رواية روضتني 2 (الجزء الرابع من رواية ترويض الفهد) طمس الهوية -لأسماء المصري - الفصل 22 - الجمعة 3/11/2023
قراءة رواية روضتني 2 (طمس الهوية) كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية روضتني 2
(الجزء الرابع من رواية ترويض الفهد)
طمس الهوية
للكاتبة أسماء المصري
الفصل الثاني والعشرون
الجزء الأول
تم النشر يوم الجمعة
3/11/2023
❈-❈-❈
بعد ذلك اليوم الذى انتهى بتوديع العروسان اجتمعت العائلة من جديد، ولكن تلك المرة بمنزل مراد للاحتفال بمرور اسبوعا من زواجهما بتلك العادة المصرية القديمة، ولحسن الحظ لم يحضر أخوات فريدة من الرجال، فقط والدتها من حضرت كتقليد أن ذلك الاحتفال هو للسيدات في أغلب الأحيان.
دلف مدحت بعد أن فتح مراد له الباب فتفاجئ به ماهر الذي وقف يرحب به ويسأله:
-أنت الجيش بتاعك نقل في الشارع اللي ورا ولا ايه؟
أجابه مبتسما له بسماجة:
-لأ وأنت الصادق أنا كنت محوش أجازاتي عشان فرح مراد.
جلس الجميع بالبهو، السيدات بجانب يتسامرن والرجال بالجانب الآخر يتحدثون عن الأعمال والصفقة التي ربحها ماهر بحنكته الفذة وبمساعدة أخيه مروان الذي سهل له التواصل مع العالم الخارجي مما وسع دائرة معارفه أكثر وأكثر،
ولكن لا زال حمد يقع بنفس الخطأ الذي ربما وقع به سابقا عندما نسب تعب ومجهود ماهر لكل العائلة، وها هو يجدد خطؤه من جديد وتلك المرة بنسب مجهود مروان لماهر فقط:
-طبعا لولا ماهر والاختراع بتاعة مكناش ابدا وصلنا للاحنا فيه دلوقتي وبقينا الحمد لله قادرين نصنع شغلنا هنا في بلدنا، وعقبال ما نبطل نستورد المواد الخام وتبقى كلها صناعة محلية.
رد مروان بحنق:
-ودوري في الصفقة دي ملوش قيمة؟
رد حمد بعدم اكتراث:
-الشغل الحلو مش محتاج اكتر من فرصة عشان يوصل للي وصلناله، يعني دورك مينفعش يغطي على دور ماهر في الحكاية دي خصوصا أنه بقى له نسبة اسهم في المصنع بدل دوخة البنك والقروض اللي كنت عايز تورطنا فيها، يعني بعد عمر طويل ليا انتو هتورثوا في الشركة وجزء من المصنع مش كله.
التفتت رأس مروان ينظر لماهر بغضب وكره وحاول الأخير أن يصحح ما أفسده والده فهو أعلم الناس بداخل كل فرد من عائلته، وربما ﻷنه هو نفسه عاصر تلك الأحاسيس بالتمييز فعلم ما قد يشعر به الطرف الآخر:
-بالرغم من إن المشروع فعلا هو الأساس بس لا بالتمويل من عمي فارس ولا بذكائي وبراءة الأختراع كان هيوصل لمكانه كويسه إلا لما يتعرف بره مصر، والمشروع اتعرف بره بفضل مروان يا بابا ده بعد فضل ربنا طبعا.
في تلك الأثناء جلس مدحت متفرجا لا يحاول التدخل بشأن العمل فهو لا يعلم الكثير من تلك الأعمال سوى ما يسمعه من أبيه وأخويه المنوطين بمراقبة الأوضاع بالشركة وهو ما عليه سوى مد راحته ليستفيد ماديا مما تعب به أخويه.
تحرك بخطوات بطيئة وحذرة صوب جمع النساء وغمز بطرف عينه لزوجة أخيه لتلحق به بالشرفة ففعلت ووقفت تتحدث معه هامسة:
-عايز ايه يا مدحت؟ بلاش تعمل لي مشاكل الله يخليك.
لمعت عينه بالحزن وهو يسألها:
-معقول يا فريدة للدرجة دي احساسي مش فارق معاكي!
ردت وهي تتلفت وراءها:
-أنا خايفه من رد فعل ماهر و...
قاطعها ممسكا براحتها وضغط عليها بتسول:
-بلاش تجيبي سيرته وأنتي معايا يا فريدة أنا مش قادر.
ارتبكت ولكنها ارتدت قناع القوة:
-مش أنت السبب؟ قالك خدها وأهرب وأنت خوفت.
رمقها بنظرات متعجبة وهو يعقب:
-وأنتي رفضتي الاقتراح ده برده، خوفتي من أبوكي وأخواتك وجايه تحمليني الذنب كله لوحدي؟ أنا بموت كل يوم ميت مره وأنا عارف إن بيتقفل عليكم باب واحد حتى لو ملمسكيش أو بينام في أوضه تانيه، بس فكرة أنكم مع بعض لوحدكم ده بيموتني.
أطرقت رأسها تشعر بالخجل والتخوف من أن يكتشف أمرها وهو يعتقد أنها لا زالت كما هي ولم ينتهي حديثهما إلا بعد أن اقتربت دينا مبتسمة تقدم له مشروبا باردا وهي تسحبها من يدها:
-اتفضل يا مدحت العصير.
تحركت بفريدة بعيدا عن أنظاره وهمت بالحديث معها تحذرها:
-بلاش كده يا فريدة، ماهر شايفك من الصالون وقاعد على نار.
بكت وهي تشعر برأسها وقد قاربت على الأنفجار وارتعدت عندما وجدته يقترب منها رويدا رويدا وابتسم لزوجة أخيه:
-معلش يا دينا ممكن تجبيلي طفايه للسجاير.
أومأت وتحركت مبتعدة عنهما فالتفت ماهر ومسكها من ذراعها بقوة آلمتها وهو يصر على أسنانه:
-وأخرتها؟! أنا بعد اللي حصل بينا أظن خلاص بقيتي مراتي رسمي ومينفعش تعملي كده فدي آخر فرصة بديهالك لو عيزاني تمسحي مدحت تماما من راسك، ولو عيزاه أنا مش هقرب منك مرة تانيه لحد ما يحصل الطلاق.
ابتلعت ريقها وهي تسأله بوقاحة وكأنه من تسبب بذلك الفعل بمفرده:
-وهقوله ايه لما يعرف باللي حصل؟
ابتسم بزاوية فمه وهو يعض داخل خده غاضبا من سؤالها :
-ابقى قوليله اني اغتصبتك، هاتيها فيا فريدة لو ده هيريحك.
شعرت أنها تمادت قليلا وهو لم يخطئ بحقها منذ أن كانا طفلين؛ فاقتربت منه تضع يدها على وجنته وهي تبتسم معتذرة:
-أنا مش قصدي، أنا بجد مشتته ومش عارفه أنا عامله كده ليه.
رد وهو يضع راحته على كفها الملتصق بوجهه وتكلم بصوت هامس:
-قولتلك إن الحب بالعشرة والاهتمام والمعاملة الطيبة، واللي أنتي حساه ناحية مدحت ده لعب عيال، أنا اللي جوزك.
انحنى ليقبلها فتنحنحت دينا التي دلفت للتو تحمل بيدها مطفأة السجائر الخزفية وهي تحمحم:
-آسفه يا جماعه.
ابتسمت ووضعت ما بيدها على المنطدة وخرجت؛ فنظر ماهر في إثرها ليتفاجئ بمدحت واقفا يراقب ما يحدث وهو ينظر له بذهول ودهشة جعلته يتسمر مكانه.
نهجت فريدة بأنفاسها وهي ترى الشرر يندلع من عينيه وحاولت التحدث معه ولكن أوقفتها يد ماهر عن التقدم فاقترب هو منهما وسأله:
-هو أنت كنت مقرب منها كده ليه ممكن أفهم؟
رد وهو يتصنع الجمود:
-مراتي يا مدحت.
ابتلع ريقه بمرارة علقت بحلقه وسأله:
-مراتك إزاي؟ هو مش في بينا اتفاق ولا خلفته؟
لم يعقب عليه بل نظر لها وكأنه ينتظر أن تجيبه هي فلم تتحدث واختارت أن تفقد وعيها ربما هربا من تلك المواجهة التي لا تعلم نتائجها الوخيمة.
صرخ مدحت بأسمها هلعا:
-فريييدة.
انحنى ماهر على الفور يحاول إفاقتها وسط تجمع العائلة حولهما فاستمع لصوت مراد:
-هاتها على السرير يا ماهر.
حملها وتوجة ناحية غرفة أخيه ووضعها على الفراش فاقتربت دينا تحاول أن تسعفها وطلبت إخلاء الغرفة ففعل الجميع، فور أن خرجوا أمسك مدحت أخاه الأكبر من تلابيبه وهو غير عابئا بأحد:
-فهمني ايه اللي بيحصل أحسن أنا خلاص مش باقي على حد.
سحبه والده بعيدا عن عنق أخيه وهو يتسائل:
-ايه اللي بيحصل هنا بالظبط؟
رد مدحت وهو يرمق ماهر بغيظ وحقد:
-البيه أخويا عارف ايه اللي بيحصل، أنا اللي عامل زي الأطرش في الزفة و...
قطع حديثه خروج دينا مبتسمة وهي تنظر لماهر تطمئنه:
-الحمد لله فاقت.
اقترب منها بلهفة وسألها:
-مالها؟ عندها ايه؟
اتسعت بسمتها وهي تجيبه:
-بص أنا مش متأكده، بس غالبا كده مبروك.
لم يستعب حدثها فحرك رأسه بفضول وهي تتابع:
-أظن أنها حامل.
اتسعت حدقتي ماهر وابتسم رغما عنه وهو يقترب منها بلهفة ويسألها:
-بتتكلمي بجد يا دينا؟
أومأت وهي توضح ولا زالت ابتسامتها تتسع ﻷذنيها:
-أنا لو عليا عايزة أبعت أجيب تحليل دلوقتي ونتأكد بس خلينا بكره الصبح نعمل التحليل أحسن عشان يبان مظبوط.
وقبل أن تضيف أي حوار آخر صرخ مدحت وهو يسب أخيه بأبشع الألفاظ ويتهجم عليه لولا مروان الذي حال بينهما وأبعده عن طريقه يهمس له:
-بطل جنان، تعالى معايا.
ظل يصرخ وهو يقاد بواسطة مروان:
-يا ندل، هو ده وعدك ليا يا حيوان؟ أنا من انهاردة مليش أخ اسمه ماهر.
سحبه مروان وغادرا وأدخله سيارته وهو يدفعه دفعا:
-يا بني هديت حيلي أركب بقى.
جلس على المقعد وأطرق رأسه يبكي بقهر:
-خلف وعده معايا يا مروان، أكيد ضحك عليها و...
قاطعه مروان وهو يصر على أسنانه:
-ده بني آدم غبي وطول عمره بيمثل أنه كويس عشان يكسب تعاطف اللي حواليه، وأبوك مساعده على كده وفريدة دي هي كمان خاينه ومتستاهلش ولا دمعه منك.
رفع وجهه ناظرا له وهو يرفض اهانتها:
-لا يا مروان، أنا متأكد إن الحكاية فيها إن ﻷنها مستحيل تبعني بالشكل ده.
ضحك مروان على سذاجته وهو يوضح وجهة نظره:
-يعني يا مدحت لو حطينا قدام فريدة كفة فيها أنت شاب لسه فـ الجيش ولا معاه فلوس وله مستقبل والكفه التانيه فيها ماهر بفلوسه اللي عماله تزيد من غير حساب وحط عليهم موافقة العيلتين عليه فهتختار مين تقدر تقولي؟
زاد بكائه وهو يوبخ نفسه:
-قالي خدها وأهرب وأنا أساعدكم، ايه اللي خلاه عمل كده بس؟
رد الآخر وهو يضحك على سذاجته:
-والله أنت عيل أهبل، في كل الأحوال هو المستفاد يا اهبل، لو هربت فأبوك يغضب عليك ويستفاد هو ولو مهربتش يتجوز حبيبته اللي طول عمره عايزها.
رمقه بنظرة متعجبة لما تفوه به والآخر يضيف:
-ما أنت أصلك أهبل ومش واخد بالك، ماهر بيحب فريدة طول عمره وأنت يا غلبان كنت عامله المرسال بتاعك.
احتدت تعابيره وهو يستمع لصوت الزغاريد التي خرجت من منزل أخيه الأوسط ليعلم أن خبر حملها قد تأكد؛ فرفع رأسه ينظر من نافذة السيارة ليراها تقف بنافذة الغرفة تبكي وهي تودعه بنظراتها المهمومة.
❈-❈-❈
مرت السنوات ابتعد فيها مدحت تماما عن التجمعات العائلية حتى لا يتقابل معها، ولكنه تقرب من والده بنصائح من أخيه الداهية مروان الذي نصحه بمحاولة استمالة والده له فوافق الأخير على تعيينه كمدير للمصنع الذي تم انشاؤه لتصنيع الأجهزة المنزلية.
أما هي فقد فقدت والدها بعد أن وضعت مولودها بعدة أشهر وقبل أن يتم الصغير عامه الأول فقدت أخيها الأصغر بحادث مروع أسفر عن موته برفقة والدتها وهما متوجهان لمسقط رأسهما بالصعيد لزيارة قبر والدها؛ فأصبحت هي يتمية دون أبوين.
وبنفس الوقت اشتد المرض بحمد الفهد وظل يصارع المرض لسنوات وهو طريح الفراش فاستلم ماهر زمام العائلة والأعمال متحكما بكل كبيرة وصغيرة وأصبح يتدخل بكل شيئ مما أثار حنق أخويه بشدة وذرع الكره بداخلهما.
قررت اليوم وأخيرا أن تفاتحه بذلك الموضوع المؤجل بعد أن مر وقت لا بأس به من وفاه والدها، ولكن لا زالت مترددة من إخباره بقرارها فهو حتى تلك اللحظة لم ينقصها شيئا بل والأكثر أن تعامله معها بغاية الحب والرومانسية مما جعلها تبدو غير سعيدة بقرارها هذا، ولكنها قد فاض بها الكيل وأصبحت تمقت حياتها الممزعة بين قلبها الذي يعشق مدحت وبين عقلها الذي يختار ماهر الناجح بعمله وحياته وبين جسدها الذي يستسلم للأخير دون قيد او شرط أو حتى إدارك لما يحدث له بتلك اللحظات المسروقة على فراش الزوجية.
دلف مبتسما وأنحنى يقبل وجنتها وهو يهتف بسعادة:
-فريدة يا عمري، تعالي شوفي المفاجأة اللي عملتهالك.
وقفت مرتبكة وهمت بالتحدث، ولكنه لم يمهلها الفرصة فالتفت يسألها:
-فارس فين؟
ردت وهي تبتلع ريقها بتوتر:
-نايم، في ايه يا ماهر؟
سحبها من ذراعها وقبلها قبلة عميقة وأخبرها:
-عمي فارس بعت هدية لفارس لما عرف اني سميته على اسمه.
تجعد جبينها وهي تسأله:
-لسه فاكر! ده فارس قرب يتم السنه.
ضحك وهو يغمز لها فرحا:
-معلش كان مراعي ظروف وفاة والدك ووالدتك وقال يديهالي لما الأوضاع تتحسن شويه.
بللت شفتيها بطرف لسانها وسألته بفضول:
-طيب ايه هي الهدية؟
سحبها معه للصالة وقد وضع مجسم لمنزل كبير يحيطه الحدائق من كل حدب وصوب وعلى مساحة كبيرة ويظهر تصميمه الداخلي من أعلى وتقسيمات الغرف التي لم تستطع حصرها فتنبهت حواسها والتفتت تسأله:
-ايه ده يا ماهر؟
ابتسم وهو يجيبها:
-فيلا في أغلى مجمع سكني في مصر كلها، هو المكان لسه تحت الأنشاء وده ماكيت التصميم بتاعه، ها ايه رأيك؟
لم تتمالك نفسها وقد قفزت تتعلق بعنقه وتقبله قبل كثيرة بأنحاء متفرقة من وجهه وهو يسندها ضاحكا بصخب وهي تتدل عليه:
-أنا مبسوطه أوي يا ماهر، مبسوطه أوي أوي.
قرص خدها الأيمن بمشاكسة وهو يتغزل بها:
-ولسه يا روحي، بكره أجيبلك نجوم السما لحد عندك.
سألته وقد تغيرت ملامحها الواجمة ﻷخرى فرحة:
-هننقل فيها امتي؟
ضحك عاليا وهو يخبرها:
-لسه بدري يا روحي، الأرض تحت الأنشاء زي ما قولتلك ولسه يا دوب الفيلا مجرد رسم على ورق.
سألته بتجهم:
-يعني مش هنعزل فيها قريب؟
نفى وهو يوضح لها:
-مديينا ميعاد تسليم بعد سنتين بس متقلقيش أول ما تخلص هننقل فيها على طول، عمي فارس واحد من المستثمرين في المجمع ده ووعدني يسلمني اول ما تخلص.
انحنى يهمس بأذنها:
-وهكتبها باسمك كمان يا ديدو.