-->

رواية جديدة مشاعر مهشمة 2 لشيماء مجدي - الفصل 56 - 1 السبت 4/11/2023

 

قراءة رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني 
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات 
الكاتبة شيماء مجدي 

الفصل السادس والخمسون

الجزء الأول

تم النشر يوم السبت

 4/11/2023



وقف مشتتًا، ومتخبطًا في منتصف الرواق، لا يدري ماذا يفعل، وبمن يلحق، فآخر ما كان يتوقعه في ذلك الظرف الراهن، أن تلد الاثنتين في نفس الوقت، إحداهما جراء نزيف شديد، والأخرى اشتد عليها مخاض الولادة. أفاقه حينها من تيهه "جاسم"، الذي أخبره بأن يذهب لزوجته، وسيظل هو وزوجته رفقة "داليا"، وجد في عبارته المنقذ، وشيعه بنظرة ممتنة قبل أن يسارع في مغادرة المشفى. بقت "رفيف" بخارج غرفة الفحص، منتظرة خروج الطبيب "سامح"، الذي ما إن أعلمته عمَ أصاب صديقتها، حتى أتى على وجه السرعة، وبجوارها زوجها، يهدئ من خوفها، ويردد على سمعها كلمات تثبط من حالة التلبك المتمكنة منها، دقائق قليلة وفُتح باب الغرفة، ومن بعد ذلك خرج الطبيب لهما، نهض كل من "رفيف" و"جاسم" فور رؤيتهما له، تقدم منهما بخطوات تظهر تعجله، وبلغهما بجدية توضح خطورة الموقف:


-هتدخل عمليات فورا.


توسعت عينا "رفيف" بصدمة، وهتفت بارتعاد:


-بس دي لسه في أول السابع!


ظهر الأسف على محياه، ورد عليها بإيجاز وهو يشرع في التحرك:


-للأسف ولادة، ربنا يستر، ادعولها.


انتقلت بنظراتها بعد ذلك إلى السرير الطبي الذي خرج من الغرفة، والممددة فوقه "داليا"، متصل بيديها إبرة محلول طبي، تنتقل عن طريقه الدماء لوريدها، تعويضًا عمَ فقدته، وسيتم فقده بالعملية. تساقطت دموعها وهي ترى تلك النظرة المرهقة منها، والتي تبعها انغلاق جفنيها، لم تستطع اللحاق بالسرير حتى غرفة العمليات المتواجدة بنهاية الرواق، فقد أحست بألم داهم رأسها، جعلها تجلس على المقعد، واضعة يدها فوق موضع الألم، ممَ استدعى خوف زوجها، ودنا منها متسائلًا بقلق:


-مالك؟


بصوت يصرخ بالوجع قالت له وهي تضغط بيدها فوق رأسها:


-دماغي وجعتني فجأة.


وضع يديه فوق ذراعها، مسدهما برفق وهو يقول لها بنبرة مهدئة:


-اهدي، اهدي، دي ولادة، مفيش حاجة تخوف، إن شاء الله هتبقى بخير هي والبيبي، مش هيحصلهم حاجة متخافيش.


انهمرت دموعها تباعًا من طرفيها وغمغمت بخوف شديد:


-أنا خايفة، داليا جالها نزيف، ودخلت العمليات في ولادة مبكرة.


عبرت ملامحه عن تعاطف بالغ، وحاول طمأنتها بقوله:


-طيف برضه ولدت في السابع وكان جالها نزيف، وخرجت هي وابنها بخير.


لم يشكل فارقًا ما قاله، أو يخفف من حدة خوفها، وعلقت بنفس النبرة الملتاعة:


-داليا عندها مشاكل كبيرة في الحمل مكانتش عند طيف.


بغير احتراز علق بنزق:


-فعلا، المشكلة اللي حصلتلها كانت بسبب الدوا اللي عاصم خلى الممرضة تديهولها.


آثار ما قاله أعصابها، وهتفت بنبرة مزعوجة منفعلة بعض الشيء:


-جاسم أرجوك، مش وقته الكلام ده، الاتنين دلوقتي بين الحياة والموت، المفروض ندعيلهم إنهم يقوموا منها على خير، مش نفتكر حاجة فاتت.


وما لبثت أن أضافت بتنبيه:


-ومتنساش كمان إن داليا السبب بعد ربنا إن طيف ويزيد يكونوا بخير، يعني تستاهل إننا ندعي إن ربنا يخرجها هي وجوزها والبيبي من هنا وهما متعافين، حتى لو عاصم غلط وأذانا، لإنه دلوقتي بين إيدين ربنا.


تدارك لتوه زلة لسانه، وأخبرها بحرج:


-مقصدش يا رفيف، أنا أكيد مش شمتان فيهم، أنا مش وحش كده.


شعرت بالندم من هجومها، وأمسكت بكفه وهي تسترضيه بقولها:


-أنا عارفة، أنا كمان مقصدش، أنا آسفة والله، بس أنا متوترة أوي و...


وضع أصابعه فوق فمها، يمنعها من التفوه بالمزيد، وقال بتفهم مشوب بالحنو:


-أنا مقدر يا حبيبتي، هيبقوا كويسين متخافيش.


أتبع ذلك جذبه لها، لتستقر رأسها فوق صدره، أغمضت عينيها وهي تتنهد بتعب، وفي داخلها تدعو بقلب تتآكل به المخاوف، بالنجاة والسلامة لصديقتها وجنينها.



❈-❈-❈



تَحمُل كل ما يحدث من حوله دون أن ينهار، ليس من المعقول نهائيًا. بجوار الغرفة التي يُجرى بها عملية الولادة القيصرية لزوجته، شعر بأن قدميه لم يعدا قادرين على حمله، فجلس على أقرب مقعد وجده، وبجانبه جلست والدته، يحز في قلبها رؤيته على تلك الهيئة المنهكة، والملامح المكتئبة. مسحت بيدها فوق ظهر كفه، الموضوع فوق فخذه، وقالت له بدعم:


-شد حيلك يابني، ان شاء الله هتقوم بالسلامة.


نظر لها بوجه متعب، وبعينين أضحتا محاطتين بالهالات السوداء، ترقرق بهما الدمع وهو يردف بتعب:


-انا مبقتش عارف الاقيها منين ولا منين يا ماما، عاصم مفاقش وحالته خطر، وزينة بتولد دلوقتي، وداليا جالها نزيف ودخلت العمليات في ولادة مبكرة، والله اعلم مصيرها ايه هي وابنها، مش عارف ليه كل المصايب اتحطت فوق دماغي مرة واحدة كده.


 احتوت كفه بين يديها، وأخبرته بنبرتها اللينة:


-ادعيلهم يا عز، وإن شاء الله ربنا مش هيورينا فيهم حاجة وحشة.


تهاوت دموعه وردد بنحيب:


-انا دلوقتي اقلق على مين طيب، اعيط على مين فيهم، وأخاف على خسارة مين، انا قلبي واجعني يا ماما، قلبي واجعني أوي.


رفعت يدها تربت على ظهره برفق، وأخبرته بنفس النبرة المتضامنة:


-ربنا ينجيهم يا عز، ادعيلهم وربنا هيستجيب ان شاء الله.


تهدل كتفاه وعيناه تذرفان الدموع الحارقة، تعبًا وخوفًا، فالاختبار تلك المرة قاسم، والخسارة إن كُتبت ستكون فادحة. مرت دقائق رغم قلتها، إلا أنه استشعرها كساعات ضوئية، وفي لحظة فارقة، بعدما قد دمره الانتظار، وفرغ صبره، وجد باب غرفة العمليات انفتح، وخرج لهما الطبيب، الذي اتسقبل "عز الدين" خروجه باندفاع، مرددًا بربكة:


-زينة..


بُتر سؤاله وتطاير بقيته من فوق لسانه، تفهم الطبيب وضعه، وطمأنه قائلًا:


-حمد الله على سلامة المدام.


وكأن عبارته بثت فيه الروح من جديد، وتساءل بلهفة:


-وابني؟


اتسعت بسمة الطبيب الباعثة على مزيد من الطمأنينة، ثم رد عليه:


-الحمد لله الولد بصحة كويسة، والممرضات جوا بينضفوه وبيلبسوه هدومه.


تهللت أساريره، وعجز عن وصف شعوره، أو التعليق على ما قاله الطبيب، الذي تابع في استرساله:


-خمس دقايق والمدام هتتنقل غرفة الإفاقة، ومعها البيبي، حمد الله على سلامتهم وألف مبروك.


بالنياية عن ابنها ردت "أمل" على الطبيب:


-الله يبارك فيك يابني


بعدما غادر الطبيب، التفتت نحو ابنها، بوجهها الذي يعبر عن سرور بالغ، بذلك الخبر السعيد، وباركت له بغبطة:


-مبروك يا حبيبي.


رد عليها بعينيه الدامعتين:


-الله يبارك فيكي يا ماما.


دنت منه لتحتضنه، وبينما تحاوطه بذراعيها الحنونين، أخبرته:


-ان شاء الله زي ما ربنا طمنا على زينة والنونو، ربنا هيطمنا على عاصم وداليا.


أراح جسده المنهك في عناقها، ممتنًا لوجودها الداعم في حياته، وأمن على ما قالته، متضرعًا:


-يا رب.



الصفحة التالية