رواية جديدة حياة بعد التحديث الجزء الثاني من بدون ضمان لخديجة السيد - الفصل 13 - 2
قراءة رواية حياة بعد التحديث
الجزء الثاني من بدون ضمان كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية حياة بعد التحديث
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة خديجة السيد
الفصل الثالث عشر
الجزء الثاني
تم النشر بتاريخ
14/10/2023
داخل قسم الشرطة، نظر بدر إلى وجه فريدة وهي تجلس على المقعد أمام مكتب الضابط، ونظر إليها بنظرات قوية دون أن ينطق بكلمة واحدة، لكنه كان يستشعر التغيير الذي حدث فيها. أراد أن يحررها من حصار أسر فبالصدفة وجدوها هناك تسير هاربة من أمام منزل أسر.. ولكن عندما ألقت الشرطة القبض على الجميع هنا للتحقيق، فوجئ الجميع بأن فريدة نفت أن يكون لـ أسر أي علاقة باختطافها، و لم يختلف الأمر صدمه عن آسر ايضا، الذي تفاجأ بما قالته فريدة وأنها برأته رغم كل ما فعله بها ولم تريد أن تضيع مستقبله في لحظة تهور، عكس ما فعله، أخفض رأسه بيأس وحسرة، ثم تسائل الضابط مرة أخرى بهدوء
= لاخر مره هسالك يا مدام فريده، متاكده مش خطيبك السابق أسر هو اللي خطفك زي ما خطيبك الحالي جه هنا وبلغ عنه واحنا اتبعنا على ده الأساس وعرفنا بيته ورحنا نسال عليه ولا البيه ده أصلا مش خطيبك..
بعد كل وجع الدماغ اللي عملهلنا وكان جاي ومتاكد اوي ان انتٍ اتعرضتي لاختطاف وهو اللي خطفك .
ارتعش جسدها لمجرد سماع سؤال الضابط و هو كان يقف خلفها، وانتفض قلبها بقوة من كلماته،لم تتوقع وجوده مطلقًا والأهم من ذلك
لم يكتفي بالبلاغ ضد اسر بلا ظل هنا حتى يطمئن عليها، تعلم جيد اذا انكرت بأنه خطيبها من الممكن يتعرض لمسألة قانونيه بتهمه البلاغ الكاذب لذلك كان عليها التاكيد على حديثه، وهزت رأسها بالإيجاب وهي تقول بنبرة متوترة
= آآ لا هو خطيبي فعلا، و انا فعلا اتخطفت زي ما هو قال! بس زي ما قلت لحضرتك اللي خطفني واحد تاني غير أسر، انا ما اعرفوش وسابني بعد كده لما ضربته وهربت منه وبعد كده شفتوني بالصدفه وانا بهرب .
أنصدم أسر بكونها صرحت أن ذلك الشاب خطيبها بالفعل، وكأنها تكمل عليه لتقتله بلا رحمة، لكن هو من بدأ ذبحها..نعم ذبحها بكل قسوة..بكل جبروت.. بكل أنانية.
بدأ الضابط غير مقتنع بما تقوله، فكل ما يحدث يشير إلى العكس تماماً، وهو متأكد من أن حديث بدر صحيح وانه اختطفها بالفعل لكنها تصر على الانكار؟ وذلك بالتاكيد سيعطي نتيجه عكسيه وربما لا يستطيع محاسبه الاخر على فعله طالما لا يوجد دليل! سألها مجددًا بجدية
= ممم مش شايفه انها صدفه غريبة نلاقيكي في نفس الشارع و المكان اللي ساكن فيه خطيبك السابق؟؟ لو مهددك باي حاجه يا ريت تقوليلنا وما تخافيش .. خطيبك السابق هو اللي كأن خطفك ولا لأ !!
هزت راسها برفض قائلة بإصرار دون تفكير بالأمر
= لا مش أسر هو اللي خطفني وما فيش حد مهددني وانا متاكده من كلامي.
بعد فتره خرج الجميع من قسم الشرطة، حتي أسر فلم تجد الشرطه عليه اي بلاغات سابقه وحتى حالياً رفضت فريده ان تعترف بالحقيقه وأن من خطفها لذلك اطلق سراحه الضابط، تحركت فريدة وكانت منغمسة في ألمها حيث شعرت بتيبس في عنقها، بألم طفيف في أجزاء متفرقة من جسدها بسبب ربط أسر لها، لكن صدمت حينما رأت بدر ينظر لها بوجه متجهم، إبتلعت ريقها وهي تقول بحذر
= مالك بتبصلي كده ليه انت كمان؟ بدر من فضلك انا تعبانه وفيا اللي مكفيني مش ناقصه
وقف قبالتها مسلطًا أنظاره عليها وهو يسألها بانفعال شديد
= هو انتٍ بجد بتساليني مالي هو انتٍ مفكره كلامك إللي جوه دخل عليا ولا حتى دخل على حضره الظابط، بس هو سابه بس عشان ما فيش دليل وانتٍ إزاي تبرئيه بعد اللي عمله كده عادي وليه أصلا؟؟ أنا الحق عليا اول ما سمعت صوتك بتستنجدي باي حد وانا بكلمك جيت وبلغت بعد ما رحت الدار اطمن عليكي..
وفي الاخر تقولي مش هو؟ ما كان قدامك الفرصه تخلصي منه ومن زنه كل شويه
رمقها بنظرات مليئة بالغضب والغيظ وهتف قائلا بتهكم
= ولا شكلك كده كنتي مبسوطه ان هو اللي طلع خطفك وصعبانه عليكي تضيعي مستقبل حبيب القلب .
كأنها تراه للمرة الأولى، وهى حقا تراه للمرة الأولى بتلك الحالة من الغضب التى وصل إليها، دارت عينيها وخفق قلبها بقوة فهى لاتزال تشعر بالخوف من هيئته، استغرقت عدة دقائق حتى استجمعت شجاعتها وبدأت تتحدث بحده وتحذير
= حاسب على كلامك ويا سيدي متشكره ان انت سبت اللي وراك واللي قدامك وجيت تدور عليا، واسفه ان انا عطلتك .
هز رأسه بيأس منها ثم أردف قائلا باقتضاب
= وانا مستني منك شكراً ولا أسف خلاص انتٍ حره تعملي اللي انتٍ عاوزاه انا مالي.. ومش محتاجه تقوليها في وشي اني ابعد عنك وانتٍ مش طايقه وجودي! انا فهمت من نفسي و اوعدك من النهارده هبعد عنك ومش هقعد انطلك زي اللي جوه كل شويه وبالعافيه اقرب منك .
في تلك اللحظة كأن يخرج أسر من قسم الشرطه، و وجد من بعيد فريده وهي تقف مع بدر كعادتها لكن هذه المره غير! فقد اعترفت وهي بالداخل بانه خطيبها، تملكه إحساس الندم، أدرك أنه ارتكب من الأفعال الكثير التي جعلته يخسرها للأبد وما تبقى من حياته.. ثم لاحظ أسر الوجوم الذي حل على قسماتها و رأى ذلك الحزن البائن في نظراتها، توقع أن يكون حديث بدر أزعجها؟ واقترب خطوه بغضب منه حتى يرى اذا كانت بحاجه الى مساعده؟ لكن توقف مكانه حين راى فريدة تتحرك خلفه بسرعه وهي تحاول منعه من الرحيل، وهتفت معترضة بنبرة شبه مرتفعة
= يا بدر استنى من فضلك انا والله ما قصدي اضايقك بكلامي بس انت مش هتفهمني، هو فعلا أسر اللي خطفني زي ما انت سمعت على التليفون بس ما كانش ينفع اقول ومش عشان بحبه زي ما انت فاكر انا خلاص طلعته من دماغي من زمان.. وهو اصلا كان خاطفني عشان عاوزني اوافق اتجوزه وانا لو كان لسه في دماغي ما كنت اتجوزته وريحت نفسي..
بس الموضوع ان انا مش عاوزه مشاكل ولا عاوزه اضيع مستقبله بسببي؟ هو لي أهل هيتيتموا من بعده.. امه واخته ما لهمش غيره حاجه زي كده لما تحصل هم كمان هيتاذوا من بعده واذا كان هو ما فكرش فيهم؟؟ انا فكرت فيهم
تنهدت لتضيف بعد صمت طويل بقله حيلة
= وبعدين ايه اللي هستفاده لما ادخله السجن واضيع عمره على غلطه زي دي! و انا متاكده انه ندمان عليها دلوقتي.. ربنا يهدي خلاص بعيد عندي بس انا لو كنت اعترفت عليه جوه كنت هحس بتأنيب ضمير طول حياتي رغم أني مش غلطانه، بس السجن مش سهل برضه، و مش عارفه اقول لك ايه على مساعدتك ليا متشكره جدآ يا بدر... لولا انه سمع صوت البوليس ما كانش هيسيبني فعلا والله اعلم كان هيحصل لي ايه؟ عمري في حياتي ما هنسي الجميل ده .
لم يكن أسر قد ابتعد تمامًا فوصل إلى مسامعه صوت بدر الحاد والمزعوج، تخوف أن يحدث صدامًا بينهما بسببه، بدأ متوتر للغاية لمعرفة ما الذي يتحدثون حوله، راقب أسر نظراتهم لبعض بينهما ليتأكد أن هذا الشاب قد احتل مكانه في حياه فريدة وهى ليست ملامة على ذلك لقد منحته فرصته وهو تخلى عنها لأجل مصلحته هو يستحق تلك الخسارة الفادحة، يستحق ذلك الألم، يستحق هذا النكران.. هز رأسه بأسف.. و بدأت ترتخي ملامح بدر عندما بدأ يفكر مثلها بالموضوع من وجهه نظرها ليشعر نوعاً ما، بالاقتناع قليلاً وأنها محقه لم يفيد ضياع مستقبله بشيء خصوصا بأنه مسئول عن أسره و لاجل أسرته فقط وليس خوفاً عليه أو منه؟ رغم انه لم يفكر بكل ذلك من الأساس، تنهد بصوت مسموع واجاب موضحًا بهدوء
= العفو انا ما عملتش حاجه واي حد مكاني كان هيعمل كده واكتر، المهم ان انتٍ كويسه.. و جايز فعلا معاكي حق أنك ما اعترفتش عليه جوه عشان أهله حتى، بس يا ريت بس ما يعملش حاجه تاني ونصيحه مني لو زود في عمايله المره الجايه لازم تبلغي عنه؟؟ لان هيكون خلاص اتاكد أنه مهما يعمل مش هتبلغي عنه .
كأن محق في ذلك أسر تخطي حدود المقبول في تصرفاته المتجاوزة، طأطأت رأسها مرددة بتأكيد
= ما تقلقش عليا لو عمل حاجه فعلا تاني مش هسكت .
لاحظ بدر أسر وهو يقف بعيد بمسافه منهم و يراقبهم، لذلك أردف قائلا بلهجة صارمة وقوية
= طب تعالي اوصلك بقي الوقت أتأخر اوي و ما ينفعش تمشي لوحدك.. خصوصا أن ولاد الحرام كتروا وبقى ما عندهمش ضمير .
أستمع أسر الى كلماته الذي قالها بصوت مرتفع حتى تصل اليه، ضغط على يده بغضب مكتوم بينما عاد بدر يضيف بنبرة حادة
= يلا يا فريده .
أومـأت برأسها خانعة لقراره الصارم وهي تتابع خطواته بقلب ملتاع، ظل أسر مكانه يراقب رحيل فريده مع بدر ! لقد أنهي الحب الذي كأن بينهما دون قصد منه، وبات الأمر متأزمًا بصورة أكبر، وقف في مكانه عاجز عن التفكير فيما سيفعله بعد الآن؟ حتى يسترجع فريده له! فماذا سيفعل بعد كل ما حدث، هو من تركها من البدايه وعاد يبحث عنها الان بعد ان وجد نفسه وحيد بتلك الدنيا او ربما مثل ما اخبارته فريده هو عاد اليها بعد ان اكتشف مشكله عدم انجابه، وبعدها شعر بانها ستذهب الى غيره مره اخرى لذلك سعي الى خطفها دون ان يفكر في العواقب والان عليه أن يعترف أنه خسرها تماماً .
شعر بخيبة الأمل لكونه فرط فيها من البداية وعرضها لاحقا للخطر، أضاع فتاة مثلها ذات أخلاق حميدة، أضاع كنزًا ثمينًا من بين أصابعه بسبب غبائه الشديد، واستمع إلى حديث والدته؟ ان الارتباط بفتاه مغتصبه ستظل وصمه عار يحملها طول حياته وسيندم على ذلك لاحقاً! هو بالفعل شعر بالندم لكن شعر بالندم لانه تركها وذهب لغيرها .
نظر فى إثرها بشفقة علي حاله وقلبه يتألم يرجوه أن يلحق بها... أن يضمها لصدره .. أن يخبرها انها هى فقط مالكة دقاته ..هى فقط معذبته ومنجاته..لكن بالطبع لم يستطيع أن يلبي نداء قلبه بذلك الوقت بالتحديد! فقد أصبحت لغيرة.
❈-❈-❈
في أحد المناطق الشعبية، بالشوارع كأن يقف فرج في الزوايا وأمامه خطيبته زبيدة والتي تجهمت قسماتها بشدة بينما تنهد الآخر بضيق فلا تنقصه تلك الغيبة لتضيع مخططه بالنهايه بعد ما توصل اليه مع حسناء من تطورات حول علاقتها، و أردف بنفاذ صبر قائلاً
= وبعدين بقى هتفضلي لاويه بوزك كده كتير ما انا قلت لك بعمل كل اللي بعمله ده عشانك وعشان نقب على وش الدنيا مش كانت فكرتك من الاول وقلتيلي معاها فلوس كثير سرقاها واحنا اولى بيها .
لوت شفتيها بامتعاض ساخراً و ردت عليه بغيرة
= ايوه يا اخويا بس مش لدرجه كل يوم و التاني عمال تخرج معاها وتخرجها هنا وهناك و انا اللي خطيبتك راكني على الرف
عنفها فرج بانفعال طفيف ملوحًا بيده في الهواء
= بطلي بقى غيره وهبل هي اللي هتضيع الشغلانه مننا، يا بنت افهمي انا لازم اعمل كده عشان ارسم الدور بالظبط عليها واخليها تصدقني وتقع في حبي وتامن لي.. وبعد كده اول ما اخد الفلوس هسيبها ولا أكن عرفتها و تبقى تشوف هطول مني مليم ازاي
نظرت إليه نظرة عدم رضا، وهي تهتف باقتضاب
= وهي لازم يعني عشان ترسم عليها الدور تفضل تخرج معاها كل يوم وتتمحلس لها كده، انا ما ليش دعوه زي ما بتخرجها تخرجني ده انت يا اخويا دخلتها أماكن عمرك ما دخلتها لي .
اجتاح خلاياه غضبًا جمًا من أسلوبها، و رد عليها بقوة رغم هدوء نبرته
= يا عبيطه عشان تفكر ان انا فعلا غني ومعايا فلوس حتى اللبس بقيت البس اعلى الماركات من المول اللي بيشتغل فيه حماده صاحبي و برجعهله تاني وهو بيتكت لسه، والعربيات اللي باخدها من المعرض اللي بشتغل فيه و كل يوم بروحلها بعربيه شكل من ورا صاحب المحل وعمال اعرض نفسي للخطر.. و كل ده ليه ؟ مش عشانك وعشاني .. بقول لك ايه لو هتفضلي كده من أولها يبقي بلاها
ارتعشت من أسلوبه الجاف، وتوترت أنظارها نحوه بشك فهي بالنهاية تحبه لكنها شعرت بالغيره حيث في الاواني الاخيره بدأ يقترب من حسناء عدوتها، ثم فكرت قليلا بتريث فهي تريد حرق قلب حسناء في نهاية الأمر، ثم نفخت بضيق شديد و ردت عليه ببرود
= ده انت شكلك متكتك لكل حاجه بالظبط و طلعت مش سهل اهو، ماشي يا فرج هصبر لحد ما أشوف اخرتها.. بس عارف لو غدرت بيا
هطربقها عليك وعليا .
❈-❈-❈
أبتسمت فريدة ابتسامة زائفة نتيجة تعبها عند عودتها إلى الدار، واستقبلها الجميع بالفرحة والراحة. وحمدوا الله أنها عادت من حادثة الاختطاف سالمة وبدون إصابات. ومن المؤكد أن الخبر قد انتشر في أرجاء الدار عن حادثة اختطافها على يد خطيبها السابق، احتضنتها سماح وهي تردد قائلة بسعادة
= فريده حبيبتي حمد لله على السلامه الحمد لله انك رجعتي بخير، من ساعه ما عرفت ان الواطي اسر خطفك وانا قلبي وقع في رجلي، الحمد لله انك رجعتي و لولا بدر الله يكرمه كان زمانك دلوقتي الله اعلم فين يلا الحمد لله
ابتعدت فريدة عنها ببطء، بينما هتفت أحد العمال بالدار قائله
= حمد لله على سلامتك يا فريده، بس يعني دي تيجي تتخطبي ومن غير ما تقوليلنا ده احنا حتي هنفرحلك
شهقت فريدة مصدومة وهي تتسائل بغرابة
= مين دي اللي اتخطبت!.
تلجلجت سماح وهى تحاول المراوغة بالحديث وغمزت لها بطرف عينها لتفهم الأمر
= ايه يا فريده هي الحادثه اثرت عليكي يا حبيبتي انتٍ إللي مخطوبه لبدر قريب مدام عواطف.. اللي جه هنا وسال عليكي، وفضل يسال ويدور معانا كلنا هنا وسطنا وهو خايف ومرعوب عليكي.. كان لازم يا حبيبتي اقول لهم على سرك وان في بينكم موضوع جواز قريب لما جي هنا والناس ابتدت تسال فهماني ولا ايه .
نفخت بضيق شديد فهي لا تهتم كثيراً إلي أحاديث الآخرين ولو انها كانت بوضع اخر لكانت ثارت ونفت كل ذلك، بينما هتفت ممرضه أخري بتهكم وعلقت عليها
= هو احنا هنحسدك يا فريده في ايه مالك.. ده احنا فرحنيلك والله يا حبيبتي ربنا يكمل لك على خير وهو كمان باين عليه جدع ابن حلال كنت بشوفه هنا ساعات وهو بيجي يزور مدام عواطف .
اقتربت الأخري قائله بابتسامة صغيرة
= مبروك يا فريده، ما تفرطيش فيه فعلا شكله محترم، هو اصلا ما يقربش للست اللي بيجي يزورها ومع ذلك بيجي ياخد بايديها كل فتره
لاحظت سماح نفاذ صبر فريدة وغضبها الظاهر لذلك أسرعت تقول مبتسمه بتوتر
=خلاص بقى يا بنات، الست لسه راجعه من خطف وقسم الشرطه خليها ترتاح ونبقى نكمل كلامنا بعدين.. يلا يا فريده ادخلي انتٍ ارتاحي
لم تنتظر ردهم بل جذبتها سماح بعيد عنهم وهي تهمس بصوت منخفض برجاء
= بالله عليكي ما تزعلي مني من ساعه ما بدر جي هنا وهم شافوه وهو قلقان عليكي و نازلين اسئله فيا و ما عرفتش اهرب منهم غير بموضوع ان في بينكم مشروع خطوبه،
وبعدين ما الراجل اهو طلع ابن حلال ورجع تاني وشكله عاوز يتجوزك بجد ومش فارق معاه اللي عرفه .
تقدمت سماح خطوات أخري بإتجاهها و أضافت عليها بحنان بصوت هامس
= عشان خاطري وافقي بقى ولا عاجبك كده كل يوم والثاني يحصل مشكله معاكي؟ عشان حتى الزفت أسر يبعد عنك نهائيا لما تكوني في عصمه راجل وينساكي. امال انتٍ فاكره هو بيعمل كده ليه ومش خايف من حاجه عشان شايفك لوحدك ده عاوز راجل يوقفه عند حده وبعدين النهارده خطفك يعالم بعد كده هيعمل ايه .
تنهدت فريدة فقد فقدت قدرتها علی التفكير حالياً باي شئ؛ لذا أرادت فقط أن تحصل علی مساحة من الوقت لتفكر جيدا ٬ فما يحدث معها الأن فوق قدرتها علی الإستيعاب؟ نتيجه ما صار وحدث.
منذ أن غادرت سماح وهى تلزم غرفتها فقد أرادت أن تستغل هذا الوقت الذى تقضيه بمفردها فى التفكير فهى تشعر بالتخبط و الحيرة، لقد مر عليها اوقات عصيبة ويجب أن تضع حد لكل ذلك، فلاول مره عليها الاعتراف بان سماح كانت محقه أسر وغيره سيتطاول عليها دوماً لأنه يعرف أنها وحيده بتلك الدنيا دون سند بالحياة أو حماية، وهذا يعني تضع إحتمال أن يتكرر ذلك مجدداً .
أخذت نفس عميق تفكر بشكل جدي، علها تطمئن فيهدأ خوفها المبرر، ثم همست بألم
= الظاهر ان انا فعلا ما بقتش قادره اواجه لوحدي! بس لازم أبعد عن كل الناس... و ما فيش غير الحل ده .
فكرت كثيرًا بذلك الأمر وحسمت أمرها بتنفيذ ذلك والانتقال إلى بعيد بالتحديد الى مكان غريب عنها ولا يعرفها احد فيه، واذا شردت قليلا ستجد هناك فرصه متاحه إليها ولا يوجد غيرها فلما لا ترضخ لها وتجرب! فقط عليها أن ترتب لذلك لترحل سريعًا من هنا.
❈-❈-❈
فتحت مروة باب الغرفة ودلفت ليلتقط طه أنفه فورا رائحة القهوة التي تحملها فهو كان ينتظرها هنا بعد أن طلب منها تحضرها، آخذ الفنجان منها ليحتسى القهوة بعد أن أغلقت الباب بهدوء واتجهت جانبه وهي تستمع منه باقي الحديث حول زواج شقيقته بالسيد سراج! ثم برقت نظراتها في ذهولٍ صادم، و أردفت بنبرة متهكمه
= يعني خلاص أختك وافقت على العريس وكلها كام يوم وهيكتبوا الكتاب ويسافروا تركيا، وهو وافق عادي ياخد مهره دي معاه رغم أن وفاء مش أمها الحقيقيه وعارف ظروفها .
هز رأسه طه بالإيجاب وهو يبتسم براحه فقد أرتاح نوعاً ما تجاه ذلك الرجل، وفرح لشقيقته بأنها أخيراً وجدت عوضها بالحياة، ثم أجاب موضحًا
= أيوه قال ما عندوش مانع ومش شايف اصلا ان في مشكله في الموضوع، الرجل شكله كويس وابن حلال، ما فرقش معاه كل اللي وفاء حكيتهله بالعكس صمم اكتر علي طلبه.. لما لقى قلبها طيب وحنينه على غيرها، و بعدين حتى لو كان رفض وفاء كانت هتصمم انها مش هتتجوز غير بيها انتٍ مش عارفه هي متعلقه بالبنت دي قد ايه .
ضاقت حدقتاها وهي تحملق فيه بسخرية ثم اعترضت بشدة
= انت هتقول لي ما انا عارفه إللي فيها من زمان، بس بصراحه مش عاجبني ان اختك مصممه البنت دي تفضل معاها رغم ان ربنا خلاص عوضها بواحد كويس وغني و رجل اعمال كبير ومعاه إللي يعيشها ملكه يبقى ليه تصمم تربي بنت مش بنتها.. ما تسيبها بقى وتشوف حياتها شويه هي خلاص بقت مكتوبه على إسمها .
رفع عينيه يرمقها بغضب وهتف قائلاً بصرامة شديدة
=وبعدين يا مروه مش كان ربنا هداكي وشلتي البنت دي من دماغك؟ بترجعي تاني تفتحي الموضوع ليه؟ قلت لك اكتر من مره احنا ملناش دعوه اختي تعمل اللي هي عاوزاه طالما مش بتعمل حاجه غلط، وبعدين ايه الافتراء اللي انتٍ فيه ده؟ عاوزه اختي ترمي البنت بعد ما ربنا كرمها وعوضها بواحد زي سراج ده، بعد كل الشقي اللي شافته في حياتها، طب ايه رايك اللي انا متاكد ان ربنا عوض اختي بواحد زي ده عشان الخير اللي بتعمله في البنت دي.. بالك هي لو رمت البنت دي زي ما انتٍ بتقولي ربنا ممكن يغضب عليها
دي يتيمه برده واختي بتاخد ثواب كبير في الدنيا والاخره قصاد تربيتها ليها .
حاولت أن تختلق عذرًا ما لتبرر سبب اعترضها وقلقها من تلك الفتاة قائلة
= يا أخويا مالك مكبر الموضوع كده ليه، ما هي ممكن تسيبها في اي دار ايتام وتصرف عليها برده.. يعني مش لازم تبقى معاها خطوه بخطوه وحتى لما ربنا كرم اختك بواحد هيعيشها في بلاد بره ويخليها مش محتاجه حاجه؟؟ تصمم تاخذ البنت معاها.. ده هم ايه ده؟ كده هتفتح عين البنت اكتر وتخليها تطمع فيها، ومش بعيد تلف على اللي اسمه سراج ده وتاخده منها .
قطب جبينه بغضب مضاعف وهو ينظر لها بعدم رضا، ثم هتف قائلاً بجدية
= مروه قفله على الموضوع وبطلي تلعبي في دماغي، حتى لو مشيت ورا كلامك ورحت قلت لاختي كده هتزعل مني ومش هتصدقني وهتصمم برده على انها هتربي مهره وهتفضل معاها طول العمر، يبقى احنا نريح دماغنا طالما ما فيش حاجه قدامنا بتقول ان البنت دي مش كويسه وبعدين انا فكرتك هتفرحي بخبر زي ده؟ مش كنتي طوال الوقت حطاها في دماغك وحاسه انها هتخطف عيل من عيالك .. اهي هتسافر وهتسيبلك الدنيا بحالها شيليها انتٍ كمان من دماغك بقى .
ضغطت على أسنانها بغيظ وهي ترد بحنق
= خلاص يا اخويا، انت حر انت واختك الحق عليا بحاول اواعيك، اصل أختك من طبيتها بتحط النار جنب البنزين وهي مش عارفه .
❈-❈-❈
بعد أيام، تفاجأت فريده بأن بدر جاء هو واطفاله قاصد زيارتها لم تستفسر ولا تهتم كثيراً الي ما الذي يريده منها، فهي رحبت بهؤلاء الاطفال بحراره وكانت بحاجه الى رؤيتهم بالفعل لتمحي سلبيتها وخصوصا بذلك الوقت وما مرت به من مشاكل! بينما بدر قصد رأيتها هو وأطفاله عله يكون سببًا في التوفيق بينهما من جديد وإصلاح ذات البين ولم الشمل كما يريد! ربما عنادها الزائد يدفعها إلي الرفض مجدداً لكنه سيعيد إقتراح طلبه للمره الثانيه .
كانت فريدة تحمل الرضيعه وهي تشعر بمتعة لا تضاهيها أي متعة تلك وهي تنعم ببراءة قطعة صغيرة بين ذراعيها، شكرت بدر لأنه واظب على إحضار الإثنين معه خصوصاً اليوم لتمتع عينيها برؤيتهم هدهدت فريدة صغيره بدر بحنو والذي أبتسم بفرحه على اهتمامها بصغاره، وتيقن بأن أحسن الإختيار، ثم تساءل بدر بقلق
= بقيتي عامله ايه دلوقتي أحسن؟ وخطيبك ده اللي مش فاكر إسمه الاولاني محاولش يضايقك تاني صح .
داعبت الصغيرة بيدها بحب، وأجابته بتمهل
= الحمد لله كويسه ما تقلقش وما اعتقدش أن بعد اللي حصل هيجي هنا تاني او حتى لو في دماغه حاجه، مش على طول كده هيعملها وهو لسه خارج من القسم من كام يوم ، مش غبي للدرجه دي .
زفر براحة محاولا استعادة هدوءه وهو يجلس على أحد المقاعد، ثم عاتبها بدر بحديثه وهو يقول بجدية
= طب كويس انك عارفه ان في دماغه اكيد حاجه ثانيه و مش هيسكت، يا ريت بس يكون مجرد احتمالات ويخاف على مستقبله وعلى الناس اللي في رقبته.. طب نسيبنا بقى من الموضوع ده مش هنرجع لموضوعنا انا وانتٍ
فهمت فريدة مقصده فورًا و ردت بهدوء
= قصدك الموضوع اللي قلتلي عليه قبل ما اتخطف، هو انت بجد لسه عاوز تتجوزني بعد اللي انا حكيتهلك متاكد من اللي بتقوله؟ يا ريت تفكر كويس بدل ما ترجع بعد كده وتندم وتضطر تسيبني زي غيرك .
رد بتنهيده متعبة وهو يجمد أنظاره عليها بضيق شديد
= هو انتٍ شايفيني عيل صغير قدامك يا فريده ومش عارف اخذ قراراتي، اكيد الأيام اللي اختفيت فيها دي فكرت فيها كويس، وما كنتش اصلا بعمل حاجه غير اني افكر؟ وما تقلقيش من قراري!! و زي ما كنت بفكر في نفسي كنت بفكر فيكي برضه! و ان انا لازم القرار اللي اخده ارتب نفسي بعدها ان انا ما اجرحكيش ولا بعد كده احس نفسي مش قادر وابعد وعارف كمان كويس ان بنات الناس مش لعبه.. عشان كده اخذت مهله طويله في التفكير.. ودلوقتي الدور عليكي انتٍ اللي لازم تفكري وتقولي لي رأيك .
أمسكت يد الرضيعة الصغيرة الأخري تلاعب أصابعها وهي تتساءل بصوت مرتبك
=طب موضوع الولاد، وإني مش بخلف أو عمري ما هخلف أصلا
صمت لحظة ثم عاود التحديق تارة في وجه فريدة وتارة أخرى في وجه طفلته البريء التي تحملها والأخري يحملها هو، ثم قال بهدوء
= الولاد رزق من ربنا مش هم الحياة.. انا ممكن اعيش من غير ولاد بس اعيش سعيد لأني راضی.. راضی باللی ربنا یکتبه و واثق إن ربنا مش هيكتب عليا إلا الخير ليا.. وبعدين ما جايز كنت اكون انا إللي مش بخلف، يعني هو نصيب في الأول وفي الآخر.. وانا راضي بالطفلين اللي معايا ومش عاوز اطفال تاني .
شعرت بالحرج فهو يستمر على معاملته الرقيقة وطلبه رغم فظاظتها المتعمدة و رفضها الدائم، وقبل أن تتحدث قاطعها وهو يقول بجدية أكثر
= معلش قبل ما تتكلمي هو انا بس عاوز قبل ما تقولي رأيك؟ تديني فرصه انا كمان احكي احوالي وتعرفي حياتي زي ما انتٍ حكيتيلي عن حياتك وانا فكرت بعدها أرفض ولا اقبل؟ وانتٍ اللي اديتيني الإختيار ده وكنتي صريحه معايا عشان كده انا كمان لازم اكون صريح معاكي من البدايه.. لان كمان اللي هقوله ممكن بعدها ما تقبلنيش أو ما تكونيش حابه ترتبطي بواحد حياته بالشكل ده والقرار في النهايه يرجعلك .
أمرها بصوت يعلقه الرجاء بمجرد ان لمس
هروبها مجدداً ولدهشتها انصاعت عينيها له
لتتلاقى الأعين مجدداً و تحدثت بخفوت
= اتفضل .
توتر بدر وظهر توتره جليا عليه، ثم أردف قائلا بصوت متردد
= انتٍ ممكن كل اللي تعرفيه عني ان انا ارمل وكنت متجوز ومراتي ماتت وسابتلي البنتين دول عشان كده انا بدور على واحده تساعدني وطبعاً تكون زوجه لي، وباكد على الموضوع دي عشان ما تفكريش ان انا هدفي من الجوازه دي ان انا اخليكي لا مؤاخذه في الكلمه يعني خدامه لبناتي وبس.. انتٍ مجرد هتساعديني وبرضاكي و الأمر في النهايه مسؤوليتي انا لوحدي، ولازم برده اكون صريح مع نفسي مسؤوليه بناتي وانا والبيت انك تشيليها لوحدك صعبه مش سهله وانا كمان جربت بنفسي وعارف ده كويس .
نفض الحزن عن قلبه وهو يتابع حديثه
= بس انا تعبت وبقيت طول الوقت بحس بالذنب ان انا كل شويه اسيب ولادي عند حد غريب يخلي باله منهم وانا في الشغل مضطر عشان اجيبلهم فلوس حاولت في الأول افكر في افكار كثيره، زي ان اسيبهم عند حد من الجيران بس اكتشفت في الاخر انهم مش مهتمين باولادي وكانوا هيضروهم لولا انا خدت بالي في آخر لحظه! حاولت برده اشوف لهم حضانه بس مصاريفها كانت غاليه جداً بس مع ذلك وافقت، لولا خالتي أصرت ان انا اسيبهم هنا واستخسرت الفلوس وقالتلي خليهم لما يكبروا شويه يبقى وديهم حضانه براحتك.. بس انا متضايق من الفكره نفسها المفروض يتربوا في حضني انا ومعايا انا مش عند حد غريب، يتربوا في بيتي، انا ساعات كنت بسرح بدماغي واقول هم مش ممكن في مره ينادوا بكلمه بابا او ماما لحد غريب من كتر ما هو بيشوفوا الغرب اكتر من ابوهم.. بس انا ما كانش قدامي فرصه ثانيه انا فجاه لقيت نفسي مسؤوله عنهم لوحدي وامهم سابتنا بدري، وانا ما عنديش اختيار ولازم اكون مسؤول عنهم .
كانت تنظر له فرفعت حاجبيها بتعجب متسائلة باستفهام
= هو انت ليه بتانب نفسك اوي كده، ومصمم تطلع نفسك انك مقصر معاهم انت بتعمل كل اللي انت تقدر عليه وعلى فكره كثير مننا بنحس بالاحساس ده؟ يعني هتلاقي كل الامهات والابهات مهما يعملوا لاولادهم بيحسوا انهم برده ممكن يعملوا ليهم اكتر و ماقصرين فده عادي.. خصوصا ان انت لسه قايل بنفسك انك مش لاقي فرصه تانيه وحسب يعني الكلام اللي سمعته منك ومن مدام عواطف انك بتراعيهم من كفه شيء لوحدك حتى اعمال البيت والطبخ انت اللي بتتكلف بيها وده مش عيب بالعكس حاجه كويسه جدا، بس انا مستغربه يعني انت ما لكش قرايب خالص يساعدوك ازاي؟ ولا حد بيطل عليك كل فتره .
مسح وجهه وخلل أصابعه بشعره شاعرآ بثقل يجثم علي قلبه ويريد أزاحت ذلك الجبل عنه بالحديث قائلاً بقلق
= ما هو ده الموضوع اللي انا صممت اننا نتكلم فيه عشان اقول لك عليه، فريده أنا آآ
يعني أنا طفل ملجأ اتربيت وعشت في دار أيتام فتره عشر سنين ولا اكتر كده ولقوني يعني في مكان كده وانا طفل رضيع واولاد الحلال وصلوني بدار الأيتام واتربيت هناك .. وما اعرفش حاجه خالص عن اهلي مين؟ وما اعرفش إذا كان فعلا ذي ما بيتقال انا ابن حرام ولا حلال !! بس بعد فتره قصيره جت اتبنتني ست بسيطه مش بتخلف وعشت معاها و راعتني لحد ما ربنا خد بادها بس هي بامانه الله، كانت كويسه معايا رغم أنها كأنت ظروفها بسيطه بس عمرها ما حرمتني من حاجه كانت تقدر تعملها وما عملتهاش.. عشان كده انا ما ليش اهل بيساعدوني في تربيه ولادي، هي طبعاً الست اللي ربتني الله يرحمها كانت ليها أهل بس ما كانوش بيسالوا عليها وممكن ده السبب اللي خلاها تتبناني أصلا.. وبالنسبه لمراتي الله يرحمها كانت نفس الكلام ما كانش ليها غير جدتها اللي ربتها قبل ما تموت .
نظر لها يستشف رد فعلها إلا أنها تمسكت بالصمت والاطراق ليقول بتوجس
= بس، هو ده الموضوع اللي انا كنت عاوز اقول لك عليه! يعني لو عاوزه تتراجعي بعد كده عن فكره الجواز بعد اللي عرفتيه عني براحتك بس كان لازم اقول لك الموضوع ده واكون صريح معاكي زيك.
كانت تحدق لأسفل وهی تستمع إليه ولم ترفع رأسها حين أنهی حديثه وتمسكت بالصمت فترة ونظر لها بتوجس لتبدأ أخيرا حديثها بحنان طالما افتقده
= هو انا اتفاجئت بالموضوع لاني ما توقعتش بس انا مش شايفه انك حكيت حاجه تكون سبب و تخليني ارفض، وحتي يعني اسفه في الكلمه لو جيت عن طريق علاقه غير شرعيه فانت في النهايه ما لكش ذنب والمفروض ما حدش يحاسبك على حاجه زي كده أصلا.. و حاجه ذي دي ما تخلكش تخجل انك اتربيت وعشت طفولتك في دار ايتام الموضوع مش بايدك ده نصيبك وخلاص.. وكثر خيرها الست اللي ربتك، فا فين المشكله في كده
دق قلبها خوفا وقد شعرت أن هناك أمرا اخر يخفيه عنها متعمداً، بهت لونها وهو يأخذ نفسا عميقا ويقول
= ما هو في موضوع تاني و ممكن ده يخليكي ترفضي، انا عارف طبعا انك ممرضه ومتعلمه ومعاكي شهاده! بس انا مش متعلم يا فريدة هي الست اللي ربتني في الاول دخلتني مدرسه بس بعد كده المصاريف قصرت معاها لما تعبت وجالها القلب عشان كده طلعتني من المدرسه بدري، وبعدها خلتني اتعلم صنعه و قالتلي لقدام هتنفعك احسن من التعليم اللي في النهايه هتقعد على قهوه ومش هتلاقي إللي يشغلك و إللي انا ما قدرتش على مصاريفه.. واشتغلت صبي فترة طويلة في ورشه لتصليح العربيات واتعلمت الصنعه، بس فعلا كان معاها حق والموضوع ده نفعني جدآ لان في الفتره دي اتعلمت المسؤوليه وحاجات كتير أوي.. لحد ما ربنا كرمني وفتحت ورشه ملك.. وهي اللي بصرف منها على بيتي، الإختيار بقى ليكي هترضي تتجوزي واحد اتربى في دار أيتام وما عندوش اهل ومش متعلم كمان .
ظلت صامتة وظل يتحدث، كأنه يتحدث للمرة
الأولى بحياته أخبرها عن طفولته في الملجا المأساوية، لذلك دائما يسعى بان يعوض اولاده بما حرم منه ولا يريد ان يقصر في حقهم، حتى استطاع بشق الانفاس للحصول على عمل متوسط أو حرفية تساعده على الانفاق منها على نفسه وعلى بناته. لقد تحدث كثيراً عن التوامان وعن أمهم الراحلة لترى مأساة موتها بين كلماته رؤيا العين فتلمست كم هو شغوف بتلك الصغار او ربما هم المحظوظين باب مثله .
تعمدت الحفاظ على ابتسامتها اللطيفة حتى لا تجعله يشعر بالاحراج وهي تكافح لمنع أفكارها من الظهور علنًا لتكشف ضيقها المكتوم بداخلها ولكن ليس منه بل من الماضي، ثم هزت رأسها عن اقتناعٍ تام
= التعليم مش كل حاجه يا بدر في الحياة وياما ناس درست في مدارس بس ما تعلمتش المسؤوليه زيك، وعلى فكره انا جوزي الاولاني ما كانش متعلم برده بس الفرق بينك وبينه انه كان صايع وامه هي اللي كانت بتصرف عليه وما يعرفش اي حاجه عن المسؤوليه.. تعرف حتى لما بشوفك دلوقتي بتعمل ايه مع بناتك وهو لما اتجوزته امه اللي كانت بتصرف علينا بحس قد ايه بالقرف من ناحيته وأنه ما كانش راجل أصلا .
توقع ثورتها وغضبها٬ توقع لومها وعتابها بانه كيف يتجرأ يطلب منها طلب مثل ذلك؟ وهو غير متعلم وهناك فارق بينهما في التعليم! لكن لم يتوقع أبداً هادئها وأنها تقبلت أمر أنه عاش طفولته في ملجأ ولا يعرف عن أسرته شيء، واحتمال يكون جاء نتيجة علاقه غير شرعيه
لكنها لم تهتم إلي كل ذلك كثيراً .
دارت أعينه بتأثر من هذا الحنان و التفهم المتدفق منها ثم هز رأسه في رضا وهو يرد
= بس قالتلي المره اللي فاتت واللي فهمت منه أنك اتجوزتي من البني آدم ده، مش برضاكٍ و وافقتي بس عشان اهلك طلبوا منك يلموا الموضوع وضغطوا عليكي، انما انا دلوقتي ما حدش ضاغط عليكي ؟؟. ولسه بسالك يا بنت الحلال فكري فيها كويس! انا ما ليش اهل تسندي عليهم بعدي لو جريلي حاجه.. ومش زوج متعلم ممكن تتباهي بيه قدام الناس زي ما انتٍ متعلمه
اتسعت ابتسامتها بينما قلبها يتوجس خيفة من المجهول أو سيظل هكذا طول الوقت، إكتفت هي برمقه بنظرة مختلفة نوعاً ما وتحدثت بصوت عميق
= انا متهياله أصلا احنا زي بعض يا بدر! اذا كان على التعليم قلت لك مش فارق معايا عمري اصلا ما فكرت كده فيها وليه اصلا اوقف؟ رفضي او قبولي للامر عشان شخص متعلم او لأ، انا مفروض في حاجات تانيه اهم ابص عليها، زي اخلاقه طريقه احترامه لغيره والطريقه اللي بيفكر فيها وطموحه! حتى لو مش متعلم.. وبالنسبه لموضوع اهلك فاحنا زي بعض في دي؟ اهلي موجودين بس زي عدمهم تقدر تعتبرني زيك ما ليش سند في الحياة .
أبتسم لها أخيرا براحه وبدأ يتحدث بتعجب قليلا وهو يتسائل
= هو انا ليه حاسس من طريقه كلامك كانك بتبرري موافقتك وأن خلاص خدتي قرارك في الموضوع ؟ ولا انا فهمت غلط .
أكدت له بثقة وهي تومئ بعينيها
= لا فهمت صح يا بدر، انا موافقه على الجواز منك .
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة خديجة السيد من رواية حياة بعد التحديث, لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية