رواية جديدة حياة بعد التحديث الجزء الثاني من بدون ضمان لخديجة السيد - الفصل 18- 2 - الإثنين 30/10/2023
قراءة رواية حياة بعد التحديث
الجزء الثاني من بدون ضمان كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية حياة بعد التحديث
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة خديجة السيد
الفصل الثامن عشر
الجزء الثاني
تم النشر يوم الإثنين
30/10/2023
❈-❈-❈
احذروا الملل فهو مصدر كل الخطايا المميتة
كان آسر يتقلب على سريره وعيونه دامعة وهو يتذكر حديث بعض الناس في المنطقة هنا عن زواج فريدة المفاجئ، و خمن أنها بالتأكيد مرتبطة ببدر، الشخص الذي كان يتودد إليها في عملها، هو منذ البداية لاحظ ذلك وواجهها لكنها أنكرت ذلك ببساطه وفي النهاية ذهبت وتزوجته.. بدأ يشعر أنه يريدها بشدة. أراد أن يعود الحب القديم بينهما مرة أخرى؟ يريد تجربة تلك المشاعر معها فقط.
وضع يده على قلبه وهو يتألم فماذا سيفعل ليمحو ذلك الحب من قلبه؟ في الماضي! استمر في السعي للحصول عليها، حتى لو سلك أساليب مختلفة وغير مشروعه، لكنه في النهاية فقدها هي وكل شيء وكاد أن يفقد نفسه أيضًا لولا اعترافها بالقسم وإعطائه فرصة ثانية. كان مذهولاً من أنها فعلت ذلك! لكن هذه فريدة التي أحبها، تزال تمتلك قلب طيب ولا تريد أن تتحمل ذنبه!!
في الخارج، وضعت سميحة الإفطار فوق الطاولة، وجلست شيماء على طاولة الإفطار
صامته وقبل أن تبدأ في تناول الإفطار وجدتها تطلب منها أن تدخل لاخيها تستدعي يأتي يتناول معهم، لكنها رفضت بإصرار! فهي لا تتحدث معه بعد أن قام باختطاف فريدة وعرضها للخطر، وشاركت معه في تلك الجريمة دون علمها، دخلت سميحة إلى غرفة أبنها وأخبرته بابتسامة هادئة أن الإفطار أصبح جاهز بالخارج..فنهض علي الفور متمتما بضيق
= مش عاوز حاجه يا ماما، و لو سمحت سيبيني في حالي.
تركها وانصرف، لتنظر إليه بألم حقيقي، فهي من جنت من حصاد إهمالها وها أتى وقت الصبر وارضائه بعد أن كانت تامره وهو ينفذ دون اعتراض.
❈-❈-❈
تعرقت بشده وهي تتقلب على جانبيها فوق الفراش متخيلة بأن زاهر زوجها السابق يقترب منها بنظراته المخيفة يتوعد لها، تجسد في مخيلتها صورته البغيضة التي اصبحت تكرهها وتوهمت أنه ينهال عليها بالضرب ويكسر عظامها وسط صراخها وتوسلها، لكن لم يتأثر كالعاده! فهو إنسان مريض يستلذ بعذابها والمها وعلى وشك موتها بين لحظة وأخرى.
اجتاح رأسها ألم رهيب فجأة لتتبخر مع وهم أحلامها التعيسة لتخوض بين واقعها المرير وصرخت بقوة وهي تبكي بحرقة وتهز رأسها بطريقة هستريه، وفي ذلك الأثناء أستيقظ رسلان على صوتها ووقف أمام غرفتها متردد بالدخول وهو يستمع صوت صراخها، إبتلع ريقه متوجس قائلاً بقلق
= أيتها القزمه.. مهرة هل انتٍ بخير .
لم تكن تسمع جيدًا، أثر ألمها المميت على مراكز الإبصار لديها فبدت الرؤية مشوشة، وهي تصارع تلك الكوابيس التي تأتيها دوماً تذكرها بالماضي، وضع رسلان يده فوق مقبض الباب متردد بالدخول إليها أم لأ، لكن وقف مراقبًا صوتها في صمت مقلق، وشغل تفكيره حالتها الغامضة وكلماتها الغير مفهومة التي كانت تهذي بها وسط صرخاتها، تساءل في نفسه بفضول عن الذي يدفع شابة صغيرة مثلها للوصول إلى تلك الحالة السيئة.. أبعد يده عن مقبض الباب وخشي أن يدخل لها وهي نائمه ويرى شئ غير مسموح برؤيته فبالتاكيد ستكون جالسه بأريحية بغرفتها و الوضع هنا سيكون غير مناسب، لكن لا يعرف ماذا يفعل وهي بتلك الحاله و بمفردها معه! وكيف يساعدها .
بينما في الداخل فتحت عينيها أخيرا بين دموعها المذعورة، اعتدلت فوق الفراش وهي تشهق صارخة وكأنها رأت شبحًا للتو، انتفض رسلان بالخارج فزعًا على إثر صرختها محدقًا في الباب بذهول، وهتف معلل بصوت عالٍ
= مهره اذا تسمعيني افتحي الباب قبل ان ادخل، ما الذي يحدث معكٍ .. هل انتٍ بخير
أخذت تنفس الصعداء بصعوبة بالغة وهي تلتقط أنفاسها الاهثه، ثم نظرت حولها بتعب شديد ونهضت بخطوات بطيئه تجذب حجابها وخرجت الى الخارج له، انتظر فتحها للباب على أحر من الجمر وعقله مشتت بين أفكار سوداء، فتحت الباب لتشهق بصدمة وهى ترى رسلان يقف أمامها وأسرع قائلا بقلق شديد
= ما الذي كان يحدث معكٍ؟ لما كنتي تصرخي بتلك الطريقه، خفت كثيراً ولم اعرف ماذا يجب ان افعل لكٍ .
لم تستطع إخفاء تلك الحمرة التي تصبغ حدقتيها، ولا وجهها الشاحب، ثم نظرت له مهرة بضيق متسائلة بجمود
= ماذا؟! ماذا تريد مني!؟ الا تستطيع التوقف
عن ازعاجي أحاول النوم بصعوبه بسببك!؟"
حدق فيها متفرسًا إياها بنظرة شمولية وهو يسألها بتهكم غاضب
= حقا انا من يجب ان اقول لكٍ ذلك؟ استيقظت للتو على صوت صراخك ما بكٍ
أبتلعت لعابها بتوجس مزعوج، وسلط أنظاره عليها متابعًا عدم اكتراثها بحالتها النفسية التي تستعر حتى بلغت أشدها أمامه، وهدر بعصبية بائنة ملوحًا بذراعه
= ما الامر معكٍ؟!! هل تعاني من مشكله ما!؟ ما نتيجه هذه الكوابيس
ردت قائلة بصرامة وهي تخطو نحو أقرب أريكة خارج الغرفه أمامها
= لا شيء انا بخير مجرد كوابيس تاتيني كل فتره والأخري .
احتج رسلان قائلاً بحدة
= حسنا اذا كانت الكوابيس تلك تلازمك علي فترات متكرره لما لا تذهبي الى طبيب نفسي حتى يراكي .. اوه أيتها القزمه ارجوك لا تقولي بانك من الاشخاص الذي يرون الاطباء النفسيين من يذهب اليهم سوى المجانين فقط..
ألقت بجسدها على الأريكة محدقة فيه بارهاق، ثم أجابت بجفاء
= الأمر ليس كذلك بالتاكيد هذا يسمى طبيب
ويعالج الاشخاص الذين يعانون من أمراض نفسيه وما شابه، لا انظر الى الامور بتلك النظريه ابدا .
علق الآخر هاتفًا بإصرار
= حسنا إذا كان كذلك الوضع لما ترفضي الذهاب الى طبيب
شعرت باحتباس أنفاسها باضطراب شديد يجتاحها، بجفاف حلقها خلال تلك اللحظات الثقيلة كانت الأصعب إليها والأكثر توترًا بالنسبة لها، لوى ثغره بضيق للجانب ليزيد من تأكيد نيته نحوها بأنها تخفي شيء ما؟ قبل أن ترخي ساعديها واعتدلت في وقفتها رمقته بنظرة أخيرة قبل أن تبوح عن تخبطها قائله بفتور
= أتدري ولا مرّة في حياتي حصلت على شيء أريده فعلًا ولا مرّة. هل تصدق؟ لا يمكنك أن تفهم معنى العيش هكذا ما إن تعتاد حياةً لا تحصل فيها أبدًا على أيّ شيء تريده، حتى تفقد القدرة على معرفة ما تريد.. لقد رفضتنى كل الأشياء التى أردتها و رفضتُ أنا رداً عليها كل الأشياء التى أرادتنى، و إلى الآن لم ألتقِ أنا والحياة فى نقطة.
رد هو معترض بعناد أكبر
= وماذا عن احلامك الذي تسعي إليها؟ لقد اخبرتني من قبل بأنك مازلتي تؤمني بأنك ستصلي إلى حلمك وإلى ذاتك و إلـى ما تريدي .
أختنق صوتها للحظة حينما تذكرت وضعها الاجتماعي الحالي، فهتفت بمرارة
= منذُ الصغر وأنا أصلُ إلى ما أريد، لكنني أصل وأنا منهك بالقدر الذي لا يجعلني أفرح. وكأني أريد أن أصل لأستريح.. أستريح فقط.
بالإضافة إلى الأشياء المتأخرة أن قدومها لم يعد مُرحباً به؟ فقد فات الأوان وأنَّ مجيئها الان بعد انطفاء الشغف، لنّ يجعلني ألتفت مهما بلغتْ من جمال، فَللإنتظار المُفرط دائماً ضريبة..
هزت رأسها بيأس وإحباط وهي تضيف بصلابة غير متأثره بحركاته المشجعة
= ما الذي يستطيع حله الطبيب مع حالتي، بالاضافه أنا لا أرغب بالتحدث حول تلك الاشياء المؤلمه التي حدثت معي! لم يفيد الأمر بشيء غير الحديث فقط ولم أستطيع النسيان ولا العلاج .
نظر لها مطولاً ولم يستطع استوعب حديثها وماذا حدث معها جعلها تعاني بقسوة رافضة التمسك بأقل الآمال لتبقى على قيد الحياة.
رد عليها معللاً
= لم أكن اعرف بانك تعيسه ومتشائمه الى ذلك الحد ما بكٍ يا فتاه.. ابدئي تابعي مع طبيب وتخلى عن هذه الأوهام التي ستفسد حياتك بالمستقبل .
صمتت وهي تنظر إليه، فاضطربت بدرجة ملحوظة وازدردت ريقها بتوتر و سريعًا عمدت إلى إخفاء حزنها، لكنه أصر على إيصال ما يريد قائلا
= حسنا لا اريد ان اعرف ما الذي حدث وصار معكٍ ولما تقتحم نومك هذه الكوابيس! لكن يجب أن تحلي الأمر لأجل صحتك، جميعنا قد مرت علينا امور تركت اثر بداخلنا لا يزول لكن هل معنى ذلك ان نتوقف مكاننا ولا نتحرك بالتاكيد لا .
اشاحت بنظراتها بعيد عنه بصمت تام أو ربما بعدم إقتناع، تأكد في تلك اللحظة من رفضها، لكنه لم يفقد الأمل بعد، فرد يائسًا
= كل ما يحدث لكٍ عندما كنتي طفله صغيره يترك وراءكٍ شيئًا لا يزال موجودًا معكٍ حتى الآن. ربما لا تتذكري تفاصيل الأشياء التي حدثت، لكنك ستظلي تتذكري الشعور الذي شعرتي به في ذلك الوقت.
وكأنه وضع يده على الوتر الحساس داخلها!.
توترت بشكل ملفت للأنظار من حاصره المباغت وزاد احمرار وجهها حتى بات ككتلة ملتهبة من الحرج، وقوست فمها لتظهر ابتسامة باهتة وهي ترد
= منذ طفولتي وأنا أستخدم مخيلتي لصنع تصورات أحبها، حتى أنني اعتدت أن أتخيل لأهدا، لأنام، لأهرب. أنقذتني مخيلتي أحيانا كما أبهجتني أحيانا كثيرة.
فهم مقصدها سريعًا فالمخيلات تعني الهروب من الواقع، ورد بحذر كي لا يحرجها متعمد
= لذلك اقول لكٍ يجب ان تذهبي الى طبيب حتى تخرجي من قوقعه الماضي! الفراغ سيكون عدوكِ الأول أكسيه بالحركة و لا تتوقفي عن إشغال وملا حياتك بالاعمال الصالحة والمفيده، العلم والثقافة لا يعني المدرسة ولا الجامعة فقط، دائما هناك شيء يمكن أن نتعلمه من أبسط الأشياء ولو من مراقبة نملة.. الم تريدي أن تكوني مميزة.
حدقت فيه باندهاش محير، وازدردت ريقها بتوتر رهيب تأثرا بحديثه، رمقها بنظرات قوية تحمل العزيمة والإصرار وهو يقول مؤكدًا بثبات
=ماذا تضعين في رأسكِ؟ مازلتي تفكري بالأمر! حسنا الرضا جيد بكل شيء لكن هذا لا يعني أن نقف مكاننا دون أن نصلح من انفسنا؟ أخطئي وﺗﻌﻠﻤﻲ!
اعتدل رسلان في جلسته، وعمق نظراته القوية نحوها قائلاً بجدية
= اتعلمي ايتها القزمه؟ أخبرني احدهم ان النساء اللواتي منعن من الركض.. سيأتي يوم سيلذن به نساء بأجنحة، ليس يوجد شخص ضعيف.. لكن يوجد أشخاص لا تريد الشعور بالفشل حتى يصلون الى طريق النجاح.. الأشياء لا تأتي دون مجهود أليس ذلك؟
ألمه أن يراها هكذا، شعر بأن أحدهم جني عليها بقسوته الحادة، فبدت متوترة عن زي قبل استشعر من نظراتها نحوه شيئًا غريبًا، ظن أنها ربما تحتاج للتحفيز الإيجابي لتفكر فيما قاله بجدية، فتمسك بذلك الإحساس و أدهشها أكثر إصراره حينما أصر على مفاتحتها مجددًا بطريقته الخاصة قائلاً
= أنا أتحدث من واقع خبرتى صدقيني، الدنيا لا تعطينا كل ما نريده بسهوله يجب ان نحارب لكسب المعركه! حتى اذا هزمتي اقبلي الهزيمه بصدر رحب وحاولي مره أخرى.. هكذا الدنيا تدور .. سيعوضك الله حتما، لا تحزني على ما مضي
استمر الصمت سائدًا بينهما لبرهة حتى مل منه رسلان وكاد أن يتحدث لكنها سبقته، حيث رفعت حاجبيها في عدم تصديق متعجبة من كلماته وحماسه معها وتحدثت إليه بصوت خفيض للغاية
= رسلان، أنت رائع ولديك الكثير من الطاقة
عبس رسلان بوجهه معترضًا
= وهل هذا شيء جيد أم شيء سيء؟
زفرت مطولاً رافعًه رأسها للأعلى، أردفت قائلة بفتور
= هذا شيء مهلك.
أبتسم نتيجه كلامها وكاد أن يربت على كتفها كدعم لكنها ابتعدت بسرعه قبل ان يلمسها بخجل، وهو ابتعد بكل هدوء يهز رأسه بتفهم واسف قبل أن يقول بنبرة ذات مغزى
= لقد فهمت مؤخرا حكمة من كون انسان لا يتجاوز الماضي أبدا على الأغلب؟ لو عاش الإنسان مائتي عام لجُنَّ من فرطِ الحنين والندم والحسرة إلى أشياءَ لم يعد لها مَكان.
لأن العمر والزمن يتحرك .. لكن داخلك ستظلي مكانك لانك لا تحاولي، هذا ما أقصده .
الوقوف لمشاهده العمر يضيع أمام انظرنا بالفعل اكبر الأخطاء التي يرتكبها الانسان ضده، العمر لا يتوقف بل أحيانا يركض بلا توقف! لما لا تفكر بكل ذلك حقا، شعرت بخفقة قوية تضرب قلبها من طريقته العزيمه معها حتي تستجيب بيسر إلى حديثه وبالفعل هزت رأسها بتفهم، وأخفضت نظراتها لتحدق في أي شيء وهي تفكر! ولاول مره بدأت تفكر بالأمر بواقعيه أكثر و بالموافقه أيضا على تلك الخطوه؟ ثم نظرت له بامتنان شديد لثواني بصمت! إستطاعت فيها أن تكسر حاجز رهبتها وفزعها المستمر من تكرار أوجاع الماضي وبدأت بإرداتها تفكر بالأمر، وأجابت قائله بتنهيدة متعبة
= لقد أعطيتني شيئا لم أحصل عليه قبل الليلة.
رد عليها رسلان باستغراب
= ما هو؟.
إبتسمت هي له بعذوبة، وردت عليه بامتنان
= الأمل!. شكرا كثيراً على حديثك.. حسنا اقتنعت ساذهب الى الطبيب قريباً لابوح باسراري اليه .
أكتفي بإبتسامة عريضة دون أن يعلق عليها، وظلت مثبتة أنظارها على مرمى البصر ممتعًا عينيها بموقفه تجاهها الساحر، فحافظت على ثباتها كي لا يزيد حرجها، وهتفت متسائلة بارتباك
= هل ذهبت الى طبيب من قبل؟ اقصد هل تبوح اسرارك الى شخص ما قريب في حياتك مثل والدك أو صديقك .
لوي فمه بإبتسامة متسلية وهو يجيبها
= ليس كلها ولكن جزء منها فقط، الأنسب للتحدث، آوه لا تنظري إلى هذه النظرات!. أسراري ليست بهذا السوء.. لكني عادة شخص كتوم.
رفعت حاجبيها في عدم تصديق وزادت من ابتسامتها وهي تقول بتهكم
= شخص كتوم!! نعم ارى ذلك بالطبع .
إختلس النظرات إليها ورسم ابتسامة خفيفة على وجهه. لم يصدر أي ضجيج، لكنه راقبها بعناية مستمتعًا برؤيتها وهو يكتشف هذه الضيفة الجديده، التي بدأت الأمور معه تتطور بسرعة إلى حد ما، رمقها رسلان بنظرات عابثة قائلاً بمزاح
= تعلمي ما هو اكثر شخص مناسب بان تحكي له اسرارك؟ ليس سـوى جدتك سمعها ضعيف وتنسي بسرعة وفي النهاية تسأل؟ ابني من أنت؟
نظرت له بيأس ها هو يعود من جديد الى شخصيته التي تعرفها، إبتسمت بشده وهي تعلق بتنهيدة متعبة
= أنت فعلا مشكلة ولا فائدة منك.
❈-❈-❈
بعد مرور عدة أسابيع، بدأت لياليها تمر عليها وهي تشتعل بسوى الحزن والبكاء في وحدتها، رغم إنتهاء الموقف إلا أن داخلها احتفظت بتلك الاوجاع البائنة حتى شعرت أن أمرها انتهى الى هنا في حياته، انزوت في أحد الأركان بالغرفة محدقة فيمن حولها بنظرات شاردة. الكتمان صعب للغاية حقا! والتجاهل اقهر قرار يأخذه الحبيب لمعاقبه نصفه الاخر، أصبح زوجها يأتي ويخرج للاطمئنان على ليلى التي تمكث عن جدتها! وحين يعود يكتفي بالقاء النظرات المعاتبه لها دون حديث! فحتى عدم وجود ليلي ما زالت تعاني من أفعالها فلا وجود للراحه ولا النعيم بذلك المنزل أبدا .
جمدت تسنيم أنظارها على يديها المصابة متذكرة ذلك الحادث الذي فعلته في نفس اليوم ولم يلاحظ حتى الآن؟ أغمضت عينيها بقوة نافضة عن عقلها تسلل الألم والحسرة إليها وكأن القدر يتعمد اختراقها بمشاهده التي لا تفارق مخيلتها مع دقات قلبها العنيفة ولم تستطيع تحمل دموعها لتسقط بقهر صامته، فالى متى ستسيطر على نفسها وتتحمل لتكون تحت مسمى الزوجه الصالحه التي تراعي ظروف زوجها وتسانده في اصعب المواقف، وحتى وأن كسرها ستظل تسانده؟ هل هكذا يسمى الاحترام بين الأزواج! هل هذه الموده والرحمه..
هي أيضًا لديها مشاعر، لماذا لا يشعر بها؟ لماذا لا يشعر بوحدتها وألمها؟ هي تعاني بصمت ولا تجد من تتحدث إليه. وحتى شقيقها وزوجته لم تخبروهما بشيء عما حدث لها، لتثقلهما مشاكلها وهما في أول خطوات حياتهما الجديدة.. بينما ذلك الصمت يؤلمها أكثر .
لج سالم إلى الغرفة بعد أن لاحظ اختفائها لوقت طويل فتعجب من سكونها المريب دقق النظر أكثر في هيئتها المزعوجة ليتفاجا براسها الملفوف بالشاش الأبيض ويديها وبعض الكدمات والخدوش على وجهها، أقترب منها متسائلاً بذهول
= ايه ده؟ مين اللي عمل فيكي كده؟ مالك
هزت رأسها بيأس وحسرة كانت بالفعل بحاجه الى اهتمامه ولكن جاءه متأخر جداً لدرجه أنه بسؤاله ذلك اشعرها بالالام مجدداً لتجيب بصوت باهت
= ولا حاجه ما تاخدش في بالك، حادثه بسيطه عملتها في نفس اليوم اللي بنتك دخلت المستشفى فيه؛ شوف عدي كام يوم وما خدتش بالك وجي تسالني دلوقتي بس.. انسى يا سالم خليك مركز مع بنتك بس ومش راضي تصدق غيرها ولا تشوف اللي حواليك
اتسعت عيناه بدهشة وتوتر قليلاً ثم زفر مطولاً رافعًا رأسه للأعلى، ودس يديه في جيبي بنطاله و أردف قائلاً بضيق
= هو انتٍ لما صدقتي تتفتحي خلاص يا تسنيم انا بحاول انسى الموضوع ومفتحوش تاني والاقيلك مبررات، المهم طمنيني عليكي الدكتور قال لك ايه على الكدمات دي
ضربت أناملها بعنف جانبها فوق الأريكة هاتفه باستنكار منفعل
= انت اللي بتدور على مبررات! لا يا شيخ وجاي على نفسك ليه ما تقولها في وشي ان انت شاكك ولا شاكك ايه متاكد ان انا عاوزه اذي بنتك او اموتها كمان.. مش هو ده اللي بتحاول توصل له ومخليك مش عاوز تبص في وشي، كانك بتقول لي جالك قلب إزاي تعملي في بنتي كده وقاعده عادي .
ثم نهضت تسنيم تجاه فهي دومًا تتحمل علي أمل لتغيير الوضع للافضل لكنه يصدها، بل على العكس لم يساعدها مطلقاً، ولم يعطيها أي بارقة أمل من أجل أي شيء، لذلك انفعلت به باهتياج قائلة
= إلا قول لي يا سالم هو احنا لما بنجيلنا قضيه، عشان نمسكها مش المفروض بنحط احتمالين جوانا ضد الموكل اللي موكلنا؟ يا اما هو فعلا ارتكب الجريمه دي او هو بريء!. بس انت مصره دايما تحطني في الاحتمال الاول ان انا الوحشه اللي باذي وعمرك ما فكرت بينك وبين نفسك حتى أن ممكن بنتك تكون عملت كده فعلا.. أو يا سيدي حتى لو مره من المرات الكتيره اللي دايما بتتهمني فيها.. وان فعلا أنا صح !. ولا ازاي هتحط الاحتمال ده جواك وانت اصلا مش عاوز تصدق غير بنتك وتكذب كل اللي حواليك .
تابعت هادره بشراسة نابعه من قهرها وقد استشاطت نظراتها
= ولما انت شايفني كده مخليني على ذمتك ليه لحد دلوقتي، ولا كنت اتجوزتني ليه من الاول.. انا تعبت من العيشه دي بجد، طب فهمني الوضع ده هيستمر لحد امتى؟ المشكله ان انا بحاول انبهك عشان خايفه على بنتك زيك بالضبط وانت بتتهمني اتهامات زي كده ضدي! خلاص ولا منبهك ولا نيله طالما انت مصر كده اشرب انا مالي، بس اللي ليا فيه ان انا ادافع عن نفسي واقدر اثبت ان انا ما عملتش اي حاجه من اللي بنتك قالتها ضدي.
شعر بحالة الحزن الشديدة المسيطرة عليها،
قوس فمه للجانب وهو يرد باقتضاب متجهم
= تسنيم انا تعبت برضه من المشاكل... تعبت ان أعيش اراضي من كل الجهات، مش انتٍ من شويه كنتي بتقولي لي المفروض احنا محاميين بنبص للقضيه ازاي طب ما من ضمن الاسباب برده اني مهمتنا الاولى والاخيره في اي قضيه هي الادله وانا لحد دلوقتي مش بشوف غير كل الادله ضدك انتٍ!!
ثم هز رأسه معترض وهو يضيف بجمود قاسٍ
= عاوزه اتعامل ازاي قولي! حتي ليلي عمرها ما كانت كده ما تحاولي انتٍ كمان تحطي نفسك مكاني وتفكري.. قولي عملتي كده غصب عنك أو ما كنتيش تقصدي هفهمها انما انتٍ بتنكري وفي دليل .
أتسعت عيناها بذهول وغضب عارم، ثم
نظرت له بفتور مرددًة بيأس
= ثاني انا تعبت من الشرح والدفاع عن نفسي ماشي طالما انتٍ عاوز تشوفني كده؟ تمام مش هبذل مجهود حتي في اني اغير الصوره دي عني.. انت حر وبكره الأيام تثبتلك العكس، بس صدقني وقتها انا مش هسامحك .
كاد أن يتحدث لكنها تحركت من أمامه بعدم مبالاة للخارج ولجأت هي إلى الصمت الإجباري فهو باغتها باعترافه الصريح بأنه لم يصدقها مهما حدث، عجزت عن استيعاب الموقف ويأست من الدافع عن نفسها دون فائدة، ولم تفرض نفسها عليه طالما لا يصدقها جلست فوق الأريكة تمسح وجهها بتعب شديد حتي سمعت صوته يهتف باسمها بصوت عالٍ بشراسة
= تـــسنــيــم .
انتفضت مذعورة وذهبت له لتفهم الأمر،توقفت أمامه لتسحب نفسًا أخرًا وهي ترجع رأسها للخلف قائله بيأس
= نعم في ايه تاني؟.
أقترب منها بخطوات متعجلة فتنحى جانبًا مظهرًا عن عمد اشمئزازه منها وهو يوضح ما بيده لها، ثم نظر لها شزرًا وهو يسألها بحدة
= ايه ده؟ افهم من ده ايه انتٍ بتاخدي حبوب منع الحمل عشان ما تخلفيش مني! ردي عليا
ودافعي عن نفسك يا هانم ؟ قولي ايه اسبابك المرة دي؟ واللي خليتك تعملي حاجه زي كده من ورايا .
رمشت بعينيها غير مصدقة أن تم كشف أمرها
للتو، وفي أصعب الأوقات فلم ينقصها مطلقاً ذلك أيضا توترت أكثر ولم تستطيع الرد، و حدجها بنظرات نارية، ثم تقدم خطوة لها هاتفًا بازدراء
= احنا ما اتفقناش على حاجه زي كده في بدايه جوازنا ولا قبله.. لا وكمان مخبيها وسط الكتب عشان ما اشوفهوش؟ يعني بتاخديها من ورايا وعارفه انك بتعملي حاجه غلط و مخبيها، طب ليه تعملي حاجه زي كده من ورايا، ردي .
هلل كلماته بانفعال شديد جعلها تنتفض في انكماش وهبطت دموعها بألم شديد وهي في مكانها، نعم لقد بدأت مؤخراً في أخذ تلك الحبوب والسبب واضح جدا لكنه مصر لم يراه! جرجرت أذيال خيبتها وهي تقول بنبرة متوترة نوعاً ما
= مش عايزه ارد.. لو رديت هوجعك
إبتسم لها إبتسامة سخيفه وهو يجيبها بسخرية مريرة
= هتوجعيني اكتر من كده؟ طب انا عايز اعرف بقى ايه اسبابك اللي تخلي واحده زيك تاخد حبوب منع الحمل من ورا جوزها
فاعتصر قلبها آلمًا و انهارت باكية وهي تجيب بصوتها المختنق
= عشان مش لاقيه الأمان مع جوزي.. وطول الوقت حاسه ان انا بحارب في حرب مش هكسبها.. وان قريب كل ده هخسره! فليه اخسره واظلم طفل معايا ما لوش ذنب في الدنيا كلها ! غير ان امه اختارت غلط .
كان كمن تلقي صفعة قوية في وجهه وضربة موجعة في صدره وذلك حينما حدق فيها بصدمه مؤلمة، فكأن القدر يصر يقطع كل حبال الوصــال بينهما، لكن هو سد الطريق عليها تمامًا أولاً! وأدركت في تلك اللحظة أنها بالفعل خسرت أخر أحلامها وأصبحت لا شيء؟ لذلك لجأت الى تلك الحبوب لتامين نفسها من الخساره الأكبر .
❈-❈-❈
شهقة فزع قوية أنطلقت من فاه حسناء عندما دخلت إلي محلها كالعادة بالصباح وتفاجات بتلك الجالسة علي الكرسي الخشبية الخاص بها وكأنه مكانها! لترمقها بشر بعدما رأت أنها افرغت كل جزء بالمحل رأساً علي عقب، و حتي العاملين رحلوا، أقتربت بخطوات سريعة وهي تردف بتهكم غاضب
= بتعملي ايه يا زبيده مكاني ومين إللي قلب المحل كده، ومالك قاعده ولا فارق معاكي حد كانه محلك .
نهضت زبيده ببرود و رمقتها بكل نظرات الكراهية التي تشعرها حيالها الآن؟ إلي ان أبتسمت بشماته وهتفت بانتصار
= طب ما هو فعلا محلي او بمعنى اصح محل جوزي! آه صح ما انتٍ لسه ما تعرفيش اللي فيها، المحل ده بقى ملك فرج اللي هو كان خطيبي وبقى حالياً جوزي.. فرج اللي كان بيرسم عليكي ومفهمك انه بيحبك و انه هيكتب المحل الثاني باسمك وانتٍ زي الهبله دفعتي كل فلوسك ومضيتي !
عجز لسانها عن الرد من الصدمة، و كان ألم قلبها أقوي و أشد من صدمتها فهي حقا بدات تشعر نحوه بشيء ما وقد اعتقدت انه أحبها بحق ولم تشك يوماً به، أطلقت الأخري ضحكة الشر عنوانها لتتابع قائله بغل
= بس إللي ما تعرفوش يا حلوه انك مضيتي على توكيل منك لي أنه يقدر يبيع ويشتري في املاكك براحته وهو نقل بالعقد ده المحل باسمه، وغير الفلوس اللي دفعتيها اونطه عشان كنتي طمعانه في .
رفعت إحدي حاجبيها بكبرياء مُنتظراً إجابتها لكنها وجدت ملامح وجهها مصدومه بشده، أطلقت قهقهة ساخرة وهي تضيف
= إيه اتصدمتي ومش مصدقه صح؟؟ كنتي فاكرة هيصحيكي بالورد و الأحضان، وان هو بيحبك فعلا طب يا اختي واحده ذيك بعمايلها دي هتتحب على ايه؟ هو انا نسيت عملتك فيا لما طردتيني وشفتي نفسك بقيتي حاجه بفلوس حماكي اللي سرقتيها.. تستاهلي اكتر من كده، ده أنا لسه هوريكي النجوم في عز الضهر يا حرامية.
أنقضت حسناء بجنون علي تلابيب عبائتها و هدرت بها
= يا ولاد الكلب، فلوسي فين يا بنت الـ*** سرقتوني يا ولاد الحراميه.. خدتوا مني كل اللي حيلتي المحل والفلوس .
نظرت إليها بإزدراء هاتفه بصوت جلي
= ريحي نفسك الفلوس فرج حطها في البنك والمحل ده قريب وهيتنقل باسمي وانا اللي هشغله، ومش هتقدري تعملي حاجه ولا تثبتي، انتٍ مش احسن مني في حاجه عشان يكون معاكي العز ده كله وانا لا.. ده انا كنت زمان بسلفك وانتٍ مش لاقيه .. وهي في النهايه كانت فلوس مسروقه يعني ما تعبتيش فيها
شعرت الأخري بالغضب الشديد منها، ثم قبضت علي خصلاتها و صاحت بصوت عالٍ بحقد
= يا حراميه يا بنت الكلب هاتي فلوسي والله اقتلك فيها انتٍ والكلب الثاني.. بقى انتوا تضحكوا عليا .
أخذت الأخري تلتقط أنفاسها من إثر ما أقترفه لها للتو وهي تحاول أبعدها عنها، فقد بدأت تشعر حسناء بالضياع والحسرة، أجهشت في البكاء وأخبرتها بتوسل محاوله استعطافها
= طب سيبي لي حتى المحل ده، إنما تاخدوا الاثنين وتسيبوني ارجع ذي ما كنت زمان فقير ومش لاقيه، لا ده كده حرام و ظلم، ابوس ايدك سيبي لي حاجه انا مش هرجع للفقر تاني بعد ما سبته.. فلوسي فين يا زبيده .. أنا كل اللي عايزه منك ترجعيلي فلوسي و أوعدك مش هبلغ البوليس ولا هقول لحد على اللي عملتوا فيا .
لوت شفتيها بامتعاض و أجابت عليها بلهجة استفزاز
= بلاش جو الصعبنيات ده يا اختي عشان أنتِ عرفاني كويس ما بياكلش معايا خالص، وانتٍ عارفه ومتاكده دلوقتي انك مهما تعملي ولا هتقدري تطولي مني مليم ولا تثبتي حاجه
كانت ما زالت تبكي ثم صرخت بغل وجنون و صفعتها بقوة، فأطلقت زبيده صرخة ألم دوي صداها في كل الأرجاء، لكن طغي صوت حسناء الطاغي قائله بتهديد قوي
=قدامك دقيقة لو مقولتيش علي مكان الفلوس ولا رجعتي المحل، لا هقتلك يا زبيده ومش هسيبك ولا انتٍ ولا الزباله التاني اللي اختفى بعد ما نصب عليا .. رجعوا لي فلوسي يا ولاد الـ*** .. اتقي شر احسنلك و خليكي فاكره كويس انا حسناء اللي مش بتسيب حقها حتى لو على موتها .
ابتعدت زبيده عنها وهي تضحك عليها بتهكم ولم تخاف من تهديد الاخرى، بينما زمجرت حسناء و أنقضت عليها، أخذت زبيده تركض و تحاول أن تدافع عن نفسها لكن دفعتها بقوة فأطرحتها علي الأرض و أستطاعت القبض علي عنق زبيده لتقوم بخنقها، فالغضب عماها وكانت الأخري في حالة ضعف و هزال لكنها أخذت تقاوم وضربتها بحافة يدها علي جانب موضع وجهها حتي تتركها لكنها لم تكن ترى أمامها غير الانتقام حتى تحرقها بنفس الطريقه التي احرقتها بها .
تمكنت حسناء من خنقها بقوة أكبر مما أدي إلي إنها تفقد الوعي في الحال، أو ربما ماتت!!.
في ذات اللحظة اقتحم فرج المحل واتسعت عيناه بذهول وصرخ بعنف
= بتعملي إيه فيها .. قتلتيها .
انتبهت حسناء هنا إلي ما فعلته في لحظة تهور، لتنظر إلي زبيده وجدتها فاقده للوعي تماماً؟ زمجر فرج كالمجنون يصرخ بأعلى صوته أنها قتلتها، وكانت حسناء ترتجف خوفاً لا تصدق ما يحدث، و تلك الجريمة التي أرتكبتها للتو؟
وفي ثواني أخيرا نهضت لتركض هاربه بسرعه البرق قبل أن تقبض عليها الشرطه وهي لا تعرف الى أين ستذهب؟ فقد خسرت كل شيء وانتهى الأمر! ظلت تركض بخوف شديد وهي معتقده بأنها قتلت زبيده والشرطه تبحث عنها، لكن ما لم تكن تعلمه هو أن زبيدة فقدت وعيها ولم تموت.!
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة خديجة السيد من رواية حياة بعد التحديث, لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية