-->

رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه - الفصل 69 - 2 الأربعاء 25/10/2023


    رواية كما يحلو لها

الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه

رواية جديدة كما يحلو لها

تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى

من قصص وروايات

الكاتبة بتول طه

النسخة العامية

الأربعاء 25/10/2023

الفصل التاسع والستون

الجزء الثاني

العودة للصفحة السابقة

تنفست بعمق وأخرجت هاتفها لتتفقد ملامحها وزينتها التي لابد من أنها فسدت بفعل بكائها وغفوتها القصيرة وعدلت بأطراف اصابعها أسفل عيناها ثم قامت برن الجرس أمام بوابة منزل "عنود" ليقوم "يونس" بفتح الباب وسألها بمجرد رؤيتها:

-       عاملة إيه دلوقتي؟ بقيتي أحسن؟

 

ابتسمت له باقتضاب وهي تتوجه للداخل وأجابته:

-       أحسن بس عايزة اريح شوية في البيت، كنت جاية أشوف يحيى عشان نمشي.

 

تبعها بعد أن قام بإغلاق الباب وأخبرها بترحيب:

-       طيب لو لسه تعبانة خليكم هنا للصبح.

 

نهض عندما رآها وكبت بداخله غضبه السابق منها لتلتفت هي نحو "يونس" ورفضت بلباقة بالرغم من أن كل ما تريده هو التوجه لأقرب فِراش ونول قسط من الراحة:

-       خليني اروح البيت أحسن معلش يا يونس، كفاية قلقتكم امبارح وسهرت عنود معايا..

 

نظرت نحو "يحيى" وأخبرته متسائلة:

-       يالا بينا؟

 

أقبل تجاهها بينما عقب "يونس" مخبرًا إياها:

-       يا روري مفيهاش قلق ولا حاجة وبعدين اصلًا عنود كل شوية بتصحى عشان آسيا، خليكي ريحي هنا وسيبيلي يحيى ما صدقت إنه إجازة بكرة وخلينا قاعدين سهرانين مع بعض.

 

امسكت بيـ ـد "يحيى" ووقفت بجانبه بينما أقبلت "عنود" لتوها فأخبرت كلاهما:

-       معلش خلينا نروح عشان هنسافر بكرة وهنجهز الشنط.

 

تفقدته بلمحة جانبية ووهي تتمنى أن يفهم أنها قد فعلت هذا من أجله بينما قرأت على ملامحه الاستغراب وفي نفس الوقت لم يترك يـ ـدها لتتحدث "عنود" مستفسرة باهتمام:

-       خليكي طيب نامي ساعتين وخدي مُسكن ولما تبقي كويسة روحي.

-       أنا بقيت أحسن وقادرة اهو أروح.

 

اقتربت لتعانقها وودعت كلاهما وكذلك فعل "يحيى" واتجها للخارج وقبل وصولهما للسيارة سألها:

-       هنسافر يعني؟

 

وقفت في مقابلته وهي تُمسك بيـ ـده وأومأت له بالموافقة ثم اجابته بابتسامة مُتعبة:

-       أيوة، معلش أنا كنت متعصبة وتعبانة واللي حصل ساعة العشا كانت  Pmsing (تغيرات مزاجية قبل الدورة الشهرية) تقريبًا، أنا آسفة يا يحيى.

 

ضيق عيناه نحوها بمزاح وأخبرها بابتسامة:

-       نكودة حبيبتي لو تعقل شوية حياتنا تبقى قمر.

 

انزعجت من تلقيبه لها بهذا الاسم وأخبرته بإرهاق:

-       بلاش نكودة دي أرجوك، بتضايقني بجد.

 

تفقدها بحيرة وأخبرها بمصداقية متنهدًا:

-       ميصحش يا روان ادخل الاقي طليقك ماسكك كده، أنا مقدر إنك كنتي تعبانة ويمكن مش واخدة بالك إيه اللي بيحصل وأنا لو في مكانه وشوفت هاجر تعبانة هساعدها برضو، بس المرة الجاية ابقي حاولي تاخدي بالك.. ويا ريت بدل الرغي في الكلام اللي مالوش لازمة تبقي تعرفيني بتتعبي امتى وازاي وايه اللي بيريحك.. بلاش الأسئلة الوجودية بتاعت كيف بدأ الخلق وposts الفيسبوك بتاعت الاحتواء والهري ده وحاولي تدوري على المُهم وتكلميني فيه!

 

 لم تتقبل بالطبع كل ما استمعت له ولكنها حاولت أن تبتعد عن الشجار الذي ليس لديها طاقة لخوضه واكتفت بالتعقيب باختصار:

-       حاضر..

 

اتجه وهو يُمسك بيـ ـدها لكي يذهبان إلى السيارة ولكنها اوقفته وهي تجذب يـ ـده:

-       لسه متضايق مني؟

 

تنهد بعمق وهو يتفقدها وأومأ لها بالنفي فاقتربت لتعانقه بقوة وأخبرته مطالبة إياه:

-       عايزة اثبات لو سمحت!

 

فرق عناقهما وامسك بجابي وجهها بكفه وأخذ يرجه يمينًا ويسارًا وهو يقبلها قبلات متتالية وبالرغم من انزعاجها من هذه الطريقة التي تجعلها تشعر وكأن كل شيء يتخبط بها ويجبرها على مواكبة سُرعته إلا أنها أدركت أنه لم يعد غاضبًا منها بعد الآن وخاصة وهو يخبرها بين قبلاته السريعة:

-       هنزل بوست على الفيسبوك حاضر واقولهم نكودة مراتي القمر بحبها وبموت فيها مع انها مجنناني.

-       لا بوست ايه، مش عايزة أنا الكلام ده!

 

عانقته بابتسامة من جديد وهي تطبع قبلة على وجنته بتريث ولكنه كالعادة تحرك سريعًا لكي يتجهان للسيارة فكتمت انزعاجها من جديد بداخلها ولم تكن تأخذ في الحسبان أن "عمر" يشاهدهما من على مسافة وهو يحترق بما يراه أمامه وهذا المشهد وحده كان كافيًا ليؤكد له أنه عليه الابتعاد سريعًا عن رؤيتها بكل السُبل الممكنة.

--

منذ أربع سنوات وأربعة أشهر..

دفعت الباب بقوة وتبعها "بسام" وهي تدخل إلى منزلها الذي أُقام على أنقاض منزله يومًا ما وكل ما رغبته في هذه اللحظة هو التشبث بهذه الفكرة التي تجدها قابلة للحدوث مثلما يعكس هذا المنزل، لا بأس من إصلاح ما فسد، بل ويمكن استبداله بالكامل من جذوره!

 

توجهت نحو المطبخ لتقوم بصُنع بعض القهوة ولا تتمنى أكثر من أن يتوقف أخيها عن الشجار معها لتستمع مجددًا للمرة الألف سؤال لا يأتي من خلفه سوى التوبيخ التام:

-       روان أنتِ مصممة تتنازلي عن حقك بعد كل اللي عمله فيكي مش كده؟

 

قلبت عيناها وهي تزفر بعمق واجابته بفتور:

-       اعتقد ده حقي وأنا حرة فيه بقا أرفع قضية أو مرفعش ده شيء يرجعلي

  

اقترب نحوها وناشدها باهتمام:

-       يا حبيبتي افهمي، مفيش حد من حقه يعمل اللي عمله فيكي وبعدين نوقف نصقفله عشان بس بقى إنسان احسن، كويس ليه هو مش ليكي أنتِ، كام مرة هنتكلم في الموضوع ده؟ طيب افهمهالك ازاي!!

 

تريث لوهلة وهو يزفر بحنق من رؤية ملامحها التي لا تقتنع بأي من أقواله وتابع:

-       طيب بصي، لو عُلا جت فجأة في الشغل ضيعتلك عملا ولخبططلك مواعيدك عشان بس كانت سخنة ولا عيانة وفي النهاية مرجعتلكيش نفس العملا دول وبهدلتلك حياتك تلت سنين، أول بقى ما ترجع تعيطلك وتقولك أنا آسفة تروحي تاخديها بالحضن وتقوليلها ولا يهمك حصل خير؟!

 

تفقدته بلمحة جانبية وقامت بسكب القهوة بكوبها وأجابت:

-       علا مش عمر، العلاقة اللي بيني وبينه مش زي اللي بيني وبين علا، متقارنش الشغل بإنسان حبيته وكل اللي كان نفسي فيه إن حياتنا تنجح مع بعض، وهو عانى كتير اوي سواء بسببي ولا بأسباب مالوش ايد فيها!

 

شعر أنه قارب على الجنون مما يسمعه ولكنه حاول التصرف بعقلانية مجددًا لمراعاة مشاعرها:

-       مينفعش اسلوبك ده تكملي بيه كل حياتك، أنا خايف عليكي، بطلي تتعلقي بحاجات قليلة جدًا زيادة عن اللزوم وتقفلي دُنيتك على شخص ولا شغل وتفرطي في حق نفسك، في الأول حياتك كانت مقفولة على بابا والمذاكرة والبرمجة وبعدها الشغل ودلوقتي عمر! أنتِ بقا عندك تلاتين سنة ومضيعة عمرك كله في حاجات لو حصلها أي حاجة مش هتخليكي عارفة تكملي حياتك وهتنهاري تاني وتالت زي ما حصلك زمان ساعة موت بابا ولا طلاقك.

 

تفقدته بنظرات معترضة وازداد غضبها بداخلها لتُحدق بكوبها وهي ما زالت واقفة أمامه ولكنها بالفعل قد أوقفت عقلها عن الاستجابة لأي شيء إلا ما تُريده فحاول أن يسألها بهدوء مرة ثانية:

-       روان أنتِ ليه مالكيش أصحاب؟ بعد تلاتين سنة الإنسان الوحيد اللي عرفتيه كان عمر، تقدري تقوليلي إن دي علاقة ناجحة؟! ليه معندكيش أولاد لغاية دلوقتي؟ فين هواياتك غير الـ shopping؟ حتى الـ MBA اللي قدمتي فيها، مخلصتيهاش ليه؟ طيب قبل فرح يونس كنتي بتعملي ايه غير إنك زعلانة وسرحانة ومقضياها اكتئاب؟ فين حياتك في كل ده؟ اهدافك إيه؟ عايزة إيه في حياتك؟

 

عقدت ذراعيها وهي ترمقه بغضب وانفجرت بالحديث في وجهه بصياح:

-       أظن الاصحاب والحياة والهوايات دي حاجة تخصني وأنا مبسوطة كده ومشتكيتش لحد، أنا مبقولكش اقطع علاقتك باصحابك ولا حتى رفضت إنك اتعرفت على ربى من وأنت سنك صغير، واعتقد من ساعة ما بابي ما مات مقصرتش في الشغل وبالعكس ده كمان كِبر فمش من حق حد يغلطني ويقولي إني بعد سنين سهر وتعب فيه إني بوظته والمفروض كنت اخد MBA ولا ليه كنت مكتئبة، أنا في عز ما كنت منهارة أنا كنت بنجز في شغلي ومحسستكش أنت ومامي إن أي حاجة اتغيرت حتى بعد ما اتجوزت ولا اتطلقت، فحياتي الشخصية من حقي اعمل فيها اللي أنا عايزاه ما دام مش بضر حد، ومن ناحية بقى عايزة إيه فأنا عايزة أكمل حياتي مع الانسان اللي بحبه واتغير علشاني، هو ماله عمر؟! مش لو كان إنسان وحش مكنش قالك على أي حاجة؟ ولا هو مش من حقي أحبه ولا مش من حقي اسامحه واديله فرصة تانية، دي حياتي وده اختياري وأنا عمري ما اعترضت على اختياراتك فيا ريت لما تكبر فجأة وتعمل نفسك كبير تعاملني زي ما كنت بعاملك طول عمرك.. ده بدل ما الاقيك واقف جانبي جاي تعترض وتتخانق معايا!

 

صُدم بشدة بعد أن تحول حوارهما لجدال من قِبلها، أمّا ما يستمع له الآن فكان أكثر مما يستطيع عقله استيعابه، لقد كان يُحدثها عن حقها وعن القضية التي لابد من أن تبدأ في إجراءاتها، من أين آتى الآن أن تغفر لـ "عمر" وتسامحه وفرصة ثانية! فرصة أخرى بعد ماذا؟! هو لا يفهم أي شيء!!

 

حاول أن يتفهم ما قصدته قبل أن يُكون ردة فعل تجاه ما سمعه من صياحها وتكلم متسائلًا بجدية:

-       فُرصة إيه بعد اللي عمله معاكي واحنا كنا منعرفش عنك حاجة شهر بحاله ورجعتي مرعوبة ومنهارة؟ أنا بكلمك عن القضية اللي مش فاهم أنتِ رفضاها ليه لغاية دلوقتي؟

 

لم تعد تُريد سوى انتهاء هذا الجدال لتتأفف بضيق واجابته باقتضاب:

-       عمر ردني امبارح ورجعنا لبعض بعد الفرح!

 

حدقها بمزيد من الصدمة وابتلع وهو يحاول تكوين جُملة واحدة منطقية ولم يعد يرى أمامه سوى كم أن هذا الرجل الحقير كاذب للغاية بعد كل تلك الشهور الماضية وما أخبره به وتلك القصة التي نسجها ببراعة لدرجة أنه صدق كل ما بها ليتكلم في النهاية بين أسنانه المُطبقة، أو هكذا تظاهر:

-       بترجعي للإنسان اللي أبوه من سنتين كان بيتهمك بقتله وكان مخليكي شبه الشبح من غير روح! أنتِ شايفة إن ده الصح اللي المفروض تعمليه؟

 

اشتد غضبها أكثر ودافعت عما تراه صحيحًا وأخبرته بحدة:

-       باباه اللي اتهمني ده احنا لسه راجعين من عزاه، مش شايف إن كل حاجة حواليك بتتغير، مش قادر تفهم ده، باباه مات وساب شغله، وحتى كان عنده استعداد يسجن نفسه عشان خاطري، كل ده مش كفاية؟ لو بتقولي بقا عندي تلاتين سنة، عايزني بقا اضيع اللي باقي من أحلى سنين حياتي في اكتئاب ونكد وزعل وأفضل اعيط على الانسان اللي حبيته، ولا متخيل إني هسيب عمر النهاردة القضية هتخلص بكرة وبعده هبقا متجوزة واحد بحبه وبموت فيه واعيش معاه happily ever after!! ده مش فيلم كارتون لديزني يا بسام، أنا لو فعلًا بعدت عن عمر يمكن معرفش أحب راجل تاني طول عمري!

 

خاب أمله بعد اختباره الصغير لها وهو يراها أمامه تخبره بهذه الكلمات، كل ما أراده هو أن تبتعد عما يؤذيها وبالفعل قد أذاها لحوالي ثلاث سنوات من عمرها، لا يفعل هذا سوى لاكتراثه من أجلها وخوفه من أن تواجه المزيد من الشقاء معه وبدلًا من اضاعتها لثلاث سنوات معه قد تُصبح عشرة أو عشرون ربما أكثر وتصل في النهاية لحياة تعيسة!

 

تفقدها بغير مصداقية مُزيفة وسألها باستخفاف:

-       وهو جوزك اللي ردك ده فين؟ مرجعش معاكي من العزا ليه؟ ولا هو ردك هنا بعيد عن الناس وقدام الناس محدش يعرف حاجة، إيه، متجوزك في السر ولا متجوزك عرفي من ورا أهلك ومن ورا أخوكي اللي افتكر إنه ضحك عليه بكلمتين؟

 

حاولت منع نفسها عن لطمه بقوة بالرغم من هذا التشنج الذي اندفع بقيد كل أنملة بها من كُثرة غضبها وحدثته متسائلة بخفوت:

-       أنت بتقولي أنا يا بسام الكلام ده؟ باباه مات مكملش يوم واحد عايزنا نعمل فرح؟! إيه، فاكرني طفلة صغيرة هربت من ورا اهلي وروحت اتجوزت من وراهم؟

-       أنا مقصدتش كده، أنتِ فاهمة قصدي كويس!

 

عقب بلهجة حادة وليُصبح هذا شجار أو جدال ولتُسميه ما تشاء، لم يعد مهم ما تسمية ما يحدث بينهما ما دامت لا تظن أن كلماته من أجل خوفه عليها واهتمامه بها ليس إلا، ليتحول لمعركة هو حتى لا يهتم!

 

-       امال تقصد ايه؟

-       اقصد انه بعد ما عمل فيها راجل اوي وجه كلمني فاكر بيضحك عليا بكلمتين، المفروض حتى كان يكلمني ولا يعملي اعتبار!

-       أنا بقولك باباه لسه ميت يا بسام!! أنت بابي لما مات كنت عامل إيه؟ أنا شخصيًا كنت عاملة ازاي؟ ولا مامي حصلها ايه؟! عمر هينهار أنا واثقة من ده، يمكن رجعنا في وقت زي ده علشان أكون جانبه!

 

تفقدها بحزن ولم يعد يظن أن هناك هدف من وراء كثرة حديثهما وأخبرها بحسرة:

-       اعملي اللي تعمليه، أنا بجد مش مصدق إن واحدة صغيرة زي ربى تفكيرها يبقى أحسن من واحدة عندها تلاتين سنة لمفروض كبيرة وعاقلة، أنتِ الظاهر اتجننتي وعيب لما طفل زيي بالنسبالك يعرف الصح من الغلط وأنتِ متعرفيهوش، ومتبقيش بقا تلومي غير نفسك لمـ

 

أوقفته بلطمة قوية على وجهه ليُصدم مما فعلته وبات واثق أنه لم يعد يعرف من هي بعد الآن بينما لم تكترث هي أنها لأول مرة في حياتها تفعلها وصاحت به غاضبة:

-       لغاية ما تعرف تعاملني باحترام أنا مش عايزة اشوفك، امشي اطلع برا!

--

عودة للوقت الحالي..

بعد مرور يومان..

جلست تغمض عيناها أمام البحر في الصباح الباكر بعد تناول كلاهما للطعام لتستمع فجأة لضحكته التي أُثارت بفعل هذا المقطع الذي يراه على واحد من مواقع التواصل الاجتماعي لتتنهد وهي تفتح عيناها بانزعاج ثم تناولت كوب القهوة من جانبها وارتشفت منها ثم تركت الكوب من جديد لتنهض بعد أن كانت تمدد ساقاها وجلست في مقابلته وهو ما زال مضجعًا فوق هذه الأريكة التي وضعت أمام الشاطئ مباشرة وفجأة انفجر بالضحك مرة أخرى وهي حقًا لا تكترث ما لعنة ما يُشاهده، لقد حاولت مشاركته الأمر مرارًا ولكنها تنتهي بوجع رأسها من تلك الثرثرة التي ينشرها صانعي المحتوى على كل منصة!

 

-       يحيى حبيبي مش تسيب الموبايل شوية.. احنا من ساعة ما خلصنا فطار وأنت مسبتهوش!

 

ابتسم باستهتار على ما يسمعه ورأت الغيظ يتضح على ملامحه وأطفأ شاشة الهاتف ثم عقد ذراعاه وأعطى لها كامل انتباهه وأخبرها متسائلًا باستخفاف اختفى خلف ابتسامته المُتحفزة:

-       روح قلبي اتفضليني معاكي المايك، قوليلي الهري على ايه؟!

انزعجت من طريقته وشعرت أنها ستدخل في نفس الدائرة من جديد ولكن قد يكون المكان مختلف نوعًا ما وهو ليس لديه عمل ولا منشغلًا وليس لديه موعد مع أحد ينتظره وحاولت التحدث له بهدوء:

-       مش هري، أنا بس نفسي أتكلم معاك وأنت فاضي.

-       اتكلمي يا حبيبتي وقولي كل اللي في نفسك.

 

أشار لها بأن تفعل ثم أعاد عقد ذراعاه من جديد وهو يتأملها بملامح منتظرة ولكنها ما زالت تستشعر استخفافه لتخبره باستفهام:

-       أنت شايف إننا كده كويسين؟

 

تنهد وهو يعرف أنها ستحاول بكل الطرق الممكنة أن تدفعه للانزعاج وستتحدث بترهات شتى فأجابها بما قل ودل:

-       اه يا حبيبتي احنا كويسين جدًا الحمد لله، مسافرين وبنغير جو والواحد فصله يومين بعيد عن وجع الدماغ والشغل والصحيان بدري.

 

تفقدته بخيبة أمل وهي تجد استهتاره يزداد فسألته بطريقة مباشرة:

-       يعني حاسس إننا في اليومين دول قربنا شوية من بعض وبقينا أحسن من الفترة اللي فاتت؟

 

استغرب من سؤالها وأخبرها بضيق لعلها تنتهي من نسج كل تلك الخيالات برأسها:

-       أنا شايف اننا كويسين على طول من ساعة ما اتجوزنا أنتِ اللي دماغك مسوحاكي بصراحة، أنا شخصيًا معنديش أي مشاكل معاكي ومبسوط معاكي والدنيا جميلة اهي..

 

وجدته ينهض ويتناول هاتفه ثم بطاقة الغرفة وأخبرها:

-       انا طالع الأوضة هاستحمى عشان منتأخرش على الطيارة!

 

نهضت لتتبعه بعصبية ونادته قائلة:

-       يحيى أنا بكلمك، ومخلصتش كلامي!

 

مشت بجانبه ليتأفف هو ولم يُعقب على ما قالته فتابعت هي بإباء لتقبل أن تكون هذه هي النهاية والنتيجة لنقاشهما:

-       لو أنت شايف إن الدنيا تمام فأنا مش شايفة كده بصراحة.

-       استغفر الله العظيم يارب من كل ذنب واتوب إليك!

 

استمعت لتمتمته وهما بالمصعد وبمجرد انغلاقه لم يقل شيئًا ليزداد غضبها بداخلها وسألته من جديد:

-       هو أنت هتفضل ساكت؟

 

حاول السيطرة على اعصابه حتى لا تتحول آخر لحظاتهما هُنا إلى شجار حقيقي واجابها باقتضاب:

-       أصل هقولك ايه يعني! 

 

خرج كلاهما من المصعد وهما يتوجهان نحو الغرفة فترك هاتفه ووضع البطاقة في مكانها لكي يعمل التيار الكهربائي بالغرفة لتعقب على قوله:

-       تكلمني، تعرف أنا متضايقة من إيه ولا عايزة إيه، أنا صبرت وفضلت ساكتة من ساعة ما العشا باظ واعتذرتلك واستنيتك براحتك خالص تحاول تقول أي حاجة إنما أنت زي ما أنت ولا بفرق معاك في حاجة!

 

كان بالفعل قد خلع قميصه القطني وألقى به على الفراش والتفت نحوها ليقول بانزعاج حقيقي قد تخطى مرحلة احتماله:

-       هو بجد النكد اللي أنا عايش فيه ده ناوي يكمل قد ايه؟ ما حصل اللي حصل وأنا متكلمتش وانتِ اعتذرتي والدُنيا حلوة، لا ازاي، لازم بقا الهري ونتكلم في القديم وانا قولت وأنتِ قولتي وأصل أنت قمصتني فأقولك معلش حقك عليا.. اعتبري بقا كل ده حصل وخلاص بقينا كويسين. حقك عليا يا حبيبتي وادي راسك اهي

 

اقترب ثم طبع قبلة لم تأخذ منه سوى جزء من الثانية وأكمل:

-       ادينا اهو كويسين وأنا آسف على كل حاجة.. خلصنا كده!!

 

اتجه ليذهب للحمام فنادته بعدم تصديق لاستمراره في فعل كل ما يُغضبها:

-       لو سمحت أنا حتى متكلمتش ولا قولت فيه ايه، هو أنت معندكش صبر أبدًا؟

 

حك ذقنه بعنف وهو يحاول الصبر على طريقتها التي تفتقر لكل سُبل العقل والمنطق وعشقها الدائم لافتعال الجدال فيما بينهما والتفت من جديد وعاد ليجلس على الفراش وعقد ذراعيه وكلمها قائلًا:

-       اتفضلي اتكلمي

 

 هي ترى العناد على وجهه ورغبته الحقيقية في عدم الاستماع لها ولكنها سترى كيف سينتهي نقاشهما هذا إن كانت نيته حقًا الاستماع لها فتكلمت بما لديها مراعية لأن يكون كلامها مباشر قدر الإمكان فهي تعرف كيف يتعامل مع التفاصيل، هو لا يكترث لها من الأساس:

-       اسمعني للآخر بعد اذنك، ومتقاطعنيش، وأنا من كلامي ده هستنى إنك تناقشني لما اقولك إني خلصت، دلوقتي أنا مش مبسوطة بأسلوبك ده، مفيش أصلًا حياة كده، يعني ايه تصحى ستة الصبح ترجع واحدة بليل وأنا ماليش في حياتك مكان ولا وقت؟ معتقدش اننا مضطرين لكل الشغل ده، ليه متشتغلش من تمانية الصبح لخمسة ولا ستة ولا حتى سبعة بليل وتيجي تقضي معايا أنا والولاد الأربع ولا الخمس ساعات قبل ما تنام؟ أنت أصلًا لو حسبت أنا شخصيًا هاخد قد ايه من وقتك هتلاقي إنك هتقعد معايا ساعة ولا ساعة ونص بالكتير قبل ما تنام.

 

تفقدته وهي تجده يرفع حاجباه باندهاش ولكنه لم يُقاطعها فتابعت:

-       أنا مقدرة إنك كنت أيام ما عرفنا بعض واتخطبنا كنت بتذاكر وفاضي شوية بس متخيلتش ان حرفيًا يومك كله شغل وفي الاجازات مبتقعدش معايا غير ساعتين بالكتير ده لو معملناش فيهم زيارة أو مشوار، واتبسطت اوي لما عرفت اننا هنسافر يومين لوحدنا، وقدرت قد ايه انت عملت كده عشان خاطري، بس خد اللي حصل في اليومين دول مثال وقيسه على باقي جوازنا، سافرنا أول يوم الطيارة كانت الساعة 12 الضهر، جينا اتغدينا مسكت الموبايل ساعتين مكالمات بين مامتك واصحابك وقولتلي ننام ساعتين عشان نريح وننزل نخرج بليل، سمعت كلامك ونمنا وصحينا، اتعشينا وقعدنا على البحر شوية مقولتليش حرف وبعدها مسكت الموبايل بفيديوهات السياسة الساخرة بتاعتك دي فضلت تتفرج وقولتلك يا يحيى سيب الموبايل وتعالى نتمشى بقيت أنا اللي بحاول افتح معاك مواضيع عشان أحس إني فيه انسان معايا بيكلمني بقيت بترد على قد السؤال، طلعنا اتفرجنا على فيلم نمت في نصه وادي اول يوم ضاع وتاني يوم صحينا ضاع ما بين الفطار وماسكة الموبايل وادينا اهو هنلبس عشان نلحق الطيارة كمان شوية ولا كأننا اصلًا جينا!

 

توقفت عن الحديث لتلتقط أنفاسها وهو ما زال يُحدق في الأرضية ولم يُقاطعها بعد فتشجعت ظنًا منها أنه يُفكر بكلماتها فأكملت ما تريد الوصول إليه:

-       انت مبتكلمنيش، كأني مش موجودة في حياتك، أنت مفكرتش مرة واحدة تقولي وحشتني ولا حتى عمرك ما بتقولي إنك بتحبني، مبتسألنيش عن أي حاجة في يومي ولا حياتي ومبتهتمش بس غير بريان وجومانا لو فكرت تسأل يعني عن حاجة، عمرك ما بتديني وقت نكون هاديين فيه ونقعد بس مع بعض ونتكلم فيه عن نفسنا بنحب إيه وبنكره إيه وحياتنا هتكون إيه قدام وشكلها ايه، كل ده مضايقني اوي، أنا بقيت عايشة في ضغط رهيب بسبب كل ده، واحنا يا دوب مكملناش غير تلت شهور جواز وزي ما نكون roommates (شركاء بالغرفة، بتتقال على الاتنين اللي عايشين مع بعض في شقة واحدة ومأجرينها سوا) مش اتنين متجوزين ابدًا، دي مش علاقة جواز واحنا مفيش ما بيننا أي تواصل.. وحتى يوم ما بحتاجك وتفكر يعني تقرب مني، مبتقوليش كلمة حلوة، مهتم اوي بادائك ومشغل الـ silent mode، ازاي اصلًا يبقى فيه ما بيننا intimacy (حميمية) في وقت ولحظة زي دي وانت ساكت؟! ده أنت حتى من قلة اهتمامك حبك تسافر وأنا عندي الـ period ومفكرتش مثلًا اننا بقالنا اكتر من أسبوعين مجيناش جنب بعض!

 

سكتت وطال صمتها للغاية فنظر نحوها وسألها:

-       خلصتي؟

-       ايوة خلصت!

 

تأهبت في انتظار رد حقيقي على كل ما قالته ولكن جل ما تفوه به كان كفيلًا بإصابتها بصدمة حقيقية:

-       إن شاء الله كله هيكون كويس، متزعليش!

 

نهض وتوجه نحو الحمام ولكنها لن تضيع المزيد من الوقت مثلما فعلت بزواجها الأول، في البداية كانت تنتظر وتحاول مواكبة ما يحدث حولها وبعدها تُقرر ما الذي سيحدث لاحقًا بعد تفكير طويل، تعلم أن ما ستفعله يُعد اندفاع شديد، فليُكن، هي لن تضيع المزيد من عمرها في محاولة فهم الرجال، إن لم يُناقشها بمنطقية تقسم أنها ستتركه حالًا دون تفكير!

 

نادته بجدية شديدة ونبرة ارتفعت بفعل ذلك الاحتراق بداخلها:

-       هو ده كل اللي عندك يا يحيى؟

 

استمعت له ينفخ متأففًا من على مسافة بعد أن كاد يُغلق باب الحمام فعاد من جديد وحدثها قائلًا:

-       هو أنتِ عايزة ايه بجد؟ ما اديني سمعتك اهو، هري وخلاص ملوش أي ستين لازمة، ما قولتلك إني بحبك، وسمعتك وعرفت تفاصيلك واحنا بنعرف بعض، هنهري في نفس الكلام ليه تاني، هنستفيد ايه من تكرار نفس الهري؟ نعيد ونزيد في الكلام بدون هدف؟ متوقعة إيه؟ اسيب شغلي ودراستي لسنين عشان خاطر اقعد معاكي في البيت؟ عايزانا نقعد في الفراغ واقولك كيف بدأ الخلق؟! دي تصرفات طفلة عاشقة للنكد، أنا اتجوزت واحدة كبيرة وعاقلة واحترمتها واحترمت صراحتها وفاهم إن عندك شغلك وابنك ومتخيلتش إنك عندك الفراغ ده كله!

 

-       وهو أنا يعني اللي كنت متخيلة إن بعد امتحاناتك ونتيجتك وتجهيز البيت هشوفك صدفة كل كام يوم، ده أنا لو كنت بنام بدري ومش بستناك حرفيًا مكونتش هشوفك، ما اديني اهو بشتغل وبعمل كمان add-on جديدة في شغلي وقربت أخلصها وبربي ابني وباخد بالي من جومانا معاك وبروح لمامي وبشوف بسام وعارفة أنظم يومي، عشان عندي اهتمام باللي حواليا مش عايشة كده لشغلي وخلاص! بطل بقا سخرية واستهتار بيا، بتسمي الاهتمام نكد وفراغ!


تابع قراءة الفصل