-->

رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه - الفصل 68 - 1 الأحد 22/10/2023


    رواية كما يحلو لها

الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه

رواية جديدة كما يحلو لها

تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى

من قصص وروايات

الكاتبة بتول طه

النسخة العامية

الأحد 22/10/2023

الفصل الثامن والستون

الجزء الأول

منذ سبع سنوات وشهر..

اليوم الثاني.. ليلًا.. صقيلية.. أجريجنتو.. إيطاليا..

بعد منتصف الليل بدقائق..

أمام معبد جونو..

 

اجتذبت الهواء لرئتيها بأعجوبة بين قبلتهما وتفقدته بعسليتين ناعستين بتلك المشاعر التي ما زالت جديدة عليها لم تختبرها قط.. مجرد انجذاب لعين له بصحبة تصرفات غريبة لم يبدر سواها منه منذ بداية زواجهما ثم كل هذه الأمسيات الرومانسية والاهتمام والاستماع لكل ما تخبره به وكأنه تولد بداخله فجأة اهتمام غريب تجاهها، ما الذي عليها فعله الآن، من الرجل الذي يتعامل معها ويبادلها كل هذا؟

 

تفحصه الذي يثقب عيناها به أصبح أكثر مما تتحمله بمقلتيه الداكنتين، تشعر بفساد عقلها ومشاعرها تريد الانجراف نحوه في أقرب فُرصة ممكنة وهي تحاول الصد والمنع بكل ما امتلكت من قوة ولكن أليس هذا كل ما تمنته منذ أن كانت فتاة صغيرة؟ أن تتزوج وتبادل زوجها عشق أبدي؟

 

-       تعالي..

 

تبعته كمسلوبة الإرادة وهي لا تعرف كيف تتوقف عن اتباعها إياه، منذ أن حاول أن يتعامل معها بشكل آخر جعلها أوشكت على الاعتراف بأنها غفرت كل ما مر بينهما بداية بصمته وغرابة أطواره ببداية الزواج ونهاية بتلك المرة التي حاول أن يجبرها على إقامة علاقة حميمة معه!

 

جلس كلاهما أرضًا على هذا الدرج الذي لا تدري كم يبلغ عمره وشردت بشتات تجاه ما تشعر به ليباغتها بمزيد مما يميل قلبها له:

-       أنا بحاول اعمل معاكي كل حاجة بحبها، بحاول افهمك واسمعك، آه بقرب منك كتير عشان أنتِ مراتي وده هيحصل وقت ما تكوني موافقة وأنا نفسي راجل مبعرفش اصبر كتير من غير ما أقرب من الست اللي قدامي خصوصًا لو كانت عجباني!

 

التفتت لتتفقده بحيرة وهي لا تدري ما الذي تتوصل له أو تحدده من هذا ووجدت نفسها تستلم بعد أن اشتد ألم رأسها من شدة التفكير وأخبرته:

-       أنا مش عايزة غير حياة سعيدة ونفسي اقرب منك ومش بس physically (جسـ ـديًا)، كل حياتي كنت بتخيل إني اللي هتجوزه ده هيبقى فيه ما بينا علاقة قوية، بص أنا تعبت من التفكير وأرجوك اعتبرنا آخر مرة بنتفق فيها، بلاش حاجات غريبة، وبلاش تعمل التصرفات اللي بتضايقني لو سمحت..

 

دام فترة من الصمت لا يتحدث كلاهما خلالها سوى بنظرات الأعين فقربها نحوه وعانقها وبالرغم من كل ما يخالجه ويصمم عليه برأسه التي لن تقبل سوى الإذعان شعر نفسه مضطرًا أن يقبل يبث بها الثقة لتثق به بدورها حتى ينال مبتغاه وأخبرها متسائلًا:

-       ماشي مش هضايقك، بس أنتِ لو ضايقتيني هاعمل ايه يا قطتي؟

 

شعر بتحركاتها التي بادلته خلالها العناق وهي تحاوطه بذراع واحدة واستقرت رأسها على صـ ـدره ثم اجابته:

-       تفهمني بالراحة وتناقشني وتعرفني اللي بيضايقك وأنا مش هاعمله، أنا أصلًا مش عايزة نضايق بعض وتبقى حياتنا كلها خناقات!

 

تنهد بعمق وتحدث بنبرة رجولية باتت تعشقها لو كان يتحدث دائمًا بمثل هذا الهدوء وهو يبدو منه القليل من المحاولة للاقتراب منها هي نفسها ومبادلتها نفس النية الحسنة في نجاح حياتهما معًا:

-       ما كفاية بقى يا بنوتي، أنا مش عايز اسمع طول السفرية دي ولا خناقات ولا عايزك تبقي زعلانة، ومتخافيش، مفيش حاجة هتحصل غير اللي أنتِ عايزاها وموافقة عليها!

 

دفعها برفق للدرجة السفلى من السلم الحجري حتى يستطيع محاوطتها غير تاركًا لها الفرصة لعناقه حيث أنه لا يكره أسوأ من لمـ ـس ظهره وفكر لبرهة بالكلمات المناسبة التي ستلائم ما يحاول فعله منذ أيام وبالرغم من أنه لا يريد سوى أمر واضح بالنسبة له إلا أنه في نفس الوقت لا يمانع أن تكون هذه الكلمات التالية حقيقة:

-       روان، أنا مش من طبعي إني أخد على الناس وأقرب منهم بسرعة، كوني كان ليا علاقات جـ ـسدية قبل كده فده مش معناه إني كنت بقرب منهم زيك ما بقرب منك.. فخلينا ناخد خطواتنا من غير استعجال واعتقد إننا هنكون كويسين في يوم.. بلاش بس زن كتير عشان مبحبوش وأنا من نفسي بحاول أهو معاكي ابعد عن كل اللي بيضايقك فشيلي من دماغك كل الأفكار اللي ملهاش لازمة!

 

التفتت قليلًا للوراء لكي تطالعه بارتياب فهي لا تشعر سوى بالقلق خصوصًا بعد محاولاته في أن يكون أفضل معها وسألته:

-       يعني في يوم هتحكيلي كل حاجة عنك وتحسسني إني قريبة منك زي ما بعمل معاك؟

 

طال تفحصه بملامحها بتلك العتمة التي تحيط بهما وأومأ لها ليرد بإجابة كعادته ليست واضحة:

-       ممكن لما ناخد وقتنا مع بعض شوية!

-       أوك..

 

هذا أفضل من الخوض في المزيد من التفاصيل التي سترهق عقلها على كل حال، سترى ما إن كان محقًا فيما يقوله لأنها ستكون كاذبة لو فكرت بينها وبين نفسها أن كل ما يحدث بالآونة الأخيرة لا يُعجبها، بل هذا هو كل ما أرادته منذ البداية ولم ترد شيء سواه!

 

شعرت به يُقربها إليه أكثر وهو جالس خلفها معانقًا إياها لتختلط مشاعرها من جديد، لا تفهم ما الذي يحدث لها عندما يقترب، عليه أن يتوقف أو عليها هي أن تتوقف عن الارتباك هذا، ولكن بالرغم من الشتات الذي ينتابها كلما بدر بينهما أي تصرف حميمي أو لقاء عابر لا يتوقف خلاله عن لمـ ـسها بكل الطرق الممكنة والغريب أنها يُعجبها هذا ومؤخرًا باتت تسترخي بمنتهى السهولة له بعد أن تطمئن أنه مجرد عناق ليس إلا كمثل هذا الذي يتبادلانه الآن.

 

-       عارفة أنا ليه حبيت نكون هنا؟

 

انتشلها سؤاله من افكارها فسألته رغبةً منها في تجاذب أطراف الحديث معه:

-       ليه؟

-       جونو هنا زي هيرا عند الإغريق بالظبط، جونو كانت مرات جوبيتر و

-       أنا مقصدش اقاطعك بس أنا سامعة حركة غريبة، تفتكر حد ممكن يشوفنا؟

 

قاطعته وهي تلتفت نحوه بقلق فالتفتت ليتفقد المكان حوله وعلى ما يظن لقد استمع لنفس تلك الخطوات التي تستمع لها هي فنظر إليها لجزء من الثانية وكأنه يتساءل ما إن استمعت لهذا لينهض كلاهما ثم وضع سبابته على شـ ـفتيه لكي لا تحدث صوتًا وامسك بيدها لتتبعه وبدأ يتحرك بعيدًا عن تلك الخطوات المقبلة فهمست له:

-       فيه حد مش كده؟

-       هشش

 

تبعته وهي تشعر بالخوف، تبًا هي لم تفعل قط أمر كهذا، ألم يُمكنه أن ينتظر حتى الصباح وليذهبا لأي لعنة يُريدها؟

تبعته حتى وقفا بجانب تلك الدرجات التي تقع أسفل المعبد من احدى الجوانب وظلت تتفقده بارتباك وعنتين متوسعتين من الخوف ما إن وجدهما صاحب هذه الخطوات وبدأ الادرينالين يتصاعد داخل كلاهما وبمجرد أو وقعت عيناه على هذا الرجل الذي يبدو من الحراس همس إليها وهو يطالعها بجدية:

-       تعرفي تجري من غير ما تعملي صوت؟

 

يسألها من أجل ماذا حقًا؟ هل سيقومان بالهروب؟!

وقبل أن يترك لها فرصة لتُفكر خلالها فيما يقصده كان بالفعل يجذبها وهما يتجهان لطريق المغادرة وكلاهما يجريان فسألته بهتافٍ وهي تلهث لا تدري من العدو أم من القلق:

-       هم لو مسكونا هيدونا السفارة ولا هيعملوا فينا إيه؟

 

تفقد أقصر طريق ليختفيا بين المباني بعيدًا عن تلك الساحة الخالية أمام وادي المعابد ولا يستطيع أحد اللحاق بهما وأجابها بم لم يُفد توضيح على سؤالها:

-       نركز بس إنك تجري بسرعة وبعدين نبقى نشوف موضوع السفارة ده!

 

بمجرد ازدياد سرعتهما وتسللهما للخارج بدأ كلاهما في الاستماع لصوت رجولي يهتف بالإيطالية ومن نبرته أدركت أنه غاضب بشدة ولكن دون فهم حرف مما يتحدث به وشعرت بالذعر وهما يفران هاربان بهذه الطريقة إلى أن بدأت المباني في الظهور وهو لا يتوقف حتى دخلا بين بعض البيوت أو لا تدري أين هما ولكنها تشعر بأن قلبها سيغادر صـ ـدرها من شدة اللهاث.

 

تفقدته بعد أن وقفا كلاهما ببقعة مظلمة أسفل جدار ما لا تدري إلى أي مبنى يعود بعد أن هربا بين بنايات كثيرة، هي حتى لا تعرف كيف سيعودان للفندق الذي كانا يمكثان به في هذه البلد الغريبة بينما حاول هو في نفس الوقت مطالعة ما إن كان نفس الرجل ما زال يتبعهما لتسأله بخوف:

-       يعني دلوقتي هنعمل إيه و

 

التفت نحوها وهو يقاطعها بوضعه لسبابته فوق شـ ـفتيها لكي لا تتحدث وانتظر قليلًا فلم يعد يستمع لأي خطوات تتبعهما ولكنه لم يطمئن لهذا وانتظر أكثر وهو يطالعها في صمت وهو تفعل المثل في انعدام الأضواء حولهما استطاع كلاهما رؤية وجه بعضهما البعض وهما يلتقطان أنفاسهما ليهمس لها:

-       أنا عمري ما عملت اللي عملناه ده!

 

تفقدته بحيرة وردت بتوتر هامسة:

-       ولا أنا، بس هو ممكن يحصل إيه دلوقتي؟

 

نظر لها بملامح غارقة بالحيرة مثلها ولكن ليس تجاه الموقف أو خوفًا من أمر كل ما سيحله مجرد غرامة مالية بل بات لا يفهم ولا يدري ما الذي يحدث له معها، يفر كالصبي بهمجية وهو يرتدي ملابس منزلية بعد مرور منتصف الليل بشوارع دولة أخرى ويتخفى بين المنازل لكي لا يستطيع أحد الإمساك به، كم من مرة سيختبر معها أمر جديد؟ عليها أن تتوقف قبل أن يحدث ما لا يُحمد عقباه، يقسم أنه لا يريد الوقوع في العشق وخاصة بفتاة لا تقبل الخضوع له بسهولة!

 

-       هنرجع الاوتيل.. تعالي..

 

أمسك بكفها وبدأ في أخذ خطوات بطيئة بهدوء واحتراس وأخذ يستطلع الطريق أمامهما وخلفهما ليتأكد من عدم وجود نفس الرجل الذي كان يتبعهما إلى أن بدأ كلاهما يمشيان بتلقائية فسألته:

-       هو أنت عارف الطريق للأوتيل من هنا أصلًا؟

 

التفت لها ليطالعها بقليل من الاستخفاف واجابها:

-       نوصل بس الشارع الرئيسي وهنوصل متقلقيش! 

 

دام الصمت من جديد لبرهة ونظرت أمامها لترى نهاية منامتها لتسخر متحدثة:

-       أول مرة في حياتي ابقى في الشارع بهدوم البيت..

 

التفت لها مرة ثانية وتفقد ما ترتديه وعقب قائلًا:

-       شكلك كويس عمومًا!

 

استغربت كلماته وابتسمت باقتضاب وهي تتفقده:

-       وأنت كمان..

 

نظر نحوها بلمحة سريعة وهو يضيق عيناه وأخبرها بنبرة محذرة نوعًا ما:

-       خدي بالك لا أفكر إنك تقصدي حاجة تانية!

 

اتسعت ابتسامتها وصححت له ما يقول:

-       لا بعد فيلم الأكشن ده مبفكرش في حاجة خالص غير إني ارجع الاوتيل!

 

سكت كلاهما مجددًا وأكملا الطريق وهي تتبعه لتضحك دون إرادة منها بخفوت فتفقدها بتساؤل فتحدثت مجيبة:

-       احنا كنا هنتمسك من شوية، عمري ما عملت أي حاجة غلط واجي اعملها لما اكبر، وكل ده عشان دخلت مكان في وقت ممنوع.. أنا حتى عمري ما عملتها في المدرسة!

 

ابتسم وهو يتذكر كيف كانا يبدوان منذ قليل ليخبرها معقبًا على حديثها:

-       مش فايتك كتير على فكرة، مع إنه إحساس لذيذ إنك بتعملي حاجة مش كتير بيعملوها!

 

اتجهت لتوقفه بالطريق وتفقدته بتعجب حماسي ثم سألته:

-       أنت كنت بتسيب المدرسة فعلًا ومبتحضرش؟

 

لم تتلاشى ابتسامته وأومأ لها بالإيجاب على سؤالها ورد باقتضاب:

-       ساعات.

 

وكأنها وجدت كنز أو هكذا اتضح على ملامحها لتخبره متسائلة بإلحاح:

-       لا انت تحكيلي بقا، كنت الـ bad-boy في المدرسة ولا إيه؟

 

أومأ بالنفي وخرجت منه الإجابة بتلقائية شديدة دون أن يأخذ في الاعتبار أي شيء آخر:

-       ساعات مكونتش بحب الدوشة والمدرسين فكنت مش بحضر..

-       وكنت بتعمل إيه بقا لما مبتحضرش؟ بتخرج مثلًا؟!

-       لا كنت بقعد في مكان بعيد في المدرسة واقرا كتاب!

 

انتبه على ما يحدث وهو يُجيبها بعفوية ليحترس مما يفعله كما انتبه لتلك الطريقة التي تسللت خلالها لداخله في اقل من دقيقة واحدة وانزعج بملامح مبهمة على تلك السلاسة التي استخرجت بها الكلمات منه لتضيق هي عيناها بمرح وأخبرته بنبرة استفهامية لم يستمع لما يضاهيها دلالًا:

-       اوعى تكون كنت بتقرا حاجات عيب ولا حاجة؟

 

 رفع حاجباه وهو يُجلي حلقه وقال باقتضاب:

-       لا مش حاجات عيب، يالا عشان نرجع الاوتيل وننام!

 

تابع الطريق فتبعته هي الأخرى وهي ما زالت تُمسك بيـ ـده واستغربت لماذا لا يتجاذب معها أطراف الحديث وهو منذ دقيقة واحدة كان يفعل فنظرت نحوه وقبل أن تبدي اعتراضًا أو تفتعل جدال حاولت أن تتبع طريقة أخرى معه فأخبرته:

-       أنا متأكده إنك كنت cute اوي أيام المدرسة!

 

عقد حاجباه متعجبًا من وصفها إياه بهذا الوصف والتفت نحوها وتكلم بنبرة استفهامية:

-       اشمعنى؟

 

رفعت كتفيها ثم اخفضتهما واجابته:

-       مش عارفة، مجرد إحساس.. طفل هادي وبيزوغ بس عشان يقرا كُتب، اكيد كنت cute

 

سكت ولم يعقب بقول أي شيء بالرغم من كل ما يدور بداخله، للمرة المائة ربما يستمع منها كلمات لأول مرة يستمع لها بالرغم من أنه اختبر علاقة سابقة له، ولم تكن "يُمنى" تعامله خلالها بنفس الطريقة ولا تهتم بمثل هذه الأشياء الصغيرة، تبًا لتلك التفاصيل التي تجذب انتباهه، هو لا يحاول تشتيتها ولكنها تهتم لأكثر مما يكترث هو به، ولتُلعن كل أول مرة معها من كل شيء يختبراه سويًا، لن يتحرك بداخله ساكن لمحاولاتها في معرفته هو حقًا دون أن تصل لهدف خبيث، لن يقع في العشق ولو بعد آلاف من السنوات والأمر نفسه غير مطروحًا للتفكير ولن يكون بمثل هذه السذاجة من جديد!

--

منذ أربع سنوات وأربعة أشهر..

-       أنا فكرت في اللحظة دي مليون مرة قبل كده.. تعالى..

لديها خطة ما، تلك النظرة على وجهها تخبره بذلك، ما الذي تريده حقًا؟

صعد ما تبقى من الدرج حتى الأعلى وتبعها بتأني دون أن ينطق بشيء إلى أن أصبحا بغرفتها وظل هادئًا بقدر ما استطاع فدمائه بالفعل قد قاربت الغليان ووجدها تلتفت له فترقب سماعها لما تريده فسألته بجدية بعيدًا عن تلك الرغبة التي كانا يتشاركانها منذ لحظات:

-       التغير كان في كل حاجة؟

 

لوهلة لم يفهم ما المغزى من تساؤلها ولكنه قرر انتظار بلوغها مقصدها ووجدها اقتربت منه مرة أخرى وهي تمرر أصابعها على جانب وجهه ولم يكن مقصدها سوى اختبار لأي حد يُريد هذه المحاولة كما ثرثر لساعات كثيرة لتخبره بنبرة استفهامية:

-       بعد كل كلامنا الكتير ده أنت فعلًا ناوي اننا نحاول مع بعض؟

 

أومأ لها بالموافقة وقبل أن يحاول فهم ذلك اللغز الذي يظهر على ملامحها تبادلا لدقيقتين مقدارًا من القبل لا بأس به كان كفيلًا لانتشاله من تساؤلاته ونجحت في إيقاظ رغبته من جديد إلى أن شعر أنه لا يمكنه تحمل مماطلتها له أكثر فهمس باسمها بإلحاح للانتقال للتالي:

-       روان!

 

تفقدته بأعين تفيض بالنشوة التي لم ولن تضمر أبدًا فيما بينهما وسألته:

-       عايز إيه؟

 

ابتسم بسخرية فلقد كان هو صاحب هذا السؤال دائمًا وكان هو من يسأله ولكنه لا يمانع إعطائها إجابة واضحة كاملة عن كل ما يُريده ليتغير في ثواني توترها البادي عليها حينما اقترب هامسًا بأذنها رغباته بوضوح شديد وبتفاصيل عديدة وابهامه يتحـ ـسس شـ ـفتاها شاعرًا بتلك الأنفاس الدافئة التي تتسارع وتيرتها شيئًا فشيء ولكنها حاولت الثبات قدر استطاعتها وفتحت عيناها الغامضتان بعد أن وجدته ينظر لها بمزيد من الاشتهاء وهمست:

-       حلو الكلام ده كله.

 

أجلت حلقها بعدما اكتشفت أنها لا تقوى على التحدث بنبرة تلقائية وشعر هو أنه لا يفهم ردة فعلها التي كانت جديدة عليه للغاية لتفاجئه بما قالته:

-       بس أنا عايزة حاجة تانية.

 

استغرب ما عساها تريد لتتخذ خطوتان للخلف وهي تنظر له بتلاعب وأخبرته:

-       ادخل الحمام واستناني.

 

تابع إلى أين تذهب ليراها تتوجه نحو غرفة الملابس وشعر وكأنه يريد اقتلاع شعره من رأسه بفعل مماطلتها إياه وكأنها تعاقبه على ثرثرته الماضية بما تفعله الآن واتجه نحو الحمام الملحق بالغرفة وبدأ في تحول رغبته لانزعاج ولكنه لا يُريد افساد هدفه، عندما تصل لمرحلة الاستسلام خلال ما تبقى لهما من أيام حتى تكتمل عدتها ويتحول الطلاق لطلاق رسمي وقتها سيستطيع أن ينفذ ويصل لغايته.

 

بكل ما هي عليه من فتنة وأنوثة ونقاء، وبكل ما تملكه على قدرة من الغفران واستطاعة على تغيير الكثير برجل، لا يستحق أن يكون زوجها في نهاية المطاف، ولا تستحق أن تكمل حياتها مع رجل مثله، لن يترك حيلة واحدة إلا وسيلجأ لها لينتهي زواجهما للأبد!

 

وجدها آتت ويـ ـداها مخفيتان خلف ظهرها ليتصاعد شعور الاستغراب بداخله ليسألها مباشرة حتى يُنهي مماطلتها إياه:

-       أنتِ عايزة إيه بالظبط؟

 

تفقدته بتأني والكثير من التساؤلات تظهر صراحةً على عينيها ولكنها اكتفت برفع هذه السلسلة بيدها أمام عيناه التي قامت باستخراجها من أحد حقائب يدها لتتسع ابتسامته باندهاش لتخبره بتوضيح:

-       بس دي ليك مش ليا!

--

عودة للوقت الحالي..

تابعته وهو يصنع القهوة بمطبخه وتفقدت بلمحة عابرة منزله الذي لا يختلف رأيها كثيرًا عنه فهو أقرب لغرفة كبيرة نوعًا ما لتجد الآن عودة كل شيء لما كان عليه، الآن باتت تفهم الاختلاف، هو يمتلك روحًا معينة تضفي على كل التفاصيل تغييرات شتى، بغض النظر إن كانت هذه التغييرات تروقها أم لا.

 

حاولت تصفية ذهنها وسلطت تركيزها على ما أتت من أجله غير راغبة في أي شيء سوى الوصول لحل وسط لكي يملك "ريان" حياة طبيعية وفي نفس الوقت دون تأثير على حالته أو اختياراته التي قام باختيارها لحياته، فإن كان هو يود المغادرة للأبد فهي تزوجت ورسمت صورة معينة لحياتها، ولكن اختيارها كان لـطفلهما دورًا فيه وعليه هو الآخر أن يفعل المثل ولن تتركه الليلة إلا وهو مقتنع تمام الاقتناع بأن يغير رأيه في هذا الأمر حتى ولو كان عليها أن تستخدم أسلوبه ضده كما كان يفعل معها بالماضي!

 

أتى وجلس في مقابلتها وتفقدها بأعين ما زالت ناعسة ربما ايقظته من نومه ولكن أن يستيقظ ويرى وجهها بعد سنوات أفضل ما قد يمكن أن يحدث على الإطلاق، يعرف أنه يشتاق إليها واعترف لنفسه آلاف المرات بهذا ولكنه يكفيه متعة النظر ليس إلا وعليه أن يتحمل القليل بعد حتى يبتعد للأبد.

 

اعتدل بجلسته وهو يرتشف أول رشفة من قهوته وأشار لها أن تتحدث فيما أتت من أجله فتكلمت بنبرة معتدلة ونيتها لا تحمل سوى الخير:

-       أنا فاهمة إنك مصمم متقربش من ريان ولا يبقالكم علاقة ببعض، بس ممكن تسمعني وتحاول بهدوء تفكر في اللي هقولهولك؟

 

اكتفى بهز رأسه إليها بالموافقة وأشعل لفافة تبغ فلقد بات مؤخرًا لا يدخن سوى اثنان طوال اليوم واحدة ببداية اليوم وواحدة أخرى بنهايته فتابعت هي:

-       أنا عارفة إنك دلوقتي مش زي زمان، اللي سمعته من مايا وعنود إنك طول الأربع سنين اللي فاتوا مجالكش نوبات شديدة غير مرة وكانت نوبة اكتئاب مش هوس..

 

همهم لها متفقًا مع قولها وبالرغم من انزعاجها من هدوئه المبالغ فيه ولكنها حاولت أن تتفهم أنه لتوه استيقظ فأكملت:

-       أنا مش طالبة منك ريان يفضل معاك بالأيام ولا يسافر معاك، بس فكرة إن باباه رافضه دي مش عايزاها تتكون عنده، كلمه في الموبايل، ممكن video call ويوم ما تفكر تشوفه ممكن اخلي السواق يجيبه هنا وعنود ويونس وعدي وكل الناس هتبقى حواليكم ومعاكم.. وأنا مش هاقدر اتدخل في حياتك واقولك تعمل إيه ومتعملش إيه.. إذا كنت فعلًا هتسافر قريب أنا كل اللي عايزاه إن ريان يعرف إن باباه مش بيكرهه!

 

تفحصها بنظرات مطولة ولم يقل شيئًا خوفًا من أن تتزايد الذكريات وأطنب بالنظر إليها ولتفاصيلها، ما زالت تبدو رائعة الجمال ولم يتغير بها شيئًا سوى أنها ازدادت مثالية فوق مثاليتها المعهودة، حتى خصلات شعرها اكتسبت طولًا وملامحها ما زالت تبدو هادئة ونبرة صوتها تجعله لا يود أكثر من العودة بالوقت لسبع سنواتٍ ماضية لكي يُصلح كل ما فعله بها يومًا ما.

 

-       عمر أنت معايا؟

تابع قراءة الفصل..