-->

رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه - الفصل 71 - 7 الأثنين 6/11/2023


رواية كما يحلو لها

الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه

رواية جديدة كما يحلو لها

تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى

من قصص وروايات

الكاتبة بتول طه

النسخة العامية

الأثنين 6/11/2023

الفصل الحادي والسبعون

7


عودة للوقت الحالي..

تفقدت ساعتها لتجدها أصبحت التاسعة وهي لم تغفل منذ ليلة أمس، هي تفهم الآن كل شيء بوضوح، تريد التناغم الجـ ـسدي، الاهتمام، أن تكون أولوية رجل طبيعي بعيد عن الكذب والتحايل، تريد من يحاول من أجلها بدل المرة آلاف المرات، تُحب أن تنظر لرجل تعرف أنها تملك معه لغة خاصة لا يتشاركها سواهما، لا تُحب أكثر من نظرة الاكتفاء بعيني رجل بها وحدها وكأنها تعوضه عن الحياة بما وبمن فيها..

 

هي لن تُلقي باللوم على "يحيى" فهو كما هو، لم يكذب ولم يخدعها، لقد حاول من أجلها لمرات، بسفر قصير استطاع اختلاس يوم أو يومان من عمله لأجلها، لقد بات يعود مبكرًا نوعًا ما، ولكن أن تكون بين ذراعيه وتستمع لكلمات رجل آخر بأذنيها، جعلها هذا تنتبه لتفسير الأمر لتحصره بين احتمالين لا ثالث لهما..

 

الأول هو رغبتها في هذه المشاعر والكلمات، ولكي تحصل عليها من "يحيى" ستحتاج مجددًا لنقاشات طويلة سيكون أغلبها جدال محض، وتجارب، واعترافات شتى بأن ما تريده ليست طريقته ولا يشعر بالراحة هكذا!

 

والاحتمال الثاني، وأسوأ ما يُمكنه أن تعترف به لنفسها لأن الإنكار لن يُفيدها بل وسيُعقد افكارها ومشاعرها واتزانها العقلي، هي ما زالت تعشقه وتريده هو.. وحتى لو تفعل، لن تعود له بعد كل ما عانته على يـ ـديه!

 

تقلبت على جانبها وطالعته وهو نائم، هو رجل رائع، يعشق الضحك وسهولة الأمور، ناجح بعمله، عائلته تعشقه، كل الأطفال حولهما يحبون اللهو معه، لديه طاقة غريبة على التفاؤل الدائم، أصدقائه يشيدون بأخلاقه وبمواقفه الرجولية.. ولكن بعد كل هذه المميزات هي ليست سعيدة معه كامرأة وكزوجة وكلاهما يفتقران للتواصل فيما بينهما..

ولن تسعد سوى بعد محاولات قد تلتهم سنوات من عمرها، وهي تشعر بالرعب الشديد لفقدان المزيد من نفسها، لقد أصبحت شبح امرأة بالفعل!   

 

نهضت بهدوء وهي تجفف دموعها التي لم تلحظ متى انهمرت بهذا التدافع الشديد ثم تناولت هاتفها وأرسلت له برسالة:

-       سوري يا يحيى فيه مُشكلة في الشغل ولازم انزل حالًا، روح عيد ميلاد أوس وأنا هخلص وارجع اغير هدومي وهحاول اجي قبل ما تمشوا!  

 

مشت نحو غرفة الملابس وارتدت ما استطاعت يـ ـدها الوصول له ولأول مرة لم تكترث بكيف ستبدو وبمن سيراها، وتناولت هاتفها مرة ثانية ثم أرسلت برسالة إلى "بسام" لكي تحتاط من افساده للأمر:

-       بسام أنا قولت ليحيى إني نازلة عشان فيه مُشكلة في الشغل، بس أنا بجد مش كويسة خالص وعايزة أتكلم معاك ومرضتش اتصل بيك علشان متقلقش، أنا هقعد في كافيه ****، لما تصحى كلمني.

 

بدلت ملابسها سريعًا وهي تحاول التوقف عن البكاء ثم خرجت من غرفة الملابس واقتبت نحوه ثم قبلت جبهته بهدوء شديد حتى لا يستيقظ ونظرت له بحُزن شديد وهي تُقسم أنها حاولت كثيرًا معه وكانت لا تتمنى أكثر من نجاح حياتهما سويًا، ولكن تلك التفاصيل التي تنقصها معه وعدم تناغمهما لا تستطيع احتماله ومواصلة الحياة معه..

كتمت شهقاتها حتى لا يستمع لها وفجأة شعرت بالذعر لمجرد فكرة أنها قد تكون ظلمته بالزواج منه واتجهت للخارج وهي لا تدري لماذا شعرت وكأنها تفر هاربة من شيء ما!

--

الوقت الحالي..

مساءًا بنفس الليلة..

جلس يُتابع الجميع وهو يلم بكل التفاصيل في صمت شديد مما يراه أمامه واستمع جيدًا بانتباه غير ملحوظ لما يتحدث به "يحيى" للنادل:

-       لا sea food إيه أنا عندي حساسية..

 

راقبه وهو يأخذ نظرة سريعة لقائمة الطعام ثم أخبره:

-       ممكن beef stroganoff.

 

ابتسم نوعًا ما بداخله بحسرة على ما ابتُليت "روان" به فهي تزوجت من رجل لا يتناول واحد من أكثر أطباقها المُفضلة وظل يُتابع ما يحدث بين الجميع والنادل يُسجل الطلبات وانتهى به في تسجيل طلبه ليجد النادل في النهاية يتجه نحو "يونس" ويخبره هامسًا بشيء جعله يتجه نحو "يحيى" وهو يسأله:

-       أنت مش هتجيب حاجة لروان؟

 

اجابه الآخر بتلقائية:

-       لما تيجي هي تختار براحتها.. هي أصلًا لسه بعتالي وقالتلي إنها هي وبسام قدامهم ربع ساعة.

 

أومأ له بالتفهم واتجه نحو النادل مرة أخرى بينما تعجب "عمر" من تلك المفارقة التي باتت تعايشها مع زوجها الجديد وبين ما عايشه معها بالفعل لينهض هو وتتبع النادل ثم قام بطلب طعام لها يعرف أنها لطالما قامت بتناوله وأعطى له مواصفات من سيُقدم له هذا الطلب، كما أخبره مؤكدًا بإكرامية سخية أن يُبقي هويته سِرًا.

--

بعدها بقليل..

أوشكا على الوصول لتك المائدة الكبيرة التي يتجمع حولها الجميع فأخبرها "بسام" برفق:

-       حاولي تفكي شوية وتاكلي حاجة عشان أنتِ مكلتيش من الصبح ووقت ما تلاقي الجو مناسب اتكلمي معها..

 

تفقدته بنظرات مُرهقة وأومأت له بالموافقة:

-       حاضر..

 

اقترب كلاهما وبمجرد رؤية "ريان" لها انطلق نحوها ليُعانقها فحملته وهي تُقبل وجنته وتعانقه بقوة وأخبرته:

-       روني وحشني اوي اوي اوي ولازم يروح معايا بقا النهاردة.

-       وحشتيني أوي يا مامي.. أنا اتفقت مع بابي إني هروح النهاردة أصلًا معاكي ولما المدرسة تبدأ كمان هفضل قاعد معاكي كتير.

 

تفقد ملامحها بعد أن كان يُعانقها وسألها باهتمام:

-       مامي أنتِ كويسة؟

 

هزت رأسها له بالموافقة:

-       طبعًا كويسة عشان شوفت روني حبيبي.. يالا تعالى نروج نقعد معاهم.

 

اقتربت وحيت الجميع بحوارات مختصرة فاليوم بأكمله كان أكثر مما تستطيع أن تتحمله، وذهبت نحو "أوس" لتقبله وناولته هدية بمناسبة يوم ميلاده وتوجهت لتجلس بجانب "يحيى" لتبتسم له فسألها:

-       مكشرة ليه يا بوزو؟ أنتي تمام؟

 

زيفت ابتسامة واجابته:

-       مُرهقة بس شوية علشان في الشغل من الصبح.

-       طيب بصي الـ waiter لسه جاي من شوية ومرضتش اطلبلك حاجة وقولت تشوفي أنتِ تحبي تاكلي إيه.. لما يعدي ابقي قوليله..

 

أومأت له بالموافقة ولكنها لم تكن لتهتم بذلك وكادت أن تخبره بضرورة حديثهما معًا لتجد عيناه فجأة تطاير نحو هاتفه باهتمام شديد ليقول باستياء وعصبية:

-       ده أنت لعيب غبي، لو حمار مش هتشوطها كده!

 

التفت سريعًا يبحث عن "يونس" وهو يُمسك بهاتفه ثم أخبره:

-       اتفضل يا عم اللعيبة اللي تحرق الدم، انفراد من نص الملعب ومفيش مدافع قدامه، بص الغباء!

 

لا يدري إلى أي درجة تمكن هذا المُهرج من ترك تلك المرأة الفاتنة التي امتلأت بحُسن لا تضاهيها به امرأة على وجه الخليقة من أجل قطعة من الجلد منتفخة بهواء يهرول خلفها اثنان وعشرون غبي.. كيف له أن يتركها وهي تبدو مُتعبة إلى هذه الدرجة بملامحها الشاحبة التي اختفت خلف زينتها؟

 

ألم يلحظ ارتدائها لحذاء مستوي على الأرض وهي لا تفعل هذا سوى إمّا تكون مُتعبة أو متعجلة للغاية؟ ألا يرى أن لون أحمر شـ ـفاهها باهت وهي لا تختاره إلا بالصباح فقط ولا تضعه بالمساء؟ ألا يُلاحظ عيناها المتألمتان؟ ألا يفهم أن ارتدائها لهذه الملابس التي تُلائم التبضع من السوق التجاري خلفها علامة استفهام إلزامية؟

 

أشاح بنظره بعيدًا بعد أن التقت أعينهما بصدفة عابرة وهو لم يرها قط ولم يُحدثها منذ أن قامت بلطمه منذ ثلاثة أشهر وأربع أيام وأربع ساعات؛ لو كانت رأسه تعمل بشكل صحيح ويتذكر جيدًا، وظل محافظًا على صمته بينما بداخله كان يحترق على ما يراه!

 

هي لم تتزوج لتُكمل حياتها وتحصل لنفسها على حياة مع رجل يستحقها، بل ألقت بنفسها بقاع جحيم عليها أن تستيقظ منه عما قريب!

 

أتى النادل وهو يقوم بتوزيع الأطباق للجميع ولمحها بطرف عينيه لتستغرب ما يحدث فهي لم تقم بطلب شيء وكذلك لم يفعل "يحيى" وبعدما أخبر النادل بأن يبقي هويته سِرًا، لا يكترث سوى بأن تعلم هي أنه لطالما سيكترث بتلك التفاصيل الصغيرة التي يحفظها عن ظهر قلب عنها.

 

تناول الجميع الطعام لتحاول "روان" فهم لماذا فعل ذلك فلن يفعل أحد سواه مثل هذا الأمر وأخذت تهتم بطعام "ريان" الذي جلس بجانبها وتابعها بطريقة غير مباشرة ليجدها تهمس بشيء ما إلى هذا المهرج اللعين الذي يُتابع بمنتهى التركيز مباراة عقيمة لن تضيف شيئًا للاقتصاد العالمي مثلًا:

-       ثانية يا بوزو!

 

ما الذي يناديه بها، هل هذا اسم ما؟ هي اسمها "روان" لو كان لديه سابق معرفة كما أنه لا يليق بها على الإطلاق!!

 

تابعها وهو يرى على ملامحها امارات الاستياء لدرجة جعلتها تعبث بطعامٍ يعرف أنه من الأطعمة المُفضلة لها فهي تعشق الأسماك بمختلف أنواعها ومن جديد ظل يُتابع ولم يستمع لهمسها ولكن التقطت أذنيه ما يعقب به على كلماتها بعصبية شديدة:

-       يا حبيبتي ارحميني وكلها عشر دقايق والشوط يخلص ونبقى نتكلم.. اصبري شوية!

 

احتبست الأنفاس بداخلها وهي ترمقه بخيبة أمل ونظرت حولها لترى كم من أحد رأى كيف أصبحت أضحوكة أمام الجميع بهذا الموقف المحرج وما كان منها إلا أن تنهض وتغادر وهي لا تدري إلى أين عليها الذهاب، وأمّا عما يراه فهو لا يود أكثر من الذهاب نحو هذا المهرج ليلون وجهه بعدة كدمات يستحقها على ما فعله بها!!

 

حدقها وهي تغادر هذا الجمع بأكمله ليجد نفسه قد نهض لا يدري متى ولا كيف وعلى ما يبدو لقد حدث هذا دون شعوره منذ مدة ولابد أنه أبله أمام كل تلك الأعين، على الاقل، كونه أبله أفضل بكثير من أن يلاحظ أحد حقيقة ذلك الحديث المنطوق بين اعينهما دون كلمات مسموعة!!

 

رغمًا عن أنفه تبعها ثم نادى بصوتٍ غارق في تلك الحقيقة المُرة بأنه لم يعد له شأنًا بها بعد الآن ولكن هناك هذا الشعور الذي يحتم عليه التيقن من أنها بخير:

-       روان استني..

 

التفتت له وهي تكاد أن تصرخ به ولكنها تحاول أن تحافظ على بقايا ماء وجهها بعد كل ما حدث بالفعل فأسرتيهما بأكملهما بالقرب منهما فقضمت شفتاها بغيظ وهي تمنع نفسها بأعجوبة عن ارتفاع صوتها وهتفت به بنبرة غاضبة مكتومة:

-       أنت بالذات اخر واحد ممكن اتكلم معاه دلوقتي!!

 

حدقها باحتراس وانتقى كلماته ليتبعها من جديد بعد أن توجهت بعيدًا عن أعين الجميع فما يحدث لها بات أكثر مما تتحمله هذه الأيام فتفوه بما جعلها تتجمد بمكانها دون أن تلتفت له:

-       أنا الوحيد اللي فاهم اللي بيحصلك، زي بالظبط ما كنت فاهمك اول ما اتجوزنا، زي ما فضلنا منتكلمش بالعشرين يوم.. انتِ الاهمال مبتستحمليهوش!!

 

ابتلعت وهي مشتتة بين فهمه لكل ذلك بمجرد نظرات عابرة تبادلتها معه وبين حقيقة ما تحاول أن تخفيه وأخيرًا ذاك الجرح الغائر الذي قام بفتحه من جديد فالتفتت له بملامح مختلطة بين الغضب المستعر الذي جعل عسليتيها كلون اللهيب وبين ذلك القهر الذي بددها بداخلها، وما زال بعد كل تلك السنوات يملك نفس التأثير بتشتيته وكأنها لم تمر بشيء على الاطلاق معه!

-       عايز ايه وانت بتفكرني بكل ده؟ ممكن بقا تسبني اعيش حياتي في سلام بعيد عنك؟! كل ده مش فاهم إنك مهما عملت عمرنا ما هنكون زي الاول؟ كل شوية افهمك ده وانت مصمم متفهمش! خلاص بقا اعتبر روان صفحة في حياتك وقطعتها!

 

تفاجئ من كلماتها فهو لم يرها منذ شهور ولم يرفض لها أمر قط ولكنه رأى تلك الدموع التي انهمرت من عينيها وكأنها تصب كل غضبها نحوه هو، ليستغرب من تلك الكلمات التي غادرت شـ ـفتيها فحاول أن يمنعها عن البكاء وعينيه تلتمع بالحسرة لعدم استطاعته ضمها له بين ذراعيه فهي لم تعد له منذ مدة وهو إلى الآن لا يزال منكرًا للأمر بينه وبين نفسه مما جعل قلبه يعتصر وكأن هناك قبضة فولاذية تنعقد حوله فأخبرها بصوت مرتجف، مبحوح بألم من أثر البكاء الذي ابتلعه بحنجرته:

-       عيشي زي ما تحبي، وعارف اننا عمرنا ما هنبقى زي الاول، بس متنسيش تعيشي حياتك مع واحد يقدرك مش مجرد واحد شايفك كماليات في حياته، انتي مينفعش غير تكوني أولوية وعمرك ما هتقبلي غير ده!!

التفت وغادرها ولم يستطع أن يحارب تلك الدموع أكثر فسمح لها أخيرًا بالانتصار عليه ولكنه اطمئن أنها لا تراه لا هي ولا غيرها ولم يعد يتلاعب معها لكي يبتز مشاعرها، جيد.. لقد تغير هذا الرجل بداخله بعد صراع طويل بينه وبين عقله الذي لطالما مارس ألاعيب شتى عليها، ولطالما أنهكه من كثرة افكاره المؤلمة!!

 

مشى في الاتجاه المُعاكس لطريقها وجفف دموعه حتى لا يراه أحد وفجأة قرر أن يعدل عن قراره ولم يتقبل على الإطلاق تلك الجحيم التي ألقت نفسها بها فالتفت وعاد إليها بخطوات مُسرعة ليجذبها رغمًا عنها خلف احدى الأعمدة التي لن يراهما أحد بفعلها وهي تنعزل بواحد من أركان هذا الفندق.




يتبع..

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة بتول طه لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة