-->

رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه - الفصل 68 - 3 الأحد 22/10/2023


    رواية كما يحلو لها

الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه

رواية جديدة كما يحلو لها

تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى

من قصص وروايات

الكاتبة بتول طه

النسخة العامية

الأحد 22/10/2023

الفصل الثامن والستون

الجزء الثالث


العودة للصفحة السابقة 


رفع عيناه نحوها بمزيد من الغضب عندما قويت يـ ـدها فيما تفعله ليحدثها بلهاثٍ بين أسنانه المُطبقة:

-       هو حلو بس ده مش وقته!

 

رفعت حاجباها بعدم تصديق زائف ورمقته بنظرة ات مغزى وكأنه هو المظلوم هُنا وهي من تتحكم به، يا لها من ظالمة! كيف تفعل هذا به؟! أليس هو من كان يفعل هذا بها؟!

 

ما زال أمامه آخر ما سيُقنعها، إن لم يجعلها تتوقف وهو يخبرها بالتالي لم يعد لديه أي فكرة لا تضمن الإجبار وهو يوقفها:

-       روان حاولي تفهمي، أنا الأدوية اللي باخدها بقالي فترة معنديش أي فكرة ممكن تكون غيرتني ازاي، وكمان احنا بقالنا حوالي سنتين مقربناش من بعض، أول مرة مظنش حد فينا هيستحمل، ممكن دقيقتين ولا تلاتة، فبلاش اللي أنتِ بتعمليه ده هيخلني أول ما اقربلك مستحملش ثواني!

 

تابعت ما تفعله بسرعة أكثر نوعًا ما لتتوجه عيناه للأسفل وازداد لهاثه لتقترب هي وهمست بأذنه:

-       مكونتش أعرف إن حاجة زي دي هتضايقك وممكن تأثر عليك، sorry!

 

اعادت ملابسه كما كانت وتوقفت عن فعلها ليزفر براحة ولكن بمجرد التقاء أعينهما لمح بعسليتيها طيف خطة جديدة وأدرك أنها لو امسكت بالمزيد من زمام الأمور لفترة أطول من هذا وظلت هي المتحكمة ستدفعه للفتور التام وتغير مزاجه ليجدها تخبره:

-       ممكن نجرب حاجة تانية تخليك تستحمل اكتر!

--

عودة للوقت الحالي..

 

جلس أمام منزله الصغير على واحد من المقاعد المُريحة وتشجع ببعض النسمات الخريفية قبل أن تحتد الشمس، وهو يُسلط تركيزه الشديد الذي كاد أن يؤلم رأسه وجعله ينعزل عما حوله بأكمله ليتفقد هذه الأسطر باهتمام هائل ليفهم هذه التفاصيل فلم يكن الأمر سهلًا عليه، فأعاد القراءة من بداية الفقرة وهو يلعن بداخله، لطالما كانت هذه الكُتب القانونية صعبة ولا يستسغ كلماتها بسهولة وقرر فجأة أن يقتل صاحب هذا الصوت لتشتيت تركيزه:

-       هو أنت بتحفظ حدوتة عشان تحكيهالي بليل؟

 

حسنًا، لقد أعلن هذا الرائع عن ضرورة توقفه عن متابعة القراءة فأغلق الكتاب الذي يقرأه ووضعه على منضدة أمامه وأومأ له بالإنكار ودام الصمت فيما بينهما ليزداد تفقدهما لبعضهما البعض فسأله مرة ثانية:

-       امال كنت بتقرا إيه؟

 

تنهد وهو يعقد حاجباه واجابه باقتضاب:

-       كتاب في القانون.

 

اتضح على ملامحه الطفولية عدم الفهم وفوجئ "عمر" بتلك الطريقة التي جمع بها "ريان" كلتا يـ ـداه خلف ظهره كما كان يفعل تمامًا عندما يُفكر وينتظر أمرًا ما ليجده يسأله من جديد:

-       هو ايه القانون ده؟

 

لانت ملامحه له وابتسم مجيبًا إياه بسؤال بسيط ومباشر:

-       مامي وهي بتعمل الأكل، بتسيبك تقرب من النار ولا بتقولك مينفعش تقرب منها؟

 

هز رأسه بالنفي واجابه:

-       لا بتقولي غلط وبتخليني اتفرج من بعيد.

 

همهم له باتفاق ووضح له بطريقة يظن أنها قد تقنع طفل في مثل عمره:

-       وهو عشان غلط، يبقى فيه قانون مامي حطته، ممنوع تقرب من النار علشان خطر، وأنت بتسمع الكلام وموافق على القانون ده عشان النار متلسعكش والقانون بتاع مامي ده بيحميك وبيحافظ عليك من أي حاجة وحشة.. عرفت يعني إيه قانون؟

 

 طالعه بتساؤل لمدة من الزمن حاول خلالها أن يستوعب ما قاله ليتابعه الآخر بتريث منتظرًا سؤال جديد في هذه المناقشة الذي يبدو أنها تُعجبه فنظر للكتاب بتردد ثم له وسأله:

-       هي مامي عملت القانون ده؟

 

ابتسم من مجرد التخيل بأنها من قامت بكتابة هذه الطلاسم التي يكرهها وأخبره:

-       تعالى وأنا احكيلك..

 

دنا قليلًا ليقربه له ورفعه ليُجلسه على سا قاه ليوقفه "ريان" باعتراض وهو يتفلت منه وتوجه بعيدًا:

-       لا مش هاقعد كده غير لما أقول لمامي الأول أو طنط عنود أو بابي يحيى أو خالو بسام!

 

اندهش من ردة فعله وسأله:

-       اشمعنى يعني؟

 

تفقده بجدية واجابه:

-       عشان مينفعش اقعد على حجر حد معرفوش غير لما مامي تقولي أوك او حد من دول.

 

قلب شـ ـفتاه بنوع من الإعجاب وسأله:

-       يعني هتفضل واقف واحنا بنتكلم؟

 

أومأ له بالموافقة ثم نظر حولهما واجابه مقترحًا:

-       ممكن تجيبلي كُرسي تاني أو اقعد هنا فوق.

 

أشار نحو المنضدة ليسأله "عمر" قبل اقترابه منه مرة أخرى:

-       طيب أساعدك تطلع فوق ولا هتعرف تطلع لواحدك؟

-       لا طلعني..

 

وجده "ريان" قد حمله واجلسه بسرعة فتذكر كلمات والدته له عن الفرق بين الخطأ والصحيح ليشعر بأن ما فعله صحيح ليحدثه "عمر" وهو يظن بداخله أن أمامه طريق طويل ليكسب ثقته:

-       بص، البلد اللي عايشين فيها عامله زي البيت، مش أنت قاعد مع مامي في البيت؟

 

هز رأسه بالموافقة فتابع بأكثر طريقة وجدها مناسبة لأن يتفهم ما معنى القانون ومن يضعه:

-       والبيت ده فيه مامي وبابي، حد بيقولك على حاجات صح إنك تعملها وحاجات غلط، مش كده؟

 

قرأ على ملامحه إلى الآن أنه يستوعب الكلمات فأكمل:

-       البلد بقا فيها ناس كبيرة زي مامي وبابي، فبيعملوا القانون، عشان محدش يعمل حاجة غلط ويعملوا كل حاجة صح، وهم اللي بيكتبوا الكُتب دي.

-       أنت عرفت الكلام ده ازاي؟

 

تعجب من سؤاله وابتسم له واجابه:

-       عشان أنا كنت بشتغل زمان محامي.

 

شعر بالتردد مما يسمعه بل هو لم يفهمه فسأله:

-       يعني إيه؟

-       يعني أنا بحفظ القانون، وبفهمه، وبعرف الصح والغلط، علشان لو حد عمل حاجة غلط اخليه يعمل الصح وميكررش الغلط ده تاني..

 

لم يكترث به ولا بكلماته وفجأة قفز للأسفل وهرول في اتجاه ما خلفه ولكن ليس باتجاه المنزل ليلتفت حيثما يذهب ليجده يُنادي:

-       بابي يحيى..

 

تابع "عمر" ما يحدث بينما عانقه هذا اللعين الآخر وهو يُلاعبه قائلًا عدة أشياء لم يستمع لها لبُعد المسافة ولكن تبدو أنها أشياء تجعل "ريان" مستمتعًا للغاية وإلا لم تكن لتعلو ضحكاته بهذا الشكل، هو لم يره يضحك هكذا منذ أمس، هذا زوجها إذن، مُهرج يُضحك الأطفال!

 

تردد قبل أن ينهض ويتوجه نحوهما لرغبته بمعرفة ما الذي يفعله هذا المُهرج بحبيبته وابنه ولكنه أبى اتخاذ الخطوة الأولى معه، لن يذهب هو لأحد، وعلى كل حال ستلتقي الوجوه عاجلًا أم آجلًا.

 

أعاد نظره أمامه وتناول الكتاب وحاول أن يُسلط تركيزه على تلك الكلمات أمامه ولكن دون فائدة، ما حدث منذ قليل جعله ينزعج من كونه ذو دور ثانوي، ألم يكن هذا باختياره؟ تبًا لعناده، ليته لم يُطلقها، وتبًا للندم هذا الذي يجعله يغضب الآن.. هذا أفضل لكلاهما، لا يستحق أيًا منهما أن يتحمل رجل مريض مثله وهذا المهرج ربما يكون أفضل منه.

 

-       صباح الخير.

 

نبهه صوته ولم يكن في حسبانه أن يتحدث معه الآن، لم يُفكر بهذه المواجهة بعد، تبًا، عليه الهرب سريعًا بكل الحجج الممكنة!

-       صباح النور.

 

اضطر آسفًا أن يرد عليه باقتضاب ونهض من مقعده تاركًا كتابه أمامه على المنضدة وتفقده خافيًا غيظه من تلك الطريقة التي يحمل بها "ريان" الذي تشبث بعنقه بينما صافحه الآخر بملامح تلقائية:

-       يحيى رضوان.

 

صافحه مبادلًا إياه ولم يجد سوى اتباع طريقته مؤقتًا حتى يتهرب من كل ما حوله:

-       عمر الجندي.

-       هي چوچو مش هتيجي بقا؟

 

من هذه الذي سأل عنها للتو؟ هناك الكثير لا يعرفه وفقدانه لتفاصيل شتى جعله يشعر بالمزيد من الانزعاج ولكن أجابه هذا المهرج:

-       لا چوچو عند مامتها وهتيجي كمان أسبوعين.. ما تروح تلعب مع آمن وأوس على ما الفطار يجهز.

-       لا بيلعبوا بالكورة وأنا مش بحبها..

-       طيب روح شوف مامي صحيت ولا لأ وصحيها عشان تفطر معانا.

-       أوك.

 

أنزله فتوجه الآخر للداخل وانتظر "يحيى" ابتعاده بمسافة مناسبة والتفت نحو "عمر" الذي شعر بأن هناك حديث ما سيضطر لخوضه معه ولكن لن يتركه ليُشغل الكثير من وقته فأخبره الأول بملامح مُرحبة:

-       حمد الله على سلامتك.

 

أومأ له برسمية وعقب باقتضاب:

-       شكرًا.

 

حاول أن يبدأ بحديث معه قد يضع بعض النقاط على الحروف فهو رجل واضح ومباشر ولا يريد أي من التعقيدات في حياته ولقد مر بنفس هذا الوضع مع زوج "هاجر" والدة "چومانا" ابنته فحدثه بود:

-       أنا كنت عايز اجي امبارح واشوفك ونتكلم بس كان عندي شغل كتير ويوم الخميس بخلص متأخر اوي، بس لو معندكش حاجة ممكن نتكلم شوية النهاردة.

 

أجلى حلقه وبالرغم من رغبته في الاختفاء بعيدًا عن كل شيء رد برسمية لم تبتعد عن الاقتضاب، فكلما قلت الكلمات كلما قلت الأخطاء:

-       اه طبعًا اتفضل.

 

تفقده وحدثه مباشرة بما ود قوله:

-       أنا عايز اقولك إنك في أي وقت حابب تيجي تزور فيه ريان أو تخرج معاه ممكن تتفضل، يعني أنا وهاجر طليقتي بنتعامل كده بخصوص چومانا والموضوع مريح البنت جدًا وانفصالي أنا ومامتها مش مأثر عليها، وأنت باباه وعمري ما هيكون عندي أي مُشكلة في حاجة زي دي.. مش حابب يكون فيه ما بينا أي احراج في الموضوع ده.

 

همهم له بالموافقة ولم يقل شيئًا وحافظ على صمته فتابع "يحيى" ما يريد الوصول له بالرغم من استشعاره جمود شديد منه:

-       لو برضو يريحك إنه مثلًا يقضي معاك اجازات أو أيام معينة اتفق أنت وروان واتفضل في البيت وتعالى خده بنفسك أنا هتفهم حاجة زي دي لأني بنفسي بروح اخد بنتي..

 

مهرج غبي، لو ذهب لمنزلهما سيقتل "روان" على مشاركتها لرجل آخر فراشه وسيقتل "ريان" كالقطة التي تأكل أولادها خوفًا عند لمـ ـس شخص غريب لهم، وسيقتله هو نفسه لجرأته في الاقتراب من كلاهما، وفي النهاية سيقتل نفسه ندمًا!

 

ولكن لينتهي من هذا الهرج الذي جعل دمائه تحترق:

-       هشوف أكيد هنرتبها ازاي، شكرًا.

 

قلب الآخر شـ ـفتاه بقليل من الاستغراب ولكن دعاه برسمية لا تفتقر للود كمحاولة للتخلص من جموده:

-       ما تيجي تفطر معانا وبعدين هننزل أنا ويونس والولاد نروح نصلي الجُمعة، إيه رأيك؟

 

رفض بتهذيب وتهرب برسمية:

-       أنا بفطر من بدري بصراحة، كلها ساعتين تلاتة واتغدا.

  

هز رأسه بالموافقة له وحاول مرة ثانية معه:

-       تعالى كل حاجة خفيفة واقعد معانا أو حتى اشرب قهوة، عشان ريان ياخد عليك شوية، بلاش تكون بعيد وتحـ ــسسه إنك غريب، أنا واخد بالي إن الولد بيسأل عادي يقرب منك ولا لأ بس هو نفسه في كده.

 

المزيد من الاقتضاب كان رد له:

-       تمام..

 

اتجه كلاهما صوب منزل "عنود" في صمت، فمن تجربته للمبادرة بحديث بينهما وجد "عمر" جامد للغاية قليل الكلمات وهو نفسه رجل لا يشتهر بالثرثرة الكثيرة إلا مع من يعرفهم فقام "يحيى" برن الجرس وانتظر قبل أن يدخل المنزل فقد تكون زوجة صديقه دون حجابها وأتى "يونس" وهو يتفقده بانزعاج وحدثه قائلًا:

-       لف وارجع تاني مكان ما جيت، بقى متجيش امبارح!

 

اقترب منه رغمًا عنه وعانقه وهو يُحدثه معتذرًا:

-       والله ماشي امبارح من المستشفى بعد الساعة واحدة بليل ومكونتش شايف قدامي، مبروك يا أبو آسيا!

 

سرعان ما تعدل مزاج "يونس" وتابعهما "عمر" من مسافة محاولًا فهم هذه الشخصية الجديدة عليه ولوهلة شعر بأن عليه حماية منطقته من هذا الذكر المهرج الذي يتخيل أن بسهولة يُمكنه التدخل فيما لا يعنيه وأكمل متابعتهما:

-       الله يبارك فيك، صباح الخير يا عمر، عامل إيه؟  

-       تمام.

 

أجاب زوج أخته وتوجه ثلاثتهم للداخل نحو المائدة واستمع "عمر" لما يدور بينهما من حديث:

-       بقولك صحيح، صاحبك هربت منه على الآخر، سافرله أسبوع ومراته فضلت تقررني امبارح وتجبني يمين وشمال بس أنا عملت فيها عبيط!

-       عمار؟! هو لسه برضو مفيش فايدة؟ أنا صحيح لقيتها بعتالي على الواتساب بس مقرتش بعتت ايه، كان مقضيها تاني؟

-       شكله كده بس اعمل نفسك متعرفش حاجة احنا مش ناقصين وجع دماغ، وحاول تكلمه كلمتين وخليه يكبر ويعقل بقا بدل ما يبهدل الدُنيا ومراته مستنياله على غلطة أساسًا.

-       هبقى أكلمه حاضر..

 

دخلت "مايا" وهي تضع طبقين على المائدة ونظرت لثلاثتهم بابتسامة مرحة:

-       يا صباح الفُل، ازيك يا يحيى عامل ايه؟

 

رد عليها بود صادق:

-       كله تمام، أنتِ ايه الاخبار؟ وصحة مامتك دلوقتي عاملة ايه؟

 

تلاشت ابتسامتها قليلًا وأخبرته بطيف من الحُزن:

-       يعني، هي احسن بس الموضوع شكله ميطمنش، كبرت اوي برضو والعمليات اللي عملتها مكنتش سهلة.

-       لا متقلقيش هتبقى تمام، وابقي ابعتيلي التقارير هخلي حد شاطر يبص عليهم وخير إن شاء الله.

 

أومأت له بالتفهم بينما يتابع "عمر" ما يحدث حوله، مهرج، ويتظاهر أنه أب جيد، ولديه أصدقاء مثل الصبيان الصغار، ويعامل الجميع كأنه الرجل الأكثر انشغالًا على وجه الأرض ويظن أنه الطبيب الأفضل، حسنًا ماذا هناك بعد؟

-       روري صحيت ولا لسه؟

-       تقريبًا لأ، شكلها نامت متأخر امبارح.

 

لقد كانت بالمنزل في تمام الثالثة والخامسة عشر، يا تُرى هل تحدثت له بعدها لذلك كان يخبره بتلك الكلمات؟

-       هي كلمتني امبارح بصراحة بس كنت في سابع نومة يا دوب رديت عليها ومفيش ثواني وقفلت.

-       طيب ادخل شوفها، يمكن كانت عايزاك في حاجة مهمة.

 

تفقد "يونس" باستفهام فهو لن يتحرك في المنزل خشية من أن تكون "عنود" بمكان ما فنهض وهو يخبره:

-       يا عم براحتك هي في الأوضة اللي فوق جنب السلم.

 

نهض وغادر بينما تابعه "عمر" بسخرية، ثوانٍ وأنهى المكالمة، ليته يعلم، ستجعل حياته كالجحيم لرفضه إياها، سيستمتع للغاية برؤيتها وهي تعاقبه على ما فعله، لقد اشتاق لنظراتها الغاضبة للغاية ولم يُكفه ما حصل عليه منها طوال ليلة أمس وظل يتخيل الكثير مما قد يحدث إلى أن غاب عن مرمى بصره!

--

في نفس الوقت..

توجه لداخل الغرفة التي ما زالت مُظلمة ولم يجد أثر لـ "ريان" بينما وجدها نائمة فذهب نحو النافذة بعدما أغلق الباب وازاح الستائر قليلًا دون أن يقوم بإبعادها بالكامل عن الزجاج ثم اقترب من الفراش وجلس بجانبها واقترب ليُقبلها على وجنتها وأخبرها:

-       مش صباح الخير بقى ولا إيه!

 

فتحت عيناها بصعوبة وهي لا تفهم لماذا لا يتركها أحد لتنام قليلًا فقد بدأت "مايا" ثم "ريان" والآن "يحيى" أمامها ولا تفهم حتى متى أتى.

-       صباح النور.

 

حاولت الاستيقاظ بصعوبة وهي تجلس على الفراش وسألته:

-       هي الساعة بقت كام؟

 

دلكت وجهها وهي تحاول الاستيقاظ، هي لم تنم سوى بعد السادسة صباحًا بعد تفكير مزق عقلها واستمعت له يجيبها:

-       داخلة على حداشر كده.

 

همهمت له بتفهم فأخبرها مرة ثانية:

-       أنا اتكلمت مع عمر على فكرة.

 

ذهب نعاسها في جزء من الثانية وسألته بقلق واهتمام شديد:

-       ليه في ايه؟

 

تعجب من ردة فعلها وأجاب بابتسامة مستغربة:

-       اهدى يا عم الحج محصلش حاجة

 

انزعجت من أسلوبه بالتعامل فهي ليست برجل ليُناديها بذلك كما أن هذا الأمر لا يستحق المُزاح وسألته بجدية من جديد:

-       يحيى بطل هزار، قولي ايه اللي حصل؟

-       مفيش قولتله لو عايز في أي وقت يجي يتفضل عشان يشوف ريان أو ياخده ويبات عنده، يعني قولت كده عشان ميبقاش فيه إحراج.. هو لسه ميعرفنيش برضو!

 

لا تستطيع تخيل كيف تم هذا بينهما وما كانت نتيجة نقاشهما على "عمر" خصوصًا فسألته:

-       وهو قالك ايه؟

 

قلب شـ ـفتاه متعجبًا واجابها بعدم اكتراث:

-       مقالش حاجات كتير، قالي هيبقا يرتب معاكي وشكرني وخلاص على كده.

 

نوعًا ما لم تُصدق ما يقوله، ليس لأنه كاذب ولكن لأن ما تعرفه أن "عمر" لن يتقبل بسهولة أن يخبره أحد بما عليه أن يفعله وكيف يجب أن يتصرف وقبل أن تعقب بشيء حدثها معتذرًا:

-       امبارح والله كنت تعبان اوي ومقدرتش اصحى، كنتِ عايزة تكلميني في إيه؟

 

امـ ـسك بيـ ـدها لتتفقده وهي تتنهد بعمق واجابته بالمختصر المفيد حيث أنه لن يكترث للتفاصيل:

-       عمر كان مصمم ميبقالوش أي علاقة بريان، بس بعد ما أنت مردتش عليا روحت وكلمته تاني واتفقنا إنه هيحاول، كان خايف شوية لا يجيله نوبات مثلًا وريان جانبه أو يعرف إنه تعبان ويخاف منه..

 

ضحك بخفوت ساخرًا وحدثها مازحًا:

-       طبعًا أنا عارفك، مود كن فيكون اشتغل جواكي!

 

تفقدته بانزعاجٍ لمزاحه بهذا فاقترب وقبل جبهتها وتراجع عما قاله:

-       خلاص طيب بلاش هزار قبل ما تشربي قهوتك.. بس خلينا نتكلم بجد شوية.

 

نظر لها وحدثها بعقلانية تامة بعيدًا عما تريده هي:

-       عمر ميعرفهوش، مشالوش اول ما اتولد ولا سمع منه أول كلمة نطقها ولا شاف أول خطوة ليه وكل الحاجات اللي بتحـ ــسس الراجل إنه أب وبيحب ابنه، وبعدين الراجل قلقان وخايف على ريان عشان انتِ قولتيلي إنه bipolar باين، فمعلش بالراحة عليه، ده لسه أول مرة يشوفه امبارح. تصرفه منطقي مش متوقع يعني اول ما يشوفه يقوله بالحضن وتعالى عيش معايا!

 

طالعته بتردد وسألته بحيرة:

-       أنت شايف كده فعلًا؟

 

أومأ لها بالموافقة وكان ما قاله بالنسبة له أكثر من كافيًا فسرعان ما غير مجرى الحديث:

-       بصي بقا، أنا عارف إنك لسه نكودة اللي جواكي مقموصة عشان أنا مشغول الفترة الأخيرة بس النهاردة هنخرج ونتعشى سوا وعاملك مفاجأة بليل.. هروح بس اصلي الجمعة مع يونس ونخرج شوية نقعد مع اصحابنا وهطلع اطمن على ماما ومش هطول واجيلك البيت اعدي عليكي ونخرج بليل.. شوفي هتحبي ترجعي امتى وفكري تسيبي ريان هنا ولا تسيبيه في البيت ونكلم الناني تيجي تقعد معاه؟

 

جالت عسليتيها بتفكير وهي تهمهم مُفكرة:

-       خليه هنا، وبرضو هعرف عنود وأكد عليك.. شوية كده افوق بس وهرد عليك قبل ما تروح تصلي.  

-       ماشي اتفقنا، يالا قومي اغسلي وشك عشان ننزل نفطر معاهم.

 

نهضت ووجدت أن تلك المنامة التي ترتديها ليس مبالغ بها للجلوس أمام الجميع وتوجهت للحمام وغسلت وجهها حيث كان ينتظرها وتوجها سويًا للأسفل وهي تُمسك بيـ ـده لتجد "عمر" بأسفل الدرج يدنو للأسفل وهو يقوم بربط حذاء "ريان" فتوقف كلاهما عن النزول ووجدته يرفع عيناه نحوها بنفس تلك النظرة التي تجعلها تشعر أنها المرأة الأفضل في الحياة وأخبرها:

-       صباح الخير.

 

طالعت ما يحدث بينه وبين "ريان" لتستحسن ذلك أفضل من غضبه ليلة أمس وهي تواجه كلاهما ببعضهما البعض لتعقب بهدوء:

-       صباح النور.


تابع قراءة الفصل..