-->

رواية جديدة ميراث الندم لأمل نصر الفصل 22 - 1 السبت 18/11/2023

 قراءة رواية ميراث الندم كاملة 

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى





رواية ميراث الندم

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة أمل نصر

الفصل الثاني والعشرون

الجزء الأول

تم النشر يوم السبت

18/11/2023

 


خرج من مرحاض الطابق الأسفل، يجفف بالمنشفة الصغيرة على خصلات شعره الذي تخللتها المياه من منذ قليل، حينما احنى رأسه اسفل الصنبور ليهدئ من ثورته، من أجل أن يستفيق لنفسه، كي ينفض عنه هذه الافكار الغبية، ولكن كيف يستطيع ذلك؟


لقد اهتز وتبعثر كل كيانه لرؤيتها فقط بدون حجاب، جمالها الطبيعي عن قرب، عيون الريم حينما ترمقه بسهام عينيها التي قد ترديه قتيل هذه النظرة، 

رائحتها التي ما زالت عالقة في انفه، والأهم من كل ذلك، وهو اصطدامها به، حتى وهو قد تظاهر بالقوة امامها ، يدعي الأمر عادي، ولكنه كان غير ذلك على الإطلاق.


وقد عادت اليه كل المشاعر التي اكتنفتها قبل ذلك، في هذا اليوم الذي انهارات به مع غياب صغيرها عنها،  حينما سقطت فاقدة الوعي بحضنه، واضطر وقتها ان يحملها حتى منزلهم، لن ينسي ابدا نعومتها بين يديه، براءة ملامحها،  طراوة جسدها الغض.....


نفض رأسه مرة ليطرق بقبضته على ذراع المقعد القريب منه، هذا العبث لابد له ان ينتهي، غباء تفكيره وعودته مرة أخرى لهذا الهذيان والاندفاع الأحمق،  لن يحدث، لقد عرف رأيها عنه، وعرف انها لن تنظر اليه،  وطيف الراحل زوجها تضعه حاجزًا وحائط صد لكل من يبتغي القرب منها .


ثم ماله هو من الأساس بها؟ رجل عرف حظه القليل من  مباهج الدنيا والنساء، رجل حكم عليه ان يضلل بجناحه على الجميع، ولا يجد هو من يضلل عليه؟ رجل يهابه الجميع، ومع ذلك لم يجد التقدير من اقرب الناس اليه، مع من كانت زوجته وأم اولاده، 


إذن ماذا ينتظر؟ لابد ان يجد حلاً لمأساته، لابد ان يبتعد!


- غازي .

التف منتبهًا لصاحبة النداء والتي عرفها من صوتها، لتزداد دهشته، مع تفاجأه لقدومها من الخارج بعباءة الخروج السوداء،  


- انتي جاية منين؟ امتى سيبتي سريرك وطلعتي؟

هتف سائلًا بتبرة خشنة اختلطت بقلقله عليها،  والتي لم تجد من الردود او الكلام،  وقد عجز لسانها عن النطق في حضرته، فلم تشعر بأقدامها وهي تركض بدون تفكير لتلق بنفسها بحضنه، لتلف ذراعيها حول خصره، وبصوت باكي:


- وحشتني يا غازي، وحشتني يا واد ابوي، هونت عليك، هانت عليك روحك يا غازي؟ 


زفر يغمض عينيه، ليكبت لوعته، شقيقة روحه تسأله وكأنها لا تعلم، او تريد تفسيرًا لابتعاده عنها، وهي التي شقت بجرحها جدار الطمأنينة المتبقي له من هذا العالم، والوحيد الذي كان يستند عليه حينما تضيق به كل السبل ولا يجد راحته الا عندها..


- على كد المعزة بيكون الجرح يا روح، كان لازم تسألي نفسك انتي السؤال ده الأول، لما خبيتي وسبتيني في حيرتي ووجعي عليكي، اضرب اخماس في اسداس عن سر عزوفك عن الجواز، وانتي عندك الجواب ومدارية عليا.


نزعت نفسها عنه، لتنظر اليه بوجهها الباكي تقول:

- مكانش ينفع يا غازي، عمرك ما كنت ها تتبعني وتسبيني استني، مكنش جلبك هيطاوعك على جناني. 


- واديكي نفذتي اللي في مخك ، وشوفتي النتيجة، اجرب ناس ليكي طعنوا في شرفك. 

خرجت منه بألم كان يطل من عينيه،  رغم اشتعال لهجته الغاضبة، ليستطرد:


- انا بحاوط بكل جهدي، لكن عارف ومتأكد ان عمك مش جافل خشمه، لا هو ولا الملعونة اللي كنت متجوزها، حتى بعد ما خدت التلفونات منهم ومسحت كل الصور،  ومبجاش معاهم الحجة، برضوا ما سكتوش، بس طبعا الكلام بيلف يلف، ويجي عند صاحبه ويوجف، واخدة بالك منها المعلومة دي يا روح؟


اجابت عن سؤاله بقوة وثبات تحسد عليه:

- واخدة بالي وعارفة بطبيعة عمك وبته زبن جوي، بس انا بجولك اها، كل الكلام هينتهي، والخشوم هتتجفل، جريب جوي، يعني ترفع راسك يا واد ابوي، عِمتك بيضا وعمر ما يمسها التراب. 


ضاقت عينيه ليسألها بريبة:

- جصدك ايه؟ وضحي يا روح.

اهتزت راسها بابتسامة بسيطة، كي  تخفي انشطار قلبها ووجعه، لتعود ملقية بنفسها مرة أخرى بحضنه، قائلة؛:

- كل حاجة هتتصلح يا واد ابوي ، انا بس عايزاك متزعلش مني، او ع الأجل تسامحني، على كل الضرر اللي حصلك بسببي، سامحني يا غازي حن عليك.


زفرات متوالية دفع بها من فمه، ثم انصاع بقلبه لها ، ليضم رأسها اليه يقبل أعلى شعرها، مستجيبًا لها بقوله:


- وهو في حد يجدر يزعل من روحه، انا مجدرش استغني عن روحي، وانتي روحي وبتي اللي مخلفتهاش يا روح.

زادت بضمها اليه، تردد بالبكاء:

- يا حبيبي يا غازي، ربنا ما يحرمني منك ولا من وجودك جمبي وفي ضهري دايمًا، 

ربت بحنان على ظهرها ، يخفف عنها حتى هدأت فخرج صوتها:


- عمك وواد عمك هيجوا يزرونا بكرة، انا بلغت عارف بمواجفتي على طلبه. 

نزعها عنه فجأة ليحدجها بأعين نارية، وقد وصله الاَن سبب خروجها في هذا الوقت من المساء:

- انتي اتجنيتي يا روح؟ روحتي لواد عمك تعرضي عليه نفسك،  ليكون اترجتيه كمااان.


- اترجى ليه؟ هو انا ناقصة ولا معيوبة؟

قالتها بقوة ، لتردف بشموخ ورأس مرفوع:

- انا روحت لعارف عشان هو دا الاختيار الصح في الوقت ده، لازم الكل يشهد فرحي اللي هيسمع في الدنيا كلها، عشان بعدها لو حد اتكلم في ضهري بنص كلمة، تعرف تجيبه تحت رجلك من غير ما تضعف ولا يبجى عندك شك في براءتي، 


غازي الدهشان، مينفعش ابدًا، يبجى في حياته نقطة ضعف حتى لو كانت اخته، راسك هتفضل دايما مرفوعة يا واد ابوي .


ورغم حنقه من فعلتها، وعدم استشارته قبل ان تتحرك، وتنفذ هذا القرار الموجع لها، الا انه لم يقوى على كبح ابتسامة الفخر، 

امام هذه العزة والثقة التي تتحدث بها، لا يملك المرء رفاهية الاعتراض، فما باله وقد تحققت اخيرا امنيته، بأن ترتبط بأقرب الأشخاص اليه ، ابن عمه عارف،


❈-❈-❈


- انت متأكد من قرارك ده يا ولدي؟

سأله والده للمرة  الثالثة او الرابعة لا يذكر، ومع ذلك عاد اليه بتفس الإجابة، دون تردد او اهتزاز:


- متأكد يا بوي، والله متأكد، المهم انت تصدج بقى.

لم يخفي عنه والده هذه النظرة المتشككة، ونية الاعتراض، حتى لو لم ينطقها بلسانه، ولكن الاخر كان واعيًا الا يتركه في حيرته:


- ما تجلجش عليا يا حج يامن، ولا تفتكر ان هحل موقف على حساب كرامتي .


التقط يامن الأخيرة،  ليردف معبرًا عن ظنونه وهواجسه:

- امال ايه بس يا ولدي؟ انت طول عمرك عايزها ودي مفيش حد في العيلة كلها ميعرفهاش، بس يعني......

طبعا انا مش هتكلم ع الهبل اللي برطمت بيه بت سعيد وابوها كمان، بس...... انت شوفت الصور بعنيك يا عارف، اينعم هي مفيهاش اي شيء مخجل لا سمح الله، لكن كان فيها الاهم، فرحة لقا الاحب......


اكمل متابعًا له:

- لقا الاحبة..... عارف يا بوي، الحاجات دي انت مش محتاج تبينها جدامي، دا شيء يستحيل يغفل عنه حد زيي .


- طب ولزوموا ايه بجى؟ بت عمك لا هتغلب ولا نصيبها هيوجف، دي عرسانها ما بتبطلش، مال وجمال وثقافة عاليه ولباقة، يعني تشرف اي عيلة واي واحد يرغبها، مهياش في حاجة ليك، حتى مع الكلام اللي بيتجال .

الصفحة التالية