-->

رواية جديدة ميراث الندم لأمل نصر الفصل 18 السبت 4/11/2023

    قراءة رواية ميراث الندم كاملة 

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى





رواية ميراث الندم

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة أمل نصر

الفصل الثامن عشر

الجزء الأول

تم النشر يوم السبت

4/11/2023


بابتسامة منتشية تقلب في شاشة الهاتف، وتتمعن النظر بكل صورة على حدا، وابتسامة ثغرها تزداد اتساعًا، بل واحيانًا بالضحكات البلهاء غير مبالية بهذه المرأة التي تقف قبالها، يغمرها الزهو بمتابعة ردود ألأفعال المرتسمة على ملامحها، ودافع الطمع داخلها يزداد.

 

- هاا يا ست الناس، عجبتك الصوره صح؟ عشان تعرفي بس شطارة نفيسة، وانك لما اعتمدتي عليها، كان أفضل اختيار منك.

 

رفعت فتنة رأسها إليها بملامح تبدلت للإمتعاض، وقد فهمت مقصدها،  لتعقب لها بتقليل:

- ليه يا ختي؟ كنتي اتولدتي مصورة فتوسيشن من بتوع الايام دي؟ بطلي هويل يا نفيسة عشان مجلبش عليكي من أولها، دي حاجة اجل من العادية يا حبيبتي، اي عيل صغير هيلجط احسن منها كمان، فبلاش منها النفخة الكدابة دي.

 

- لا والله يا ست ما هي نفخة كدابة، طب بذمتك يا انتي، أنه عيل ده  اللي هتجدري تكلفيه بمهمة زي دي؟ دي حاجة واعرة جوي ، وتطير فيه رجاب....

 

تلفظت قولها بخبث استدركته الأخرى لتحدجها بنظرة نارية خطرة قادرة على احراقها حية، لتجعلها تنكمش على نفسها برعب جلي، تلجم فاهاها عن التفوه ببنت شفاه، حتى خرج صوتها بتهديد وشر:

 

- امسكي لسانك الحلو ده يا نفيسة، بلاش تخليه فالت زي سيرتك كمان.... لاحسن يجيبلك الاَذية وانتي مش ناجصة لط.

 

ابتعلت ريقها المذكورة، تُظهر طاعة ظاهرة، لتجنب نفسها شر هذه المجنونة والتي تابعت بلهجة اخف بعد ذلك:

 

- انا مش عايزة اخوفك مني، انا بس عايزة انبهك عشان تاخدي بالك، انما انتي حبيبتي الغالية، دا كفاية الحاجات الحلوة اللي جبتهالي دي، تستاهلي عليها مكافأة صح.

 

ارتخت معالم الأخيرة وسأل لعابها مع ذكر المكافأة، لتردف بتملق:

- صح يا ست الهوانم، انا عارفاكي طيبة وكريمة مع أي حد يخدمك، خصوصًا بجى لما يبجى الحد ده جايبلك الحاجة اللي بتتمنيها من زمان، ولا ايه؟

 

استجابت لها بنصف ابتسامة، لتعود للنظر في الشاشة، وقد اشتدت تعابيرها، تردد بحقد:

- الا من زمان، دا من زمان جوي كمان، المحروسة اللي عاملة نفسها الملكة المتوجة علينا في البيت، تأمر وتنهي والكل يطيع واكنها منزهة عن الغلط، واخدة حظها وحظ غيرها، واكن الأرض مجابتش الا هي، كبرت وهتعدي التلاتين وبرضك احسن فرص بتجيلها،  واد عمها اللي تتمناه أي بت في البلد، جاعد مربوط في انتظار اشارة منها، حتى بعد ما فسخت خطوبتها منه، ورفضته بدل المرة الف، برضوا جاعد مستني،  اخوها،  اللي اسمه جوزي، مكبرها عليا ولا اكنها اميرة في برج عالي، تعمل اللي هي عايزاه، وترفض على كيفها، وبرضوا صابر عليها، وجال ايه؟ واثق في رأيها،  عشان هي العاجلة المثقفة، اللي مفيش منها، وانا الجاهلة ام دبلوم ام عجل ناجص، طب اهي بانت على حجيجتها اهي، بجى في واحدة مأدبة تعمل كدة؟

 

- لأ طبعا يا ست الناس، هي اكيد اللي ضميرها عفش وياكي وعشان كدة ربنا ظهرلك حجيجتها، بس انتي هتعملي ايه دلوك؟

 

عقبت بها نفيسة بخبث، وقد اشتعل خيالها المريض، بمادة خصبة تبني عليها طموحها في كسب المزيد من الأخرى، والتي طالعتها بحيرة:

 

- مش عارفة، بس انا هموت واكشفها، أديكي شوفتي بنفسك، كد ايه هي لئيمة ومحدش بيعرف يمسك ذلة عليها، انا بجى عايز الكل يعرف حجيجتها، اعملها ازاي دي؟

 

اشرق وجه نفيسة، والتمعت عينيها بشغف لتخبرها بالحل الألمعي:

- دي حاجة ساهلة خالص عند محسوبتك، انتي بس اديني الاشارة وانا اخلي البلد كلها........

 

- لأ بلد مين انتي كمان؟

قاطعتها لتتوقف فجأة بتفكير:

- بصي...... عشان عايزاكي تفهميني زين....... انا غرضي اكشفها جدام العيلة، يعني يعرف جوزي، عمي يامن وولده عارف، ابويا واخويا، مش الأمر يتعدى الحدود أكتر من كدة، ما هو يعني مين في البلد دي تاني هيهمني يعرف ولا اعمله جيمة اصلا.

 

عضت نفيسة على باطن خدها من الداخل، تخفي حنقها الشديد من هذه المجنونة المتغطرسة، تذكر نفسها بالمال الذي تعشم نفسها بالحصول عليه منها. وهي على استعداد لفعل أي شيء من أجله:

 

- واللي يحججلك كل اللي جولتي عليه ده بالظبوط، تديلوا كام؟

 

تحفزت تجيبها بحماس أسعدها:

- اديلوا اللي هو عايزه؟.

تبسمت نفيسة باتساع وقد حصلت على مبتغاها:

- حلو جوي، يبجى احنا كدة اتفجنا.

 

--

 

في السيارة التي كان يقودها  رجله الامين، بسيوني، وقد احتل هو مقعده في الخلف، بعد عودته من زيارة هامة لأحد نواب مجلس الشعب في البلدة المجاورة، للتفاوض معه على إحدى الأمور الهامة بمصالح العائلة هناك قبل سفره، وقد تمكن من الانجاز معه في وقت قياسي، بفضل الخبرة التي اكتسبها من جده، في مرافقة الكبار ، فلابد من الاحترام المتبادل، وألا يستهين بأحد مهما كان وضعه.

 

رجل العائلة، هذا اللقب الذي حصل عليه من الجد الأكبر،  حينما قرر ان يخلفه في تحمل المسؤلية من بعده، متحديًا الجميع، وقد نجح هو في اثبات جدارته،  ليُخمد للأبد كل الاصوات التي كانت معارضة له في البداية.

 

أما عنه! ف أين هو؟ أين نصيبه من الحياة؟ فما فائدة الهيبة مع التعاسة؟ وما فائدة الترف المادي مع فقر الحظ؟ ليته ما قبل بقرار الجد، ليته ما وقع عليه الاختيار من الأساس، ليته اكتسب نفسه وسعادته، حتى لو كان فاشلًا امام الجميع.

 

قطع حبل افكاره فجأة منتبهًا على خروج إحدى النساء من الباب الخلفي للمنزل الكبير، لفت انظاره سرعتها في العدو واضطراب خطواتها، حتى شك في شخصيتها:

 

- بسيوني...... مش هي دي البت نفيسة برضوا ولا انا خربطت؟

بنظرة واحدة منه، عرفها الأخير، ليجيبه بتأكيد:

- لا طبعًا يا كبير مخربطش، هي نفسها مضروبة الدم، بعرجوب رجلها الناشف، ودي حد ما يعرفهاش برضوا؟

تلاجيها جاية تطلب حسنة ولا حاجة؟

 

- تطلب حسنة!

غمغم غازي باستغراب داخله:

- وايه اللي يخليها تطلع من الباب الوراني للبيت؟ مش مكديها الباب الكبير؟ اما عجايب دي والله.

 

--

 

في طريقه نحو باب المنزل الداخلي تفاجأ بها، اَتية أمامه من الجزء الخلفي للمنزل، تحمل بيدها ابنها الذي كانت مندمجة في مداعبته او المزاح،  لا يعلم، ولكنها كانت تضحك بملئ فمها، حتى ان وجهها البيضاوي كان مشرقًا، ونضرًا، وجميلًا بصورة مؤلمة، وهو لا ينقصه.

 

استجمع قوته من الداخل ليكمل طريقه محددًا الهدف  دون الالتفاف يمينًا أو يسارًا، فقد اتخذ القرار وانتهى، ليعود الى حياته، مكتفيًا بنصيبه مع زوجة فُرض عليه إكمال حياته معها، بفضل الرابط الواحيد الذي يجعله مواصلًا، فتياته الصغار، فليضحي براحة البال من أجلهن.

 

تخطى وكاد ان ينجح ولكن وبوسط المسافة وصله صوت الصغير الذي تعلم حديثًا بعض الكلمات على يديه:

- عمو.... يا عمو خازي.

توقفت قدميه دونا عن ارادته، عقله يأمره بالتحرك،  ولكن قلبه فرض القرار على باقي اعضاء الجسد، ليلتف نحو الصغير، متجنبًا النظر إلى والدته والتي اضطرت لإنزال ابنها الى الارض، بعدما اجبرها على ذلك، بمحاولاته العديد في التملص، حتى يركض نحوه وقد فتح له الاَخر ذراعيه، في دعوة تلقفها الصغير كالعادة وبكل ترحاب. 


تابع قراءة الفصل