-->

رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه - الفصل 69 - 1 الأربعاء 25/10/2023


    رواية كما يحلو لها

الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه

رواية جديدة كما يحلو لها

تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى

من قصص وروايات

الكاتبة بتول طه

النسخة العامية

الأربعاء 25/10/2023

الفصل التاسع والستون

الجزء الأول

لا يتكلم لغة المهرجين ولم يفعل قط ولكن من ملامحه بدا عليه كم كان محترقًا بالغيرة من رؤيته لزوجته الرائعة وهناك من يُمسك بها ويساعده ويهتم بها، حسنًا فلينضم إليه، لقد احترق مرات بالسابق إلى أن أحرق كل شيء ودمره وحوله لرماد، من الواضح أن كلاهما يعرفان ما معنى امتلاك امرأة رائعة مثلها وكم هو مقيت شعر الغيرة عليها خصوصًا وأن من يراها يريد الحصول عليها بأي ثمن!

 

للأسف اضطر أن يترك يـ ـدها بينما هي قد تصرفت بمنتهى الخبث، هي ليست في حاجة لغيرة رجل مرة ثانية، فقط تظاهرت بالدوار بمجرد تركه لها وكأن قدماها خذلتاها ليهرع الاثنان في محاولة للمساعدة وبالرغم من رغبته في حرق ذراعه التي تُحيط بها وابعاده عنها بأي طريقة كان عليه أن يتراجع، هي زوجة المهرج وهو ليس له دور أكثر من كونه والد ابنها، يا للسخرية، ليت الزمان يعود يومًا!

 

-       أنتِ اكلتي حاجة النهاردة بعد الفطار؟

-       لأ!

 

هذا آخر ما استمع له من حوار دار بينهما قبل أن يتوجه وهو يصنع لها نفس هذا المشروب الذي كان له مفعول جيد عليها منذ سنوات قبل أن تحترق أذناه بالمزيد من التفاصيل الطبية وتوجه عائدًا مرة أخرى لهما وقبل أن يدخل استمع أنها تتقيأ مرة ثانية فبدأ القلق يدور بداخله، إن لم تكن دورتها الشهرية فهذا يعني أنها!! تبًا، ليس بمنزله وليس على مرمى بصره، سيكون هو المُهرج الحقيقي..

 

ابتعد مرة ثانية وأنار ضوء خافت بنهاية المنزل حتى لا يستيقظ "ريان" وحاول تحديد مشاعره تجاه كل ما يحدث، هو يحترق ولا يقبل أيًا من هذه الأحداث، لو دامت رؤيته لها سيتعرض لنوبة قاسية، هو يثق من هذا..

 

وقف بمنتصف المنزل حيث كان يتابع ما ينضج على نار الموقد تارة وتارة يتفقد الطريق نحو الحمام في انتظار رؤية أيًا منهما ليستمع لصوت المياه بالداخل، هل من الممكن أن يبتلعه المرحاض ويتركها له؟! حادث رائع وسيُقيد بكونه قضاء وقدر وسيعيش معها لنهاية عمرهما دون شجار واحد.

 

خابت ظنونه عندما رآه هو قد خرج أولًا ليعلن بداخله وتوجه قبل أن تغلي تلك الأعشاب أكثر من اللازم وتُفسد الموقد بأكمله بعد أن استمع لانغلاق باب الحمام ليجده يُحدثه:

-       معلش قلقناك بليل.

 

لمحه بطرف عينيه وعقب باقتضاب:

-       مفيهاش قلق خالص.

 

كم مقت أن يقر بهذا بنفسه وأضاف:

-       سلامتها.

 

رد "يحيى" بلباقة رغمًا مما كان يحترق به عقله منذ قليل:  

-       الله يسلمك.

 

انتهى من سكب المشروب بكوب لكي يُعطيه لها عندما تخرج ووضعه على طبق تقديم وبمجرد أن خرجت وتفقدها بلمحة واحدة وهي تُمسك بجِذعها بهذه الطريقة هذا معناه أنها دورتها الشهرية بعدما رآها مرتين بالسابق وهي في أولى مراحل الحمل، شحوب وجهها كذلك في لمح البصر هكذا يؤكد على كلماته. هي ليست تحمل أبناء لهذا المُهرج بعد!

 

اتجهت لتجلس على الاريكة وهي تشعر برجفة بجـ ـسدها وخصوصًا بعدما حل الليل والنسمات الخريفية التي تدخل من الباب تصيبها بمزيد من البرودة ليقترب منها "يحيى" وسألها:

-       ممكن تفهميني إيه اللي حصل؟ ولو حابة اجيبلك دكتور أو نروح المستشفى عشان لو هنعمل MRI أو أشعة أو تحاليل؟

 

تفقدته بملامح مُتعبة وقبل أن تجيبه قدم لها "عمر" هذا الكوب ووضعه على المنضدة أمامها وهي حقًا لا تعرف حتى اليوم ما يحتوي عليه بل هي لم تعرف قط أهو خليط قرأ عنه يومًا ما أم ماذا فهي بعد ما عرفته عن عائلته لا تُصدق أن والدته اللعينة كانت تهتم بـ "عنود" بهذه الطريقة أثناء دورتها الشهرية مثلما أخبرها يومًا ما وتركهما وغادر نحو الحمام لتجيبه بمجرد ذهابه:

-       مالوش لازمة، دي الـ period

 

تعجب مما يستمع له وعقب مستغربًا:

-       بس أول مرة يحصلك كده.

 

دنت للأمام قليلًا لتتناول الكوب وارتشفت منه وقالت بسخرية لم تفرغ من تعبها الواضح:

-       دي من الحاجات اللي بتعصبني، إنك حتى متعرفش بيحصلي ايه عشان أنت مشغول اوي، بس اللي مش واخد بالك منه إن أنا كل شهر بيحصلي كده!

 

شجار، غيرة، ودورتها الشهرية، فليذهب سفر غد للجحيم إذن، وكلماتها جعلت الغضب يتملك منه أكثر بينما حاول أن يخفض من نبرته وهو يُخبرها:

-       روان لمي الدور ومش ناقصة خناق وأنتِ تعبانة.

 

دخل "يونس" وهو يتفقدهما وتبعته "عنود" كذلك التي اتجهت نحو "روان" على الفور وتسائل كلاهما بنظرات ماثلت تساؤل الأول:

-       خير يا جماعة فيه إيه؟

 

اجابه "يحيى" وهو يبتعد عنها:

-       روان تعبت شوية بس.

 

اقتربت منها "عنود" وهي تتفقدها وسألتها باهتمام:

-       إيه يا روري مالك؟ فيه حاجة حصلت ولا إيه؟

 

أومأت لها بالنفي بأنه لم يحدث شيء واجابتها بخفوت:

-       رجعت من الـ period مش اكتر وكنت متعصبة شوية، تقريبًا قولون على مغص، حبة وهكون كويسة متقلقيش.

 

أتى "عمر" ولم يكترث بوجود أي ممن حولهما وناولهما قِربَةُ جلدية قد وضع بها بعض المياه الساخنة وغطاء خفيف فأكثر ما سيُفيدها الآن هو الدفء والنوم وستكون بحال أفضل بعد ساعات قليلة.

 

لا تدري أعليها أن تكرهه لأنه الوحيد الذي يفهمها أم تمتن لأنه أكثر من يعرفها، تبًا لذلك الشتات الذي يُصيبها به، بعد ما مر عليهما معًا لقد باتت تأخذ كل ما تستطيع الوصول له بمنتهى الأنانية سواء أتى هذا منه أو من "يحيى" أو من أي شخص حولها، أهم شيء أن تستفيد هي بكل الطرق ويا لصاحب الحظ العسر الذي لن يوافق على ما تريده ستجعل حياته جحيم. وبالرغم من أنها باتت تعرف هذا عن نفسها إلا أنها باتت تكره هذه الحقيقة عنها وبشدة!

 

تابعت "عنود" ما يحدث وربتت عليها كما فعل "يونس" و "يحيى" ليخبرها "عمر" باقتضاب قبل أن يتجه لطريقه نحو الخارج:

-       سلامتك.

 

أومأت له بامتنان زائف فما يفعله أقل مما تستحقه بكثير منه على كل حال وفاجئها عندما تحدث إلى "يحيى" بخفوت لدرجة أنها لم تستمع لهما وتوجه معه للخارج بعد أن حمل سلسلة مفاتيح من لوحة خشبية بجانب الباب من الداخل بينما تحدث "يونس" وهي تحيط نفسها بهذا الغطاء لتستلهم منه بعض الدفء:

-       طيب تحبي تيجي تريحي في البيت عندنا..

 

هزت رأسها بالنفي وردت قائلة:

-       لا لأ، أنا ربع ساعة كده وهكون كويسة وهاخد ريان وهنروح، وطو صوتكم بس عشان ميصحاش..

--

في نفس الوقت..

طالعه وبالرغم من إسناده لدور المهرج إلا أنه أشفق عليه قليلًا، فهو ليس من السهل أن يتقاطع طريقه مع امرأة تجذب انتباه من حولها بمنتهى السهولة، كل ما يحدث وكأنه يخدمها بطريقة ما لالتفات الأنظار إليها، أينما كانت وفي أي وقت وكيفما بدت لابد من أن تكون محور الاهتمام شاء من شاء وأبى من أبى ولكنها نوعًا ما تُصبح الحقيقة في النهاية.

 

-       روان هتكون كويسة متقلقش، بس هي محتاجة تنام كام ساعة، لو معندكش مُشكة ناموا هنا وأنا هنام في بيت عنود أو عند ماما.

تفاجأ "يحيى" مما يسمعه ورفض بلباقة:

-       لا مالوش لزوم أكيد مش هنقلقك كده، كفاية تعبناك.

-       مفيهاش تعب، أنا عارف إنها تعبانة جدًا دلوقتي ومش هتقدر حتى تقوم أو تمشي.

 

أعد هذا الحوار مُسبقًا برأسه ولم يكترث بما قد تكون مشاعره الآن، يتعفن بغيرته أو يشعر بأنه كالمهرج الأبله، لا يهم، ما يهم هو بعد قضاؤه اليوم مع "ريان" هو يُريد المزيد منه!

 

طالعه "يحيى" وقد فهم بشعور الذكور طريقة "عمر" في محاولته لفرض هيمنته الذكورية وكأنه هو الوحيد الذي يعرف كل شيء ولكن تبدد هذا الفكر بمجرد ما أخبره به:

-       أنا حابب ريان يقعد معايا يومين، شوفوا كده لو تمام حد بس يعرفني!

 

أجابه "يحيى" بعفوية:

-       أنا معنديش مُشكلة، هقول لروان واخليها تعرفك.

 

هز رأسه برسمية تجاهه واتجه لمقعده مرة أخرى بعد أن توجه "يحيى" للداخل وأشعل غليونه بسخرية، حتى استمتاعه بقليل من التبغ الذي بات يتناوله بمواعيد قاسية قد فسد بالكامل، الغليون لا يتناوله سوى يوم الجمعة بنهاية الأسبوع مساءًا والسجائر مرتان طوال اليوم، هل هناك أقسى من هذا؟ ربما هناك أمرًا يُشغل باله، خيال محض يتراقص بعقله، هل يُمكن أن يُخرج جميعهم للجحيم ويتوجه لها ويُعانقها وينامان بعناق أبدي؟ يُقسم لو حدث هذا لن يتناول التبغ لما تبقى من حياته البائسة!

 

تناول كتابه من جديد وأخذ في القراءة من حيث انتهى:

"وهناك تجمعت من كل الأنحاء كنوز طروادة المستولى عليها بعد حرق الأماكن المقدسة: مناضد الآلهة، وأواني مليئة بالذهب الخالص، وملابس مسلوبة من أصحابها. كان يقف الصبية والأمهات اللاتي استولى عليهن الفزع في صف طويل حول المكان، ومع ذلك فقد تجرأت وبعثت بصيحاتي عبر الظلام وملأت الطرقات بالصياح، وأنا أردد في حزن مرة بعد أخرى، مناديًا كريوسا، دون أن أسمع منها إجابة.

وبينما أنا أبحث عنها، وانفع في جنون ليس له حدود خلال مباني الدمدينة، ظهر أمام عيني طيف بائس، إنه شبح كريوسا نفسها، لكنه طيف ظهر في صورة أكبر بكثير من حجمها المألوف.

ووقفت دون حراك، وقف شعر رأسي، وتحشرجت الكلمات في حلقي. عنئذ خاطبني شبح كريوسا قائلًا – وقد أذهب عني الهموم بكلماته:

-       ما الفائدة في اندفاعك نحو ذلك الحزن الجنوني، يا زوجي العزيز؟ إن ذلك لم يحدث رغم أنف الآلهة. إن القدر لن يسمح لك بأن تصطحب زوجتك معك، وحاكم السموات العليا نفسه يرضى بحكم القدر. سوف تطول سنوات منفاك، سوف ترتاد البحار الواسعة ذهابًا وإيابًا مثل راكب المحراث. وسوف تصل إلى الأراضي الهيسبرية، حيث مجرى نهر التـ.."

 

كان عليه أن يُنهي هذه اللعنة هنا وهو يُعيد غلق الكتاب، لا يحق لأحد ولا لكلمات "فرجيليوس" أن يتم سحق عقله قبيل نومه، لقد كان اليوم سيء للغاية بما فيه الكفاية. وليُلعن هذا التبغ، لم يعد لديه رغبة في المزيد سوى لها هي وحدها، لماذا هو الوحيد الذي لا يستطيع الاقتراب لها؟!

حسنًا لديه الإجابة، لأنه من أفسد كل شيء، بالماضي البعيد والقريب على حد سواء وهو لا يتجرع سوى من كأس اعماله.

 

مشى في الجهة المقابلة حيث كان هذا هو منزلها القديم ومنزل والدته الحالي عُرفيًا وأصبح منزله قانونيًا مرة ثانية وقام برن الجرس لتفتح له والدته منذ قليل وبمجرد دخوله استمع لهذا الصوت العالي الذي لا يمقت أكثر منه وهي تشاهد شيئًا ما ليحدثها متسائلًا باقتضاب:

-       ازيك يا ماما.

-       أهلا يا حبيبي ازيك.

-       تمام.

 

نفس الحديث المعهود ونفس الجمود الذي لن ينتهي معها وفي الحقيقة هو لا يمانع أن يظل قائمًا، فقط تفسير سريع وملخص قد يُنهي تعجبها لقدومه هكذا فجأة فأخبرها:

-       أنا احتمال انام هنا النهاردة وعايز اظبط شوية حاجات في الأوضة المقفولة اللي فوق.

لماذا الآن واليوم تحديدًا؟ هذا كان متوقع على كل حال، كانت تعرف أنه سيأتي يومًا ما من أجل غرفة الأشباح تلك بالأربع سنوات السابقة فردت باقتضاب:

-       براحتك يا حبيبي.

 

هز رأسه لها وتوجه صاعدًا للأعلى وهو يحاول الثبات لأنه يعرف أنه سيبكي حتمًا لرؤية الكثير من تلك التفاصيل بالداخل وقد فعل وحدث هذا مجددًا، كمثل ذلك اليوم الذي دخل به غرفتهما بعد استيقاظه من غيبوبة طويلة. لماذا لم تأخذ كل هذه التفاصيل معها عندما غادرت؟ لماذا تُعذبه بكل الطرق الممكنة؟! أيحزن منها أم من نفسه، بل من يستحق منهما أن يوجه له السؤال؟ لم يعد لديه إجابات على أي شيء!!

--

جلس بجانبها على هذه الأريكة بعد ذهاب كلًا من "يونس" و "عنود" لمنزلهما وحاول التصرف بنضوج قدر الإمكان فكل ما حدث خلال ساعتان أفسد كل ما كان يتمناه معها وأخبرها متسائلًا:

-       عاملة إيه دلوقتي؟ بقيتي أحسن؟

 

دنت أمامها قليلًا لتضع الكوب وتثاءبت وردت باقتضاب:

-       شوية.

 

زفر بعمق وحدثها بما يريد مباشرة دون الثرثرة بما لا يُفيد:

-       روان مش هينفع أسلوب الكلمة بكلمتها ده، كده حياتنا عمرها ما هتنجح مع بعض كده.

 

سخرت من كلماته وقامت بتقريب هذا الغطاء منها الذي تتشبث رائحته به لا تعرف هل تقوم بحرقه حتى يتحول لرماد أم هي تشعر بهذه الراحة التي لطالما تشاركتها معه في أوقات كهذه وقالت:

-       قول لنفسك!

 

التفت نحوها وقال موضحًا:

-       شوفتي، اهو هو ده الأسلوب نفسه.

 

سكتت ولم تُعقب وهي بالكاد تستطيع الجلوس مكانها فكل ما أرادته هو التكوم على نفسها فوق فراشٍ دافئ ولم تعر كلماته اهتمامًا يُذكر فحاول ألا يكون كالصبي الأهوج وواصل متسائلًا:

-       عمر عايز ريان يقعد معاه يومين، هتسيبيه ولا هتروحيه معانا؟ وناوية تسافري بكرة الصبح ولا لأ؟

 

شعرت بأن رأسها يدور هذه المرة حقًا أو رغبتها في النوم تزداد فأخبرته بخفوت:

-       لا ريان هيروح معايا، مش من أول يومين يشوفه ياخده يبات معاه!

 

عقد حاجباه وهو حقًا لا يفهم أي لعنة مما تقوم به وتعجب:

-       هو أنتِ مش كنتي متضايقة إنه مش عايز يتعامل معاه؟ دلوقتي بيحاول يكون زي أي أب برضو اتضايقتي؟ روان هو أنتِ عايزة ايه؟

 

التفتت نحوه بعسليتين نصف غامضتين واجابته بما جعل الغضب يجري في عروقه بدلًا من الدماء:

-       مالكش دعوة بالموضوع ده، دي حاجة تخص ريان متخصكش!

 

لو كان هو خبير بالبرود وبارع في عدم الاهتمام فليُكمل ما بدأه، هي لا تهتم بما قد تُسببه كلماتها به، بل لا تكترث لأي شيء على الاطلاق، عليه فقط ألا ينزعج من اتباعها نفس طريقته معه!

 

حاول الحفاظ على نبرة صوته حتى لا ترتفع ويستيقظ "ريان" ونهض وسألها بجدية:

-       هو ده هيبقى الأسلوب ما بيننا؟

 

تفقدته ببرود شديد ولم تُعطه إجابة تُذكر سوى تحديقها المستمر به دون أن تنطق بحرف ليشتعل غيظًا وحدثها من بين أسنانه المطبقة:

-       بصي وركزي في كلامي، أنا هقدر إنك تعبانة، وهقدر إننا في بيت طليقك ومش هاعمل مشاكل قدام حد ولا هاتكلم عن اللي شوفته من شوية وهاعمل نفسي عبيط.. هروح اقعد مع يونس نص ساعة وهجيلك تكوني فكرتي كويسة والاقيكي مجهزة رد ناوية تسافري بكرة ولا لأ، وريان هيقعد هنا زي ما كنتي عايزة عمر يبقى كويس معاه ولا هيجي معانا.. وصدقيني اللي أنتي بتعمليه ده هتبقا بداية مشاكل ما بيني وبينك ملهاش آخر.

 

نهضت بصعوبة لأنها حقًا مُتعبة وطالعته ببرود وصمت شديد ثم اتجهت نحو "ريان" ليغضب "يحيى" أكثر واتجه للخارج بينما جلست هي على طرف الفراش وتفقدته بحزن لتدخل أسفل الأغطية بجانبه وقبلت جبهته ولم تكترث بكون الباب مفتوحًا لم يُغلق وعانقته وحاولت أن توقظه بحنان دون مبالغة وهو يستقر بين ذراعيها ونادته لتنبهه:

-       روني.. سامعني..

 

همهم بنعاس لتقرب وجهها من وجهه وهي تُقبل وجنته ونادته مجددًا:

-       روني اصحى عايزة اسألك على حاجة.

 

فتح عيناه بصعوبة وتكلم بنعاس:

-       مامي..

 

اقترب منها ليبادلها العناق لتسأله سريعًا قبل أن يستغرق في النوم من جديد:

-       عايز تقعد هنا مع طنط عنود وبابي عمر ولا عايز تروح البيت معايا؟

-       هاقعد هنا..

 

لوهلة خاب أملها برغبته في الابتعاد عنها ولكنها لا تستطيع منع أي شيء يريده عنه فقبلت جبهته من جديد واقتربت له أكثر وهي تغمض عيناها في راحة لم تعد تُشاركها مع أحد سواه وبالرغم من تلك الرائحة المتعلقة بالوسائد والأغطية وجدت نفسها تغفو لا تدري ألمًا أم راحةً وحاولت أن تمنع نفسها عن النوم ولكنها فشلت تمامًا.

 

وقف أمام الباب ليتفقد من بالداخل قبل أن تطأ قدمه خطوة واحدة ليستشعر الصمت الشديد وهو لم يأتِ سوى من أجل أن يتناول واحد من دفاتره وعبوة من ادويته نسي أن يأخذهما منذ قليل وقام برن الجرس بلمـ ـسة قصيرة سريعة حتى لا يزعج أيًا من كان بالداخل فهو حقًا لا يدري إن كانا غادرا أم لا وبعد دقيقتان من انتظاره لم يظهر أحد فظن أن المنزل فارغًا فدخل ليجدهما يتعانقان مستغرقان في النوم ومنع نفسه من البكاء لرؤيتهما بفراشه الذي كان من المفترض أن يكون لهما وتحمل قدر استطاعته، يكفي بكائه منذ قليل، بل يكفي بكاء دام لسنوات وهو يتوارى عن اعين الجميع.

 

 جمع ما احتاجه سريعًا وكان في طريقه نحو الخارج فاستيقظت "روان" التي بالفعل كانت تحاول عدم الغرق في النوم عندما استمعت لتلك الخطوات ظنًا منها أن "يحيى" قد عاد وعليهما الاتجاه لمنزلهما الآن فنهضت وهي توقفه:

-       استنى.

 

حاولت النظر جيدًا على ذلك الضوء الطفيف الذي أتى بفعل الباب المفتوح إلى الآن وهمست باسمه باستفهام:

-       عمر؟

 

التفت بجانب وجهه نحوها ورد سائلًا:

-       نعم يا روان عايزة حاجة؟

 

نهضت سريعًا واقتربت في اتجاهه وحدثته سائلة:

-       أنت عايز ريان يقعد معاك قد إيه؟

 

تفادى النظر لها بطريقة مباشرة ورد مجيبًا باقتضاب:

-       زي ما تحبي.

 

لا تدري حقًا ما الذي جعله يتغير بين ليلة وضحاها فسألته:

-       وفجأة كده بقيت عايز ريان يكون معاك بعد أربع سنين كنت رافضه فيها؟

 

زفر بهدوء وهو يحاول السيطرة على مشاعره التي تتعرض للألم والاشتياق لكل ما بها في آن واحد وأدرك تمامًا كيف سيتصرف معها ولكن عليها أن تتذكر أين هما الآن وماهية علاقتهما فأخبرها:

-       أنا هخرج استناكي برا لو عايزة تتكلمي، البسي حاجة بس عشان الجو فيه هوا.

 

خرج وتركها فجذبت نفس الغطاء الخفيف الذي أعطاه لها منذ قليل وبالرغم من الأوجاع التي لم تخف حدتها بعد تحملت وذهبت لتتبعه وجلست على نفس المقعد الذي كان يجلس عليه منذ ساعة وأحضر هو مقعد صغير وجلس في مقابلتها على مسافة مقبولة لو رآهما أي أحد لن يرتاب بشأن ما يتحدثان به وأخبرها بسرد مباشر سيكون أكثر من كافي لها:

-       أنا ريان كنت مصمم مقربش منه لا بعاندك ولا عشان بكرهه، أنا كنت خايف وأظن أنتِ عارفة لما بكون خايف من حاجة بيحصلي إيه.. ابقى كداب لو قولتلك إن كل خوفي لما شوفته مكبرش، بس على قد ما كبر على قد ما كان مش مهم قصاد إنه يبقى قريب مني. حبيته في وقت قليل اوي، حب مش مشروط وكانت مريم قالتلي وفهمتني إن ده اللي المفروض يحصل بس كنت فاكر إني هقدر مقربش منه، بس عارفة المشكلة في إيه؟

 

تفقدها لثواني محاولًا استلهام الشجاعة التي ستؤهله للنطق بكل ما لابد أن تتذكره ويُقر هو به حتى يشعر كلاهما بالراحة:

-       لو ريان موجود يبقى أنتِ كمان موجودة، وبرضو هكدب لو قولت إن خلاص روان مبقتش بتأثر عليا، ومش عايز ندخل في تفاصيل اللي حصل ما بيننا عشان منزهقش ونعيد كلام ملوش لازمة، أنا عارف إني كنت كداب، وقاسي، وافتريت عليكي كتير، وفكرة الحمل نفسها أنا مقبلتهاش وكنت عايزك تنزليه وبعدين لما خلتيه أنا هددتك، كل ده أنا فاكره وحافظه، عارف إن من البداية لغاية النهاية كل حاجة كانت غلطتي، مع إني كنت بحبك!

 

تراجعت بمقعدها وأشاح هو بنظره بعيدًا عنها ليزفر بحرقة وندم على ما قاله ولكنه قرر أن يُنهي كلامهما بما سيوضح له ولها الكثير مما سيأتي بينهما في المستقبل:

-       يا ريت تعاملنا يكون عن طريق عنود أو يونس أو حتى يحيى جوزك!

 

اندهشت وهي تطالعه، هل يختار حقًا زوجها بدلًا منها؟ هل من يتحدث معها هو "عمر الجندي" نفسه الذي تزوجته يومًا ما؟

-       وده مش معناه إن لو لازم نتقابل في حاجة ضروري أو حصل صدفة إننا لازم نتجمع عشان حاجة تخص ريان يبقى هنتخانق! أظن كفايانا تحوير وخناق وكدب، احنا كبرنا على الكلام ده بما فيه الكفاية..

 

تذكر كل ما شاهده اليوم وكل تلك التفاصيل التي أدركها سواء من تعامله المباشر مع الجميع أو مما أخبره به "ريان" طوال وقتهما معًا وتابع:

-       أنتِ حياتك بقت كويسة، متجوزة انسان محترم وناجح وليه أصحاب وحياة كاملة وهيقدر يرد على كل اسئلتك اللي أنا معرفتش أرد عليها، هتلاقي الفرق بيني وبينه كبير اوي، يمكن لو كنت أنا مكانه مكونتش رضيت مراتي تشوف طليقها ولا تتعامل معاه وحتى الولد مكونتش هخليه يقرب منه مش عشان بحبه لا عشان نوع من أنواع السخافة والعِند!

 

لم تجد رد لأي مما قاله وتشتت نوعًا ما ولم يترك لها الفرصة بأن تقول أي شيء وواصل:

-       أنا بعدت عنك وهاكمل في ده، وأنتِ كمان لازم تبعدي، لو مكنش علشاني فعلى الأقل عشان مشاعر جوزك وعشان الولد لو حالتي حصل فيها تغيير ممكن ده يضره.. أنا كل اللي كان هاممني من ساعة بالظبط إني اعرف ايه اللي عصبك وايه اللي تاعبك واثبتلك إني اكتر واحد قريب ليكي.. مش بقصد مني بس انا بلاقي نفسي بتصرف كده معاكي.. زي ما جيتي صحتيني ساعة الفجر وصحيت وقعدت معاكي!

 

هنا أعاد نظره لها وطالعته بانزعاج صامت ولوم دفين لم ينتقل بعد على لسانها ليخبرها:

-       الراجل اللي دخل علينا الحمام ده واحد غيران على مراته، يمكن مش مجنون زي واحد شاف مراته مع ابن خالتها وشك فيها وفضل يبهدل فيها بعدها اكتر من شهر، بس المفروض احنا الاتنين نحترمه زي ما بيحترمنا.. قدري اننا حياتنا انتهت يا روان عشان أنا لو فضلت جانبك ومعاكي ولو حوالينا مليون بني آدم تصرفاتي مش هاعرف اسيطر عليها ولا هقدر امنع نفسي من إني اعاملك بحب قدام الناس.. خلي التعامل بيني وبينك في الضروريات.. تصبحي على خير.

 

نهض ليغادر فأوقفته بنداء:

-       استنى يا عمر.

 

وقف دون أن يلتفت لها بالكامل فهو لا يستطيع تحمل النظر لها ورؤيتها التي تجعله يتأكد من شدة غبائه في كل ما فرط به لتقول هي بنبرة تحشرجت بفعل بكاء مكتوم:

-       أنا هاخد شنطتي من جوا وامشي، خليك هنا عشان لو صحي ميلاقيش نفسه في البيت لواحده، ريان متعود ينام في اوضة وسرير لواحده بس بعد ما بنيمه بليل بسيبه.. ليه مواعيد دكاترة هبقى ابعتهالك.. وكنت بفكر اوديه مدرسة بس شكلي كده اتأخرت السنادي، كنت بفكر في Pre-Kindergarten وكنت لسه هكلم أنس أو بابا رُبى لو يعرفوا حد جوا يخلوه يلحق السنة، فكر معايا نوديه Cairo American college ولا British international school. شايفة إن الاولانية هتكون أقرب للبيت لكن التانية بعيد اوي في طريق مصر اسكندرية، وبصراحة كنت خايفة عشان موضوع السجن بتاعك ممكن يرفضوه بسببه، أنا مش هاعرف اتصرف في الموضوع ده لواحدي وهنحتاج واسطة!

 

أدرك أنها لا تتحدث فقط سوى فيما يخص "ريان" وأنها علامة جيدة على استجابتها لما قاله فعقب باقتضاب:

-       حاضر، أنا هتصرف!

 

التفتت وهي تحاول منع نفسها من البكاء أكثر واكتفت بتجفيف ما انهمر منها وتوجهت للداخل ثم اقتربت وقبلت "ريان" عدة قُبل متتالية وتناولت حقيبتها وبعدها غادرت مباشرة باتجاه منزل "عنود" دون البحث عنه. 


تابع قراءة الفصل..