-->

رواية جديدة ميراث الندم لأمل نصر الفصل 23 - 2 الثلاثاء 21/11/2023

  قراءة رواية ميراث الندم كاملة 

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى





رواية ميراث الندم

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة أمل نصر

الفصل الثالث والعشرون

الجزء الثاني

تم النشر يوم الثلاثاء

21/11/2023

وفي مكان آخر 


وامام مراَتها كانت تلتفت يمينًا ويسارًا، لتتأمل جمال قدها بهذا الفستان الذي ترتديه مكشوف الذراعين،  والقصير حتى الركبتين بقماشه الملتصق بمنحانياتها، تنتشي داخلها بمظهرها، بعدما اطلقت شعرها الاصفر الحريري خلف ظهرها، وأضاف الحمرة والألوان الصاخبة لبشرة وجهها، لتبدوا وكأنها امرأة اخرى، امام تلك الجالسة تفترش التخت متربعة، وابنها الصفير  بحجرها ترضعه، حتى اذا التفت اليها تطلب رأيها:


- ها ايه رأيك بجى يا عزيزة؟ انا ولا اللي بياجوا في التلفزيون؟

تطلعت لها المذكورة بانبهار تجيبها بموافقة :

- ما شاء الله عليكي، لا طبعا يا ست فتنة، انتي احلى منبهم كلهم، دا كفاية الشعر الصفر ولا الدرعات البيضة زي الحليب،  دا انتي لهطة جشطة زي ما بيجولوا .


اطلقت فتنة ضحكة مدوية مائعة، وقد اطربتها كلمات الغزل، لتقترب نحوها بخطوات مائلة، تشاركها الجلوس على التخت،  واضعًا قدما فوق الأخرى،  تقول بزهو:


- والله كلامك دا ما جديد عليا، طول عمري حاسة بنفسي وعارفة اني استاهل دنية تانية غير الدنيا دي، وبلد تانية غير البلد دي، بس الحظ بجى، والجوازة الفجرية هي اللي كانت كابتة طموحي وكابسة على نفسي. 


ارتسمت الدهشة على وجه عزيزة ، تطالعها بعدم استيعاب، حتى خرج منها السؤال الملح:

- جوازة ايه اللي كانت كابسة على نفسك يا فتنة؟ انتي كنتي واخدة الكبير،  كبير العيلة والبلد كلها ، دا غازي الدهشان. 


رددت خلفها باستهزاء تقلدها:

- وافرضي يا ختي غازي الدهشان وكبير البلد والدنيا كلها حتى، ما انا برضك فتنة. 


قالت الأخيرة تترافق مع دفع الخصلات الكثيفة لشعرها للخلف، وهزه بكتف ذراعها تتابع في التمجيد بجمالها:


- ولا انتي مش واخدة بالك؟ انا مفيش مني في البلد كلها يا حبيبتي، يعني هو الخسران مش انا .


واصلت عزيزة بعدم تصديق:

- هو انتي مش زعلانة خالص يا فتنة؟ دا انا جاية النهاردة وحاطة يدي على جلبي لتكوني شايلة الهم ولا تعبانة بعد اللي حصل، وجال ايه جاية اخفف عنك


شهقة ساخرة صدرت منها لتردف بتعالي مرددة:

- أشيل الهم واتعب كمان؟! ليه يا حبيبتي؟  كنت ميتة في دلاله مثلاً؟ طب على ايه يا حسرة؟ دا كل عيشته نكد في نكد  ولا بيعرف يتحدت ولا يدلع زي باجي الرجال، ولا ممكن ابكي يعني على عشرته معايا؟ في داهية....... دا انا بكرة اتجوز سيد سيده، وهتشوفي بنفسك، لما يتحصر عليا العمر كله .


- العمر كله!

دمدمت عزيزة بذهول شديد،  لا تصدق هذه القوة التي تتحدث بها، هذه المتغطرسة والتي لا تفعل حساب أي شيء سوى نفسها.


- بصراحة يا فتنة، لو انا مكانك، وربي المعبود لكنت شيلت الطين، اهو عزب بيطلع عيني على أجل غلطة ويحاسبني حساب الملكين، وامي وابويا لو زمجت بس ساعة، في نفس اليوم بيروحوني غصب عني، وبكون كارهة، لكن بصراحة لما اعيد واراجع نفسي، بجول كدة احسن ، برضك الواحدة في بيتها مع جوزها ووسط عيالها تسوى الدنيا. 


كانت تتحدث بعفوية وبلاهة لم تتنبه اليها الا بعد لحظات، حينما رأت امتقاع وجه الأخرى، وهذا الشرر المنبعث من عينيها بغضب نحوها:


- الكلام دا يسري عليكي انتي يا ماما ، ابوكي وامك ما صدجوا خلصوا ورموكي في جفا واحد يشيل مسؤليتك انتي وعيالك، انما انا لأ يا حبيبتي، انا ابويا واجف دايما في ضهري،  ومبديني على كل اخواتي، انا اللي اتجلعت دونًا عنهم كلهم.


قاسية، ولا تتوانى عن جرح الآخرين، وقد اتخذت منهاج التجربح لكل من يحاول معها بنصيحة لا تتقبلها،  او التلويح عن خسارتها الفادحة، كما فعلت عزيزة، والتي شعرت بحجم غباءها، لتنهض فجأة تعبر عن رغبتها في الذهاب. 


- ربنا يخليهولك،  هو في أحسن من الأب برضوا، اما اجوم انا اشوف ورايا ايه؟

أدركت فتنة لتعمد الأخرى الذهاب بعدما بالغت بحدتها في الرد عليها، فتعمدت هذه المرة ان تناديها ببعض اللطف:


- ايه يا عزيزة، هو انتي لحجتي تجعدي، ولا احنا لحجنا نتكلم حتى، يا شيخة خليكي ونسيني شوية.


جذبتها من كفها تمنعها من النهوض، وتابعت تتملقها بالكذب:

- دا انا ما صدجت اشوفك يا بت، وحشتني الجعدة معاكي، وحشتني حكاويكي ودمك الخفيف يا مضروبة. 


ظهر تأثير الكلمات على ملامح الأخرى، وقد ارتخت تعابيرها ، لترد بعتب:

- ما انا كنت جيالك عشان كدة اصلا، بس كمان محبش اكون تجيلة على حد وبرضك اما احس اني غلطت بلم نفسي وامشي من غير كلام .


بامتعاض داخلها اجبرت فتنة نفسها على ترضيتها، فهي الوحيدة التي أصبحت تتحملها هذه الأيام، بالإضافة لغباء تفكيرها المناسب لواحدة مثلها، سوف تحتاجها كثيرًا في الفترة القادمة .


- انتي عمرك ما كنتي تجيلة يا عزيزة بالعكس،  وانتي عارفة اني بحبك من زمان، يعني حتى غلطتي، برضك لازم افوتلك عشان انتي صاحبتي.


كالعادة رضخت عزيزة في الأخير، تتجاهل غضبها منها، حتى تندمج في الحديث وتعود لأسئلتها الفضولية:

- بس انتي مجولتيش يا فتنة، جبتيه منين الفستان ده.


ضحكت الأخيرة تعود لزهوها السابق، تجيبها بتفاخر:

- جيبته من أغلى محل في مصر، طلبتهم عن طريج الانترت بعد ما شوفته وكنت هتهبل عليه، مجدرتس امنع نفسي ورحت طالباه وجالي عن طريج الشحن، بس ايه رأيك يستاهل صح؟


بتأمل مكشوف عبرت عزيزة عن دهشتها؛

- هو فعلا يستاهل، بس انتي شارياه ليه؟ دا مينفعش تطلعي بيه اساسًا  


- عارفة يا ختي.

تمتمت لتمصمص بشفتيها مرددة بغرور:

- بلد فجرية ملهاش في الموضة،  بس انا جيبته عشان ادلع نفسي يا حبيبتي، ولسة كمان لما تخلص العدة الزفت، هطلع واعيش حياتي بالطول والعرض، انا خلاص حصلت على حريتي .


المبالغة في الأخيرة جعلت عزيزة تزبهل بنظرها اليها لتعقب خلفها باستدراك:

- انتي بجيتي تتكلمي زي اللي بياجوا في التلفزيون يا فتنة .


- ايوه يا اختي، فاكراني مش مثقفة اياك، لا يا ماما،  انا مفتحة وعارفة كل حاجة في الدنيا. 


❈-❈-❈


من خلف الزجاج الداخلي للنافذة، وقفت على غير اردتها تتابع المشهد الغريب، غازي الدهشان الرجل المهيب، مرتديًا ملابسه رياضية العادية، مشمر البنطال حتى الركبة ، ويسابق الأطفال الصغار من أبناء نادرة ووجدان شقيقات روح، وبناته اللاتي أتين في هذا اليوم الاستثائي، لتعح الحديقة بصرخاتهم الصاخبة ،

وقد جمعهم جميعهم في فريق واحد، وهو ومعتز في فريق اخر، 


يناورهم ويدابعهم مع طفلها الذي كان ينطلق ويركض بتوافق معه يثير الضحكات من القلب، حركته الصغيرة مع الخطوات العملاقة من الاخر،  والذي كان يرفعه عن الارض في تسديد الضربات الناجحة بحصد الاجوال، في جولات عبثية هدفها هو الضحك وتقضية الوقت الجميل مع الأطفال، والذي بدا ولأول مرة امامها وكأنه طفل مثلهم، بهذه الروح الجديدة منه


وبعدما كانت تريد فقط القاء نظرة على طفلها، تسمرت تتابع وتبتسم لضحكاتهم وكأنها معهم تشاركهم الصخب الدائر في ارض الملعب، او أرض الحديقة على الأصح

الصفحة السابقة          الصفحة التالية