-->

رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه - الفصل 73 - 2 الجمعة 24/11/2023

  

    رواية كما يحلو لها

الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه

رواية جديدة كما يحلو لها

تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى

من قصص وروايات

الكاتبة بتول طه

النسخة العامية

الجمعة 24/11/2023

 الفصل الثالث والسبعون

3

انتبه عندما سمع صوتها فانتقلت عيناه وهو لا يحتاج سوى المزيد من الوقت لوداع كل ما يهتم به، وتطالعها محاولًا إخفاء حُزنه وأدرك أن هذه هي اللحظة التي ستهزمه بها، بمظهرها غير المُتكلف ورؤية الاكتراث بعينيها، بتلك الحاجة الشديدة التي يُلاحظها منها وكأنها تكتفي به عن الكون بأكمله، يعرف أنه سيتراجع وسيطمع بقضاء المزيد من الوقت معها وليذهبا للجحيم تلك القضية ورغبته المُلحة بالانفصال عنها للأبد!

 

تفقدها بضيق تصنعه ليناقض رغبته الداخلية التي تدفعه للهرولة نحوها والبقاء معها حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة وأخبرها:

-       كنت قاعد مع فينوس وولادها على فكرة مش برق بس.

 

توقفت عندما أصبحت أمامه ونظرت له لتسأله بجدية:

-       أنت لسه متضايق من كلام عنود مش كده؟

 

اتضح على وجهه امارات عدم الاكتراث وأجابها:

-       هفضل متضايق لو أنتِ كمان لسه متضايقة!

 

أومأت له بالنفي وقلبت شـ ـفتاها وقبل أن تنطق بكلمة فكرت مليًا بما تشعر به حقًا لتقول بعد لحظات:

-       أنا خلاص وصلت لمرحلة ميهمينيش فيها الناس هتقول إيه، أنا بقيت بعمل اللي يبسطني ويريحني وبس.. مش مهم بقاعنود هتقول إيه أو ماما وبسام هيشوفوني ازاي.. المهم أكون مبسوطة في حياتي.

 

ضيق عينيه وهو يتفحصها بنظرات ذات مغزى وكأن ما تقوله ليس بحقيقي بل هو لا يُصدقه لتتابع بتأكيد ومزيد من الاطناب:

-       فكرتي نفسها اتغيرت، من ساعة ما روحت لمريم زمان وبعدها المصحة وبعدين لمريم تاني وبعد ما بقطع وارجع وبعد اخر كام سنة في حياتي خلاص اتأكدت إني لازم اعمل اللي يريحني وبس، يمكن لو مكونتش اهتميت بنظرة الناس ليا كنت عديت بحاجات كتير بطريقة أحسن أو أسهل.. فمش مهم بقا كل واحد عايز إيه غيري أنا وبس واللي بيحكم يعني ما هو كمان بيحكم عليا باللي شايفه واللي يريحه.. كل واحد حُر..

 

أومأ لها ليخبرها باقتضاب:

-       تمام، هصدق إنك مش متضايقة..

 

اقترب نحوها لتأخذ خطوات وتبعها هو بجانبها وكلاهما يتجهان لخارج الاصطبل لتدافع عن نفسها بعد تلك النبرة التي استمعت لها للتو وأخبرته:

-       أنا فعلًا مش متضايقة، بس مش هقولك إني هاخدها بالحضن إلا لو اعتذرتلي، وبعدين لو هي شايفة إني معنديش كرامة أنا كمان ممكن أقول نفس الكلام عليها!

 

تفقدها بأعين متسائلة فابتسمت بقليل من السخرية ووضحت له مقصدها:

-       أنا أول مرة اتكلمت مع عنود فضلت تقولي أنا هاخلص جامعتي ودراستي وههاجر برا وأسيب بيتنا ده وحسستني إنها أهم واحدة بتدافع عن حقوق المرأة وإنها يستحيل تفكر في الجواز والارتباط وكلام كتير كده عكس كل اللي هي عملته في حياتها، فكرتها اتغيرت واتجوزت وبقت حامل وكل ده قبل ما تخلص دراستها.. يمكن لو فعلًا هاحكم عليها من وجهة نظري هقول إنها اتجوزت واحد زي يونس عشان هيخلصها من الحياة الصعبة اللي كانت عايشاها وإنها معندهاش مبدأ ولا كرامة وشافت الجواز احسن من الدراسة.. مع إني استحالة أفكر فيها بالطريقة دي بس ممكن مش بعيد يعني..

 

تعجب مما يسمعه وتسائل بينه وبين نفسه متى حدث ذلك ليسمعها وهي تتابع:

-       المُشكلة في عنود إنها معندهاش أي أولوية للمشاعر والحب، بتحسبها بالعقل وبعدين تشوف حاسة بإيه، فهي غيري خالص!

-       هو امتى عنود قالتلك إنها هتهاجر بعد ما تخلص دراستها؟

 

انطلق سؤاله بعدما فكر به كثيرًا لتضحك بخفوت وتفقدته بقليل من الشماتة وأجابته:

-       أول مرة اروح فيها بيت باباك، فضلت تكلمني وترغي معايا، بس عمري ما قولت كلامها لحد، ولا حتى ليك..

 

انزعج قليلًا لتتفقده بأعين متلاعبة وشعرت بلذة انتصار خفي وأكملت قائلة:

-       طبعًا متضايق عشان فاكر نفسك عارف كل حاجة.. إنما أنت أصلًا عبيط وفيه حاجات كتيرة متعرفهاش ومش بتاخد بالك منها.

 

عقد حاجباه واقترب نحوها بملامح منزعجة واشتق من كلماتها ليقول بنبرة استفهامية:

-       أنا عبيط؟!

 

ابتعدت عنه وهو تومأ بالتأكيد على ما قالته فاقترب منها لتتوسع عيناها وابتعدت عنه أكثر بابتسامة منتصرة ليُحدثها بنبرة آمرة:

-       اوقفي مكانك وقولي إيه تاني معرفهوش!

 

هزت رأسها بالنفي وابتعدت عنه ليزفر بضيق ولحق بها ليتحول الأمر بينهما ليُصبح فُكاهي وهو يجري خلفها ليلحق بها ولوهلة تناسى اكتئابه وهو يشاركها هذه اللحظة برغبة بداخله أن يعرف كل شيء قد أخفته عنه ليشعر وكأنهما مجرد طفلان سويًا فسألها بتحذير بعد أن توقف وقرر بداخله أن يتعامل مع الموقف بخبث:

-       يعني مش هتقولي؟

-       لا مش هقول حاجة!

-       تمام!

 

قرر أن يدعها وشأنها بعد تلك النظرات الشامتة بعينيها وتوجه نحو "فينوس" مرة أخرى ليتفقدها قبل أن يدخل للمنزل فتبعته هي وبعد فقرة المزاح الطفيفة سألته بجدية:

-       أنت خلاص اتقمصت عشان مقولتلكش؟

 

لم يُجبها ثم تناول صحني المياه والطعام وكذلك فعل بصحني "أوفيد" وتوجه ليضع الطعام وبعض المياه لكلاهما فتبعته وهي تتعجب من توقفه المفاجئ عن الكلمات ولوهلة ظنت أنه هو نفسه ولن يتغير وقد يستمر لبعض الوقت بدون التحدث لها كما فعل بالسابق معها وكأنه يظن أن عقابها هو الصمت الذي لا ينتهي لأسابيع ولكنها لم تُرد هذا الأمر التافه ليتحول لشجار وخاصة في نوبته تلك التي يتأرجح بها منذ أيام لتكرر سؤالها بطريقة أخرى:

-       يعني مش ناوي تتكلم؟

 

لم يُعرها اهتمامًا أو هكذا ادعى لتنزعج مما يفعله وحدثته بانزعاج دسته بين حروفها الهادئة:

-       براحتك يا عُمر، بس لما تبقى تحب تكلمني هتلاقيني، أنا هاغير هدومي واروح لمامي وبسام زي ما اتفقنا!

 

تركته وغادرت ليُتابعها بعينيه، لو ذهبت لهما هذا معناه أنه عليه أن يفعل ما كان يُفكر به لأيام، اختطافها من منزل يخصها لن يختلف كثيرًا عن اختطاف طليقته رسميًا من منزل أهلها، وبكل أصوات العقل الصارخة بداخله ما زال يُريد لصوت مشاعره أن تنتصر بقضاء المزيد من الوقت معها..

 

انتهى من غسل يـ ـداه ثم توجه لغرفة الملابس ليراها قد بدلت ملابسها وتتوجه لكي تضع زينتها فوقف خلفها وتفقدته عبر المرآة ولم تستطع قراءة أي مشاعر على ملامحه واستمر كما هو للحظات فسألته:

-       هتفضل تبصلي وأنت ساكت ولا هروح لواحدي عند مامي والحقها قبل ما تنام؟  

 

لن يستطيع حملها لأنه ليس بداخله القدرة على فعلها وجـ ـسده لا يستجيب له هذه الأيام، ربما يستطيع دفعها لأقرب جدار ولن يتركها قبل أن تخبره بما تعرفه ولا يعرفه هو، وكذلك فعل لتشهق من مباغته إياها ولم يذهب عقلها سوى لذكريات لا تود أن تتذكرها على الإطلاق لتسأله بجدية وطيف من التوتر:

-       عمر أنت هتعمل إيه؟!

 

أمسك بكلتا يـ ـديها حتى لا تحاول أن تدفعه وأطبق بجـ ـسده على جـ ـسدها ليحول بينها وبين الابتعاد عنه واجابها باقتضاب:

-       عبيط بقا!

 

وجدته يتحكم بمعصميها بيـ ـد واحدة يضغط عليهما بعنف وقبل أن يسمح لمشاعر الخوف أن تتحكم بها استغل خــصرها بمداعبات دفعتها للضحك وحذرها بكلمات مُساومة:

-       هتقولي ولا أطلع الضحك ده من أماكن تانية كمان؟ 


الصفحة السابقة                            الصفحة التالية