-->

رواية جديدة مشاعر مهشمة 2 لشيماء مجدي - الفصل 57 - 2 الأربعاء 15/11/2023

  

قراءة رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني 
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات 
الكاتبة شيماء مجدي 

الفصل السابع والخمسون

2

تم النشر يوم الأربعاء

 15/11/2023



بعد مرور عشرة أيام، لم يتغير بهم شيئًا، سوى تعافٍ بسيط في حالة الرضيعة، لم يبث أي نوع من الطمأنينة في قلب "داليا"، فبسبب صعوبة ما تعايشه تلك الفترة، ورقود زوجها دون أي علامات توحي باستفاقته، أضحت نظرتها تشاؤمية، وأفكارها تتوجس حدوث البلايا مقدمًا. وقفت "داليا" وبجوارها "عز الدين" بخارج غرفة العناية المركزة، وبصحبتهم "رفيف" وكل من زوجها وشقيقها، متواجدين في زيارة باتت شبه يومية، لتفقد حالة "عاصم"، وترقب صدور أي حركة منه، أو تغير جيد في مؤشراته الحيوية، يبعث الأمل بداخلهم في استيقاظه. في ذلك الوقت كان الطبيب بالداخل يفحصه الفحص اليومي، لرؤية ما إن وجد تقدم في حالته، وهم بالخارج، بالأخص زوجته وأخوه، لسانهما يلهج بالدعاء، وخلال تلك اللحظات التي يغلب عليها البؤس، والأسى، انتبهوا إلى صوتٍ رجولي، بنبرة رسمية، يتحدث بغتةً:


-جاسم يحيا الجندي؟


التفتوا جميعًا نحو مصدر الصوت، القاصد "جاسم" بالتحديد، متفاجئين بكونه رجل شرطة، ارتكزوا بأصبارهم عليهما، مستمعين الى إجابة "جاسم" عليه، بصوت يحمل الاستغراب:


-ايوه.


حينئذ أخبره مع إشارة من يده:


-اتفضل معانا.


ضم ما بين حاجبيه في استغراب متزايد، وسأله:


-اتفضل معاكم فين بالظبط؟


رد عليه الضابط بصوته الصارم:


-معايا أمر بالقبض عليك.


برقت عينا "رفيف" بخوف وثبتتا على زوجها الذي تساءل بذهول:


-بالقبض عليا أنا؟


ثم ما لبث أن سأله ببعض التهكم:


-وإيه التهمة؟


أجابه بلهجة ترميه بالاتهام في باطنها:


-اشتباه فيك في ارتكاب جريمة قتل رجل الأعمال عاصم كمال السيد الصباحي.


شهقت "رفيف" بصدمة من الاتهام المنسوب إليه، في حين هدر "جاسم" باستنكار:


-انت بتقول إيه؟ قتل مين وانا موجود معاهم؟


وضع "مجد" يده على كتفه حتى يهدئ من انفعاله، بينما علق الشرطي على ما فاه به، بجمود غير مكترث باشتداد وجهه:


-الكلام ده تقوله في القسم، اتفضل معانا لو سمحت.


كاد يعلق، ولكن تَشنُج وجهه، عبر عن عصبيته، التي لربما تؤدي إلى تفوهه بكلمات غير محمودة العواقب، منعه "مجد" من التفوه بها، قائلًا بهدوء:


-روح يا جاسم، وأنا هحصلك انا والمحامي.


ناظره "جاسم" بنظرة قل بها الغضب، رغم الضيق الواضح، وسريعًا ما انتقلت عيناه بنظرة شاع فيهما الاهتمام، نحو زوجته، التي نادته بصوت قارب على البكاء:


-جاسم..


بُتر الكلام في حلقها من الاختناق الذي داهمها، والناجم عن غصة البكاء الذي انخرطت به، وقتئذ حاوط "جاسم" وجهها وبيديه مسح دموعها، وهدأها بقوله:


-اهدي يا حبيبتي متخافيش، أكيد فيه سوء تفاهم متقلقيش مفيش حاجة.


هدأ بكائها، ولكن عينيها لم تتوقفا عن ذرف الدموع وهي ترى رجال الشرطة يأخذوه، وعلى الفور اندفعت نحو أخيها، وحدثته بالتياع:


-مجد، جاسم معملش حاجة، هو ملهوش دعوة بحادثة عاصم.


قبل أن يرد عليها وقعت عيناها على صديقتها، التي تشاهد ما يحدث إلى الآن بصمت مريب، خشيت من أن تكون الشكوك قد ساوتها حيال زوجها، وتقدمت منها وهي تردد بلعثمة:


-داليا.. جاسم والله..


منعتها من إضافة كلمة زائدة، قائلة بهدوء امتص ارتباكها:


-متحلفيش يا رفيف، انا مش مصدقة، جاسم استحالة يعمل كده.


أتبعت كلماتها بربته متعاطفة على ذراعها، ترقرقت مزيدًا من الدموع إثرًا لها في عيني "رفيف"، توجه في تلك اللحظة "مجد" إليها، وأخبرها بطمأنة:


-متخافيش يا رفيف أنا هروحله انا والمحامي دلوقتي وهنحل الموضوع.


بعد انتهائه، سارعت في إخباره:


-أنا جاية معاك.


ظهر عدم القبول على محياه، واعترض بتريث:


-ملهوش لازمة مجيتك، خليكي واحنا..


قاطعت رفضه، بتصميم لن يقبل النقاش، مرددة:


-لا انا مش هفضل هنا ثانية واحدة وجوزي رايح القسم، ومعرفش إيه اللي هيحصل هناك، انا هاجي معاك يا مجد.


هز رأسه باستسلام موافقًا، وما كاد يشرعان في التحرك، حتى عاجلهما "عز الدين" مرددًا:


-وانا كمان جاي معاكم.


اعتلت الحيرة وجهيهما من رغبته المبهمة في الذهاب رفقتهما، وردد "مجد" بنبرة تنم على استغرابه:


-دكتور عز!


فطن إلى ما يدور داخله من قوله، لذلك وضح تضامنه معهم:


-جاسم ملهوش دعوة بحادثة عاصم، انا شوفت العربية واللي كان سايقها، وأكيد هيحتاجوا شهادتي تاني بما إني كنت في موضع الحادثة.


تشكلت بسمة ممتنة على شفتي "رفيف"، كما ظهر الارتياح على وجه "مجد"، ثم قال له بتعجل:


-طب كويس، يلا بينا.


سار ثلاثتهم في الرواق المؤدي إلى المصعد، بينما بقت "داليا" بمفردها، تعاني من المخاوف، والهواجس المدمرة لثباتها، والمهلك لكل ذرة تماسك تتظاهر بها.



❈-❈-❈



ظل التحقيق مع "جاسم" قائمًا لعدة ساعات، أبلغوه في البداية بشهادة أحد الأطباء، والعاملين في إحدى المشافي –سبق وقد انتقلت إليها زوجة المجني عليه، متأثرة بحادث عرضي- بأنه قد هدد الطرف المعني بالقتل صراحة، وسط الحشد الذي تجمع إثرًا للشجار الذي نشب بينهما. والتحريات أثبتت عدم وجوده في بيته، أو بيت نسيبه، بالرغم من بقاء زوجته به، وفي نفس وقت الحادث، تركها ببيت شقيقها، وغادر إلى وجهة لم تكن معلومة، لأي من حرس البيت، أو العاملين بالداخل، الذين شهدوا كذلك بحدوث نزاعٍ بين الزوجين ذكر به اسم "عاصم"، ومن معرفتهم بذلك الاسم الذي تكرر خلال حادثة "رفيف" العام الماضي، يتذكرون أنه نفس الشخص الذي تتهمه الأسرة بتدبير الحادث لها.


بعدما انتهوا من مواجهته بالاتهامات والشهادات، بكل ثقة كونه لم يقبل على ارتكاب تلك الجريمة، برر تهديده بأنه مجرد كلام خرج منه في وقت كان تحت ضغط عصبي، بسبب خوفه على زوجته، التي كانت مصاحبة زوجة الآخر وحدث الحادث خلال وجودها معاها بالسيارة، وبالنسبة للاتهام المنسوب إليه، ووجوده خلال وقت الحادث، أخبرهم بتعريجه لأحد المقاهي، وأعطى لهم الاسم والعنوان، كما وصف لهم البقعة التي كان متواجدًا بها، وكإجراء قانوني تم احتجازه ريثما ينتهي رجال المباحث من فحص كاميرات المراقبة المتصلة بالمكان المذكور، وأخذ شهادة العاملين به.


بغير تعقيدات أُثبت صحة أقواله، وبعد بعض الإجراءات قاموا بإخلاء سبيله، خرج من غرفة الضابط، وإلى جواره محاميه، تقدم نحو شقيق زوجته، و"عز الدين"، الذي قد أدلى بأقواله مجددًا كذلك، حتى يثبت براءته، وذلك قبل أن يحضر دليل تفريغ الكاميرات، ويتم الإفراج عنه، وقف المحامي رفقة "مجد"، حتى يخبره بما دار بالداخل، في حين توجه "جاسم" نحو الآخر، وحينما صار مقابلًا له، شكره:


-شكرا يا عز.


لاحت بسمة طيبة فوق وجهه المرهق، ورد عليه بود:


-بتشكرني على إيه، انا معملتش حاجة.


حرك وجهه بهزة بسيطة بالسلب، وقال له بامتنان:


-لا عملت، لما تبقى في عز محنتك وجيت تشهد عشان تخرجني من قضية قتل اخوك، رغم اني اتخانقت معاه قدامك وهددته بالقتل، تبقى عملت.


علق "عز الدين" على ما قاله بتعقل وحيادية:


-اتخانقت وهددته، بس مش معنى كده اني اتهمك أو اصدق إن انت اللي ورا اللي حصل لاخويا، ده غير ان الحادثة حصلت قدامي يمكن ماقدرش اجزم انها كانت قضاء وقدر، بس انا شوفت وش صاحب العربية والأكيد انه مكانش انت.


دون أن يحيد بنظراته عنه، أخبره موحيًا:


-بس اكيد عارف ان انا واخوك أعداء.


أومأ له بالإيجاب، وأضاف لما قاله بتفهم:


-وعارف ان عاصم غلط في حقك وليك حق تاخد منه موقف.


بابتسامة باهتة أضاف "عز الدين":


-بس برضه متأكد ان العداوة دي هيجيلها يوم وهتخلص، وانتوا الاتنين هتتصافوا.


أخفض "جاسم" عينيه، دلالة على عدم استطاعته إعطائه ردًا على ما قال، تفهم الآخر موقفه، ولكنه لم يمنع نفسه من إخباره:


-هو بين ايدين ربنا دلوقتي، حاول تسامحه يا جاسم وادعيله.


تنفس "جاسم" مطولًا، ولا ينكر أن قلبه رق قليلًا تأثرًا بحالة "عاصم" الحرجة، وقال له ببسمة ودودة:


-ان شاء الله ربنا يطمنكوا عليه قريب.


بادله الابتسام بأخرى لا يخبو منها التعب الذي لازمه منذ حادثة أخيه، وحينما انضم لهما "مجد"، بعدما انتهت محادثته مع المحامي، كلفتة طيبة من "جاسم"، أخبرهما:


-يلا عشان نروحله المستشفى.


سار ثلاثتهم إلى خارج قسم الشرطة، وقد انتاب "جاسم" في ذلك الوقت شعور بسوء حكمه على "عاصم"، برؤيته من نفس المنظور القديم، فأخلاق أخيه، ومروءته، تحتم عليه إعادة النظر فيمَ سبق وقد أخبرته به زوجته، بشأن تغير طباع "عاصم"، بالأخص بعد وفاة والده، فأخيه، الذي يحمل نفس دمائه، قدم يد العون، بدون حتى أن يُطلب منه، وبالرغم من شدة الوقت الراهن عليهم، إلا أنه لم يؤثر الصمت عن الحق، أو يؤجل الشهادة بمَ يميله عليه ضميره، ولهذا قرر أن يظل إلى جوارهم، يؤازرهم في محنتهم، وليس فقط حارسًا لزوجته، ويحاول أيضًا أن يغفر لـ"عاصم" سابق ذنوبه الذي اقترفها في حقوقهم.


تابع قراءة الفصل