-->

رواية جديدة مشاعر مهشمة 2 لشيماء مجدي - الفصل 59 - 1 الخميس 30/11/2023

 

قراءة رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني 
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات 
الكاتبة شيماء مجدي 

الفصل التاسع والخمسون

1

تم النشر يوم الخميس

 30/11/2023

❈-❈-❈



برزت فرحة غير عادية في عينيها، اللتين توهجا بلمعةٍ كانت قد اختفت طوال الفترة السابقة من خضراوتيها، وعادت للبزوخ من جديد مع استفاقته، وسماع رنة صوته. دنت منه أكثر وهو ما يزال على حالته التائهة، نظراته نحوها، والتي بدأت تتنقل في أنحاء الغرفة، تعبر عن استغراب وتحير، وما إن أتي على ذكر ابنته، التي لم تشغل "داليا" عقلها للحظة بتساؤله فور استيقاظه عنها بالتحديد، بالرغم من أنها لم تكن على شفا وضعها قبل تعرضه للحادث، كما أن الطبيب لم يؤكد لهما نوع الجنين كذلك، حتى أجابته على الفور بربكة ظاهرة في صوتها تمتزج بسعادة ليس لها مثيل:


-برا.. البنت برا مع زينة.


بعينين ما يزال يكافح لفتحمها بشكل سليم، جاب الغرفة بنظرات متفحصة، لا تخلو من الاستغراب، وسألها بخفوت:


-انا فين؟


لم تتوقف يدها عن المسح فوق وجنته برفق، وأجابته على الفور:


-في المستشفى.


ابتلع ريقه مرطبًا حلقه الجاف، وفي تلك اللحظة عشرات التساؤلات بدأا تدور في رأسه، وبنفس النبرة المعبرة عن تخبطه، عاود الاستفسار:


-انا هنا من امتى؟ إيه اللي حصل؟ وانتي ولدتي امتى؟


منعته عن التفوه بالمزيد من الأسئلة، بقولها الهادئ الذي يحمل بعض التخوف:


-بلاش تتعب نفسك دلوقتي في الكلام، الدكتور هييجي يشوفك الأول، يطمنا عليك وهرد بعدها على كل أسئلتك.


لحظات قليلة ودلف الطبيب، بوجه متبسم من الخبر السار الذي انتقل إليه، وظل مع طاقم طبي متخصص، يفحصون "عاصم" فحصًا شاملًا، بمَ يتضمن فحص العين، ومتابعة نطقه لمخارج الحروف، وكذلك فحص أطرافه، بمساعدته على الحركة بتؤدة، حتى يفكوا تيبس عضلاته، من رقدته التي طالت دون حركة تذكر منه.


عندما اطمئنوا على سلامة الأعضاء الحيوية كذلك، والذاكرة، طمأنوهم بالخارج على استقرار وضعه، وعدم وجود مضاعفات، أو تأثير كبير بسبب أي من العملية، أو طول مدة الغيبوبة، الذي وصل مداها إلى شهرٍ ونصف، كما أخبروهم بردهم على بعض التساؤلات الذي استفسر عنها خلال تواجدهم معه بالداخل، ومن ضمنها سبب وجوده بالمشفى، ومدة الغيبوبة، عادت "داليا" للدخول إليه، حاملةً بين يديها الرضيعة، التي ما إن وقعت عيناه عليها حتى تحفز في نومته، ومد ذراعيه مستقبلًا وضعها عليهما.


ضمها إلى صدره، وقلبه يستشعر نبضًا جديدًا، بوجودها في حضنه، انفرجت شفتاه ببسمة أخذت في الاتساع، مع انفتاح عينيها، ظاهرًا له حدقتيها الجميلتين، مجهولتي اللون، وبنظراته المنبهرة انتقل على ملامحها الصغيرة، وشعرها الناعم الغزير، تعذر عليه إبعاد بصره عنها، حتى انتشلته من تأثير هالتها الناعمة، صوت "داليا"، التي هتفت ببسمة صافية:


-طلعت بنت زي ما كان قلبك حاسس.


رفع وجهه له بانتباه، وعندما تدارك ما قالته اتسعت بسمته، وقربها إليه أكثر مشتمًا عبقها الخلاب، وأثناء ذلك تطرق لعقله موعد ولادتها، أبعد الصغيرة قليلًا عن وجهه، ثم سأل الأخرى باهتمام يمتزج ببعض الاستغراب:


-انتي ولدتي امتى؟


تراءى لها استغرابه، متفهمة السبب وراء ذلك، وردت عليه بصوت هادئ:


-بعد عمليتك بيومين، في اليوم اللي كان المفروض تفوق فيه.


تعقدت تعبيراته، وتزايدت غرابته، وسألها بتخبط:


-إزاي؟ انا فاكر إنك.. إنك كنتي في السابع.


ضمت شفتاها للحظة قبل أن ترد عليه في استيضاح:


-انا كنت لسه في السابع فعلا، بس جالي نزيف من كتر الحركة اللي عملتها والتوتر اللي كنت فيه، حصل تمزق في الرحم، وكان لازم اولد عشان الوضع كان خطر عليا وعلى البيبي.


عبرت معالم وجهه عن أسى بالغ، فحتى تلك اللحظات العصيبة لم يكن إلى جوارها خلالها، وسألها بشيء من القلق:


-وبعد العملية كنتي كويسة؟


لم ترِد أن يعبر وجهها عن أي حزن مع ذكرها لحالتها في تلك الفترة، وتكلمت بنبرة عادية لتزيل عنه ذلك القلق:


-كنت تعبانة شوية، وفضلت أسبوع تحت المتابعة، بس الحمد لله سامح قدر إنه يزيل المشيمة من غير ما يضطر إنه يشيل الرحم.


عمدت إلى إخباره بذلك الخبر المطمئن، لتمحي تمامًا أي خوف داخله نحوها، وبعدما نجحت في مسعاها، برؤيتها لارتخاء تعابير وجهه، عاد ثانية القلق يعلو ملامحه وهو يستطرد بتساؤل مكترث:


-والبنت؟


بنفس الأسلوب المبسط أخبرته باقتضاب حتى لا تضخم له وضعها السابق:


-كان وزنها صغير وكان عندها شوية مشاكل، وفضلت في الحضانة الشهر ونص اللي فاتوا، ولسه خارجة النهارده..


قبل أن يلوح القلق فوق وجهه نحوها، عاجلته بقولها المتفائل:


-وانت كمان فوقت، وشها حلو علينا.


انفرجت شفتاه ببسمة خالية من الفرح، لما خامره من شعور قوي بالندم، فمَ تفوهت به ببساطة ذكره بمَ سبق وقد اقترفه في حق من كان في يومٍ صديقًا له، فقد عمد إلى إيذائه في زوجته، وجنينها، حتى تعرضت لولادة مبكرة في شهرها السابع من الحمل، متأثرةً بنزيف نجم عن الأدوية التي تعاقرتها بغير علمها، ونتيجة لذلك تم احتجاز رضيعهما في الحضانة لحين تعافيه، مم جعله ييقن أن ما أصاب زوجته، ورضيعته ما هو إلا عقاب، يحمد المولى أنه عاقبه برحمته، ولم يعاقبه بمَ كان ينتويه هو حينها. حاول صرف ذهنها عن ذلك الأمر مرتكزًا ببصره على غاليته الصغيرة، التي أمسكت بكفها الصغير بإصبعه، متسببة في إعادة البسمة إلى وجهه، وباهتمام عاد في الظهور فوق سائر تعبيراته، سأل زوجته:


-سميتيها إيه؟


حافظت على بسمتها وهي تجيبه:


-مسمتهاش لسه، استنيت لما تفوق عشان تسميها.


اعتلى عينيه التفاجؤ من ردها، وسألها بلمحة متأثرة:


-افرضي مكنتش فوقت؟


خفق قلبها خفقة متأثرة بمَ فاه به، ومدت يده ممسكة بإحدى يديه المحاوطة الرضيعة، وقالت له بصوت اهتز:


-انا كنت واثقة انك هتفوق.. عشانها وعشانا كلنا.


اشتدت يده على أصابعها المتخللة فبضته، كنوع من الطمأنة، في حين هتفت هي ببسمة تزيل بها مشاعرها الكئيبة وهي تمسح العبرة التي انهمرت من إحدى طرفيها:


-هتسميها إيه بقى؟


عاد بنظره نحو الملاك المستريح فوق صدره، وعاد البسمة في التشكل على فمه، وبعد تفكير دام للحظات، طرأ برأسه اسم رأى أنه افضل خيار، توسعت بسمته، ثم صرح عنه بحبور:


-مانيسا، هسميها مانيسا.


استغربت وقع الاسم فوق سمعها، وبخيرة واضحة استفهمت منه:


-مانيسا، اشمعنا مانيسا؟


ببصر ما يزال مرتكزًا على الصغيرة، التي يعقد عليها أماله، هتف بنبرة عميقة يفوح منها التفاؤل:


-عشان وجودها هينسينا كل حاجة وحشة فاتت.


نفذ ما قاله عبر أذنيها، واصلًا في لحظتها إلى قلبها، الذي نبض بسرور عظيم، فبعد كل تلك الأحزان المهلكة، عادت السعادة بتعافي زوجها وصغيرتها لتطرق أخيرًا بابها.

الصفحة التالية