-->

رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه - الفصل 67 - 2

    رواية كما يحلو لها

الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه

رواية جديدة كما يحلو لها

تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى

من قصص وروايات

الكاتبة بتول طه

النسخة العامية

 الفصل السابع والستون

الجزء الثاني

العودة للصفحة السابقة

 

جلست بتحفز وهي تعكس ساق على الأخرى وعقدت ذراعيها واجابته:

-       لا طبعًا مقولتلوش.. وبعدين ايه هو اللي ردتني، ما احنا المرة اللي فاتت جبنا مأذون وشهود، ازاي يعني ابقى مراتك بس بكلمة منك.. أنا مش مصدقة بصراحة كلامك!

 

تنهدت وهي تتابعه بعينيها حيث جلس في مقابلتها وهو يبتسم بعد أن شعر بالراحة لعدم اخبارها لأخيها بأنها أصبحت زوجته مرة ثانية ثم أجابها باستفاضة:

-       بصي عشان تفهمي، الطلاق ليه نوعين رجعي وبائن، رجعي يعني اردك في العدة وينفع نرجع لبعض، بائن ده يعني مينفعش غير بعقد جديد.. أنا طلقتك المرتين طلاق رجعي يعني يديني الحق اردك، أول مرة طلقتك وبعتلك ورق الطلاق وقعدنا بعيد عن بعض فعدتك خلصت فبقى اسمه بائن، إنما المرادي طلقتك برضو وكان فيه مأذون وشوفتي الورق بعينك.. بس لسه عدتك مخلصتش، فليا الحق اردك في وقت العدة بتاعتك ونرجع لبعض.. فهمتي حاجة؟   

 

ضيقت ما بين حاجبيها وهي تحاول فهم ما قاله وعقبت بغمغمة بالكاد فسرها هو وهي تلوح رأسها باستخفاف:

-       ما طبعًا ليك الحق وأنا ماليش رأي!

 

تأففت بملل ثم واصلت سريعًا بنبرة تلقائية هذه المرة وهي تريد الوصول لحل معه فهي ما زالت لا توافق على اقتراحه السخيف بتلك القضية:

-       بص، تمام، هصدقك وأنا بقيت مراتك.. دلوقتي بقى لسه مصمم على القضية دي؟

 

أجلى حلقه وشعر بالراحة قليلًا لسؤاله الهادئ نوعًا ما بدون جدال وأخبرها وهو يُريد الوصول لكل ما خطط له بتلك الدقائق الماضية وأجابها بجدية خافيًا وراءها حقيقة ما يُريد الوصول له:

-       اللي هنتفق عليه هو اللي هيحدد إذا كان فيه قضية أو لأ.

 

ضيقت عيناها نحوه بارتياب وتساءلت بابتسامة ذات مغزى:

-       ليه حاسة المحامي اللي جواك هو اللي بيتكلم؟

 

تحولت نظرته لزاجرة ممتزجة بالتحذير اللائم لسخريتها فسرعان ما تداركت قولها وقالت:

-       خلاص sorry، كمل كلامك.

 

حاول التغلب على تردده مما سيترتب عليه نتائج هذا أو ذاك وأكمل حديثه لها:

-       أنا عارف إني اتسرعت وحطيتك قدام الأمر الواقع بس احنا رجعنا متجوزين، وقدامنا حل من اتنين.. يا إمّا أطلقك الطلقة التالتة ويبقى مستحيل نرجع لبعض ومش هارضى غير بالقضية وده هيبقى أسرع لأن بعد الطلقة التالتة كل حاجة حرفيًا هتتغير وهتبقى أصعب وهتقومي معايا تفهمي هتعملي إيه يوم ما تتسألي أسئلة ليها علاقة بالتفاصيل بتاعت القضية، يا إمّا..

 

تريث لبرهة ليستدعي كامل انتباهها الذي كان متواجد بالفعل وقطبت جبينها نحوه باستفهام فواصل:

-       نحاول آخر مرة!

 

قضمت شـ ـفتاها المصبوغتان بتلك الحُمرة اللعينة التي تحرضه على أفعال حميمية لن ترأف بها وستجعلها تصرخ حتى تفقد المقدرة على التحدث بصوت مسموع ليومين على الأقل بعدها وتراجعت بجلستها وهي تضيق عينياها نحوه وسألته:

-       تقصد يعني إننا نرجع متجوزين وعايشين حياة طبيعية و

 

قاطعها وهو يومأ بالموافقة على ما كادت أن تقوله وأكمل بدلًا منها:

-       جواز وعلاقة عادية بكل الوحش والحلو اللي فيها!

 

تحركت بتوتر وهي ترفع شعرها للأعلى ثم مسدت ثوبها وعدلت من جلستها لتصبح ساقها السفلى هي العليا الآن وشردت بتفكير فتريث دون أن يُزيد على كلماته أو يُشعرها بأنه يقوم بإجبارها على أي شيء فهو يعرف كيف كانت تُفكر بكل ما يقوله طوال الشهور الماضية وأشعل واحدة من لفافات تبغه وهو يتوقع أنها ستنعته بالكاذب والمُدلس ومراوغته التي لا تنتهي وأن الأمر بات بالنسبة له كجزء لا يتجزأ من شخصيته فلقد قال ذاك وكذب به وستأتي بآلاف من الأمثلة وسيتحول الأمر لجدال لن ينتهي سوى بعد أربع ساعات من الآن فتفقد الوقت بساعته التي يرتديها ليجدها عبرت الثانية والنصف صباحًا ولكنها أدهشته بسلسلة من الأسئلة في تتابع لم يعهده عنها بمنتهى الهدوء الذي جعله يرتاب:

-       والمفروض أرد عليك امتى؟

 

اجابها بنفس هدوئها وبدون أي تفاصيل كثيرة:

-       دلوقتي عشان أنا مش عارف الأيام الجاية هتمشي ازاي وأنتِ عارفة إن محدش مع بابا غيري.

 

همهمت بتفهم وشردت مرة ثانية ثم نظرت له بجدية وسألته:

-       يعني أنت مستعد دلوقتي نرجع لبعض ونبقى متجوزين ومفيش ولا قضية ولا أي مشاكل؟

 

أومأ لها بالموافقة وعقب بما قل ودل:

-       آه، بس هتوقع منك نفس الكلام.

 

ضيقت ما بين حاجبيها بتفكير دام لجزء من الثانية وتعجبت دون المبالغة لا بسخرية ولا بتهكم ولا استنكار لكلماته حتى شعر بأنه مشتت بفعل هدوئها الشديد:

-       اشمعنى واثق المرة دي بالذات إن جوازنا ورجوعنا لبعض هينفع وهينجح وهيبقى منطقي أصلًا؟

 

بالرغم من شعوره الضئيل بتأنيب الضمير على ما يود الوصول له معها ولكنه أكمل تزييفه وكذبه المحض بما قاله وقلب شـ ـفتاه مدعيًا أن هذا هو الحل الوحيد وقام باحتجازها بزاوية لن تستطيع الإفلات منها:

-       عشان تصرفاتك في الفترة الأخيرة اتغيرت، اللي كانت في حضني من شهر وبتعيط ومش عايزة أصلًا تحاسبني على اللي فات وسامحت في حقها وبترجعلي كل اللي اخدته مني ووقفت جانبي في آخر نوبة جاتلي بتثبتلي إنك لسه بتحبيني وعندك استعداد تحاولي معايا.

 

تنفست بعمق ولاحت مشاعر عدة توضح صعوبة ما رأته وما مر عليها بتلك المواقف بينما استنشق بعض التبغ ونفثه مكملًا بتساؤل:

-       ولا أنا مبقتش بفهمك ولا أعرفك واللي أنا فاهمة ده غلط؟

 

توترت ثم انتزعت ما تبقى من لفافة تبغه من بين اصبعيه ونهضت وهي تخبره باقتضاب:

-       سيبني أفكر.

 

مشت صوب منزلها ولم يشعر أنه حصل على رد منها وتركته كالمعلق بين هذا وذاك وعلم أنه لو اجبرها بطريقة مباشرة على القضية قد تندفع وتُفسد كل شيء بمجرد قولها حقيقة مرضه صراحةً بنظرتها الطفولية المثالية بأن الصدق هو الأفضل، فكان عليه أن يُجبرها بطريقة غير مباشرة أن تقص كل ما سيحدث بمنتهى المنطقية والصراحة وستكون جريمته كاملة بالخطف والتحايل عليها وليس هناك ما سيُثبت حقيقة كونها زوجته مرة أخرى!

 

كاد أن يتبعها ولكنه نظر حوله سريعًا فاتجه صوب منزله وقام بتعطيل كل كاميرات المراقبة وبهذا كانت النهاية لكل ما تم تصويره، ولتثبت وقتها كيف ومتى قام بردها إلى عصمته، لا يتمنى سوى أن يكون بأفضل حالاته وقتها بعيدًا عن النوبات اللعينة التي قد تُفسد كل شيء.

 

عاد من جديد بعد أن أحضر مفتاح الغرفة بالأعلى واختار أن يقوم برن الجرس بدلًا من فتح الباب بنفسه فقامت هي بفتحه وتفقدته وهي تُمسك بكوب من القهوة السريعة وتتفقده بملامح كانت تتجلى بالحيرة التي تلتمع بعينيها فزفر بضيق وقبل دخوله سألها:

-       قررتي إيه؟

-       لسه بفكر، وادخل عشان مش هاقعد برا في الحر ده تاني.

 

آتى ردها فوري وكأنها كانت مستعدة له فتبعها وهي تتجه نحو المطبخ وحاول ألا ينظر لها كلما سنحت الفرصة فهو على وشك تدمير رباطة جأشه تجاه ما يبتغيه منها ولكنه قرر بخبث دفين لن يتخلص منه أبدًا ولطالما سيستخدمه كلما لزم الأمر وسألها:

-       أنتِ بتشربي نسكافيه دلوقتي فعلًا؟

 

التفتت نحوه بلمحة سريعة واجابته وهي تقوم بغسل الملعقة التي استخدمتها منذ قليل:

-       أحسن ما اشرب حاجة تانية واسكر.. تحب اعملك؟  

 

فشل في عدم متابعتها بعينيه وأجاب باقتضاب:

-       لا أنا بطلت شُرب كافيين بليل.. أنا هاعمل حاجة تانية.

 

اتجه ليتفقد ما تحتوي عليه خزانة المشروبات الساخنة السريعة لعله يجد ما يهدأ من رغبته أو يُصيبه بالنوم فتناولت عبوة بلاستيكية باردة من المياه ووقفت مستندة على تلك الجزيرة الرخامية التي تنتصف المطبخ وتابعته لتقول باستخفاف غير مبالغ فيه:

-       أنا بشرب نسكافيه وانت بتعمل اعشاب بعد ما كنا بنسكر.. تفتكر التغير ده كفاية إننا ننجح في جوازنا أصلًا؟

 

همهم متنهدًا وهو يحاول تقسيم تركيزه بين ما يفعله وبين ما سألته وقال باقتضاب:

-       يعني، ممكن.

 

تفقدته بنظرات استفهامية قد لمحها سريعًا بنظرة جانبية بعد طوال صمتها واستفاض بكلماته ليشتت تركيزها ويُلفت نظرها لأشياء أخرى ستجعلها في نهاية المطاف مقتنعة اقتناع تام بما يريد الوصول له لينتهي أمرهما في النهاية مكسورة القلب بعدما يُصبح في عينيها خائن للعهد وكاذب للمرة المائة بعد الآلف ووقتها القضية ستكون أكثر شيء منطقي قد تلجأ إليه وبداخلها ستكون الرغبة الانتقامية تحتوي كل ما بها:

-       هو طبعًا مش السبب الوحيد لنجاحنا مع بعض في الآخر إننا بطلنا نشرب زي الأول أو بنحاول منعملش ده، هي حاجة كويسة ليكي ولنفسك إنك تبطلي شرب كتير قبل ما تفكري أصلًا ترجعيلي ولا لأ، وأنا نفس الكلام، إني أكون كويس في العموم سواء أنتِ معايا ولا لأ ده هيفدني على المستوى الشخصي.. فنجاحنا مش هيتوقف على اننا بطلنا ولا معناه إنك لو شربتي مثلًا في مرة بعد ما نرجع لبعض يعني لو كان ده اختيارك اننا كده خلاص فشلنا خلاص، بس أقدر اقولك إنه أيوة، لو ده بقى المبدأ عمومًا في تصرفاتنا، ده سبب كفاية إننا يرجعنا لبعض ويخلينا ننجح..

 

قام بسكب المياه المغلية على هذه الحقيبة الورقية الصغيرة التي تحمل بعض الأعشاب وانتهى ليتفقدها بنظرات تلقائية دُس خلفها رغبته بها وحاول أن يبذل قصارى جهده في ألا تكتشف ما يسعى إليه ليُدرك أنها تُفكر بكلماته باستغراق فأطنب بالمزيد:

-       بصي، احنا الاتنين لو متغيرناش بعد علاقة زي علاقتنا بكل الاحداث اللي فيها يبقى احنا الاتنين في قمة الغباء، ده اللي أنا وصلتله بعد تفكير طويل، بعد آخر مرة شوفتك فيها قبل الفرح، مش هانكر إني ندمت على أسلوبي معاكي في العربية والمفروض كنت أفكر بهدوء شوية ومردش في ساعتها واصمم على القضية بالشكل ده من غير ما أوضحلك كل أسبابي ووجهة نظري، وبرضو مش هانكر إنك حاولتي تتغيري ولسه بتحاولي.. لما حاولتي بعد أول طلاق إنك تتعالجي في المصحة وتركزي في شغلك عشان تكبريه وبعد لما جيتلك في عيد ميلادك رجعتي تروحي لمريم تاني وتتعاملي بهدوء معايا، وأنا كمان بحاول على قد ما اقدر اتابع جلساتي واخد دوايا واتمسك بكل حاجة تبعدني عن الاكتئاب أو الهوس وخصوصًا بعد آخر نوبة.. فعلاقتنا ببعض لو مخلتناش نبقى ناضجين ونتغير بسببها ونبقى بنفكر بعقل في كل حاجة وبنتصرف بطريقة منطقية ونبعد عن التصرفات الغلط اللي نتايجها سلبية وبنسامح وبندي فُرص وبنحاول يبقى مستفدناش حاجة وزدنا غباء ومرض مش أكتر.

 

الدفعة الكاملة من المعلومات التي لا تتركها سوى مقتنعة بوجهة نظره وتوالي غريب لكل ما يقوله، تقسم أنه نفس الرجل الذي وقت بعشقه يومًا ما مهما مرت السنوات سيبقى كما هو دون تغيير.

 

انطلقت كلمة واحدة باقتضاب لتُعلق بها على كل ما قاله قبل أن ترتشف من كوبها:

-       فيلسوف!

 

ابتسم على ما قالته وارتشف هو الآخر من مشروبه الساخن وعقب بهدوء جاذبًا إياها بخبث خفي للمزيد من الحديث الذي سيرهق عقلها:

-       مش كده أحسن؟ فيلسوف بيتعالج أحسن من فيلسوف مريض؟!

 

رمقته للحظة وهي لا تدري بم عليها أن تجيب لتتنهد متسائلة:

-       والفيلسوف اللي بيتعالج شايف ازاي إن محاولتنا الأخيرة هتنجح؟

 

تنهد بعمق وحافظ على المسافة بينهما وامتن لكونها تُفكر حقًا باقتراحه وأجابها بثرثرة لن تنتهي على الإطلاق أو هذا هو هدفه:

-       أنا عن نفسي استفدت من علاقتنا سوا، شوفت نفسي بطريقة تانية، واحنا اتنين كان عندنا علاقة بجد، مكنتش صغيرة أوي من ناحية الوقت يعني، شوفنا أهالينا، عرفنا تصرفات بعض، بقينا بنقدر نفهم بعض بسهولة من مجرد بصة واحدة لدرجة اننا مش محتاجين نتكلم أحيانًا، أنا عرفت كويس أنا عايز ايه في الست اللي هتكون مراتي وأنتِ كمان جربتي يعني ايه علاقة كاملة بواحد تاني وعرفتي أنتِ عايزة إيه في اللي هتتجوزيه، كل واحد فينا عارف هو ممكن يقبل إيه وميقبلش إيه وإيه اللي بالنسباله خط أحمر.. أكيد احنا الاتنين غلطنا، وأنا غلطي كان أكبر من غلطك بكتير بس مفيش حد مبيغلطش، فلو بتسألي ازاي جوازنا هينجح فاحنا مقدمناش حل غير الصراحة من دلوقتي عشان الموضوع يكمل في الآخر.. دورك ودوري اننا نتفق على كل حاجة بوضوح بالتفصيل عشان منجيش نعاني قدام وأنا اتضايق واتعصب وانتِ تزعلي واضطر اخليكي تكدبي وتخبي.. تعالي دلوقتي نتفق على كل اللي أنتِ عايزاه وكل اللي أنا عايزه عشان قدام ميحصلش اختلاف.. وخصوصًا بعد اللي مرينا بيه لازم تكون كل حاجة واضحة!

 

تبًا لثرثرته، لقد فرغت الكوب بالفعل وهي تشعر بأنها في حاجة للمزيد، ولكن لو بدأت هذه الثرثرة لن ينتهي به المطاف سوى بمزيد من الكلمات لمدة أيام على الأقل ستُكسبها وقت قبل القضية، ليذهب اتفاقها مع "مايا" للجحيم، ستقوم بتأجيل السفر المزعوم!

 

ليُدلي بالمزيد إذن، ما الذي يريد أن يثرثر به؟!

-       وهو أنت إيه بقى اللي أنت عايزه وعايزنا نتفق فيه؟ مش لسه بتقول بقينا فاهمين بعض ومتفقين واتغيرنا؟! مظنش فيه حاجة أصلًا معرفنهاش عن بعض!

 

تابعها وهي تقوم بغسل الكوب وابتعد قليلًا حتى لا يسد طريقها وارتشف من كوبه وأجابها:

-       لا طبعًا فيه وخصوصًا إنك بتقولي اننا اتغيرنا أو بنحاول نتغير، بعد ما بقيت بشوف نفسي بطريقة تانية ووجهة نظر تانية أهدافي نفسها اتغيرت، عمر بتاع زمان اللي أجبرك تتجوزيه مش هو نفس الانسان اللي بيكلمك دلوقتي وبيقولك تختاري إيه وعايز يحاسب نفسه بقضية ياخدله فيها عشر سنين ومقدر كل اللي عملتيه عشانه.. فلو بجد اختيارك إننا نحاول تاني سوا فأكيد هيبقالي أهداف تانية معاكي وتصرفات وحاجات اقبلها أو مقبلهاش والعكس صحيح.

 

عقدت ذراعيها ووقفت لتواجهه وسألته باستخفاف:

-       دي حاجات إيه دي؟

 

ضيق عيناه نحوها وتناول من كوبه المزيد ثم أخبرها:

-       تعالي نقعد عشان كلامنا هيطول.

 

لوهلة سيطر التفكير السلبي على عقلها وهي تظن أنه يحتال عليها بأمر ما ولكنها منعت عقلها أن يذهب إلى هناك وحاولت تبني مبدأ القبول الذي حدثتها عنه "مريم" بجلسة من جلساتهما تجاه الآخرين دون اندفاع وتسرع وتبعته حيث جلس على الأريكة التي تقع أمام الشاشة بغرفة الجلوس وجلست على مقعد قريب منه وانتظرت رده الذي آتى بعد برهة جعلتها ترتاب ومن جديد كانت تمنع نفسها بأعجوبة:

-       لو احنا فعلًا هنحاول تاني مع بعض، مش هبقى نفس الشخص اللي ساكت أول جوازهم واقولك إني سا دي أول أحاول معاكي بطريقة مش صح لأسباب مش صح في دماغي، وأنا فهمت إن ده اضطراب بحت وإني لازم اتخلص منه.. وأنا دلوقتي بحبك مش هقول أنا متجوزها عشان شبه حبيبتي القديمة اللي خانتني.. ولكن بعد كل اللي حصل ما بيني وبينك وبعد اللي احنا وصلناله فيه حاجات لازم تكون واضحة قدامك وزي ما أنا هوعدك بحاجات أنتِ كمان لازم توعديني واحنا الاتنين نلتزم بده.

 

لقد حصل على انتباهها قليلًا ولكن الكلام يبقى في النهاية مجرد كلام إلى أن يثبُت النقيض وهي تظن أنها مرت بالأسوأ معه على كل حال فتركته يُتابع:

-       أنا إنسان مريض، والحياة معايا صعبة مش سهلة، لازم التعامل معايا يكون فيه تقدير شوية لحالتي وفي نفس الوقت أنا مش هاقدر اضغط عليكي لدرجة تبقي فيها مخنوقة مني فلازم الوقت اللي أكون أنا كويس فيه اديكي مساحة تتنفسي فيها شوية بعيد عن مسئوليتي. مش بقول اديكي مساحة يعني نبعد عن بعض ولكن لو مفصلتيش كل شوية مش هتقدري تواكبي الحياة معايا.. فلازم يبقى زي ما أنتِ ما بتقدري حالتي أقدر كمان حُريتك ومحملكيش أكتر من طاقتك لأنك غصب عنك إنسانة وهيجي عليكي وقت هتزهقي ده غير طبعًا اللي أنا عملته معاكي وأنتِ سامحتي فيه وأنا مش شايف أصلًا إن ده في حد ذاته تصرف مش صح!

 

تابعته باهتمام وهي تستند برأسها على يـ ـدها على المقعد خلفها وتفقدته باهتمام ولم تقل شيئًا بينما قرر هو الإطناب بالمزيد:

-       مش هاقدر احكم على الفترة اللي فاتت من حياتك إن ده خلاص بقى أسلوبك وشخصيتك لأنه كان وقت صعب عليكي وأنا السبب في ده وكنت ساكت مبعلقش على تصرفاتك لأني فعلًا كنت واخد إن ده مش جواز وإني ماليش الحق في إني اقولك تعملي ايه ومتعمليش ايه، بس فيه حاجات استحالة أقدر اقبلها لو هنحاول فعلا، زي يعني مثلًا دايفيد اللي بتشتغلي معاه ده مش هاقبل مراتي تبوس وتحضن فيه لا هو ولا غيره، مش هاقبل واحدة متحترمنيش وتعلي صوتها عليا، ولا هاقبل حركاتك مع بابا وماما حتى لو كانوا هم غلط، مش هاقبل تكوني برا البيت وتشربي كتير وترجعي البيت سكرانة، مش هاقبل إن مراتي اللي عارف إنها عانت من حاجات كتيرة متكملش علاج، وأكتر حاجة مش هاقبلها لأنها هتوجعني وهتودي علاقتنا لطريق مسدود هو الكلام عن كل الماضي اللي ما بينا.

 

سكت وهو يتفقد ملامحها ليحاول استشفاف إلى أين يتجه معها فسألها:

-       أنتِ بتسمعيني ومقتنعة ولا بتسمعيني عشان تتريقي في الآخر؟

 

اشارت بكفها وهو تجيبه بتلقائية:

-       لا كمل عادي عشان مقاطعش كلامك ولما تخلص عرفني وهقولك ردي إيه، بس مش هتريق متقلقش.

 

ربما سيكون هذا بمثابة إلهاء لعقلها بأنه حقًا لا يعرف قرارها وكأنه يحاول بمصداقية أن تنجح علاقتهما فعاد لحديثه مرة أخرى وتابع من حيث توقف منذ لحظة مرت:

-       بعد كل تفكيري وكلامي مع مريم أنا حددت إيه أكبر مشاكل عندي، أنتِ وبابا أكتر اتنين بيأثروا عليا في حياتي، وطبعًا الأوقات الصعبة اللي عيشتها واحساس إني مجبور أكمل شغلي وأفضل محامي ومجرد تفكيري في ماما، فلو أي حاجة من دول هتبقا علاقتي بيهم مش كويسة زي مثلًا مواقف تفكرني باللي حصلي أو أي مشاكل معاكي أو مع بابا ده هيخلي تصرفاتي مش كويسة وساعتها أنا وأنتِ هتمر عليا فترة مش حلوة والمشاكل والخناقات مع حالتي مش هتوصلنا غير لطريق مسدود، الكلام ده باختصار كده أهم حاجات بتضايقني وبيبقى ليها رد فعل مني سلبي.. أنا فيه حاجات من زمان اتجاوزتها زي الحادثة وأنا صغير اللي حصلتلي في البلد، علاقتي بماما برضو وضحتلي شوية، علاقتي بيمنى من الحاجات اللي عدت خلاص وسيرتها مبقتش بتضايقني، شغلي كله بيعته وبقيت مش أكتر من مُساهم بشكل غير مباشر وليا نسبه من الأرباح مش أكتر، وبابا حتى لو كمل الكيماوي أنا عارف نهايته هتكون إيه..

 

اختلف الأمر هُنا من تزييف لمصداقية شديدة لصعوبة تصديقه بأن والده سيرحل عنه عاجلًا أم آجلًا وخصوصًا وصوله لهذه المرحلة بمرضه ليُتابع:

-       فتقريبًا كده مبقاش فاضل غيرك أنتِ..

 

أومأت له بتفهم ولأول مرة في حياتها ترى حديثه منطقي بعيدًا كل البُعد عن أشياء غير مفهومة بالنسبة لها ودام الصمت فيما بينهما لمدة ليست بقليلة إلى أن قاطع سكوتهما معلنًا باستفهام:

-       كده أنا خلصت، تحبي تسألي عن حاجة تانية أو فيه حاجة بالنسبالك مش واضحة؟

 

تشتت عيناها بشرود في تفاصيل حولهما لتطنب بتفكير بينها وبين نفسها لتقول في النهاية:

-       لو حاولنا ومنجحناش واتطلقنا، أنت هتفضل مصمم على القضية؟

 

هز رأسه بالنفي لتشعر بتخدر عقلها من شدة التفكير بعد كل ما استمعت له وسألته:

-       أنت فعلًا خلاص بيعت الشركة بتاعتك؟

 

همهم بالموافقة فتفقدته بتعجب وسألته مجددًا:

-       طيب أنت ناوي تعمل إيه في حياتك عمومًا الفترة الجاية، كشغل يعني بعد مبقتش بتشتغل؟

 

فكر لبرهة ليجد أطول إجابة ممكنة ستشتتها أكثر ولن يتركها حتى يُصبح عقلها غير قادرًا على مواكبة كلماته وأجابها:

-       أنا لغاية ساعتين تلاتة فاتوا كان تفكيري إني هتسجن فحولت أغلب فلوسي لعملة تانية وشيلت الفلوس دي برا بعد ما جمعت أكبر سيولة وبعت الطيارة وبعت كل حاجة تقريبًا ملهاش أي لازمة كاستثمار، بس لو أنتِ اختارتي إننا نحاول آخر مرة هضطر اصبر على الأقل سنة وأشوف احنا رايحين فين في جوازنا وعلاقتنا إذا كانت هتنجح أو لأ، ممكن ساعتها أفكر في المزرعة اللي كنتي اقترحتيها عليا في يوم وهيبقى قدامي وقت كويس أعمل فيه دراسة جدوى واحاول افهم اكتر قبل ما ابتدي مشروع زي ده!

 

قلبت شــ ـفتاها بالاستحسان لما تستمع له منه وفاجأها متحدثًا باستفهام:

-       وأنتِ؟

 

تعجبت من سؤاله فأجابت مستفسرة:

-       أنا ايه؟ تقصد هغير شغلي يعني؟

 

هز رأسه بكلا ووضح لها مقصده باستفساره السابق لغاية في نفسه أراد الوصول إليها:

-       أنتِ بعد علاقتنا دي وصلتي لأي حاجة عرفتيها عن نفسك؟ عرفتي ايه اكتر حاجات بتضايقك؟ أو عايزة إيه ومش عايزة إيه عمومًا مع اللي قدامك؟

 

اختلفت جلستها وهي تستغرب سؤاله ولكنها امتنت لسؤاله إياها ولاهتمامه في المطلق بأمر كهذا لا تتمنى فقط سوى مصداقيته وعدم اقتران نيته بسوء، فلقد كان يحدثها هكذا بالسابق لمرات ومرات ولكنه لم يفعل خيرًا بما نما لعلمه يومًا ما فأجابته بعد تفكير:

-       عرفت إني انسانة سطحية ومندفعة وبخاف من حكم الناس بس عشان أنا كمان بحكم على اللي قدامي من غير ما أعرفه سواء بسلبية أو إيجابية وده غلط، وفاكرة إني زي ما عديت موت بابي واتعاملت مع الحياة عادي فخلاص كده هقدر على أي حاجة بس مفكرتش إن ده ممكن ياخد من عمري ومجهودي ويسيب أثر مش حلو في نفسيتي..

 

لم تستطع التحكم في الحزن الذي اختلط بنظراتها المُعاتبة له وتابعت بسخرية:

-       وعرفت إن لو مش كل حاجة بتحصل حواليا زي ما أنا عايزاها بالظبط عمري ما هكون مبسوطة، يعني يمكن لو بتقول على حد فينا dominant (مسيطر) بجد يبقى الحد ده هو أنا مش أنت..

 

ضيق عيناه نحوها مبادلًا إياها ابتسامة أخرى كانعكاس لابتسامتها التي ارتسمت على شـ ـفتاها وصححت ما قالته:

-       يعني نقدر نقول controlling (مسيطر برضو) شوية احسن من dominant، يمكن الفرق إني بحاول اتحكم في الحاجات المنطقية مش بتحكم في الناس اللي حواليا وخلاص، يعني مش عارفة اوضحلك أوي بس آه فيا الحتة دي وممكن تكون حاجة حلوة ووحشة في نفس الوقت بس أنا اتعودت اخد اللي أنا عايزاه وميتقليش لأ على حاجة.. ويمكن دي كانت مشكلتنا أصلًا، إنك عايز كل حاجة حواليك تبقى تابعة ليك وبتاعتك وعايزني أنا مثلًا اوافقك على كل حاجة على حسب مزاجك بقى متعصب أو كويس أو متضايق عايزني ابقا فجأة اتحول للي أنت عايزه واتقبل ده.. فاهم حاجة ولا لأ؟!

 

هز رأسه بالموافقة ولانت ابتسامته وهو يتفقدها بعشق، لم يعد به المقدرة على صد مشاعره لها، كانت منذ قليل تُقارب على فقد عقلها بفعل ثرثرته التي لا تنتهي ولكن مجرد استجابتها له وسهولة استرسال الحديث معها وقبولها للتحدث معه تجعله يشعر بالذنب على ما يفعله والخوف على كل ما سيفقده، لو بحث لمدة ستة وثلاثين عام مقبلة لن يجد امرأة تستجيب له في كل شيء مثلما تفعل هي!

 

همهمت وهي تحدق به ثم سألته باستغراب:

-       هي ايه البصة دي؟

 

هز رأسه بأنه ليس هناك شيء وقال باقتضاب:

-       مفيش، كملي كلامك.. 


تابع قراءة الفصل