-->

رواية جديدة مشاعر مهشمة 2 لشيماء مجدي - الفصل 56 - 3 السبت 4/11/2023

 

قراءة رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني 
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات 
الكاتبة شيماء مجدي 

الفصل السادس والخمسون

الجزء الثالث

تم النشر يوم السبت

 4/11/2023


العودة للصفحة السابقة




على مدار نصف ساعة، ظلت "رفيف" تدعو الله، وتضرع له، لسانها لم يتوقف للحظة عن الابتهال، وعيناها لم تبتعدا عن باب الغرفة، آملة بأن يُفتح، ويطل الطبيب منه، ومعه بشارة تسرها، وليس خبر مُغِم. لحظات أخرى من التوتر عاشتها قبل أن تستمع لصوت الباب، التي ما إن تداركت فتحه، حتى خرج منه الطبيب "سامح"، سارعت في النهوض فور رؤيته، وركضت نحوه ومن خلفها يسير زوجها، وهتفت بتلهف يشوبه القلق والترقب:


-خير يا دكتور، طمنا.


أنزل القناع الطبي، وزفر بقليل من التعب، ثم زين وجهه ابتسامة صغيرة، قائلًا بفرح:


-خير إن شاء الله، الحمد لله عملية الولادة تمت على خير.


التصقت بسمة مسرورة على شفتيها، وبقت على وضعها تنصت له وهو يكمل بفخر:


-والحمد لله قدرنا نتفادى النزيف أثناء إزالة المشيمة، والخبر الحلو ان احنا عملنا كل جهدنا ومشلناش الرحم.


ابتهجت تعبيراتها وتوسعت بسمتها حتى صارت ملء شدقيها، وضمت يديها أمام وجهه وهي تحمد ربها:


-الحمد لله.


وجهت عينيها التي تلمع بدموع الفرح، إلى زوحها الذي رمقها بنظرة طيبة، ووجه يعلو بسمة دافئة، ثم ما لبثت أن عادت ببصرها نحو الطبيب وسألته بانتباه:


-طيب والبيبي؟


ظهر قليل من الأسف على ملامحه، ثم أبلغها بإسهاب:


-البنت حالتها صعبة شوية، ووزنها صغير عشان مولودة قبل ميعادها، هننقلها الحضانة، وهناك دكتور الأطفال هيشوف اللي محتاجاه، وان شاء الله مع المتابعة حالتها تتحسن.


انطفأت لمعة السعادة من عينيها، وسألته بقلق داهم قلبها:


-يعني في أمل تبقى كويسة؟


حرك وجهه بحركة تعبر عن عدم علمه، ثم أخبرها بإيجاز:


-مقدرش احدد، دكتور الأطفال هو اللي هيفيدكم.


وقتئذٍ لاحظ تعبيرات الخوف التي تكونت على محياها، لذا تابع مطمئنًا إياها قليلًا:


-بس من حالات ولادة كتير في السابع مرت عليا في شغلي، أطفالهم كانوا بيفضلوا فترة في الحضانة عشان لو في مشكلة في التنفس واكتمال الرئة، الصفرا أو أي مشكلة تانية عضوية، بيتم معالجتها وبيعيشوا بعدها، فإن شاء الله يكون فيه أمل.


بعث ما قاله بعض السكينة في قلبها، وهزت رأسها له يإيماءة بسيطة، وقتها شكره زوجها بلطافة:


-شكرا يا دكتور سامح.


ابتسم بمجاملة، وعلق بعملية ممزوجة بالود:


-بتشكروني على ايه ده شغلي، وربنا يتم شفاها على خير هي والبيبي، ويطمنا قريب على عاصم.


ردد الاثنان في نفس الوقت:


-يا رب.


تهيأ في وقفته، وودعهما بنفس النبرة الودودة:


-عن إذنكم.


غادر بعد ذلك، تاركًا الزوجين في حالة من الارتياح، الممزوجة برهبة الموقف بالأخص على "رفيف"، التي وجهت نظرها لزوجها، الذي كلمها للتو ببسمة واثقة:


-مش قلتلك هتبقى كويسة.


تبسمت شفتاها ببسمة تحمل بعض التوتر الذي لم يخبُ بعد، وردت بتأثر:


-الحمد لله، انا كنت خايفة عليها اوي.


مسد بيده ذراعها بحنوٍ ورفق، ثم قال لها:


-الحمد لله يا حبيبتي، تعالي بقى نستناها في غرفة الإفاقة، عشان اول ماتفوق تلاقينا جنبها.


حافظت على بسمتها الرقيقة، وقالت قبل أن تبدأ في السير معه:


-يلا.


❈-❈-❈



لعدة ساعات بعدة إفاقة "داليا"، ورحيل صديقتها وزوجها بعد اطمئنانهما عليها، بقت بمفردها، فقد ظلت "رفيف" معها لثلاث ساعات، ثم تركتها لتستريح بعد أخذها الدواء المسكن، الذي أعطاه لها الطبيب بعد زوال مفعول المخدر، خلدت للنوم لبضعة ساعات لم يتعدوا الخمس، واستيقظت بعد ذلك من شعور الوجع الذي كان منتشر في منطقة البطن بشكل لا يحتمل، ساعدتها الممرضة المرافقة لها على الذهاب إلى المرحاض، وإعطائها الجرعة الموصوفة من الدواء، ثم قدمت لها الطعام الموصى من الطبيب إعداده في الشمفى، فحالتها كانت تحتاج للبقاء تحت المتابعة والفحص.


منذ استيقاظها وقد عاودت التساؤل عن رضيعتها، التي طمأنها على الطبيب على حالتها، وأخبرها بوجوب بقاءها في الحضانة، لمعالجة بعض المشاكل المتعلقة بولادتها قبل ميعادها. حينها لم تلح في الاستفسارات، بسبب تشوشها الناجم عن مفعول المخدر، ولكنها الحين بكامل وعيها، والخوف الأمومي الفطري، يتآكل بقلبها، خاصة وإنها لم ترَها قبل إرسالها، ومع ذلك أصرت على رؤيتها، حينئذٍ التقطت لها الممرضة من الحضانة صور لها بهاتقها المحمول، وبالرغم من حزنها لحجمها الضئيل، إلا أنها اطمأنت قليلًا لرؤيتها.


وبقى الأمر الوحيد الذي يشغل عقلها هو حالة زوجها بعد الإفاقة، وذلك السؤال الذي صاحب سؤالها عن طفلتها عند استعادة وعيها، وإذا حق القول، فقد كان تساؤلها عنه سابقًا. تهربت "رفيف" من الإجابة حينها، متحججة بأنها سارعت في الذهاب معها، ولم ترَ طبيبه عند انتهائه من إزالة الأجهزة عنه، وعندما تساءلت عن وجود "عز الدين"، علمت منهم عن ذهابها لزوجتها، التي صادف وضعها لجنينها في نفس الوقت معها. ليبقى القلق مرافقًا لها منذ استيقاظها، وما ضاعفه كون "عز الدين" لا يجيب على اتصالاتها، تركت الهاتف من يدها بعد يأسها من رده، واحتل الوجوم وجهها المتعب، دقائق مرت عليها وهي على نفس وضعها البائس، وبغتةً استمعت إلى صوت طرق على باب الغرفة، أتبعه دخول "عز الدين" الذي جعل اللهفة تعلو وجهها، وقبل أن تتكلم، أردف هو بود:


-حمد الله على سلامتك.


ناظرت تقدمه منها بعينين مترقبتين، وسألته بلهفة:


-عاصم فاق؟


قرب المقعد من فراشها، وجلس عليه وهو يزفر بإرهاق، ثم خاطبها بإنهاك:


-مقدرتش آجي قبل كده اشوفك عشان زينة كانت بتولد هي كمان، بس سألت الدكتور عليكي وقال..


لم تكن تعبأ بمَ يقول، لذا قاطعته متسائلة بمَ طرأ في ذهنها:


-لسه مش قادر يتحرك؟


التزم الصمت، لعدم استطاعته قول الحقيقة، أو حتى التفوه بكذبة يتخلص بها من تساؤلاتها، ولكنه من سكوته ساورها شك مخيف حول وضع ابنتها، وتساءلت بقلب دب فيه الرعب:


-هي بنتي جرالها حاجة؟


عندما قرأ الارتعاد متشكلًا على وجهها، سارع في النفي مطمئنًا إياها:


-لأ كويسة، في الحضانة والدكتور مطمني عليها.


لم تفهم إذن ما سبب وجومه، وسألته بتحير:


-أمال مالك؟ زينة كويسة مش كده؟


هز رأسه بالإيجاب وهو يزفر، ثم أجابها:


-الحمد لله، هي والبيبي كويسين.


سحبه الصمت ثانية، ممَ دفع في داخلها شعور غير مستريح، بالأخص أنه لم يجيبها عن أسئلتها المتعلقة بزوجها، وسألته باشتفاف:


-عاصم كويس؟


بغير أن ينظر لها، أجابها بقليل من الاختناق الذي جاهد لعدم إظهاره:


-عاصم بخير الحمد لله.


ضمت شفتيها بمزيد من الحيرة، وسألته ببؤس:


-محدش عرفه إني ولدت؟


أومأ لها بالسلب، ثم نفى بإيجاز:


-لأ لسه.


استنبطت منع الزيارة إلى الحين، ولهذا تعذر عليه إبلاغه بذلك الخبر السعيد، وسألته بتأكدٍ:


-مانعين الزيارة لسه؟


أومأ بهزة بسيطة مؤكدًا، حينها أخبرته بحماس:


-طب خلي حد من الممرضين يقوله، ويعرفوه أن أنا كويسة، هيفرح أوي لما يعرف، وممكن كمان الخبر يخليه يخف بسرعة.


وما لبثت أن أضافت بنبرة اختفت منها الحماس، وحملت بدلًا منه الأسى:


-بس بلاش حد يعرفه إن البيبي في الحضانة عشان ميقلقش.


لم تأتِه جرأة لرفع عينيه، فهو يعلم أنهما سيخوناه ويفشيا ما يحاول إخفائه، ولكنه لا يعلم أنه بذلك يدفع المخاوف لقلبها، وسألته بقلق مضاعف:


-في إيه يا عز؟ انت مخبي عليا حاجة؟


ضغط بأسنانه على باطف فمه، متحاملًا على نفسه غصة البكاء الجارحة لحلقه، ومخفيًا بطأطأة رأسه الدموع العالقة بطرفيها، ممَ أزاد من التياعها، وأثبت لها وحود خطب يخفيه عنها، وسألته بخوف:


-عز اتكلم في إيه؟


ابتلع الشعور الموجوه المتكون فب حلقه، ورد عليه باختناق شديد:


-مش مخبي حاجة يا داليا، هخبي إيه يعـ..


لم يستطع إكمال جملته على نحو سليم، فقد كتم الكلام في حلقه، متحولًا إلى بكاء شديد، جعل وجيبها يخفق بقوة، وسألته بأنفاس تهدجت من الخوف:


-بتعيط ليه؟ إيه اللي حصل؟ بصلي يا عز.


فشل في كبح جماح نحيبه، عاجزًا تمامًا على الرد عليها، أو حتى النظر في وجهها، هذا ما جعلها تتأكد من حدوث مكروه لزوجها، وسألته بتوجس:


-عاصم جراله حاجة؟


ضغط على شفتيه، يحاول التحكم في انهياره، ولكنه على حين غرة، رفع عيناه نحوها، حينما سألته بارتعاب:


-عاصم مات؟


جحظت عيناه، وعلى الفور نفى بصوت مبحوح:


-لأ مماتش مماتش، متقوليش كده بعد الشر.


لم تقتنع برده، ولم تصدق نفيه، وانهمرت في تلك اللحظة دموعها، وكررت تساؤلها بلهجة خبرية قاربت على الانهيار:


-مات.. مات وانت مخبي عليا.


خشى عليها من تحكم ذلك الهاجس بفكرها، ونهض عن جلسته، وأخبرها بجدية:


-اهدي يا داليا، عاصم عايش والله.


أمسكت بكفه، وعيناها ما تزالان تذرفان الدموع، وطلبت منه بنحيب:


-عايزه أشوفه، وديني ليه.


تعقدت تعبيراته وهو يرفض ذلك، متحججًا:


-مش هينفع انتي لسه تعبانة و..


لاحقته قبل أن يتم عبارته، وأخبرته بتصميم وهي تحاول النهوض:


-لأ انا كويسة وقادرة امشي، وديني ليه عشان خاطري، أبوس إيدك.


حاول منعها من التحرك بتلك اللهوجة، خوفًا من تأذي جرحها، ولكنها لم تستجِب له، وعاودت الطلب منه بانفعال:


-وديني ليه يا عز.


مع إصرارها فقد زمام التحكم بأعصابه، وعلى صوته هو الآخر وهو يخبرها معترفًا بحرقة:


-مش هينفع يا داليا، عاصم مفاقش ومانعين الزيارة لإنه دخل في غيبوبة وحالته خطر.



يتبع..

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة شيماء مجدي من رواية مشاعر مهشمة الجزءالثاني، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية