-->

رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه - الفصل 70 - 1 الجمعة 3/11/2023


    رواية كما يحلو لها

الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه

رواية جديدة كما يحلو لها

تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى

من قصص وروايات

الكاتبة بتول طه

النسخة العامية

الجمعة 3/11/2023

الفصل السبعون

الجزء الأول


منذ أربع سنوات وأربعة أشهر..

أحست بتلك الرجفات أثر بكاؤه المكتوم، لطالما كانت هذه طريقته، إمَا يخفي دموعه عنها وإمَا عليه أن يكون ثمل بشدة ليُصرح بحزنه، وفي كلتا الحالتين هي لم تمانع قط أن تُشاركه هذه اللحظات إلى أن يشعر بأنه أفضل..

 

حزنت من أجله بالرغم من أن رحيل والده قد يُعتبر النهاية للكثير من الأشياء التي لطالما تمنت أن تنتهي، تدرك أنه يدرك ذلك ويفهم مليًا ما معنى أن والده الذي كان السبب خلف الكثير من الأشياء التي حدثت له بالماضي البعيد والقريب على حد سواء قد ذهب ولن يعود، لن يكون هناك "يزيد الجندي" الذي يجبره على العمل ويعترض على كل شعور فطري عفوي يخرج منه دون إرادة، لن يكون متواجدًا ليخبره بأنه فاشل، ولن يكون معه ليخبره بان من وقع في عشقها ليست جديرة به!

 

حاولت التخفيف عنه مع علمها أنه لن يوجد أي كلمة قد تفعل وسيكون لها صدى بداخله ليمنعه عما يشعر به:

-       كل حاجة هتكون كويسة..

 

تشبثت به وهي تخبره بتلك الكلمات وحاولت الربت عليه بينما لم تعلم إن كان وجودها يُفيد حقًا في مشاركته رحيل والده، فهي لم تكن أفضل زوجة ابن في الحياة، كما أنها تعلم ما معنى فقدان أب كان هو الأقرب له، لقد مرت بها يومًا ما، ليته كان بجانبها فقط دون قول أي شيء!

 

تعجبت لتوقفه عن البُكاء وكلماته التي لم تستطع التعقيب عليها بحرفٍ واحد:

-       أنا عارف إن كل حاجة هتكون أحسن ألف مرة، بس ليه ده يحصل من غير ما يديني حاجات كتير كانت من حقي، عمره ما اتصرف كأب طبيعي معايا، وكل حبه ليا كان حاجة مادية، شغل ومدرسة وجامعة، ليه حتى في الآخر مفكرش يشوفني لآخر مرة قبل ما يصمم يموت نفسه، ليه بس مستناش الكام شهر دول.. أنا اللي مزعلني من كل اللي حصل إني حسيت إني مليش عنده قيمة، ده حتى مفكرش يقولي كلمة واحدة قبل ما يعمل اللي عمله!

--

عودة للوقت الحالي..

تفقده وهو يجلس بجانبه بالمقعد الخلفي للسيارة متفحصًا إياه أدرك "عمر" في قرارة نفسه أن هذه النظرات لا تعود سوى له وحده ليعرف مليًا أن ذهابه وابتعاده لن يُغيرا الكثير به، وبالرغم من محاولته أن يفر من هذه المعاناة التي يشعر بها إلا أن القدر كان له رأيًا آخر في أن يكون "ريان عمر يزيد أكمل الجندي" شخصية قائمة بذاتها تُشابهه للغاية؛ شاء هذا أم أباه! 

 

بادله نظراته بتفحص استفهامي ليتساءل "ريان" بتريث:

-       احنا مش هنروح لمامي بقى؟

 

ضيق عيناه نحوه وأجابه سائلًا:

-       ليه؟ أنت زهقت مني وعايز تروح لمامي؟

 

هز رأسه بالنفي واجابه بأعين متوسعة صادقة:

-       أنا مزهقتش منك، أنا عايزها تعملي meat balls عشان أنا جعان!

 

همهم بتفهم له وقربه منه وهو يُجلسه فوق قدماه وحدثه متسائلًا:

-       ويا ترى مامي بتخليك تعملها معاها ولا بتقعد تتفرج؟

-       بعمل الـ toast والـ meat بس!

 

ضحكت بخفوت وهو يُشاهده وتذكر تلك المرة الوحيدة التي صنعتها بها وجعلته يفعل المثل فسأله "ريان" باستغراب:

-       أنت بتضحك على إيه؟

 

أجابه بما لا يجعلها مادة للحديث قاصدًا أن يبتعد بكل الطرق الممكنة عن ذكرها في حديثهما:

-       أنا كمان جعان وعايز أكل meat balls، تحب نعملها سوا ولا نروح ناكل برا؟

 

فكر لوهلة ثم أخبره:

-       نعملها سوا مع بعض في البيت!

 

سأله مرة ثانية ليعرف إلى أين سيتجه معه:

-       طيب تاكل الأول ولا نجيب حاجة صُغيرة ناكلها واحنا بنشتري حاجات المدرسة مع بعض وبعدين ناكل ونعمل meatballs بالليل؟

 

همهم بتفكير ثم أخبره باقتضاب:

-       لا نجيب snack ونجيب حاجات المدرسة وبعدين نعمل الأكل سوا!

--

منذ أربع سنوات وأربعة أشهر..

انزعجت من تلك الاهتزازات التي لم تتوقف على هاتفها فتناولت الهاتف سريعًا خوفًا من استيقاظه وتفقدته ظنًا منها أن المتصل قد يكون "بسام" أو والدتها ولكنها اندهشت عندما رأت اسم "عنود" يتجلى على الشاشة فنهضت وتوجهت بعيدًا عن فراشه وذهبت حيث تلك المقاعد التي تتوسط منزله الصغير التي لا تدري لماذا صمم على التواجد به وتنفست بعمق قبل أن تجيبها وهي تأخذ في اعتبارها جيدًا أن "عمر" رفض بشدة علمها عن أمر وفاة والدهم وأجابتها بنبرة تلقائية بمرح زيفته لكي لا تشعر بشيء:

-       نقول مساء الخير ولا صباح الخير دلوقتي، فينك يا عروسة من امبارح كده ولا مكالمة واحدة؟

-       لا قولي مساء الخير عادي، ازيك يا روان عاملة إيه؟

 

استغربت قليلًا من نبرتها التي لم تكن لتُنبأها بالخير على الإطلاق واجابتها بعفوية:

-       أنا تمام، أنتِ إيه الأخبار؟ مبسوطة ولا يونس قضاها تنطيط النهاردة كمان؟

 

حمحمت "عنود" وهي لا تعرف بم تُجيبها وقالت:

-       لا مفيش تنطيط، احنا لسه واصلين فرنسا من ساعتين كده.

 

تبادلت معها أطراف الحديث وهي تتوجه نحو المطبخ قائلة:

-       طيب اتبسطي اوي بقا، اتعشوا عشا حلو كده فيه أماكن كتير قدام البرج جميلة والجو هيبقا تحفة بليل، والصبح اعملي شوبنج وممكن تروحوا Disney land اكيد يونس مش هيتوصى وهيروح يجي مرتين ولا حاجة

 

دام الصمت لبرهة لتحدثها بارتباك وتردد شديد:

-       روان بُصي عشان هو نزل تحت يسأل على حاجة وأنا فوق في الأوضة لواحدي وعايزة اكلمك بسرعة قبل ما يجي، أنا من امبارح مش عارفة اتعامل معاه خالص، زي ما أكون أول مرة اشوفه أو اعرفه.. أنا متضايقة اوي ومش عارفة أكلم مين غيرك، ماما طبعًا هتقولي وأنا اعملك إيه، ونوران وبسمة يعني متجوزوش وهيقعدوا يهزروا ويتريقوا عليا وعلى ما يفهموني هبقى اتشليت.. أنا بجد مش عارفة أتكلم معاه كلمتين من امبارح ولا ابصله، زي ما يكون كل الكلام وقف، وكل ما افكر إن المفروض نكون طبيعين كده انتي عارفة طبعًا بحس إني عايزة اختفي جوا الأرض.  

 

ردت بتلقائية شديدة جعلت "عنود" تتنفس براحة:

-       ما طبيعي يعني اللي أنتِ فيه ده، مفيش واحدة مننا كانت متعودة تقعد مع جوزها من أول يوم جواز، بس بصي..

 

سكبت المياه في جهاز صُنع القهوة وأكملت:

-       اتكلمي معاه، حسسيه إنك مهتمة بيه هو، أسأليه عن كل حاجة تخطر على بالك، عن أيامه في المدرسة مثلًا، وكلميه عن مامته كتير لأن يونس كان بيحبها أوي، وكلميه عن أصحابه اللي بيحبهم، كلميه عن شغله، ارغوا كده شوية مع بعض وانتوا بتتعشوا مثلًا وانزلوا اتمشوا وواحدة وواحدة هتبتدي تحسي إنه بقا جزء من يومك وكمان يومين تلاتة هتصحي أنتِ تدوري عليه بليل.. بالراحة كده ومتضغطيش على نفسك.. وبعدين أنتِ شايفاه بيتعامل معاكي ازاي من امبارح؟ هو زعلك أو ضايقك في حاجة؟

 

أتاها ردها بتسرع شديد:

-       لا والله أبدًا، ده بيشوف إيه يرضيني وبيعمله، بس أنا حاسة إن فيه حاجة واقفة كده ما بينا، فهماني؟

-       حاجة زي إيه مثلًا؟

-       امبارح أنا معرفتش أنام جانبه في السرير وحاسة كده زي ما نكون مخطوبين مش متجوزين، وميتة في الرعب لو لبست قدامه حاجة مش مقفولة!

 

ابتسمت "روان" على ما تستمع له منها وتذكرت كيف كانت هي في بداية زواجها بـ "عمر" ثم أخبرتها:

-       عادي عشان أنتِ مش واخدة عليه، حاولي بس تقضي معاه وقت وجربي مثلًا بعد ما تقعدوا برا كتير تناموا جنب بعض وشوفي هتحسي إنه عادي ولا لأ، خدي baby steps مش لازم يعني من أول يوم تعملوا كل حاجة..

 

تنهدت "عنود" وتريثت لبرهة قبل أن تقول:

-       طيب هشوف كده.. ربنا يسهل!

 

أنهت مكالمتها معها لتضع هاتفها بجانبها وقامت بتحضير كوبان من القهوة فصبت واحد لها وأمسكت بالإبريق الزجاجي والتفتت لكي تتفقد ما إن استيقظ أم لا لتجده خلفها يتفقدها في صمت لتبتسم له ابتسامة غير مبالغ بها وأخبرته:

-       صباح الخير.

 

عقد حاجباه بتعجب قليلًا وهو يُطالعها بتمعن داخل قميصه القطني الذي ارتدته عندما آتيا إلى منزله وأخبرها بتهكم:

-       صباح الخير دلوقتي!

 

هزت رأسها بالموافقة له وتوجهت لتصب له كوبًا وعقبت على ما قاله:

-       وفيها إيه يعني..

 

تابعها وبعقله الذي تذبذب بين كثير من الأشياء حاول أن يُرسخ به فكرة افتراقهما للأبد المحتومة التي لا يُمكن أن يُفكر في سواها.

 

أقبلت وهي تحمل الكوبان وناولته كوبه فتناولها منها ولوهلة شعرت أن حديث "عنود" ينطبق عليها، فهي تشعر أنها لأول مرة تجتمع به وكأنها زوجته للمرة الأولى، ولكن هي تعرف كيف تتحول بينهما الأمور للسهولة المُطلقة بمجرد مرور بعض الدقائق لتحاول التحدث معه في أي شيء دون الاتيان على ذكر موت والده فسألته بعفوية:

-       أنت بقيت بتشرب كل القهوة بتاعتك dcaf ولا إيه؟

 

همهم لها مجيبًا بالموافقة وقال متنهدًا بسخرية:

-       الكافيين وحش وممكن يلخبطلي كل حاجة.

 

تركها وتوجه نحو الأريكة فتبعته وجلست بجانبه وهي تطالعه بنظرات مطولة إلى أن شعر بالاستغراب لتلك الأسئلة غير المنطوقة التي تختفي خلف مُقلتيها فسألها باقتضاب:

-       فيه إيه؟

 

قلبت شفتاها متعجبة وسألته:

-       ازاي قادر تعمل كل ده؟

 

فهم ما تُرمي إليه وابتسم بقليل من الحزن كان قد أخفى الكثير منه بداخله وقال:

-       لو الإنسان لقى سبب حقيقي وبيعرف يتحكم في إرادته هيعمل أكتر من اللي أنا بعمله، ومش صعب على فكرة إن الواحد يسمع الكلام!  

 

أحبت المزيد من كلماته التي اشتاقت لها بعيد عن الشجار وبعيد كل البُعد عن الكثير من علامات الاستفهام فلقد باتت تعرف من هو لمدة قاربت الثلاث سنوات فسألته رغبة في المزيد من محادثتهما ليس إلا:

-       وكان إيه السبب بقى؟

 

تفقدها وهي تسترخي بجلستها أكثر وكأنما لديها كل الوقت من أجله فأجابها:

-       أسبابي موجودة من زمان إني أكون إنسان أحسن لنفسي، عمري ما استنيت حد، بس من ساعة ما عرفتك الموضوع اتغير شوية مش أكتر، وبعدين اللي مبيتعلمش من اللي حصله يبقى غبي.

 

لا تدري هل عليها أن تبتسم أم تشعر بالإهانة من كلماته لتجد نفسها غارقة للمرة المليون في هذا التحدي العقلي الذي يُصيبها بالشتات ليتتابع حديثهما:

-       طيب إيه اللي اتغير من ساعة ما عرفتني؟

 

يعرف مُسبقًا كم تعشق كونها محور الاهتمام الرئيسي في أعين وأفكار من تكترث به فاعتدل بكامل جلسته ليُصبح ناظرًا لها بكل كيانه وليس عينيه فقط وأجابها:

-       حبيتك.

 

اعتراف بالعشق ونظرة وكأنها المرأة الوحيدة بالحياة، لا تحتاج للمزيد، فليحترق العالم أسفل باب منزله الصغير ولتحترق كل المُثل والقيم، ولتذهب للجحيم مشاعر اليأس والانتقام، هذا ما كانت تريده منذ البداية وهو يجلس بمثل هيئته دون كلام على مقعد في "هاواي" وهي لا تعرف عن هذا الرجل شيء، ولكن اليوم يبدو كل شيء مثالي، لقد نالت ما سعت له ولو كان الثمن باهظ ولكنها فعلتها!

 

ابتسمت وسألته باقتضاب قبل أن تتناول دفعة من قهوتها:

-       يعني أنا السبب؟

 

طالعها بمزيد من العشق واشتياق يعرف أنه لن ينتهي ولو بعد سنوات وابتسامة مُنكسرة في الوقت الراهن قد تظنها لحظة استمتاع ولكن لاحقًا قد تفهم جيدًا ما خلفها ليرد بمنطقية لا تفتقر للمشاعر:

-       معني إني بحبك مش لازم يكون السبب، بس اللي أنا شايفه إن اللي بيحب حد بيعمل اللي هو عايزه، لو كنتي السبب فده معناه إن أول ما تبعدي عني هرجع تاني زي زمان، عشان منطولش كلام في الموضوع ده أنا شايف إني اتغيرت عشان أنتِ ورتيني حاجة جديدة، وبصيت للموضوع بعينيكي أنتِ وبوجهة نظرك أنتِ لأني واثق إنك بتحبيني وأنا بحبك، الخُلاصة يعني إنك كنتي أكبر دعم ليا بغض النظر بقا عن الأحداث.

 

لوهلة شعرت بالحُزن وحدثته بمشاعر كانت أعلى من صوتها الناطق:

-       لو كان ده حصل بس قبل ما كـ

-       بلاش!

 

قاطعها مانعًا إياها عن المُتابعة وأكمل:

-       لو كان حصل من زمان كان زماننا أسعد اتنين في الدنيا، وكان يمكن موصلتش للي وصلتله وكنت كسلت في مرحلة مُعينة، وكان زماني انتكست دلوقتي ولا سكران وقافل على نفسي، وكان يمكن ملقتش إجابات لأسئلة كتيرة، فكري إن كل ما حياة الإنسان بتبقى أصعب بيبدأ يتأقلم على اللي كان رافضه بسهولة، لو كان طبعًا اللي رافضه ده هو الصح والانسان نفسه حاول يفكر بإيجابية بعيد عن السلبية!

 

تفقدته بمزيج من الحزن والراحة الشديدة أنه وصل لما وصل له الآن ويتحدى عقلها بالمزيد من كلماته، هي تعرف الآن واليوم تحديدًا لماذا تريد الاقتراب، تعرف ما السبب وراء غفرانها وتجاوز الماضي، كل لحظة له معها سواء بكلمة أو فعل أو حتى شجار، كامل انتباهه واهتمامه يُصبحا لها، كيف يُمكنها الابتعاد عن هذا؟!

 

فكرت بكلماته هي تُنهي ما تبقى من قهوتها وكذلك فعل هو فحاولت محاولة تعرف أنها ستكون بلا فائدة ولكنها أرادت أن يترسخ بداخلها اليقين وسألته:

-       يعني بعد كلامك ده كله شايف إني غلطانة في إني سامحتك ومتأقلمتش على الصح لما اقترحت موضوع القضية؟

 

ابتسم ببعض السخرية وحاول للمرة الأخيرة أن يغير رأيها بالرغم من يقينه بأنها ما زالت رافضة للأمر وجاوبها بقليل من المكر في كلماته لم يظهر أخفاه خلف ملامحه العاشقة لكل ما فيها:

-       هو لو هنتكلم عن القاعدة من غير مشاعر هقولك إنك غلطانة وتفكيرك محدود وبتعملي كل حاجة عكس تفكيرك.. بس المشاعر مش بإيدينا يا روان!

 

اتسعت عيناها بانزعاج لما وصفها به وسرعان ما تدارك قوله ليس ليُنفيه ولكن ليوضحه:

-       تفكيرك المحدود ده يمكن لو مش موجود كان يمكن محبناش بعض، حد زيك لو كان تفكيره زيي مثلًا أو زي أي واحدة تانية كان ممكن يخليكي ويخليني منحبش بعض، يمكن مكنش بقا دافع ورا إني اتغير، أحيانًا التفكير المحدود في وقت من الأوقات بيكون دليل على إن صاحبه سهل ومباشر ومعندوش تعقيدات كتير والأهم إنه بيبين نيته الكويسة.. ما الأطفال تفكيرهم محدود، وبرغم ده بنحبهم، والأمهات كتير بيكون تفكيرهم محدود مع ولادهم بس ده مش بيخلي ولادهم تكرهم، عندك مثلًا عدي وماما، أو حتى أنا وماما، أنا مش بكرهها لأني عارف تفكيرها كله أول عن آخر هو محدود ومزنوق في مكان مُعين هي رافضة تخرج منه.. بس الفرق بينك وبينها إن أنتِ مع الوقت بتتعلمي وتفكيرك بيكبر بس بتحتاجي لوقت أكبر وأحداث أكتر عشان تقبلي التغيير والصح!

 

تفقدته بتساؤل والقليل من الشتات لكلماته الكثير وتعجبت ساخرة:

-       يعني أنا غبية غباء وقتي وهي غبية على طول وعمرها ما هتتغير؟ ده اللي أنت تقصده؟

 

ابتسم باقتضاب وهو يتفحصها وأجابها متسائلًا:

-       ده كل اللي أنتِ فهمتيه من كلامي؟

 

  انزعجت من اتجاه حديثهما لتنهض بعد أن أخبرته:

-       فهمت إن عقلي صُغير وإني عاملة زي البيبي وكل حاجة معايا سهلة في الأول ومحتاجة سنين ضوئية عشان يبقى عندي دماغ أفكر بيها!

 

تبعها وهي تتجه نحو المطبخ لكي يُصلح ما أفسده منذ ثوان قليلة وتكلم مخبرًا إياها بنبرة استفهامية:

-       تحبي اكدب وخلاص واقولك أي كلام تاني عشان يرضيكي؟ أنا ممكن اعمل كده على فكرة بمنتهي السهولة!

 

التفتت له بلمحة مُنزعجة ثم أشاحت بنظرها عنه وهي تغلق المياه بعد أن قامت بغسل الكوب وتناولت منشفة قست بها على الكوب حتى كادت أن تهشمه فترك هو كوبه جانبًا وعقد ذراعاه وأخذ يُطالعها في صمت أمّا عنها فهي تحاول أن تجد توازنًا بين غضبها وبين الظروف الراهنة لتتنفس بعمق دون قول شيء وحافظت على عدم التكلم أو النطق بما لن يُفيد أيًا منهما!

 

عندما أدرك أنها أخيرًا لن تقول شيء تكلم بهدوء دون استفزاز المزيد من غضبها الذي يتضح على كل ما فيها:

-       تعالي نرجع للموضوع اللي مضايقك، أنتِ قولتي بالحرف إنك متأقلمتيش على الصح لما اقترحت موضوع القضية، ممكن بس تسيبيني أتكلم من غير ما تتعصبي وحاولي تقبلي كلامي بمنطقية من غير عصبية وأفكار تانية؟!

 

عقبت بسخرية وهي تعرف أنها مُحقة فيما ستقوله:

-       يعني لو قولتلك لا مش ممكن، ساعتها مش هتتكلم! أنت محدش بيعرف يسكتك يا حبيبي!

 

ابتسم على قولها ولكنه فاجئها وهو يخبرها:

-       تمام، لو مش عايزاني أتكلم مش هتكلم.

 

 توجه لخارج المنزل حتى يتفقد كلبيه ليتركها خلفه مُتعجبة من مزاجه الرائق الغريب وامتثاله لما تهكمت به منذ لحظات وشعرت بالغضب يجتاح كل ذرة بكيانها وتوجهت للخارج لكي تتبع وترى ما الذي حدث له، هذه هي المرة الأولى التي يتركها به هكذا بمنتصف نقاشهما، وأخذت خطوات مُسرعة نحوه فشعر هو بها فالتفت ليقوم بإبعادها وهو يقول منبهًا إياها:

-       فينوس لسه من كام يوم واكلة واحد من ولادها عشان خافت عليه، ممكن متقربيش منها خالص اليومين دول؟

 

وجدت نفسها تُدفع بعيدًا نحو منزله لتخبره بتهكم:

-       متضايق عشانها ومش متضايق عشان سبتني ومشيت!

 

استمع كلاهما لنباح "أوفيد" المعترض على دفعه لها ليسخر "عمر" بداخله من ذلك الرابط الذي لا يدري متى وأين نشأ بينهما ورد على كلماتها قائلًا باستفهام:

-       مش أنتِ اللي قولتي إنك مش عايزاني أتكلم؟!

 

قام بالتوقف قريبًا من باب منزله فالتفتت لتنظر له بينما وجدت الجمود الهادئ يحتل وجهه فحاولت تفادي تلك الكلمات المؤذية التي تستطيع أن تتلفظ بها دون انقطاع كما انتبهت أنه لتوه فقد والده واكتفت بالنظر له بلومٍ مصحوب بغضبها من تصرفه ليقرأ ملامحها بسهولة ليخبرها بتلقائية:

-       أنا معنديش مانع اقعد أتكلم معاكي باقي حياتنا، بس بجد تعبت من ردود افعالك وأنا اليومين دول مش قادر اتحايل عليكي وبالعافية ماسك نفسي وسط كل اللي حصل وبحاول اتعامل عادي كأن بابا مماتش النهاردة الصبح، عايزة نرجع نتكلم بهدوء معنديش مُشكلة، عايزة نفضل ساكتين أنا برضو معنديش مُشكلة! شوفي حابة إيه وأنا هعمله.

 

زفرت بعمق ولكم مقتت أنه لطالما كان بينهما تعقيد ما بأمر غريب لا يتفقا عليه، منذ عدة دقائق شعرت بأنها تعشق تحديه لعقلها والآن تمقت التعقيد، لو كان من السهل أن تقوم بإلغاء كل ما حدث بينهما من تعقيدات وأمور تتمنى نسيانها والإبقاء على ما تعشقه فيه كتلك الملفات التي تزيلها بكبسة زر في حاسوبها، لكانت دفعت كل ما تملكه من أجل فعل هذا!

 

فركت جبهتها بقوة ثم حدثته بنبرة مُستسلمة:

-       مش عشان بحاول أنسى كل اللي فات ده معناه إني تفكيري محدود، ولا معنى إني بحاول ابعد عن الطريق الصعب بتاع القضايا والمحاكم وشكلي وشكلك قدام الناس ده معناه إن تفكيري محدود، أنا ببص لقدام، لما أكون ست متطلقة وطليقي خطفني ودخل السجن عشاني، كل الحب اللي ما بيني وبينك ده ميستاهلش إني اسامح عشانه بعد ما شوفتك اتغيرت بجد أنا وكل اللي حواليا!

 

تمنى في هذه اللحظة لو أنه يستطيع الشعور بالأمر كما تشعر هي به بهذه السهولة الممكنة ولكنه لم يجد بداخله سوى العشق بجنون لها، امرأة مثلها بهذا النقاء لا تستحق رجل مثله لأي سبب كان، هي تستحق فُرصة حقيقية في الحياة مع رجل لا يحمل بشاعته!

 

ابتلع وابتسم لها بلينٍ شديد وتكلم بهدوء متسائلًا:

-       وأنا قولت بالحرف كلامي عن القاعدة من غير مشاعر هقولك إنك غلطانة وتفكيرك محدود وبتعملي كل حاجة عكس تفكيرك..دلوقتي أنتِ بتتكلمي عن الحب يا حبيبتي.. وده أصل المشاعر، أول ما بنحب مشاعرنا بتوجهنا وبنتصرف على حسب المشاعر، مبنتصرفش بالصح والمنطق والقواعد والقوانين!

 

ضيقت ما بين حاجبيها ليُتابع وهي تجده يقترب منها:

-       مثلًا زي اللي حصل دلوقتي، مش قابلة تسمعي مني كلمة زي إن تفكيرك محدود، إنما لو فكرتي في كلامي هتلاقيني قولت بعيد عن المشاعر.. الصح لما واحد يغلط غلط كبير يتعاقب، عشان كل اللي عملته ده معاكي شوية ندم وتغيير ميساووش ربع التعب والرعب اللي كنتي فيهم بسببي!

الخلاصة من كل كلامنا الكتير ده إن الصح لو أنتِ مش بتحبيني هو إنك تاخدي حقك بالقانون، زي ما ده أسلوبك طول عمرك، زي ما عملتي مع عمك، وزي ما فكرتي تخلعيني، وزي ما روحتي لمحامي اديتيله كل الورق اللي لقيتيه في الخزنة بتاعتي! فهمتي قصدي إيه؟!

 

ربما تقتنع، أو لا، ولكن حديثه لها قد تتذكره لاحقًا، وربما لا، لا يهم، كل ما يهمه الآن أن تمر هذه الأيام في سلام دون المزيد من مطاردتها ليقنع عقلها الواعي والباطن وكل ما بداخل رأسها أن افتراقهما محتوم!

 

اقترب لها أكثر ثم قبل جبهتها وهو يحتوي وجهها بكفيه ليضيف في النهاية:

-       أنا بس بثبتلك وجهة نظر مش أكتر ومن حقك تقبليها أو لأ، ده مش هيغير حاجة ما بيني وبينك عمومًا!

 

توجه للداخل فتبعته وهي تحدثه:

-       ماشي، وجهة نظرك دي غلط كلها، لأني لو مكونتش بحبك كان عندي استعداد إني مش بس اوديك السجن، لا كان عندي استعداد أموت واحد عمل فيا اللي أنت عملته، وبعدين صح إيه اللي أنت بتكلم فيه ونسيت إنك كنت في الفترة دي مش واعي!

 

التفت نحوها وابتسم لها بسخرية وقال بحسرة:

-       الوعي من عدمة مبينفيش العقوبة، لو كل واحد مش واعي ارتكب جريمة يبقى بمنتهى السهولة الدنيا تتحول لغابة، اللي يقتل يقتل واللي يخطف يخطف، واللي يؤذي مراته يؤذيها وفي الآخر نسامحه عشان مش واعي!

 

أكمل طريقه وتركها خلفه لتتفقده بنظرات مختلفة وارتابت فيما يقوله لتُحدثه بجدية وهي على مشارف البُكاء:

-       عمر، أنا قولتلك إني عارفة حقي ومسامحاك فيه لأني بحبك.. واعي أو مش واعي أنا كفاية أوي عليا إني أكمل حياتي مع إنسان عارف وواثق كويس إنه غلط وحاول بكل قوته يكفر عن اللي عمله، أنت حتى عمرك ما طلبت مني نرجع لبعض، أظن أنا اللي طلبتها ومن حقي أخد اللي أنا عايزاه لو فعلًا عايزني أعيش مبسوطة!

 

ابتلع قبل أن ينظر لها مرة ثانية وحاول بكل ما به تزييف الأمر وقال وهو يبتسم رغمًا عن أنفه حتى لا ترتاب بما سيفعله عاجلًا أم آجلًا:

-       الموضوع مش مستاهل عياط، أنا متأكد إنك هتعيشي مبسوطة وهتاخدي كل اللي نِفسك فيه!

--

عودة للوقت الحالي..

دخلت لتجلس بالمقعد المجاور للسائق وتركته يضع حقيبة سفرهما بنهاية السيارة ثم دخل بجانبها وشرع في القيادة في صمت كان عقلها قد أنهى به كثير من التوقعات والأسئلة والأفكار اللانهائية، هي تعرف الآن بعد شجارهما السابق أن المزيد من الحديث معه لن يُفيد!

 

أجلت حلقها بعد الكثير من الصمت لدرجة جعلتها تسخر مما يحدث بينهما فهي تظن أن نبرتها ستبدو مُختلفة من كثرة هذا الهدوء الذي يُشابه هدوء الموتى وأخبرته:

-       أنا عايزة نروح ناخد ريان من عند عمر!

 

لم يلتفت نحوها ورد باقتضاب بعد أن تفقد ساعته:

-       أنا هروح لرقية لما نوصل وبليل هعدي على المستشفى عشان فيه اجتماع مهم، يا تبعتيله السواق يا تروحي انتِ!

 

رفعت حاجباها باندهاش وأخبرته متعجبة:

-       مش على أساس إنك واخد يومين إجازة علشان نسافر ونكون كويسين! دلوقتي هتروح لرقية؟!

 

زفر بضيق ثم غمغم:

-       استغفر الله العظيم!

 

دام الصمت لبُرهة فيما بينهما لتلتفت له وهي كقطعة من الجحيم تنتظر مجرد كلمة واحدة وستحرقه في لمح البصر لتصيح به:

-       هو أنا بتكلم وأنت حتى مفكرتش ترد.

 

صف السيارة على جانب الطريق ثم التفت لها صارخًا بغضب:

-       بقولك إيه، أنا خلاص جبت أخري منك، ومعنديش كلام اقولهولك ولا هيبقى عندي ما دام تفكيرك عامل زي تفكير طفلة صغيرة! هو ليه العيشة معاكي مفيهاش غير نكد وخناق، مهما أحاول اعمل مبيعجبكيش.. فخلاص بقا روحي اعملي اللي أنتِ عايزة تعمليه عشان مبقتش عارف اعملك إيه اكتر من كده تاني! أنا خلاص ضغطي بقا بيعلى من مجرد الكلام معاكي.

 

-       اسأل نفسك ليه العيشة بقا فيها نكد وخناق عشان أنت نسيت إنك متجوز وفيه إنسانة في حياتك.. واضح إنك مفيش ست تقبلك ببرودك وتجاهلك للي معاك عشان كده هاجر اتطلقت منك، وواضح إن ده كمان اللي أنا هاعمله!   

-       هو ده اللي أنتِ عايزاه مش كده؟

 

-       لو هتفضل كده عايش لشغلك ونفسك وبس فآه يا يحيى، هو ده اللي أنا عايزاه!

 

احتدم جدالهما حتى تلون وجهه بحمرة الغضب وانتفضت هي من شدة غضبها وبالكاد أمسك لسانه عن النطق بما قد يندم عليه أحدهما أو كلاهما لاحقًا، فتوجه خارج السيارة ودنا قليلًا حتى يصل لمسامعها ما ينطق به:

-       أنا هبات النهاردة برا، بكرة الصبح أخوكي يبلغني بقرارك لو عايزة تطلقي بجد ابقي خليه يكلمني، لو عقلتي وبطلتي هبل ابقي كلميني ومن غير هري كتير، أنا معنديش حاجة أقدمها أكتر من كده!

--

منذ أربع سنوات وأربعة أشهر..

طالعته وهو يقرأ كتاب ما في هدوء بينما يـ ـده تُمسك بكفها وكتابه يستند على قدمه الموضوعة فوق ساقه الآخر وازداد قلقها بمرور الوقت لمدى تلقائية تصرفاته وكأنه ليس نفس الرجل الذي كان يبكي بين ذراعيها منذ ساعات فسألته:

-       عمر أنت كويس؟

 

همهم لها بالموافقة ولم يتوقف عن القراءة فكررت سؤالها:

-       بجد؟

 

التفت لها بعد أن قام بإغلاق الكتاب وحاوطها بذراعه وحدثها بهدوء:

-       أنا كويس وأدويتي ملخبطتش فيها وحظي أخيرًا بقا حلو شوية أول مرة مصيبة تحصل وأنا فايق وواعي متخافيش.. لو فيه حاجة هتلاقيني بقولك من نفسي.. بس لو دخلت مود الاكتئاب والعياط وإن أفكر في كل حاجة حصلت بيني وبينه مش هخلص وكام يوم وهدخل في نوبة مفيش حاجة هتطلعني منها غير جلسات ect وأنا مش عايز أعمل كده دلوقتي..

 

طالعته بحيرة وحدثته بتردد:

-       أصل يعني أنت كنت منهار قبل ما ننام وأنا قلقانة من هدوئك ده وبتتكلم كأن مفيش حاجة حصلت!

 

ابتسم لها بانكسار وهو لا يريد أكثر من إخراج كل ما بداخله من مشاعر مكبوتة بإصرار منه، فهو يثق أنه لو فعلها وتحدث عن الأمر لن تكون هناك قضية ولو بعد سنوات، كل ما يُريده هو تأجيل كل شيء سوى افتراقهما الذي سيحدث عما قريب ليحدثها بمصداقية زائفة:

-       روان أنا زعلت كل الزعل لما عرفت إنه هيموت، وكلمتك في كل حاجة وقولتلك اللي مزعلني لما رجعت من العزا، مريم كمان وجلساتنا الفترة اللي فاتت كنت جاهز نفسيًا لحاجة زي دي.. فمتقلقيش.. تحبي اعملك إيه عشان اثبتلك إني طبيعي وكويس؟!

 

أومأت له بالنفي واجابته باقتضاب:

-       مفيش.

 

قبل جبهتها وقربها منه ثم عاود القراءة من جديد لتستريح رأسها فوق صـ ـدره وحاوطته بذراعها اليُمنى وأغمضت عيناها لبُرهة وهي تستمع لخفقات قلبه المنتظمة وتنفست بعمق وهي تشتم رائحة عطره وفكرت مليًا في لحظة يتشاركانها بعيدة كل البُعد عن انجذابهما الجـ ـسدي، تعرف يقينًا بداخلها أنها تريد الحياة معه، بكل ما فيها، حتى ولو كان سيواجه نوباته هي تريده بكل ما فيه، ربما الثمن كان قاسيًا ولكن لو كان ما حدث هو السبيل الوحيد لكي يتغير ويصبح هذا الرجل الذي يجلس ويتحدث عن اضطرابه بهذه المنطقية، هي مستعدة لتعيد كل ما حدث بينهما في الماضي من جديد!

 

رفعت رأسها نحوه وهي تتفقده وسألته مرة ثانية:

-       أنت مكلتش حاجة النهاردة طول النهار، مش عايز تتعشى؟

 

أخفض بصره نحوها وأجابها:

-       أنس جابلي سلطة وعصير قبل العزا.. أنا مش جعان دلوقتي، ممكن شوية وأكل حاجة خفيفة!

-       أوك..

 

عادت من جديد لتستقر بعناقه وعبثت بأصابعها دون قصد فوق صـ ـدره كما انتبه لقدمها التي تلاطف ساقه ليبدأ تركيزه فيما يقرأه يتلاشى شيئًا فشيئًا ويقسم أنه لو غرق في ممارسات متتالية كما كان يفعل بالماضي الذي بدا بعيدًا للغاية الآن ليتغلب على كل ما يمر به؛ وخاصة مع المرأة الوحيدة التي لم يجد نفس التناغم الذي يجمعه بها مع سواها، لا يدري متى وكيف سيتوقف وسيسطر على نفسه أمامها!

 

انتقى كلماته جيدًا وهو يُتابع حركات أناملها وحدثها بنبرة خافتة مُنبهة:

-       بنوتي، كده مش هاعرف أركز في القراية على فكرة!

 

رفعت عيناها نحوه باشتياق وأخبرته مُعقبة وهي لا تُفرق نظرتهما المُطولة:

-       الكتاب هيفضل موجود.

 

هذه دعوة منها، ولو كان ما حدث فجر اليوم لم يحدث لكانت تواجه اليوم حملة شرسة من رجل بات لا يعرف عن النساء شيء سواها، وتبًا لما تفعله به نظراتها تلك، تجعله يود الغرق بكل تفاصيلها حتى لا ينجو للأبد، أمّا عن اقترابها الذي ظن يومًا ما أنه لن يتواجد سوى بأحلامه وخيالاته المريضة، وهدوئهما المحبب الذي كان يجعله يعشقها بجنون ظنًا منه أنه حقق كل غاياته بالحياة، جل هذا جعله تلقائيًا يُلبي دعوتها دون تردد.. لقد احترق قرابة العامان دونها ولعل ما سيحدث سيكون أفضل وداع قد يحظى به في حياته!

 

تلك القبلة التي تشاركانها واستسلام كتابه الذي سقط أرضًا، وإذعانه بالتخلي عن حُزنه وهي تضمه بين ذراعيها قريبًا من قلبها النابض بعشق أكثر مما يستحقه وهو يعتـ ـليها فوق تلك الأريكة، ونظراتها التي تُناديه بالمزيد، وأنفاسها التي تنفسها بدلًا من الهواء، ولمـ ـساتها التي لم تتغير بعد عامان، جعلته يريد نسيان نفسه واسمه للأبد!

 

طالعته بقلق وسألته بهمس بأنفاس تسارعت وتيرتها نوعًا ما:

-       مُتأكد إنك كويس؟ ممكن نأجل كل ده لو عايز!

 

ازاح خصلاتها لجانب وجهها ثم أجابها متسائلًا بابتسامة:

-       هو أنا أقدر مكونش كويس وأنا في حضنك برضو؟! 


تابع قراءة الفصل