رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه - الفصل 68 - 2 الأحد 22/10/2023
رواية كما يحلو لها
الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه
رواية جديدة كما يحلو لها
تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى
من قصص وروايات
الكاتبة بتول طه
النسخة العامية
الأحد 22/10/2023
الفصل الثامن والستون
الجزء الثاني
-
عمر أنت معايا؟
أفاقه سؤالها وحاول عدم النظر إليها أكثر من
ذلك وتناول نفسًا مطولًا من سيجارته فأكملت:
-
أنا مش عايزة مشاكل، ومش عايزة أفرض عليك
حاجة بس مــ
لم تستطع المتابعة وسعلت من تلك الأدخنة التي
نفثها ليتعجب بابتسامة مقتضبة وسألها:
-
بطلتي؟
هزت رأسها بالموافقة ولكنها لم تترك المساحة
لأي مواضيع جانبية وواصلت التحدث بما أتت من أجله:
-
من حقه على الأقل يعرفك ويعرف إنك مش بتكرهه،
أرجوك حاول تتعامل معاه عادي ولما تسافر اخركم هيكون مكالمات وبس..
استطاع فهم هذا التوسل بعينيها وبنبرتها
ليتفحصها مليًا للحظات صمت خلالها كلاهما ليسألها في النهاية:
-
أنتِ عايزة إيه بالظبط؟
طالعته بمناشدة خاصة لطالما استطاع كلاهما
تبادلها بالنظرات واجابته بوضوح:
-
ارجوك حاول تتعامل مع ريان كويس من غير رفض!
❈-❈-❈
منذ
أربع سنوات وأربعة أشهر..
ضحك بخفوت على ما تطالب به واكتفى بإخبارها
رافضًا باقتضاب:
-
انسي!
-
أوك!
ردت فورًا وكأنها كانت تعد لهذا مُسبقًا
ووجدها تركت الحمام وغادرته فاستغرب تصرفها بينه وبين نفسه وانتظر ليُفكر قليلًا
باقتراحها ولجزء من الثانية حاول اقناع نفسه بتلبية رغبتها ليتقزز من مجرد التخيل
وفي نفس الوقت بقرارة نفسه يعرف أنه يرغب بها بشدة.
تبعها للخارج فوجدها بغرفة الملابس تنهي
ارتدائها لملابس سباحة فاضحة للغاية لن ينكر ذلك، ما لعنتها مع اللون الأحمر منذ ليلة
أمس؟ هل تود اصابته عيناه بالاحتراق أم ماذا؟!
-
انتِ عارفة إنك بتستغليني أسوأ استغلال مش
كده؟
سألها لتراه عبر المرآه وأومأت له بالنفي وهي
تنتهي من ربط تلك النهايات الرفيعة التي استقرت بمنتصف ظهرها ليتابع كل ما ظهر
منها وهو يبتلع ثم ارتدت رداء شفاف فوق ملابس السباحة واتجهت للأسفل ولم تعره
اهتمامًا يُذكر ليشعر بالإهانة لتركها إياه وكأنه ليس متواجد أمامها على الإطلاق
بعدما شعر برغبتها الصريحة وقبولها للأمر، أتأتي لتفعل به كل ذلك الآن؟
حاول السيطرة على تلك المشاعر المتشتتة بين
الانزعاج، التحدي، رغبته بها، والاشتياق الذي يمزقه ليصبح برفقتها ومعها حتى ولو
لعدة أيامٍ قليلة قبل انقضاء كل ما بينهما وذهابه للأبد!
دفع نفسه لأخذ خطوات للأسفل وتوجه نحو المسبح
ليجدها تخلع هذا الرداء الذي يظن أن وجوده لا يُشكل فارقًا فهو كعدمه تمامًا ويُدرك
تمامًا أنها شعرت بوجوده وربما لمحته بالفعل ولكنها صممت مرة ثانية على اللامبالاة
تلك التي تتبعها منذ دقائق وألقت بنفسها بالمسبح وكأن هذا هو الوقت المناسب تمامًا
لتركه والسباحة لبعض الوقت!
احترق غيظًا من فعلتها ليزفر بعمق ووقف واضًا
كفاه بجيبيه وسألها:
-
ده وقته يعني؟
نظرت له مُدعية عدم تبديدها لرغبته منذ قليل وحدثته
بعفوية:
-
أنت اللي مش عايز، اعملك إيه طيب، وأصلًا أنا
هموت من الحر من ساعة ما رجعنا من الفرح..
ابتسم باستخفاف على ما تقوله وسألها مجددًا:
-
أنتِ شايفة كده؟!
همهمت له بالموافقة وأشارت حيث خلعت ردائها
منذ قليل واجابته:
-
أيوة أنت اللي رفضت، لو غيرت رأيك يالا بينا!
بدأ الانزعاج في السيطرة عليه وهو لا يُصدق
مجرد الفكرة بكونه مُكبل مثلما فعل معها بالسابق وحقد للغاية على كونه يحاول أن
يصح رجل أفضل بسببها ومعها وقرر أن يترك الأمر وشأنه ليخبرها باقتضاب:
-
تمام، تصبحي على خير.
-
وأنت من أهله!
مشى بعيدًا عائدًا لمنزله مصاحبًا أفكاره
التي ظن أنها صائبة ولم تختلف عنه حالًا بدفع نفسها أسفل المياه وهي تُفكر غامضة
لعينيها بترتيب منمق داخل رأسها تجاه كل ما كان عليه سابقًا وما أصبح عليه الآن.
الجميع يعلم أن والده سيرحل عاجلًا أم آجلًا
وبعد كل شيء عرفه عنه هو ما زال يُعامله جيدًا، تعرف أنه يعشقها لدرجة الهوس، لقد
تخلص من عمله الذي كان يدفع به لهوة الاكتئاب، هو يفهمها أفضل من أي إنسان قابلته
أو عرفته صُدفة، لقد أصبح شخص آخر وهو من تلقاء نفسه من بات يُحافظ على علاجه
والتزامه به، وأين هذا التحكم الآن، "عمر الجندي" الذي تعرفه كان
سيشتتها بالعلاقة الحميمة، أمّا هذا الشخص الجديد تركها وغادر دون التحدث كثيرًا
بعدما أعلن رفضه الصريح، هي تريد أن تقترب من هذا الشخص.. والوقت يُغير كل شيء،
أليس هذا صحيحًا؟! لقد غيره هو نفسه!
خرجت من أسفل هذه المياه وسبحت للطرف الآخر
حتى الدرج المعدني بالمسبح وصعدت للأعلى ولم تجده بعينيها فجففت نفسها سريعًا
وارتدت الرداء مرة أخرى، كل ما يبث الغضاضة بنفسها أنها غفرت بعد أن قبلت الكثير
وتحاول النسيان وتتسامح معه، بينما أمام مطلب تافه كالذي طالبته به لتمرر أكبر مقدار
من الهواء برئتيها ثم زفرته بتريث شديد وجذبت تلك السلسلة التي تصمم أن تراها حول
معصميه وذهبت باتجاه منزله ووضعت اصبعها فوق الجرس ولم ترفعه إلى عندما رأت وجهه
أمامها ووجدته على وشك التخلص من قميصه الذي تباعدت ازراره لتبادر هي بالكلام:
-
هتسبني اخلص كلامي لغاية الآخر خالص ولما
اسألك سؤال ترد عليه من غير لف ودوران عشان أنا تعبت وزهقت، اتفقنا؟
عقد حاجباه وهو يتفقد ملامحها التي لا تتناسب
مع ما تبدو عليه بالفعل أسفل هذا الرداء اللعين الشفاف وهي ما زالت تُمسك بتلك
السلسلة فأجابها:
-
ماشي..
أجلت حلقها وهي تعرف أنها على مشارف الانتقال
من مرحلة لأخرى ولا يوجد أكثر ما يوترها وخصوصًا بعد ما ودت قوله ورتبته برأسها:
-
اللي حصل من شوية ده بالظبط هو علاقتنا
ببعض.. احنا الاتنين فيه بينا اهتمام وكيميا والكلام ده كله، أنت كان نفسك تقرب
مني بس لما عرفت نيتي واللي أنا عايزاه وشوفته بعينيك أنت مشيت.. بس أنا زمان كملت
وأنت كمان مسبتنيش امشي، شايف إن العدل لما اطلب منك حاجة بعد كل اللي ما بينا
تسيبني وتمشي؟
تردد قليلًا في الإجابة ليقول في النهاية:
-
لا، مكنش المفروض اعمل كده!
-
شكرًا.
تفقدته وهي تعقد ذراعيها وحاولت اجتياز تلك
الصعوبة التي بداخلها فهي خائفة ولكن فضولها للقادم معه في حياتهما يقتلها لتعرف
أنها عليها الانتهاء من الأمر قبل أن يؤلم رأسها من شدة التفكير وقالت:
-
لما رجعت من مينيسوتا كنت فاكرة نفسي كويسة
بس لما شوفتك كل حاجة رجعت تاني، أول حاجة فكرت فيها إني ضعيفة او قصرت في خطوات
العلاج، بس أكتر حاجة لقيتها بتريحني كان كلامي معاك، أنا بحب كل حاجة ما بيني
وبينك..
تفقدته بقلة حيلة وهي تشعر بحالة من الذعر لو
تركت نفسها من جديد لتختبر الحياة معه بكل ما فيها ليُطالعها باهتمام لتتابع:
-
كل حاجة ما بينا حلوة، بحس براحة مبحسهاش مع
حد غيرك، سواء الكلام ولا الخناق ولا الزعل بس مجرد فكرة إني هصحى الصبح وهتكلم
معاك تاني أو هلاقيك موجود في نفس البيت معايا، ده كفاية أوي عليا أيًا كان بقا
ايه اللي هيحصل المهم إنك موجود وبتحبني وجانبي.
امتلأت عيناها بالدموع فاقترب نحوها لكي
يمنعها وكاد أن يتحدث بشيء فمنعته:
-
استنى أنا مخلصتش كلامي.
توقف عندما وجد سبابتها تُحذره لتنظر له
بجدية وواصلت:
-
السنة اللي اتجوزنا فيها أنا حسبتها كتير،
شهر ونص هوس، آخر شهر اكتئاب شديد وأنا فاهمة فكرة الخيانة نفسها بتفرق معاك ازاي،
شهر كامل قاعد ساكت مرة عشر أيام في هاواي ومرة لما شوفتني مع يونس، مرة اخترت
تبعد كام يوم، لما البيبي نزل فضلت واخد بالك مني أسبوعين كنت كويس معايا، لما
بتعب كنت بتاخد بالك مني، شهر بحاله قبل ما تسافر البلد مع باباك كنا حلوين اوي
وافتكرت إني هبقا اسعد إنسانة في الدنيا معاك، سفرنا المكسيك كان حلو جدًا، والأسبوعين
اللي سافرناهم برا في اول الجواز كانوا أحلى أسبوعين في حياتي..
انهمرت دموعها بينما شعر هو بالانزعاج مما
تريد الوصول له بتذكيره بكل هذا بعد أن ظن أنهما أفضل حالًا فأكملت:
-
والفترة اللي قبل آخر شهر اللي حصل فيه اللي
حصل قدرت افهم نفسي كست أخيرًا، أنا معنديش أي مانع في العلاقة تكون tough (عنيفة) شوية، أنا مُشكلتي كانت مع الإهانة
والذل وبوسي رجلي والهبل ده وأنا سيدك وتسمعي كلامي والقرف ده كله، قصدي من الكلام
ده كله إنك ادتني حياة يا عمر فيها كل اللي أنا عايزاه وفي نفس الوقت فيها العكس!
جففت دموعها وأخبرته بابتسامة ساخرة:
-
مرة زمان عنود سألتني بحب إيه فيك ومعرفتش
اجاوب صح، بس دلوقتي أنا عارفة بحب إيه فيك، أنت لما بتحب حد مهما عمل فيك
بتستحمله، بتهتم بيه، بتكون مخلص ليه، بغض النظر عن مايا وكلوديا اللي أنت هـ
-
مايا وكلوديا ايه اللي أنتِ بتتـ
-
قولتلك متقاطعنيش!
حاول أن يوقفها عن التحدث ولكن هي من فعلت
وواصلت:
-
مش هاكدب وأقول إني مغيرتش لما شوفتك معاهم
مع إنك عرفتهم في وقت أنا مكنش ليا دور في حياتك ساعتها، ده كمان اكدلي إني بحبك،
بحب هدوئك، حنيتك لما بتظهر، كلامك الكتير اللي يصدع ده أنا حبيته مع الوقت ووصلت
لمرحلة حتى لو كان بيشتتني مبقتش فارقة بس عايزاك تكلمني وخلاص ومش عايزة كلامنا
يخلص، وبحب إنك لما بتقتنع بحاجة بتتمسك بيها أوي، زي علاجك، أو هواياتك، أو زيي!
تبًا لقد فهمت تلك الأخيرة بعد أن عرفته ثلاث
سنوات تقريبًا، أهي تُمازحه بما تقوله الآن؟ ما الذي تُريده منه؟ أن يحكم عليها
بقضاء باقي حياتها مع مختل مثله؟
وجدت نفسها تعود لتلك الفتاة الصغيرة التي
كانت عليها يومًا ما لتُكمل بصعوبة وهي تحيط نفسها بكلتا ذراعيها:
-
لما كنت صُغيرة في المدرسة كنت عاملة زي الـ robot (إنسان آلي) اروح المدرسة، احضر كل الـ classes (الحصص) وكنت اشطر واحدة وطلعت الأولى كذا
مرة ومع إن كان نفسي اقعد والعب ويبقالي أصحاب واخرج معاهم وأروح رحلات واعمل كل
الحاجات دي، بابي ومامي والقاعدة في البيت معاهم كانت أهم وكنت مجنونة بالكومبيوتر
من زمان أوي، فعشان اللي بحبه دايمًا اتعودت اتنازل عن حاجات تانية، يمكن اختياري
مش صح، بس في الآخر شعور الحب اللي حسيته من بابي وبحسه من بسام وهدوء مامي طول
عمرها معايا أحسن بكتير بالنسبالي من الاصحاب!
جرت تلك الدموع على وجنتيها وهي تنظر له
خلالها وأخبرته بهوان:
-
بابي مات بس قربت من أكتر حاجة جمعتنا وغرقت
فيها عشانه، هو دي أنا، وهو ده بالظبط اللي عملته معاك، أنا مش عايزة أفكر في اللي
حصل، أنا عايزة اللي جاي يا عمر كله يبقا حلو، بعيد عن إنك تخبي عليا حاجة أو تكدب
عليا أو تقعد تلوم نفسك على تصرفات آذتني بيها وأنت مالكش ايد في حاجات كتيرة منها
لأنك كنت مش واعي لأغلبها، أنا عارفة إن الكلام بيؤذيك أوي وأنا بقالي تمن شهور بعمل
ده! أنا تعبت وزهقت، ومبقتش عايزة غير اننا نعيش في هدوء ونرجع لبعض من غير عِند
وتنشيف دماغ وكلام تاني اكتر من كل اللي قولناه!
اقتربت خطوة تجاهه وكره نفسه كما لم يفعل من
قبل فما يُقبل عليه هو كذب محض جلي له أمام نفسه، ولكن أن يكون كاذبًا أفضل آلاف
المرات من أن يجبرها على حياة مع رجل مريض لا يستحقها لأنه يعرف أنها تستحق أفضل
الرجال وهو ليس منهم!
-
اوعدني إنك متستغلنيش تاني ولا تكدب عليا!
جذبها نحوه ليُعانقها وهمس بأذنها ببراعة غير
مسبوقة في الكذب:
-
اوعدك.. مفيش أي حاجة هتحصل زي زمان تاني.
بادلته العناق وهي تغمض عيناها براحة شديدة وسكنت
بعدما استنشقت رائحته الممتزجة بعطره ودفء جـ ـسده الذي استقر عليه وجهها ثم رفعت
عيناها نحوه وهي تطالعه فجفف دموعها خافيًا ندمه بداخله، لقد كان على ثقة أنها
ستصفح يومًا ما مثلما فعلت بالماضي أكثر من مرة، يثق أنها تعشقه ويعرف كما يعرف
اسمه أنه لا يستحق هذا العشق!
باغتته بتقبيله، ورغبتها به لا يضاهي تأثيرها
شيئًا، أكثر ما يفرق معه أن يكون مرغوبًا بمثل شغفها هذا، هذا الجدار سيتحمل
كثيرًا وسيشهد على الكثير بعد أن دفعها برفق لتستقر عليه أمامه وأغلق الباب
ليحاولا لوهلة التقاط أنفاسهما وأخبرته بلهاث:
-
سنتين يا عمر، قدرت تبعد عني سنتين بحالهم؟
تفقدها بحالة من الخوف فهو يعلم أنه سيتألم
بما يقدم عليه معها ولم يكن ردًا على ما قالته بل كان مجرد رد لما يدور بداخل
رأسه:
-
أنا آسف.
أعادا الكرة من جديد ولكنها لم تغفل عما
تريده، ليس لأنها تستمتع بمثل هذه التصرفات ولكن فقط من أجل الوصول لتلك الغاية في
نفسها بأنه مستعد أن يفعل أي شيء من أجلها كما فعلت هي من أجله.
جولة أخرى من محاولة التنفس وقبلة أخرى ضاغطة
تلح على الاثنين بكل ما يبتغياه، قرابة عامان لكلاهما أصعب مما استطاعا أن
يتحملاه، أو على الأقل هذا ما يبدو الآن بعدما استيقظت بهما هذه الرغبة.
تفقدته بنعاس الاشتهاء الجلي بعينيها وأخبرته
مناشدة إياه بخفاء دون أن تنطقها صراحة ألا يخيب أملها به:
-
تعالى..
امسكت بيـ ـده واتجها سويًا نحو الحمام
والتفتت له متسائلة:
-
هتقولي أنسى برضو؟
لانت ابتسامته وقد قرر مسبقًا أن يدعها تفعل كل
ما يحلو لها بآخر أيام لهما سويًا واجابها:
-
بنوتي تعمل اللي هي عايزاه.
❈-❈-❈
عودة للوقت الحالي..
-
عمر أنت مركز في كلامي ولا سرحان في حاجة
تانية؟
سألته بجدية ونبرة حادة بعدما لاحظت نظراته التي
اختلفت نحوها فهي لم تأتِ من أجل تلك نظراته الراغبة بها وهي امرأة متزوجة وقد أتت
من أجل ابنهما ليس إلا، بينما هو على ما يبدو يشتهيها من تلك الطريقة التي
يُطالعها بها ولو طلعت الشمس من مغربها ستقتله لو حاول مجرد محاولة أن يُشتتها وهي
امرأة متزوجة، هل يظن نفسه جديرًا بها بعد كل ما فعله؟
اتسعت ابتسامته وهو يفهم أنها تزجره بطريقة
غير مباشرة عما يُفكر به وهو يتذكر كيف بدأت أول ليلة بينهما التي كانت السبب في
هذا الطفل الرائع الذي رآه منذ ساعات واجابها:
-
اه سرحت شوية في حاجة كده!
همهمت بتفهم ثم نهضت وعقدت ذراعيها بتحفز
وسألته بنبرة مُنبهة:
-
طيب، لو ركزت في اللي أنا قولته، ناوي تعمل
ايه؟
هل يمكنها الصمت ولو لخمسة دقائق فقط لينظر
بملامحها ويمكنها لاحقًا أن تفعل ما يحلو لها، خمسة دقائق فقط ليس أكثر.
أجلى حلقه وحاول مماطلتها قليلًا من أجل أن
تبقى معه لمدة أطول وأجابها:
-
مش عارف، موضوع زي ده محتاج تفكير، يعني ازاي
بعد ما كنت محدد حاجة أنتِ عايزاني دلوقتي أعمل حاجة تانية، طيب لو قربت منه هيبقى
الوضع ازاي لما ابعد عنه.
أومأت بالتفهم وحاولت التوقف عن تفقد ملامحه التي
كلما تمعنت بها وجدت بها اختلافات طفيفة لتسأله باقتضاب:
-
هتفكر قد ايه؟
تنهد بعمق ونهى ما تبقى من قهوته ونهض ليقترب
منها فسرعان ما ابتعدت هي ليلاحظ ما فعلته ليتراجع بإحراج آخذًا خطوة للخلف واجابها:
-
على حسب، معرفش أصلًا لريان ولا أعرف حياته
كويس ولا
-
ايوة، التحوير اهو!
قاطعته ونظرت له بمزيد من الجدية والرسمية
بآن واحد وأخبرته بغضب:
-
أظن احنا كبرنا على الحركات دي، أنا بكلمك
بخصوص ابننا وأنت شوية تسرح فيا وتبصلي كأنك بتفكر في حاجة مبقتش تنفع تحصل ما
بينا، وشوية تماطل في الكلام، بجد بتلف وتدور في إيه؟ الإجابة واضحة يا عمر، يا
تقرب من ابنك زي أي أب طبيعي بيحترم ابنه ومش عايز ياخد صدمة فيه يا إما ترفض،
وهقولك شكرًا، وهروح ادور على حاجة تبرر لريان في سنه الصغير ده ليه باباه مش
بيكلمه ومش عايز يعرفه!
جفاء نبرتها كان مسبوقًا على اذنيه، يعرف أنه
قد مر أربع سنوات ولكن هل كانت كافية لتغيرها من تلك الباكية التي كانت تتوسل من
أجل ألا ينفصلا إلى هذه القاسية أمامه؟!
ارتبكت أنفاسها لتخفض من نبرتها وهي تحاول
تنظيم أنفاسه وحاولت من جديد بهدوء أن تحصل على إجابة واضحة منه وكل ما تتمناه هو
موافقته على ما تريده:
-
مظنش ليه لازمة نتخانق ولا تهددني زي ما عملت
من شوية، بجد أكبر غلط هتغلطه في حياتك إنك متعرفش ريان.. سيبك من كل اللي فات وحال
تتمسك بالحاجة الوحيدة الحلوة اللي لسه قدامك تطلع بيها من الدنيا دي.
تبادلا النظرات وتعلم أن بداخلها بعض الكلمات
التي قد تؤلمه ولكن كان عليها أن تُلقيها على مسامعه دُفعة واحدة وفي نفس الوقت
بأكثر أسلوب هادئ ومهذب وجدته:
-
أنت عرفت وأنت عندك خمسة وتلاتين سنة اللي
باباك عمله، مامتك عمرك ما كنت قريب ليها ولا كنت قريب من عدي، علاقتك بيمنى من
أيام ما كنتو في الجامعة لغاية ما بوظتلك القضية وخففتلك الحكم بالأدلة، لما جت في
المحكمة قدام الناس كلها، وقدامي زمان حاولت تبوظ علاقتنا ونوعًا ما نجحت، مكسبتش
من علاقتك بيها غير تجربة سلبية، وحتى علاقتك بيا مكنتش احسن حاجة.. وعنود أنت وهي
ناشفين أوي مع بعض مع إنكم المفروض كويسين ومفيش بينكم حاجة وحشة، كل دي ناس في
حياتك تجاربك معاهم بتوجعك ومش نفسك تطلع في النهاية بعلاقة إنسانية واحدة كويسة؟!
تفقدته بأسى لا تدري على حاله أم على حال
طفلهما الذي ليس له ذنب في أي شيء وأخبرته مضيفة:
-
بطل تقسي على نفسك وتقسى عليه، أظن بعد كل ده
خلاص بقى كبرت كفاية إنك تفهم إن ريان مالوش ذنب.. الراجل اللي باباه كان بيقوله
الرجالة متعيطش ومفكرش ياخده في حضنه حاول تبقى نسخة أحسن منه وتقرب من ابنك وتحضنه
وتعرفه، صدقني يا عمر أنا عارفاك وفاهماك كويس.. لو قربت منه هترتاح مش هتتعب!
تركته واتجهت لكي تغادر وهي تفهم جيدًا أنها
قد ذكرته بأشياء ليس من الجيد أن يتذكرها ولكن عليه أن يدرك في هذا العمر أن الغبي
هو الذي لا يتعلم من أخطائه، على الأقل عليه ألا يكون مثلها!
اوقفها مناديًا إياها قبل أن تذهب وهي توشك
على الخروج:
-
حاضر يا روان..
التفتت نحوه لتتفقده باستغراب لتغير رأيه
السريع هكذا بينما تابع:
-
هحاول اتعامل معاه كويس قبل ما اسافر وأكلمه
وانا هناك ولما يكبر شوية معنديش مانع يبقى يجي يقعد معايا..
لم تفهم ما السبب وراء قبوله الأمر هكذا
بمنتهى السهولة بعد سنواتٍ وبعد حديث بينهما لم يدم لقرابة دقائق قليلة وتذكرت مع
من تتعامل فأخبرته بنبرة تلقائية تخفي خلفها الكثير من المخاوف:
-
على فكرة ريان مش هيسامحك في سنه ده خصوصًا
لو علقته ووهمته إنك أحسن أب في الدنيا وبعدين فجأة تختفي من حياته، هيكرهك ساعتها
وعمره ما هينساها!
ابتسم بسخرية من كلماتها واقترب متجهًا نحوها
وقال ما لم تُصرح هي به بكلام منطوق:
-
عارف إنه مش هيسامحني زي ما أنتِ ما عملتي،
وعارف إنه مش هيقبلني لو عملت كده طول عمره، ومقصدش أصلًا أقولك كده عشان اعلقه
بيا وفجأة اختفي، وسيبي الأيام الجاية تثبت ليكي لو كنت بكدب أو لأ، مظنش قدامك حل
تاني!
تعجبت من كلماته التي تبدو منطقية وسألته
بإلحاح:
-
وايه اللي خلاك فجأة توافق كده بعد ما كنت
رافض وبتهددني من كام ساعة؟
طالعها باشتياق بذل خلاله قصارى جهده ألا
يظهر عليه ولكنه يثق أنه فشل بمحاولته وأجابها بتردد:
-
مش عارف، يمكن لما هديت وفكرت بعد ما قعدت
معاه حسيت بحاجة مختلفة، أو يمكن إني لما قارنت بين حياتي زمان وحياته وقولت لو
ماما كانت ادتني الفرصة إننا نقرب كانت حياتي هتكون أسهل كطفل، أو يمكن عشان فكرني
بيكي.. مش عارف السبب، بس اللي عارفه إني عايز أقرب منه وأكون موجود في حياته.
طالعته بتفحص وهي فقدت كامل ثقتها به وبدوافعه
لتقول في النهاية بنظرة ممزقة بين الاحتقار الخالص وبين التمني بأن يخالف ظنونها
وكل ما تريده أن يثبت لها ولو مرة واحدة أنه يفعل ما يقوله حقًا:
-
يا ريت ده يحصل، صدقني كل اللي سامحت فيه في
حقي حاجة وريان بقا حاجة تانية، عمري ما هسامح أي حد أو حاجة تؤذيه.
اتجهت لكي تغادر مرة ثانية وبداخلها خوف
جديد، بالرغم أن ما أرادته هو تقبله لـ "ريان" ولكن الآن تتشتت افكارها
بألف لو ولو، لو فعل هذا أو ذاك أو ببساطة كان يكذب فيما قاله، ما الذي ستفعله
وقتها؟!
-
أنا عايز أعرف عنه كل حاجة، بيحب إيه وبيكره
إيه، مين اللي بيحبهم، بيحب يعمل إيه في يومه من ساعة ما بيصحى لغاية ما ينام!
وقفت وهي على بعد خطوات قليلة من منزله، تعرف
أن هذه هي نفس الطريقة التي اتبعها يومًا ما معها، نفس النهج ينتهجه من جديد حتى
يُسيطر على مشاعره تجاهه، هذا الخبث بعد سنوات معه بات واضحًا للغاية، ولكنها لن تجلس
معه وتبادله الإجابات وتغرق بثرثرة طويلة قد تنتهي بعد أيام، لم يعد هناك بداخلها
سوى الرفض الشديد حتى للنظر بوجهه الذي بدأ في الاختلاف بعد أربع سنوات، لقد خاضت
معه هذه اللعبة بالسابق ولطالما لحقت بها الخسارة الفادحة.
التفتت له وأكتفت أن تجيبه باقتضاب:
-
ريان طفل ذكي، مع الوقت هتفهمه، تصبح على
خير.
تركته وغادرت متجهة نحو منزل
"عنود" وقررت أنها لن تضيع المزيد من الدقائق معه التي لا تستحق إرهاق
عقلها وستنتهي بتشتيتها، أما هو فلقد وصل لكل ما أراده يومًا ما، أن تتركه خلفها
وتمضي، ليتها فعلت كل ذلك من البداية، ليتها لم تغفر له!
❈-❈-❈
منذ أربع سنوات وأربعة أشهر..
شاهدته وهو مُقيد بتلك السلسلة بالصنبور خلفه،
طرفي قميصه متباعدان، لا يدري ما الذي تريد الوصول له وكل ما تفعله هو اثا رته ثم
الابتعاد، حسنًا، هذا الأسلوب مقزز، يعرف أنه لطالما اتبعه معها ولكنه لا يستطيع
تحمله!
حاول أن يوقفها متسائلًا:
-
مش كفاية كده؟
أومأت له بالإنكار ويـ ـدها تحرر ما يستر
نصفه الأسفل دون إزالة ملابسه بالكامل بعد وما زالت تنظر نحوه بعينيها الفاتنتين وكأنها
تتقصد إهلاكه اليوم بما تفعله من تحـ ــسسات تؤجج دمائه حتى كادت أن تحترق رأسه
واقتربت نحوه أكثر وهي تمسك به وهمست بداخل أنفاسه المحترقة المتتابعة:
-
عايز إيه؟
ابتسم لها بحقد شديد على ما تفعله فهي تستخدم
نفس طريقته ضده الآن ولكنه يعرف كيف يتخلص من هذا ليحدثها بخفوت بين لهاثه الذي
ازداد بشدة وهي لا تتوقف عن اثا رتها له بأصابعها التي تحيطه بالمقدار المناسب
تمامًا لتمزقه دون إسراف، فوتيرتها لم تكن بطيئة إلى درجة الملل، ولم تكن سريعة إلى
هذه المرحلة التي قد تجعله يُلقي بكل ما حمله لقرابة عامين من الانتظار:
-
عايزك، عايز أفضل في حضنك من غير ما احـ ـس
بالوقت وهو بيعدي، عايز أنام واصحى الاقيكي جانبي من غير ما نكون ندمانين على اللي
حصل قبل ما ننام..
اقترب قليلًا لكي يقبلها ولكنها ابتعدت قليلًا
للخلف ليشعر بالغضب مما تفعله وأشاح بنظره عن وجهها ليتابع تحركات يـ ـدها، وانطبقا
فكيه بعنـف ليتلاحما في اعتراض على ما تفعله لتبتسم وهي تراه مشتتًا راغبًا في
المزيد مثلها يومًا ما ولكنها لم تكن بهذا الغضب قط مثلما يبدو الآن على ملامحه لتسأله
بتشفي:
-
حلو اللي بيحصل ده ولا بيضايق؟
رفع عيناه نحوها بمزيد من الغضب عندما قويت
يـ ـدها فيما تفعله ليحدثها بلهاثٍ بين أسنانه المُطبقة:
- هو حلو بس ده مش وقته!