-->

رواية جديدة عقاب ابن البادية لريناد يوسف - الفصل 9-1 الأربعاء 13/12/20234

 

قراءة رواية عقاب ابن البادية كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




قراءة رواية عقاب ابن البادية

 رواية جديدة قيد النشر

من روايات وقصص 

الكاتبة ريناد يوسف


الفصل التاسع

1

تم النشر يوم الأربعاء

13/12/20234


انتفض محمود  وهو يسمع الكلمات التي همست له بها عايده ورد عليها وهو يجز على اسنانه انت اتجننت يا عايده انت هتعملي زيهم هتبقي مجرمة هتقتلي هتزهقي نفس

ردت عليه عايدة بنفس نبرته ونفس اسلوبه وبغضب مستتر وراء ملامحها التي تمثل الثبات:

- لو هتسميه جنان يا محمود اعتبرني اتجننت اتجننت لما بحاول ادوق اللي اذاني زعلتي من نفس الكاس اللي بيشربنا منها اتجننت لما بحاول اخذ طار تعبك في الايام اللي فاتت ووجع قلبي عليك وخوفي وقلقي ورعبي احسن تجرالك حاجه واخسرك..

 اتجننت لما بحاول ادوق الاخ من اللي بيعمله فأخوه.. انا لو اتجننت زي مابتقول كنت قتلت واحد من عيال يحي وعلى وشك قتل التاني.. انا متجننتش يامحمود وعاقلة جداً.

 

ولو فيه حاجه غلط ومش منطقية فهو موقفك وسلبيتك وانك مخلي اخواتك فبيتك وجنبك وانت عارف انهم تعابين متربصين بيك وبأولادك وفلوسك.. ومتقوليش عدوي اقرب من صديقي ولو بعدو هيأذوني اكتر والكلام الفارغ ده.. لاني بصراحة مش مقتنعة بيه ولا هقتنع مهما حاولت تقنعني.

 يااخي دا كفايه الواحد يتنفس هوا نضيف بعد مايمشوا داانا حاسه اني بتنفس هوا مليان غل وكره منهم.

 

صمت محمود ولم يجد مايقوله لها، فكل الحق معها وهو نفذت حججه واقاويله، ولكنهم وصية ابيه وأمانتة التي أؤتمن عليها، لقد طلب منه ابيه وهو على فراش الموت الا يفترق عن إخوته او يتركهم مهما حدث،

واخذ منه عهد بذلك، وعلى الرغم من أن اذيتهم له تنقض جميع العهود..

الا انه لازال يعطيهم الفرص، حتى إذا وقف امام والده يخبره بأنه لم يفرط في امانته بالرغم من انها دمرته، ولازال لديه أمل أن يتغير فكرهم وتتبخر المياه التي إختلطت بدم الاخوة  داخلهم وغيرت تركيبه ومواصفاته.

 

هو يعلم جيداً ان كل هدفهم النقود في الوقت الحالي، ولكن مايحركهم نحو النقود هو الحقد والغل والغيرة منه ومن علمه ومكانته، وكل هذا لن يبارح قلوبهم حتى وإن استولوا على جميع مامعه،

فمشكلتهم الاساسية في شخصه لا في أملاكه.

يحيى منذ الصغر وهو يضع نفسه في مقارنة دائمة معه ويقيس حياته عليه، ومع كل اختلاف وتميز لصالح محمود يزداد الكره والحقد.

كان يعتقد محمود ان عند موت ابيه سينتهي كل شيئ، وأن تفضيله لمحمود هو السبب، ولكن للاسف ترحل الاشخاص وتعيش الأسباب.

 

نهضت عايدة من جانبه وتركته وصعدت لغرفتها وأغلقت الباب عليها، وأخرجت صورة ابنها الراحل وإبنها المنفي ووضعتهم أمامها واخذت تبث لهم الشوق والحنين فى صورة عبرات وتطلب من الله الصبر بمقدار ما فى قلبها من حزن.

 

أما محمود فأخذ يراقب اخيه وهو يتلوى أمامه من ألم معدته ولا يستطبع الانكار بانه رغم عدم رضاه عن تصرف عايده، الا أن هناك شيئ بداخله يشعره بالراحة ولذة القصاص، حتي وإن كان أخاه، فهمس له وهو ينهض ليخرج للحديقة ويتركه غارق في ألمه:

 

- دوق يمكن ترحم لما تحس بالألم.. كنت مستني عدالة السماء فيك، بس للأسف عدالة السماء في احيان كتير بتتأخر لحكمة.. ولازم نلجأ لعدالة الارض لو مقدرناش نصبر..ورغم اني مغلط عايده لكنها بردت ناري، بس برضو مش هخليها تكون مجرمه زيكم ولا انا هكون زيك يايحيي هفضل طول عمري احسن منك وعند حسن ظن والدي بيا وبرضوا هقابله وهقف قدامه وانا احسن منك وهيكون فخور بيا زي ماكان طول عمره.

 

جلس في الحديقة طويلاً يتأملها ويستعيد ذكرياته فيها، فهنا جلس يشاكس زوجته وهنا جلس يلاعب ابنه البكري وهنا حمل صغيره آدم وتمشى به في اوقات مرضه وهنا ذكرى وهنا ذكرى، ولما هاجت عليه الذكريات فر منهم هارباً لاحضان عايده لتصبره عليهم.

 

طرق الباب وتعجب علي إغلاقها الدائم للباب مؤخراً، وحين دلف وجلس بجوارها نظر لها معاتباً ولم يتفوه بحرف، فإقتربت منه واخذته بين احضانها، فهي تعلم أنه اتى أليها محتمياً لاجئاً ولا يوجد عنده طاقة لتحمل توبيخ أو لوم.. فيكفيه مايعانيه ولتبقى الامور كما هي وستنتظر لترى ماذا تخبئ لها الايام، فكثرة التفكير والتدبير لا تجدي وقد خُطت في الغيب الاقدار منذ وقت طويل.

 

مرت الايام سريعاً حتى اصبحت شهوراً، وحان وقت إنتقال قصير مع آدم للمرحلة التالية..

فذهب للحضر وغاب نهاراً كاملاً، ثم عاد ومعه اشياء غريبة على اهل البادية.. مولد كهربائي يعمل بالوقود، وأسلاك وحقائب واثاث..

 وبعده اتت سيارة كبيرة تحمل طوباً حجري ومواد بناء ورجلان.. وقاما على الفور ببناء غرفة بجوار خيمة الشيخ منصور على اعين الجميع ونظراتهم المستغربة!؛

فالبناء ليس من عاداتهم، فإن لم يستمعوا لصوت الرياح يقاتل الخيام وينهرها ليلاً لا يغمض لهم جفن،

فمن ذا الذي قرر ان يستغنى عن حريته وينعزل وراء الجدران لايسمع حفيف الرياح ولا اصوات الصغار ولا يستمع لكل دبة تدب على الأرض من حوله؟

 

كان قصير هو من يباشر كل شيئ، وفي هذا اليوم لم يكن الشيخ منصور في البادية فقد دُعي الي وليمة عند شيخ قبيلة أخرى ولبى الدعوة، وعاد في نهاية اليوم ونظر لما يقوم به قصير وتبسم برضى، ثم اقترب منه وسأله:

يعطيك العافيه ياقصير.. قولي جبت كل اللازم؟

قصير:

-كل شي حاضر ياشيخ.. كل اللي قالوا اعليه اشتريته وذدت اعليه من حداي اثاث للغرفه.

منصور:

زين زين.. ثم نظر لآدم وبقية الأولاد الذين ينقلون مواد البناء ويساعدون العمال بسعادة عارمة وكأنها لعبة جديدة يلعبونها، ثم اردف وهو يناظر البناء:

سوي فيه بيت راحه وخلي يشبه الحضر بكل شي، وحطله صندوق الدنيا وسرير وماتخلي الكهربا تنقطع عنه.. هو الحين تعلم على حياة الباديه وعيشة الصحاري، بس ما ودنا ينسى عيشة الحضر..

ووقت يرد لهله نريده  يكون  مثلهم، مو يكون وسطهم متل غريب تايه مايدري لعيشتهم ولا يعرفلها..

 

 من الحين يبدا علام الحضر، وتاخدا معك بكل مره تنزل فيها الحضر وتعودا عالبيع والشرا والفصال وتعلمه عالجساره، وتخلي عقله عقل تاجر يعرف يجيب القروش من بطن الصخر.

قصير:

- تأمر ياشيخ كل اللي تريده بيصير واكثر بعد.

غادر منصور لينضم لبقية كهول القبيلة ويفسر لهم مايحدث، فهذا من محدثات الامور عليهم ولن يرضوا إلا بتفسير من شيخهم نفسه.

 

وفي اخر اليوم ارسل الشيخ منصور لآدم فأجلسه أمامه وتحدث معه بجديه:

إسمع وليدي.. البناء هاد الك.. بيتك او خلي نقول عزلتك اللي راح يكون فيها كل اللي تعتازه لحياتك القادمه.. عمك قصير جابلك الشي اللي يديرون منه شغل وجابلك صندوق الدنيا اللي الناس تطلع تحكي فيه وجابلك موتور كهربا وكتب واغراض للدراسه ومن غدوه راح يجولك معلمين يبتدوا معك من وين ماوجفت علام..

وراح تروح وقت  مواعيد الاختبارات تختبر وترد وتاخد شهايدك من وانت بالباديه.. اوراقك كلها اتنقلت لمدرسه ببلد بعيده ماحد يتوقع انك تكون فيها ولا حد يعرفها من الاساس ووقت الاختباراا بياخدك  عمك قصير تختبر وترد وياعين ما نضرتي شي.

 

كان آدم يستمع وفهم اغلب الحديث، وود لو يسأله هل هذا كل شيئ.. هل اصبحت هذه حياته ولن يعود لحياته القديمة، هل اصبح يتيم الام والأب وسيعيش وحيداً ويدرس وحيداً وستنقضى الأيام دون أن يرى أبواه مرة أخرى، دون ان يخبره احد بسبب تخليهم عنه ويخبره بالخطأ الجسيم الذي ارتكبه وجعل الام والأب يتخليان عن وليدهم وهو لم يسمع بشيئ مماثل من قبل؟

 

نكس رأسه وغادر المجلس وتوارى خلف خيمة واخذ يبكي بحرقة حتى وصلت شهقاته الصغيرة لآذان مايزه وهي تغزل الصوف بجوار خيمة عوالي، فنهضت لتتقصى الأمر فوجدته الغريب يبكي بحرقة لم ترى طفل يبكى بها من قبل. رق قلبها على حاله وهمت أن تذهب اليه لتهدى من وجعه، ولكنها وجدت أن تأتي من الشيخة معالي أفضل.. فذهبت لخيمة عوالي واخبرتها بحال الطفل.. فخرجت عوالي له على الفور، وما أن رأته حتى تقدمت منه واخذته في احضانها الدافئة، وما كان من إحتضانها له إلا انه ذكره بحضن أمه ودفئه فبكى اكثر حتي شعر بأن قلبه سينخلع من مكانه.

 

اخذت عوالي تمسد على شعره وهمست له مواسية:

ياوليدي بطل بكا، الحال مو متل ما مفكر، بعرفك تنوح على بوك وامك وتلومهم لانهم تركوك، بس مافي شي من دون سبب، وبس تكبر شوي راح تعرف وتفهم كل شي،

بس الحين حتى ولو انقالتلك كل اسباب الدنيا ماراح تقتنع فيها، لأن عقلك لساه اصغير وماراح يفهم الا الوجع اللي حاسس بيه..


الصفحة التالية