رواية جديدة ميراث الندم لأمل نصر الفصل 18 السبت 4/11/2023
قراءة رواية ميراث الندم كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية ميراث الندم
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة أمل نصر
الجزء الثاني
تم النشر يوم السبت
4/11/2023
ضمه اليه باشتياق جعله يتنفس رائحته للحظات، قبل ان يرفع رأسه
يحيها بالإماء بذقنه كتحية عادية، قابلتها بالرد الروتيني، رغم
استغرابها جموده، لتواصل طريقها نحو استراحتها، تنتظر ابنها في الداخل، وقد
تجاهلها الأخر بالإندمداج مع طفلها، يعطيها ظهره عن قصد
التقط انفاسه اخيرًا، حينما سمع بصوت فتح وغلق باب الاستراحة، يعلم
الله كم الجهد الذي بذله ليعاملها بهذا البرود، ولكنه مع التدريب المستمر سوف
ينجح، لابد له أن ينجح.
جلس بالصغير متربعًا على الأرض، أسفل إحدى الشجيرات الكبرى بجانب
السور، غير عابئًا بمظهره ولا بتغبر ملابسه الباهظة، يتحدث معه وكأنه يفهمه:
- بس انت ملكش دعوة يا معتز، انتي حبيبي وصاحبي، وانا لو خلفت عشر
ولد هتبجى انت اغلاهم، سامعني يا باشا، اغلاهم.
❈-❈-❈
حتى وبرغم مرور يومين على مجيئه، ما زال المنزل مزدحم بالأفراد من
البشر التي تأتي وتذهب دون توقف، للتهنئة بعودته، لقد تمكن من الخروج بصعوبة منذ
ساعات والاَن؛ لا يعلم كيف له يدخل بحالته المزاجية السعيدة هذه لينغص على نفسه
بتحمل هذا او ذاك من مدعي المحبة الجديدة عليه، لذلك تحركت قدميه على الفور وبدون
تردد ليدلف المنزل من الباب الأخر،
بفمه كان يُصفر انغامًا لأغاني يعشقها، يضع كفيه في جيبي بنطاله
وكأنه عاد مراهقًا، ابن الثامنة عشر،
- اول مرة تحب يا قلبي، هي دي اول مرة برضوا يا عمر؟
عقبت بها جميلة ضاحكة، وقد فهمت على كلمات اللحن الذي كان يدندنه،
لتنهض عن العمل الذي كانت تقوم به في تنظيف الطيور الذي تم ذبحها وسلقها بالماء
الساخن، لتجهيزها في وجبة الغداء،
وتابعت بخبث غير ابهة بنظرات الفتيات من ابناء شقيقاتها الاَتي كن
يساعدن معها:
- ياريتها جات الطلعة الحلوة دي من اول ما وصلت، عشان نشوف الوش
المنور ده.
جلجل بضحكته حتى مالت رأسه للخلف، ثم داعبها يلاعب حاجبيه أمامها بعبث
جعلها تشهق فاغرة فاهاها بشغف، لا تطيق الصبر على المعرفة، فطالعته باستفهام تسأله
بخفوت:
- ايه؟ انا عايزة اعرف الأخبار.
هم ليزيد بمناكفتها، ولكن اوقفه الصوت المفاجئ لهذه الفتاة التي
اقتحمت منادية:.
- خالة جميلة انا جيبت فروجتين.
اجفل عمر برؤيتها امامه مباشرة، تحمل بيدها دجاجتين، مخاطبة شقيقته
بلهفة، وابصارها منصبة عليه:
- خليت الفرارجي وزنهم بالمظبوط عشان ميضحكش عليا في التمن .
بهت امام تحديقها المباشر به وتسمرها امامه، حتى ود ان يسألها، ان
كانت تريد منه شيئًا، ولكن منعه تدخل شقيقته والتي اقتربت تتناول الدجاجتين، مربتة
على ذراعها بحزم:
- براوة عليكي يا هدير، شاطرة يا حبيبتي، روحي ياللا ساعدي البنتة
هناكة، عندينا عزومة كبيرة لناس حبايبنا جم عندنا النهاردة في زيارة عزيزة .
حينما ظلت على تصلبها، شددت جميلة لتدفعها دفع:
- يا للا يا حبيتي اتحركي، ربنا يرضى عننك.
استفاقت اخيرًا لتردف لها بلهفة وهي تحرك قدميها بصعوبة:
- من عنيا يا خالة جميلة، من عيوني الجوز، انتي تؤمري، هعملك أحلى
طبيخ.
كانت تردد بالكلمات ورأسها ما زالت ملتفة للخلف، حتى كادت ان تصطدم في
الجدار الفاصل بين المطبخ المفتوح والردهة، ولكنها لحقت تتجنبها، قبل ان تأخذ
مقعدها بجوار الفتيات، وتساعدهن في نزع الريش عن الطيور.
ليُعقب عمر بابتسامة ملوحًا بكفه امام شقيقته:
- مالها دي؟
ضحكت جميلة تجيبه:
- عيلة يا عم ما تخدش عليها، مش عارف انت عمايل البنتة في السن
ده؟ المهم بجى خلينا في اللي احنا فيه، عايزة اعرف كل الاخبار، فرحني وبشرني
بالجديد.
❈-❈-❈
بهمة ونشاط غير عادي، غلقت له حقيبة السفر التي حشرتها بالملابس
المختلفة، لتناسب جميع الاوقات معه في الأيام اللي سيغيب بها، وبنفس السرعة دنت
تتناول الحذاء تلمعه جيدًا، وتتحدث باهتمام جديد عنها:
- خلي بالك يا غازي، اوعى تنسى انك تتصل وتطمني عليك، مع اني شايفة
انك تأجل للصبح احسن، اصل سفرك دلوك، معناه انك هتوصل وتشتغل على طول وانت اساسًا
هلكان من مشوار نايب الزفت اللي جمبينا، ودا تعب عليك يا حبيبي
- حبيبي.
غمغم بها، غير مستسيغًا اللفظ منها، وقد تفوهت بها اثناء الكلام وكأنه
شيء عادي، مالها اليوم مختلفة عن كل يوم .
نفض رأسهٍ ليعود لمراَته يمشط بالفرشاة على الشعر المبتل، بعد
استحمامه، حتى اذا انتهى وجلس ليرتدي حذائه، وجدها تجلس ملتصقة به، قائلة بنعومة
واضعة كفها على عظم كتفه:
- اوعي تكون لساك شايل مني يا غازي، انتي عارفني، بجوم بجوم،
وانزل على مفيش، دا انا هبلة واللي في جلبي لساني ودا اللي بيخلي الناس تفهمني غلط
.
ضيق عينيه بريبة يريد توضيحًا أكثر:
- عايزة ايه يا فتنة؟ جيبي من الاخر، ميعاد طيارتي على وشك.
ابتعلت تظهر امامها الارتباك، لتردف بأسف:
- انا بصراحة مش جادرة انام من امبارح، حساك زعلان
ومولي وشك عني، من ساعة يعني.... ما فضفضت جدامك بالكلمتين بتوع
نادية، وجوزها المرحوم.....
- خلااااص.
قطع بحزم يوقفها من البداية حتى لا تعاود الخوض في نفس الحديث.
- جفلي ع الموضوووع...... مش عايز نص كلمة تاني.
ولدهشته وجدها تومئ بطاعة وانصياع:
- امرك يا حبيبي، انا بس كنت عايزة اعرفك اني حاسة بالندم..... لأن
مهما كان يعني، محدش يجيب سيرة الميتين بحاجة عفشة، حتى لو كان الأمر يخص ناس
عايشة متستاهلش.
بعبارتها الأخيرة وفهمه لمقصدها، غزت ابتسامة ساخره ثغره، فقد اطمئن
الاَن ان من يحدثه هو زوجته، وقد ظن لوهلة انها تبدلت لمرأة أخرى لا يعرفها، ولكن
عقله اليقظ سرعان ما تحركت به الظنون، ليردف محذرًا:
- اسمعي يا فتنة، مش عايز اعيد ولا ازيد في الكلام من تاني، عايز
اسافر وارجع في هدوء، لا اسمع عن مشاكل ولا أي حوارت....
- خبر ايه يا غازي؟ ما انا بكلمك اها وبجولك اني اسفة، وليكي عليا
يا سيدي، البت دي لو شتمتني حتي ما هرد عليها، ما هي مهما كان برضوا ضيفة
عندنا، وانا عشان عيونك اتحمل.
ذوى ما بين حاجبيه بتوجس حقيقي هذه المرة، يطالعها بشك، وشيء من
عدم الارتياح يتسرب داخله، انثي ناعمة وتلاطفه بكلمات الحب! هذه ليست فتنة
❈-❈-❈
- غازي.
هتفت توقفه فور هبوطه الدرج، من طابقه الثاني، بعد انتظارها له على
احر من الجمر، من وقت عودتها وعلمها باستعداده للمغادرة،
حينما انتبه، والتف اليها باستفهام، أجابته على الفور:
- عايزاك في كلمتين.
تبسم بمرح يلوح له بالساعة الملتفة حول رسغه:
- كلام ايه يا محروسة دلوك؟ ميعاد الطيارة جرب .
- هما دجيجتين بس، والله ما هزود، اصلهم كمان مينفعش
يتأجلوا، ارجوك.
هتفت بها بالحاح أجبره على النزول لرغبتها ، حتى سحبته معها داخل
غرفتها لتخبره على عجالة بطلبها.
- عريس ليكي انتي؟ كيف يعني؟
سألها قاطبًا بعدم فهم، فخرج ردها بحماس:
- ايوة عريس يا غازي، اخته كلمتني من شوية، وجالتلي على طلب اخوها،
بس انا بلغتها ان انت مسافر، راحت هي مشددة انها لازم تيجي تزورنا هي وامها عشان
يجابلوا جدتي على ما جيت انت من السفر.