رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه - الفصل 66 - 2
رواية كما يحلو لها
الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه
رواية جديدة كما يحلو لها
تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى
من قصص وروايات
الكاتبة بتول طه
النسخة العامية
الفصل السادس والستون
الجزء الثاني
تنهدت وهي تتفقدها بأسف لتخبرها ما تراه
منطقي:
-
ما أنتِ عارفاه يا روان أكتر مننا، وبعدين
كان لازم يعمل كده.. ساعتها كان طلقك الطلقة التالتة، كنتي مستنية منه إيه يعني!
هزت الأخرى رأسها بتفهم وابتسمت بتهكم لتقول:
-
أنا أصلًا غلطانة إني سألت، بقولكم إيه،
تصبحوا على خير، أنا هاخد ريان وأطلع اروح!
أوقفتها "عنود" قبل أن تأخذ خطوة
واحدة:
-
بقولك إيه، أنا ما صدقت نيمت التلت قرود دول..
أنتي مش ماشية النهاردة من هنا، وانتي كمان، والبلد كلها إجازة بكرة ومفيش شغل يوم
الجمعة.. خليكوا باتوا معايا انتو الاتنين!
تفقدت كلتاهما بتوسل لترفض "مايا"
الأمر تمامًا:
-
لا يا بنتي نبات ايه بس، أنا مبرتاحش غير في
بيتي وأكيد برضو روان هتروح عشان يحيى يعني ميـ
-
ليه ماله بيتي؟ المراتب فيه مش مُريحة، ويحيى
إيه اللي هيصحى بدري ده يوم اجازته ده ما هيصدق ينام عامل زي الأخ اللي فوق، هم أصحاب
من شوية.. تعالوا بس نسهر سوا ونرغي لوش الصبح بعد علقة الولادة اللي خدتها دي
ويادوب لسه فايقة منها..
قاطعتها وهي تجذب كلتاهما نحو الأريكة بغرفة
الجلوس وواصلت بمرح:
-
بقا بذمتكم مش عايزين تعرفوا اخر الأخبار؟ ده
أنا عندي كل كبيرة وصغيرة حصلت من ساعة ما عمر خرج.. هموتكم ضحك.. استنوا بس اعمل
حاجة نشربها وأنتي يا روان يا حبيبتي استهدي بالله وخلي السواق يروح بدل ما يفضل
للصبح في الشارع وسيبي ريان نايم براحته حرام تصحيه وتقلقيه!
تركتهما وغادرت لكي تمنع كلتاهما عن الرفض
بينما نظرت "مايا" نحو "روان" وأدركت أنها لن تكون بخير بعد
لقاءهما القصير ووجدت أنها قد تكون فكرة جيدة أن تقضي ثلاثتهم الليلة معًا فقالت:
-
أنا بصراحة هموت واعرف أخبار مها هانم دي
اللي هتشلني.. I’m in
ابتسمت لها بانكسار واتجهت من تلقاء نفسها
لتجلس على الأريكة وتنهدت قائلة:
-
اللي يشوف عنود دي وهي عاملة فيها كبيرة ومامي
اوي كده ميشوفهاش اول الجواز، فاكرة يوم فرحها!
رفعت حاجباها واتجهت لتجلس بالقرب منها واجابتها
بمرح:
-
أنا يوم الفرح ده مش قادرة انسى منه حاجة،
حرفيًا أول مرة تعامليني كويس، ويزيد عينيه كانت بتطلع نار، وعمر عمال يا عيني مش
عارف يلاحق على مين ولا مين، وعنود كانت واخدة ريأكشن العزا طول الفرح، ومها
يخربيتها، الست مخلتش واحدة إلا وبصتلها ومنين ما عدي يقرب لبنت كانت هتاكلها ..
دي فاكراني هبص لابنها النطع ده.. ست خنيقة!
❈-❈-❈
منذ أربع سنوات وأربعة أشهر..
بحفل الزفاف..
ثوب أحمر يكشف عن البعض من قدها المرمري،
وحمرة شابهته تعانق شـ ـفتيها، وفجأة وكأنه لا يعرف هذه المرأة أمامه التي برزت
عسليتاها لتباغته بحُسنها الأخاذ، لا يدري هل تقصدت عن عمد أن تُسلب أنفاسه أم
تريد فقط أن تخبره أنها بأفضل حال بعد كل ما فعله بها؟ كيف كان قاسي القلب ليتركها
تغادره ذاك اليوم وهي تبكي بحرقة كادت أن توقف قلبه هو وليس هي وحدها فحسب؟
-
ازيك؟!
لماذا تتحدث له الآن وهي تُعطيه كامل
انتباهها؟ هناك أمر ما بها قد تغير بعد ثلاثون يوم فقط منذ آخر مرة رآها، يا تُرى
ما الذي حدث؟ ولماذا تصمم على اصابته بفقدان العقل وهي تبدو مثالية هذه الليلة
وكأنها تُذكره بكل ما تركه بمحض إرادته وبقراره الأهوج الغبي، حسنًا.. فرصة واحدة
معها مجددًا ولن يدعها لتذهب أبدًا، ما الذي قالته؟ لقد سألته عن شيء ما، تسأله
كيف هو؟ الإجابة أنه ليس بخير دونها، ولكنه لو نطق بها سيُفسد كل وصلا له بشق
الأنفس!
بعد لحظات من الصمت الذي لجم لسانه استطاع أن
يبدأ أخيرًا بجملة لم يكن يعلم أن ثمنها باهظ للغاية وبكل ما امتلكه لن يستطيع أن يدفع
المقابل حتى ولو كانت حياته بأكملها واجابها ثم تسائل:
-
تمام.. أنتِ عاملة إيه؟
لم يفهم نظراتها أهي غاضبة، تشتاق له أم أخيرًا
بدأ عقلها في العمل كما يُريد وتقبلت نهايتهما البائسة وخصوصًا عندما اجابته
سائلة:
-
شايف إيه؟
هو يقف أمامها، بعيدًا عن الاكتئاب القاتل
والهوس اللعين ولا يستطيع قراءة ما بنفسها، ولكن ما سبق لقائهما هذا لم يكن سوى
لقاء بدا به قاسي القلب بكلمات اندفعت من لسانه بمنتهى الجفاء، لذا هو لا يرى أي
شيء سوى نهايتهما، ولكن بالرغم من أنه فعل كثير مما يدل على أن نهايتهما محتومة لن
يستطيع قولها علانية مرة أخرى وكاد أن يجيبها بكلمة ثعبانية ستأخذ هذه المحادثة
لجهة أخرى وناحية بعيدة كل البُعد عنها وعنه قاطعهما هذا الصوت الأنثوي:
-
يا عمر، أنت مش قولتلي من ربع ساعة إنك هتجيب
عنود؟ أنت سافرت ولا إيه؟
التفت نحوها بانزعاج شديد وبالرغم من أنه
يعرف أنها امرأة جيدة ولكن في هذه اللحظة تحديدًا كرهها بشدة، وأمّا عن مشاعر
"روان" تجاهها وهي تبدو رائعة الجمال ذات حسن لا يُضاهي وبالطبع بشعرها
الأحمر وثوبها الأسود الذي يصف ملامح قدها تلفت أنظار الجميع لها وحدها وبقرارة
نفسها هي لا تستطيع تحمل الاعتراف بأن هناك امرأة تمتلك فتنة أكثر منها بنفس
المكان.
اقتربت لهما وابتسمت لها وسألتها بعفوية:
-
ازيك يا روان عاملة إيه؟
أومأت لها وهي ترد لحفظ ماء الوجه ليس إلا:
-
تمام..
آتت اجابتها تفتقر لكل معاني مبادلة الود
ولكن لن تتراجع "مايا" عن طريقتها من أجل امرأة أخرى، فها هي نظرات
الغيرة تلوح على وجهها وهي بعيدة كل البُعد عن العلاقات العاطفية وخصوصًا لن تربط
نفسها بعلاقة مع زوجها الذي يقف بينهما تمامًا في المنتصف فلقد قررت منذ زمن أنه
ليس هناك شخص أنسب لها من زوجها الراحل ولن تكترث بعدم الترحيب الذي تلقته للتو
فسألته:
-
عنود فين؟ ما تخلص يا عمر!
أجلى حلقه وهو يحاول أن يستعيد اتصاله
بالعالم الواقعي بعد أن كان غارق بعالمه الخاص من الخيالات التي لا يوجد به سواه
هو و "روان" بمفرديهما بالجنة الخاصة بهما واجابها:
-
داخلها اهو!
شفقة على حالة أدت به لمغادرة كلتاهما ليوقفه
صوت "روان" المتحدث بتهكم:
-
وريني هتعمل معاها إيه، دي خلت الميكب ارتيست
تغيرلها الميكب اساسًا وفجأة اكتشفت إنها اتسرعت في الجواز.. good luck
تفقدتها "مايا" بلمحة جانبية واستغربت
مما تستمع له وسألتها باهتمام:
-
هو فيه إيه؟
هل يُمكن لهذه المرأة أن تستبدلها في يوم ما؟
لم يكن هذا ما تقوله ملامحه منذ لحظات مضت، ذات الشعر الأحمر تلك لا تريحها على
الاطلاق وستجيب سؤالها بمنتهى الفتور وابتسامة غير ودودة لكي تؤكد على عدم راحتها
لها وستتركهما هنا وليفعلا ما يحلو لهما:
-
متوترة اوي..
أخذت أولى خطواتها لتبتعد فأوقفتها الأخرى
بينما استمتع "عمر" من تلك الغيرة التي يلمحها بكل ما فيها:
-
استني بس يا روان عشان هي مش هتسمع لعمر
لواحده، ادخلي معاه وحاولوا كده تخلوها تيجي عشان الساعة بقت تسعة ونص، الناس هتمشي
بقالهم ساعة ونص قاعدين!
التقت أعينهما بتساؤل لبعضهما البعض بما
اقترحته "مايا" ولكنها قررت التراجع فيكفيها ما لديها من ذكريات شتى
معه، لن تستطيع أن تحتفظ بالمزيد معه، لا تريد أن تتذكر بعد سنوات من الآن أنه حتى
وبعض طلاقهما ورفضه لها ما زالا يستطيعان الاشتراك في موقف عابر وينجحان به.. يكفي
تلك النظرة التي كان يتفقدها بها منذ قليل ستضاف لتلك القائمة الأزلية من نظراته
التي لا تتركها سوى غارقة في عشقه وكأنها المرأة الأفضل على وجه الأرض:
-
معلش أنا هروح اطمن على مامي وبسام!
مشت لكي تغادر واستاء هو لتركها إياه ليتنهد
بضيق ليوقف ثلاثتهم حضور "يونس" بنفسه فلاحظت كم يبدو وسيمًا وطلته تبدو
رائعة ولكن بملامح مُرتبكة قريبة أكثر للغضب وهو يسألهم:
-
هي عنود مالها فيها إيه؟ مش بترد على
موبايلها وكلمتها اكتر من عشر مرات، هو حصل حاجة؟!
أبت أن تلتفت خلفها واجابته بحقيقة ما يحدث:
-
متوترة ومتلخبطة، بس المرادي غير أي مرة..
شعر بالاستياء الشديد مما يحدث وبات شبه
متيقنًا أن زواجهما لن يتم أبدًا وكأنها تبذل قصارى جهدها في دفع علاقتهما للفشل
حتى باللحظات الأخيرة قبل أن تُصبح زوجته ليجد نفسه مندفعًا بكل ما فيه للحصول على
نهاية منها وتعريف لتصرفاتها الغريبة التي لا تتركه سوى واثق بأنها لا تريده!
أخذ خطوات نحو باب الجناح الذي تمكث خلفه
فأوقفه "عمر" ومنعه عن الدخول متسائلًا:
-
أنت فعلًا هتدخلها دلوقتي؟ ممكن تستنى شوية؟!
نظر له وهو يُجيبه بانزعاج:
-
اه هدخلها ما دام محدش عارف يعمل أي حاجة
بقالكم اكتر من ساعة ونص، يا تخرج وتكمل الفرح ده يا مكنش ليه لازمة أصلًا من
البداية نعرف بعض!
ابتسمت "روان" بينها وبين نفسها ثم
التفتت وهي لا تقصد سوى "عمر" بكلماتها وقالت متحدثة لثلاثتهم:
-
الموضوع كله بينها وبين يونس، محدش هيعرف يقنعها
ولا يطمنها غيره، من رأيي إنه يدخلها ولو فيه حاجة هي مش عارفة تقولهالنا اكيد
هتقولهاله!
لن يُنكر أنه فهم أنه هو المقصود من كل تلك
الكلمات وفي لحظة واحدة من تشبثه التام بكلماتٍ تتحدث بها ذهب بالفعل
"يونس" للداخل دون إضاعة المزيد من الوقت!
التفتت نحوه بمجرد أن رأت انعكاس هيئته
بالمرآة لتسأله بعصبية تتضح على ملامحها:
-
أنت بتعمل إيه هنا؟!
نظر لكلتا صديقتاها ثم سألهما بأسلوب هادئ:
-
ممكن تسبونا شوية؟
شعرت كلتاهما بالإحراج وتوجهتا نحو الباب الذي
يفصل غرفة النوم عن باقي الجناح فأوقفتهما "عنود" بغضب:
-
انتو رايحين فين وسايبني؟
لم يسمح لمزيد من النقاشات التي لن تفيده ولن
تفيدها في هذا الوقت الحرج وتحدث لها:
-
متقلقيش هيرجعوا تاني، خمس دقايق بس وبعدين
ابقي اقعدي معاهم زي ما تحبي.
أغلق الباب خلفهما بنفسه ثم التفت لينظر
إليها بمشاعر مختلطة بين الحُزن، الانبهار بحُسنها وملامحها، وبين حقيقة ما قرره
فهو إمّا أن تنتهي هذه الليلة بكونها زوجته للأبد وإمّا الافتراق الأبدي بينهما ولن
يقبل سوى أن تضع له نهاية لكل ما يبزغ في عقله من احتمالات فحدثها بابتسامة
منكسرة:
-
شكلك حلو اوي.
ارتبكت مما يقوله ووجهه أمامها ينعكس بتعابير
لم تفهم حقيقتها بعد لتقول بنبرة حادة:
-
شكرًا، بس مش المفروض تشوفني أصلًا قبل الفرح
و
-
والمفروض متتأخريش كل ده!
قاطعها بهدوء بينما وصل تمامًا لتلك النقطة
الفاصلة التي كادت أن تعلن عن فشل كل ما بينهما فشعرت باحتباس أنفاسها بداخلها وهي
تنظر له بين الغضب والارتباك لتجده يسألها سؤال أجابت عليه آلاف المرات:
-
عنود هو أنتِ فعلًا بتحبيني؟
سخرت من سؤاله الذي سأله لها قبلًا واجابت
دون تفكير:
-
يونس أنا قولتلك آلف مرة إني بحبك وعمري ما
حبيت حد غيرك.
نظر نحوها بحزن واقترب لها بخطوة واحدة ثم
سألها:
-
طب إيه السبب لكل عمايلك دي؟ لو كنتي بتحبيني
ليه حاسس إنك ضد الجواز كله، تقريبًا من اللي أنتِ بتعمليه وأنتِ سايبة الناس
مستنين حوالي ساعتين ده بيقول إننا عمرنا ما هنتجوز.. تحبي نلغي كل حاجة؟
أحست أنها بمأزق وهي لا تُفكر حقًا في إلغاء
أي شيء، لم تشعر في حياتها أنها تريد شيء بهذه الدرجة الشديدة مثل إرادتها في الزواج
منه واجابته بنبرة متوترة:
-
أكيد لأ يعني، أنا بس خايفة.. متوترة من إن
هبتدي حياة جديدة معاك.. متلخبطة، مش عارفة يمكن اتسرعنا! مش عارفة أفكر..
رأى بعينيها تلك المقدمات التي قد تُتبع
ببكاء شديد سيُضيع المزيد من الوقت فاقترب نحوها وحاول أن يُهدئها بنبرته اللينة
ولكنه ما زال يريد الوصول إلى حل معها:
-
كذا مرة أقولك متخافيش، مفيش حاجة أصلًا
هتحصل غير بموافقتك وبرضاكي، والجواز ده أنتِ وافقتي عليه أنا مأجبرتكيش على
حاجة.. وأظن بعد كل ده لو مكونتش بحبك مكونتش عملت حاجات كتيرة.. يا ريت من غير
عياط وخناقات كتيرة، ومن غير ما نتكلم كلام كتير، تحبي أخرج من هنا وأقول لأخوكي
يدخل ياخدك وتيجي معاه ولا تحبي أخرج للناس وأقولهم كل حاجة اتلغت؟
لا هذا ولا ذاك، هل يستطيع أن يُعطيها المزيد
من الوقت؟ هل يُمكن أن ينتظرها الجميع ليس إلا، هي تشعر أنها ليست مستعدة على
الإطلاق أن تكون بمفردها معه في غضون ساعات قليلة!
حاولت أن تخبره عما بها لتأتي نبرتها مختلطة
بين التوسل التوتر الذي لا تستطيع السيطرة عليه منذ ليلة أمس:
-
يونس أنا بس حاسة إننا اتسرعنا وخايفة حياتنا
تبوظ بسبب الجواز اللي حصل بسرعة وأنا لسـ
-
اتسرعنا امتى ده؟
قاطعها ثم زفر بضيق وهو يجد نفسه يدخل بنقاش
أو بوصف أفضل شجار آخر معها وفهم أن كلاهما سيعيدان نفس الدائرة الرتيبة بينهما من
المشاحنات ليتدارك ما قاله وهو يقترب نحوها:
-
اسمعي يا عنود..
شعرت بالارتباك من مدى اقترابه واحتبست
أنفاسها مرة أخرى بداخلها ووجدته يواصل كلماته:
-
أنا بحبك، كان نفسي أعيش معاكي حياة هادية
وسعيدة من غير خوف أو مشاكل.. وكان نفسي اوي تبطلي حركاتك اللي بتعمليها وبتخلينا
نضيع وقتنا في الخناق والمشاكل ونعيش بقى حياة كويسة مع بعض.. فلو خوفك أكبر من حُبنا
ومش عايزة جواز بجد يبقى مش هاغصب عليكي في حاجة..
تأنى للغاية وهو يُقبل جبهتها ليتفقدها بعدها
بحزن وهمس لها بحسرة:
-
أنا خلاص فهمت.. أنا هقول للناس إن الفرح
اتلغى..
التفت وهو يتجه للمغادرة وتركها لتشعر هي
بالصدمة وفتح الباب الأول الذي يفصل غرفة النوم ليتجه لخارج الجناح بأكمله من
الباب الآخر لتهرول خلفه بعد أن قام بفتحه ولم تر سوى ظهره بينما "عمر" ينظر
لها وامرأة لا تعرفها بالقرب منه وصديقاتها خلفها لتصيح بصوت مرتفع:
-
أنا خلاص هنزل، متقولش لحد إن الفرح اتلغى!
❈-❈-❈
عودة للوقت الحالي..
-
أنتِ فاتك نص عمرك بجد وعنود طالعة تجري زي
العبيطة بالفستان ورا يونس ومرعوبة وهي بتصوت وبتقول أنا هنزل أنا هنزل، متقولش
لحد إن الفرح اتلغى!
تفقدتها "روان" وهي تضيق عيناها
نحوها وسألتها:
-
لا الكلام ده محصلش، أنا ولا شوفتها بتجري
ولا سمعتها بتصوت ولا حاجة!
صممت الأخرى على كلماتها وجادلتها:
-
لا الكلام ده حصل، أنتِ ساعتها نزلتي وسبتيني
قدام باب الـ suite مع عمر عشان روحتي لمامتك وأخوكي..
أنا لسه بعقلي متجننتش.. ليه هتحسسيني إني ناسية كل حاجة!
أتت "عنود" وهي تحمل ثلاث أكواب
يتصاعد منها أبخرة ووضعتها أمام ثلاثتهم على منضدة صغيرة قبل أن تجلس واشتركت في حديث
كلتاهما بتساؤل:
-
مايا أنتي مطرقعة من يوم ما عرفناكي، بس جنان
إيه اللي بتتكلمي عليه بعد الشر عليكي؟
تأهبت "مايا" بجلوسها ودافعت عن
قولها بحدة:
-
اهي جت اسأليها، مش أنتِ يا بنتي طلعتي تجري
ورا يونس يوم فرحكم وتقوليله أنا هنزل ومتقولش لحد إن الفرح اتلغى؟
قلبت الأخرى عيناها واجابت:
-
ملقتوش حاجة تتكلموا عنها غير يوم الفرح واللي
حصل فيه؟ ايوة كنت هبلة وعبيطة وخايفة اتجوز.. ارتاحتوا كده؟ ايوة أنا قولت الكلام
ده!
نظرت "مايا" نحو "روان"
بانتصار ثم أخبرتها:
-
شوفتي.. أنتِ اللي كنتي في الـ La La Land يومها ومش شايفة قدامك غير عمر!
انزعجت من مجرد تذكيرها بهذا الأمر ولكنها ترى
أنها كانت تمتلك نقطة في صالحها بمتابعتها إياه فقالت:
-
واحد كان مصمم يجرجرني في المحاكم وخلاص وكنت
بحاول أحل الموضوع معاه بدل الجنان الرسمي ده.. كنتي عايزاني أركز يعني مع مين
غيره؟!
❈-❈-❈
منذ أربع سنوات وأربعة أشهر..
بحفل الزفاف..
لا يدري هل عليه أن يغادر مثلما يُطالبه
والده أم لا، لن يُمكنه فعلها، لن يترك الحفل بأكمله بين يدي والدته وأخيه فهو لا
يأمن تصرفات "عنود" التي قد تعود فجأة لرفضها لفكرة الزواج وتصمم دون
مقدمات على الطلاق.. ربما سترفض المغادرة بصحبته، لا يستبعد هذا!
تنهد وحاول أن يُقنعه بالانتظار مرة ثانية:
-
بابا أرجوك استنى بس ساعة كمان، مش هاينفع
قدام الناس تسيب الفرح وتمشي بدر أوي كده.. ده عنود لسه جاية مكملتش نص ساعة!
شعر باحتراق دمائه وهو لم يعد يتحمل تلك
النظرات المختلطة بين الشفقة والشماتة ولم ير أمامه سوى ذاك السكين الموضوع على
المائدة بجانب طبق لتقديم الطعام وبالرغم من شلل أغلب جـ ـسده إلا أنه شعر بكل
خلية بداخله أوشكت على الانفجار فعقب بغضب:
- كفاية أنت موجود، كلم السواق يرجعني..
لم يعد لديه المقدرة على إقناعه ولا حتى
إضاعة المزيد من الوقت معه أي حوارات أو نقاشات فقرر أن يمرر الوقت فقط ليس إلا:
-
حاضر يا بابا موبايلي بس بشحنه هروح اجيبه
وكلم السواق.
مشى وتركه خلفه وكل ما يدور برأسه هو أن يحضر
"أنس" الذي قد يُخبر أي من أعمامه بقضاء المزيد من الوقت بصحبة والده أو
يتحدث له هو بنفسه بشأن أي لعنة مما تدور ببلدتهم أو بأمر ما في مجلس النواب من
أجل فقط ظهوره أمام الجميع ليس إلا، ولم يكن يأخذ في الحسبان تواجد والده أمام تلك
السكين التي تناولها وهو يدسها بملابسه دون أن يراه أحد سوى "روان" التي
كانت في غاية سعادتها، هي لم تر السكين ولكن رأت ملامحه الغاضبة وهو ا يقوى على
فعل شيء وكل ما يحرك الكون حوله هو "عمر" وليس سواه..
مشت لتتجه له بملامح مُنتصرة للغاية واقتربت
منه لتسأله:
-
ازي حضرتك عامل إيه؟
جلست بالقرب منه لتجده يرمقها بمقتٍ شديد وهو
بداخله لا يتمنى سوى قتلها بنفس تلك السكين ولم تنتظر رد حقيقي منه وقالت بنبرة لم
يجدها الآخر سوى تشفي وانتقام خالصان:
-
ألف سلامة على حضرتك، معلش مجتش فرصة اجي
ازورك وبطمن عليك من عمر.. بس هاجيلك قريب في البيت الجديد..
رأت أن أسنانه كادت أن تتهشم من شدة التحام
فكيه لتجد في ثواني وجود كلًا من "عمر" و "أنس" بالقرب منه
ليتدخل الأول بنبرة محذرة وهو يناديها:
-
روان!!
نهضت وهي تنظر له مُدعية البراءة التي لا
تتلاءم مع مظهرها الأنثوي الذي أطاح بعقله منذ أن وقعت عيناه عليها منذ حوالي ساعة
ثم حدثته قائلة بنبرة مستفزة:
-
نعم يا حبيبي!
اقترب وهو يجذب يـ ـدها لكي يذهبان بعيدًا
واستمع في لخلفية لمبادرة "أنس" في التحدث لوالده بينما حدثها غاضبًا
بخفوت:
-
أنتِ بجد عايزة توصلي لإيه باللي أنتِ
بتعمليه؟
بالكاد استطاعت الحفاظ على وتيرة خطواته
المُسرعة بحذائها المُرتفع واجابته بما لا يُجيب سؤاله:
-
متضايق إني قولتلك يا حبيبي، مش هو محدش يعرف
حاجة عن طلاقنا غير بسام!
التفت نحوها بملامح غاضبة بعد أن توقف كلاهما
بالبهو الذي يوصل لحفل الزفاف وحدثها بنبرة ذات مغزى:
-
أنتِ ليه مصممة تستفزيه؟! مش كفاية اللي هو
فيه ولا عايزة تخربي الدنيا أكتر ما هي بايظة أصلًا؟!
ابتسمت بحسرة وهي تتفقده، ما زال يتعلق
بوالده بنفس تلك الطريقة التي كان يتعلق بها هي نفسها مهما بدت، عندما يعشق أحد لا
يستطيع البشر بأكملهم أن ينهوا هذا العشق بداخله حتى ولو برهن له الكون بأكمله على
أن هذا الشخص لا يستحق حتى ولو كانت كل الأدلة ملموسة وواضحة كالشمس أمام الأعين!
عقدت ذراعيها ثم أخبرته متنهدة:
-
أنا آسفة لو زعلته بس هو ياما زعلني.. على
العموم أنا مش مطولة ولا هضايقك واضغط عليك ولا على باباك!
استغرب من قولها وتفقدها مستفهمًا لتتابع:
-
أنا مسافرة بكرة الصبح وقدامي شهور على ما
ارجع عشان عندي شغل مهم ومش هاعرف اتأخر عليه..