رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه - الفصل 67 - 3
رواية كما يحلو لها
الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه
رواية جديدة كما يحلو لها
تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى
من قصص وروايات
الكاتبة بتول طه
النسخة العامية
الفصل السابع والستون
الجزء الثالث
حاولت أن تتحمل تلك النظرة منه التي تتركها بانطباع طويل المدى بأنها المرأة الأفضل بين النساء وهمهمت بتفكير وهي تحاول أن تتذكر أين توقفت لتواصل:
-
هي الفكرة في إني أخد اللي عايزاه إنها
بتخليني عمومًا عارفة حياتي هتمشي ازاي، مبحبش أعيش وأنا حاطة نفسي تحت ضغط فكرة
يا ترى هيحصل إيه بكرة أو بعده أو بعد سنين.. ودي من الحاجات اللي عرفتها بعد ما
اتجوزنا، مبحبش يتقالي لأ عشان لأ وخلاص واقعد ابني عليها أفكار واتعب دماغي
بالتفكير، يعني على الأقل ابقى فاهمة ليه اللي قدامي مش عايز يديني اللي أنا
عايزاه أو يعمل اللي أنا عايزاه..
همهمت بتفكير مرة أخرى وهي تتذكر اسئلته
لتتنهد وتحولت ملامحها للانزعاج لكونها ستدلي بالتالي:
-
بقيت هجومية اوي بعد كل حاجة حصلت ما بينا،
بحاول أهدى شوية في الموضوع ده بقالي أهو اكتر من سنة ونص بس ممكن يطلع مني في أي
لحظة!
تفقدها مطولًا وسألها لغاية في نفسه:
-
لسه بتشربي؟
اجابته بدون تفكير:
-
لا، اخر مرة لما كنا في الساحل وكلمتني عن
القضية ومن ساعتها مشربتش تاني..
نهض وأخرج المفتاح من جيبه وناولها إياه ثم
أخبرها:
-
طيب روحي غيري هدومك وتعالي عشان نكمل كلامنا
اللي مبيخلصش ده!
تناول الكوب الذي فرغ لكي يُعيده إلى المطبخ
فتبعته وهي تتعجب:
-
هو أنت إيه حكايتك مع هدومي النهاردة؟
لم يلتفت نحوها واكتفى بالرد بنبرة ذات مغزى
يُدرك أنها ستفهمها تمامًا:
-
عشان مبفكرش غير في إني اقلعهالك بنفسي!
ابتسمت على ما سمعته وسألته بنبرة ماثلت
نبرته:
-
ايه مش عارف تتحكم في نفسك؟
التفت لينظر لها بتلاعب وحدثها بمكر:
-
كنتي بتقولي إنك بقيتي هجومية ومبتعرفيش
تبطلي تتحكمي في اللي قدامك وميتقالكيش لأ، إيه أطول فترة عدت عليكي من غير ما
تعملي كل ده؟
قضمت شـ ـفتاها وعقبت باقتضاب:
-
أوك، fair enough
(تعبير كده لوكشة واحدة ان الكلام منطقي أو معقول أو منصف بما فيه الكفاية)
التفت نحوها بعد أن جفف الكوب ووضعه بمكانه
وأخبرها مستفهمًا بمكر:
-
أنتِ مبسوطة اوي وبتستغلي الموضوع ده مش كده؟
اتسعت عيناها بذهول وأخبرته بابتسامة معترضة:
-
أنا! لا مش بستغل حاجة.. مش هاكدب أنا آه
فعلًا عملتها مرة زمان لما كنت عايزة ادخل الأوضة بس دلوقتي لأ!
همهم بتفهم واقترب نحوها بنظرة تهديد نوعًا
ما وسألها بخبث:
-
طيب معاكي المفتاح وعارفة نيتي، ناوية تفضلي
كده لغاية ما أعمل اللي أنا عايزه قبل ما تاخدي قرارك براحتك ولا هتطلعي تغيري وترجعي
نكمل كلامنا بأسلوبنا الكويس الهادي ده؟
تراجعت وهي تخبره بدلال فطري ذكرته كم كان
يشتاق له:
-
خلاص هروح اغير من غير كلام كتير!
توجهت فورًا للأعلى وتبعتاها عيناه بحسرة على
ما سيحدث وسيصل له عما قريب وأدرك بداخله أنها ستكرهه للغاية، المرة السابقة كرهته
لعام ونصف، ربما هذه المرة ستكرهه للأبد!
❈-❈-❈
عودة للوقت الحالي..
لم تفرق "مايا" عناقها لها وعقبت على
ما استمعت له منها:
-
يا بنتي انتي هبلة، ما أنتو كنتو لسه
بتتكلموا لواحدكم من ساعتين تلاتة، هتهروا وترغوا في إيه تاني؟
نظرت لها وفرقت عناقهما بعسليتين يتضح بهما
التردد بعدما تذكرت العديد مما حدث بتلك الليلة:
-
عمر كان لسه مزاجه مش رايق، لسه شايف ريان
ولسه أول مرة كل الناس دي تكون حواليه.. اعتقد لو اتكلمنا في وقت تاني هاعرف أوصل
معاه لقرار!
اتسعت عيناها بالانزعاج مما تستمع له وقالت
باستسلام:
-
انتو جوز مجانين تعشقوا الهري زي عينيكم..
بجد تعبت من طريقتكم!
تفقدتها بلوم ودافعت عن اقتراحها باِستماتة:
-
صدقيني أنا عارفاه كويس أكتر من أي حد، حتى
لو لفترة هيتعامل معاه لو هيسافر فعلًا فكفاية اوي إنه يكون ليه دور في حياة ريان
ولو صغير.. أنا موافقة أن علاقتهم تبقى مجرد مكالمات أو video calls.. هتبقى أحسن من مفيش!
تنهدت وهي تقلب شـ ـفتاها وأخبرتها باقتضاب:
-
مش عارفة!
حاولت أن توضح لها المزيد مما اختبرته معه
لمرات وأطنبت قائلة:
-
هي دي نفس الطريقة مع عمر لما أقنعني بعد
الجواز إننا هنكون أحسن وهنبتدي صفحة جديدة وكمان في الوقت اللي حملت فيه في ريان
اللي ابتدى بسبب نفس الليلة يوم فرح عنود، ما أنا حكيتلك يا مايا كل الكلام ده..
عمر غصب عنه بيتعلق باللي قدامه لو قريب منه لو بس دماغه لانت شوية من ناحيته
وقبله، ومفيش حد في الدنيا هيلين دماغه قد ريان! على الأقل دي تُعتبر فرصة وساعتها
هخلص ضميري وهبقى حاولت مرة واتنين.
نهضت وهي لا تتفق معها على ما قالته وقررت
الاستسلام فهي تعرف أنها لن تتوقف إلا بعد فعل ما تُريده فأخبرتها باستفهام:
-
أنتِ حُرة طبعًا، بس إيه اللي يضمنلك إن حاجة
زي دي هتنفع؟
تفقدتها بقليل من التردد وتريثت لبرهة ثم
اجابتها متسائلة دون انتظار إجابة فعلية:
-
مايا انتي مشوفتيش عمر بيبص لريان ازاي وهو
خارج عنده من البيت؟ أنا حاسة إنه محتاج وقت بس مش أكتر.. يمكن لو اديته وقته
واتكلمت أنا وهو في وقت مناسب نوصل لاتفاق.. مش لازم علاقة بريان كاملة يعني.. بس
على الأقل يبقاله وجود ولو بسيط في حياته! وزي ما قولتلك هتبقى محاولة مش أكتر!
أومأت لها بتفهم وأخبرتها:
-
خلاص براحتك، أنا هادخل أنام عشان الساعة بقت
تلاتة.. هتيجي تنامي ولا إيه؟
ردت بملامح منزعجة مما تشعر به ومما حدث طوال
اليوم واجابتها:
-
لا مش جايلي نوم.. شوية كده يمكن القاعدة في
الهوا دي تنيمني..
-
طيب خلاص، أنا هادخل، تصبحي على خير.
-
وأنتِ من أهله.
تركتها وغادرت لتحاول أن تفكر بمنطقية وهي تضع
عدة حلول إذا كان هو رافض لمبدأ تواجده معه طبقًا لحالته ومرضه ولو أنها تعرف أنه
لم يواجه أي نوبة هوس له بسجنه بعد تلك الأخيرة التي كاد أن يقـ ـتل بها والدته وأخيه
بل كل ما واجهه كان اكتئاب يزيد وينقص ثم يشتد وهكذا طوال أربع سنوات كاملة، هذا
معناه أنه بات يتحكم بالأمر، لماذا الرفض إذن؟!
تناولت هاتفها وهي تحدق به ولم تستطع حسم
قرارها بالكامل في تحديد التوقيت المناسب لكي تتحدث له مرة أخرى لتطفأ الشاشة مرة
ثانية وشردت لدقائق توالت عليها وهي تتوقع وقوع أسوأ شيء لو اقترب
"ريان" من "عمر" وفي النهاية قامت بالاتصال بـ
"يحيى" لتناقشه في الأمر وبعد أول اتصال لم يجب عليها!
استغربت قليلًا، هي تعرف أن الوقت قد تأخر
وأنه لابد من أن يكون نائم الآن ولكن على الأقل سيستمع للهاتف وسيجيبها فحاولت مرة
أخرى وعند وصولها لمنتصف الرنين آتاها صوته المستغرق في النوم:
-
نعم يا روان فيه حاجة مهمة مصحياني عشانها؟
تنهدت وهي تجيبه:
-
آه، بصراحة عايزة أتكلم معاك في موضوع كده
واخد رأيك فيه.
همهم باستياء وصوته الناعس لم ينقل لها سوى
التخلي التام عنها:
-
موضوع ايه بس اللي اصحاله الساعة تلاتة وانا
مكملتش ساعتين نوم.. نبقى نتكلم بكرة يا حبيبتي لما اصحى. تصبحي على خير.
قبل أن ترفض شعرت بأنه قد أنهى المكالمة فنظرت
بهاتفها لتجده قد فعلها حقًا ولم يستمع لما لديها لتشعر بأنها ستنفجر غضبًا من تلك
اللامبالاة التي يتعامل بها وكادت أن تصرخ بشدة من تلك الطريقة التي تجعلها تجن ولكنها
حاولت التنفس بعمق وهي تنهض آخذة عدة الخطوات ذابًا ومجيئًا أمام المقاعد ليتوقف
نظرها على منزله الصغير فذهبت بخطوات غاضبة تجاهه ثم زفرت بعمق وأغمضت عيناها
لبرهة بعدما حاولت استلهام بعض الهدوء وقررت ألا تتوقف عن رنين الجرس حتى تراه
ويُحدثها في الأمر وتبًا للتوقيت المناسب..
أفضل طفل بالكون بأكمله يقع على بُعد خطوات
منها ولن يستيقظ غدًا إلا وهو يملك أب يتعامل معه بطريقة جيدة شاء أم آبى هذا ولن
تقبل سوى بذلك..
توقفت عندما رأت ملامحه الناعسة وشعر رأسه
المبعثر بينما كان يتفقدها باستفهام فحاولت تكوين جُملة منطقية لتقول بعد تردد:
-
أنا عايزة أتكلم معاك!
حاول كتم تثاؤبه بكفه ثم سألها:
-
عايزة تتكلمي دلوقتي الساعة تلاتة الصبح؟
صممت على ما تريده واجابته باقتضاب:
-
آه!
همهم وهو يضرب برأسه لعدة مرات متتالية جانب
الباب بعدما شعر أنها لن تتركه وشأنه فسألها:
-
ناوية ترغي؟
رطبت شـ ـفتاها وهي تُفكر:
-
على حسب هنتناقش ونتفق بسرعة ولا هتفضل توديني
وتجبني في الكلام!
أغمض عيناه لجزء من الثانية ثم قام بإضاءة
أنوار منزله وأخبرها وهو يقوم بفتح الباب أكثر:
-
ادخلي اقعدي على ما اعمل حاجة اشربها عشان
افوق!
❈-❈-❈
منذ أربع سنوات وأربعة أشهر..
جلس مرة ثانية بنفس مكانه بعد أن قام بتعطيل
اتصال كاميرات المراقبة وبمجرد رؤيتها صرخ عقله، لابد من أنها تمازحه، ثوبها البسيط
الذي لن ينكر أنه لا يكشف الكثير بالمقارنة مع ما كانت ترتديه طوال الليلة يجعلها
تبدو أفضل، بل يلـمــ ـس بملامحها الخالية من مساحيق التجميل وتلك الضفيرة
الجانبية بدلًا من خصلاتها التي كانت تتدلى بإغراء على قدها الذي يُهلكه رؤيته
وملابسها المنزلية التي تؤكد له أنه ما زال يجلس مع زوجته بمنزل واحد أججت به
الرغبة أكثر وبرهنت له أنه لن يمكنه التحمل أمامها!
تحدثت له وهي تجلس بنفس مكانها الذي غادرته
منذ قليل:
-
اديني غيرت هدومي، اطلع أنت كمان غير!
حاول عدم اطناب النظر نحوها ورد باقتضاب:
-
لا أنا تمام..
-
أوك!
ظلت تنظر نحوه ونوعًا ما كلماته السابقة غررت
بعقلها قليلًا لتلك الأيام التي كانا لا يتوقفان خلالها عن فعل الأمر لمرات ومرات
متتالية لتبتسم ببلاهة ولكنها حاولت منع نفسها وقامت بحك مقدمة رأسها بتوتر وسألته:
-
ها هانعمل إيه في الموضوع اللي كنا بنتكلم
فيه؟
قلب شـ ـفتاه وهو يتفقدها ثم أجابها:
-
مفيش، أنتِ المفروض اللي تقرري مش أنا،
وبعدين أنتِ مرضتيش على سؤالي!
ضيقت ما بين حاجباها باستفهام فسألها مباشرة:
-
أنتِ عايزة إيه عمومًا بعيد عني أنا شخصيًا
في الراجل اللي هتتجوزيه؟
ظلت تتفقده لثواني بتفكير طال بداخلها ثم
شردت لتفكر في الإجابة المُناسبة لتُحدثه مجيبة في النهاية بمصداقية:
-
عايزة يبقى زيك في الفترة الأخيرة من غير خبث
وكدب، يبقا فاهمني زيك، وبيسمعني، ورومانسي وبيحبني، ودايمًا يكون موجود.. ممكن
الحاجة الوحيدة اللي مش موجودة فيك هي إنه يكون طموح في شغله وبيحبه وناجح فيه..
أصابته اجابتها بالألم ولعن نفسه آلاف المرات
على كل ما فعله معها لتتفقده بقليل من الحزن وتابعت:
-
بحب هدوئك، وبحب إن عندك هوايات في العموم
بغض النظر عن إني بحبها ولا لأ، كمان بحب طريقتك اللي بتحب بيها القريبين ليك..
بتحاول كتير علشانهم.. ومن أحسن الحاجات اللي فيك إنك من نفسك بتتغير للأحسن مش
عشان حد..
انطلقت تساؤل منه دون تحكم بمنتهى المصداقية اللحوحة
في رغبته أن يستمع لها وهي تنطق بالحقيقة:
-
يعني أنتِ عارفة ده؟
أومأت له بالموافقة واجابته:
-
أنا كل اللي لقيته في خزنتك على قد ما خلاني أخاف
واكرهك على قد ما خلاني افهم إني بتعامل مع شخص تاني خالص وده معناه إنك اتغيرت
حتى قبل ما اعرفك واشوفك!
ابتسم بسخرية على ما يستمع له وسكت شاردًا
بحزن، يقسم أنها لو كانت انتظرت قليلًا كان سيحقق لها كل ما تتمناه، مصيبته أنه لا
يتغير سوى بمرور وقت طويل ولا يستطيع أن يغادر عاداته وركن راحته بسلاسة!
انتشلته
باعترافها الذي جعل عيناه تمتلئ بالدموع بمصداقية لشدة وجعه بسماع هذا يُغادر شـ
ـفتاها:
-
أكتر حاجة عملتها غلط معاك إني كنت متسرعة وهجومية،
آه صح أنا كان بيجيلي وقت أقول خلاص استحالة اعرفك تاني أو أكمل معاك بس يمكن لو
كنا صبرت شوية اكتر كانت كل حاجة اتغيرت للأحسن!
تبًا، يمقت كم تفهم ما يدور بداخل عقله،
ويكره نفسه لما سيفعله بها وهو يحاول استمالة قلبها إليه من جديد حتى يفزعها
بالقضية في نهاية الأمر، يعرف جيدًا أن كل هذا سيضر به قبل أن يضر بها هي نفسها ولكنها
لم تترك له حل آخر!
حاول أن ينهض حتى لا يبكي أمامها وشعر باقترابها
منه وهي تتبعه وحدثته بجدية وبصدق ندمت عليه لاحقًا:
-
أنا فاكرة آخر يوم أنت وافقت وقولتلي لو
عايزة نروح marriage counseling وده هيرضيني وهيبسطني أنت
هتعمله.. بس أنت قولت شهرين وأنا كنت مكونتش قادرة استحمل.. أنا آسفة يا عمر
مكونتش قادرة استحمل اكتر من كده!
شعر بكفها فوق ذراعه تحاول أن تحثه على
الالتفات فلم يستجب لها فتركته وارغمته على الوقوف أمامه وحدثته بكثير من المشاعر
التي استطاع أن يقرأها بسهلة خلال تلك الدموع التي حجبت مقلتيه عنها ولم تفر بعد
لتخبره بندم:
-
أنا حبيتك اوي بس وقتها كنت خلاص مش عارفة
اتصرف ازاي.. أنا عارفة إني اتسرعت بس غصب عني.
هز رأسه لها بالموافقة وابتسم بحسرة وأخبرها
مستفهمًا بصوت كُتمت به دموعه:
-
ودلوقتي؟
لم تتوقف عن النظر له وهي لا تتصور أنه قد
تغير لهذه الدرجة ولم يعد يقبل عقلها سواه زوج وحبيب لها لتجيبه سائلة:
-
أنت شايف إيه؟
اقترب منها ولم تمانع هي فتبادل كلاهما قُبلة
ناعمة ليغمض عيناه وهو يحتوي جانب وجهها بكفه وحاول السيطرة على هذا الحزن الذي
تملك منه وأدرك أنه في وقت كهذا لن يتصرف "عمر الجندي" مع زوجته التي لم
يلمـ ـسها لمدة عام وتسعة شهور وأسبوع واحد إلا ساعتان سوى بالشروع في علاقة حميمة
فنظر إليها بعد بُرهة التقطا خلالها أنفاسهما وحدثها بصوت خافت:
-
نسيت اقولك حاجة مهمة لو موافقة نحاول تاني
مع بعض.
نظرت له باستفهام ليُقبلها مرة أخرى حتى فرغ
صد رهما من الهواء ثم تابع بلهاث:
-
مفيش أطفال يا روان.. أنا يستحيل يبقى عندي
أولاد!
أعاد كرته بهدوء مميت جعلها تذوب بتمسيده
المتأني لشفـ ـتيها ولسانه يتريث في لقاءه المشتاق لكل ما مـ ـسه بطريقه ليتثاقل
جفنيها أمام ما يفعله والتقطت أنفاسها بأعجوبة وهي تلهث بشدة راغبة في المزيد منه
بكل ما يفعله، برائحته الممتزجة بتبغه التي اشتاقت لها ولدفئه الذي لطالما سيظل
محببًا لكل كيانها وهو يسري بها القشعريرة لتستمع له يهمس متسائلًا:
-
موافقة؟
أومأت بالموافقة وهي ما زالت غامضة لعينيها
ولا تكترث بأبناء ولا لأهل ولا لعمل ولا لأي شيء في الحياة واكتراثها الوحيد في
هذه اللحظة كان للمزيد منه واقتربت نحوه من جديد فشعرت بابتعاده عنها فتفقدت لماذا
يفعل ذلك لترى ملامحه تتقد بالاشتهاء المحض ثم أخبرها:
-
بحبِك وعمري ما هاحب حد غيرك لغاية آخر يوم
في حياتي..
اقتربت نحوه ونظرت له ببعض الحيرة ثم حدثته
بجدية:
-
المرادي مش هاقبل يا عمر بكدب ولا إنك تخبي
عني أي حاجة، قولي أصعب حاجة خايف تقولها وأنا هاستحمل، اتعصب عليا وعرفني إنك
مبتاخدش الدوا وعرفني كل كبيرة وصغيرة.. اوعدني إنك هتعمل كده..
-
اوعدك..
كان رده جاهز بالفعل فهو كان يتوقع هذا
واقترب ليُقبل جبهتها فرفعت نظرها لعينيه وسألته:
-
ولو حصل عكس كده؟!
تفقدها مرارًا وهو يشعر بالندم من الآن وأجابها
بثقة:
-
يبقى حقك تكرهيني وترميني في السجن!
لم يترك لها المزيد من المساحة للتحدث فستكون
العلاقة الحميمة الآن أكبر إلهاء لها لكي لا تكتشف كذبه وله حتى يتناسى حقيقة أنه
من جديد يُعيد نفس القصة من البداية، ربما بالسابق حدث الأمر في أسبوعين فقط والآن
قد يلزمه عام وعشرة شهور لتنتهي علاقتهما للأبد!
فتحت عيناها لتجد نفسها بمنتصف الدرج متمسكة
به وكلاهما يتنافسان بسباق القبل التي تتجه الآن لعنقها ثم حدثته قائلة:
-
لا، المرادي مش زي كل مرة.. أنا عايزاك
تثبتلي فعلًا إنك اتغيرت.
حدقها مستفهمًا عندما استشعر تحركاتها وهي
تحاول ارخاء ساقاها المحيطتان به ليجدها ابتعدت عنه وتسلقت الدرج لتتركه وبدأت
أنفاسه في الهدوء ثم أخبرته بابتسامة متلاعبة:
-
أنا فكرت في اللحظة دي مليون مرة قبل كده..
تعالى..
❈-❈-❈
منذ سبع سنوات وشهر..
اليوم الثاني.. ليلًا.. صقيلية.. أجريجنتو.. إيطاليا..
قبيل منتصف الليل بدقائق..
جلست تشعر بالحيرة مما حدث أمس وكل ما حدث
اليوم طوال طريقهما بالقطارات حتى وصولهما إلى هُنا كيف يُمكن لرجل مثله التحول في
غضون أيام قليلة ليصبح هو كل ما بعقلها وبيومها، وما يجعلها تُجن هو شعورها أنها
ستقع في عشقه عاجلًا أم آجلًا لو استمر بنفس هذه الطريقة معها بعدما رأت منه أسوأ
نُسخة للرجال على الإطلاق.. تبًا لهذا الشتات الذي يدفعه بها ذاك السلطان اللعين
المغرور!
نهضت ثم تناولت رداء لتضعه فوق منامتها
الحريرية ثم اتجهت للخارج وهي لا تُمسك سوى بالبطاقة الخاصة بالغرفة وأخذت تطرق
على باب غرفته المجاورة لغرفتها حتى نهض وقام بفتح الباب لها ورأت على ملامحه القليل
من النعاس وهو عا رِ الصـ ـدر فتوترت قليلًا وأخبرته:
-
أنا عايزة أتكلم معاك!
عقدت ذراعيها وهي تتفقده فأخبرها:
-
قطتي مكفهاش رغي طول النهار وعايزة تتكلم
دلوقتي؟
أومأت بالموافقة ثم اجابته بارتباك:
-
ايوة عشان موضوع مهم!
تفقد ساقاها أسفل هذا الرداء وكل ما ذهب إليه
عقله هو رؤيتها أسفـ ـله ولكنه ذكر نفسه بأن هذا مبكر للغاية فهما لتوهما ينتقلان
من اليوم الثاني للثالث برحلتهما التي يود أن يجعلها الأفضل على الإطلاق حتى تقع
في عشقه ليخبرها بلهجة آمرة:
-
طب خليكي مستنية عندك.
استغربت من تصرفه حيث تركها ودخل لثواني ثم
عاد وهو يرتدي معطف وأخذ الآخر لها واقترب منها ليجعلها ترتديه وهو يقول:
-
مينفعش نتكلم هنا دلوقتي عشان الكلام هيتغير
وهيبقى حاجة تانية، تعالي ننزل نقعد تحت.
ابتلعت وهي تتابعه بعسليتيها وارتبكت من
أنفاسه التي لــمـ ـست بشرتها وهو يُساعدها على ارتداء معطفه وبالكاد كوّن لسانها
كلمة واحدة:
-
أوك.
تناول بطاقة غرفته هو الآخر بصحبة بعض الأموال
وسجائره وتوجها للأسفل ولم تزعج أيًا منهما البرودة فهي تمتلك عقل يغلي بالأفكار
وهو نفسه جـ ـسده بأكمله كقطعة من الجحيم وهو يراها فسألها:
-
عايزة ترغي في ايه؟
اتعست عيناها بانزعاج جعله يهيم بتلك
العسليتين وأشعل احدى سجائره باستمتاع وهو يلمح الغضب على وجهها المثالي لتأجج
بداخله المزيد من الرغبة وسألته بجدية:
-
أنا بقا عايزة افهم أنت ازاي في أول الجواز
كنت واحد ودلوقتي بقيت واحد تاني؟ أنت عايز توصل لايه بالظبط؟ بتعمل كل ده ليه؟
اجابها ببرود جعلها تُجن:
-
احنا اتكلمنا كتير في المواضيع دي! نسيتي؟
عليه التوقف عن إعطائها هذه الإجابات المبهمة
وإلا ستفقد عقلها حقًا فحدثته بحدة لم تلحظها بنبرتها:
-
ما أنا مش فاهمة حاجة.. ازاي اصلًا كنت هتغتـ
ـصبني وفجأة بقيت بتعمل كل ده؟ ازاي كنت بتعاملني بطريقة ودلوقتي بطريقة؟ أنا
مبقتش فاهمة أي حاجة!
همهم لها باتفاق على كلماتها وسأل ببرود
مجددًا:
-
وإيه الأحسن؟ زمان ولا دلوقتي؟
لا تريد سوى الذهاب للوقوف أمام هذا الجدار ليرتطم
رأسها به آلاف المرات إلى أن تفقد الوعي، ما هذا السؤال الغبي؟
-
أكيد دلوقتي بس..
-
مبسش.. خلاص احنا اتكلمنا كتير في الموضوع
ده!
قاطعها لتنظر له بانزعاج امتزج بخوفها من
عودة الأمور بينهما لتلك الأيام السابقة التي لا تود سوى نسيانها بكل أشياءه
الغريبة وأطواره الأغرب لتسأله بترجي فطري بنبرتها:
-
ولو كل حاجة رجعت زي الأول؟ إيه يضمنلي إن كل
اللي احنا فيه ده هيفضل موجود بيني وبينك؟
أنهى سيجارته والقاها بمنفضة قريبة ليجذب يـ
ـدها وهو يتخذ خطوات واسعة أثناء اخباره إياها:
-
تعالي..
تبعته وهي لا تفهم إلى أين يتجه وحاولت
مواكبة خطواته بينما بدا الأمر وكأنه يعدو نوعًا ما لتتعجب مما يفعله وهي تُلاحظ
مغادرتهما للفندق فسألته:
-
عمر احنا رايحين فين؟
لم يُجبها وظل ممسكًا بها وهي تسير خلفه وكررت
سؤالها لأكثر من مرة ولم يجبها وبعد عدة دقائق وجدت نفسها أمام أمر ما أثري لتجده
يتسلل للداخل فأوقفته هامسة بذهول:
-
أنت ازاي تدخل هنا كده؟ احنا مش في بلدنا حتى
مش هنعرف نتصرف!
لم تصدق تصرفه الجنوني البحت فيما يفعله
ودفعها أمامه ثم أخذ عدة خطوات وهو ما زال يدفعها ومشيا أو ربما عدا كلاهما لقرابة
العشر دقائق وهي تحاول أن تفهم ما الذي يفعله وإلى أين يتجه بها:
-
طيب فهمني أنت عايز توصل لإيه! يا عمر لو حد
شافنا ممكن تبقى مُشكلة! طيب عرفني أحنا رايحين فين!
لم يجب على أي مما هتفته وأخيرًا توقف أمام
مبنى أثري ما والتقط أنفاسه ليضيق عيناه نحوها في هذا الظلام الذي بالكاد سمح لها
بملاحظته خلاله ثم أخيرًا قرر التحدث لها:
-
أنا لما فكرت في يوم اتجوز واتخيلت حياتي مع
واحدة ست فكرت اجيبها هنا.. دي هنا زي هيرا بالظبط في اليونان!
تبًا لعشقه الإغريقي ولتلك الميثولوجيا التي
تُفسد رأسه أحقًا فعل هذا من أجل مجرد حديث؟ هي لم تطلب سوى نقاش وبعض التفسيرات!
-
أنا عمري ما عملت ده مع أي واحدة، ده مش ضمان
كفاية ليكي؟ إنك بنفسك شايفاني بتغير؟ ده لواحده مش مطمنك؟
ترددت قبل أن تجيب اسئلته التي غادرت فمه
بغضب ورأته يقترب منها وهو يخبرها بلهجة آمرة:
-
ردي، كفاية ولا مش كفاية؟
لكم تكره هذه النظرات المتفحصة منه وكأنه
يتغلغل عبرها لروحها ولداخل عقلها فتحدثت بتردد:
-
كفاية بس مـ
أوقفها مقاطعًا إياها بقبلة سلبت أنفاسها ثم
نظر بعينيها هامسًا لها:
-
أنا كل لحظة حلوة اتخيلت انها ممكن تكون حلوة
ونفسي اشاركها مع أقرب حد ليا قررت أعملها معاكي، تفتكري لو بعمل كل ده هاجي في
يوم اتعامل زي زمان؟
تفقدته بارتباك وهي لا تجد إجابة بداخلها وهو
يقترب لها كعادته في تشتيتها ثم وجدته يُتابع:
-
لو مش واثقة فيا ممكن نرجع دلوقتي مصر ونعيد
كلامنا وتفكيرنا في كل حاجة لو مش مبسوطة!
هي بالطبع لم تقصد هذا فسرعان ما أخبرته
باعتراض:
-
لا أنا مبسوطة، أنا بس مش فاهماك!
أطال تفحصه بعينيها العسليتين ولا تدري أهذا
أمر أم مجرد وعد آخر:
-
هتفهميني مع الوقت.. كل حاجة هتبقى أحسن ما
بينا!
لم تعد تملك المقدرة على مواكبة كلماته
وتصرفاته بصحبة شتات عقلها فسألته:
-
يعني وعد إننا هنكون كويسين على طول من غير
مشاكل؟
أومأ لها بالموافقة بالرغم من كل ما يرغب به
من اذعانها له وخضوعها الذي لن يقب بسواه عاجلًا أم آجلًا وأجابها باقتضاب قبل أن
يقبلها من جديد:
-
وعد!
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة بتول طه لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية