-->

رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه - الفصل 66 - 3

  رواية كما يحلو لها

الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه

رواية جديدة كما يحلو لها

تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى
من قصص وروايات

الكاتبة بتول طه

النسخة العامية

الفصل السادس والستون

الجزء الثالث


العودة للصفحة السابقة


تركته وغادرت لتعود للداخل فأوقفها ممسكًا بمعصمها مرة ثانية وهو يسألها بانزعاج:

-       احنا متفقين إن فيه قضية بعد فرح عنود، سفر ايه اللي انتي مسافراه، احنا حتى لسه متكلمناش في أي حاجة تخص الموضوع ولا تعرفي هتقولي إيه في المحكمة ولا لما ياخدوا اقوالك؟

 

 التفتت له بطرف عينيها وقالت بهدوء:

-       انا متفقتش على حاجة، وموضوع القضية ده بقى cliche (مبتذل) اوي، احنا اتطلقنا وخلصنا من الموضوع ده!

 

جذبت يـ ـدها بقوة منه وأخذت خطوتان نحو الداخل لتتوقف ثم التفتت نحوه لتخبره:

-       هبقا اخلي علا ترتب معاك عشان تاخد بيتك والحصان بتاعك والبيت التاني كمان والفلوس اللي سبتها في خزنة الشركة، أنا مش عايزاهم!

 

تركته وغادرت ليزفر بإرهاق وهو لم يأخذ في اعتباره مدى رفضها الشديد لكل ما سيفعله وكأنه تماطله في كل شيء ولكنه يريد المزيد من الدعم من أخيها وكل من حولها قد يستطيع اقناعها بأن هذا هو الأمر الوحيد الذي يفترض أن يحدث والتفت باحثًا عن أي شخص يُمكنه أن يساعده ويستطيع أن يفهمه دون أن يمنعه ويصده عن رغبته لتقع عينيه على "مايا" بصحبة "عدي" الذي فجأة يبتسم وجهه الكريه بطريقة غير محتملة.. تبًا، يريد أن يوقع بها هي الأخرى لتصبح مجرد امرأة أخرى في قائمة نسائه التي لا تنتهي! لن يسمح لها بالدخول في هذه القائمة اللعينة أبدًا!

منذ لحظات قليلة مضت..

-       أنا عمري ما شوفتك جيتي الخطوبة ولا كتب الكتاب؟

 

رفعت عيناها نحوه وهي تبتسم باقتضاب وردت عليه متسائلة:

-       عايز تقولي إنك عارف وحافظ كل الناس اللي هنا؟

 

اتسعت ابتسامته لها ليخبرها بغزلٍ صريح:

-       مش مهم كل اللي هنا، بس أظن ابقى اعمى لو مخدتش بالي من واحدة جميلة زيك بملامحك دي.. مين بس الغبي اللي مش هيلاحظك أنتِ بالذات؟!

 

همهمت له وهي تقلب شـ ــفتاها وتناولت رشفة من كوب العصير بين يـ ـديها وأخبرته:

-       تمام، أنا فعلا مجيتش كتب الكتاب ولا الخطوبة..

-       أنا عارف كل قرايبنا وأصحاب أختي كلهم، اكيد انتي تقربي ليونس أو زميلته في الشغل؟

 

هذا الرجل لا يحتوي وجهه سوى على علامة خطأ باللون الأحمر ولو كان يظن نفسه على مقدار من الجاذبية والدهاء سيؤهلانه أن تنسى زوجها الراحل فهو لابد من أن يكون غبي، هو لا يتعرف عليها بنبرته المستفهمة تلك بل يوضح لها أنه أسوأ من بهذا العُرس بأكمله:

-       ولا اقرب ليونس ولا زميلته ولا اعرف عنود، أنا صاحبة عمر!

 

تفقدته بابتسامة لا توضح سوى عدم الود الشديد لتجد ملامح الآخر تغيرت للغاية لدرجة جعلته يبتلع واتسعت ابتسامتها عندما رأت "عُمر" يقبل نحوهما وواصلت حديثها له:

-       أنت بقا أخوه الصُغير مش كده؟!

 

هز رأسه لها بالموافقة وشعر بالإحراج فكل ما قاده عقله إليه هو وجود علاقة بينها وبينه ليستغرب من الأمر ووجد الكثير من علامات الاستفهام تلوح بأفكاره، كيف يكون صديقها وهو يعشق زوجته؟ منذ متى و "عمر" يملك أصدقاء، فضلًا عن إنها امرأة مثيرة حد اللعنة؟!

 

تبًا، ها هو قد أتى في أكثر اللحظات التي لا يتمنى خلالها أكثر من كونه وحيد أبيه وأمه وما قاله جعله يتأكد أن ما كان يحاول حدوثه منذ أن رأى هذه المرأة سيحدث بخياله فقط:

-       مايا تعالي عايزك في موضوع!

 

اتسعت ابتسامتها باستمتاع بملامح "عدي" المكفهرة وأخبرته:

-       يالا بينا!

 

أوقف كلاهما امرأة شديدة الشبه بكلاهما وهي هذه المرأة التي ظنت منذ بداية الليلة أنها والدته ليصبح ظنها يقين عندما تحدثت وهي تسأل كلًا من "عمر" و "عدي" الذي يستقر على بُعد خطوة واحدة خلفها:

-       انتو سايبين كده الفرح والمعازيم وواقفين مع مين، ادخلوا جوا اقعدوا مع الناس ميصحش..

 

أومأ "عمر" برأسه بتفهم وأخبرها باقتضاب:

-       خلاص أنا راجع اهو..

 

همهمت وهي تتفقد "مايا" من أعلى رأسها لأخمص قدميها وتساءلت:

-       مين بقى الحلوة اوي دي اللي انتو واقفين معاها وعدي كان عمال يرغي معاها؟

 

نبرتها ونظراتها جعلتها تشعر بالإهانة الشديدة ليتنهد "عمر" بضيق وهو يقرر أن يبتعد كل الابتعاد عن والدته التي لن تسمح لـ "عدي" بالاقتراب من امرأة أخرى سوى التي تختارها له فقال:

-       دي مايا زميلتي يا ماما!

 

أشار نحو "مايا" أن تتقدمه ففعلت وهي تشعر بالاستغراب وتبعها هو لتتحدث "مها" إلى "عدي" بجدية شديدة:

-       ايه يا حبيبي البنت دي؟ ده اعوذ بالله مفيش فيها حاجة متدارية واللي رايح واللي جاي بيتفرج عليها استغفر الله العظيم عاملة زي مرات اخوك القادرة دي.. واقف بتتكلم معاها في إيه؟!

--

بعد قليل، بحفل الزفاف..

-       أرجوكي يا مايا أنا عمري ما طلبت منك حاجة، حاولي معاها شوية وأنتِ ليكي اسلوبك اللي بتعرفي تتكلمي بيه وبتنجحي في إنك تقربي من اللي قدامك بكلامك ومش بعيد أصلًا تبقوا اصحاب.. معلش حاولي تفهميها على ما أشوف أخوها فين وأحاول معاه هو كمان..  

 

تنهدت وهي تزم شـ ـفتاها ووافقت على مضض:

-       ماشي يا عمر هحاول، بس صدقني القضية دي مشاكلها هتبقى أكتر من فايدتها!

 

أومأ لها موافقًا باقتضاب قبل أن يتركها وهو يخبرها:

-       معلش.. حاولي بس على ما الاقي بسام!

 

التفتت حولها ولم يكن من الصعب أن تجد ذات الرداء الأحمر بطلتها الرائعة فاتجهت نحوها وبدأت في التحدث لها بمشاغبة لطالما اتصفت بها:

-       فيه ايه يا روان حاسة إنك مش طايقاني ليه؟

 

تفقدتها باستغراب وهي لا تفهم ما تلك النبرة المجادلة التي تتحدث لها بها فقلب شـ ـفتاها واجابتها:

-       أنا معرفكيش أصلًا عشان أوصل لدرجة إني مش طايقاكي..

 

همهمت لها بالتفهم وأخبرتها وهي تضيق عيناها نحوها:

-       طيب ما تيجي وأنا اقولك إن كل اللي في دماغك ده مش صح، عمر صاحبي على فكرة، وعمري في حياتي ما هافكر في راجل بعد جوزي.. حتى لو عدا على موته مليون سنة!

 

لم تفهم "روان" لماذا تريد هذه المرأة التحدث لها وخصوصًا بهذه الأحداث العصيبة التي تمر بها حياتها، لتكون صديقته، عشيقته، زوجته حتى، فليفعل ما يحلو له ولكن لا تريد منه المزيد من المتاعب!

 

أجلت حلقها ثم أخبرتها بعدم ترحيب:

-       أنا مش عارفة أنتِ جاية تكلميني ليه أصلًا واحنا ملناش علاقة ببعض بس لا أنا ولا أنتِ فيه ما بينا أي سبب يخلينا نتكلم أصلًا.. بعد اذنك..

 

كادت أن تُغادر فأوقفتها بما لن تستطيع تركه خلفها بسهولة كما قررت أن تتركها خلفها منذ أقل من ثانية واحدة:

-       أنتِ مش عايزة القضية مش كده؟ هو بس اللي مصمم عليها! بس أنا عندي حل!

 

استغربت من كلماتها التي تفهم خلالها أنه قد أخبرها بالفعل عن كل ما يريد فعله فالتفتت لها لتتنهد "مايا" ثم أخبرتها بجدية ونية لا تحمل سوى المُساعدة لكلاهما:

-       صدقيني أنا كمان مش عايزاها عشانكم أنتم الاتنين.. بس ممكن نقعد ونتكلم في كل حاجة وبعدين ابقي اعملي اللي أنتِ عايزاه؟!

--

عودة للوقت الحالي..

-       سيبكم بقا من الحاكم والقضية والسجن، ماما مسكت طليقة عُدي وعملت معاها خناقة لرب السما!

اندهشت كلتاهما لما استمعتا له وتساءلت "مايا" بينما سكتت "روان" في انتظار المزيد من التفاصيل:

-       عملت إيه؟ هو مش مكفيها إنه طلقها عشان يرضيها؟!

 

ابتسمت وهي تقص ما حدث يومها واستمعت له بأذنيها:

-       أنا كنت عندها أصلًا وبقولها تخلي الولاد معاها وكده كده الناني هتبقا معاهم عشان كنت هاروح المستشفى، فجأة لقيت الباب بيخبط ومقولكوش يا عيني على المرمطة اللي دارين اتمرمطتها.. تقولها لما تيجي وتبوسي ايدي وتعتذريلي ابقا اخليه يرجعلك وياخدك من بيت.. متخيلين؟ ده ولا بابا الله يرحمه! وحرام يا عيني مش فارق معاها إنها حامل ودي مفيش في قلبها رحمة!

 

انزعجت "روان" مما تستمع له وقالت بملامح آسفة على ما تستمع له:

-       بصراحة مامتك دي رهيبة أوي يا عنود، عمري ما عرفت أتكلم معاها، بتحسسني إن عدي ده ممنوع حد يقرب منه! هي مكبرتش بقى على الحركات دي!

-       استني بس!

 

اوقفتها "مايا" وسألتها:

-       المهم دلوقتي، دارين ساعتها عملت ايه؟

 

لوت الأخرى فمها بآسف وقالت:

-       هتعمل إيه يعني وهي عندها بنت وولد جاي في السكة وأهلها مش هيعرفوا طبعًا يصرفوا عليها وعلى الولاد، راحت اعتذرتلها وباست ايديها وفضلت تقولها متزعليش مني يا ماما..

 

تقرفت كلتاهما مما تستمعان له قد غادر فم "عنود" للتو لتُكمل:

-       في الآخر بقا ايه تقولها سيبيني أفكر شوية وأنا هاخليه يجيلك! جبروت والله العظيم، أنا واثقة إنها كانت قاصدة متجبهاش الليلادي عشان متتبسطش معانا وتنكد عليها، وأنا كان نفسي أكلمها وتيجي بس متأكدة إن لو كان ده حصل كانت هتطلعه كله عليها فخوفت أبوظ الدنيا اكتر ما هي بايظة..

 

لم تحتمل "روان" أن تستمع أكثر من هذا وقالت بانزعاج:

-       وليه يعني عُدي سايبها تعمل كل ده، مش عارف يفصل ما بينهم وكل واحدة تبقى في حالها وخلاص! أنا بجد مش مصدقة إنه سايبها في الظروف دي لواحدها!

 

عقبت "عنود" على كلماتها بتهكم وهي تخبرها:

-       ليه فاكراه عمر اللي عمل كل حاجة عشانك! عدي مش عمر يا روان.. عمر راجل إنما عدي ده هيفضل عايش طول عمره عشان ماما واللي يرضيها وبس.. من ساعة ما اختارتله دارين لغاية النهاردة وهي ممشية الاتنين بمزاجها.. والله صعبانة عليا اوي ومش عارفة اعملها إيه!

 

كلماتها جعلتها تغرق بصحبة تلك الذكريات في المزيد مما حدث، يوم حفل الزفاف حتى أولى ساعات الصباح من اليوم التالي له سيظل وسيبقى ذكرى لا تعرف إن كانت جيدة أم سيئة حتى الآن.. لقد حاول فعل كل شيء من أجلها حقًا كما قالت "عنود" ولكنه فعل كل شيء من وجهة نظره هو وليس ما يُرضيها!

--

منذ أربع سنوات وأربعة أشهر..

بعد انتهاء حفل الزفاف..

تفقدته بلمحة جانبية وكلاهما أوشكا على الوصول لمنزله الذي يبتعد عن الكرة الأرضية بأكملها لتتساءل بعد أن تأففت:

-       كل ده عشان تكلمني في القضية؟ مكنش ينفع نتكلم في الاوتيل؟

 

اجابها وهو يمنع نفسه بأعجوبة عن النظر إليها فملامحها بزينتها التي تبرز حُسنها وما ترتديه يحرضاه على التفكير في أكثر من أمر القضية:

-       الورق والأدلة وكل حاجة في البيت، لازم تشوفيها وتاخدي الورق ده وتفهميه كويس وتحفظيه كمان!

 

همهمت بعدم اكتراث فلقد اتفقت هي و "مايا" بالفعل على طريقة لن تُمكنه من الاستمرار بقضيته عن طريق مماطلته ليس إلا وستسافر كما كذبت وهي تخبره سابقًا أثناء الحفل، فليس هناك عمل وليس هناك أي شيء بل هي لم تقم بحجز تذكرة الطيران من الأساس ولولا حديثها إلى "مايا" لم تكن لتقوم بحجز الرحلة، وقتها لو فعلت وسافرت بالفعل لن يستطيع أن يفعل شيئًا وهي ليست متواجدة بداخل البلد بأكملها!

 

ظلت صامتة طوال الطريق ولن تغفل عن تلك النظرات التي يُلاحقها بها كلما سنحت له الفرصة لتسخر بداخلها، فمنذ شهر واحد فقط كان يبدو قاسيًا لا يكترث لتوسلها أمامه وله أمّا الآن فيبدو مُذعنًا لمجرد لحظة واحدة يتفقدها بها باشتهاء وكأنه هو البريء الذ لم يُطلقها ويبتعد عنها للأبد كما يُريد!

 

خرجت من السيارة ووقفت لتنظر له بتحفز وأخبرته باستفهام:

-       ادينا وصلنا، فين بقى الورق والأدلة وكل الكلام ده؟ ولا برضو مصمم تأخرني عن السفر بكرة؟!

 

رفع حاجياه متهكمًا مما يستمع له مما أدى لتقطب جبينه ليُخبرها:

-       بسام قالي ان مفيش سفر واتأكدت من علا، روحي بيتك غيري هدومك واطلعي قابليني برا في الجنينة..

 

اتجه ليغادر نحو منزله بعد أن اغلق سيارته لتقلب عيناها وأخرجت هاتفها ثم أرسلت له بنسخة من الحجز الذي قامت بحجزه منذ قليل ونادته وهي تتجه نحوه قائلة:

-       ابقى شوف موبايلك هتلاقي فيه الـ ticket لو فاكرني بكدب.. ولو عايز حاجة قولها مش لسه هغير والبس واقلع.. أنا عايزة ارجع بيتي وكفاية تأخير..

 

توقفت بعد اقترابها منه حيث التفت لها وهو يُخرج هاتفه وحدق بتلك المحادثة بينهما على واحد من التطبيقات ليخلل شعره بأصابعه منزعجًا مما فعلته وهو ينظر لها ثم قال:

-       أنتِ ليه مصممة تعملي اللي في دماغك..

 

ابتسمت بسخرية وهي تعقب على سؤاله بنفسه:

-       وأنت ليه مصمم تعمل اللي في دماغك؟

 

مرر سبابته على ذقنه ثم أطفأ هاتفه تمامًا ووضعه بجيب سترته أمام نظراتها المتحدية التي لا يستطيع تحملها وهي تبدو بهذه الفتنة ليجذبها بقوة من ذراعها وهو يدفعها نحو منزله وأخبرها مجيبًا:

-       عشان ده الصح!

 

حاولت الالتفات له بين خطواتهما وهي تحدثه بتوجع مما يفعله وهو يرغمها على التقدم شاعرًا بالجحيم من مجرد ملامسته لها:

-       وأنا شايفة الصح إننا اتطلقنا خلاص، أنا مكونتش عايزة غير كده، إنما القضية والدوشة إيه لازمتها.. أنا مش عايزة مشاكل قدام الناس!

 

قام بفتح باب منزله ثم دفعها للداخل وأغلق الباب خلفه بالمفتاح وقام بإنارة المنزل ثم عقب على كلماتها بغضب وهو يحاول منع نفسه عن ما تصيبه به من شعور بالرغبة الشديدة:

-       محدش هيعرف حاجة! هنعرف نتصرف مع أي حد يطلع خبر عن القضية وهنوديهم في داهية.. افهمي بقا إن اللي أنتِ بتعمليه ده اسمه خوف.. ده حقك، لو راجل عمل في مراته اللي عملته معاكي في أي مكان في الدنيا هيتحاكم وهيتسجن!

 

زفرت بضيق وهي ترفع بكفيها أمام خـ ـصرها وصاحت به بغضب مماثل لغضبه:

-       حقي وأنا حرة بقا اتنازل عنه أو اخده، مالكش أنت دعوة بحاجة زي دي!

 

أخذت خطوتان نحو الباب وهما نفس الخطوتان التي أخذتهما وهو يدفعها للداخل منذ لحظة مضت وحدثته بلهجة آمرة:

-       افتح الباب وخليني امشي يا عمر

 

واجهها وغضبه لا يندثر بصحبة رغبته التي اشتدت عندما رأى عسليتاها تشتعلان بهذه الطريقة أمام عينيه:

-       هتمشي لما تشوفي اللي حصلك بعنيكي! لما تفهمي إن كل اللي بقوله ده أقل بكتير من سجن عشر سنين!

 

تأففت من قوله بنفخها كل الهواء بداخل رئتيها لتدفعه لتلك الهاوية التي لو سقط بها لن ينجو منها وهو يُقبل شـ ـفتاها المصبوغتان بالحُمرة ولن يتوقف حتى تحرره من هذا الأسر الذي يُعانيه منذ قرابة العامان وهددته مرة ثانية:

-       افتح الباب ده وإلا يا عمر هروح أنا بنفسي وافضحك قدام الناس إنك انسان مريض ومكونتش واعي لأي حاجة أنت بتعملها والسجن اللي فاكر نفسك هتدخله عشان أنت مجرم هيبقى عنبر مجانين! اتفضل افتح الباب!

 

تلاحم أسنانه وضغطه الشديد على فكيه وهي تصيح به بات يؤلمه بقسوة وظن أنه أوشك على تذوق مذاق الدماء بفمه ونظر لها بزجرٍ وغضب هائل من نفسه لرغبته بها أكبر من غضبه منها وسألها بخفوت يعرف أنه يُخيفها:

-       أنتِ بتزعقيلي؟

 

رفعت احدى حاجباها بتحدي شديد واجابته بهدوء مثلما اختلفت نبرته وهي تعقد ذراعيها أمامه:

-       آه بزعقلك وبهددك كمان!  

 

منع لسانه بأعجوبة قبل أن يتقوه بما سيندم عليه لاحقًا وحاول الصمود أمام تلك الأنوثة الشديدة التي تبدو عليها وهي تحرضه رغمًا عن أنفه الاستجابة لرغباته المدفونة بقرارة نفسه وهي تقترب منه وتتابع كلماتها:

-       أنا من شهر واحد كنت مرمية تحت رجليك وأنت ماسك السكينة وهتمونتني.. وعشان أنا مبقتش بخاف منك ولا من حركاتك.. والأدلة بقا اللي معاك دي تبلها وتشرب مايتها، أنا مش هجري في محاكم عشان اتذل قدام ناس غريبة وهم بيتدخلوا في حياتي.. مش غصب هو يا عمر.. فوق بقا واعرف إن مش كل كلامك لازم يمشي..

 

حاول السيطرة على نفسه أمام تلك المشاعر التي تُحرضه للإيقاع بها بين ذراعيه لاهثة تطالب بالنجاة وبين ما يراه بعينيها من مصداقية، لقد حدث كل شيء قد يُخيفها حقًا معه وها هي ما زالت تقف أمامه لا تكترث بأي شيء مما يقوله فحذرها بجدية:

-       ما بلاش اخليه يمشي بالعافية!

 

رفعت حاجباها ثم أخبرته:

-       أعلى ما في خيلك اركبه يا حبيبي.. أنا مش هتحايل عليك تاني واعيطلك وأقولك بلاش قواضي..

 

شعر بأن كيانه ينتفض على تلك الحرب الضارية بين صوت عقله وبين رغبته في امتلاكها وهو يُخرج من عقلها تلك السموم التي افسدته بالفعل وكأنه أصبح عقل امرأة مجنونة لم يعد يعمل على الإطلاق، يُقسم أنه يستطيع أن يجعلها تتوسل أسفله بأن يفعل كل ما يحلو له فقط ليُنهي عذابها فحذرها مرة ثانية:

-       بلاش الأسلوب ده معايا يا روان ومن سُكات خلينا نتكلم وامشي بدل ما يبقى غصب عنك!

 

اقتربت له أكثر ليبتلع وتراجع للخلف وهي تقول:

-       ما قولتلك مبقتش فارقة معايا، أنت عملت كل حاجة خلاص! يا تسبني امشي وتنسى موضوع القضية ده يا احبسني بقى واعمل الشويتين بتوعك دول!

 

حاول أن يزجر نفسه عندما اختنق بالمزيد من رائحة عطرها كما جاهد أن ينظر لعينيها دون الالتفات وسرقة بعد النظرات لشـ ـفتيها التي يستعد أن يدفع عمره بأكمله لمجرد عناق مختلس بينهما وبين شـ ـفتاه فحدثها بلهاث مجادلًا إياها متمنيًا أن يُلاقي تحذيره لها بعض من العقل بداخلها:

-       كفاية خناق وتهديد انتي مش قده!

 

جادلته هي الأخرى ولم يغفل عنها تلك الرغبة التي تحتوي وجهه بأكمله وقالت بخفوت جعل الدماء تغلي بداخل رأسه:

-       ليه مش قده؟ عشان طلقتني ولا هتجبرني تاني؟ الطلاق وجربته مرتين والاجبار بجربه معاك من أول ما اتجوزنا، لا ده من قبل ما نتجوز كمان.. هتعمل إيه؟!

-        للمرة المليون بقولك بلاش!

-       خايف على نفسك ومن اللي ممكن يحصلك ولا يا عيني بتحبني وبتموت فيا ومش هتقدر توجعني تاني وأنت صاحي وفايق وواخد دواك؟!

-       روان بلاش الأسلوب ده، صدقيني هتزعلي..

-       صدقني أنت اللي هتزعل، أنت متعرفش أبدًا أنا اتغيرت قد ايه.. وللمرة المليون أنا بقولك سيبك من القضية الهبلة دي وادينا اتطلقنا، روح عيش حياتك وسبني في حالي أنا كمان أعيش حياتي!

 

اقتربت منه بغتة وهي تحاول الوصول إلى مفتاح المنزل فتنازع كلاهما فهي تحاول الوصول له بينما منعها هو:

-       بطل تخلف بقا وسيبني امشي، قولتلك مفيش قضية ولا زفت..

 

تسارعت وتيرة أنفاسه وهو يحاول تمالك نفسه في وسط هذا اللهيب الذي سار بجـ ـسده:

-       روان ابعدي واعقلي..

 

رفعت عيناها نحوه بعسليتين ثائرتين عليه بكل كيانها وأخبرته بخفوت مباشرة دون أن تخفي الأمر مثلما يحاول هو أن يفعل ولم تتوقف عن محاولة تناول المفتاح من جيبه:

-       إيه، مش قادر تسيطر على نفسك عشان قدامك وشكلي حلو وبفكرك بأيام زمان.. ولا مش قادر تخوفني تاني وتمسكني تضربني ولا تكتفني وتقولي اعتذري وقولي غلطتي في ايه.. هات المفتاح ده!!

 

تنهد مطولًا وهو يحاول أن ينظم أنفاسه وتابع ما تفعله وهو يحاول أن يصدها عما تفعله دون مبالغة:

-       طيب ما أنتِ عارفة اهو وملاحظة كل حاجة.. ابعدي بقا عشان ماخليش ده يحصل!

 

رفعت حاجبيها وهي لم تتوقف عن محاولتها وبين الحين والآخر تنظر له ثم لجيبه:

-       هتخليه يحصل واحنا متطلقين؟ ولا هتخليه يحصل مرة وبعدها مش هتعرف تبعد عني؟ سواء ده ولا ده أنت مبقتش عايزه، وأنا خلاص بقيت بعرف ابعد عنك حتى لو حصل حاجة ما بيني وبينك!

 

طفح به الكيل مما تفعله وكل ما احتاج له هو الإمساك بكلتا يـ ـديها وقام بدفعها بقوة على الجدار خلفها وحدثها بملامح احترقت بين الرغبة وبين تصميمه الشديد على اقناعها بأن هذه القضية لابد من أن تحدث حقًا فلا يوجد أي أمر آخر قد يرد لها القليل من الاعتبار أمام نفسها سواها فسألها بخفوت:

-       يعني مش هامك حاجة!

 

تأوهت بسبب قوته التي لن تتمكن من مواجهتها واجابته بتحدي:

-       لا يا عمر مبقاش فيه حاجة تهمني معاك.. اعمل اللي تعمله عشان في الآخر كلامي أنا اللي هيمشي!

-       تمام.. وأنا بقا رديتك!

 

لم تستوعب بسهولة ما قاله وقبل أن تجادله بمزيد من الكلمات ازدادت قوته التي تدفع كلتا يـ ـداها لتشعر وكأنها باتت هي والجدار خلفها كيان واحد وبالرغم من محاولتها في الإفلات من قبلته التي التهمت كامل أنفاسها لم تنجح في الابتعاد عنه ولو بمقدار أنملة واحدة!!  




 يتبع..


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة بتول طه لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة