-->

رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه - الفصل 73 - 2 الجمعة 24/11/2023


    رواية كما يحلو لها

الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه

رواية جديدة كما يحلو لها

تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى

من قصص وروايات

الكاتبة بتول طه

النسخة العامية

الجمعة 24/11/2023

 الفصل الثالث والسبعون

2


ابتسمت وقربته لها أكثر بينما كان يعلم بداخله أنها آخر لحظاتهما معًا وكل ما تمناه أن يبقيها بين ذراعيه للأبد وأخبرها ممتنًا بمصداقية:

-       شكرًا يا حبيبتي.

 

استغربت قليلًا مما قاله لتجده ينظر لها وهو يخبرها مانعًا نفسه عن البُكاء بأعجوبة:

-       أنتِ استحملتيني كتير أوي يا روان.. وحاولتي عشاني كتير.. شكرًا..

 

رفع كفيها وقبل كلاهما وهو يُطالعها بعشق وقبل جبهتها متأنيًا وهو لا يشعر سوى بفضلها عليه في الكثير من الأشياء التي لم يكن ليعرفها ويؤمن بها، بل بات يترسخ بداخله هذه الحقيقة بأن العشق وحده كفيل بأن يدفع المرء لكل ما لا يؤمن به. ولولا العشق لما كان تخيل بأسوأ كوابيسه أنه سيُحاكم وسيُسجن من أجلها.

 

تفقدته متعجبة وسألته:

-       أنت سمعت الصوت ده؟ دي عنود؟!

 

استغرب هو الآخر وتوجه كلاهما للخارج ليرى كلاهما سيارة غريبة لتوها غادرت وسيارة "يونس" بينما تفقد بعضهما البعض بمزيد من الاستغراب المصحوب بالقلق واتجه كلاهما يقتربان من منزلها ليستمع كلاهما لما يحدث:

-       أنت متستعبطش، أنت غلطت وأنت السبب، أنا كنت رافضة الموضوع ومش هقولك تاني سيب البيت ده واطلع برا.

 

-       غلطت ايه يا بنتي انتي مجنونة، الموضوع محصلش غير مرة واحدة، نصيبنا جه كده طيب هنقول لربنا لأ!

 

-       امشي يا يونس واطلع برا وسيبني بقا في حالي.. مش خلاص اتجوزتني ووصلت للي أنت عايزه وكمان أنا حامل.. يالا دورك انتهى على كده!

 

التفت كلاهما لبعضهما البعض باندهاش لتهمس وهي تقلب شـ ـفتاها:

-       تلت أسابيع بس!

 

ابتسم على ما قالته باقتضاب بينما استمع كلاهما للمزيد من شجارهما:

-       هو ايه اللي دوري انتهى، ربنا أراد حاجة زي دي تحصل وبعدين ما أنتِ عارفة إنها كانت مرة واحدة بس وأي مرة تانية كنا واخدين بالنا..

-       أنا بقا لا عايزة اعرف ولا معرفش ولا عايزاك ولا عايزة الحمل ده ولا عايزة أي حاجة في حياتي غير إني اموت وارتاح من كل حاجة وقولتلك سبني وامشي اطلع برا!

 

فجأة ارتفعا كتفا "روان" التي استمعت لشيء ما يتهشم بدا كالزجاج بينما شعر "عمر" بالقلق وهو لا يدري من يفعل ماذا فقام برن الجرس واستمع كلاهما لصوت "يونس" وهو يُحدثها بنبرة غير مُصدقة:

-       عنود أنتِ هتضربيني بالفازة!

-       هي الفازة بس اللي زعلتك، أنا مش عايزة اشوف وشك ده تاني أصلًا، أنت كدبت عليا وضحكت عليا علشان ابقا حامل وخلاص.. بقا أنا وكل اللي نفسي فيه في دراستي وحياتي وشغلي احمل بعد أسبوعين بس؟! حسبي الله ونعم الوكيل فيك..

 

قام كلاهما بتفقد "يونس" الذي ينظر لكلاهما بأسف وقبل أن ينطق بحرف واحد اندهش ثلاثتهم أكثر عندما وجدوا "عنود" تدفعه نحو الخارج وهي تصيح به:

-       امشي بقا بقولك.. أنا خلاص مبقتش عايزة جواز معاك، أقولك حاجة، أنت تطلقني وتروح بقا لواحدة تضحك عليها غيري..

 

تحدث "عمر" ليوقفها وهو يتساءل:

-       يا عنود مينفعش اللي أنتي بتعمليه ده، فهمينا بس إيه اللي حصل؟

 

ردت بغضب شديد:

-       مش عايزة أتكلم مع حد فيكم وامشوا كلكم وسيبوني.. أنا لولا تريقة ماما عليا لما كلمتها مكونتش جيت هنا أنا أصلًا مش عايزة البيت ده كمان!

 

تركتهم وتوجهت للداخل ليتبادل ثلاثتهم نظرات مُحرجة وتكلم "يونس" بحسن نية مُخبرًا كلاهما:

-       كنا بنعمل تحليل دم وعرفنا إنها حامل ولقيتها سابتني وطلبت اوبر وطلعت اجري وراها.

 

ابتسمت "روان" دون أن تقصد بينما بدا على ملامح "عمر" الجمود لتقول هي:

-       معلش شوية وهتهدا، خلينا ندخل نتكلم معاها بس.

 

دخل ثلاثتهم بينما كانت تجلس هي على أريكة بغرفة الاستقبال القريبة من باب المنزل وكل ما يدور بعقلها الكثير من الأفكار التي تنتهي أكملها بأن الانجاب في عُمرها سيُدمر حياتها المهنية والدراسية، وبالطبع لن تقتل نفس لا ذنب لها وإلا سيُحاسبها الله حسابًا عسيرًا.. حقًا لا تتمنى سوى الموت بهذه المصيبة التي لم تحسب حسابها!

 

اتجهت نحوها "روان" بحسن نية وجلست بجانبها وحاولت التحدث لها بهدوء وسألتها وكأنها لا تعلم شيء ولم تستمع لكل ما دار بينهما:

-       فيه ايه يا حبيبتي اللي مضايقك اوي كده؟

 

التفتت نحوها بملامح مشمئزة منها وصاحت بثلاثتهم:

-       هو انتوا ايه، مبتفهموش عربي، أنا مش عايزة أتكلم مع حد وسيبوني في حالي.

 

شعر "يونس" بالإحراج جراء ما قالته وحاول تنبيهها لما يغادر فمها:

-       عنود ميصحش كده!

 

تفقدته بأعين متوسعة والغضب يتجلى بهما وصرخت به:

-       وهو كان يصح تكدب عليا؟ كان يصح توعدني بحاجة ومتنفذهاش؟ أنا أصلًا غلطانة إني سيبتك تقرب مني أو تلمسني.. اتفضل بقا امشي من بيتي..

 

انزعج حقًا من كلماتها وشعر بأنه عليه الحفاظ على ما تبقى من ماء وجهه وتفقدها بغضب واتجه لكي يُغادر فنهضت "روان" وهي تنظر نحو "عمر" بأن يحاول احتواء "عنود" قليلًا وستوقف هي ابن خالتها عن المغادرة فنادته قائلة:

-       استنى بس يونس هتمشي ولا إيه، أكيد عنود متقصدش وشوية وهتهدا، أنت عارف إنها عصبية، معلش..

 

حاولت أن تقنعه بأن يبقى ليلتفت نحوها فأخبرته بهدوء:

-       تعالى بس وابقا عاتبها بعدين لما تهدا.. متسيبهاش وتمشي كده..

 

 في نفس الوقت كان يتحدث "عمر" لأخته كمحاولة بأن يدفعها للتفكير بعقلانية قليلًا:

-       عنود أنتي مكبرة الموضوع كده ليه، أنا سمعت كل حاجة، الحمل ده مش غلطة يعني عشان تعملي كل ده، ومينفعش تعاملي جوزك كده قدامنا.. اهدي بس وكل حاجة هيكون ليها حل..

 

في نفس الوقت كان "يونس" عائدًا بصحبة "روان" بينما جلس "عمر" بجانبها وتلمـ ـس كتفها بعفوية وهو يخبرها مستفسرًا:

-       اهدي وفهميني أنتِ إيه اللي مـ

-       انت تنزل ايدك دي من عليا، ولا هتضربني تاني ولا هتعمل فيا نفس اللي بابا كان بيعمله وهتجبرني أعيش مع إنسان كداب زيك.. ابعد عني واعتبر اختك ماتت وانا غلطانة إني جيت البيت اللي أنت جبتهولي والله.. أنا ماشية!

 

قاطعته وهي بداخلها ما زالت لم تتقبل أي مما أخبرها به ونهضت ثم جذبت حقيبتها بينما تأهب "يونس" وتبعتها "روان" لكي تحاول معها بعدما رأت تلك الصدمة على ملامح "عمر" الذي لتوه كان يحاول التخلص من الاكتئاب الذي يتملكه وأمر كهذا لابد وأنه سيترك به أثرًا سيء فتلمـ ـست كتفها وهي تتحدث لها متمنية بعض التفاهم معها:

-       عنود انتي ليه محسساني إن اللي مضايقك ده آخر الدنيا خلاص وملوش حل كلميني بس و..

-       اه ما انتِ كمان واحدة معندهاش كرامة عايزة تخليني نسخة منك عشان تحسي إن كل اللي حواليكي زيك!

 

قاطعتها لتتفقدها "روان" بنفس تلك الصدمة التي بدت على ملامح أخيها منذ ثوانٍ معدودة بينما تدخل "يونس" بحزم وهو يتجه نحوها متحدثًا بنبرة لا تحتمل النقاش:

-       عنود، مش هتخرجي من البيت ده لغاية ما نوصل لحل ولو كنتي فعلًا عايزاني أطلقك ومتشوفنيش تاني فده بعد حاجات كتيرة اوي محدش غيرنا هيتكلم فيها..

 

التفت لكلاهما ثم قال بأسف وجدية:

-       أنا آسف على اللي حصل ده.. بس معلش خلوني أتكلم معاها شوية لواحدنا!

--

منذ أربع سنوات وثلاثة أشهر وأسبوع..

مساءًا، نفس الليلة..

لو كان متزوج من هذا الحصان لم يكن ليقضي معه كل الوقت منذ أن خرجا من بيت "عنود" وحتى الآن لم يترك جانبه وكأنه سيهرب وسيتركه عما قريب!

 

اقتربت بخطوات متأنية وهي تعقد ذراعيها وسألته:

-       الساعة بقت تمانية، هتبات مع برق النهاردة ولا إيه؟ 


الصفحة السابقة               الصفحة التالية