رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه - الفصل 67 - 1
رواية كما يحلو لها
الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه
رواية جديدة كما يحلو لها
تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى
من قصص وروايات
الكاتبة بتول طه
النسخة العامية
الفصل السابع والستون
الجزء الأول
منذ أربع سنوات وأربعة أشهر..
تابعها بابتسامة لينة بعد أن بدل ملابسه وظل
يتفقدها في راحة شديدة، مجرد تواجدها بالقرب منه في مكان واحد معه بعد أن طال
انتظاره لهذه اللحظة تحديدًا كان كافيًا له، يعمل أنها متوترة ومرتبكة لما تغير
منذ ساعات قليلة، لن تتغير أبدًا على ما يبدو، هو يعرف أن ما زال هناك طريقًا
وعرًا معها!
لم يمنع ابتسامته ولم يُرد التخلي عنها وحافظ
على تلك المسافة الفاصلة بينهما وتسائل بنبرة سعيدة كانت لتلاحظها فقط لو توقفت عن
توترها المبالغ فيه:
-
حبيبتي أنتِ ناوية تختمي المصحف النهاردة؟
ابتلعت وهي تُنهي ما تبقى من الآية ووقفت
بعدها عن القراءة ورفعت رأسها نحوه وسألته بارتباك:
-
إيه يعني، عايزنا ربنا ميكرمناش في حياتنا؟ فيها
إيه لما اقرا قرآن؟
لانت ابتسامته لها أكثر وأومأ بالإنكار
ليجيبها وهو يتجه نحوها:
-
أكيد حلو طبعًا إنك تعملي كده بس مش ساعتين
بحالهم، أنتِ حتى مغيرتيش الفستان!
أوقفته وهي تنهض متأهبة بابتعاد صريح عنه وهي
تتراجع خطوتان للخلف وحدثته بزجر:
-
وهو أنت عايزني اغير هدومي ليه؟ وبعدين ما
اقرا ساعتين ولا عشرة، هو حرام يعني؟ بص أنت عارف إني مبحبش الأسلوب ده! فلو سمحت
مش معنى اننا بقينا متجوزين يعني تعمل الحركات دي، ابعد عني وسيبني براحتي بعد
اذنك!
همهم بتفهم وتوقف عن الاقتراب منها وعقب على
كلماتها بهدوء:
-
ما هو عشان تبقي براحتك بلاش التكتيفة دي،
قومي غيري واتعشي وحاولي تنامي كويس عشان هنسافر وهنروح أماكن كتير وهنمشي كتير
فمش هتعرفي تتبسطي وانتِ متوترة اوي كده من أولها وتعبانة ومحتاجة تنامي!
اتسعت عيناها بمزيد من التأهب ليتدارك سريعًا
ما قاله فواصل قبل أن يسمح لها بمزيد من التخوفات التي ستفسد عليهما أيام لن تُعوض
على الاطلاق:
-
متخافيش يا حبيبتي، اللي أنتِ خايفة منه مش
هيحصل، مفيش تجاوزات خالص، بصي، اعتبرينا لسه مخطوبين!
تريثت لوهلة وهي تتفقده بترقب شديد وهي تتوجس
من ملامحه المبتسمة ببلاهة وسألته:
-
بجد؟
أومأ لها بابتسامة وأخبرها متسائلًا:
-
بجد آه وأنا أصلًا اللي هنام قبل منك، بس
تحبي أنام على السرير باعتباري جوزك ولا على الكنبة هنا برا باعتبارنا لسه مخطوبين؟!
تفقدت الأريكة التي كانت تجلس عليها منذ قليل
واجابته باقتضاب قبل أن ترفع ثوبها لكي تستطيع المشي:
-
الكنبة كويسة!
❈-❈-❈
في نفس الوقت..
لقد حدث كل ما كان يخشاه، هو يعرف نفسه
جيدًا، ما يفعله لن يوصله سوى لنهاية واحدة ليس هناك ثانية لها، فراش وبعض الأغطية
وعناق حميم يجمعهما لأيام لأن ليلة واحدة لن تكون كافية أبدًا له أو حتى لها!
لهث بشدة وهو يلتقط أنفاسه ثم تفقد ملامحها
وهو يسب نفسه بأقذع ما توصل له عقله من سُباب، لعين وحقير واستغل ما يراه منها، هل
حقًا أصبحت زوجته في لحظة من رغبة اختلطت بغضبه؟! تبًا له! ماذا بشأن القضية
وطلاقهما؟!
لم تكن لتختلف حالًا عنه هي الأخرى وفاجئه ما
باغتته به من كلمات مستفهمة بين لهاثها:
-
بتزقني وماسك ايديا ليه؟
لا يكترث بهذا الآن، هو يُريد المزيد منها،
لا يدري متى سيكون انفصالهما الأبدي بعد هذه اللحظة وبعد كل ما يحاول فعله عليها
تلبية ما يرغب به، كمثل هذه القُبلة الماجنة التي أصبحا يتبادلانها، الاشتياق يتلاعب
بهما كالدمى، قد لا يكون الاشتياق لبعضهما البعض بل للفعل نفسه، أو ربما هناك
اشتياق خفي دُس بنزاعهما الذي لا يتوقف.
تفرقة لحظية لبعض الهواء اللازم لكي لا
يختنقان وارتطام بقدها الرائع الذي لا يُضاهيه فتنة بنظره، لقد رأى الكثير من
النساء وفعل كل ما خطر على باله وقتما شاء، ولكن معها كل اقتراب يتحول لدرجة من
المثالية بداية بأنفاسها وعينيها العسليتين ونهاية باستجابتها كما بتحركاتها
ومبادلته، هل يُمكن أنها تُفكر بمثل نفس الطريقة التي يدور بها عقله؟! لابد أنها
تفعل وإلا لما كان حصل على أفضل علاقة حميمة بصحبتها.. لا ليست الأفضل بل هي تشابه
تلك الخيالات بأساطيره الإغريقية!
-
مش محتاج تعمل كل ده، ما أنت مش هتغصبني!
هي تريده إذن، أليس كذلك؟ أليس هذا ما قالته؟
لقد شعر بها تبادله أم هو يتخيل ما يحدث؟ لماذا تلهث؟ ولماذا لا تتبدل عيناها كما
كانت تفعل بالسابق عندما يُسيطر على كيانها بأكمله؟ هناك أمر ما يُثير ارتيابه!
استسلمت بالكامل أسفل يـ ـداه الممسكتان بها
وتابعت بأنفاس متسارعة:
-
فاكر لما تقرب مني همنعك؟ ولا إني بقيت مراتك
تاني دي بقت حاجة وحشة؟ ليه لأ؟
هناك أمرًا ما بها لا يُريحه، أمر يُخبره
بأنهما سيمتلكان أفضل ليلة على الإطلاق أو الأسوأ وليس هناك وسطية ليرتكن أيًا
منهما إليها!
اقتربت منه بنفسها لتقبله واللحظات المتبوعة
بما تفعله قد ايقظت به القليل من الشجاعة بالرغم من ارتيابه السابق، لم يكن الأمر
بهذه السهولة قط، ما الذي يحدث؟
عادا من جديد ليتنازعا من أجل بعض الأنفاس
وهدأ قليلًا بدلالة تلك الضربات التي كادت أن تُفجر قفصها الصـ ـدري مثله تمامًا
وكاد يُقسم أنه يرى سعير بين أعينهما لتلتمع مقلتي كل منهما بالرغبة، لن يستطيع
تكذيب ما تراه عيناه، ولكن شيء ما يبدو خاطئ!
-
ليه مننامش سوا، مرة واتنين وعشرة، أنت تقرب
مني وأنا أوافق وبس كده الباقي كله موجود، أنت شايفني حلوة وانا مبعرفش اصدك والـ chemistry تلعب لعبتها ونكررها مليون مرة.. مفيش
مشكلة، ما أصلًا هي دي الحاجة الوحيدة الحلوة اللي كانت بيني وبينك! مفيش غيرها!
اندفعت لتقترب منه فأوقفها بعد أن اصابته
كلماتها بالصدمة وسألها:
-
هو ده بس اللي كان بيني وبينك؟
هذه الإماءة منها بالإيجاب على سؤاله كانت
كفيلة بإطفاء تلك اللهيب التي كادت أن تحرق كل ما حولهما منذ قليل، أسرع إخماد
لرغبته حدث في حياته، لم يعايش قط هذا الشعور مع امرأة سواها!
ابتعد عنها في حالة من الذهول وسرعان ما لجأ
للتبغ ليحرقه بدلًا من أن يحرق هذه الأرض ومن عليها بينما تابعته بانتصار وسألته:
-
هتيجي نكمل ولا إيه؟
شعر بالاستفزاز الشديد ليلتفت لها ثم أخرج
مفتاح المنزل وألقاه على المنضدة واكتفى بالرد باقتضاب:
-
امشي!
قلبت شـ ـفتاها وهي تُحدق بفمه الذي صُبغ بحمرة
شفـ ـتاها بالرغم من أن هذا النوع لا يترك اثارًا ولكن ستدع الأمر جانبًا الآن
ونظرت لعينيه وهي تقول بصوت هادئ خافت تعلمته منه هو نفسه:
-
الدور عليك أنت اللي تمشي وتسيبني مش أنا،
لما قولتلي إن كل اللي بيني وبينك هو القضية سيبتك أنا ومشيت، والمفروض لما اقولك إن
كل اللي بينا كان sex مش اكتر تسبني وتمشي، ولا أنت
معندكش كرامة؟!
اتسعت ابتسامته وهو يحبس تلك الأنفاس
المسمومة بداخله ونفثها بغضب وهو يتفقدها بإدراكه أنها ترد له الصاع بعد ما فعله
معها بعد مغادرته للمشفى منذ ثلاثة أسابيع وحدثها قائلًا:
-
تمام، رديتهالي، امشي بقى!
تملكت منها الحسرة وعيناها لا تغادر عيناه
وهو يُدرك أنها على مشارف البُكاء وترددت الحروف منها بحزن لم تتخلص منه بعد:
-
يا ريتني رديتهالك زي ما عملتها معايا، قمة
الإهانة إنك تفكر ترجعلي عشان بس نفسك تقرب مني تاني، مقدرتش تسبني عشان شكلي
الحلو لكن قدرت تسبني بعد ما شوفتني بتحايل عليك!
اتجهت لتتناول المفتاح الذي ألقاه فاتجه هو
بسرعة ليوقفها واضًعا كفه فوق كفها واقترب منها ومنعها باعتراضٍ صريح:
-
لا يا روان مش عشان كده!
امتنعت عن المزيد من الكلمات التي لو تفوهت
بها ستجعل الأمر أسوأ فيما بينهما وحاولت ألا تنظر بوجهه بعد ما فعلاه منذ قليل
وأفكارها تُشابه إعصار مميت ولكنها حاولت الصمود وهي تفر مما يحدث بداخلها وهو
الآخر لم يختلف عنها حالًا ليستسلم للفكرة المُسيطرة على كل جوارحه وأخبرها:
-
عشان وحشتيني.
رفعت عيناها نحوه وابتسمت بحسرة وعقبت بحزن:
-
مش متأخر الكلام ده شوية!
تنهد
بمشقة وهو لا يدري كيف في لحظة واحدة فعل كل ما فعله منذ قليل نهاية باعترافه
بالاشتياق لها واعتدل بوقفته لتتناول هي المفتاح في صمت واتجهت لكي تُغادر فأوقفها
متحدثًا بتشتت:
-
روان احنا محتاجين نتكلم، واللي حصل من شوية
ده اكيد هيغير حاجات كتير.. أنا عارف إني اتسرعت بس صدقيني أنا اتصرفت باحساسي مش
بعقلي خالص.
التفتت نحوه وهي تحدقه بملامح مستفهمة وعقدت
ذراعيها كدلالة على الانتظار لجملة مفيدة قد تفهم منها أي شيء فحاول أن يوضح ما
يريد الوصول له وهو يتجه نحوها:
-
اللي عملته هيغير كل اللي ما بيني وبينك
وهيغير الأيام الجاية وهيغير كل حاجة بعد ما رديتك وبقيتي مراتي تاني.
أوجست خيفة من كلماته بصحبة ملامحه وهو يقترب
لها بجبين مُقطب وصوت تعرفه جيدًا لطالما تمنت أن تستمع له منذ شهور الآن فسألته
دون مبالغة بنقل كل ما تشعر به خلال سؤالها:
-
يعني عايز تفهمني إنك بمجرد ما قولتلي أنا
رديتك خلاص كده بقينا متجوزين؟
كانت ترتاب بأمره فهذا التغير الشديد في لحظة
واحدة ليس بمنطقي فلقد فعلها بالسابق وما ترتب عليها لم يكن سوى عشقها له الذي
جعلها تتكبد الكثير وابتسامته الرائعة التي تعتلي ملامحه الآن جعلتها ترتبك مما
يدور في عقله خصوصًا مع اقترابه لها أكثر:
-
لو تعرفي محامي صاحي دلوقتي كلميه اسأليه!
جالت عسليتاها بملامحه وتنهدت بتعب وسألته
بهدوء:
-
عمر أنت عايز إيه من كل ده؟
بحث عن الإجابة بداخله فلم يجد قرار واضح،
نعم هو يُريدها ونعم هو لن يتنازل عن أمر القضية ونعم هي تستحق رجل أفضل منه ولكن
لا يريد لها الابتعاد، على الأقل ليس اليوم، ليس هذه الليلة، ولا في أي وقت قريب..
هو يُريد المزيد من الوقت ولا يدري لماذا تراجع فقرر أن يُطالبها بأكثر شيء يراه
منطقي:
-
ممكن ترجعي بيتك تغيري وتستني نهدا شوية
وفكري وأنا كمان هافكر ونتكلم في كل حاجة؟
حاولت منع نفسها عن التصرف بغضب وكانت على
وشك الصراخ بوجهه بالكثير من الكلمات التي ستعيد كلاهما حيث ذاك الماضي الذي تحاول
نسيانه بشدة لتقضم لسانها وهي تتنفس بعمق وأخيرًا اكتفت بالرد المقتضب وقررت أن
تستمع لما لديه فهي ما زالت مصممة على عدم الخوض في تلك القضية وقالت:
-
أوك.. بس أنا مسافرة بكرة..
أومأ لها بالموافقة فالتفتت وغادرته بعدها
ولا تدري أهي تفعل شيء خاطي من جديد أم لا، ولكن كل ما رغبت به هو بذل قصارى جهدها
في التعامل بهدوء دون المزيد من اللوم، ما فعلته منذ قليل يستحقه ولكنها تشعر
بالندم على كل حال، هي تعرف أن ما بينها وبينه ليس مجرد علاقة حميمة.. لو كان هذا
صحيح لما كان انتظر قرابة العامان حتى يـ ـلمسها من جديد!
❈-❈-❈
عودة للوقت الحالي..
تأثرت ملامح كلتاهما ولم تعد
"روان" تتحمل تلك التفاصيل التي تستمع لها لتضع الكوب أمامها بعد أن
أنهت ما فيه ومنعت "عنود" عن الاستمرار في الحديث:
-
عنود بجد أنا مش مستحملة اسمع الحاجات دي،
دارين لو كل مُشكلتها الفلوس فأنا معنديش أي مانع اساعدها هي وأولادها وأهلها
كمان.. اللي بيحصلها ده كتير اوي إنها تستحمله وعدي اللي بيعمله ده غلط جدًا، ده
لو اتطلقت يبقى أحسنلها ألف مرة!
تفقدتها "عنود" بنظرة ذات مغزى وسألتها
بقليل من الاستنكار والكثير من الأسف:
-
فكرك إني مبساعدش من تحت لتحت؟ ولا فكرك لو
ماما عرفت الدنيا مش هتقوم؟ ده أنا بالعافية كده بعد الولادة أول ما بقيت كويسة
روحت أزورها عند باباها ومامتها والله صعبت عليا، كانت في قمة الأخلاق مرضيتش تاخد
مني فلوس لولا إني حاولت معاها كتير، ومن يومها وخايفة ماما تعرف تبهدلني وتعمل
مشكلة..
انزعجت "مايا" مما تستمع إليه
لتقول بما تظنه راجح:
-
المُشكلة مش في الفلوس يا روان ولا إن مامتك
تعرف يا عنود، وأنا مش ضد إنكم تساعدوها طبعًا وآه اعملوا كده، بس المُشكلة بجد في
عُدي نفسه، لو بطل الهبل اللي بيعمله ده كل حاجة هتتحل، عايز حد يعرف يقنعه إنه
ظالم دارين معاه وأن تصرفاته دي متنفعش لا ليها ولا للولاد اللي في يوم هيكبروا
ولا حتى لنفسه.. أنا هاكلم عُمر يحاول يفهمه شوية.. يمكن يجيب معاه نتيجة!
التوى فم "عنود" بحسرة لمجرد
التفكير فيما استمعت له وردت بسلبية تامة حيث هذا الاقتراح وحده كفيل بالكثير من
الصراعات التي قد تجعل كل الأمور تسوء أكثر:
-
أنتِ شايفاهم أحسن أخين في المجرة عشان عدي
يسمع لعمر، مش بعيد يمسكوا في بعض وتبقى خناقة، بلاش الموضوع ده مش هيجي من وراه
خير، عدي ممكن يِعند اكتر اساسًا.
لم تقتنع الأخرى بما تستمع له وجادلتها
بتصميم:
-
بصي عمر هيعرف يتصرف معاه، آه ممكن تبقى
خناقة ويمسكوا في بعض بس عُدي محتاج يحس إن فيه حد هيقف في وشه، هو خلاص مبقاش
عنده غير ماما اللي يستحيل تعمل حاجة تزعلها، ومراته مش قادرة عليه أصلًا، فيمكن
لو اتكلموا مع بعض وبعد خناقة يعقل كده ويشوف الموضوع من وجهة نظر تانية!
ظلت "روان" تستمع لذلك النقاش
المستمر وفي نفس الوقت شعورها بالأسف ما زال مستمر لتقول بصوت يحتوي طيف من التردد
مقترحة:
-
عمر وعدي دايمًا فيه بينهم زي competition (منافسة) طول عمرهم، فممكن فعلًا مايا تقوله
وتفهمه الموضوع بهدوء وأنتِ كمان يا عنود ممكن تشرحيله أكتر بما إنك أكتر واحدة
ليكي علاقة بيها، ومش عارفة، يعني هم دايمًا بيتخانقوا، فمجتش على خناقة زيادة..
بس يمكن في الآخر الموضوع يجيب نتيجة، ويمكن ميجبش، بس على الأقل تبقى محاولة
ومحدش عارف ممكن يبقى ده الحل.
تفقدت كل واحدة منهما الأخرى في صمت لاحتواء
الفكرة نفسها وإعطائها بعض الدراسة لتعقب "عنود" في النهاية وهي
تتئثائب:
-
ماشي، أنا هكلمه من بكرة وهشوف لو
-
بوقك يا ماما، هتبلعينا ولا إيه..
قاطعتها "مايا" لتضحك
"روان" بخفوت وأخبرتها ببقايا ضحكتها:
-
هي دي اللي هنسهر، قومي نامي يا حبيبتي بكرة
الولاد هيصحوا من بدري ومحدش هيسبنا ننام.
انحنت "عنود" لتتفقد الساعة المعلقة
على احدى الجدران فقالت:
-
الساعة اتنين ونص.. لا ده أنا فعلًا أقوم
أنام.. أنا محستش بالوقت.
نهضت وهي تتفقد كلتاهما وتكلمت بابتسامة:
-
بجد وحشتوني اوي ونفسي نفضل كده قاعدين نرغي
في كل حاجة.. ما تيجوا نظبط سفرية قبل امتحاناتي كده ونسيب الولاد إن شالله حتى لو
تلت أيام، ولو جت على آسيا تشد بس حيلها شهرين ولا حاجة واخدها معايا، إيه رأيكم؟
أومأت لها "روان" بالموافقة
واجابتها:
-
أنا معنديش أي مُشكلة..
قطبت "مايا" جبينها بعد أن نظرتا
إليها باستفهام وادعت الحزن المزيف وهي تتساءل قاصدة المزاح:
-
ايه ده، آسيا إيه، يعني السفرية مفيهاش
رجالة؟!
اختلفت نظرات "عنود" الاستفهامية
إلى أخرى منزعجة وأخبرتها بجدية:
-
يا بنتي حرام عليكي هتروحي جهنم بصاروخ..
رجالة إيه بس
اتسعت ابتسامة "روان" وهي تنهض وأخبرتها
بهدوء:
-
سيبك منها ده كلام على الفاضي، مايا عمرها ما
هتفكر في حد.. ادخلي نامي عشان مش هيسبونا ننام براحتنا بكرة ونبقى نشوف موضوع السفر
بعدين.. تصبحي على خير..
هزت رأسها باستنكار ثم تحدثت متسائلة:
-
طيب هتحتاجوا حاجة زيادة في الأوضة ولا
-
يا عنود ما تروحي تنامي يعني مش أول مرة نبات
هنا.. هنعرف ننام متقلقيش، أنا هنام جنب ريان ومايا هتنام على السرير التاني.
قاطعتها "روان" لتبتسم لها
وأخبرتها:
-
ماشي، يالا تصبحوا على خير.
عقبت كلتاهما في نفس الوقت مرددتين:
-
وأنتِ من أهله.
غادرت "عنود" بينما حاولت
"روان" تدليك عُنقها وهي تمدد رأسها للخلف وسائر جـ ـسدها فتابعتها
"مايا" وسألتها:
-
تعبانة ولا إيه؟
همهمت لها بالموافقة فأخبرتها مواصلة:
-
طب يالا بينا ننام.
تنهدت وهي تنظر لها وقالت:
-
أنا مش جايلي نوم خالص، مش عارفة أبطل تفكير
في موضوع ريان وعمر.
انحنت لتجذب هاتفها ووضعته بجيب ثوبها فنهضت
"مايا" لتقف أمامها وحدثها بتفهم:
-
أنا عارفة إنك نفسك ريان يبقى قريب ليه أو
على الأقل علاقتهم تكون كويسة، بس ادي لعمر وقته، هو لسه مش حاسس هو بيعمل إيه،
خايف من كل حاجة وخايف يخسر كل اللي وصله ومتشتت.. اصبري شوية يا روان..
اتجهت لتقف بالقرب من الباب الذي يطل على
المسبح مباشرة وقامت بفتحه وهي تستمتع بتلك النسمات الهادئة فهي أفضل بكثير من شدة
حرارة الصيف الذي أوشك على النهاية واتجهت للخارج بخطوات متأنية فتبعتها الأخرى
وأخبرتها بعد تفكير:
-
أنا فاهمة كلامك وفاهمة إنه زي عادته بيرفض
الحاجة وبعدين لما يجربها هيتغير وهيتمسك بيها، بس حد فكر في ريان كل ده؟! هو
النهاردة شافه، بمجرد ما يمشي هيبتدي بقى يسأل ويقول هو ليه مش بيكلمني ومش
بيشوفني.. ما هو طفل برضو وده من حقه!
نظرت لها وهي تضيق عيناها بعد أن تريثت كل
واحدة منهما عن أخذ الخطوات إلى غير وجهة معلومة وعقبت بزجر:
-
ما أنتِ اللي اتسرعتي ويالا يا ريان ده
بابي.. لو كنا بس صبرنا شوية مكنش ريان سأل بقى وهو فين وليه مبيكلمنيش وكل اللي
بتفكري فيه ده
زفرت "روان" بتهكم هتفت بها
باعتراض شديد:
-
يا سلام، المُشكلة إني مصبرتش، طيب أنا غلطت،
حد فكر بقى في لما اطلع غلطانة في نظر ريان وابقى كدابة قدامه، وأنا طالعة وهو
بيسألني مين ده قولت ده صاحب يونس، تخيلي لو جيت بعدها بشهر أو اتنين أو تلاتة أو
حتى سنة وقولتله ده باباك، ساعتها اول حاجة هيسألني عليها هيقولي انتي ليه
مقولتليش! وقتها مش هيزعل من حد واحد بس، هيزعل مني أنا وعمر وأنتِ وعنود وكل اللي
حواليه اننا كدبنا عليه.. هنبقى كلنا في نظره وحشين.. يا مايا افهميني أنا اللي
فارق معايا هو ريان مش أي حد تاني!
تركتها واتخذت عدة خطوات حيث كانت كلتاهما
تفعل فتبعتها الأخرى وحدثتها بهدوء:
-
أنا فاهماكي، وفاهمة إنك مش عايزة غير إنه
يكون مبسوط، بس الوقت مكانش مُناسب تقوليها كده خبط لزق.. كنتي مهدي الطريق ليهم
هم الاتنين.. عمر أول مرة يشوفك أنتِ وريان بعد أربع سنين كان النهاردة!
تأففت مما تستمع إليه وابتعدت حتى جلست
بالحديقة التي تتوسط منزلها السابق ومنزل "عنود" وبيته الصغير ثم قالت:
-
مايا أنا أكبر مشاكلي في الحياة هي الكدب،
مهما كانت النتايج أنا مكونتش هكدب على ريان، يمكن آه الوقت مكنش أحسن حاجة ومش
مناسب وواجهت الاتنين ببعض فجأة بس مكنش عندي استعداد أكدب عليه أكتر من كده..
أنتِ مش ملاحظة إني كنت مفهماه إن عمر مسافر مش مسجون.. كفاية الكدبة دي لواحدها
على ما يكبر وأقدر افهمه اللي حصل!
جلست بالقرب منها وهي ترى الحزن يطغو على
ملامحها وتفقدتها لوهلة ثم سألتها بتفهم:
-
طيب، حابة تعملي إيه دلوقتي؟
رفعت كتفاها ثم أخفضتهما كعلامة على عدم
المعرفة واجابتها وهي على مشارف البُكاء:
-
مش عارفة، عمر over اوي وبيتكلم كأن الولد هيعيش معاه طول الوقت
وهددني وكل الجنان ده، وبكرة بقى ريان أول ما يصحى الصبح أكيد هيسأل عليه بعد ما
قالي إنه حكاله حدوتة حلوة وخلاص متقبل يقول عليه بابي عمر، فده معناه إنه عجبته
القاعدة معاه وهيتعلق بيه، وأنا واقفة بينهم في النص مش عارفة اعمل إيه!
اقتربت منها وعانقتها بدعم بينما تجمدت مشاعر
"روان" وهي تتفقد المكان حولها بعينيها غير قاصدة أن تصل لأمر ما محدد
وفجأة تحدثت من تلقاء نفسها بعد أن تذكرت الكثير مما حدث بينهما يومًا ما في نفس
هذا المكان تحديدًا وكأنها وجدت الحل النهائي:
-
أنا لازم أتكلم تاني مع عمر في وقت هو هادي
فيه ونكون لوحدنا، لازم نلاقي حل وسط من غير ما يضايقه ولا يضايق ريان!
❈-❈-❈
منذ أربع سنوات وأربعة أشهر..
طال صمتها وهي لا تدري بم ستجيبه وقالت في
النهاية وهي تتحدث له بالهاتف:
-
مش عارفة يا بسام.. احنا لسه محتاجين نتكلم
اكتر، وأنا لسه شايفة إن القضية دي ملهاش لازمة وهو لغاية دلوقتي مدنيش رد على
حاجة..
نهضت بعدما استمعت لرنين الجرس واتجهت نحو
الباب بينما عقب أخيها:
-
أنا قولتلك وجهة نظري مليون مرة وأنتِ حرة
اعملي اللي يعجبك.. أنا كنت بطمن عليكي لما لقيت الوقت اتأخر.. ولو هتباتي عندك في
البيت عرفيني.
-
أوك.. هو جه دلوقتي لما أخلص كلام معاه وقبل
ما أنام هقولك اذا كنت هارجع البيت ولا هستنى هنا الليلادي.. باي
أنهت المكالمة بعدما فتحت الباب ووجدته
أمامها قد تخلص من ربطة عنقه وسترته وازرا بداية قميصه تظهر أسفلها صـ ـدره الذي
بات أعرض بفعل ممارسته الدائمة للرياضة وتلك الشعيرات تتضح منه وبعد أن ظن بالفعل
أنه ملك زمام نفسه تجاهها وبات لديه خطة جديدة لن تنتهي سوى وهو خلف القضبان وعلى
الأقل هناك عشر سنوات من السجن سيُقضيها وجدها أمامه ما زالت بنفس ثيابها التي لم
تبدلها ليلعن بداخل نفسه لرغبته بها من جديد التي اتقدت بفعل نظرة واحدة إليها ومنها
وهي تطلعه واستمع بأعجوبة لسؤالها الذي كاد أن يُصبح مجرد ضوضاء بخلفية ما يُفكر
به:
-
ما تدخل، هنفضل نبص لبعض كتير؟
انزعاج طفيف لاح بمقلتيه الداكنتين ورفض ما
قالته مجيبًا:
-
خلينا نطلع نتكلم برا أحسن.
قلبت عيناها لسخافة الفكرة وأخبرته:
-
الجو حر جدًا، عايزنا نقعد برا ليه، ادخل يا
عمر وخلاص مش هنتخانق كمان على دي.
لم يقصد هذا على الاطلاق وغرضه ليس أن
يُجادلها ولكن أنوثتها وما تبدو عليه سيحرضانه على فعل أمر ما لن تكون عواقبه جيدة
أبدًا فقال بهدوء نافيًا ما تظنه:
-
أنا مش بقول كده عشان نتخانق وبعدين أصلًا
قولتلك غيري من شوية، وعمومًا كلامنا مش هيطول.
لوهلة سخرت ملامحها وهي تتجه للخارج ثم قالت
وهي تأخذ خطوات مسرعة نحو أقرب مقعد بالحديقة وفي نفس الوقت حاولت أن ترفع ثوبها
وهي تحافظ بأعجوبة على خطواتها بهذا الحذاء ذو الكعب العالِ لكي لا تتعثر بالأرضية
المزروعة بالحشائش الخضراء:
-
ما أنا طلعت لقيت الأوضة مقفولة عشان ده كان
اتفاقنا انها تفضل مقفولة لما مامتك كانت هنا والمفتاح طبعًا نسيته وكنت بكلم بسام
وملحقتش اكلمك!
ارتاب مما تقوله فسألها مُدعيًا التلقائية
وحول أن يخفي خوفه مما قد تؤول إليه الأمور لو تصرفت بالفعل كما يحلو لها دون أن
تناقشه في الأمر أولًا:
-
هو أنتِ قولتيله إني رديتك؟