رواية جديدة عقاب ابن البادية لريناد يوسف - الفصل 14 - 1 الإثنين 18/12/2023
قراءة رواية عقاب ابن البادية كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
قراءة رواية عقاب ابن البادية
رواية جديدة قيد النشر
من روايات وقصص
الكاتبة ريناد يوسف
الفصل الرابع عشر
1
تم النشر يوم الإثنين
18/12/2023
نظر آدم للمرأة الجالسة ثم نظر الي الشيخه عوالي مرة اخرى وقبل أن يعيد عليها ماسمع تداركت خطأها وصححته سريعاً:
سلم على امك ام سعيد ونادي على سالم وباقي الشبان يسلمون اعليها هي رفيجتي وفمقام اختي ولما حكيتلها عنك قالت ودي انسلم اعليه وانشوف بعيني اللي خطف قليب اختي ورفيجتي ومحبته واصله عندها للغيم
تبسم آدم ومد لها يده مصافحاً وهو يقول:
.مرحبتين هلا وغلا برفيقة الغالية..
أما عايده فمدت اليه يد ترتعش من فرط ماتشعر به من احاسيس ومشاعر تتلاطم داخلها تلاطم الأمواج.. نظر هو بغرابة ليدها المرتعشة قبل ان يضع يده فيها، فقد كان ارتعاشها ظاهراً، وبمجرد أن تلامست ايديهم شهقت المرأة وسريعاً اسرت يده بين يديها واخذت تقبلها مرة بعد مرة، سريعاً وبلهفه، وكم تمنت الا يكون هناك حاجز بين فمها ويده فتشعر شفاهها بملمس يده وحرارة جسده.
أما هو فكان ينظر اليها بغرابة غير مدرك لماذا تفعل معه هذه الأفعال، فنظر للشيخة عوالي يطلب منها تفسيراً، فردت عليه سريعاً:
-اعذرها ياوليدي امك مريضه وكمان عندها وليد وحيد غايب سافر بره لبلاد يدرس فتلاقي قليبها رجيج عالوليدات.
تبسم آدم بتفهم وبدأ بعدها يسحب يده من بين يدي المرأة وهو ينظر لعينيها اكثر، ولا يعرف لم هذا الشعور الغريب الذي إنتابه فور رؤيتهم يفيضان بالدمع، لم اشفق عليها جداً ومم؟ ولم اجتاحته هذه الرغبة العارمة في احتضانها الآن والتخفيف عنها.. لم كل هذه المشاعر الغريبة تجاه هذه المرأة الغريبة؟
تنهد وهو لا زال واقفاً لا يعرف لماذا لا يرغب في الرحيل من جوارها، وبنفس الوقت لا يستطيع المكوس معها اكثر وترك ضيوفه وعدم القيام بمضايفتهم بنفسه..
فغادر بعد أن إستأذن منهم، وذهب للقيام بواجب الضيافة وارسل لها سالم ورابح وبعضاً من الاولاد لتسلم عليهم، ووقف يراقب من بعيد هل ستفعل معهم مثلما فعلت معه ام لا، ولكنها لم تفعل، وكان سلامها عليهم عادياً عابراً خالياً من أي مشاعر!
فزاده هذا عجباً فوق عجبه، فإن كانت تشتاق لإبنها وتراه في كل الأولاد لماذا تكيل بمكيالين إذاً؟
ظل طوال السهرة يختلس النظر اليها، وكلما فعل وجدها تنظر اليه، ويكاد يقسم ان عيناها لم تبارحاه لحظة واحدة، فقرر ان يزيل العجب بالاستفسار والتوضيح من لسانها، ولكن ليس الآن، فالآن سامره وحفله وفرحته التي يجب اغتنام كل لحظة فيها، فقام يشارك الصبية في الغناء والرقص البدوي، وعلى وقع خطواته كانت تتراقص القلوب، ليس كل القلوب ولكن القلوب المحبة فقط.
انتهى الحفل تقريباً.. اكل الجميع من وليمته حتى شبعوا وبدأوا في الإنصراف، لم يتبقى سوى القليلين واهل البادية.. والغريبين.. الرجل وزوجته.
إستغل أن الشيخة عوالي إبتعدت عن المرأة فتسلل اليها خلسة وهو يحاول عدم لفت الانظار، أما هي فوقفت حين رأته يقترب منها وانتفض قلبها.. هل عرفها؟ هل شعر بها.. هل قلبه حدثه بأنها أمه؟ أم مالذي أتى به اليها مرة أخرى؟
وقف على مقربة منها، ونظر لعينيها المثبتتان عليه ونظر ليداها التان تحاولان الاختباء في بعضهما من فرط التوتر، فسألها دون تردد:
- منو انت، ويش فيكي، أحسك عندك شي، أحس أمورك غريبه، ماعرف ليش هكي حسيت، بس اعذري فضولي وجاوبيني، ليش عيونك مافارقوني ومحاوطاتني طول الليل، وليش احس بيهم حكي كتير؟
وليش احس اني اعرفك وريتك من قبل مرات واجدة.. وين وامتى ماادري بس هاد شعوري!
حاولت عايده التحكم في الصوت الذي يصرخ بداخلها ويخبرها بأن تلتهمه الآن داخل أحضانها وتخبره انها أمه وان هذا الحضن هو بيته، وأن هاتان العينان هم من سهرا يحرسانه ليالٍ طوال ومنذ افترق عنهم فارقتهم الحياة وهذا سبب الحزن الذي يراه فيهم.. همت أن تخبره بأنها طفلها الذي فرقها القدر عنه.. ضعفت وهي تنظر لعينيه المترقبتان لما سيخرج من فمها، ضعفت وهي ترى الهواء يداعب خصلات شعره الطويلة وياتي بهم على عينيه وأرادت ان تزيحهم بيدها كما كانت تفعل وهو صغير حتى لا يضايقه شعره، شعرت بأنها لا تقوى على المقاومة ولا تستطيع الوقوف أكثر وأن قدماها باتتاً رخوتين لا يستطيعان حملها اكثر وارادت الاستناد عليه وأن تشعر بأنه عكازها القوي الذي ادخرته للزمن كما تفعل جميع الأمهات..
رفعت يدها التي ترتعش وامسكت بطرف نقابها كي ترفعه وتخبره بأنها امه وتهد جميع المعابد الآن وليحترق مايحترق، ستأخذه وتذهب به بعيداً الآن.. لن تعود للقصر ولا تريد من الدنيا شيئ سواه.
وما ان شرعت في رفع النقاب حتى وجدت يداً تمنعها عن ذلك، فنظرت اليها وإذ بها عوالي تنظر لها بحدة وقالت لها بتحذير:ايش فيكِ
- مايجوز ياخيه مايجوز، الوليد مانه صغير.. لوليد بالغ الحلم.. ثم اكملت وهي تشعر بأن عايده تنهار.. لسه ماآن الآوان لا تخربينها.. بس هانت ووليدك راح يردلك عن اقريب وراح يطفي شوقك.. وانت ياعقاب امشي بعيد عنها، بس شافتك تذكرت وليدها فيك منا ملامحك تشبهه وااجد، صحيت بيها الحنين لضناها، عدي ياوليدي.
هم ان ينصرف وهو لا يزال غير مقتنع بكل ماقالته الشيخه عوالي، فأوقفته السيده بأن اطبقت يدها على معصمه ودون ان تتفوه بكلمة واحدة واخرجت من بين طيات ملابسها علبة صغيرة باللون الازرق ومدتها اليه.. نظر للعلبة ونظر لها، وبصوت يرتجف قالت له:
- هدية نجاحك.. مبروك وعقبال شهادة الجامعه.
نتر يده منها سريعاً بمجرد أن سمع صوتها وكان برقاً ضرب أوصاله.. ماهذا الصوت المألوف، ماهذه النبرة التي جعلت القشعريرة تسري في قلبه، ماقصة هذه المرأة، هذه المرة هو من سيكشف عن وجهها ويعرف من هي، لن ينتظر، فهم بفعل هذا ولكن هذه المرة يداً اخرى هي ما اوقفته، كانت يد قصير الذي اتاه مهرولاً حينما انتبه للموقف، ومن بعده اتى الشيخ منصور مع محمود.. واستمع الجميع لقصير وهو يقول لآدم موبخاً:
- الله يخذيك ياعقاب ويش تفعل.. تكشف ستر حرمه؟.. هكي تعلمت وهي الاصول اللي تربيت اعليها؟
آدم:
بس انا اريد نعرف منو هي، اريد اشوف ملامحها حاسس اني نعرفها.
قصير:
اغرب عن وجهي ياادم وبلا حكي فاضي وين شفتها وهي غريبه مامن ديارنا ولا من قبيلتنا ومن الكنت صغير ماجاتنا؟
نكس آدم عيناه للأرض خجلاً فقد تدارك حجم خطأة والآن هو واثق بأن لما فعله عقاب شديد، فهو ارتكب خطأ في حق الشيخ منصور وفي حق ضيوفه وفي حق القبيلة اجمع وهو يحاول كشف ستر إمرأة غريبة، هو يعرف الاصول ويعرف التقاليد، ولكن لم كسرهم وتعدى عليهم بهذه الطريقة للمرة الأولى لا يعلم؟
تحدث الشيخ منصور وهو ينظر لآدم بحده:
- روح يم خواتك ولينا حديث طويل ياعقاب.. ماتظن هي الغلطه بتمر مرور الكرام.. والحين ياأبا يزيد خد حرمتك وتوكل على الله طريقك طِويل ودوبك تلحق توصل.. قالها له وهو يأمره بالتحرك فوراً وإلا ضاع كل شيئ، فأنصاع محمود للأمر، وأمسك يد عايده وتحرك على الفور، ولكنها قاومته وتنصلت من قبضته وعادت لآدم ومدت له العلبة قائلة:
- اشتريتهالك مخصوص ارجوك اقبلها مني.
لم يتحرك لآدم ساكن وظل ينظر اليها وكأنه لا يريد اخذها منها حتى تبقا اطول و يشبع عيناه من عيناها وصوتها، ولكن يد عوالي هي من اخذت منها العلبة وشكرتها، وكل هذا كي تغادر، فقد أصبح الأمر خطيراً وبدأت القلوب تتعرف على بعضها، وإن بقيت الأم مع ابنها اكثر سينفضح كل شيئ.
وغادر محمود وعايده الباديه، وصعدا في سيارة قصير القديمة وتركا السيارة التي أتوا بها، وكانت هذة المرة الثالثة التي تختبر فيها عايده الوداع، ونفس الشعور يعود اليها مرة اخرى وهاهي نفس الدموع تذرف ونفس الوجع يعود، وكأنه كتب عليها خوض هذه المشاعر بالتفصيل كل فترة من الزمن.. ولكن رغم ذلك كانت هناك بعضاً من السعادة تجابه الشعور بالألم وتحاول هزمه،فما رأت عليه إبنها ليس بالقليل، بل يشرح القلب ويثلج الروح، ولكن للفراق ألم لابد أن يُخاض.
عادا للفندق الذي نزلا فيه، فقد كانت خطتهم انهم سيسافران لمدة اسبوع في اجازة مسروقه من الزمن، يستريح فيها محمود من عناء العمل، وكانت سهرات السمر من ضمن برنامجهم الترفيهي، وكأن الامر حدث بتخطيط من إدارة الرحلة حتي لا يشك احد بشيء.
َوأمضوا ليلة من اسواء لياليهم، يحتضنان بعضهم وحديثهم عن ابنهم لا ينقطع، لا الوصف فيه ولا التغزل ولا السعادة التي يشعر بها كل منهما، واخيراً إستكانت ارواحهم وهدأت واطمأنت على طفلهم.
أما في البادية في نفس ليلة الحفل وبعد ان غادر الجميع، ارسل الشيح منصور لآدم، فاتى له وهو مستعد لأي عقاب سيفرض عليه، فهو اخطأ ولا يملك تفسيراً لما فعله مع المرأة سوى أنه ضرباً من الجنون انتابه.
دلف الى خيمة الشيخ منصور فوجد وجهه هادئاً عكس توقعه، فحياه واقترب حتى وقف امامه فقال له منصور آمراً:
- اجلس ياعقاب ودي احكي معك بشي.
جلس آدم وهو يرد على الشيخ منصور:
عيبتي كبيرة ياشيخ ونا عارفها ونادم عليها ومستعد لاي شيي تحكم بيه.انا اللحم وانت السكين.