-->

رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه - الفصل 73 - 1 الجمعة 24/11/2023


    رواية كما يحلو لها

الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه

رواية جديدة كما يحلو لها

تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى

من قصص وروايات

الكاتبة بتول طه

النسخة العامية

الجمعة 24/11/2023

 الفصل الثالث والسبعون

1

الوقت الحالي..

فرغ فاهها بما سمعته منه وقالت بغير تصديق:

-       لا متقولش، أنت قولتله كده فعلًا وبعت حد وراه؟ ولا بتسرح بيا زي البطاطا؟

 

ضحك على قولها وكرر كلمتها متعجبًا:

-       بطاطا!

 

انزعجت من توقفه على تلك التفاصيل التافهة وحدثته بلهجة مُسرعة لتحرقها شوقًا بأن تعلم تفاصيل ما حدث:

-       ما قولنا متعلقش بقا على كلامي وفهمني إيه اللي حصل من غير نظام فتفوتة فتفوتة ده..

 

هز رأسه بإنكار لطريقة تحدثها التي لم تتغير حتى بعد مرور كل تلك السنوات وأخبرها:

-       ده عبيط، وهمته إني هيتقبض عليه في قضية كبيرة شيكات متأخرة وروحتله القسم وخدتله محامي وقولتله يا تتعدل يا خليك هنا بقا نخ عادي ورجعها وعملنا تصالح وقفلنا المحضر.. طول عمره جبان ومبيتغيرش، عامل زي ماما، أنا حتى مكسوف وأنا بقول كده!

 

رمقته بندم ونظرات عدة ذات مغزى وأخبرته:

-       ما كان من الأول.. بس أحسن إنه اتربى، يستاهل!

 

أتى النادل ليُنزل تلك الأطباق التي تفقدها "عمر" بقليل من الانزعاج وبعض التقزز وأومأ للنادل برسمية بملامح حاولت إخفاء الاشمئزاز ولكنه لم يستطع تزييف مشاعره الحقيقية هذه المرة وبمجرد ذهاب النادل زجرته:

-       اعدل وشك، الراجل ذنبه إيه!

 

تفقد تلك الأصناف التي لطالما رفض تناولها ولا يشعر بالراحة لمجرد التجربة ثم أخبرها:

-       كل الأكل ده لو معجبنيش هتاكليه لواحدك.

 

مطت شـ ـفتاها بتهكم وأخبرته بقليل من السخف:

-       هبقى اخده take away واتعشى بيه.. دوق بس وعلى مسئوليتي.

 

قامت باستخراج العصوان الخشبيان وناولته إياهما ثم سألته:

-       عايز تجرب الـ experience كلها ولا هتتعامل بالشوكة؟

-       لا أنا تمام.. الشوكة كويسة..

 

تناول واحد من تلك الأصناف كما فعلت مايا وبمجرد تذوق الطعم شعر بأنه سيتقيأ فما كان منه سوى لفظ كل ما بفمه بواحدة من محارم المائدة بينما كادت هي أن تفعل المثل ولكن من الضحك الذي سيطر عليها وهي تراه قد أوشك على تجفيف داخل فمه بالقطعة القماشية التي يُمسك بها وأخبرته بعد أن ابتلعت ما بفمها بنبرة ضاحكة:

-       أشرب شوية مياه طيب.  

 

تناول الكأس بأكمله وبعدها تناول بعض من العصير الطازج لعله يمحي ذلك المذاق المقرف الذي مجرد تذكره يجعله يقشعر:

-       أسوأ حاجة كلتها في حياتي.. يا ريتني ما سمعت كلامك.. البتاع الزفت ده اللي حوالين الرز بجد بشع!

 

رفعت حاجباها باندهاش وهي تسأله:

-       بجد الـ sea weed معجبكش؟

-       معرفش اسمه ايه بس طعمه وحش اوي!

 

لانت ابتسامتها ثم أخبرته:

-       طيب جرب الـ fried shrimp هيعجبك.

-       لا لا، السوشي ده اخري فيه ومحاولة ومنجحتش.

-       جرب بس اسمع الكلام لو معجبكش متاكلش حاجة تاني!

 

تردد في الثقة بها ولكنه تناول قطعة بسيطة ومضغها بحذر إلى أن اختلفت ملامحه وأخبرها:

-       معقول ده شوية.

 

تحدثت بفخر وأخبرته:

-       شوفت.. شكلك كده هتحب أي حاجة fried.

 

تناول منه رغمًا عنه فقط ليُرضيها بلقائهما الذي لا يعلم متى التابع له ليجدها تسأله:

-       ريان عارف إنك مسافر؟

 

أومأ لها بالموافقة وأخبرها:

-       خليت بسام يجبهولي يومين وقولتله إني هسافر شوية وهارجع أكيد أزوره.

 

همهمت بتفهم وهي تتناول بعض الطعام وعقبت بسخرية:

-       بتضحك عليه يعني.

 

تفقدها بقليل من خيبة الأمل وأخبرها:

-       أنا بتكلم بجد ممكن ارجع عشانه أو ابقى اخلي بسام يقول لروان تخليه يجي يزورني. هتترتب متقلقيش مش هانسى ابني يعني عشان هسافر وهاكلمه كل يوم عادي.

 

أنهت من جديد ما بفمها وهو يتعجب من سُرعتها في التهام الطعام وهي تضع أمامه صنف آخر اطمئن أنه مقلي بالرغم من أنه لم يتناول أي شيء مقليًا بالزيوت منذ سنوات كثيرة ولكنها مرة واحدة فقط ليجدها تُخبره وهي تبتلع وبنبرتها مفاجئة شديدة:

-       عرفت صحيح روان يوم الـ

-       مايا لو سمحتي بلاش!

 

قاطعها لتستغرب ما يفعله وتابع:

-       أنا قولتلك بمنتهى الصراحة إني مش عايز اعرف أي حاجة عنها، بلاش سيرتها ولا عايز اعرف اخبارها!

-       طيب بالراحة شوية فيه ايه!

 

اكملا هذا اللقاء الذي انتهى بسرعة على وعد منه أن يقوم بالاتصال بها عما قريب كما كان اتفاقهما ليبدئا سويًا تلك الفكرة التي تؤرقه منذ سنوات.

 

صف السيارة أمام المبنى السكني الذي تقطن به لتتفقده بقليل من الحُزن وأخبرته:

-       مع إنك سخيف وتقيل كده ومبتضحكش بس بصراحة مش عايزاك تسافر!

 

ابتسم لها باقتضاب ولم يشعر سوى بالكراهية لهذه اللحظة من الافتراق ثم التفت لجانبه بمساحة التخزين الجانبية لسيارته وناولها صندوق مُخملي وأخبرها:

-       عشان تفتكري رخامتي.

 

ضيقت عيناها نحوه وقامت بفتح الصندوق لتجد اسورة كتب عليها بخط صغير للغاية:

And when, still muddy from the flood, the earth had dried beneath the sunlight's clement warmth, she brought forth countless living forms. Maya.

وعندما جفت الأرض، التي كانت لا تزال موحلة من الطوفان، تحت دفء ضوء الشمس اللطيف، أخرجت أشكالًا حية لا تعد ولا تحصى. مايا..

* The Metamorphoses of OVID by Allen Mandelbaum.

-       دي أحلى هدية جاتلي في حياتي..

 

نظرت نحوه واشتد حُزنها ليقينها من أن هذا اللقاء سيتحول ليُصبح تراجيديًا فحدثها قائلًا:

-       أوفيد برضو، التحولات.. أكتر حتة حسيتها لايقة على الوقت اللي عرفتك فيه.. شكرًا يا مايا..

 

ضيقت ما بين حاجباها بانزعاج وأخبرته:

-       بس بقا لا هحضنك بجد وهعيط وهقلبها غم!

 

قاطعهما رنين هاتفه ليجد اسم "روان" يتضح على الشاشة وبالطبع فضولها دفعها لتنظر بالشاشة فما كان منه سوى رفض المكالمة فزجرته باستياء:

-       بجد أنت بقيت over اوي.. ما ترد عليها، افرض عايزاك في حاجة مهمة.

-       تبقى تخلي بسام ولا جوزها ولا عنود ولا حتى انتي تكلموني..

 

اجابها وكأن رده كان مُعد مُسبقًا لتزفر بانزعاج وقبل أن تتحدث بشيء وجدت "روان" تتصل بها لتغمغم وهي تجيبها:

-       شوفت..

 

قبل أن تقول شيئًا اختلفت ملامحها للقلق والخوف بآن واحد وعيناها تتسع بذعر ولم تستطع تفسير أي مما تستمع له لتخبرها:

-       اهدي بس وعرفيني فيه ايه! أنا مش فاهمة حاجة من كلامك.

 

في جزء من الثانية كان قد جذب الهاتف منها بالفعل واستمع لما تقوله وهي تبكي بحرقة وبالكاد تستطيع التحدث بين شهقاتها:

-       أنا روحت المستشفى عند يحيي ريان وقع وحصله حادثة، كلمي عمر يا مايا ارجوكي!

--

منذ أربع سنوات وثلاثة أشهر وأسبوع..

اقتربت منه بابتسامة وهي تناوله كوب من القهوة بعدما أنهيا تناولهما للطعام وسألته:

-       حابب تعمل حاجة النهاردة؟

 

نظرات مودع تعلقت بعينيها التي لا يدري متى سيراهما بهذه الإشراقة والسعادة مجددًا وأخبرها:

-       أنا عارف إن بقالك كتير مروحتيش لمامتك.. إيه رأيك نروحلهم النهاردة؟

 

ضيقت ما بين حاجبيها وسألته باستغراب:

-       أنت بقالك أسابيع مخرجتش وأول مكان هتروحوا هو عندنا في البيت؟

 

أومأ لها بالموافقة وترك قهوته واتجه ليجـ ـذبها برفق لتنهض وعانقها بقوة شديدة لا تدري ما الداعي لها بعد ممارستهما للجـ ـنس أكثر من مرة بالأيام السابقة كمحاولة منه للتعامل بطريقة طبيعية وهو يعود لالتزامه بالرياضة ويسلك كل السُبل لابتعاده عن الاكتئاب، ولكنها بادلته فهي لا تسأم أبدًا من عناقه الدافئ الذي يجعلها تشعر بالحياة.

 

-       عشان عارف إنهم وحشوكي ومقضياها مكالمات معاهم..

 

ابتسمت وقربته لها أكثر بينما كان يعلم بداخله أنها آخر لحظاتهما معًا وكل ما تمناه أن يبقيها بين ذراعيه للأبد وأخبرها ممتنًا بمصداقية:

-       شكرًا يا حبيبتي.

 

تابع قراءة الفصل