رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه - الفصل 69 - 3 الأربعاء 25/10/2023
رواية كما يحلو لها
الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه
رواية جديدة كما يحلو لها
تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى
من قصص وروايات
الكاتبة بتول طه
النسخة العامية
الأربعاء 25/10/2023
الفصل التاسع والستون
الجزء الثالث
احتد جدالهما أكثر ولا يترك أي منهما الفرصة للآخر في التفكير بكلماتهما
بل كان كلاهما يتعاملان باندفاع شديد ليعقب على كلماتها:
- آه نكد وفراغ، عشان احنا اتنين قابلوا بعض
وعرفوا حياة بعض وظروف بعض والحمد لله حصل تفاهم ومشاعر كويسة وحبينا بعض، مش
هافضل بقا اعيد واهري في نفس الكلام! ده انتِ بتصحي الصبح تقولي ازاي أنكد عليه،
بتشوفي وشي بليل الاقيكي ضاربة بوز ومعترضة على كل حاجة!
- بقا أنا ضاربة بوز يا يحيى؟
- اوعدك هبقى اصورك عشان لو كنت بكدب
ولا حاجة!
جُنت من مدى استخفافه بالأمر وصاحت به:
- شوفت شوفت، اهو ده اللي بيحصل كل ما
نتكلم في حاجة، هتصورني، طيب تمام، صورني، بس اسأل نفسك مين السبب في البوز ده،
مين الانسان اللي معندوش دم وقاعد كل يوم برا البيت 18 ساعة وعامله اوتيل يجي على
النوم ويمشي على شغله!
- ده أنتِ غبية غباء مشوفتش كده، هو
انتي اكتشفتي امبارح إني دكتور؟ ولا كنت مخبي عليكي؟ ارحميني بقا من الأسطوانة دي!
- ارحمك ايه! هو احنا اصلًا بنتكلم غير
كل فين وفين!
- يووه بقا ما اتزفتنا تسع شهور مكناش بنعمل
فيهم حاجة غير الكلام والهري، كلمتك عن حياتي ودراستي واهلي وطليقتي وسمعت منك كل
حاجة عنك، اعمل ايه تاني بجد!
ابتسمت له باستهتار وأخبرته بتهكم:
- أنت حتى متعرفش أي حاجة عني، ولا تعرف
تفاصيل اللي حصلي، لا تعرف مواقف بيني وبين بابي، ولا حاجة عن شغلي وتفاصيله، ولا
حتى اتطلقت ازاي وحصل ايه في جوازي الأولاني، أنا كنت اجي احكيلك واشارك معاك موقف
صعب تسكتني وتقولي متعيطيش ومتفكريش في الحاجات الوحشة وبس على كده، مفكرتش مثلًا إنك
لما تشاركني وتحسسني إني مسموعة وإنك بتهتم بيا ده كله هيحسسني بإيه؟! أنا فعلًا
غبية عشان فهمتك غلط، كنت فاهمة وفاكرة إنك مش عايزني أكون زعلانة وفعلًا معيطش
انما أنت كان هدفك تسكتني وخلاص عشان متوجعش دماغك بقا واعيط وتهتم بيا، أنت أصلًا
هدفك من كل مرة أتكلم معاها فيك تسكتني وخلاص وده اللي مهم عندك!
انهمرت دموعها من تلك المشاعر الحزينة التي ضربت بكل ما بها بينما كاد
"يحيى" أن يفقد عقله وسرعان ما نفى التهمة عن نفسه:
- أنا معرفش حاجة عنك؟ امال عرفت من مين
انها حبيبة بابي وإنها بتعشق البرمجة زي عينيها بعد ما شوفت قد ايه هي شاطرة في
شغلها وكبرت اوي في عيني، عرفت منين انها اتطلقت تلت مرات؟ عرفت منين ان جوزها كان
بيحبها وبيموت فيها وعايز يبعد عنها عشان شايف ان ده الاحسنلهم؟ ده أنا من كتر ما
سمعت تفاصيل وداني وجعتني والله، جاية تقوليلي هدفي بس إني اسكتك! أنا مشوفتش كده!
بطلي هبل بقا، هنستفيد ايه من اننا نعيد ونزيد في نفس الهري ونقلب المواجع دي،
بطلي نكد وارحميني.
هتفت به بحرقة وهي لا تستطيع التوقف عن البُكاء:
- تاني هتقولي ارحمك؟! أنت متعرفش أي حاجة
عن وجعي ولا حياتي اصلًا، وبعيد بقا عن النكد تقدر تقولي ايه اكتر اكلة بحبها؟
تقدر تعرفني اكتر لون بحبه ايه ولا الـ perfume اللي بحبه؟ اكتر فيلم بحب
اتفرج عليه؟ اكتر بلد روحتها وعجبتني؟ طيب بلاش التفاهات دي قبل ما تقولي إن ده
شُغل posts فيسبوك، قولي بحب ايه اكتر
حاجة واحنا نايمين مع بعض؟ ايه اكتر كلمة بحب اسمعها في الوقت ده؟ طيب بيحصلي إيه
لما الـ period بتجيلي؟ تعرف كام مرة من ساعة
ما اتجوزنا سيبتني وقومت وأنا اصلًا موصلتش للـ orgasm وقبل ما دماغك تخليك تفكر إني بقلل منك ولا
بقولك أنت عندك مشكلة لا خالص، أنا بيحصلي كده بسبب إنك مبتكلمنيش وقتها ولا
بتقولي كلمة حلوة، كل اللي همك هو الأداء نفسه اللي حلو جدًا وبيعدي النص ساعة
بحالها وقد ايه أنا محظوظة بس فكرت بقا ترضيني ازاي؟! ما ترد عليا يا دكتور! رد
على أي حاجة من كل دول! ده انا خلاص بجد قربت اتجنبك في الموضوع ده عشان عارفة إنك
يوم ما هتقرب مني هحس إني مخنوقة ومكتومة وكل اللي بحس بيه بعدها هو النكد والكآبة
وإني عايزة اعيط! وطبعًا ولا هتلاحظ وهتقعد تقولي نكودة، وdrama queen وإني بدور على مُحن الفيسبوك والاحتواء
والأسئلة الوجودية، مع إن كل اللي محتجاه وخصوصًا في الموضوع ده إنك تديني اهتمام
بعقلي وبمشاعري، الفكرة مش في مجرد اثا رة جـ ــسدية يا يحيى، أنا من غير ما يحصل
تفاعل بالمشاعر والكلام عمري ما هاحب الموضوع ده!
اشتد بُكائها في انهيار تام بينما غضب للغاية أن الأمر بينهما وصل
لهذه المرحلة ليزفر بعمق وحاول أن يتحدث لها بهدوء:
- يا روان يا حبيبتي افهمي، أنا الكلام
وقتها بيفصلني ومبعرفش أركز في حاجتين، مش ممكن الفصلان اللي أنتِ بتدوري عليه، بس
ماشي، ما دام الموضوع كبير اوي كده بالنسبالك اوعدك إني هحاول عشان ارضيكي، إنما بقا
في كل الكلام التاني الكتير اللي مالوش لازمة أنتِ بتحاولي تدوري فيه على الهري
والنكد وخلاص. تقدري تقوليلي هنستفيد ايه لما أفضل اهري معاكي في المواضيع اللي مش
مُفيدة دي؟
نظرت له بين انهيارها الشديد واحتبست أنفاسها وأخبرته بعدم تصديق:
- هستفيد إني هقرب منك وتقرب مني وأحـ
ــس إنك بتحبني وتعرفني!
- يا الله! امال يا بنتي اتجوزتك ليه لو
مبحبكيش؟
- معرفش بصراحة يا يحيى، يمكن اتجوزتني
عشان لقيت ظروفنا شبه بعض، عشان سننا قريب ومناسب لبعض، عشان كالعادة حسبت كل حاجة
بالمنطق والعقل ومخدتش المشاعر في حسابك.. حقيقي معنديش فكرة، انت اللي تجاوب على
سؤالك.. أنا لو مكونتش واثقة إني بحبك وعايزاك مكونتش قبلت اتجوزك!
- روان بطلي جنان وأفورة عشان أنا خلاص
جبت اخري
- جنان وافورة ايه انا اول مرة حرفيًا
من يوم ما اتجوزنا اقولك كل الكلام ده، إيه؟! مش قابل حتى مرة واحدة تتناقش معايا،
اعتبرني عيان من العيانين اللي بيجولك حتى واديني نفس وقت الكشف اللي بتديهولهم!
جُن من حديثها وذلك التشبيه لتحتدم الدماء بوجهه من شدة الغضب:
- بقولك ايه، اعقلي وكفاية غم ونكد
لغاية كده، أظن أنا كنت صريح معاكي من يوم ما عرفتك، اللي أنتِ بتقوليه ده معناه
إنك عايزاني أكون واحد تاني خالص.. أنا مش كده يا روان، أنا راجل بيحب شغله ومركز
فيه وفهمتك ده من أول ما شوفتك! ده أنتِ اصلًا أول كام مرة شوفتيني فيهم كان بسبب
شغلي وشغلك!
- أنا مبقولش تسيب شغلك ولا تكون مهمل
فيه، بس احنا بقى عندنا 35 سنة، هتعيش امتى لحياتك وليا ولبيتك، احنا مش أطفال، كل
اللي طالباه ترجع البيت وتكون معانا اربع خمس ساعات في اليوم!
- 35 سنة دول لدكتور يبقى
ولا حاجة، الوقت اللي لقيتي نفسك فيه ماسكة شركات باباكي أنا كنت لسه يادوب مخلص
جيش وبدور على عيادة ابتدي فيها! واضح إنك محسبتيهاش صح، فكري كويس لو شايفة إن
حياتنا مش هتنجح ممكن ننفصل بدل وجع الدماغ ده..
- أنا مش بكلمك كل الكلام ده عشان تقولي
ننفصل!
- امال عايزة ايه يا روان؟
- قولتلك ألف مرة عايزة أحـ ـس وأشوف إن
ليا وجود في حياتك وليا وقت معاك! وأكيد أنا مش رايحة اتجوز تاني بعد تجربة مهببة
اخدت مني كتير اوي عشان مع أو مشكلة تقابلني انا وجوزي يقولي ننفصل!
- خلاص وانا مش فاضي وأنتِ من البداية
عارفة إني مش فاضي، ايه اتفاجئتي؟
- انت مكونتش كده زمان خالص
ود لو هشم شيء من شدة غضبه الذي يتزايد وهي لا تتوقف عن التحدث
بالترهات ليصرخ بها:
- عشان قولتلك إن المذاكرة حاجة وكنت
فاضي وواخد إجازة، إنما دلوقتي الوضع اختلف
- اختلف لدرجة مفيش ساعتين ليا معاك كل
يوم ولا حتى ساعة؟
مسح وجهه وهو يقارب على الانفجار وحاول السيطرة على اعصابه واجابها
ببرود:
- اه، هو انا كده وللأسف معنديش وقت فاضي!
ازدادت حدة بُكائها لتصيح به:
- أنا بجد ولا عمري شوفت ده بين مامي
وبابي ولا بين ولاد خالتي لا يونس ولا يارا حياتهم كده ولا حتى مـ
- مع طليقك مش كده؟
قاطعها لتصمت وتفقدته بين دموعها التي لا تتوقف واجابته بعناد:
- اه يا يحيى ولا حتى مع عمر!
لانت ملامحه عن الغضب وابتسم بتهكم وأخبرها:
- اقعدي بقا وفكري شوفي عايزانا نتطلق
امتى واتفضلي ارجعيله وقت ما تحبي يبقى يقعد يرغي معاكي ويطبطب عليكي وانتي تعبانة
ويعملك حاجة دافية تشربيها ويغطيكي ويدلعك عشان أنا وحش ومعنديش دم ومش زيه يا
روان!
تركها وغادر متجها للحمام فأوقفته:
- انت اللي جبت سيرته يا يحيى مش أنا،
بس ما دام هتحط نفسك في مقارنة معاه خليك قد المقارنة للآخر!
التفت لها وتفقدها ليُحدثها:
- هو راجل أكبر مني، مجاله غير مجالي، شخصيتي
غير شخصيته، هو كويس وأنا كويس، أنتِ واضح إنك بتحبيه هو مش بتحبيني أنا، اتفضلي روحيله،
مستنية ايه؟
توقفت دموعها وضرب بها كبريائها بعد كل هذا الشجار أهذا ما لديه الآن؟
أن تذهب له؟ أحقًا ما يقوله؟! فليحاول أن يصد هذا إذن ويُجيب عليه:
- ما أنا قايلالك إني لغاية آخر لحظة بعدت
فيها عنه إني كنت بحبه ومكدبتش، وقولتلك اكتر من مرة قد ايه كنا فاهمين بعض!
- خلاص وانا مش هو
- وانا مقولتش إنك هو، ولا بطالبك تكون
هو، أنا أصلًا بكلمك انت وبحاول اتناقش واحل مشاكلنا، انا مش بدور على ايه الوحش
اللي كان بيني وبينه وبحاول أصلحه فيك، وانت اللي جبت سيرته مش أنا وخليت الكلام
عليه!
- أنتِ بتهري وبتعيدي وتزيدي في الكلام
اللي نهايته واحدة، أنتِ عايزاني أكون واحد تاني عشان ارضيكي!
- أنا برضو مقولتش كده، لو تبص اصلًا
أنا عايزة ايه من كل ده هتلاقيني بطالبك تحس بيا شوية وتلاقيلي ساعتين في يومك!
يقسم أنه كاد أنه يشعر بضغط دمائه الذي يغلي برأسه ليُنهي هذا الجدال
الساذج معها وقد تضرر كبرياؤه أكثر من اللازم وهو يجد نفسه في مقارنة مع رجل آخر وقال
دون أن يستمع منها للمزيد وقبل صفعه لباب الحمام مباشرةً:
- حلو اوي طلباتك دي، كفاية بقا خناق
لغاية كده وتعالي اقولك على الخُلاصة والنتيجة عشان نبقى انجزنا وطلعنا بحل، شوفي
واسمعيني كويس، أنا لا هاحس بيكي ولا هلاقيلك ساعتين في يومي، إيه رأيك بقا، هتقبليني
كده زي ما أنا بظروفي وبحياتي، ولا تحبي نتطلق؟! فكري كويس وابقي عرفيني ردك!
❈-❈-❈
في
نفس الوقت..
رفع رأسه نحوه وسأله ببراءة:
-
بابي أنت هتيجي تاخدني من المدرسة؟
تفحصه بقليل من الخبث وهو لا يدري إلى أي مدى
يُريد الوصول معه، بالبداية يومان من أجل "برق" والآن يُريد أن يقله من
المدرسة، كيف سيتمكن لاحقًا من استكمال يومه دون وجوده في حياته؟!
أجابه وهو يُعلق اجابته على الشرطية المحضة في
عقله فطالما كان متواجدًا هنا قبل سفره وحالته تسمح بفعلها لن يتأخر أبدًا:
-
هجيلك يا ريان!
تفقد تلك الغرفة بكل تفاصيلها فأقبلت تلك
الفتاة وحدثته بالإنجليزية:
-
هل تريد تفقد أماكن أخرى؟
أومأ لها بالموافقة فالتفتت نحو "عمر"
وأخبرته برسمية:
-
تفضل، يمكنك مقابلة المسؤول الآن.
عادت من جديد لتنظر نحو "ريان"
وأخبرته متسائلة:
-
هل يُمكننا ترك والدك والقيام بجولة وحدنا؟
-
حسنًا.
أخبرها فابتسمت له وذهبا معًا بينما توجه
"عمر" لمكتب المسؤول الذي وجدها امرأة في النهاية فرحبت به برسمية
وتحدثت بين العربية والإنجليزية:
-
اهلًا وسهلًا.. تفضل بالجلوس.
سخر بداخله على كونها امرأة مصرية في أمر
رسمي كهذا لا يمكنها الحفاظ على لغة وحيدة لمتابعة الحديث بها، بالطبع سيكون هذا
اختيار "روان" المدارس التي تهتم بكونها أجنبية، ولكن لو كانت ترى أنها
الأفضل لـ "ريان" فهو لا يمانع على الإطلاق، على كل حال هي من ستتابع دراسته
وكل شؤونه عندما يرحل ويغادر فجلس منتظرًا سماع القرار الذي بالطبع لابد من أن يتفاوض
به قليلًا حتى ولو بعد الوصول إلى شخص ذو شأن بهذا!
-
حضرتك احنا نفسنا ريان يكون معانا بس already الدراسة ابتدت ويعني هو أصلا doesn’t meet the criteria لأن مش هاينفع نقبل حـ
نهاية بتلك الكلمة لم يُتابع ما قيل حقًا وذهب
عقله ليُفكر يمن سيتصل، هل "روان" أم زوجها عندما تقبل هذه المدرسة
اللعينة ابنه رغمًا عن أنف الجميع، ربما عليه ارسال رسالة إلى "يحيى" أو
ليهاتفه، هو لا يمانع على الاطلاق ولكن أهم شيء الآن أن يبتعد بكل الطرق عنها.
بمجرد استشعاره بانتهاء حديثها تفحصها مليًا وتكلم
بثقة شديدة منتظرًا لمحة من التوتر بملامحها ليستطيع الانتصار والزامها بامتثال
مبتغاه:
-
اعتقد إني قاعد معاكي تاني مرة بعد ما مامته
جت المرة اللي فاتت، وأظن برضو تعرفي إن فيه توصية كويسة جدًا من مكتب الوزير
شخصيًا، وأنا مُستعد أقدم منحة لتلاتة هتكفل بيهم من أول مرحلة دراسية لغاية
الثانوي ليهم وهتبقى باسم المدرسة اكيد مش باسمي.. فكل التفاصيل اللي أنتِ قولتيها
دي بصراحة متساويش أحقية أطفال في إنهم يتعلموا في مدرسة كبيرة زي مدرستكم، واعتقد
هتكون حاجة كويسة جدًا للمدرسة، يعني مثلًا يوم ما يقولوا إن مدرسة مبتهتمش غير في
المبالغة في المصاريف وبتقبل فئة معينة بس تدخلها فالموضوع ده لو أتكلم مثلًا عليه
ابن عمي أنس الجندي في مجلس النواب هو وباقي معارفي وقالوا مدرسة زي دي بشروط
تعسفية هي كده مبتخدمش ولا بتساهم اصلًا في التربية والتعليم ده غير إن وزير
الخارجية مش هيرضى أبدًا ميتعاونش في حاجة زي دي واعتقد هتبقى السمعة مش كويسة
كصورة قدام الناس، إنما لو الكلام جه من حد غريب وابن عمي قال إن المدرسة دي بتقدم
منح وباقي معارفي صدقوا على كلامه الصورة الظاهرية هتكون أفضل، ده غير إن قانونًا
مفيش حاجة تقول إن ابني مش مناسب.. وبرضو نفس التلت منح دول لما اقدمهم مرة واحدة
مقدم ممكن ينفعوا في حاجة كويسة في أمور الإدارة! أنا عارف إنها كمدرسة كبيرة مش
محتاجة اوي لده بس برضو السمعة بتفرق، لو حصل على الإنترنت حملة واحدة ده مش بس
هيضيع منكم تلت تلاميذ، ممكن يضيع تلاتين أو 300 أو أقدر اكلم أولياء أمور أولادهم
هنا بالفعل واقولهم على تجربتي والمعاملة اللي مش أحسن حاجة ووقتها هيبقا الموضوع
مش لذيذ والناس بتمشي من المدرسة.. ولا شايفة ايه؟
لقد رأى الشتات، ورأى الحيرة والقليل من
التوتر عندما أتى على ذكر مجلس النواب في هذا الأمر وهي الآن تبدو وكأنها لا تدري
ما الذي عليها فعله!!
-
يا ريت لو الموضوع هيخلص معاكي عرفيني واكتب
الشيك وخلاص عشان على ما تقومي وتسألي حد وترجعيلي هتكفل باتنين بس مش تلاتة!
أجلت حلقها بتوتر كان واضحًا هذه المرة
لتحدثه بحزم:
-
هو حضرتك من الـ requirements ان كل الإجراءات والتقديم يخلص قبل بداية
السنة الدراسية، بس كده السنادي مش هـ
-
ومظنش كل اللي بيتأخر أسبوعين تلاتة على
المدرسة بيقدم هدية كده!
قاطع حزمها الزائف الذي سرعان ما تلاشى وهو
يتكلم بنبرة واثقة وتابع:
-
أنا عايز اسمع كلمة إنه يا إما إنه هيبتدي من
أول الأسبوع الجاي يا إما مش هينفع خالص وأنا هتصرف مفيش مشاكل بس ساعتها أنتو
اللي هتكلموني مخصوص مش أنا.. خصوصًا بعد المُعاملة اللي اتعملتها وكان فيها تطاول
شخصي عليا!
-
حضرتك محدش تطاول عليك في أي حاجة!
-
اثبتي، مفيش ولا كاميرا هنا، إلا إذا كنتو مش
بتصرحوا بده وفيه حاجة احنا مش شايفنها!
نبرته المهددة ثم نظره بساعة يـ ـده بملل جعله
يقرأ الانزعاج بملامحها فسألها:
-
لسه كتير الغي معادي الجاي ولا هالحقه؟
-
ثواني please
قالتها مضطرة وهو ليس بغبي هي تراسل أحد ما
باستخدام حاسوبها ثم توجهت لهاتفها ليمنع هو ابتسامته وظل يُحدق بها بطريقة جعلتها
ترتبك أكثر ولا يُنكر أنه أصابها بضغط شديد بالفعل ليُخرج هاتفه وقام بالتحدث
وكأنه سيُرسل رسالة صوتية:
-
مساء الخير، كلملي كده مكتب السفارة
الأمريكية وعرفهم إني في مدرسة CAC
-
حضرتك تمام، ممكن يبدأ من الأسبوع الجاي.
ابتسامتها المرتبكة جعله يصل لما أراده فأخرج
من جيب سترته دفتر شيكاته وهو في الأساس لم يكن ليرسل شيء لأي أحد ومجرد توصية
صغيرة من مكتب وزارة الخارجية الأمريكية لموظف ما يعرفه "أنس" كانت تبدو
وأنها كفيلة بإنهاء الأمر، هي غبية، أرادت أن تتفاوض معه على المزيد وجدت نفسها
فجأة ستُسأل قانونيًا على ما لم تفعله وبعض الاستياء من السفارة وربما رئيسها قد
انزعج منها بالفعل!
❈-❈-❈
بعدها بساعتين..
جلست شاردة بصالة استقبال الفندق حتى تصل
السيارة التي ستنقلهما إلى المطار وعقلها مشوش، كل ما يُمكنها التفكير بشأنه الآن
أن تعود إلى زمن بعيد لتصبح بالرابعة والعشرين مرة ثانية وستفعل الكثير مما لم
تفعله وستتجنب الكثير مما ارتكبته بغبائها!
جذب انتباهها الاستماع لرنين هاتفه لتجده
يجيب وابتسامته الرائعة تعتلي ملامحه، بالطبع، الجميع يحظون به وهي ا تحصل من يومه
على شيء، بل المزيد من الصمت ليومهما ليس إلا، هل كان محقًا في شأن الانفصال؟
ستفشل للمرة الثانية.. هذا رائع للغاية!
شردت مرة أخرى ولم تكترث إلى من يتحدث وغرقت
بأفكارها من جديد وهي تشعر بتوترها يزداد إلى أن وجدته يُناديها فنظرت نحوه وردت
بهدوء:
-
نعم.
-
عمر لسه قافل معايا، ريان قبل في CAC وهيبتدي من أول الأسبوع الجاي!
رفعت حاجبيها في اندهاش بملامح ساخرة، لقد
كان محقًا في أن يتعامل معها في كل ما يخص "ريان" عن طريق زوجها، يا لها
من صدفة، لم تعد تحتمل أي منهما لا هذا ولا ذاك في نفس الوقت، فليذهبا للجحيم!
تعجب من تلك النظرة على ملامحها وسألها
مستفسرًا:
-
ايه الغريب اوي في الموضوع؟
قلبت شـ ـفتاها وردت متنهدة:
-
مفيش حاجة غريبة خالص.. ده اللي كنت متوقعاه كده
كده!
-
أنا غلطان إني سألت، كان لازم اخد بالي إن
فيه حاجة ملهاش أي معنى هتقوليها!
❈-❈-❈
منذ أربع سنوات وأربعة أشهر..
تابع بعينيه هذا الرجل هو وابنه، لا يدري
لماذا أتى اليوم ليؤدي العزاء في والده، لقد انتهت القضية على كل حال وكسبها، لم
يستطع فهمه قط، ولا فهم هذه العلاقة الغريبة فيما بينهما ولم يتذكر ما الشأن أو
النفوذ الذي يملكه "بدر الدين الخولي" حتى يتحدث بثقة شديدة مثل تلك
التي حدثه بها يومًا ما! لقد كان غريب بالنسبة له مزاحه الذي لم يستطع مواكبته!
ظل ناظرًا له وهو يغادر إلى خارج قاعة المسجد
الخاصة بالمناسبات وتفاجئ مما يحدث، لماذا يعانقه أمام الجميع هكذا؟ أيمزحان سويًا
الآن بعدما فرغا من واجب العزاء؟!
لا يتذكر قط أنه ووالده تشاركا مشهد كهذا
طوال حياتهما!
-
يزيد الجندي مكنش زيه مش كده؟
قلب عيناه متأففًا مما استمع له بهذا الهمس ونبرة
صوته الكريهة ليتمنى موته أو موت نفسه أهم ما في الأمر أن يصبح كل واحد منهما في
عالم مختلف الآن:
-
عدي بقولك ايه أنا مش ناقص! أنا هروح الحمام
واجي!
تركه وغادر مبتعدًا وأخرج هاتفه وقام
بالاتصال بـ "بسام" الذي بمجرد رده قام بسؤاله:
-
عملت معاها إيه؟
لم يأته رد لعدة ثواني ليستمع في النهاية لما
كان يتوقعه:
-
قالتلي انكم رجعتوا لبعض وطبعًا مصممة انه
مفيش قضية وإنها لسه عايزة تكمل معاك!
حسنًا، لم تدع له اختيار آخر، عليها إذن أن
تتحمل لأنه قد حاول بكل الطرق الممكنة:
-
بسام امبارح الموضوع جه بسرعة وموبايلي كان
مقفول وأول ما شوفتك أنا قولتلك إني ردتها، غصب عني بس مفيش حل غير إني احطها قدام
الأمر الواقع.. هي هتفهم دلوقتي إني زعلان عشان موضوع بابا وده وقت كفاية اوي
قانونًا إنه يثبت اننا مش متجوزين وتكون العِدة خلصت.
دام الصمت لبرهة ثم سأله:
-
أنت هتعمل ايه؟
تنهد بمشقة وهو حقًا لا يستطيع تحمل أي شيء
بل وقدماه لا تستطيعان حمله فهو مستيقظ منذ يومان حتى الآن واجابه:
-
لازم اخدها يا اما من بيتكم يا إما من البيت اللي
جبناه وقت ما اتجوزنا زمان لأن ده اللي متصور فيه الفيديو، يا إما لو من بيتكم
لازم يكون ده متصور بكاميرا وعليه دليل وساعتها أنت اللي هتبلغ وهنكمل كل حاجة زي
ما اتفقنا!
أنهى المكالمة معه وانتظر بفارغ الصبر إلى أن
انتهى العزاء ومشاعره يعلم أنها ستقوده إلى هوة اكتئاب عميقة ستلتهمه لشهور، إلا
لو هناك من استطاع إنقاذه منها، ولا يوجد سواها بالطبع.
بمجرد انتهاء العزاء والمجاملات وتزييف الحزن
على رجل قاسي لن يختار شخص عاقل أن يتعامل معه بمحض ارادته، بل يبدو الجميع وكأنهم
مجبرون على التعامل معه اتقاء شره ليس إلا، عاد إلى منزله وكان لديه ثقة أنها لن
تنام قبل رؤيته فذهب لمنزلها مباشرة وقام برن الجرس فقامت بفتح الباب وبعد تبادل عدة
نظرات معها لن يفهمها سواها أخبرته:
-
متقولش أي حاجة.
اتجهت لتعانقه بقوة وعندما شعر بتلك الخفقات
المتسارعة بداخل صـ ـدرها من أجله استطاع أن يترك العنان لانهياره التام الذي حبسه
عن أعين الجميع منذ الصباح ونكس رأسه للأسفل دافنًا وجهه بكتفها، وشعر كم كان
محظوظ لأول مرة في حياته لكونها بجانبه اليوم، لأول مرة حظه يُصبح جيدًا إلى هذه
الدرجة، فهو لم يكن يعرف أن والده سيرحل تاركًا إياه مبكرًا بمحض ارادته عن عمد
مُصرًا أن يقتل نفسه!
لقد كان قاسيًا حتى النزع الأخير وسيترك له
هذا ليكون درس له، ولكن قد طفح الكيل من دروسه، لقد كان يحتاج له كأب أكثر من
مُعلم.. وللأسف فشل بهذا وذاك!
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة بتول طه لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية