رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه - الفصل 65 - 2
رواية كما يحلو لها
الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه
رواية جديدة كما يحلو لها
تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى
من قصص وروايات
الكاتبة بتول طه
النسخة العامية
الفصل الخامس والستون
الجزء الثاني
منذ أربع سنوات وخمسة أشهر وأسبوعين..
أغلقت الباب خلفها وهي في حالة من التردد، هي
تعرف أنها تريد الابتعاد والراحة وفي نفس الوقت تعرف أنه بات شخص آخر، بالسابق كان
سيستيقظ ليُطالبها بالمزيد، لن يكترث لحملها بطفل بفعل ليلة جامحة وقد يحولها
لأسبوع كامل من شغفٍ لا ينتهي سوى بتفلتها منه بأعجوبة.
-
يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم، استغفر
الله العظيم من كل ذنب يارب وأتوب إليك!
استمعت لتلك الكلمات بنبرتها الساخطة وهي تتخذ
أولى خطواتها على الدرج لتتوقف وهي تحسم أمرها تجاه هذه المرأة التي لا تفهم ما
الذي تريده منها في هذا الصباح الباكر ولو أن من العقل أن تبتعد تمامًا وتنأى عنها
ولكن شجار معها قد يُكسبها تدخل "عمر" ونسيانه لأمر المأذون والطلاق والقضية..
هي لا تدري ما الذي تريده تحديدًا ولكنها تتمنى الحصول على المزيد من الوقت معه
ليس إلا لتحسم قرارها!
التفتت واتجهت نحوها ثم وقفت أمامها بشموخ
غير عابئة بما ترتديه وتناولت جرعة كبيرة من القهوة بكوبها ثم رسمت ابتسامة رائعة
على وجهها بالرغم مما تعانيه وقالت متحدثة لها بتحدي خفي:
-
صباح الخير يا طنط.
لوت الأخرى شـ ـفتاها وهي تتفقدها بأعين
معترضة وقالت بفتور:
-
أهلًا يا روان يا حبيبتي
ازداد تفقدها إياها لتبدأ في ملاحظة ما
ترتديه وكأنها تعرف هذه التفاصيل جيدًا لتحدثها "روان" متسائلة:
-
معلش عشان لسه صاحية ومفوقتش حضرتك محتاجة
حاجة؟ أصلي سمعتك بتتكلمي ومخدتش بالي كنتي بتقولي إيه، فيه حاجة عايزاني اعملها؟
نهضت وهي تُحدق بها بغضب لتترك كل ترهاتها
السابقة جانبًا وسألتها:
-
أنتِ ازاي لابسة كده لبس عُدي وجاية لغاية
هنا بيه، مفيش حيا ولا خشى أبدًا؟
تصنعت البلاهة وتناولت من قهوتها ثم سألتها
بصوت هادئ:
-
يعني ايه خشى وحية دي؟ أنا مش فاهمة حضرتك
بتقولي ايه بصراحة!
جعلتها كلماتها تغلي بداخلها لتبتسم
"روان" بداخلها وهي تتصنع البراءة أمامها لتصيح بها "مها"
بغضب:
-
يعني سبتي كل كلامي ومسكتي في خشى يا اختي!
يعني مبتتكسفيش، معندكيش دم! عرفتي يعني ايه خشى وحيا، من الحياء يا حبيبتي
متسمعيش عنه؟!
حاولت أن تكتم ضحكتها لتنظر لما ترتديه ثم
قالت مجيبة:
-
أصلي هدومي كلها هنا وملقتش هدوم البسها
الصبح، الـ robe ده الحاجة
الوحيدة النضيفة اللي لاقتها لغاية ما اجي هنا والبس هدوم تانية، هو حضرتك مكبرة
الموضوع أوي كده ليه!!
تفقدتها بانزعاج يتصاعد كلما نطقت بكلمة
أمامها لتتحدث لها بزجر:
-
وهو أنتِ معندكيش حاجة اسمها عيب، مفيش حاجة
اسمها ميصحش تلبسي هدوم أخو جوزك وانتي خارجة كده قدام الكُل!
رفعت حاجباها وهي لا تتمنى أكثر من ذهابها
وتركها بمفردها بمنزلها لتجلس بصحبته هو لتستطيع تحديد ماهية مشاعرها ثم أخبرتها:
-
أنا خارجة من بيت جوزي داخلة بيتي والسواقين
بعيد عننا ومفيش حد غريب!
تهكمت ملامحها على ما تستمع له وجادلتها:
-
وهو ميخطرش في بالك عدي يصحى يشرب ولا يُدخل
الحمام ويشوفك بمنظرك ده!
تفقدت ما ترتديه مرة أخرى وبمنتهى البرود
تركت كوب القهوة على الطاولة خلفها وردت قائلة وهي تنظر لها بهدوء قاتل:
-
فيه ايه يا طنط ماله لبسي ده حتى كبير ومش زي
أي لبس بلبسه، وبعدين هو حضرتك مش واثقة في عُدي وأنتي موجودة معايا أنا وعمر
وعنود في بيت واحد؟!
لم تعد تحتمل هذه المرأة التي تفتقر لأقل معاني
التهذيب وأخبرتها مُحذرة:
-
اسمعي يا بنت، تحترمي حماتك وأنتِ بتتكلمي
معاها، ولو أهلك نسيو يربوكي ويعرفوكي الصح من الغـ
-
لا كله إلا أهلي.. أنا مقلتش من احترام حضرتك
ولو ثانية واحدة!
قاطعتها وارتفع صوت كلتاهما لترد
"مها" بصياحٍ غاضب:
-
هو فين الاحترام ده وانتي جاية توقفي قدامي بمنظرك
ده، ماما وبابا يا حبيبتي مقالولكيش إن ده عيب!
انزعجت للغاية مما تقوله ولم يعد الأمر
محاولة من "روان" لكي تستفزها بل لقد أغضبتها بالفعل بعدما آتت على ذكر
والدها ووالدتها التي لو كانت كأحد منهما ربما لم تكن لتصل مع أبنائها لما وصلت له
وردت بكبرياء مصحوب بالعصبية:
-
علموني إني المفروض البس اللي عايزاه في بيتي
براحتي.. ولا نسيتي إن ده بيتي!
بمجرد لمحها لدخول "عُمر" من الباب
الرئيسي للمنزل ازداد بأسها وتحفزها ووقفت تعقد ذراعيها وهي ترمقها بتحدي ولكن لن
تدع "مها" كلماتها لكي تمر هكذا بدون رد فلقد أصابتها هذه الفتاة بالغضب
الشديد وهي لا تتقبل بعد تلك الملامح الزائفة بها وكأنها تستطيع فعل أي شيء متى
أرادت وكأن الكون بأكمله حولها ينصاع فقط لما تُريده فصاحت بها:
-
هو ايه اللي بيتك بيتك، مبقالكيش كلمة غيرها،
وهو كل اللي حواليكي ده بتاع مين، مش بتاع ابني، شوفي بقا اخدتي منه البيت ده
ازاي.. ولا برضو اللي ربوكي معلموكيش تحترمي جوزك وأهله!
-
أنتِ تاني بتجيبي سيرتهم، وأنتِ مالك بيهم
أصلًا.. أنا مقلتش من احترامك ده أنا افتكرتك عايزة حاجة وجيتلك لغاية عندك، أهلي
اللي بتتكلمي عليهم دول لو مكانوش ربوني كويس كنت سيبتك تتكلمي من غير ما أرد
عليكي أصلًا!
اشتد جدال كلتاهما مما جعل "عمر"
يذهب ليتفقد ما سبب هذا الصياح الذي يستمع له في أولى ساعات اليوم باكرًا فاقترب
وهو يتفقد كلتاهما بتعجب وتسائل:
-
فيه إيه؟
تفقدته والدته باشمئزاز وقالت بحدة وهي توزع
نظراتها بينه وبين زوجته:
-
فيه إن الهانم اللي روحت اتجوزتها أهلها
معرفوش يربوها وبتقل أدبها عليا!
توسعت أعين "روان" باندهاش مما
قالته وعقبت بغضب:
-
تاني بتجيبي سيرة أهلي، أنا معملتلكيش حاجة
أصلًا.. لو سمحتي متجيبهومش في الكلام ما بينا خالص!
رفع حاجباه بذهول مما يستمع له فلتوه قد
تركها وهي كانت تتعامل بهدوء ولم يفهم ما الذي أوصلها لهذا الغضب الشديد حتى ترد
هذا الرد على والدته ولا حتى يعلم لماذا تذكر الأخرى والديها فقرر أن يُنهي هذا
الشجار فهو ليس في حاجة لمزيد من آلام الرأس التي يشعر بها بالفعل فقال:
-
خلاص بقا.. اسكتوا بقا انتو الاتنين.. وأنتي
يا روان اطلعي غيري هدومك عشان الناس اللي هتيجي كمان شوية!
رمقته والدته بمزيد من الاشمئزاز المصحوب
بالغضب وصاحت به:
-
هو ده اللي ربنا قدرك عليه، بتقولي اسكت
وبتزعق فيا زي ابوك، صحيح ما أنت ابنه حبيبه، وبعد ما كنا مرعوبين عليك وأنت قافل
على نفسك دي أول حاجة تيجي تقولهالي، أول ما حبيبة القلب شرفت وجت، طبعًا تعملها
اللي هي عايزاه وأنت بتعملها ألف حساب، لو فارق معاك منظرها وهي خارجة كده بيه كنت
عرفت تلمها!
شعر بآلام رأسه تزداد مما يحدث أمامه ويقع
على مسامعه بينما لم تتراجع الأخرى عن إلقاء رد يُثير غضب أيًا من كان في مكان
"مها" وليست لأنها والدته فقط:
-
وهو أنتِ ولا أي حد كان عارف يتصرف ويشوفه
ماله، مالها حبيبة القلب، على الأقل أنا الوحيدة اللي بعرف أقف جانبه وأتصرف معاه،
ده بدل ما تتكسفي إنك في سنك ده مش عارفة تعملي حاجة.. وهو كان ماله لبسي، ولا
أنتِ مش لاقيالي غلطة تمسكي فيها ومتضايقة اوي إني بعرف أعمل اللي أنتِ متقدريش
عليه!
جعلته يشعر وكأنه مجرد دمية بين كلتاهما ونجحت
في استثارة غضب الأخرى التي اقتربت منها وهي تصيح بها:
-
أنت بنت قليلة الأدب وأهلك معرفوش يربوكي
عشان تردي على واحدة قد أمك بالأسلوب ده.
كادت أن تصفعها ولكن ما فاجئه هو استطاعة
"روان" في تفادي صفعة يـ ـدها ووقفت أمامها والغضب يتطاير من عسليتيها
لتخبرها بهدوء مميت:
-
أنا مامي إنسانة محترمة وعمرها ما تمد ايدها
عليا أو على غيري، مش زيك!
هنا أدرك أنه لابد عليه من إنهاء هذا الشجار
بين امرأتين تظن كل واحدة منهما أنها مُحقة لتصيح والدته بغضب سبب لها ارتفاع ضغط
دمائها:
-
شوف قلة الأدب، ده أنتِ التربية دي معدتش على
بيتكم ولا تعرفي ريحتها..
كان بالفعل يحمل "روان" فوق كتفه
لكي يتجه بها للأعلى ويوقف كلتاهما عن هذا الشجار ولكنها لم تتوقف حتى في طريقهما:
-
وهو أنتِ يعني اللي عرفتي تربي، على الأقل
أنا وأخويا مش زي ولادك..
تفقدت كلاهما وهما يصعدان بعيدًا عنها:
-
بقا هو ده اللي أنت قدرت عليه، تسبني وهي
بتغلط فيا بقلة أدب قدام عينيك، ماشي يا عمر، وربنا ما قاعدة في البيت ده دقيقة
واحدة وهصحيلك أخوك يتصرف معاك أنت والبنت قليلة الأدب دي!
أخفضها أمام الباب وهو يُمسك بكتفها بينما
الأخرى تخرج المفتاح الخاص بالغرفة من جيب البنطال الذي يرتديه لتتفقده بأنفاس
لاهثة من الغضب الذي أصابتها الأخرى به:
-
خير، إيه اللي جابك، جاي تتخانق معايا تاني؟!
لمحها بنظرة سريعة وقام بفتح الباب ثم دفعها
للداخل وأغلق الباب خلفه وحدثها بانزعاج شديد:
-
كنت جاي عشان عارف إنك معاكيش مفتاح وسبتي
شنطتك هناك، واحنا متفقين اننا هنقفل الأوضة، اجي الاقيكي ماسكة في خناقها! فيه
إيه يا روان من امتى وانتِ بتعملي عقلك بعقلها؟
تفقدته بغضب واجابته باقتضاب:
-
من ساعة ما جابت سيرة أهلي!
زفر بضيق شديد مما يستمع له لتتابع:
-
ولا كنت عايزني اسمع شتيمتي وشتيمة أهلي
بوداني وافضل ساكتة واتفرج عليها واروح ابوسها وأقولها سوري يا طنط أنا غلطانة
متزعليش مني!
تركته واتجهت لغرفة ملابسها لتنزعج من الأتربة
المُحاطة بكل شيء لتدرك أن الغرفة كانت مُغلقة منذ ثلاثة أسابيع وبمجرد سماع
خطواته يدلف الغرفة خلفها خلعت ردائها وهي تتصنع ارتداء أول قطعة صغيرة وابتسمت
بداخلها على صمته الشديد والتفتت نحوه بغتة لتجده يتفقدها بأعين ممزقة بين ألم
رأسه وبين رغبته بها التي لم تندثر منذ ليلة أمس لتتحدث له:
-
أنا بقى عايزة حقي منها ومش هاسكت على حد
يغلط في أهلي!
حاول السيطرة على نفسه ونفى سريعًا عن عقله
الذي يحرضه على تفقد المزيد منها ورد معقبًا:
-
حقك هتاخديه والمأذون والشهود جايين كمان
شوية ولو كان فيه سبب ولا اتنين اننا نتطلق زمان فبعد كل اللي بيحصل ده بقا فيه
مليون سبب!
سخرت من كلماته واتجهت لترتدي صـ ـدرية تلائم
الجزء الآخر الذي ارتدته منذ لحظة مضت ولم يمتنع عن النظر لما يراه منها ولعن نفسه
على تلك الطريقة التي تتحرك بها لتقول هي:
-
وهو طلاقي منك هيجبلي حقي!
زفر مجددًا بإرهاق وتكلم وهي تلتفت له:
-
تطلقي، وتاخدي حقك لما اتسجن، وقتها ولا
هتعرفيها ولا هتعرفيني ولا حتى هيبقا ليكي علاقة بالعيلة كلها..
رفعت عيناها نحوه وهي تقترب له وسألته بحزن:
-
وتفتكر ده هيرحني وهيديني حق كل اللي ضاع؟
تفتكر أصلًا إن السجن والقضية وكل اللي بتتكلم فيه ده هو اللي هيرجعلي حقي!
تفقدها بلومٍ ثم أخبرها بنبرة متعبة قبل أن
يتركها ويغادر:
-
على الأقل هيرجعلك كرامتك قدام الناس.. كفاية
خناق بقا يا روان عشان خلاص مبقتش قادر على أي حاجة بتحصل حواليا! أنتي تطلقي وأنا
ابعد وسيبي الوقت يريحنا احنا الاتنين!
❈-❈-❈
عودة للوقت الحالي..
قبل منتصف الليل..
-
مايا قالتلي إنك عايز تكلمني في حاجة بخصوص
الولد!
التفت لها ليجدها واقفة بالقرب من ذلك الجدار
الذي كانت تتشبث به يومًا ما حيث بدأ كل ما أدى لإنجابهما طفل ليس له ذنب في أب
مريض ولا أم لا تريد أن تفعل سوى ما يحلو لها في كل شيء يحيط بها. تبًا لقد اشتاق
لكل ما بها، لا تبدو أنها تغيرت ولو هفوة صغيرة، ازدادت حُسنًا، ولمح بعينيها نضوج
نوعًا ما يستتر خلف اندفاعها، تتفقده بنفس الفضول المعهود، وربما باتت تحتاج لصـ
ـدرية بمقاس أكبر قليلًا مما كانت معتادة عليه.. يمكنه قبول هذا، بل يُمكنه قبول
أي ما كانت تبدو عليه!
أمّا عنها فلقد كان تفعل المثل أسفل هذه
الأضواء التي لم يكن هناك مثلها بالإصطبل، أربع سنوات كانت كفيلة بإكسابه بعض
شعيرات رمادية اللون على جانبي رأسه، نفس الوجه الذي يدفعها للانبهار بجاذبيته، ولكن
لن تفعل هذا مع رجل لا يريد قبول أفضل طفل في الحياة بأكملها، كل ما تراه منه
يجعلها تتمنى التقدم نحوه وصفعه صفعات متتالية إلى أن تجد به قليل من العقل الذي
فقده بالكامل منذ أن اقترح اقتراحه اللعين الذي أدى لست سنوات سجن قضى منهم أربعة
ولم يترك لها سوى تذكير مستمر بأنها سيظل بينهما رابط وثيق بامتلاكهما لـ
"ريان" معًا إلى أن تنتهي حياة كل منهما!
انزعجت من إضاعة هذا الوقت في تلك النظرات
المتبادلة بينهما دون كلمات، ربما كانت عادة قديمة لكلاهما ولكنها لن تفيد في أي
لعنة الآن فقررت أن تُقلل من الوقت الذي تمضيه بتواجدها معه:
-
على فكرة أنا مش جاية هنا عشان نتفرج على
بعض، عندك حاجة عايز تقولها ولا اروح أشوف ابني اللي نام غصب عنه من التعب واخده
واروح بيتي؟!
التوى فمه إلى احدى الجوانب لا يدري بفعل
انزعاجها الذي يُغلف ملامحها أم لكونها تملك حياة أخرى لا يوجد له دور بها ليُذكر
نفسه أن هذه كانت رغبته منذ البداية فحدثها متنهدًا في البداية:
-
افتكر إني اتنازلتلك عن كل حاجة تخص الولد،
وقولتلك إن مش عايز يبقالي علاقة بيه تحت أي شكل!
رفعت حاجباها لتعقب باعتراض:
-
مفيش حاجة اسمها كده، يعني ايه مالكش علاقة
بيه، عايز تحرمه من باباه ولا عايز تدمر نفسيته وتسيبله ذكرى مهببة يفضل يعاني
منها طول عمره..
بادلها الجدال بسخرية لاذعة:
-
وهو مش ممكن كانت تبقى ذكرى مهببة وأنتِ
بتحطينا قدام الأمر الواقع وبتقوليله ده بابا روح سلم عليه! مش كنت ساعتها ممكن اسيبه
وامشي أو اعمل حاجة تخليه يكرهني فعلًا ونفسيته تدمر زي ما أنتِ بتقولي!
من ملامح منزعجة لأخرى متهكمة لم تدع لها سوى
سخرية فاقت سخريته:
-
يستحيل كنت تعمل كده، ساعتها مكونتش هسكلتلك،
إيه، فاكر إني هعيط زي زمان واسيب مشاعري تدخل في كل حاجة، ولا فاكرني عبيطة ومش
عارفاك كويس، أنت بمجرد ما قعدت معاه نص ساعة حبيته وحكيتله حدوتة واخدت رقمه وألفت
كدبة جديدة عليه عشان مش عايزه يشوفك أب فاشل.. أنا كنت واثقة إنك لما تقعد مع
نسخة منك صغيرة استحالة كنت تعمل أي حاجة وحشة معاه.. فبلاش بقا حركاتك في الكلام
اللي مبقتش تنفع معايا دي..
عقد حاجباه وهو يتمتم متعجبًا:
-
أنت شايفاه شبهي، شكله مالوش علاقة بيا خالص!
قلبت عيناها وهي تريد اختصار حديثهما بأي
طريقة ممكنة لتسأله بجدية:
-
بقولك إيه احنا مش جايين نعمل تحليل DNA ونشوف هو شبه مين فينا اكتر، أنت عايز ايه
مني بخصوص الولد؟!
هز رأسه بالموافقة متفقًا مع كلماتها وقال
بجدية ونبرة هادئة:
-
تمام، نتكلم في السبب اللي مأخرك علشانه، أظن
أنتِ دلوقتي ست متجوزة، والدتك تعبانة ومريضة، عندك ابنك بحضانته ليكي لواحدك،
هتعرفي تربيه أحسن من أي أم، أنا تشيليني من الصورة خالص علشان بجد لو جمعتي تاني
بيني وبينه بالطريقة اللي أنتِ عملتيها دي رد فعلي مش هايبقى حلو لا ليكي ولا ليه!
اندهشت من فظاظته الشديدة التي ذكرتها بذلك
المحامي الحقير الذي كان يتحدث لها منذ أكثر من سبع سنوات وهو يجبرها على الزواج
به وأخبرته مستفهمة بغير تصديق:
-
أنت بتهددني يا عمر؟!
قلب شفـ ـتاه وادعى الجفاء وعقب باقتضاب:
-
مسبتليش حل تاني!
ابتسمت بسخرية شديدة وهي ترفع حاجباها
لوقاحته الفظة في التعامل معها بعد كل هذه السنوات وأخبرته قبل أن توشك على المغادرة:
-
طب ابقى وريني هتعمل إيه يا عمر وإياك يخطر
على بالك كده مجرد فكرة إنك تضايق ريان في حاجة.
التفتت لكي تغادر فأوقفها متحدثًا:
-
هضايقك أنتي وأنا باخد حضانة ريان وصدقيني مش
هخليكي تلمحيه من بعيد!
التفتت مرة أخرى وهي تنظر له بملامح مصدومة
ولم يترك لأي منهما مجال في إضاعة الوقت وأكمل كلماته بهدوء قتلها استفزازًا:
-
زمان لما اتنازلتلك عن كل حاجة تخصه وخليت أنس
يفهمك كويس إني مستعد اتنازل عن كل حاجة ليه سواء بقا سفر ولا دراسة ولا أي حاجة
تخصه فده كان في سبيل إن ميبقاليش علاقة بيه.. إنما دلوقتي أنتِ ست متجوزة، وأنا
ساعتها قدام القانون هبقى مش عايز ابني يتربى في حضن راجل غريب، ووالدتك طبعًا غير
مؤهلة إنها تربي طفل محتاج مشاوير ومدرسة.. أقولك، خلي التفاصيل دي في المحكمة،
أنا هكتب كل حرف فيها بنفسي!
شعرت بأن دمائها ستنفجر من رأسها مما يقوله
وهي تهتف به:
-
على أساس إنك أنت اللي سليم وإنسان مش مريض؟!
ابتسم لها وأجاب تساؤلها:
-
طب ما هو من الأول، قدامك واحد مجنون وكنتي
محظوظة كفاية إنك تاخدي منه حضانة ابنك وسابك تعيشي حياتك من غير مشاكل واتجوزتي وبتربي
ابنك في هدوء، ليه بقى اللي أنتِ بتعمليه دلوقتي.. ليه تخليني أخد الولد واسيبه
يتربى مع ماما ولا مع عنود!
تفقدته بعدم تصديق لما يقوله وشعرت بالحزن
الشديد لوصولهما لهذا النزاع بشأن "ريان" الذي لا يستحق سوى أفضل ما
بالحياة لتسأله بحزن وحسرة:
-
وفيها إيه لما نكون احنا الاتنين موجودين في
حياته؟ فيها إيه لما ريان يعيش مبسوط ويكبر ويلاقي باباه بيحبه ومامته بتحبه؟ كل
ده بتهددني بيه عشان أنت مصمم بس على اللي في دماغك؟!
لم يختلف حزنه عن حزنها وأجابها بمشقة شديدة
عليه أن يعترف بهذا أمامها ولها بصوت مسموع:
-
باباه المجنون بيحبه؟ باباه اللي ممكن في أي
لحظة يعمل معاه حاجة تموته؟ عايزاه يقعد معايا ويشوفني ويعرفني ويستعر مني لغاية
ما يبطل هو بنفسه يكلمني؟ ليه عايزة توجعيني وتعيشيني حاجة زي دي؟ ولا عايزة في
يوم تصحي على مصيبة؟ أنا يا روان سيبتك في حالك وسيبتك تعيشي بحريتك وخرجت من
حياتك كلها.. حافظي بقى على ده وسيبيني أنا كمان أعيش براحتي!
تفاجأت من تلك السوداوية التي يرى بها الأمر وأخبرته
بتوسل خفي:
-
أنت بقالك سنين بتتعالج يا عمر، حوالي ست
سنين أنت بتتعالج فيهم، أكيد مش لازم تكون لواحدك مع ريان، وحتى لو عايز فممكن
تعمل ده في وقت إنك تكون كويس فيه، حرام ندمر نفسيته ونحرمه من واحد فينا!
نظر إليها بشتات وعقله لا يتوقف عن تذكر
الكثير من الأوقات التي فقد خلالها السيطرة على نفسه وأخبرها:
-
ما أنتِ عارفة كويس إني ممكن في لحظة من غير
مقدمات ابهدل الدُنيا، ولا دوا بينفع ولا جلسات بيفضل مفعولها يعني طول العمر..
ولا نسيتي..
دخل "عُدي" بجانبها وتفقد كلاهما
بملامح تلقائية ثم توجه نحوه وهو يقول:
-
ايه يا جماعة بصات الدراما دي فيه ايه؟ على
فكرة ريان صحي وبيسأل على روان!
لم يترك ما حدث ليمر مرور الكرام وتصرف بناء
على ما أخبره به "ريان" ليقوم بلكمه بمنتصف بطنه ليتأوه الآخر من
مباغتته له ليُخبره بتحذير:
-
متدخلش البيت ده تاني وتعمله بتاعك واطلع
امشي من هنا!
❈-❈-❈
منذ أربع سنوات وخمسة أشهر..
-
وليه يا بابا مقولتليش وأنا اقرب حد ليك زي
ما أنت ما بتقول طول عمرك، ليه أصلًا مأخدتش الكيماوي، ليه سبت نفسك توصل لده؟
رمقه بنظرات منزعجه وأجابه بغضب:
-
وهو أنت كنت فين، كنت بتجري ورا الهانم، وهو
الدوا كان هيعشني قد ايه، سنة زيادة؟ سنتين؟ تلاتة؟ عشان أوصل لنفس النتيجة في
الآخر؟! ويوم ما حاولت ادور على ابني لقيته مبطل شغل وقاعد يعيط على خيبته، بدل ما
اقولك وتقعد تعيط عليا وعليها حاولت اعمل منك راجل يعرف يشيل المسئولية، كنت بحاول
ارجعك شغلك وانبهك إن يزيد الجندي مش هيفضل عايشلك طول عمره!
نهض من فوق مقعده متنهدًا فلقد بات يعلم أن
النقاش معه قضية خاسرة وشعر بالحسرة على ما وصل له ليُخبره بجدية:
-
بس مش الحل إنك تموت نفسك، خليك على الأقل
موجود جانبي.. ده يعني لو أنا فارق معاك! هجيلك بكرة عشان مش عايز اسيبك في البيت
هنا وسايب السواق بقاله كتير تحت والوقت اتأخر، سلام!
تركه وغادر ولم تختلف نظرات والده الساخطة
كثيرًا عما سابقها، فهو ما زال مصمم على فكرته السخيفة بأنه لا يُريد رؤية الشماتة
في أعين الجميع وهو يُلقنه آلاف المرات عدم اخبار أخوته أمّا عن "عمر"
فشعر بأنه سينهار حتمًا، منذ سنوات وحياته لا تتغير كثيرًا، كلما ظن أنه انتهى من
أمر شاق وورطة يجد نفسه بداخل ورطة جديدة.. لو كان من المسموح لأي مما حوله أن
يقتل نفسه فهو الأحق بها من بين الجميع!
نزل الدرج الخاص بمنزل والده لتقابله
"عنود" بطريقه للخارج والتقت أعينهما فأخبرها بنبرة مُرهقة:
-
بقولك إيه، حاولي تبعدي ماما عنه لغاية ما
اجهز البيت عندي واجيب حد يتابعه معايا لأني مش هاقدر أخد بالي منه لواحدي، هم
يومين بالكتير وهاجي اخده.. حاولي معلش تظبطي يومين مع الجامعة، عارف إني بحملك
فوق طاقتك بس لا ماما ولا عُدي هيعرفوا يتصرفوا معاه!
أومأت له بالموافقة وأخبرته:
-
حاضر، هحاول كده مروحش اصلًا لا بكرة ولا
بعده والجمعة كده كده إجازة.. فممكن مثلًا تيجي السبت على ما تكون خلصت كل حاجة!
اتفقا على الأمر وتابع خطواته التي يتخذها
للمغادرة فأوقفته أخته سائلة:
-
عمر حاول تفتح موبايلك عشان لو حاجة حصلت
اكلمك، احنا من ساعة ما رجعنا البيت وماما بقت صعبة اوي!
أومأ لها بصمت ثم غادر المنزل وحاول أن يُفكر
فيما سيفعله بمجرد دخوله السيارة، يحتاج لرجلين من الممرضين لكي يتناوبان على
خدمته وهو بصحبتهما ولكن بأي منزل سيمكثان، المنزلان يعودا لـ "روان"
الآن وهو لا يريد فتح منزل "عنود" قبل زواجها وبالطبع بيته الصغير لن
يكون مناسب، ربما عليه أن يستأجر منزل مناسب قريب من المشفى، كما عليه اخضاعه لهذا
العلاج حتى ولو كانت ستستمر حياته ستة شهور أكثر.
أخرج هاتفه وقام بالاتصال بـ
"باسم" الذي أجابه فورًا بالرغم من أنه يُحدثه ليلًا:
-
عايزك تشوفلي بيت قريب من لوكيشن هبعتهولك،
فيلا، مش لازم تكون كبيرة وعايز اهم حاجة فيها يكون اغلبها دور أرضي ومفيهاش سلالم
كتيره.. مفروشة أو لأ مش هتفرق كتير.. بكرة تكون مأجرها، المدخل بس للبيت نفسه
يكون مفيهوش سلالم.
رد عليه بالموافقة ولكن كان عليه أن يتبين لكم
من الوقت يُريدها:
-
حاضر، بس حضرتك حابب نأجر شهر ولا اتنين ولا
قد ايه؟
تنهد وهو لا يملك إجابة محددة على سؤاله
وأخبره:
-
أجرها سنة يا باسم وادفعها كلها مقدم.. اعمل
العقد حتى باسمك مش مهم.. نخلص بس ونأجرها عشان هشوف محتاجة تتجهز بإيه!
أنهى مكالمته وهو حانقًا على غباءه الذي
أحيانًا يظهر ويتدخل في أوقات ليست مناسبة بالمرة وغرق بأفكاره وهو لا يدري كيف سيرعى
والده وهو يُريد أن يبدأ بإجراءات القضية فورًا بعد زواج أخته وأطنب بشدة في
التفكير لدرجة أن الطريق إلى منزله لم يكن يومًا أقصر وفوجئ بوصوله عندما توقف
سائقه عندما نبهه بكلماته:
-
أستاذ عمر، أنا فيه حاجة عايز اقولك عليها،
بس غصب عني يعني معرفتش اعمل ايه.
يا تُرى ما الذي ينتظره بعد في هذا اليوم
الذي لا يريد أن ينتهي:
-
قول يا محمود فيه إيه؟
نظر له عبر المرآة الداخلية للسيارة وأجابه:
-
بصراحة المدام اتصلت وسألت عليك وقولتلها إنك
هترجع البيت بس مش عارف امتى، فهي تقريبًا مستنياك!
غضب بمجرد تلك الكلمات التي سمعها وسرعان ما
عقب بفظاظة:
-
بص، أنت بقالك سنين شغال معايا ومش هفهمك
شغلك، بعد كده متبقاش تقولها حاجة ولا تعرفها انا رايح فين وجاي منين..
-
غصب عني أصلها قالت إن مـ
-
مفيش حاجة اسمها غصب عنك، مالها كلمة معرفش!
مفيش أسهل منها!
توجه للخارج بعد أن قاطعه عن كلمات لن تفيده
على الإطلاق وبمجرد خروجه أتت "فينوس" تجري نحوه وهي تحتاج للمزيد من
العناية بهذا الوقت وخصوصًا اتضاح علامات الحمل عليها بشدة فلقد قارب موعد ولادتها
ولكنه ليس لديه الطاقة لأي ممن حوله حتى كلبيه!
ذهبت عيناه تجاهها وهي تجلس على مقعد أمام منزله
الصغير ثم وقف أمامها ليُكلمها بنفاذ صبر:
-
افندم!
تعجبت من نظراته، ألم يشعر بأي شيء خلال هذه
الفترة الماضية؟ هكذا انتهى عشقه إليها أم كانت هذه هي الحقيقة طوال ذاك الوقت وهي
من كانت غبية لا ترى هذا؟
حاولت تملك اشتياقها التافه إليه وتنهدت وهي
تحاول تفهم ما الذي يُزعجه لهذه الدرجة الشديدة وأخبرته:
-
اقعد طيب مش هنتكلم وأنت واقف!
تأفف وهو يتجه ليجلس أمامها وأخبرها بفظاظة:
-
ننجز عشان تعبان وعايز أنام.
حسنًا، قد يكون اختلاف مزاج يمر دائمًا به فحاولت
أن تهدأ منه قليلًا وهي تبتسم له:
-
مفيش أنا جاية اتطمن عليك واكلمك في كام
حاجة.. يعني أكيد مش هنبعد عن بعض بالأسلوب ده في الآخر.. بس قولي أنت كويس ولا
مالك؟
رفع يـ ـده ليحك شعر رأسه وأنفاسه تتزايد في
غضب شديد اجتاح كل ما به وعقب بصياح:
-
مالكيش دعوة انجزي عايزة ايه مني؟
ابتلعت وهي تشعر بالتوتر مما يبدو عليه
وسرعان ما تحدثت له بشأن ما آتت من أجله:
-
عمر أنا عايزة ارجعلك البيت وبرق، أظنك عارف
أنا اخدتهم منك في وقت مكوناش فيه كويسين!
ابتسم بسخرية وهو يومأ لها بالموافقة وعقب
بنبرة لاذعة:
-
متشكر لكرمك.. حاجة تانية عايزاني فيها!
رمى بكلماته وهو ينهض بالفعل ووضع كلتا يـ
ـداه خلفه وتفقدها فرفعت رأسها نحوه وحاولت ألا تثير المزيد من غضبه وقالت:
-
كنت بس عايزة اقولك إن كفاية لغاية كده ومش
مهم القضية ولا حاجة، احنا اتطلقنا و..
-
ده أنتِ غبية بقى ومفيش فايدة في زنك ده!
قاطعها ثم التفت وهو يُدلك جبينه بشدة ولم ير
حوله سوى ثلاثة من الرجال "عدي"، "يونس" وهذا الحقير الفرنسي في
ثياب رجالية ليُخفي حقيقة كونه امرأة أسفلها ومن جديد التفت لها وهو يندفع نحوها بنظرات
غاضبة جعلها تنكمش على نفسها وأمسك بذراعها بقوة مرغمًا إياها على النهوض وهو
يحدثها بهدوء أرعبها تحكم به رجل بداخله لطالما سيظل مريضًا باضطراب ثنائي القطب:
-
جايباهملي عشان يتكلموا معايا مش كده؟
بتتحامي فيهم مني؟! ده أنا هموتك أنتِ وهم!
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة بتول طه لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية