رواية جديدة حياة بعد التحديث الجزء الثاني من بدون ضمان لخديجة السيد - الفصل 17- 2 - الخميس 26/10/2023
قراءة رواية حياة بعد التحديث
الجزء الثاني من بدون ضمان كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية حياة بعد التحديث
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة خديجة السيد
الفصل السابع عشر
الجزء الثاني
تم النشر يوم الخميس
26/10/2023
❈-❈-❈
بالصباح بتوقيت تركياً، كان الجميع يجتمع حول مائده الإفطار ترأس الطاولة سراج، و جلست على يمينه زوجته وفاء التي ظلت واقفة على قدميها تقدم ما أعدته من مأكولات شهية للجميع بنفسها اليوم، و عاونتها علي المساعده ثريا ثم جلست إلى جوار مهرة، في حين جلس رسلان في الجهة المقابلة لأبيه و من بينهما مهره كانت تشعر بالحماس الشديد فاليوم اول يوم بالمدرسه الجديدة التي قدم فيها سراج لها، وكان رسلان متعجباً من حماسها الزائد ذلك للدراسه، أقترب سراج منها وهو يمد يده بشيء ما، عقدت مهرة حاجبيها باستغراب وقالت بارتباك
= ايه ده؟.
رد سراج عليها بنبرته الحانية
= مش النهارده اول يوم ليكي في المدرسه ان شاء الله، دي فيزا طلعتها باسمك وعملت لك حساب في البنك عشان تشتري اللي انتٍ عاوزه بيها.. انتٍ رايحه لناس مختلفه عنك من ناحيه البلد والثقافه والاحوال الماديه عشان كده مش عاوزكٍ تحسي انك اقل منهم .
ردت مهرة من بين شفتيها بهمس خافت محرج
= متشكره جدا لحضرتك بس انا اسفه مش هقدر اقابلها، ماما وفاء بتديني مصروف وانا مكتفيه بيه .
نظرت زوجته له مطولاً بعدم رضا ثم أشار بيده قائلا بجدية
= ما ده برضه يعتبر ذي المصروف يا حبيبتي خديه واصرفي منه اللي انتٍ عاوزاه، خدي يا مهره وما تتكسفيش مني انا بقيت دلوقتي في مقام باباكي.
استندت على مرفقيها أعلي الطاوله لتنهض مرتبكه، و تأملت وفاء بنظرة شمولية بصمت
التي أخذت عنها دور الرد هذه المرة قائلة باقتضاب
= سراج بلاش عشان أنا مش معوداها على كده، انا فاهمه ومقدره موقفك بس التغيير المفاجاه والكتير ده هيضرها مش هيفدها وبلاش منه .
قطم رسلان قطعه التوست بثغرة وهو يتابع ما يحدث متعجبًا، وهز رأسه بعدم فهم بينما أصرت وفاء علي حديثها قائلة بابتسامه لطيفه
= سراج من فضلك سيبني اربي بنتي زي ما انا شايفه، انا معوداها على نظام مش عاوزه اغيره .
هز رأسه بعدم إقتناع لكنه لم يصر مرة أخرى، ثم أبتسم مجاملاً قائلا بلهجة صارمة
= براحتكم طالما مصممين على العموم لو احتجتيها في اي وقت يا مهره اطلبيها مني وما تتكسفيش، ودي بنتك وانتٍ حره فيها فعلا يا وفاء انا حبيت اساعد مش أكثر بس بالنسبه لمصروفها برده هتاخده مني ودي مش عاوز فيها كلام .
استقبلت زوجته كلماته بابتسامة صغيرة رغم عدم رضاها عن ذلك الأمر أيضا لكن لم ترغب في مضايقته أكثر، و بجدية أخذ البطاقة واعطاها النقود بدلا منها وتناولتها مهرة على استحياء بعد أن أخذت الأذن منها بالطبع، ثم نهضت وفاء وقالت بهدوء
= يلا يا حبيبتي تعالي اوصلك لحد بره .
ظلت أنظار رسلان مثبتة عليهما رغم ولوجهما للخارج، وعلق قائلاً بحيرة
= أبي، لماذا لم تأخذ البطاقة منك؟
هز كتفيه ببساطة وأجاب موضحًا بهدوء
= تقول إنها ليست معتادة على هذه الأشياء
في الماضي و في نظام تربيتها مع وفاء؟ لذلك وافقت على المال ورفضت أن تأخذها، ترى والدتها أن كثرة المال تفسد أخلاق الشباب. ربما تشعر بالحرج مني أيضا، لا أعرف.
اتسعت عيناه بدهشة من كلمات والده، ونظر بشرود إلى مكانها، بنظرات مطولة متنهد و تعقدت تعبيراته نوعًا ما قائلا باستنكار
= فتاة غريبة !.
ثم نهض و رفع كفيه عاليًا وهو يضيف
= حسنا، أنا أيضا ذاهب إلى الجامعة. لدي محاضرات مهمة اليوم اعذرني بالاذن .
في الخارج أمام باب الفيلا، ضمتها وفاء إليها محاوطًا إياها بذراعها، واردفت بنبرة ودودة
= مش هوصيكي خلي بالك من نفسك ولو في اي حاجه ضايقتك ولا حصلت تتصلي بيا على طول تعرفيني، خلي بالك من الناس اللي لسه راحه لهم مش عارفين هيعاملوكي ازاي بس ما تسمحيش لحد منهم يضايقك ولا يدوسلك على طرف
ثم صمتت لبرهة مترددًه في أخبرها عن مخاوفها، لكنها أضافت بتحذير وهي تربت على ظهرها
= وبالنسبه لابن سراج خليكي فاكره الكلام اللي قلتهلك امبارح تعاملك معاه يبقى بحدود انا عارفه أن إحنا ما شفناش منه حاجه وحشه بس ده أفضل عشان ما ننساش كمان عاداتنا وتقاليدنا في مصر ولا تربيتنا اللي تربينا عليها في دينا، هو راح ولا جه غريب برده عنك! و كمان سراج قال لي انكوا هتكون زي الاخوات هنا وما فيش اي حاجه ، بس برده الحذر واجب.. فهماني .
ردت عليها مهرة مبتسمة
= فاهمه ما تقلقيش عليا .
❈-❈-❈
شعرت ليلي بدون مقدمات باختناق يخدر خلايا جسدها وبالاخص معدتها، و ضعفت قدرتها على الوقوف لتشعر بدوار شديد يصيب رأسها، نظر لها سالم بهلع و أسرع ناحيتها محاولاً الإمساك بها قبل أن تسقط صائحًا بفزع
= ليلي في ايه مالك؟ حاسه بايه ردي عليا يا حبيبتي .. لـيـلي .
ركضت ناهد و تسنيم نحوهما وهم ينظرون لها بصدمه وخوف، و أخذت ليلي تتحسس عنقها المحتقن بحمرة اثار الحساسيه التي بدات تظهر بجسدها و قالت بصعوبة بالغة
= لـ آآ لوز .. أكلت لوز كان موجود في الكبسه
شعر سالم وناهد بالصدمه الكبرى، ولم يختلف الوضع على تسنيم أيضا التي اندهشت من كلماتها فهي لم تضع لوز مطلقاً في الوجبه كما وصاها الجميع، نظرت ناهد الي طبق الكبسه وبدأت تفرغ محتواه لتجد بالفعل به قطع لوز
تطلعت فيها مطولاً بشراسة وحقد و قبضت علي ذراع تسنيم و كانت كالوحش الكاسر صائحه بصوت شبه محتد
= عايزه تموتي البنت؟ انا مش نبهت عليكي ما تحطيش لوز أكيد عملتي كده بقصد! عاوزه تموتيها.. انتٍ ايه يا شيخه شيطانه دي عيله صغيره عملتلك ايه؟ يبقى كلامها كان صح فعلا وانتٍ مش طايقاها وعاوزه تبعديها عن أبوها .
تألمت من قبضتها وهي تقول باندفاع صادم
= لا ولله العظيم ما حصل، ما حطتش في الأكل لوز زي ما طلبتوا مني.. انا مش عارفه جي في الأكل ازاي .
انهارت ليلي فجأة وسط الأرض وهي تتألم بشده ليقف سالم بعدم استيعاب ثم تركتها ناهد وجذبت ليلي بين ذراعيها، تسألها بقلق و خوف
= أنتِ بخير يا حبيبتي؟ يا نهار ابيض البنت مش بتنطق بسرعه يا سالم وديها المستشفى
بعد فتره وصل سالم المستشفى وهو يحمل ليلي أبنته بين ذراعيه وكانت خلفه ناهد التي لم تتوقف عن البكاء لحظه واحده، بدات الأطباء تفعل اللازم الى ليلى وطلبوا منهم الانتظار بالخارج، وفي ذلك الأثناء اقتربت تسنيم بخطوات مترددة هاتفة بقلق حقيقي عليها
= هي بقت عامله ايه دلوقتي؟ كويسه
التفتت ناهد برأسها للخلف لتنظر إلى تلك التي جاءت بمنتهى البرود وكانها لم تفعل شيء، امتعضت تعابيرها حينما رأيتها تدنو منها وتسأل عن ليلي بقلق زائف بالتاكيد، حدجتها ناهد بنظرات قاسية وهي تقترب منها و سيطرت عليها العصبية بصورة واضحة، وصاحت مستنكرًه
= والله بجد جايه تسالي عليها وصعبانه عليكي، انتٍ ايه يا شيخه جنسك ايه؟ انا فتحتلك بيتي وعملتك زي بنتي وقلت شكلك طيبه وبنت ناس يطلع منك كل ده.. تقدري تقولي لي تفسير للي انتٍ عملتيه النهارده؟ لما طلبتي مني تساعديني في الاكل ما شكتش فيكي وقلت وماله عشان تحس ان البيت بيتها فعلا وتتقي ربنا في البنت، وانا بديك الحاجه نبهت عليكي اكتر من مرة أن ليلى عندها حساسيه من اللوز ودلوقتي البنت أكلت منه وتعبت بسببك .
وسرعان ما هزت رأسها بالرفض وهي تحاول تبرير وشرح الأمر، وهو الأمر الذي لم تفهمه هي الأخرى على الإطلاق مثلها. كيف حدث ذلك
= ما عنديش تفسير عشان انا كمان لحد دلوقتي مش مستوعبه اللي حصل و متاكده أن أنا ما حطيتش في الاكل اللوز اللي لقيتيه.. وما اعرفش جي منين وحتى سالم كمان نبه عليا، بس ما اعرفش جي ازاي في الاكل
نظرت لها بحقد ولم تصدقها بالطبع فهي رأته بنفسها بالصحن، وصاحت ساخرة
= يا سلام! مشي لوحده هو بقي واتحط في الأكل مش كده؟ مش عارفه حتى تكدبي الكذبه صح! والمفروض دلوقتي أصدق الهبل اللي انتٍ بتقوليه؟ بذمتك انتٍ اصلا مصدقه نفسك..
لم تعلق عليها، واكتفت بإشاحة وجهها للجانب متجنبة نظراتها المقيتة، لكن تطلعت إلي سالم الذي كان يقف بجانب بقلق شديد علي أبنته ولم يتدخل للدفاع عنها، لكنها أرسلت له إشارات موحية تلومه، لتحملها الذنب وكأنها ارتكبت جرمًا في حقه ومع ذلك تجاهلها، فاستأنفت قائلة بصوت عالية بازدراء
= هو انتٍ جايه هنا ليه ورانا عاوزه تتاكدي انها ماتت .. ولا عشان تشمتي أن خطتك نجحت .
بدأت الأنظار تتحول إليهما بفضول من بين الممرضين و الدكاترة والمرضه، حتى بعض من الأشخاص وقف يشاهد إهانتها و اتهامها الواضح منها ضدها، إبتلعت ريقها بحرج وحزن ثم أخبرتها بتوتر شديد
= وانا هشمت فيها ليه واصلا هاذيها ليه اللي بيني وبينها، والله ما في دماغي حاجه زي كده ولا بكرهها .. ما تتكلم يا سالم .
لكن سالم لم يكن باله معها، ظلت ناهد ترسل إليها سهام غاضبة بنفور و اشمئزاز، أجهشت تسنيم بالبكاء أمامها لاحساسها بالذنب لكنها لم تتأثر بها، بل زادت حدة وشراسة وهي تقول مهددًا بسبابتها
= اطلعي بره امشي من قدامي مش طايقه اشوف وشك.. انا عارفه اتحادفتي علينا من انهي داهيه ولا سالم جابك منين.. عماله تمثلي علينا الطيبه والبراءه وانتٍ أصلا مش محترمه
وعاوزه تؤذي حفيدتي .
زاد نحيبها أمام زوجها من الاتهامات الباطله واهانتها امام من بالمستشفى، لكنه لم يهتز أو يتأثر بها أو ربما لم يكن مهتم بها وبما يحدث، نفر البعض منها وهو يستمع الى كلمات ناهد وظنها حقيقيه، ثم تحرك سالم و تجاهلهم منصرفًا من أمامها ليدخل إلي غرفه أبنته للاطمئنان عليها، وتسنيم مازالت تقف تستنجد به لكن تعلقت أنظارها به رغم ابتعاده، انتهى أملها فيه بصورة بشعة، وبات الأمر حقيقة واضح للعيان؟ هو لم يدافع عن كرامتها ومن الممكن سعيد بذلك وفكر بانها اذت ابنته بالفعل عند قصد، وكأنه يوضح لها لا مكان لها في حياته، تحولت نبرة ناهد للشراسة وتعابيرها للقسوة وهي تكمل بحقد بائن
= هو انتٍ ما بتسمعيش ولا بتفهمي قلت لك امشي من قدامي، بقول لك غوري من قدامي بدل ما ارتكب جنيه فيكي واضيع نفسي على واحده زيك ما تستاهلش .. اطلعي يلا برة وامشي من هنا .
ضغطت على شفتيها السفلى بإحراج و ارتعش جسدها رافض تصديق وقاحتها الزائدة معها، و رغم ذلك تعاطفت مع موقفها وقدرت ما هي فيه ولم ترد، انسحبت من أمامها دون إضافة المزيد مسرعة في خطواتها رغم دموعها المتساقطه الملحوظه علي وجهها، وبقت أنظارها متعلقة بالأرض بخجل شديد من نظرات البعض لها، تمنت لو أن تنشق الأرض وتبلعها فهي لم تتعرض الى موقف مهين كذلك في حياتها.
وصلت أخيرا الي سيارتها وفتحت الباب بسرعه لتدخل وهنا انفجرت بالبكاء بحرقه شديده بخيبة أمل أكبر فلا أحد يفهم معنى أن تقابل الصدمات بصمت تام، ظلت هكذا لحظات كثيراً، حتي اداره محرك السياره لتصعد علي الطريق تسير.. وأخرجت تنهيدة ملتهبة من صدرها الملتاع بالألم و مع هبوط دموعها بدأت تغطي على بصرها وتحجبت الرؤيه أمامها دقائق لتجد نفسها فجاه اصطدمت بسيارتها بسله كمامه كبيره حديديه، تحركت رأسها لتصطدم بقوه وبدأت تنزف الدماء منها، وصرخت مذعورة بألم شديد .
في نفس اللحظه هبط شخص ما من سيارته إليها عندما شاهد ما حدث واقترب يساعدها قائلاً بقلق
= انتٍ كويسه حصل لك حاجه .
نظرت تسنيم له وهي تبكي بشدة فالوضع لم ينقصها يكفي ما هي في من هموم و صدمات عقد الآخر حاجبيه باستغراب واعتقد انها تبكي من الآلام ليفتح باب السياره بصعوبه وقال محاوله تهدئتها
= طب اهدي ما فيش داعي لكل العياط ده ان شاء الله بسيطه تعالي في مستشفى قريبه هنا خليهم يشوفوكي .. ان شاء الله تكون كدمات بسيطه وما فيش كسور
بعد فتره عادت تسنيم الى المستشفى مره ثانيه برفقة ذلك الشخص الذي لا تعرفه لكنه ساعدها، حتى انه ظل موجود حين انتهت
الطبيبة من ربط رأسها ويديها التي أصابت اثار الحادث! أقترب منها مبتسماً وهو يقول
= الحمد لله الدكتوره طمنتنا أنها بسيطه المهم بس تسمعي تعليمات الدكتوره، و ما تحركيش ايدك كثير ولا تجيبي ميه على راسك عشان الجرح .
نظرت تسنيم له بإحراج وهمست بامتنان
= متشكره جدآ لحضرتك مش عارفه اقول لك ايه .. شكراً على مساعدتك لي
هز رأسه وهو يقول بصوت هادئ
= العفو انا ما عملتش حاجه ده الواجب المهم هتقدري تمشي ولا لسه حاسه بدوخه؟ هو انتٍ ما فيش حد معاكي أو تتصلي بي يجي ياخدك حتى.
تذكرت تسنيم ما حدث من قبل وكيف اهانتها ناهد هنا بنفس المستشفى وسالم لم يتدخل مطلقاً، بالإضافة الى حادثها وكل ذلك لم يشعر سالم بشيء ولم يفكر يسأل عنها، شعرت بالشفقة على نفسها. ولم ترد؟ فهل أصبحت لهذه الدرجة هامشية في حياته؟ كم جعلت نفسها تشعر بالضعف والرخص، وأنها لا شيء. لم تتحمل الأمر، فوضعت يدها على فمها وكتمت شهقاتها، أنصدم الآخر من منظرها وقال بقلق
= مالك انتٍ كويسه تحبي انده على الدكتوره تاني حاسه بوجع .
هزت رأسها برفض وهي تمسح دموعها، ثم تابع هو بغرابة
= طب خليني اساعدك، اسندي عليا تاني لحد ما تطلعي بره .
نظرت تسنيم له لحظات بتردد ثم نهضت معه فلم تجد غيره أمامها في ذلك الوقت وهي بحاجه الى يد تعاونها، وصلوا إلي الخارج لينظر الي سيارتها وقال بضيق
= متهيالي عربيتك خلاص مش هتنفع تمشي بيها وهي بالحاله دي؟ دي اتشدشت خالص ومحتاجه صيانه تعالى اوصلك بعربيتي للمكان اللي انتٍ عاوزاه .
نظرت إلي السياره بعبوس شديد وشعرت انه محق، لتوضع يدها على كتفها تفركه برفق، ثم ابتسمت له قائلة
= لا شكراً ما لوش لزومه كفايه اللي انت عملته هاخد أي تاكسي اروح بيه وخلاص .
هز رأسه متفهمًا عدم رغبتها في القدوم معه فقد لاحظ تلك الدبله في يدها، واقترح بحذر
= طب ده الكارت بتاعي في رقم تليفوني انا بشتغل في صيانه العربيات وعندي شركه خاصه بكده، لو حابه يعني ممكن اخد عربيتك وانا اتكلف بتصليحها وتبقي تبعتيلي جوز حضرتك ياخدها.
أخذت الكرت تنظر فيه ثم أشار إليها وأكمل بجدية زائفة
= هو انتٍ برده مش متجوزه انا شايف في إيدك دبله .
نظرت له تسنيم بانزعاج، لذا ردت باقتضاب
= تمام ماشي.. هبقى ابعت أي حد ياخدها شكراً مره ثانيه عند أذنك .
تحركت من أمامه بخطوات بطيئه وهي تعرج بسبب إصابتها من الحادث، ليتذكر ذلك الشخص شيء وركض إليها قائلاً
= صحيح ما تعرفناش؟ انا اسمي ادهم الجندي وحضرتك اسمك ايه عشان يعني اذا اتاخرتي ولا حاجه اعرف ليكي عنوان ولا إسم .
نفخت بنفاذ صبر فقد شعرت بأنه بدأ يتجاوز حدوده معها، لذلك ردت بصوت شبه محتد
= مش هتفرق وقلت لحضرتك مش انا اللي هاجي اخد العربيه .. عن أذنك عشان اتاخرت .
❈-❈-❈
بدأت الأمطار تتساقط في تركياً بشكل سيئ جدا، لتتحرك مهره تقف في زوايا الشارع بعد الانتهاء من دوامها بالمدرسه اليوم وهي تنتظر وصول السائق حتى تذهب معه إلي المنزل، لكنه تأخر على غير العاده اليوم!.
ظلت مكانها دقائق طويلة وبدأت تشعر بالبرد والقلق وهي تنظر حولها بتوتر شديد فلم يأتي أحد لها، ثم تحركت خطوات للامام و أنتبهت من شرودها لبوق السيارة الذي يضرب بعنف وأصوات الضجيج من حولها فنظرت بأتجاه الفتاة التي تحدثها لتخبرها بأنها تقف في وسط الطريق وعليها أن تتحرك حتي تمر السيارة فنظرت خلفها لتجد سيارة تقف علي بعد قليل منها وكادت أن ترتطم بها ويوجد بداخلها شاب فحالت ببصرها بسرعه دون أن يلفت نظرها وتنحت جانبا حتي يستطيع أن يمر .
أخفضت رأسها بسرعه وشعرت بالتوتر وقبل أن تسير بعيد ظهرت سياره أخرى وكادت ان تصطدم بها، حتي جذبتها يد ما ؟ على آخر لحظه لتقع في أحضانه بحماية، تسائل عقلها من يكن ذلك؟ وقبل أن تجد الجواب لشكها، ضمها بأذرعيه لتصبح هي أسيرة أحضانه مجبرة! شهقت مهرة مذعورة، ليسمع صوت انفاسها المفتعله وقال بنبرة هادئه
=لا تقلقي أيتها القزمه .. لا يوجد شئ خطير انتٍ بخير .
طالعته مهرة بأعين دامعه بخوف وخجل لتجد
رسلان هو من يحتضنها وانقذها، لذلك ابعدته عنها بسرعه وقد تراجعت خطوات للخلف أمامه وكأنها تنفر أقترابه؟ و هذا الشعور الذي وصله ولكن هي تفعل ذلك كما تراه فهو الي الآن لم يركز انها محجبه وهذا يعني أن تتبع اصول اسلامها، ثم أعتدل في وقفته يطالعها بملامح جامده، وبدأت مهرة تلتقط أنفاسها الاهثه بذعر حينما رأته انقذها بآخر لحظات، ثم سحبت نفسًا عميقًا لتضبط به حالها متسائلة بتوتر طفيف
=لقد أنقذتني من الموت
غمز رسلان لها قائلاً بتسلية
= ترى، حياتك الآن أصبحت ملكي.. يعني أنتٍ ملكي أنا.
قطبت مهرة جبينها باستغراب فهي ما زالت لم تعتاد على طريقته الغريبه والغير واضحه في التعبير، وتعقدت تعبيراتها نوعًا ما قائلة باستياء
=لك؟! لو هكذا كنت تركتني أموت أفضل.
نظر إليها بعصبية واضحة عليه فهل كل شيء تأخذه على محمل الجد، ثم رد بنبرة جافة
= هل سمعتي من قبل عن شيء اسمه مزاح، لماذا تصدقي كل شيء بالعاده هكذا؟!
ازدردت ريقها هامسة بحرج
= اترك يدي
ترك يدها بضيق، وهتف مؤكدًا بقوة
= أوه، انتٍ صعب حقا.. لقد امسكتها لانقاذك وليس حبا فيكي.
زادت حمرة وجهها عندما عادت ذكرتها من احتضانه وتقربه منها في الطريق العام أمام الناس، خشيت أن تراها والدتها وهم هكذا وهي كانت تحذرها من الإقتراب منه أساسا، فتحرجت منه قائلة بتذمر
= نعم، أنا صعبة للغاية. أشكرك على إنقاذ حياتي.. لما انت هنا؟ اقصد اين عم كنان السائق
أجابها الآخر ببساطة وهو يشير بيده
= تسبب في حادث مروري بسبب الأمطار الغزيرة كما تري، الطقس سيئا للغاية و تم نقله إلى المستشفى وعندما أفاق من غيبوبته المؤقتة، اتصل بوالدي وأخبره أنه لن يستطيع أخذك اليوم وكما تعلمي لقد ذهب والدي ووالدتك في نزهة ولم يعدون اليوم! لذلك لم يتمكن والدي من العثور على أي شخص آخر لياخذك غيري، و أنا هنا مضطر .
انصدمت وشعرت بالحزن تجاه السائق، وتابع الآخر حديثه قائلاً بنبرة حادة
= اعلم بانك لا تريدي رؤيتي او التعامل معي، لكنك مضطره مثلي أن تتحمليني حتى اوصلك الى المنزل فانتٍ ما زلتي لا تعرفي طريق العوده.. صحيح ؟.
عقدت حاجبيها بتعجب، لتتساءل بغرابة شديدة
= ومن اخبارك انني مستاءه لهذه الدرجه لرؤيتك؟ الامر عادي بالنسبه لي .. فلما ساضطر التعامل معك وانا لا اريد
تنهد هو محدثًا، بانفعال طفيف
= تساليني انا؟ اذهبي واسالي والدتك بنفسك او تذكري ما الذي اخبرتيها بي حتى تشتكيني الى أبي بان لا اقترب منك إلا بحدود والافضل لا اتعامل معكٍ.. ولا انسى اننا اخوه .
هزت رأسها برفض باستنكار و عللت قائلة بحدة
= ماذا؟ انا لم اقول الى والدتي شيء كهذا، هل بالأساس فعلت شيء حتى اشتكي؟ انت مخطئ.. ذلك لم يحدث مطلقاً
صمت رسلان لحظة قبل أن يتحدث بتريث
= اعتقدت أنك غاضبة مني عندما عرضت الرقص عليكي ليلة الحفلة وتحدثت معك بطريقة مبالغ فيها في ذلك الوقت، وربما فهمتي الأمر بشكل خاطئ وذهبتي إليها لتشتكي، لكن هذا يعني أن والدتك هي التي لا تريدك تتعاملي معي.
ردت بنبرة جافة متطلعه نحوه بنظرات ذابلة
= عذرا لكن الامر ليس كذلك، أمي تخشى التعامل مع الأشخاص الأغراب والتي لا تعرفهم في البدايه! لذلك دائما تحرس على ان تضع حدود بينها وبين الآخرين احتياطي حتى لا يحدث شيء سيء في المستقبل وحسب، وانا كذلك بالتاكيد .. لكن والدتي لا تكرهك ولا لا تريد ان تتعامل معك .
هز رأسه بهدوء بعد أن تفهم الأمر ثم ألتفت برأسه للجانب صائحًا بحماس
= حسنا فهمت، ايمكننى الآن دعوتك لنشرب كوبا من القهوة ؟؟ أو ما شابه ؟؟
توقفت بجوار سيارته وهو يخرج المفاتيح بهدوء وأجابت قائله بإبتسامة لطيفة
= هل نسيت ما قاله لك والدك؟ ألا تتجاوز حدودك معي، وأن تتعامل معي وكأنني أخوه بحق؟
ليرفع أحد حاجبيه بغيظ شديد وأجاب باستفزاز متعمد
= كما تشائين أيتها القزمه، هيا حتي لا تصابين بالبرد .
صعدت مهرة السيارة بالخلف مبديه سخطها بشدة، وعلقت عليه قائلة بتجهم
= بالمناسبه أسمي مهره.
نظر رسلان في المرأة ليحدق في عينيها بنظرات هادئة تسير استفزازها اكثر، ثم حرك رأسه للجانب قائلاً بتسلية وهو يبتسم لها
= اعلم إسم مميز، وأنا رسلان وادرس اداره اعمال .. تشرفت بمعرفتك أيتها القزمه.
رمقته بنظرات أكثر ضيقًا وهي تقول مفسرة
= أنا لا أقول ذلك لتقديم نفسي! أخبرك باسمي حتى تعرف أن لدي اسم خاص بي؟ ها؟؟ لذا توقف عن مناداتي بالقزمه.
ضحك علي سخطها و رد عليها مداعبًا
= إنا ليس بهذا الغباء. أتفهم ما تقولي بالطبع، لكن لقب قزمه أفضل ويناسبك.
تنهدت بضيق قبل أن تهمس باستنكار منفعل
= لا فائده منه.
سـاد صمت بينهما طوال المسافة المتبقية من وصولهما، لم يتبادلا فيها الحديث إلا بكلمات مقتضبة فقط، حرص على عدم إزعاجها مره اخرى وهي ظلت تفرك أصابع كفيها بتوتر بادٍ عليها، فلم سبق أن جلست مع رجل غريب عنها ويكون منتبه معها لهذا الحد ويتعامل دون تكلفه وكأنه يعرفها منذ زمن! مر ببالها ذلك الموقف المحرج عندما انقذها و وجدت نفسها بين احضانه! ارتباكت بتوجس مزعوج من فعلته، وهو اعتقد لوهلة أنها ربما تفكر في طريقة للاعتذار منه بصورة لبقة عن أبعاده عنها بذلك الجفاء دون مبرر، لكنها ظلت صامته! سحب زفيرًا عميقًا ليدعم به نفسه قبل أن يكسر الحاجز الجليدي بينهما هاتفًا بنبرة مهتمه
= هل انتٍ بخير؟؟احممم اقصد امورك على ما يرام في مدرستك الجديدة !
لم تستدر نحوه، وظلت محدقة للجانب ثم أجابته بإيجاز
= جيده.
بعد برهة وصل بها إلى المنزل وأوقف السيارة عند مدخل باب الفيلا وترجل من السيارة وهي خلفه، تفاجأت من هدوء المكان، وتساءلت قائله بتعجب
= لما الفيلا هادئه وكان لا يوجد أحد بها
أجابها رسلان ببساطة
= لأن بالفعل هكذا؟ الجميع رحل ولا يوجد اشخاص بها، لقد ذهب الجميع للاطمئنان على صحه العم كنان بالاضافه الى العاملين هنا عائلته بالأساس وبالتاكيد لم يتركوا بوضع كذلك دون الاطمئنان علي احواله.
توقفت مكانها متجمدة، و سألته بتوجس كبير
= مهلا ! اتقصد لا يوجد احد بالمنزل غيري انا وانت فقط.
هز رأسه مبتسماً بخبث و رد عليها مداعبًا
= نعم صحيح، لكن لا تخافي لقد توقفت عن أكل الأقزام والفتيات الجميلات مثلك منذ وقت طويل.
رفضت مهرة الالتفات نحوه قائلة بجمود
= هل انت دائما هكذا لا تتحدث بجدية مطلقاً .
رد عليها رسلان مبتسمًا بطريقة مثيرة للأعصاب
= إنا كذلك لا اكف عن الحديث إلا لتناول الطعام .
ردت عليه بابتسامة متكلفة
= كان الله بعون من حولك حقا.
عقد حاجبيه بضيق شديد نوعًا ما قائلا بحذر
= بمناسبه الطعام، أنا الآن جائع ولا يوجد خدم بالمنزل غيرنا.. و احتمال اذا طلبت طعام لم يصل، فمن سياتي بهذا الجو والعاصفه والامطار لم تتوقف بالخارج .
استدارت ببطء نحوه قائلة بشك
= هل تلمح تقريباً إلى شيء ما، بأن أذهب وأعد لك الطعام مثلا؟ هذه بالتأكيد مزحة من هزارك الثقيل، وأتمنى أن لا يكون ما أفكر فيه صحيحاً. لدي الكثير من الواجبات المدرسية ويجب أن أنهيها مبكراً.
هز رأسه علي الفور مصرًا على أن تصغي له، هاتفًا بجدية زائف
= أنا صاحب المنزل وأنا من يقرر. على الأقل اعتبره رمزا شكرا لإنقاذك اليوم
لوت شفتيها بامتعاض ولم ترد بينما نظر لها مطولاً معمقًا نظراته نحوها وهو يتوسلها باستعطاف زائف
= هل ستتركي شقيقك يتضور جوعا دون أن تساعدي لديكٍ قلب من حجر بالتأكيد.. نحن اصبحنا عائله واحده يا فتاه .
انقبض قلبها بقوة لمجرد التفكير في هذا الأمر أنها معه بمفردهما في منزل واحد، وقبل سابق كانت والدتها تحذرها من الاقتراب منه؟ لكن القدر كان له راي آخر، تجاهلت رجاؤه وأصرت قائله برفض شديد
= حاول أن تعد وجبة لنفسك. بالتأكيد ستجد صنع ذلك بنفسك، لكن يجب أن أذهب إلى غرفتي الآن ليس من الصحيح أن نبقى هنا نحن الاثنين؟ إذا علمت والدتي بهذا الأمر؟ فسوف تغضب بشدة.
نظر لها شزرًا مغتاظ منها بشده ثم هتف بازدراء
= هل تحاولي تمثيلي دور المنال مثلا ؟ أما أنكٍ خائفه مني.. والدتك تلك صعبه للغايه حقا .
انزعجت من كلماته وتحركت خطوه للهروب منه، قبل أن تنحنحت مرددة بخفوت
= أنا لا أخاف من أحد.. أرجوك اذهب واتركني.. لدي دروس كثيرة.. بإذن.
تسمر في مكانه يتابعها وهي تختفي أمام ناظريه، ثم أخرج تنهيدة حارة من صدره محدثًا نفسه بتبرم
= كيف تتحدث معي بهذه الطريقه !! ألا يكفي أنها تركتني وأنا أتضور جوعا؟ من المحتمل أنها لا تعرف كيفية حمل القدر من الموقد بالأساس، إنها مدللة للغاية هذه القزمه.
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة خديجة السيد من رواية حياة بعد التحديث, لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية