـ بتشوف بشكل سليم في ناس وظيفتها تشوف العيـوب بس وأن الابتلاء بتاع ربنا عيـب.
سردت على مسامع بدر ما حدث ابتداءا من دخولها الى المؤسسة حيث تعمل صباحاً والى ان خرجت، حكت عن الهمزات واللمزات التي كانت تلاحقها في كل مكان تذهب اليه، وعن تعاطف القلة وشماتة الكثيرين!!.. وعن بعض الهمسات الخانقة التي تشكك بصورة غير مباشرة عن السبب الحقيقي الذي جعل شاب مثل حسام يتطاول عليها ويفقدها شرفها وكأنها هي من سمحت له بذلك!
تفاجأ من حالة الجمود التي سيطرت عليها دون سابق إنذار رغم انها تقص عليه معاناتها الصعبة لكنها لم تذرف الدموع! لكنه كان على يقين تام بانها تخفي داخلها الكثير من المشاعر السلبيه، تنهد مستاءً وهو يفرك جبهته ثم رفع رأسه إليها وقال بجدية أكثر
=اوعى تفتكرى أنك ضيعتي شرفك لا يا فريدة الشرف مش نقطتين دم بس، الشرف اغلى من كدة واكبر من كدة! الشرف ثقة واحترام وانتٍ حسب اللي قلتهلي ما خسرتيش دول؟ لسه الحمد لله محتفظه باحترامك لنفسك.. و الشخص اللي عمل كده هو اللي خسر شرفه مش انتٍ! انتٍ خسرتي حاجه تانيه للأسف عشمك في الناس اللي بتحبيهم و خذلوكي
بعض الكلمات الصادره منه اراحتها بشده وصدمتها بنفس الوقت بأنها أخيرا قابلت أحد! ينظر الى الأمور بالطريقه الصحيحه ويشعرها ان الأمر ليس خطأها، في حين ان قلبها الصاخب جعل ابتسامه خافته تتسلل لشفتيها في هذا اليوم الكئيب، لترد و داخلها تتحسر على حالها لأنها لم تسمع ذلك الحديث أبدا بل دائما تسمع عتاب
= أول مره حد يحسبها كده؟ لما يسمعني و يقول لي اصلا ان انا ما خسرتش شرفي! ولا ان اللي اغتصبني هو اللي خسر شرفه مش انا، للاسف الناس مش بتحسبها كده .
أخفض بدر عينيه لينظر إلى طفلته مرددًا بصوت رخيم
= وانتٍ شاغله نفسك بالناس ليه اصلا ؟ ولا دي حاجه جديده عليهم ولا عمرهم هيبطلوا العاده دي؟؟ انهم يتكلموا في سيرة الناس بالفضايح ويحكموا على الناس وهما ما لهمش فيه، الغلط هنا عندك يا فريده انتٍ إللي لسه مديهم اهتمام وبتسمعي رايهم في اللي ما يخصهمش.. ما تقلقيش كل واحد قال كلمه وحشه في حق التاني بتترد لي .
يا الله كم تمنت أن تجد شخص وأحد يدعمها بالحديث كذلك، أن لا يسمح للمجتمع والناس التدخل في شؤون حياتها دون حق!! لكن والدها و أسرتها بعده كانوا يضعون الناس دائما في المقام الأول! حتي علي حساب نفسها.
كانت بحاجة إلى شجاعة عظيمة لتواجه ذلك المجتمع والناس و الجيران و الاصدقاء وأهلها
وكلمات تدعمها وتبث فيها الأمل من جديد، لكنها مع الأسف لم تجد صديق ولا أسره ولا شقيقة ولا حبيب! رأت قسوة فقط! لقد تخلي عنها الجميع.. و المثير للسخرية بعد كل ما صار و حدث تجد من يسألها؟ لما لا تعود وتنسي !!. فهل تجاوزت الالام لتنساها من الأساس.. فلا أحد في الكون يعرف المعنى الحقيقي لكلمات"المجروح من عائلته لا يشفى" إلا من تجرع منهم الألم الحقيقي .
تنفست الصعداء بتريث، وهتفت بصوت متردد
= هو انت متاكد يا بدر انك ما تعلمتش؟ أصلا كلامك دلوقتي و امبارح معايا عجيب، أو أنا مستغربه طريقتك اللي بتتكلم بيها عشان ما قعدتش معاك كتير وسمعتك.. بس عقليتك بتحسسني كانك درست كتير وانك متعلم وفاهم وواعي لكل حاجه حواليك
أبتسم لها بدر قائلاً بهدوء
= طب ما انا دخلت مدرسه بس مدرسه تانيه.. أنا اتعلمت من الدنيا ما هي مدرسه برده .
حدقت في عينيه المتطلعتين إليها بنظرات غريبة نوعًا ما، بدت غير مقتنعة بكل ما يدور حولها أو غير مصدقه، لذلك أحست بوجود أمر مريب في المسألة خاصة أنها لم تعد تقابل أشخاص جيدة في ذلك الزمن، فمن اعتاد على القلق يظن الطمأنينه كمين! ثم همست بشرود تفكر داخلها
= يا ترى انت طيب للدرجه دي؟ ولا بتمثل الطيبة عليا يا بدر، بس حاسك انسان مختلف عن كل اللي قابلتهم في حياتي.. و فيك حاجه غريبه .. أو أنا اللي من كتر ما بقيت أشوف في حياتي بقيت أشوف الصح غريب
حركت رأسها لتنفض أفكارها عنها وهو يهب واقفا عندما رآها تنهض لحمل الأطباق وأسرع يأخذها قائلاً
= خليني أساعدك واشيلهم أنا، كفايه ان انتٍ جهزتي الفطار.
حاولت منعه لكنه اسرع ينفذ قوله وهو يحمل الأطباق إلى الحوض ويبدأ في غسلها فوراً .
❈-❈-❈
كانت لوزه تجلس في المنزل شارده الذهن بحزن شديد، تخبط رهيب في أفكارها بل الأحرى صدمه جلية سيطرت عليها بعد ارتباط بدر بتلك الفتاة التي لا تعرفها مسبقة، شعرت بدموعها الأليمة تتدفق إلى وجهها لتزيد من سخونته، ربما لكونها في موقف عصيب ولكون الشخص الوحيد الذي أحبته واعترفت بحبها له؟ رفضها وذهب إلى غيرها، فتأثرت خلايا قلبها تلقائيًا بذلك! لكن الأكيد أنها لم تجد من الحلول ما تستطيع فعله في موقف كذلك.
اختلس زوج أختها النظرات نحوها، راقب دموعها وحزنها بضيق شديد وقال بصوت غاضب
= ما تسكتي أختك اللي من ساعه ما الفرح خلص وهي نازله ندبه وعماله تعيط في ايه؟ ما تكبري دماغك بقي يا لوزه، ده واحد بقى متجوز دلوقتي و الجواز مش بالعافيه يعني.. ده نصيب في الأول وفي الآخر
إبتلعت ريقها زوجته متحاشية النظر إليه بسبب موقف شقيقتها، و زاد تخوفها من رده فعله خصوصا أنه محق واختها تجاوزت حدودها في حزنها لشخص أصبح متزوج الآن، فقالت بتوسل خفيف
= حقك عليا أنا معلش.
سحبت لوزه نفسًا عميقًا لتضبط به نوبة بكائها، ثم أردفت بصوتها المنتحب
= ما كان قبل كده مش متجوز و انا كنت قدامه؟ اشمعنا هي، يعرفها منين دي أصلا ولا جابها من انهي مصيبه.. وازاي دخلها على بناته اللي مش بيقبل حد يجي جنبهم لواحده غريبه زيها.. يضمنها منين هو .
لتصيح فيها أختها بلهجة آمرة
= يا بنت اكتمي إحنا مالنا، ما اكيد يعرفها كويس وعارف اصلها مين مش مستنيكٍ انتٍ تقوليله ايه الصح و ايه الغلط لولاده .
حانت منها التفاتة سريعة نحوها لتظهر تعابير وجهها يكسوها الحزن والحسرة، شاعره بغصة في حلقها، وقالت بصوت مفتعل بصعوبة واضحة في نبرتها
= يعرفها منين وفين؟ ما هو على طول قدام جوزك في الورشه وما بيروحش ولا يجي في حته غريبه، قابلها فين دي؟ يعني كان بيستغفلني طول الفترة اللي فاتت وهو عينه على واحده ثانيه! انا كنت شاكه من الاول عشان كده كان بيرفضني .
فغر فمه عوض مدهوشًا من ردها الغريب فهي تتحدث وكأن بينهما شئ ما بالماضي، استدار ليحدق في زوجته أمامه متمتمًا بصوت تحذيري
= انا قايم اختك سدت نفسي، إللي هتفضحنا خليها تنسيه و تطلعه من دماغها، ده بقى واحد متجوز وكمان بشتغل معاه.. أختك عاوزه تخرب عليا وعليكي..
نهض ليرحل للخارج، بينما نظرت لها أختها بانزعاج، فهي تعلم أن افعالها المتهوره دومًا تحمل المصائب، لذا ردت بعصبية شديدة
= منك لله يا بعيده ما تخدي بالك من كلامك يا هبله،دلوقتي هيفهم ان انتٍ كنتي بتروحيله من وراه؟ اسمعيني كويس يا بنت انتٍ تنسي بدر ده خالص وإياكي تقربي منه تاني ولا تروحيله.. انا كنت زمان بداري عليكي واقول مسيره فعلا يتجوزك ويخليكي تربي العيال.. انما دلوقتي الوضع اختلف فتلمي الدور احسنلك .
❈-❈-❈
في الصباح بتوقيت تركيا، فركت مهرة جفنيها وهي تتمطع بجسدها ثم أزاحت عنها الغطاء ونهضت عن الفراش كانت كعادتها تذهب لترى وفاء لكن سرعان ما تذكرت بأنها تزوجت ليله أمس! وضعت حجابها فوق شعرها ثم خطت نحو للخارج بخطوات حذرة وهبطت إلي الأسفل بخفة معتقده بأن الجميع بالتاكيد استيقظ ولكنها لم تجد غير الخدم! تنهدت بقوه ثم تحركت لتسير نحو الحديقة تتفقدها حتى يستيقظ الجميع .
وقع نظرها علي تلك القطه ابتسمت علي منظرها اللطيف وأخذت تركض الى القطة تلاطفها وتلعب معها وتتلمس فروها كطفلة في
السادسة من عمرها تشق الابتسامة وجهها... جلست أمامها كطفلة صغيره كانت تبدو وهي مقرفصه تلاعب القطة التي كانت هادئة تستمتع بمداعبات مهرة الناعمة لها..وتصدر صوت ناعم كلما أخذت تلاعب فروها الأبيض الناعم، كل هذه التفاصيل كانت مهلكة لأي شخص ما يشاهدها... وبالضبط كان هناك من ينظر لها من نافدة غرفته!
ثم بعد فترة نهضت نحو ذلك العجوز الذي كان يسقي الورود وطلبت منه بأدب ان يعطيها تلك المهمه، في البدايه تردد فهذا العمل خاص به ولا يريد ان يرهقها لكنها أصرت بابتسامة لطيفه أن يترك لها ذلك وهي تعرف جيد التعامل مع الورود.. هز رأسه بعدم اعتراض و أعطها خرطوم المياه و رحل تاركها .
وفي ذلك الأثناء استيقظت وفاء واتجهت الى غرفه مهرة أولا لتراها، وفي نفس اللحظه هبط رسلان وهو يرتدي بنطال أسود من خامه الجينز وقميص من اللون الازرق الداكن وحذاء رياضي أبيض اللون واتجه إلي الحديقه حيث أراد أن يعتذر عن ليله أمس! عندما ضايقها بالحديث معتقد لا تفهم عليه، وصل خلفها تماماً ثم أردف قائلا بصوت عالٍ
= أسعد الله صباحك أيتها القزمه.. ما الذي تفعلي في الصباح الباكر
كانت مهرة تعطي اهتمامها الكامل الى الورود لذلك عندما سمعت صوته فزعت بشده.. و
استقامت بسرعه شديده مما جعلها تلف وهي تمسك خرطوم المياة بيدها ولم تشعر حتي انها ببللت ثيابه بالكامل عن غير قصد.. برقت نظراتها في ذهولٍ صادم، و اتسعت عينيه هو الآخر لتقابله عيون مهرة الواسعة التي تحمل مجرات الخوف الكون بأكملها داخلها، خرجت شهقة خفيفة من ثغر مهرة حين رأت حبات الماء التي خرجت من الخرطوم تبلل كل ثيابه، ومازالت مستمرة! ألقت الخرطوم من يدها بسرعه أرضا.
اتسعت عيناه بعدم تصديق ولكنه غضب في نفس الوقت وهو ينظر الى مظهره بحسرة، ثم ضغط على اسنانه بغيظ قائلا
= يا رباه، انظري لما فعلتي أيتها القزمه !!
ارتدت خطوات للخلف بتوتر شديد فهي لم تقصد بالفعل وتفاجئت به، أضاف وهو يتمتم بحنق
= لقد افسدتي يومى.
شهقت مصدومة من اندفاعها المباغت نحوه، محدقة به بنظرات مشدوهة ممزوجة بالخجل و تحول لون بشرتها إلى حمرة صريحة، صمت لحظة ليغمض عينيه بضيق وكأنه تذكر أمره وأنه كأن قادم إلي هنا لأجل الاعتذار، رفع عينيه بغضب ليواجه وجهها قائلاً
= لقد أتيت إلى هنا لأعتذر لكٍ عما فعلته الليلة الماضية، لكن من الواضح أنكٍ أصبحتي مدينه لي باعتذار الآن.
أخفضت عينيها بحرج أكبر شاعرة بتلك السخونة المربكة المنبعثة من وجهها، هي لم ترغب في حدوث ذلك، ولكنه القدر! وأجابت قائله بنبرة مرتبكه
= أهه انا أسفه سيدي..
وفي تلك اللحظة هبطت وفاء وكانت تبحث عنها في الأسفل وقد رأت من بعيد ما حدث وتقدمت إليها هاتفه بدهشة
= مهرة !..
ارتبكت مهرة وهي تنظر إلي ملابس رسلان الملطخة بالماء، وحمحمت بحرج
= يا إلهى لا اعرف كيف حدث ذلك، أنا آسفه حقا .
إعتذرت مرة أخرى متأسفه للرجل الذي ثلوثت
ثيابه بالماء و تبللت كلها، وعندما رأت وفاء كانت بالنسبة لها النجاه، تحركت مهره بسرعة مبتعدة عنه وظلت تردد قائلة بتلعثم
= أنا أسفه حقا لكن لم أراك .
اعتذرت مجدداً أو ثالثا!! فهي لم تجد شيئا تقوله في ذلك الموقف غير ذلك، وبسرعة ركضت الى وفاء تختبئ خلفها من شعورها بالخجل و الاحراج، فهذه عادات مهرة حين تشعر بالخجل تختبئ بسرعة خلف شخص ولم تجد أمامها غير والدتها.
اعتذرت وفاء هي الأخري عن فعلت ابنتها، و رغم أنه لم يفهم حديثها جيد لكن خمن بالتأكيد أنها تعتذر.. لكن رسلان كان يتابع تصرفات مهرة بتعجب ولم يتمالك نفسه من أن يبتسم بخفه حينما رآها كيف تهرب منه و تختبئ خلف والدتها؟؟ أخفضت رأسها بخجل شديد منه! غير أن رسلان ظل يقهقه ويبتسم بسبب تصرفات تلك المرهقة الخجوله التي إختبأت خلف أمها كطفله صغيره.
❈-❈-❈
وقفت حسناء تتأمل ساحة المتجر الكبير ذلك بلهفه وهي لا تصدق بأن حلمها بعد لحظات سيتحقق وستكون من اصحاب الأملاك، ففي الشهور السابقه تقاربت هي و فرج و صارت العلاقه بينهما جيده جداً ومقتربين من بعضهم البعض، حتى لقد عرض عليها الزواج وهي وافقت! وهذا المتجر الكبير سينقله باسمها ليكون مهرها، شعرت بالسعادة الغامرة ولم تصدق أن أخيرا ستتدفق الأموال عليها كما أخبرها فرج.. فأخذت تحلم بذلك المتجر الذي ستحوله الى محل كوافير اخر لتكون سلسله متكامله خاصه بها، لكن كانت هناك مشكله صغيره! فرج لم يكن معه سيوله كامله فطلب منها تدفع ربع ثمن المحل وفي نفس اللحظه سيكتب باسمها، الطمع عماها في تلك اللحظه
وثقتها الزائده به! جعلتها لا تشك لولا لحظه بانه شخص سيء او ربما يطمع في اموالها، فقد رسم عليها الدور جيد جدا؟ بانه رجل غني و يمتلك العديد من العماير والسيارات والاموال الكثيره.. لذلك وافقت على طلبه بعد تردد كبير.. طالما سيكتب المحل باسمها في نفس اللحظه التي سيأخذ أموالها بالاضافه أن المحل يوجد فيه مكان مناسب جداً من حيث الزبائن، ولقد وعدها أيضا قريباً سيشتري اليها محل آخر و سيارة و منزل باسمها بعد زواجهما .
كل هذه الاغراءات جعلتها بالطبع تصغي اليه دون تفكير بالأمر جيد، و دفعت ثمنه قبل ان تحصل عليه علي ارض الحقيقه.. فعندما اطلعها فرج علي صورة المكان سابقه وكم يُدخل من ربح يومياً.. لمعت عيناها بالجوع، لتدفع كل أموالها ثمنه! و باقي الأموال سيدفعها فرج.. وها هي الآن بداخل المحل حتى تكمل الاجراءات وتمضي الاوراق ليكون ملكها .
ألتفتت ناحيه فرج الي ان سمعت صوته يهتف باسمها بان تاتي، حيث كان يجلس مع المحامي لتجهيز العقود، فتحركت سريعاً وهي تشكر الحظ الذي اوقعها مع ذلك الرجل، و لا تصدق بأن الحياه ستضحك إليها أخيرا وسوف تحصل على كل ما تريده منها، اقتربت منهم لتمضي وأخذت تمتمت بلهفه
= كده خلاص بقى المحل ملكي .. مش كده .
هز رأسه فرج بالإيجاب وهو يرجع ظهره للخلف براحه شديدة، وأخذ يطوي الورقه في جيبه و داخله يبتسم علي غبائها الذي اوقعها .
❈-❈-❈
في المساء بدأت الحفله في فيلا سراج، وقد ارتدت وفاء فستان أبيض اللون بسيط الشكل مع حجابها الذي زاد جمالها، كانت مهرة تقف جانب تتابع اندماج وفاء مع زوجها بهدوء و رغم عنها انجرفت أفكارها فهل سيأتي يوم و تتركها بعد أن تزوجت وأصبحت لها حياتها الخاصة و الجديدة أم لأ، لامت نفسها عشرات المرات لأنها مازالت تفكر بتلك الطريقه رغم أنها تثق بوفاء لم تفعل ذلك مطلقاً، لكن القدر دائما له رأي آخر؟؟.. تجاهلت أفكارها ونقلت نظراتها إلى الراقصين في المنتصف، كانوا يرقصون بعشوائية جميلة، لم يتبعوا خطوات أو نغمات محددة بل كانوا متحررين من كل شيء.
بينما علي جانب آخر كأن رسلان يجلس أعلي مقعد طاوله بالحفل ومعه فتاة جميلة بنفس عمره تقريبا، رفعت يدها تشاور قائله بإبتسامة عريضة
= هل ترى ذلك الشاب الذي يجلس هناك وحيداً.. أنا معجبة به.
رد عليها رسلان بهدوء واضعًا يده على مؤخرة رأسه
= انتٍ تعجبين بكل الأولاد سيلين.. ما الجديد
ضمت شفتيها بعبوس لطيف وهي تقول بنبرة ضائعه
= ما هو الخطأ في هذا؟ بدلاً من الملل والفراغ الذي أعيشه، أبحث عن الشريك المناسب لي.
التفت برأسه سريعًا نحوه صديقته و أردف بجدية
= توقفي عن التفكير بتلك الطريقه سيلين، الشخص المناسب سيأتي بدون المجهود الذي تبذلي حتى يعجب بكٍ.. في النهاية لن يبقى معكٍ إلا من رأى الجمال في روحك، أما المُنبهرون بالمظاهر فيرحلون تُباعًا.
وفي ذلك الأثناء بداخل ساحه الرقص كأن سراج يرقص مع زوجته والتي كانت لا تعرف! لكن سراج كان يحاول معها بصبر، ثم وقعت عيناها علي رسلان وتلك الفتاة التي معه وهم يتحدثون مع بعضهما البعض بانسجام، لتهتف بفضول
= هي البنت اللي قاعدة مع ابنك دي خطيبته صح؟
عقد حاجبيه باستغراب و التفت نحوها ثم عاد ينظر لها والتف ذراعه نحو خصرها ليضمها إلى صدره، وهو يرد موضحًا
= دي سيلين! هي بتشتغل معانا في الشركه مساعده رسلان.. و كان بينهم مشروع جواز بس فشل! وهما بيشتغلوا دلوقتي مع بعض و ذي الاخوات.. هم أصلا من كتر ما هو قريبين من بعض فهموا مشاعرهم غلط في لحظة تسرع و انها تنفع كمان للجواز بس كانوا مختلفين في كل حاجه عشان كده انفصلوا بهدوء... بس فضلوا محافظين على صداقتهم! وكمان لما اتخطبوا زمان كانوا صغيرين عن كده شويه.. و دلوقتي برده رسلان لسه صغير على الموضوع ده، هو عنده 21 سنه ولسه بيدرس في الجامعه .
بدأ على وجهها الناعم قلقٍ أكبر لما قاله، و لاحظ ذلك سراج ليرد بجدية
= حاسك ليه قلقانه من رسلان و متاخدي منه من اول ما ظهر؟ كان نفسك يطلع خاطب أو مرتبط بحد ولا إيه!
ضغطت على شفتيها السفلى بإحراج وأجابته بهدوء
=لا والله مش قصدي حاجه بس ممكن عشان ما اعرفوش لسه .
هز رأسه الآخر متفهم قلقها الشديد، واجاب موضحًا محاوله إقناعها
= صدقيني رسلان شاب محترمه ومافيش اي حاجه في دماغه من اللي مقلقاكٍ.. ما تقلقيش هو و مهره هيكونوا زي الاخوات هنا .
وضعت سيلين إصبعيها على طرف ذقنها مدققة نظراتها نحوه سراج و زوجته وتشعر أنهم ليست مناسبين الى بعضهم البعض أبدا، ثم تساءلت رسلان باهتمام
= لما وافقت على زواج والدك من تلك المراه التي لا يعرفها.. صراحه تفاجأت بان والدك سيرتبط بامرأة من بلد اخرى دون معرفه مسبقه .
ابتسم باستغراب وهو يهز كتفه بعدم مبالاة
= هذه حياته سيلين ولا املك حق الاعتراض ثم لما أعترض أمي توفت منذ سنوات، وأبي اضاع عمره كله وحيد مقابل إنه يسعدني.. و كان لي الأم والاب، والان انا كبرت وبدات اشق طريقي بعيد عنه وسياتي يوم واتركه أيضا، لذلك لا استطيع ان امنعه.. أنا ليس أناني سيلين .
أجابته بإبتسامة عريضة مبديه إعجابها به
=ممم بدأت تكبر في نظري رسلان.. هيا نرقص بدلاً من ذلك الملل، لا أعرف كيف يسير حفل زفاف بدون شرب الخمر
قطب رسلان جبينه بعدم رضا، وتعقدت تعبيراته نوعًا ما قائلاً بحذر
= سيلين أخفضي صوتك ابي اذا سمعك سيغضب كثيراً هو يرفض هذه الأشياء أن تدخل المنزل، لأنها ضد ديانته وتقاليده .. ثم إذا كان مسموح هنا بالشرب كنت سامنعك انتٍ لا تتحكمي بتصرفاتك بعد الشرب .
زفرت بملل وهي تقول بنبرة حادة
= هووف حسنا هيا لنرقص .
كاد أن يوافق علي الفور لكنه سلط أنظاره من بعيد ولمح مهرة تقف بمفردها تراقب الحفله بأعين تائهه ولا تعرف أحد، أخفض عينيه علي مظهرها! بدت لوهله كأنها ملاك فاتن في ثوبها الوردي وكأنها تعكس نقاء روحها، وبالرغم من الثراء الفاحش الذي تراه حولها، إلا أنها تمسكت بتحفظها والتي تعلمت عنه الكثير من وفاء فيما يخص نوعية الثياب المحتشمة التي ترتديها أنيقة و جذابة بنفس الوقت، نهض بسرعه قائلا بإيجاز
= انتظريني هنا خمس دقائق وساعود .
كانت مهرة تقف تطل علي منظر ساحر تتأمل
صفاء السماء والهواء يداعب وجهها ولم تشعر به رسلان الذي وقف خلفها يسمع تنهيداتها القويه التي تخترق صدره.. وتقدم منها ليقف جانبها وقد فزعت من وجوده ولكنها تمالكت نفسها حين سألها بابتسامة مسلية
= ما الأمر أيتها القزمه؟ لما تقفي هنا بمفردك.
هزت رأسها بمعني لا شئ، وهو عاد يتحدث
بإبتسامة هادئة
= الجو رائع أليس كذلك
تمتمت مهرة بصوت رقيق ومازالت نظراتها مصوبه للامام
= أجل المكان جميل جدآ
ارتسمت إبتسامة علي شفتيه بشكل واضح، ليردد بعدها بما يشبه الغزل
= انتٍ أيضا جميله أيتها القزمه.
توقف للحظة وهمس بكلماته العذبة إلى مهرة
= وفاتنة أيضا .
خفق قلبها بقوةٍ وبدأ وكأنه مراهق حديث العهد بالغزل لتلك الابتسامة الرقيقة التي ازدانت به شفتاه، فأتسعت عين مهرة وقد سكن جسدها من الحركه فوجدته يميل نحوها فسألته بسرعه وقد بدأ على تعبيراتها الاندهاش
= هاه ماذا تقول؟ ولما تقترب مني هكذا؟ من فضلك أقف مكانك ولا تقترب إذا سمحت..
أعترض رسلان عليها مرددًا
= لماذا تخجلي من عبارات المدح .
أبتعدت عنه بصدمه، أربكتها طريقة نطقته المفعمة بالحرارة و ردت عليه بتلعثم
= ماذا ؟ آآ هذه لا تسمى عبارات مدح هذه وقاحه، كيف تتحدث معي بهذه الطريقه .
اتسعت أبتسامتة فتنفس بعمق، ثم زفره ببطء قبل أن يواصل حديثه هامسًا بصوت متحشرج
= انا رجلاً لا يخفي مشاعره إذا رأي شئ جميل
أو أعجبه شئ.. لا أخجل من أن أعبر عن هذا.. وانتٍ حقا جميله انا لا اكذب .
ضاقت حدقتاها وهي تحملق فيه بتوجسٍ قلق فكل شيء هنا يسير عليها بغرابة لأول مره، إذا كان مشاهده الأشخاص أو التعبير عن إعجابها الصريح من شاب لا تعرفه و غريب عنها، حقا لا تعرف أو تفهم شخصية ذلك الشاب ولما يتودد إليها وما الذي يريده منها؟ هي بالأساس تخشي التعامل مع الجنس الآخر! عضت على شفتها السفلى دون أن تعقب عليه.. و ظل يسلط أنظاره عليها فوجدها تتحرك لترحل لكنه أعترض طريقها، ليظهر لها تأففه من تصرفاتها وهو يتسائل بعبوس
= انتظري لحظه، إلى أين تذهبين.
استفزها مراوغته فقالت بصرامةٍ تناقض رقتها
= ماذا تريد .
ابتسم رسلان وهو ينظر إليها، ثم غمز لها قائلاً بنوعٍ من الغرور
= حسنًا، بما أنني رجل نبيل لا أستطيع السماح لفتاة بريئة مثلك بمشاهدة الرقصين دون المشاركة، فأنا هنا لأقدم لكٍ عرضًا.. هل ترغبي في الرقص معي؟
اتسعت عيناها وابتسمت له بتوتر وهي تجيبه
= لا، فهمت الأمر بشكل خطأ انا اشاهدهم فقط ولا ارغب بالمشاركه، شكراً لكن لم أستطيع .
رد الآخر عليها بعدم اقتناع معللة
= لما؟ اذا كنتي لا تعرفين ساعلمك، انظري هناك والدي يعلم والدتك أيضا كيفيه الرقص وليس هناك مشكله
أومــأت برأسها بإصرار هامسة بجدية
= الأمر ليس كذلك يا سيد، لكن انا مسلمه ولا أستطيع ان أقترب من شاب واسمح له بلمسي بحميميه أو بتلك الطريقه الذي يرقصون بها علي ساحه الرقص.. هذا لا يصح و عيب وضد عاديتي وتقاليدي و ديني أهم.. لذلك اسمح لي بالاذن.
أسرعت مهرة بالابتعاد دون أن تنتظر منه المزيد من الأسئلة، بينما اقتربت منه سيلين
ناظرة له بغضب شديد، وهي تسأله بهمس مزعوج
= من تلك الفتاه ولما تركتني وذهبت إليها .
تفقدت عينيه إثرها مرغمة وهو يرد علي حديثها بغرابة
= أنها فتاه غريبه الاطوار حقا، رايتها تقف بمفردها تائهه وهي لا تعرف أحد هنا.. اقتربت حتى اساعدها واعرض عليها الرقص لكنها رفضت .
فغرت سيلين شفتيها مصدومة وهي تسأله بشماته
= انتظر لحظه ماذا قلت؟ رفضت الرقص معك
أحسنت صنع هذه الفتاه، أخيرًا رأيت فتاه ترفضك.. كم انا سعيده! تستحق ذلك واكثر لقد عرضت عليك الرقص أولا لما تركتني وذهبت الى فتاه لا تعرفها .
نفخ بضيق شديد وهو يقول بحنق
= توقفي عن الازعاج سيلين، ثم إن هذه الفتاة ليست غريبة .. هي ابنه زوجه أبي .
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة خديجة السيد من رواية حياة بعد التحديث, لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية