-->

رواية جديدة مشاعر مهشمة 2 لشيماء مجدي - الفصل 56 - 2 السبت 4/11/2023

 

قراءة رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني 
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات 
الكاتبة شيماء مجدي 

الفصل السادس والخمسون

الجزء الثاني

تم النشر يوم السبت

4/11/2023


❈-❈-❈

في الحديقة التابعة للمشفى، بقت "مي" جالسة على أحد الأرائك، والبكاء الذي كبتته بالداخل أثناء حديثها مع "داليا"، أجهشت به فور نزولها، ناهيك عن صدمتها بعدم إفاقته، لأول مرة تشعر بذلك الحزن على أحدهم، بحياتها لم يتعبأ بأحد، أو حتى ينتابها التعاطف لمرض أحد، ولكن ما تعرض له "عاصم"، وخطورة وضعه، مزق قلبها وجعًا عليه، وجعلها تحت وطأة جلد الذات، لما عايشه الفترة الماضية بسبب ألاعيبها، وأنانيتها. 


على بُعد حوالي مترين من موضع جلوسها، كان يقف "صلاح"، يتابع انهيارها بنظرات تجمع ما بين الشفقة والضيق، فكل ذلك البكاء والانهيار لأجل رجل، لربما عشقه ما يزال نابضًا في قلبها، ولكن ما الذي يثير ضيقه حيال ذلك؟ فهي امرأة حرة، يحق لها أن تعطي مشاعرها لأي رجل كان، ولا يحق له أن يشعر بتلك الغيرة الغير مفهومة. حتى لا يدع لعقله أي سبيل في التفكير في غرابة حاله منذ معرفة تلك المرأة الجريئة جرأة تستهويه، تقدم منها، حتى يضع حدًا لذلك الانهيار المرئي لها، والذي بدأ يدفع شعورًا خانقًا بداخله. 


جلس على الأريكة جوارها بشكل مفاجئ، جعلها تلتفت له بعينيها الحمراوتين، وعندما وجدته عادت بنظرها للأمام، وقد هدأت حدة بكائها قليلًا، حينها أخبرها بنبرة يغلب عليها المرح، ليخفف من وطأة الموقف:


-انا سايبك من ساعتها تعيطي براحتك وتخرجي كل اللي جواكي..


سادت الجدية في صوته وهو يكمل بلين:


-دلوقتي ممكن تهدي وتبطلي عياط بقى.


رفعت يدها تجفف عبراتها، بمنديل ورقي، وعندما انتهت باغتها متسائلًا بسؤال لم يستطع كتمه:


-كل الحزن ده تعاطف معاه عشان مفاقش؟ ولا عشان لسه بتحبيه؟


تفاجأت من سؤاله، ليس لكونه تجاوزًا منه أن يسألها عن طبيعة مشاعرها تجاه شخص، ولكن لربما لأنها لا تملك أجابة تفصيلية، أو قاطعة تستطيع بها وصف ما بداخلها. وبعد مدة من التفكير في الرد، ردت عليه بمنطقية:


-مقدرش اقول إني بحبه، لو كنت بحبه مكنتش بعته من الاول، حتى لما رجعت مكانش في دماغي إني ارجعله، ولا كان عاصم في دماغي أصلا.


شعر براحة عجيبة تخللت قلبه من اعترافها، ولكنه لم يشأ أن يظهر ما انتابه من مشاعر متضاربة، واحتفظ بقناع الجمود وهو ينصت لها، في حين ترددت هي قليلًا في المتابعة، حتى لا تظهر له سوء طباعها،  لكنها في الأخير صارحته:


-بس لما عرفت صدفة انه متجوز، غيرت، وحسيت ان حاجة بتاعتي واحدة تاني اخدتها.


ضمت شفتيها ببؤس للحظة، قبل أن تكمل بخزي:


-حتى إحساسي دلوقتي مش حب، انا مبعرفش احب، انا بعرف اجرح بس.


استرعى اهتمامه قولها الأخير، وذلك الابتئاس المعتري ملامحها، ورغب في محو تلك التعبيرات الكئيبة من محياها، مردفًا باستنكار:


-مين قالك انك مبتعرفيش تحبي؟


رفعت عينيها له تناظره بنظرة متحيرة، وضح له مقصده حينها، متابعًا:


-الحكاية وما فيها إنك لسه ملاقتيش الشخص اللي يعرف يخليكي تحبي.


ارتكزت بعينين منتبهتين عليه، منصتة لما يقوله بإطناب:


-ارتباطك انتي وعاصم كان في فترة مراهقة، لا انتي ولا هو كنتوا لسه عرفتوا المعنى الحقيقي للحب.


مط شفتيه بحركة تلقائية، مكملًا:


-وجوازك برا كان جواز تقليدي مكانش مبني على مشاعر متبادلة بينكم، وفشل لإن مفيش حد فيكم حب التاني.


ثبت حدقتيه بنظرة مطولة على عينيها التي لم تحد بها عنه، وأخبرها بصوت عميق:


-لكن لما هيجيلك الشخص المناسب اللي هتحسيه بقلبك قبل عقلك، هتعرفي تحبي بجد.


لمست كلماته جزءً بشغاف قلبها، متسببًا في قشعريرة ناعمة انتابتها تأثرًا بذلك، فمنذ تعرفت عليه وهو لم يظهر تلك الشخصية العقلانية، فكان انطباعه الأولي عنه، هو تعاطيه للخمور، وانغماسه في عالم النساء، ولكن على ما يبدو أنه كان هروبًا من واقعه المرير، وأوجاعه لفقده لزوجته، التي تلاها بعدة أعوام ابنته، وعندما أتى بذهنها أمر زوجته السابقة، انتابها فضول حيال طبيعة المشاعر التي كانت بداخله نحوها، ممَ دفعها لتساؤله:


-انت كنت بتحب مراتك؟


تفاجأ قليلًا من تطرقها لسيرتها، وخاصة المتعلق بمشاعره حيالها. غام وجهه بحزنه دفين، وأجابها:


-أيوه، لدرجة اني حسيت اني حياتي وقفت من بعدها، بس كملت عشان خاطر بنتي..


أحس بلسعة الدموع بعينيه، وتابع بصوت مختنق:


-ولما هي كمان ماتت، حسيت اني جوايا مات، وحياتي خلاص انتهت، اكتأبت وانطفيت وفكرت اموت نفسي اكتر من مرة..


ابتلع الغصة التي اجتاحت خلقه، وابتسم بانكسار محاولًا التغلب على الشجن الذي طغى على تعابيره:


-بس بعدين رجعت لعقلي، وقلت طول مانا فيا نفس، هعيش الدنيا دي، وهكمل.


ترقرقت العبرات بعينيها إثرًا لما قاله، وسألته حينما انتهى:


-وهتعرف تحب تاني؟


حرك وجهه بطريقة مستفهمة قبل أن يردد:


-ليه لأ؟


رسمت بسمة صغيرة فوق ثغرها، وأتبعت ذلك بقولها:


-كنت دايما بسمع إن الحب اللي بجد مبيجيش غير مرة واحدة.


ظهر الاستنكار على وجهه، وعقب بلمحة من التهكم:


-وفي حالاتي لو فرضنا ان الحب اللي بجد كان لمراتي الله يرحمها، معنى كده لو مشاعري راحت لو واحدة تانية هيبقى حبي ليها حب هزار.


انفلتت ضحكة صغيرة منها، هام بها للحظات، قبل أن يتابع بجدية:


-انا مؤمن بإن طالما الحب اللي جواكي تجاه حد صادق، ومفيش من وراه أي أهداف، يبقى حب حقيقي وبجد.


لاح الاقتناع على وجهها، وابتسمت باتفاق مع ما فاه به، حينها بادلها ابتسامتها بأخرى بها شيء من الوله، أدارت وجهها عندما بدأت تنتبه لتلك النظرات التي عادت لتحملق بها، وتوترها بطريقة لم تعهدها على نفسها من قبل، ممَ جعله يتدارك أنه قد أطال النظر لها، حمحم ببعض الحرج، واستطرد:


-هتفضلي قاعدة ولا هنقوم نمشي؟


اومأت برأسها موافقةً على الجزء الثاني من استفساره، ونهضت من جلستها، وبدأت في السير، ناهضًا هو من بعد ذلك، وتبعها في سيرها ببالٍ مشغول في كل ما يبدر منها، وبقلبه الذي على ما يبدو قد تعلق بها، ولا يدري أنه كذلك أحدث بداخلها ثورة من المشاعر، التي كانت قد طُمست منذ فترة طويلة، وذلك الحديث العابر، الذي لربما يظن أنه سيتبخر من ذهنها، سيرافقها في وحدتها، وسيكون من العسير عليها نسيانه، ونسيان صاحبه بعد سفرها.





الصفحة السابقة             الصفحةالتالية