رواية جديدة ميراث الندم لأمل نصر الفصل 23 - 1 الثلاثاء 21/11/2023
قراءة رواية ميراث الندم كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية ميراث الندم
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة أمل نصر
الجزء الأول
تم النشر يوم الثلاثاء
21/11/2023
لم يكن غضبًا هذا الذي يكتسحه من الداخل، لفد تعدى الانفعال، تعدى السخط ، تعدى المقت والكراهية لكل من تسبب في حرمانه منها بعدما كان على مسافة بعض أمتار صغيرة، وكأنه عاد لنفس النقطة التي كان يقف عليها منذ خمس سنوات، قلة الحيلة والعجز عن تحقيق ما يتمناه بالقرب منها.
وما فائدة الإنجاز الاَن؟ وقد فقد الغاية التي من أجلها فعل الكثير وتحمل الأكثر، حتى يحصل عليها، بمكانة تليق به معها، لا يصدق انها باعته بهذه السهولة، كان واثقا من عشقها، واثقا من ولاءها له، واثقا منها وقد انتظرت دون كلل او ملل ، ماذا حدث الاَن لتتبخر من بين يديه بهذه السهولة؟ كيف استطاع هذا الملعون اقناعها ونزع قلبها الموشوم باسمه من صدرها لتدعسه بأقدامها .
زمجرة بصوت وحشي مرعب ، خرجت منه اثناء اندفاعه لداخل غرفته، يدفع كل شيء تطاله يداه، او أقدامه، حتى أنه القى بكوب الماء الزجاجي على المرأة ليتحطم مع الزجاج الذي تهشم، ليسقط بصورة افزعت شقيقته، والتي دلفت من خلفه لتلحق به، كي تسأله عن سر وجومه وتجهمه، بعد العودة من موعده الهام، لتلتصق بالحائط سائلة بجزع:
- مالك يا عمر؟ حصل ايه لدا كله؟
التف اليها بحدة هادرًا:
- بيجولي اتخطبت يا جميلة، وبيلومني عن سبب انتظاري سنين على ما اتجدملها، طب انا كان ايه بيدي؟ مش كنت مسافر، كنت بجمع الجرش اللي يكفيني بجوازي منها، صبرت خمس سنين وجات ع اليومين مجدرتش تستحمل.....
ابتعلت شقيقته تلتزم محلها لبعض الوقت ، تطالعه بصمت، حتى وهو يستجدي تأيدًا لم تطاوعها نفسها عليه، ليصرخ ضائقًا من صمتها:
- ساكتة ليه؟ ما تتكلمي، صاحبتك خدعت اخوكي وخليت بيه على اخر لحظة يا جميلة .
حاولت ان تهادنه بتردد:
- ما تلومش عليها يا عمر، دي برضك في الاخر ولية مكسورة الجناح، هي أكيد مغصوبة.......
- مش مغصوبة يا جميلة، وروح بالذات دونًا عن كل الحريم مش مكسورة الجناح، انا عارفاها اكتر ما انتي عارفاها، انا كنت متأكد منها .
قالت في محاولة لمجاراته؛
- طب ما يمكن يكون الكلام كدب، وهي مش مخطوبه ولا......
صرخ مقاطعًا لها:
- انا سامعها بوداني يا جميلة، وهي بتتكلم مع المحروس اخوها ع الشبكة اللي رايحة بكرة تشتريها مع عريس الهنا، واد عمها عارف، تصدجيها دي؟ عارف اللي فسخت خطوبتها منه وسابته مركون جمبها بالسنين عشاني، جاية دلوك تجبل بيه!
طب هي بتعمل كدة ليه؟ كانت بتعلب بيا مثلا؟ انا هتجن، نفسي اعرف ازاي ده حصل؟
توقف وصوت انفاسه التي تصعد وتهبط بقوة يصل لخارج الغرفة، ليُكمل بهياج:
- انا خدت جلم النهاردة مخدتهوش في عمري كله يا جميلة، اخوها يجولي جيت متأخر، ومفيش حاجة مضمونة في الزمن ده، مين اللي مش مضمونة؟ دا انا كنت ضامنها أكتر من نفسي.
نزل بثقله على طرف التخت يتمتم بصوت ضيف:
- انا كنت بعمل كل ده ليه؟ مش عشانها ، اخوها شغال يلوم فيا النهاردة عشان اشتريت اللي يسترنا ويعلينا وسط الخلج، هو مستكتر على حد غيرهم يملك ويكبر!
الى هنا وقد وضحت الصورة جليًا لشقيقته، حسب ما توصل اليه تفكيرها، لتتسمر محلها حتى استكان امامها وهدأ قليلًا، فتقدمت تخطو نحوه تتجنب خطواتها الدعس على الزجاج المكسور بصعوبة ، حتى وصلت اليه لتجلس جواره على طرف التخت تهون عليه:
- كل شيء نصيب يا واد ابوي، وبرضك احنا لسة متأكدناش.....
رفع وجهه الذي كان يدفنه بين يديه، ليردد خلفها بيقين سكن بداخله:
- لا انا اتأكدت يا جميلة، مش صوتها بس اللي خلاني اتأكد، نظرة اخوها ليا، كانت كلها كره وشماتة، بيحملني مسؤلية انها جعدت بسببي، طب ما هو انا جيت اها، وجيت وانا شايل ومحمل، جيت وانا عامل حسابي اجيبلها كل اللي بتتمناه، انا دلوك كدها وكد نسبهم، بيرفضني ليه؟ كيف عرف يقنعها تسيبني؟
اطرقت رأسها لتتمتم بأسى:
- بصراحة يا واد ابوي هو برضوا عنده حج، المدة طالت جوي
رمقها بأعين نارية كادت ان توقفها، ولكنها تجسرت هذه المرة لتبوح بما كانت تكتمه بصدرها:
- سامحني يا عمر ، بس انا ياما زنيت عليك تنزل ونخلص.....
- انا كان عندي الظروف اللي تمنعني يا جميلة.
هتف بها يجفلها بانفعاله، مما جعلها ترتد بجذعها عنه ، بخوف غريزي من هيئته التي توحشت أمامها وهو يتابع:
- محدش شاف المر اللي شوفته، هي صبرت بس كانت عايشة برنسيسة هنا وسط اهلها، انا دفعت تمن وصالها غالي جوي، وفي الاخر برضوا موصلتش.
ارتفع كفيها تلوح بهما امامه، مع اهتزاز رأسها بتشنح لتهادنه:
- خلاص متزعلش نفسك طيب، انا مصدجاك يا عمر ، مصدجاك والله.
- خلاص جومي
- ها
- بجولك جومي يا جميلة.
باغتها بصرخته حتى انتفضت من جواره على الفور، تنصاع لرغبته، ولكنها تذكرت الزجاج:
- طب دجيجة بس الم اللي في الأرض ده
- ملكيش دعوة بالزفت، اطلعي يا جميلة.
بصرخته الأخيرة خرجت على الفور، تتبع نفس طريقها الأسبق، بحرص، لتتجنب الإصابة، حتى اذا وصلت لمخرج الباب التفت اليه ترمقه بحزن ، تعلم جيدًا بحجم خسارته لعشق طفولته وحلم صباه، ولكنها لا يمكن ان تعفيه من الذنب فيما تسبب به لنفسه ولصديقتها.
ترى ماذا سيكون رد فعله حينما يحدث بالفعل ما يخشاه، وتصبح بالفعل زوجة لأحد غيره؟
❈-❈-❈
في اليوم التالي
تجهزت سليمة بعد ان ارتدت عبائتها، لتهبط الدرج في طريقها للخروج، وكانت المفاجأة، حينما وقعت عينيها على هذه الفتى المريب ، جالسًا بجوار جدته سكينة التي تتخذ مدخل المنزل في البقعة المشمسة ركنًا لها، في هذا الوقت من الصباح، والتي ما ان وقعت عينيها عليها ، هتفت تناديها :
- تعالي يا سليمة، دا مش حد غريب، دا مالك واد ولدي .
- هو محتاج تعريف دا انا عرفته من جفاه، شكلي بجيت موعودة بيه هو وابوه.
غمغمت بها داخلها قبل ان تتقدم لتخطو نحوهما بعد ان التف اليها ، مرددة بزوق:
- عرفاه يا مرة عمي طبعًا، هو انا هتوه عنه؟ منور يا مالك.
قابل ردها بزوق هو الاخر:
- دا نورك يا مرة ابوي، انا جيت بس اطمن على جدتي، اسف لو هزعجك يعني.
اومأت لتميل رأسها للاسفل بنظرة كاشفة ، لا تخلو من سخرية مبطنة، مرددة بعدم اسنيعاب، ان يخرج هذا الرد من ذرية شربات وفايز:
- تزعجني! .... لا يا ولدي مفيش ازعاج، دا بيت جدك ، وانت بتجول جاي تطمن عليها جدتك.
زاد من دهشنها حينما فرد كفيه على عظام صدره بتهديب مبالغ فيه يعبر عن امتنانه:
- تشكري يا مرة ابوي، ما دا عشمنا فيكي برضوا.
بالطبع اثار بفعله الحنين بقلب المرأة العجوز، لتدعمه بطيبتها تخاطب سليمة:.
- مالك باينه كبر وعجل جوي يا سليمة، ايه رأيك يجعد يتغدا معانا النهاردة.
بهتت لسذاجة المرأة، بأن تفتح امامها بابًا، قد يأتي من خلفه المصائب، وامام ترددها سبقها مالك بقوله:
- مفيش داعي للغدا يا جدة، عمتي سليمة لابسة عبايتها وشكلها طالعة،
ذكاء تعقيبه، لم يثنيها ان تحتج بفظاظه، تغلق الطريق من أوله:
- صح يا ولدي، انا فعلا ورايا مشوار، واكيد انت كمان وراك مشوار، مينفعش تتأخر اكتر من كدة لامك تجلج عليك ولا ابوك ياجي يدور عندينا، احنا مش ناجصين طلعته البهية.
اجفل مالك بردها الخالي من أي لباقة نحوه، ليتلجم عن معارضتها، امام حرج سكينة التي دمدمت تصلح له:
- معلش يا ولدي، هي بس خايفة من الفضايح والكلام والحديث ما انت عارف ابوك وعمايله.
اومأ رأسه على مضض يظهر تفهما لم تقتنع به سليمة والتي تحركت تغادر قائلة بعدم اكتراث:
- انا رايحة اشوف واد ولدي وأمه يا مرة عمي، هرجع ان شاء الله جبل الضهر عشان نتغدى مع بعض، منور يا مالك.