-->

رواية جديدة مشاعر مهشمة 2 لشيماء مجدي - الفصل 58 - 1 الأربعاء 22/11/2023

  

قراءة رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني 
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات 
الكاتبة شيماء مجدي 

الفصل الثامن والخمسون

1

تم النشر يوم الأربعاء

 22/11/2023



إنذار الخطر ضرب في رأسه فور استماعه للصيحة الهادرة من خلفه، للشخص الذي اقتحم الغرفة بغتة، ليحول دون إكمال مهمته الدنيئة، ثبت في موضعه وقد انتابه التوتر، ولا يدري أانتبه ذلك الدخيل إلى ما كاد يفعله أم لم يلحظ؟ وفي ظل تفكيره في ذلك الأمر المقلق، رأى أن الحل الأمثل حتى يزيل أي شكوك نحوه، هو التظاهر بأنه زائرٌ قد أتى للاطمئنان على حالة "عاصم" الصحية، وبهدوء التفت بجسده نحو مصدر الصوت، متفاجئًا من كون ذلك الشخص هو "كرم"، خبا توتره فور وقعت عيناه عليه، ناظره بنظرة حانقة، وردد اسمه بتفاجؤ ممزوج بالتجهم:


-كرم.


تقدم منه بخطوات مسرعة، بعد أن تأكد من هدفه وراء تلك الزيارة الخفية، هاتفًا بصلابة:


-ابعد عنه يا رزق.


حدجه بنظرة إجرامية، ودمدم بصوت كريه:


-ملكش دعوة يا كرم، وامشي من هنا واعمل نفسك مشوفتش حاجة لو مش عايز تلبس انت الليلة.


عاود الالتفات في مواجهة "عاصم"، ممَ أثبت للآخر تصميمه على تنفيذ ما جاء لأجله، حينئذ هتف من خلفه بجدية صارمة:


-ابعد عنه يا رزق بقولك.


كز الرجل على أسنانه بغل، وظل موليًا له ظهره، مفكرًا في حلٍ يتخلص به من تلك العقبة. عدم استجابته لصياح الآخر، بعثت المخاوف في نفس "كرم" وجعلته أكثر توترًا، وصاح ثانية من خلفه مهددًا:


-لو مبعدتش دلوقتي حالًا هجيبلك أمن المستشفى.


لفظ نفسًا مستعرًا من داخله، وهو يغمض عينيه بطريقة تعبر عن شره الدفين، وغضبه بعد أن أفسد خطته، وسأله بلهجة غامضة لا تبشر بالخير:


-يعني مش عايز تخرج نفسك منها؟


في تلك اللحظة امتدت يده خلسة نحو مديته الموضوعة في جيبه، فقد عماه تصميمه على إنهاء ما قد أتى لتنفيذه، في ظل عدم إيجاد وسيلة محايدة للتخلص من الآخر، وضاعف من غضبه وتحكم شيطان نفسه به رد الآخر المصر على منعه والتصدي له:


-لا مش هخرج نفسي، ولو مخرجتش انت من هنا هطلع دلوقتي وهعرف الدكاترة اللي برا والأمن إنك بتحاول تموته واهو تروح تونس توفيق في السجن.. آه..


كُتم الكلام في حلقه، وبدلًا منه خرجت آنة متألمة، بسبب غرز الرجل لسن مديته المدبب في بطنه، وبغل شديد مررها بخط عرضي، محدثًا شقًا سالت منه الدماء في لحظتها بغزارة كبيرة، نتيجة لذلك الجرح الغائر انحنى جسد "كرم" للأسفل، وبتوجع شديد راح يضع يده فوق موضع الإصابة، متلمسًا دمائه النازفة، استغل هو انشغاله بذلك وقام بضربه بالجزء الصلب من المدية فوق رأسه، ممَ تسبب في فقده الوعي في لحظتها، حدجه من علياه بنظرة سادية وهو يرى جسده يفترش الأرض أسفل قدميه مرددًا بنبرة يملأها النقم:


-انت اللي اضطرتني يا كرم.


بعدما تأكد من إغمائه، استدار ثانية نحو "عاصم"، وتقدم منه بتعجل، مطبقًا بيديه فوق عنقه، وما إن بدأ بالضغط عليها، حتى انتبه لصوت وقع أقدام آتية من الخارج تقترب مع كل خطوة، ابعد يديه عن "عاصم" قبل أن ينجح في منع الأكسجين من الوصول لرئتيه، تلبك سائر جسده، وسارع في التحرك من موضعه، متواريًا خلف باب الغرفة، وبطرف عينيه يتابع دخول الممرض، الذي صاح بصدمة عند رؤيته لجسد "كرم" المسجى أرضًا، وحينما انحنى ليتفقده، اقترب هو منه، وضربه فوق رأسه، ضربة كان يعلم أنها ستجعله يرقد بجانبه، وما إن رأى تكومه دون حركة، علم أن بقائه سيودي به إلى المهالك، لذلك انسحب من الغرفة ركضًا نحو الخارج.



❈-❈-❈


وقوع المزيد من الصدمات على سمعها، من المؤكد أنه لا محالة سيتسبب في تلف الباقي من أعصابها، وهذا ما كان يعلمه "عز الدين" جيدًا، لذلك قرر عدم إخبارها بمَ حدث في غيابه، خلال عودته لبيت العائلة، لتفقد أحوال زوجته، التي يتعذر عليها التحرك بالرضيع حديث الولادة، والاطمئنان كذلك على ابنيه ووالدته، ولكنه لم يستطع إخفاء الأمر عنها، بحكم وجودها الدائم في المشفى، بسبب رفضها العودة للبيت بدون زوجها، كما أن رضيعتها لم تفارق الحضانة بعد، وبناءً على ذلك وقتها مختزل على تنقلها بين غرفة الحضانة المتواجدة بها، وغرفة العناية المركزة التي لم يغادرها زوجها، حتى رؤيتها للولدين، يقتصر على ساعة واحد يوميًا، تجلبهما لها المربية لتطمئن على سلامتهما بنفسها، ثم تعيدهما ثانية إلى البيت، فقد علمت بشكل مصادف، عندما استفسرت من أحد الممرضين عن سبب تواجد أفراد الشرطة في ذلك الطابق، وبدوره سرد التفاصيل المقتضبة المختزلة على اقتحام ذلك القاتل المأجور لغرفة زوجها، في غيابهم، وعدم تواجد الممرض المرافق، ولهذا أتت الشرطة للتحقيق، وكان ذلك تحت نظرات "عز الدين" المترقبة للتغيرات التي طرأت على ملامحها وحينما بدأت تثور، تدخل في الحديث، محاولًا امتصاص خوفها، مرددًا بطمأنة:


-اهدي يا داليا، الحمد لله مقدرش يعمل في عاصم حاجة.


بعينين باتتا ضبابيتين، سألته بصوت باكٍ يقطر منه الهلع:


-مين يا عز الراجل ده؟ من اللي عايز يقتل عاصم؟


أمتلأ وجهه بكراهية شديدة، لأول مرة يضمرها في قلبه تجاه شخص، وأجابها مسترسلًا:


-ده واحد من رجالة توفيق، ولولا ستر ربنا كرم كان طلعله بعد ما مشيت وشاف الحيوان ده عنده، ولما حاول يمنعه ضربه بمطوا في بطنه وجرى بعدها من الأوضة.


توسعت عيناها في رهبة ممَ فاه به، وعلقت بتخوف:


-طب ماهو.. ماهو ممكن يرجع ويحاول يقتله تاني..


ذلك الهاجس كان لربما استبد برأسه كذلك، ولكن قلبه اطمأن قليلًا حيال ذلك، بسبب إمساك أمن المشفى بذلك المجرم، والفضل بعد المولى، يعود إلى الممرض المرافق لـ"عاصم"، فبعد ضربه له فب مؤخرة رأسه، جاهد للتحكم في الدوار الذي أصابه، واتصل بالأمن، وعلى فوره أبلغهم بمَ جرى، وبمحاولة هروبه ليسارعوا في القبض عليه قبل نجاحه في الخروج من المشفى. ولهذا كان "عز الدين" هادئًا وهو يقاطع سيل كلماتها المرتعبة، مستطردًا بتوضيح:


-متقلقيش يا داليا هو معرفش يهرب، الممرض المرافق مع عاصم لما دخل ولقى كرم مرمي في الأرض وبينزف، بلغ الأمن فورا ومسكوه على باب المستشفى.


على عكسه لم تطمئن لمَ قال، وظل القلق مستقر في قلبها، وبصوت مبحوح وعينين فاضتا منهما الدمع انتحبت بهياج:


-هو عايز منه إيه، مكافهوش اللي حصله بسببه، باعت واحد يموته كمان، هو شيطان للدرجادي.


على النفور ملامحه التي عبرت عن ازدراء لذلك الشخص الذي لم يره يومًا، ولكنه كما وصفته شبيه بالشياطين في إيذائهم، وعلق بسخط:


-توفيق خلاص اتسجن، واللي باعته حصله، واللي حصل النهارده اتعمل بيه بلاغ رسمي، وان شاء الله مفيش حد هيقدر يقرب منه تاني.


جلست على مقعد من المقاعد المتراصة في الرواق، وقالت ببكاء:


-ليه عايزين يموتوه، هو عمل فيهم إيه، ليه مش عايزين يسيبوه في حاله، للدرجادي مستكترين عليه حياته.


جاورها في جلستها، وقال بكره بعد زفرة منهكة:


-ربنا المنتقم الجبار، إن شاء الله ربنا هيخلصنا منه قريب.


حاوطت وجهها الباكي بيديها وهي تردد بتضرع:


-يا رب، يا رب يموت ونخلص منه ومن أذاه.



❈-❈-❈



ما قام به بشجاعة يُحسد عليها، ربما في دواخله نبعت من رغبته في التكفير عن ذنب خيانته له، فلم يأتي على خياله يومًا أن يتصدى لأحد من رجال "توفيق"، خوفًا ممَ سيلقاه على إيديهم الملوثة بدماء الأبرياء، ولكنه في لحظة اقتحامه الغرفة، ليمنع حدوث تلك الجريمة النكراء، لم يعبأ بالعواقب التي ستحل على رأسه، وكل ما اكترث له هو انقاذ رجل لا حول له ولا قوة من بين براثن مجرم مقبل على قتله بدم بارد. 


بعدما تمت خياطة الجرح، الذي كان غائرًا إلى حد ما، وقد نزف كمية كبيرة من الدماء، انتقل إلى غرفة خاصة، لحسن حظه لم يتأذى أى عضو من أعضائه الحيوية، ولكنه مع ذلك استغرق وقتًا لخياطته، كما أنه تطلب دخول غرفة العمليات بسبب كثرة ما فقده من الدماء، وبسبب تعبه خلد للنوم بعد إفاقته من تأثير المخدر، جذعه ظل عاريًا، ملتفًا فقط الشاش الطبي حول بطنه، وفي يده كانت تتصل إبرة المحلول المغذي. 


استغلت هي تلك الأثناء التي علمت من الممرضة المتابعة لحالته نومه، ودخلت للاطمئنان عليه خلسة، فقد علمت ما جرى له، على يد مجرم من المجرمين الذين يعملون لدى والدها، من "صلاح" الذي أخبرها بكافة تفاصيل الحادث، مزيدًا من حالة النفور والازدراء اللتين باتا مسيطرين عليها تجاه والدها، خوفها عليه قادها إلى المجيء دون ذرة تراجع أو تردد، فهي لن تستطيع مهما حدث نزع المشاعر الكائنة في قلبها نحوه، فهو إلى تلك اللحظة –بالرغم من رغبتها في إنهاء زواجها به- حبيبها، والشخص الوحيد الذي ملك قلبها.


ترقرقت الدموع في عينيها ما إن وقعتا عليها وهو ممد على السرير، بذلك الشكل المحزن، دنت منه والاشتياق ينبجس من نظراتها، المتلهفة للاقتراب منه، جلست على طرف الفراش بتؤدة، وبالكاد تمنع نفسها من ذرف دموع حارقة، والبكاء بصوت مرتفع، مسحت فوق وجهه برفق، ثم نزلت بيده متلمسة موضع الجرح، وشعورها بالكره يزداد كلما جال بذهنها أن والدها هو السبب وراء ما جرى له.


كتمت شهقة في حلقها عندما تراءى له انكماش ملامحه بغتة، معبرًا عن بوادر استيقاظه، حينها نهضت عن جلستها، فلن تقدر على النظر بعينيه بعد ما حدث له. قبل رحيلها انحنت منه، وقبلت جبينه مطولًا بشفاه ترتجف، وقبل أن يستيقظ غادرت على الفور، في نفس اللحظة استشعر "كرم" وجود حركة حفزت وعيه، وشيئًا فشيء صحى من نومه، وأول ما لفت انتباهه رائحة عطرها الذي عبق أنفه، مم جعله يستعيد مداركه، ونظر بعينين متفقدتين في أنحاء الغرفة، باحثًا عنها بلهفة، وخلال ذلك دلف الممرضة الغرفة، وقبل أن تسأله عن حاجته لشيء، تكلم بصوت متعب:


-لو سمحتي.


تقدمت منه، وسألته باحترام:


-ايوه، محتاج حاجة؟


تحرك في نومته ليرفع جسده قليلًا، ممَ جعله يتأوه، ولكنه تحامل ذلك الشعور، وسألها بوجع مكتوم:


-في حد جه زارني وانا نايم؟


تفقدت المحلول الذي في يده، وردت عليه بتساؤل مستفسر:


-حد مين؟


كاد يخبرها بـ"خطيبته"، ولكنه تدارك في آخر لحظة كونها لا تعرفها بالتأكيد، وأخبرها بدلًا من ذلك:


-واحدة، في العشرينات.


عقدت ما بين حاجبيها بغير علم، وقالت له:


-لأ انا مشوفتش غير راجل في آخر التلاتينات تقريبا، وعلى ما اتذكى كان اسمه صلاح، جه سأل عليك ومشى علطول لما لقاك نايم.


لاح الإحباط فوق وجهه، ورد عليها بوجوم:


-طيب شكرا.


وهي تشرع في التحرك، أخبرته بتصقيل:


-العفو، لو احتاجت لأي حاجة دوس على الجرس اللي جنبك، وانا أو زميلتي هنجيلك علطول.


شاع البؤس في عينيه، كما أن لهفته كذلك قد انطفأت بداخله، والأسئلة الحيرى تدور في رأسه، أإلى الحين لم تعلم بما جرى له؟ وهل إذا علمت ستأتي لرؤيته أم ستظل على موقفها المعاند في هجرها له؟

تابع قراءة الفصل